St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   passion
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية - القمص أثناسيوس فهمي جورج

8- أعاجيب الحب

 

ما أعجب القبض على ذاك الذي به يمكن أن يتحرر الكل من رباطاتهم، وكما كان هناك من استهزأ بك يا رب، كان هناك أيضًا من خلص بواسطتك في تلك الساعة ويردد "قد حللت ربطي" (مز 66: 16).

ما أعجب العار الذي حملته وقد كسر قلبك (مز 69: 20) بينما أنت تحمل كرامة أبيك وتعمل مشيئته. وما أعجب أن تتعرَّى لتصلب على خشبة كمجرم ويشهر بك بينما أنت حامل المجد كله، وأنت الذي تعبت بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات (رو 1: 4).

وما أعجب قول بيلاطس ثلاثة مرات أنه لا يجد فيك علة ويراك مبررًا من كل عيب. فعظيم هو سلطانك أيها المسيح المصلوب، فبعد كل السخريات والاتهامات والتعيير تحرك هذه القلوب نحو الندامة.

ما أعجب سكوتك وقت المحاكمة إذ أنك لم تفتح فاك، لأنك شبه الحمل محسوبًا في صمتك بارًا غير مذنب. وما أعجب أن تحتقر كواحد منا بينما أنت نسمة كل الأرواح المقدسة في السموات. ما أعجب أن يسخروا منك كجاهل بينما أنت المذخر فيك كل كنوز النعمة والمعرفة وأنت الناظر للخفيات التي فينا.

St-Takla.org Image: Jesus on the cross saying to Saint John and Virgin Mary: This is your mother.. This is your son.. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع على الصليب يقول للقديس يوحنا الحبيب والرسول وأمه القديسة العذراء مريم: هذه أمك.. هذا ابنك

St-Takla.org Image: Jesus on the cross saying to Saint John and Virgin Mary: This is your mother.. This is your son..

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع على الصليب يقول للقديس يوحنا الحبيب والرسول وأمه القديسة العذراء مريم: هذه أمك.. هذا ابنك

وما أعجب بيلاطس الوالي عندما عندما علم أنهم سلموك حسدًا. وما أعجب قول زوجة بيلاطس عندما قالت له "إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا من أجله" فكان ذلك القول ليس لبيلاطس وحده وإنما للمتآمرين لكي يروا ويسمعوا بيلاطس غريب الجنس وهو يعلن برائتك بغسل يديه قدام الجميع وهو يعلن أنه بريء من دمك أيها البار.

ما أعجب أن الذي دين يجلس ديَّانًا، وأن الذي وقف أمام كرسي الوالي يدان عن جرائم زور بينما هو الذي سيدين الجرائم الحقيقية. وما أعجب نوح الأشرار في مجيئك عندما يروك وقد حملت الجراحات بسببهم. وما أعجب رؤية الذين طعنوك لجنبك المطعون، إذ أنهم سيقرعون صدورهم، لأنهم لم يكونوا يعرفونك قبلًا بسبب اتضاع جسدك، بينما ستكون رؤيتك مكافأة للأبرار ليدخلوا أفراحك وأمجادك فيتنعموا بما لا يستطيع الأشرار معاينته.

وما أعجب أن يقوم عليك شهود الزور بينما أنت الشاهد الصادق والأمين. وما أعجب أن تحاكم بينما لم تأت لتدافع عن نفسك بأنك بار وتبرر، لأنك جئت خصيصا لا لتتبرأ بل لتحمل الخطية، حتى أن كل الاتهامات التي قدمت ضدك لم تنفها، بل رضيت بها كصانع لكل الخطايا ومن ثم تموت بناء على ذلك فهذا صميم رسالة فدائك أن يموت البار لأجل الأثمة.

ما أعجب سكوتك الذي اعتبر قبولا لحكم الصلب، إذ هكذا تكون قد صلبت بإراداتك وحدك وحملت في نفسك الأحكام الواقعة بعدل على الخطاة وصرت لعنة لأجلنا بينما اللعنة هي لنا، وأنت لعنت من أجلنا بينما لم تعرف خطية، لكي تعتقنا نحن من اللعنة القديمة، وأنت قادر أن تحقق ذلك لأنك الإله الذي فوق الكل وتألمت من أجل الكل ليقتني الكل الفداء بموت جسدك الخاص.

ما أعجب أن يشتكوا عليك ويعتبرونك فاعل شر فيسلمونك، لأن بهذا يا رب وضع عليك إثم جميعنا (أش 53: 6) ولهذا حملت في نفسك خطايانا في جسدك على الخشبة (1 بط 2: 24)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وما أعجب وجهك البريء الذي ينطق لا بالبراءة فقط بل بالبرارة حتى أن بيلاطس بدأ يخاف منك (يو 19: 8) بينما كان الطبيعي أن الذي يخاف هو المقبوض عليه والذي يحاكم وليس الوالي القاضي. ما أعجب أن يقول "أنا لست أجد فيه علة واحدة" (يو 19: 4).

ما أعجب أن تكون محاكمتك أمام شهود زور، وأن تتم ليلًا مخالفة بذلك التقليد اليهودي في المحاكمات، وفي غياب شهود الدفاع عن المتهم. وما أعجب اتهامك بالتجديف. وما أعجب تلفيق التهم لك، وأسلوب الهزء والإهانات التي استعملت في محاكمتك، مما يثبت أن السنهدريم كان قد بيت النية للقضاء عليك، بينما أنت قاضي المسكونة كلها.

ما أعجب قولك أنك ابن الله أمام المحاكمة، وما أعجب قولك عن اليهود: "لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالًا لا يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي" (يو 15: 24)، إذ أنهم رأوك فعلًا تعمل أعمالًا لم يعملها أحد غيرك وقالوا فيك: "ماذا نصنع فإنه يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به" (يو 11: 47)، حتى أن بيلاطس اكتشف أنهم أسلموك حسدًا (مت 27: 18، مر 15: 10)، وأنت قد أعطيت سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد لك كل الشعوب والأمم والألسنة، وسلطانك أبدي لن يزول وملكوتك لن ينقرض (دا 7: 13، 14).

ما أعجب أن يعتبرك الذين حاكموك مجدفًا. لقد اعتبروا أن كلماتهم مبرر لجريمتهم، بينما هي في نظر المؤمنين باسمك بمثابة استعلان للحق، أما بالنسبة لك فقد قادتك شهادتك عن نفسك إلى الصليب الذي سبقت وأنبأت تلاميذك عنه.

ما أعجب ذبيحتك التي أبطلت كل الذبائح الأخرى والتي كانت سابقة لك كرمز وظل. ما أعجب أنك وقفت أمام هيرودس ولم تجبه بشيء بينما الكل يشتكون عليك باشتداد. وما أعجب وقوفك أمام بيلاطس ساكتا لا تجب بشيء مما جعله يتعجب من صمتك، إذ أن صمت المتهم في الدفاع عن نفسه معناه ثبوت الاتهام، لتحمل أنت يا ربي كل خطايا الإنسان ولتصير لعنة لأجلنا وتحمل في نفسك خطايانا.

ما أعجب هياج اليهود ومؤامرتهم ضدك ودينونتهم عليك، إلا أن بهذه الدينونة انكشف كذب رئيس هذا العالم، وهكذا بدينونتك أدان العالم نفسه "الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (يو 12: 31). ما أعجب شخصك القدوس ووجهك الهادئ العذب ووثوقك في أنك الحق، وبسببك صار بيلاطس وهيرودس صديقين لأنهما كانا من قبل في عداوة (لو 23: 8- 12).

ما أعجب أن يقبض عليك مع أن يمينك مقتدرة وقوتك لا تهزم. وما أعجب أن توثق بالحبال أنت الذي جئت لتخلص الذين كانوا في قبضة العدو من طغيانه غير المحتمل.

ما أعجب أن تعطينا بنفسك مثالًا للاحتمال، وأنك لما ضربت احتملت بصبر ولما شتمت لم تشتم مقابل الشتيمة، وعندما تألمت لم تهدد بل أعطيت ظهرك للضاربين وخديك لللاطمين ووجهك لم تدره عن البصق، وعندما اقتادوك إلى الموت ذهبت طواعية وعندما عانيت الآلام كنت تصوغ لنا الحرية. لقد قبلت أن تنزل إلى عالم الفناء حتى يلتحف الفناء بالخلود، وصرت ضعيفًا من أجلنا لكي نقوم نحن في قوة، وقبلت الموت لتمنحنا الفناء بالخلود، وصرت ضعيفًا من أجلنا لكي نقوم نحن في قوة، وقبلت الموت لتمنحنا الديمومة وتهب الذين ماتوا نعمة الحياة، ودست الموت حتى إذا ا متنا نحن كبشر نحيا ثانية ولا يسود علينا الموت.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/super.html

تقصير الرابط:
tak.la/fyr9qs3