ما أعجب أن يستهزأ بك العسكر ويحتقرونك. وما أعجب أن يبصقوا عليك ويضربوك على رأسك. وما أعجب أن يجلس العسكر ليحرسوك بينما أنت لست مُحتاجًا إلى حراسة بل سمحت أن يخضع جسدك للحراسة لتكون حياتنا محفوظة بعنايتك ومحروسة بقوتك.
ما أعجب مضيك مع العسكر إلى داخل دار الولاية وأنت وسط الذئاب الضارية، بينما هم يجازوك عن الخير شرا وقد صروا عليك بأسنانهم، وأنت بقلبك الوديع البريء المحب للبشر قد تألمت عندما طن جسدك بالحربة، وتألمت عندما وضعوا جسدك في القبر، إلا أنك أقمت جسدك وأظهرته جليا لتلاميذك بل وسمحت لهم أن يلمسوك بأياديهم ويضعوها في مواضع الحربة والمسامير، فتطهرنا جميعا بموتك لأننا معك متنا وقمنا وتمجدنا.
ما أعجب جروحك التي صارت ثمن معاصينا وما أعجب سحق عظامك لأنه ثمن آثامنا. وما أعجب استهزاء العسكر لأنه ثمن سلامنا. وما أعجب الشوك وضرب رأسك لأنه ثمن خزينا. لقد ضربوا رأسك التي لم يكن لك أين تسندها وكللوها بالشوك لأنها ستحمل خطية الإنسان وكل فجوره. وما أعجب أن تُحْصِيَ مع الأثمة وأن يحسبوك مرفوضًا، لكنها الكأس التي أعطاها لك الآب لتشربها (يو 18: 12).
ما أعجب عريك الذي به سترت عرينا وألبستنا ثياب برك. وما أعجب ضربك على رأسك وأنت الذي تنحني وتجثو له كل الرؤوس. ما أعجب مساميرك التي بها مزقت صك خطايانا. ما أعجب قول بيلاطس للشعب "أؤدبه وأطلقه"، وما أطلقك بل أطلق باراباس بينما أنت مؤدبنا جميعًا، وأنت الذي أعطيت إطلاقا للذين قبض عليهم في الجحيم.
ما أعجب احتمالك للطمة عبد رئيس الكهنة على خدك. وما أعجب صبرك على الامتهان والتلفيق، وأنت ساكت وهم مسرورون بسكوتك بينما هم أسلموك حسدا وأنت راض بكل ما عملوه. ما أعجب هدوئك أمام المحكمة واحتفاظك بالغفران والصفح وأنت صامت كملك، بينما لابد أننا جميعًا سنظهر أمام كرسيك في اليوم الذي فيه ستدين سرائر الناس.
ما أعجب أن يلبسوك الرداء معتبرين أنه لباس الملوك، وما أعجب أن يضفروا لك الشوك الذي كان تكميلا لقول الله لآدم "شوكًا وحسكًا تنبت لك الأرض" (تك 3: 18). وما أعجب القصبة التي في يمينك كصولجان الملك. وما أعجب لقاءك مع النسوة في طريق الآلام، حيث قابلتك النسوة بالنواح والبكاء بينما رددت عليهن "يا بنات أورشليم لا تبكين على بل ابكين على أنفسكن" (لو 23: 28)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إذ أنك لسن أنت الذي يبكى عليك. وما أعجب صورتك التي انطبعت بالدم على منديل القديسة فيرونيكا.
وما أعجب أن تعطش من أجلنا مع أنك أنت الذي تمنحنا الشراب بهباتك الخلاصية، لأن هذا هو مجدك وهذه هي عجيبة لاهوتك، أن يعطش ينبوع الحياة عطشنا لكي بهذا ينبهنا قائلا "إن عطش أحد فيقبل إلى" (يو 7: 37). وما أعجب أن يصير حملك لآلامنا هو مسرتك في أن تسحق بالحزن.. وما أعجب أن تقبل الموت عنا، فلكونك أنت الحياة مت لكي لا نموت نحن، بل نصير دائمي الحياة.. ما أعجب أن تصير جسدا ليما تقيم الجسد بالكلمة. إنها قصة الحب العجيب التي تجلت على الصليب..
ما أعجب سقوطك تحت الصليب يا رب وما أعجب أن يحمل سمعان القيرواني الصليب بدلا منك ويكون هذا القيرواني مصدرًا يأخذ عنه الإنجيليون القصة بدقائقها. وما أعجب أن تسقط بالصليب ثلاثة مرات على طريق الآلام الضيق. لقد ذهبت يا رب إلى الجلجثة ورافقك في المسيرة اثنان من اللصوص وهناك في الجلجثة حيث دفن آدم، امتلكت الحياة وملكت عوض الموت.
ما أعجب ما أصابك من إنهاك تحت ثقل الصليب حتى أنهم سخروا سمعان القيرواني ليحمله بينما أنت الحامل كل شيء بكلمة قدرتك. ما أعجب أن تحمل الصليب على منكبيك وليس فيك صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت (أش 1: 6) بينما أنت مصدر كل قوة والذي يرطب الجميع بزيت النعمة، إلا أنك وجدت في الهيئة كإنسان وفي الحقيقة أنت ابن الإنسان ولاهوتك لم يفارق ناسوتك.
ما أعجب أنك لم تترك وسيلة لتخلص بها على كل حال قوما حتى في وقت صلبك: أنقذت باراباس وخلصت اللص اليمين وحولت قائد المئة وسخرت سمعان القيرواني وتلامست مع من طعنك وجعلتنا جميعا نتقدم في ثقة إلى عرش نعمتك لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه.
ما أعجب القصة لأنها صارت صولجانًا. وما أعجب جلدات جسدك لأنها شفت البشرية. وما أعجب إكليل الشوك المظفر الذي يدمى جبهتك لأنه صورة لإكليل مجدك الأبدي، فمجدك حوله هؤلاء الأثمة إلى شوك وخزي وعار بأيديهم. فما أعجب رأسك التي ضربوك عليها بالقصبة فبهذه تقودنا يا رب إلى أبيك.
ما أعجب قولك "أنا عطشان" بينما أنت ماء الحياة، وما أعجب أن ترفع فوق خشبة الصليب وأن تسمر عليها لتبرأ البشرية كلها بشجرة الحياة. وما أعجب أن تموت وأنت المحيى والماحق الموت بموتك. وما أعجب أن تنزل إلى الجحيم، إلا أنك ستقوم وترجع معك النفوس. إنها قصة الحب العجيب.
ما أعجب أن تجتاز المعصرة الحقة وحدك وأن تدوس فيها ولم يكن معك أحد، بينما هي ليست معصرة الآلام بقدر ما هي معصرة ثقل الخطية التي لا تقبلها ولا تطيقها، لكنك من أجل هذا جئت، ونيابة عنا خضعت في طاعة للآب لتحمل موت الخطية، حملتها نيابة عنا لأننا رفضنا إرادة أبيك فخضعت أنت للصليب بسرور من أجل طاعة أبيك ولأنك أردت ذلك وهو ما أعلنته بنفسك بقولك "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16) وكأن البذل هنا هو من إرادة الآب المحب الذي لم يشفق على ابنه الوحيد. فما أعجب حبك الذي جعلك تسلم نفسك لأجلنا (غلا 2: 10) باذلا نفسك المملوءة حبا، مقدما لنا جسدك ودمك وعرقك ودموعك وصلواتك وسهرك..
ما أعجب أن تجثو على ركبتيك بينما أنت رئيس الكهنة الأعظم، لكنك كنت تقدم ذبيحة العالم الفريدة، تقدم حياتك المبذولة طاعة لأبيك وحبا للبشرية. وما أعجب أن تدخل المعصرة بإرادتك لتجتازها من أجلنا لحظات قبولك الكأس من يدي الآب، لتؤكد لنا ناسوتك الذي شاركت به ناسوتنا.
ما أعجب حملك للآلام لكي تمنحنا الفرح. إنك تألمت أيها الرب لا بآلامك وإنما بآلامي. وما أعجب أن تفيض منك قطرات العرق بطريقة عجيبة كقطرات الدم وكأنك تستنزف دمك مفرغا ينبوع الخوف اللائق بطبيعتنا.
ما أعجب أنك كنت تقتاد للموت البشع وأنت محتقر من العصاة بينما كان تلاميذك يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر. وما أعجب أن تكلم أبيك في البستان بينما أنت لم تنفصل عنه، حاملا كأس الأم وحانيا رأسك وكتفيك لترفع عنا ثقل خطايانا وتردنا لا إلى جنة عدن بل إلى الفردوس السماوي.
ما أعجب أن يسلمك يهوذا للموت بينما أنت أعظم من الموت، إذ دخله الشيطان ولأجل فضة مدنسة خسر السماء وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة وحسبانه ضمن عداد الاثني عشر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/divine.html
تقصير الرابط:
tak.la/cbr2mga