محتويات |
4- المعمودية غسل للخطايا:
عمل المعمودية يمثل وحدة واحدة، لا نستطيع الحديث عن عملها كغسل للخطايا منفصلًا عن عملها كختان للروح، أو تمتع بالاتحاد مع السيد المسيح كعضو في جسده الأقدس، لأن عمل الروح متكامل معًا، لكن من أجل الدراسة حاولت ما استطعت الحديث عن عملها في بنود متتالية، مبتدأ بعملها كغسل للخطايا الجَدّية والشخصية.
في صراحة كاملة تحدث السيد المسيح مع رئيس لليهود قائلًا: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت السماوات" (يو 3: 5). مؤكدًا عمل المعمودية الخلاصي أنها الطريق الذي بدونه لا عودة للملكوت المفقود. فإن كانت الخطيئة قد حرَمت الإنسان الأول وبنيه من الفردوس، وأفقدته سُكنى روح الرب فيه (تك 6: 3)، فإنه بالولادة الجديدة في المعمودية (من الماء والروح) لا يعود الإنسان إلى الفردوس الأول بل إلى ملكوت السماوات الأبدي، ويصير هيكلًا للروح القدس بغسل خطاياه الجَدّية والشخصية. لهذا يؤكد السيد: "مَنْ آمن واعتمد خلص..." (مر 16: 6).
وفيما يلي مقتطفات من العهد الجديد عن غسل الخطايا بالمعمودية:
"توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (حديث الرسول بطرس يوم العنصرة أع 2: 38).
"لماذا تتوانى؟! قُمْ واعتمد وأغسل خطاياك داعيًا باسم الربّ" (حديث حنانيا لشاول الطرسوسي أع 22: 16)
"إذ كان الفُلك يُبنَى، الذي فيهِ خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماءِ. الذي مثالهُ يخلّصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضميرٍ صالحٍ عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1 بط 3: 20-21).
"أيُّها الرجال أحبُّوا نساءَكم كما أحبَّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسهُ لأجلها لكي يقدسها مطهرًا إياها بحميم الماءِ بالكلمة" (أف 5:25-26).
"ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانهُ، لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمتهِ خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5). وقد أكد بوسي Pusey في كتابه "التعليم عن المعمودية المقدسة" أنه لا توجد أي عبارة في كل أقوال الآباء وكتاباتهم فسّرت هذا القول إلا بأنه عن المعمودية المقدسة، كما جاءت كل ليتورجيات العماد تؤكد ذلك بطريق أو آخر [78].
* كان ضروريًا أن يصعدوا بواسطة المياه لكي يصيروا أحياء، فإنهم لا يستطيعون أن يدخلوا ملكوت الله ما لم يخلعوا حالة الموت التي كانت لهم قبلًا... فإنه قبل أن يحمل الإنسان اسم "ابن الله" يكون ميتًا، ولكنه إذ يتقبل الختم يلقي عنه حالة الموت ويتمتع بالحياة. الختم إذن هو الماء الذي ينزلون فيه أمواتًا ويصعدون أحياء [79].
* حقا إننا ننزل في المياه مملوءين من الخطايا والدنس، ونصعد حاملين ثمرًا في قلوبنا، حاملين في أرواحنا خوف (الله) والرجاء بيسوع [80].
* يجب أن نُسرع في معرفة أي طريق هو لمغفرة الخطايا ورجاء ميراث الخيرات الموعود بها، فإنه لا يوجد سوى هذا الطريق: أن تتعرف على هذا المسيح، وتغتسل في الينبوع (المعمودية) الذي تحدث عنه إشعياء لغفران الخطايا، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة [81].
* إنني سأروي الطريقة التي تكرّست بها حياتنا لله حينما صرنا جددًا خلال المسيح... إذ يتقبل كثيرون هذه الأمور التي يتعلمونها والتي ننطق نحن بها، ويؤمنون أنها حق، ويعدُون أنهم قادرون أن يعيشوا هكذا، يتعلمون أن يصلوا ويسألوا الله بأصوامٍ من أجل غفران خطاياهم، بينما نحن نصلي ونصوم معهم. عندئذ نحضرهم إلى حيث الماء وينالون التجديد بذات الكيفية التي نلنا نحن بها ذلك. فإنهم يتقبلون الغسل بالماء باسم الله الآب ورب كل الخليقة، ومخلصنا يسوع المسيح، والروح القدس [82].
* مغبوط هو سرّ الماء الذي لنا، فبغسل خطايا العمى الذي أصابنا مبكرًا نتحرر وندخل إلى الحياة الأبدية [83].
* حقا، يغتسل الجسد لكي تتطهر النفس، يُدهن الجسد لكي تتقدس النفس، يُرشم الجسد بعلامة (الصليب) لكي تتقوّى النفس.
يُظلَّل الجسد بوضع الأيدي لكي تستنير النفس بالروح (القدس) [84].
* إلى الذين يمنح لهم الآن غفران الخطايا.
بعد التجديد لا توجد حاجة للجرن مرة أخرى، إنما يكفي غسل الأيدي، لأن الروح القدس يُعطِّر جسد المؤمن ويطهره بالكامل [85].
قوانين القديس هيبوليتس
* يُدعى هذا الفعل (المعمودية) بأسماء كثيرة، أعني: نعمة، واستنارة، وكمالًا، وحميمًا... فهو حميم لأننا به نغسل خطايانا، ونعمة إذ تُترك عقوبات خطايانا.
* تغسلنا المعمودية من كل عيب، وتجعلنا هيكل الله المقدس، وتردّنا إلى شركة الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس [86].
* إنها المعمودية التي فيها يموت الإنسان القديم ويولد الإنسان الجديد كما يعلن الرسول، مؤكدًا أنه خلصنا بغسل التجديد. فإن كان التجديد يتحقق في الغسل أي في المعمودية، فكيف يمكن للهراطقة -وهم ليسوا عروسًا للمسيح- أن ينجبوا أبناءً لله خلال المسيح؟! [87]
[يصف القديس كبريانوس لصديقه دوناتوس Donatus عمل المعمودية في حياته فيقول:]
*إذ كنتُ ملقيًّا في الظلام وسط الليل المربك، كنت أتقلب هنا وهناك على وسائد هذا العالم المملوء اضطرابًا، وأنا أجهل حياتي الحقيقية. كنت بعيدًا عن الحق والنور، فصرت أفكر في الميلاد الثاني الذي وعدَتني به الرحمة الإلهية لخلاصي، كأنه أمر صعب وذلك خلال واقع حياتي التي أعيشها: كيف أتمتع بحياة جديدة في حميم المياه الشافية بخلع الطبيعة ذاتها، ومع احتفاظي بالخيمة القديمة يتغير القلب وتتغير النفس؟! قلت: كيف يمكن أن يتم هذا؟ كيف يتحقق تغير عظيم كهذا، فيخلع عنا دنس كياننا الطبيعي العنيد وعاداتنا القديمة المتأصلة، وتزول فجأة وبسرعة الشرور التي تعمّقت جذورها في داخلنا زمانًا طويلًا؟!
لكن بمعونة واهب الحياة غُسلت وصمة الماضي، وانصبَّ النور المشرق من السماء في صدري، النور الطاهر المقدس، بعد أن شربت الروح السماوي، وخُلقت كإنسان جديد بالميلاد الثاني بطريقة معجزية.
كنت قبلًا أشك فيما قد صار لي الآن واضحًا. ما كان مخفيًا صار مُعلنًا. ما كان قبلًا ظلمة قد أشرق، وما كان صعبًا صار الآن له طريقه ووسائله. ما كان يبدو لي مستحيلًا قد تمتعت الآن به...
إنك تعرف جيدًا ما كنت أنا عليه قبلًا، وتستطيع أن تتذكر ذلك، الآن قد نُزع عني هذا. لقد وُهب لي موت الخطية وإحياء قوة القداسة... أقول أنه هبة من الله. من الله نأخذ كل ما نحن عليه، وبه نعيش، وبه ننمو... [88]
* يُعطَى الروح القدس للذين يؤمنون، ويولدون ثانية بغسل التجديد [89].
* بواسطة غسل الميلاد الجديد والتجديد بالروح القدس نصير أبناء الله [90].
نعمة المعمودية تنقي الإنسان من خطيئته، وتغسله بالكامل من الأوساخ والأقذار اللاحقة به من الرذيلة... وهي من حيث أنها نجدة للولادة الأولى تجعلنا جُددًا من عتق، وإلهيين بدلًا مما نحن عليه [91].
** كل خطية تغفر في المعمودية.
* إن لم يعتمد (الموعوظ) باسم الآب والابن والروح القدس فلن يستطيع أن ينال صفح الخطايا ولا منحة النعمة الروحية [92].
* لا تقدر التوبة وحدها أن تنقي من الرذيلة، لذا يعتمد المؤمنون حتى يستطيعوا بنعمة المسيح أن يحققوا الأمور التي يعجزون عن تنفيذها بأنفسهم. لا تكفي التوبة للتطهير، لذا يُقبل المؤمنون على المعمودية.
* يسمع الغير عن العماد فيحسبونه مجرد ماء، أما أنا فلا أري مجرد المادة المنظورة، بل أرى تنقية النفس بالروح!
هم يحسبونه غسلًا للجسد، أما أنا فأومن أن النفس تتنقى وتتقدس! إني أحسبه القبر المقدس، القيامة، التقديس، البرّ، الخلاص، التبني، الميراث، الملكوت السماوي، تدفّق كامل للروح.
لست أحكم على هذه الأمور حسب الظاهر بل حسبما تراه عينيْ عقلي.
* خلال المعمودية تقبّلنا غفران الخطايا والتقديس وشركة الروح والتبني والحياة الأبدية، فماذا تطلبون بعد؟!
* إذ دُفنت خطايانا في المعمودية لا تعود تظهر بل تختفي مادمنا نود التوبة [93].
* المعمودية تمحو جميع الخطايا: الخطيئة الأصلية والخطايا الفعلية، خطايا الفكر والقول والفعل، الخطايا التي يتذكرها الإنسان والخطايا التي ينساها، فإن الذي خلق الإنسان يجدده.
مَنْ فارق الحياة في الحال بعد المعمودية لا يكون عليه شيء يُكفِّر عنه، بل كل شيء قد غفر له [94].
* بالمعمودية المقدسة يُعتق الإنسان من سلطان إبليس، ويصير مولودًا من غير نطفة (دنسٍ) مثل ناسوت المسيح، لأن الروح القدس يقدسه من ميلاد النطفة، فلا يبقى للشيطان عليه سلطان مادام روح المسيح فيه [95].
الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين
* أمرنا الرب أن نعيد ولادتنا بالماء والروح، إذ يحل الروح القدس على الماء بعد التضرع والدعاء... أما الروح فيجدد الصورة التي فينا والمثال الذي عليه خُلقنا، وأما الماء فينقى الجسد من الخطيئة بنعمة الروح القدس وينقذه من الهلاك.
* إذ سقطنا وأفسدتنا الخطيئة صار حكم الموت علّة انحلالنا الكامل، لكن بالتبعية شَكَّلنا من جديد خالقنا وسيدنا وذلك بقدرته غير الموصوفة [96].
الأب ثيؤدور المؤبسستي (المصيصي)
* هذه النفس التي انعكست بالأهواء الدنيئة بالمعصية، يجعلها شريكة لروحه الإلهي، وقد أتى ليصنع عقلًا جديدًا ونفسًا جديدة وأعينًا جديدة، وآذانًا جديدة، ولسانًا جديدًا روحانيًا، وباختصار يصير المؤمنون به بشرًا جُددًا وآنية جديدة بعد أن يمسحهم بنوره، ليصب فيهم الخمر الجديدة أي روحه القدوس، فقد قال بأن الخمر الجديدة توضع في زقاق جديد [97].
* [يتحدث القديس كيرلس الأورشليمي عن إمكانية المعمودية كقوة نارية فعَّالة ومُسكر قاتل للخطيئة وواهب حياة للقلب.]
حلَّ (الروح القدس) لكي يلبس الرسل القوة ويعمدهم، إذ قيل: "فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثيرٍ" (أع 1: 5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لم تكن هذه النعمة جزئية، بل هي قوة (الروح) في كمالها...
لماذا تتعجب؟ خذ مثالًا واقعيًا وإن كان فقيرًا ودارجًا لكنه نافع للبسطاء. إن كانت النار تعبر خلال قطعة حديد فتجعلها كلها نارًا، هكذا من كان باردًا يصير ملتهبًا. من كان أسودً يصير لامعًا. إن كانت النار وهي جسم تخترق الحديد هكذا وتعمل فيه بلا عائق مع أنه هو أيضًا جسم، فلماذا تتعجب من الروح القدس الذي يخترق أعماق النفس الداخلية؟!
* آخرون سخروا قائلين: "إنهم سكرى" (أع 2: 13). حتى في استهزائهم نطقوا بالحق، لأنه بالحقيقة كانت الخمر الجديدة هي نعمة العهد الجديد...
إنهم سكرى... بمُسكر سام يقتل الخطيئة ويهب حياة للقلب.
إنهم سكرى، لأنهم شربوا خمر الكرمة الحقيقية، القائل: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان..." (يو 15: 5) [98].
غسل خطايانا وتجديدنا لا يعني موت الجسد، بل موت الشهوات الجسدية أو الإنسان القديم بأعماله، أما الجسد فصالح ومقدس.
* أريد أن يموت هذا الجسد عن الخطيئة. لست أسأل أن يموت الجسد، بل ألا يخطئ مرة أخرى. وكما أن الميت يكون جثمانه فوق إمكانية الخطيئة، هكذا الذي يصعد من مياه المعمودية يخلص من الخطيئة. فإن كنتَ قد متَّ في هذه المياه يلزمك أن تبقى ميتًا عن الخطيئة [99].
لا يقف دور المعمودية عند الجانب السلبي أي غسل الخطايا، وإنما يمتد إلى الجانب الإيجابي أي "الحياة بالله".
المعمودية باب يردنا إلى الفردوس، فيها يدخل الإنسان إلى الله ليكون معه.
*المعمودية سفينة جديدة حاملة للأموات، بها يقومون ويعبرون إلى بلد الخالدين.
وُضعت المعمودية في العالم لأجل العالم الجديد، فيها يعبر الإنسان من عند الأموات إلى بلد الحياة...
* تعالوا أيها المدينون وادخلوا، خذوا صكِّكم مجّانا، فتُمحى ذنوبكم داخل المياه.
تعالوا أيها المساكين واقتنوا الغنى بالعماد الروحي، وأقيموا الخزانة العظيمة عوض الفقر.
تعال أيها الخروف الضال الذي لسيد القطيع واعتمد، فبك يكمل العدد مائة.
تعال أيها الخاطئ المتعَب، والمنسحق، والمملوء جراحات، واقطع عنك ثقل الإثم بالمعمودية.
تعالوا أيها العميان المُظْلِمون باختيارهم، اعتمدوا لتتفتح أعينكم وتستضيئوا بابنة النهار.
تعالوا أيها الهالكون، لأن الراعي الصالح قد خرج وراءكم ليجمعكم عند الينبوع...
تعالوا، فإن طرق بيت الله مفتوحة داخل المياه...
تعالوا أيها العتيقون الذين شاخوا وبليوا... اقتنوا تجديدًا في بطن المعمودية الجديد [100].
* المعمودية هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات [101].
* إن صنعت صلاحًا، علنًا أو خفية، فتأكد أن المعمودية والإيمان هما الوسيطان لهذا الصلاح، إذ بهما قد دُعيتَ إلى الأعمال الصالحة في المسيح يسوع [102].
_____
[78] Pusey: Doctrine of Holy Baptism, p 57-58.
[79] Pastor: Simil 9:16.
[80] Epis. of Berrabas 11
[81] Dial. With Trypho 44.
[82] 1 Apol. 61.
[83] De Baptismo 1.
[84] De Resurrec. Carn., 8.
[85] Canons of Hippolytus, can 19:138; 27:243.
[86] Paed 1:6:26; In Lucam 22:8.
[87] Epist. 74:5, 6.
[88] Ad Donat. De Grat. Dei 3, 4.
[89] Ep. 1 ad Serap. 4.
[90] Adv. Eunom 5.
[91] On Baptis. 7, 8
[92] In Martyr. 3, 4.
[93] In Hebr. Hom 9:4; In, Car. hom 7:2; In Act. hom 40:2; In Joan. hom 34:3.
للاستزادة راجع كتابنا: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 230-238.
[94] On the Creed 10 (cf. Epist 178:28).
[96] Hom 14:11.
[98] Cat. Lect. 17:14,19.
[99] In Epis. Ad Rom. Hom 2.
[100] ميمر عن المعمودية المقدسة (مخطوط بدير الأنبا أنطونيوس نسخ عام 1488 ش).
[101] ميمر عن المعمودية المقدسة (مخطوط بدير الأنبا أنطونيوس نسخ عام 1488 ش).
[102] A. J. Wensinck: Mystical Treatises, St. Isaac the Syrian, p 7.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/holy-spirit/sins.html
تقصير الرابط:
tak.la/x42x5az