ج: 1- جاء في سفر الأخبار أن عدد المحرقات كان بالآلاف "إِلاَّ إِنَّ الْكَهَنَةَ كَانُوا قَلِيلِينَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَسْلُخُوا كُلَّ الْمُحْرَقَاتِ، فَسَاعَدَهُمْ إِخْوَتُهُمُ اللاَّوِيُّونَ حَتَّى كَمَلَ الْعَمَلُ وَحَتَّى تَقَدَّسَ الْكَهَنَةُ. لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ اسْتِقَامَةَ قَلْبٍ مِنَ الْكَهَنَةِ فِي التَّقَدُّسِ" (2أي 29: 34) فكل ما فعله اللاويون أنهم ساعدوا الكهنة في سلخ الذبائح، ولم يجرؤ أحد منهم على إصعاد ذبيحة على مذبح المحرقة، وما فعلوه في عهد حزقيا الملك هنا، سيفعلونه أيضًا في عهد يوشيا الملك الصالح: "وَذَبَحُوا الْفِصْحَ. وَرَشَّ الْكَهَنَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَمَّا اللاَّوِيُّونَ فَكَانُوا يَسْلَخُونَ" (2أي 35: 11). ويقول "القس وليم مارش" "وذبحوا الفصح: أي اللاويون ذبحوا الحملان والجداء المقدَّمة لأكل الفصح. والكهنة أخذوا من أيدي اللاويين الدم ورشُّوه وكان اللاويون يسلخون (2أي 30: 17)"(1).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "بالنسبة لذبائح السلامة وغيرها، كان اللاويون يقومون بذبحها وسلخه. أما المحرقات التي تُحرق بكاملها على المذبح، فلا يلمسها إلاَّ الكهنة، ما عدا في الظروف الاستثنائية كما في هذه الحالة. كان عدد اللاويين أكثر من الكهنة، وأكثر استقامة قلب في التقديس... لا ننسى أن بعض الكهنة حُرِموا من العمل في بيت الرب، لأنهم خدموا في المرتفعات"(2).
2- قال الله لموسى وهرون: "هذَا الشَّهْرُ يَكُونُ لَكُمْ رَأْسَ الشُّهُورِ. هُوَ لَكُمْ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ. كَلِّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: فِي الْعَاشِرِ مِنْ هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً... وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ" (خر 12: 2، 3، 6) وهذا الشهر الذي صار رأس السنة هو شهر أبيب " اَلْيَوْمَ أَنْتُمْ خَارِجُونَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ" (خر 13: 4). وفي هامش الطبعة البيروتية أشار لشهر أبيب على أنه شهر نيسان أي شهر مارس، الذي يمثل بداية فصل الربيع، حيث كان الكنعانيون يحتفلون بإلههم "تموز" الذي يُدعى أيضًا "أدونيس" الذي مات في فصل الخريف ودخول الشتاء، فذبلت الأشجار، ثم نهض من الموت مع بداية فصل الربيع، فعادت الخضرة للحقول والأشجار، فيحتفلون بعودة إلههم من الموت، و"تموز" هو أحد آلهة الفينيقيين، وجاء في الأسطورة أن "تموز" هو زوج عشتاروت وأخاها، وعشتاروت تقابل "أفروديت" عند اليونان، وأن "تموز" كان راعٍ جميل الطلعة قتله خنزير بري (وهذا الخنزير يرمز لفصل الشتاء) فناحت عليه عشتاروت، وكان الوثنيون يشاركونها في الحزن والبكاء، والاحتفال بعودة تموز كان له طقوسه الممتزجة بالطرب واللهو والزنا والفجور، وظلت هذه الممارسات قائمة في جبيل حتى منعها الإمبراطور قسطنطين الكبير(3).
أما في عهد حزقيا الملك فقد عبر ميعاد الفصح، فأقاموه في الشهر التالي "فَتَشَاوَرَ الْمَلِكُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي أُورُشَلِيمَ أَنْ يَعْمَلُوا الْفِصْحَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، لأَنَّ الْكَهَنَةَ لَمْ يَتَقَدَّسُوا بِالْكِفَايَةِ، وَالشَّعْبَ لَمْ يَجْتَمِعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ" (2أي 30: 2، 3)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي هذا لم يخالف الوصية لأن الله قال لموسى: "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيل قَائِلًا: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَجْيَالِكُمْ كَانَ نَجِسًا لِمَيْتٍ، أَوْ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ، فَلْيَعْمَلِ الْفِصْحَ لِلرَّبِّ. فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ الرَّابعَ عَشَر" (عد 9: 10، 11).
وتساءل الناقد: هل عيد الفصح كان يوافق رأس السنة عند الكنعانيين، ولم يحدد أي عيد للفصح يقصد؟ هل عيد الفصح الذي حدَّده موسى باليوم الرابع عشر في الشهر الأول من السنة، أم العيد الذي عمله حزقيا الملك في اليوم الرابع عشر من الشهر الثاني من السنة؟!
أما قول الناقد: "حيث امتزجت العبادتين معًا" نقول أن الملك آحاز الشرير قد مزج عبادة يهوه بالعبادات الوثنية عندما صنع مذبحًا على شاكلة مذبح الأوثان الذي رآه في دمشق، ونحىَ مذبح المحرقة الذي صنعه سليمان جانبًا، وأبطل العبادة الحقيقية، وهذا ما عبَّر عنه حزقيا الملك قائلًا: "لأَنَّ آبَاءَنَا خَانُوا وَعَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِنَا وَتَرَكُوهُ، وَحَوَّلُوا وُجُوهَهُمْ عَنْ مَسْكَنِ الرَّبِّ وَأَعْطَوْا قَفًا، وَأَغْلَقُوا أَيْضًا أَبْوَابَ الرِّوَاقِ وَأَطْفَأُوا السُّرُجَ وَلَمْ يُوقِدُوا بَخُورًا وَلَمْ يُصْعِدُوا مُحْرَقَةً فِي الْقُدْسِ لإِلهِ إِسْرَائِيلَ. فَكَانَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ" (2أي 29: 6 - 8). ففي عهد آحاز امتزجت عبادة الله مع العبادات الوثنية، وبطلت الأعياد، وخلال هذه الفترة بالطبع لم يفكر أحد في الاحتفال بعيد الفصح. أما في عصر حزقيا فقد تم تطهير الهيكل وتقديس الكهنة واللاويين والشعب فحدث انفصال كامل بين العبادات الوثنية وعبادة يهوه، وعادت عبادة يهوه إلى نقائها الأول، وفي هذا العصر احتفل بنو إسرائيل احتفالًا عظيمًا جدًا بعيد الفصح. هنا يصبح رأي الناقد صحيحًا لو أن العبادتين أُقيمتا في مكان واحد ووقت واحد، ولكن الحقيقة أن هناك اختلافات في المكان والزمان الأشخاص.
_____
(1) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 5 ص 78.
(2) تفسير أسفار أخبار الأيام الثاني ص 397.
(3) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 401، وزينون كوسيدوفسكي - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 204.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1429.html
تقصير الرابط:
tak.la/xwz9556