St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   passion
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية - القمص أثناسيوس فهمي جورج

10- أعاجيب الحب الإلهي

 

ما أعجب قولك عن يهوذا "هوذا الذي يسلمني قد اقترب" (مت 26: 46) وما أعجب نعتك له "يا صاحب لماذا جئت". وما أعجب أنك تركته ليخونك لمدة يومين بينما كنت تحاول أن تنبهه لكنه لم ينتبه، ثم أخذ اللقمة وخرج للوقت في الليل ليخونك في الظلام، وبخروجه انفصل إلى الأبد عنك وخنق نفسه. إنه مصير كل من يبيعك يا رب بأي عرض من عروض الدنيا.

ما أعجب أن ثمنك، الذي صار ثمن الدم، جعل يهوذا يرده، فلم يكن ممكنا أن يتركه معه لأنها فضة مرفوضة وزغل مغشوش، إذ كما أن من يترك شيئا من أجلك أيها السيد يأخذ عنه مئة ضعف في هذا العالم مع حياة الدهر الآتي، هكذا من يبيعك أيها السيد يخسر مئة ضعف ويفقد حياته إلى الأبد، فرغم أن يهوذا ظن أنه اقتنى ربحا بالثلاثين من الفضة إلا أنه اقتنى بؤسا وهما وغما، لذا ذهب ليرد الفضة في ندامة بلا توبة وفي مرارة بلا رجاء، حتى أنه لم يطق حياته فمضى وشنق نفسه.

ما أعجب أن يكون حقل الدم الذي اشترى بالثلاثين من الفضة هو مدفن للغرباء ليصير هو العالم الذي افتديته يا رب بدمك لكي تدفن فيه الأمم فيتنعمون بخلاصك، إذ أن ثمن تسليمك استخدموه في شراء مدفن للغرباء، لنكون نحن المنتفعين به، فقد اشترى الحقل لأجلنا بثمن دمك، فما الحقل إلا هذا العالم الحاضر وما ثمن الدم إلا ثمن آلامك لكي تحفظ الذين دفنوا معك وماتوا معك في المعمودية لنوال البركات الأبدية.. فعوض أن يعيشوا غرباء تحت الناموس صاروا قريبين بدمك (أف 2: 11).

ما أعجب أن تصير وكأنك لص محتقر ومخذول بينما أنت أبرع جمالا من بنى البشر. وما أعجب أن تتجرع الأوجاع وتختبر الحزن ولم يعتد بك بينما أنت الذي تحمل أثقال وهموم العالم. وما أعجب قطرات عرقك التي كانت كقطرات الدم لأنها آلام الفداء.

ما أعجب قولك "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" فهل كنت تحزن من هروب التلاميذ وإنكار بطرس؟ أم من خيانة يهوذا؟ أم من أن الجميع قد تركوك؟ بينما أنت قد قست طريق الآلام ودست معالم الموت والهاوية قبل أن تجتازها.

St-Takla.org Image: Bible Image: Gustave Doré's Bible Illustrations -089, Close of the crucifixion صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحات الكتاب المقدس - رسم الفنان جوستاف دوريه - صورة مقربة للصليب

St-Takla.org Image: Bible Image: Gustave Doré's Bible Illustrations -089, Close of the crucifixion

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحات الكتاب المقدس - رسم الفنان جوستاف دوريه - صورة مقربة للصليب

ما أعجب أن يربطوك- "فأوثقوا يسوع"- فكيف تقيد يدي رب الحرية؟ لقد قبلت القيود في يديك لتستطيع أن تفك قيودنا الأبدية من الخطية والشيطان، إذ أنك لم تستعف من تقديم ذبيحة الآلام حتى تصل نعمة الخلاص للجنس البشرى كله.

ما أعجب ثوبك الثمين المنسوج قطعة واحدة، هذا الثوب الإلهي الذي ألقوا عليه القرعة فيما بينهم. وما أعجب أن تؤخذ ملابسك قبل الصليب بيد العساكر الصالبين الرومان، ويا لعظم ثوبك الذي نسجته لك مريم العذراء أمك بيديها.

ما أعجب قميصك الذي ألقوا عليه قرعة إلا أنهم لم يمزقوه، لتجعل كنيستك منسوجة بيدك غير منقسمة ولا منشقة ووحدتها مقررة ومعانة من عندك، ولتصير كنيستك كقميصك بغير خياطة فلا تنحل أبدا، منسوجة كلها من فوق من السموات، إذ أنها فائقة المعرفة، مرتبطة برباط الكمال، فجعلتها كقميصك كله فلا يستثنى أحد من وحدتها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إنه قميص المحبة الأبدية وقميص صورة الإيمان الذي بشرنا به بدون تقسيم.

ما أعجب الثوب القرمزي الذي تلطخ بدمك الكريم لأن به ألبستنا ثوب المجد والطهارة الأبدية، إذ أنه ليس دم إنسان يفسد بل دم المسيح الحي، دم ابن الله. وما أعجب ظهرك المجلود بالسياط لأن به دفعت عقوبتنا وجددت لحمنا وعظامنا، وما أعجب قبولك للإهانات والبصق واللطم لأن بها تقبلت ورضيت أن تكون حاملا لآثامنا ومعاصينا فتأديب سلامنا عليك لأن بجراحاتك شفينا.

ما أعجب أن تكون أنت يا رب فصحنا الذي ذبح لأجلنا بينما أنت الراعي والكاهن الأعظم والطريق والباب وكل شيء معا لنا. وما أعجب أن تدان وتحاكم بينما أنت الديان. وما أعجب ما وقع عليك من تعييرات المعيريين بينما أنت الذي ترد إلينا بهجة خلاصنا. وما أعجب أن تحمل اللعنة والعار لأجلنا بينما أنت القدوس الذي بلا عيب. وما أعجب موتك بينما أنت الذي لم يكن ممكنا أن يمسكك الموت، لذا أبدت الموت وزعزعت سلطانه.

ما أعجب دمك الذكي الذي به صار تطهير نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، بينما قديما كان دم التيوس يرش على المنجسين لتطهير الجسد، بينما بدمك الرشوش الآن ليس فقط سيعبر المهلك بل سيكون على عتبة أورشليم السمائية ليدعونا لحضور الوليمة الدائمة.

ما أعجب إن تشاركنا بشريتنا وتتبنى قضينا وتضع نفسك متهما بدلا عنا لكي تكتسب لنا النصرة. وما أعجب أن تتخذ شكل العبد لكي يظفر العبيد بنعمة الحرية والبنوية. وما أعجب إخلائك لنفسك يا بر لتكمل سر تدبير تعطفك الجزيل. وما أعجب أن ترتضى الذل والهوان لتحقق لنا الرفعة من بعد سقوطنا، فعذابك صار لنا كنزًا وأوجاعك صارت لنا تنعمًا ومرارتك صارت لنا حلاوة، وخزيك صار كرامة لنا، إذ قبلت أن تجرب لتهبنا النصرة، وأهنت لكي تمجدنا، فقدوس أنت لأنك أظهرت بالضعف ما هو أعظم من القوة.

ما أعجب أن ترفع على الصليب لتصالح العالم بنفسك غير حاسب لنا خطايانا وواضعا فينا كلمة المصالحة، بينما بارتفاعك عن الأرض جذبت إليك الجميع. وما أعجب أن تجعل أن نفسك خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيك، ولنصير من أجلك كل ما صرته من أجلنا.

ما أعجب أن تثمن يا رب بثمن العبيد آنذاك، وبأن تجرح في بيت أحبائك. لقد أخذت على نفسك ما كان أقل حسنا لتعطينا ما هو أفضل. وما أعجب أن تجعل نفسك فقير البشرية لكي نصير نحن أغنياء بفقرك. وما أعجب أن تأخذ صورة عبد لتعتقنا من العبودية، وأنت تنزل لتصعدنا. وما أعجب أن تموت لتحيينا وتصعد إلى السماء لتجذب إليك المطروحين في الخطية. وما أعجب نزولك لأن به جعلتنا قادرين على الصعود، فنزولك إلى الجحيم إلى عالم الموتى كان أعظم إظهار وإعلان للحياة، إذ أن نزولك إلى الجحيم حول الموت نفسه إلى حياة!!

ما أعجب أن تصير آلامك وصلبك ودفنك وقيامتك هي فصح الكنيسة الدائم والمستمر. وما أعجب أن يكون عملك الفصحى الإلهي موضوع لهج كل مؤمن حقيقي، خلاله يعبر من مجد إلى مجد، لأن صليبك وقيامتك هما مركز الإنجيل. ما أعجب أن يتحقق سر الفصح في جسدك وأنت تقاد كحمل وكشاه تذبح لتخلصنا ولتحررنا من عبودية الشيطان خاتما نفوسنا بروحك ومقدسا أعضاءنا الجسدية بدمك.

ما أعجب الحمل الصامت الذي أخذ من القطيع واقتيد للذبح في المساء ودفن في الليل ليخلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمة إلى النور، ومن الظلم إلى الملكوت الأبدي. وما أعجب أن تكون المسامير المسمرة والألسنة المجدفة والشهادات الزور قصة حبك العجيب التي ذبحت الشيطان وجردت الرياسات والسلاطين لتمسح العالم كله بدم العهد.

ما أعجب ذبيحة فصحك الحقيقي لأنها بالنسبة لنا بدء الحياة الأبدية التي صارت في آخر الأزمنة (عب 9: 26) والتي بها أعلنت نهاية الناموس وغايته (رو 10: 4). وما أعجب قلبك الحنون الذي ذاب في وسط أحشائك، وقوتك التي نشفت كزق، ولسانك الذي لصق بحنك.

ما أعجب أنك جئت لتخلصنا، جئت ليس من أجل نفسك بل من أجلنا، وأخذت شكل العبد (فى 2: 7) بينما أنت الإله ابن الله والملك ابن الملك، لكنك من أجلنا صرت هكذا في شبه الناس وأطعت حتى الموت موت الصليب، لكي تشفق على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/godly.html

تقصير الرابط:
tak.la/z8msvga