St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-paul-praise
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تقريظ ومدح للقديس بولس الرسول: عن عظات للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

9- العظة الرابعة: دعوة بولس - الانتشار العجيب للإنجيل

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

دعوة بولس
استجابته للدعوة
نداء (دعوة) الله
دوافع القلب (واستعداده)
اليهود
أحداث معاصرة (في أيام ذهبي الفم)
الانتشار المدهش للبشارة بالمسيح المصلوب
اختفاء السحرة والعادات الوثنية
الشياطين تخاف الصليب
بولس الرسول: قصور إمكانياته ونجاحاته الرسولية
المستوى الوضيع للتلاميذ
زيادة على ذلك كانوا مضطهدين
اُعبد أنت أيضًا المصلوب
انتصار الإنجيل على كل العقبات في روما
العداء للنظام القائم
تجارب أُخرى
الخاتمة
أ- الإنجيل نار لا تُقاوم
ب- بولس والفلاسفة الوثنيون
حث أخير

دعوة بولس

1- إن بولس الذي بسببه نحن اليوم مجتمعون، والذي أنار المسكونة كان قد فقد البصر لحظة دعوته سابقًا، ولكن واقعة فقدانه البصر صيّرته نورًا للعالم. وفي الواقع إن الله قد أعماه -لحسن حظه- بسبب عدم وضوح رؤيته، بحيث إنه ربح استعادته البصر وفي نفس الوقت أظهر الله فيه عظمة قوته، معطيًا له سلفًا -في هذه الحادثة- صورة لما ينتظره، ومخبرًا إياه كيف يتهيأ للكرازة بالإنجيل: بأنه ينبغي له أن يلفظ كل ما كان له (في السابق)، وأن يغلق عينيه ليتبعه دونما نقاش. لهذا من أجل أن يشرح بالتحديد هذا التفسير (التصور)، أعلن بولس نفسه: "إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا" (1كو 3: 18). لأنه ما كان يمكن أن يستعيد النظر بطريقة مريحة، ما لم يُحرم منه قبلًا وما لم يتخلَّ عن التعليلات الشخصية التي أزعجته لكي يُسلّم نفسه تمامًا للإيمان.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

استجابته للدعوة

2- لا أريد أن يظن أحد عندما يسمعني أتكلم هكذا، أنه كان هناك إجبار في هذه الدعوة، لأنه كان يمكنه أن يعود من حيث ابتدأ.

كثيرون -في العهد القديم والجديد- رأوا بدون شك آيات أخرى مثيرة للدهشة أكثر ومع ذلك فقد رجعوا إلى الوراء. هكذا يهوذا ونبوخذ نصر وعليم الساحر، سيمون، حنانيا وسفيرة وشعب اليهود في مجموعه. إن بولس لم يكن هكذا، فهو على العكس عندما ثبت نظره تجاه النور الصافي تابع طريقه وطار نحو السماء. وإن سألت لماذا هو صار أعمى؟ فاسمع كلماته نفسها: "فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها. وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي" (غلا 1: 13-14). فبسب هذا العنف المميز والطافح الذي له، كان محتاجًا للجام قوي جدًا، ثم لكي لا يرفض كلمات الله له، ردع الله هذه الحمية الغبية التي عنده بجعله أعمى، وعند تلك اللحظة كلّمه مُظهرًا له حكمته العالية وعلمه الفائق، وقد كان يريد أيضًا أن يعرّفه من هو الذي يحاربه والذي لا يستطيع احتمال رؤيته ليس فقط عندما يعاقب بل حتى أيضًا عندما يعمل الخير. لأنه لم تكن الظلمات هي التي جعلته أعمى، بل النور الفائق هو الذي أغرقه في الظلمات.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نداء (دعوة) الله

3- ستقولون ولماذا لم يُدعَ بولس منذ البدء؟ لا تسأل مثل هذا السؤال ولا تكن فضوليًا (لحوحًا)، لكن اترك للعناية الإلهية غير المدركة الاهتمام باختيار الوقت المناسب. وفضلًا عن هذا، فهذا ما فعله بولس نفسه عندما قال: "لكن لما سُرّ الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن أبنه فيّ..." (غلا 1: 15-16). وحيث إن بولس تكلم هكذا فلا حاجة بعد من جانبك لمثل هذه الأسئلة غير اللازمة. ففي تلك اللحظة، نعم في تلك اللحظة كانت الدعوة مفيدة لبولس بمجرد رفع أحجار العثرة من طريقه. ولنعلم من الآن وبدءًا من هذا المثال أن لا أحد بأية طريقة، لا بين الذين سبقوا ولا هو نفسه (أي بولس) يستطيع أن يجد المسيح بقواه وحده، بل الذي يُظهر له المسيح نفسه شخصيًا.

لهذا السبب قال المسيح أيضًا: "ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" (يو 15: 16). لماذا لم يؤمن بولس في رؤيته للأموات يقومون بقوة اسم المسيح؟ وفي رؤيته للأعرج من بطن أمه يمشي (أع 3: 1-11)، والشياطين يهربون والمفلوجين يُشفون (أع 8: 7). لم يجن بولس أية منفعة، ومع ذلك لم يجهل هذه الوقائع، ذاك الذي كان يُجري تحقيقات دقيقة مع الرسل (والتابعين للمسيح). وأيضًا عندما رأى إستفانوس يُرجم، كان هو هناك ورأى وجهه شبيهًا بوجه ملاك (أع 6: 15)، ومع هذا لم يجنِ أية منفعة. فلماذا ذلك؟

لأنه لم يكن قد دُعي بعد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A hand carrying the Holy Bible. صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تحمل الكتاب المقدس.

St-Takla.org Image: A hand carrying the Holy Bible.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تحمل الكتاب المقدس.

دوافع القلب (واستعداده)

4- لكن بالنسبة لك عند سماعك هذه الكلمات، لا ينبغي لك أن ترى أي إجبار في هذه الدعوة لأن الله لا يجبر أحدًا، بل هو على العكس يتركنا أسيادًا لقراراتنا حتى بعد دعوته لنا.

وهو في الواقع أظهر نفسه لليهود وفي الوقت المناسب، لكنهم رفضوا قبوله، لأنهم سعوا للمجد الذي يأتي من الناس. ولو قال غير المؤمن أيضًا: كيف تقر بوضوح أن بولس دُعي من السماء وتُركت له في نفس الوقت الحرية لقبول الدعوة؟ لماذا لم أُدع أنا أيضًا؟

وهذا هو ما نقوله لصاحب هذا السؤال: قل لي بصراحة يا صديقي: هل تؤمن بهذا الحدث؟

حسنًا إن آمنت، فهذه علامة أن هذا يكفيك، لكن إن لم تؤمن أنه دُعي من السماء فكيف تقول: لماذا لم أُدع أنا (أيضًا)؟ لكن إن صدقت أنه دُعي فهذه علامة أن هذا يكفيك. آمن إذًا، لأن الله دعاك أيضًا من السماء بشرط أن تكون لك نفس مهيأة حسنًا، وبالعكس إن عاندت بحماقة ورجعت عن الطريق المستقيم، فحتى لو جاءك صوت من السماء فلن يكفِ هذا لخلاصك.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اليهود

5- كم من مرة سمع اليهود صوتًا آتيًا لهم من السماء دون أن يؤمنوا به؟ كم معجزة رأوها في العهد الجديد كما في العهد القديم دون أن يصيروا إلى الأفضل؟! بل نرى على العكس أن هؤلاء الناس في العهد القديم بعد معجزات هذا عددها، صنعوا عجلًا من ذهب (ليعبدوه) بينما نجد أن راحاب زانية أريحا دون أن ترى شيئًا من أمثال هذه الآيات أظهرت إيمانًا يثير الإعجاب أمام جواسيسهم. وحتى وهم في أرض الموعد ظلوا جامدي الإحساس أكثر من الصخور بالرغم من المعجزات التي تمت، أما أهل نينوى فقد كفاهم رؤية يونان ليؤمنوا ويتوبوا وبذلك أوقفوا غضب السماء عليهم. وفي العهد الجديد رآه اللص على الصليب فآمن به بينما اليهود الذين رأوه وسطهم يقيم الموتى قيدوه وصلبوه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أحداث معاصرة (في أيام ذهبي الفم)

6- وماذا عن أيامنا هذه؟ هل أخفقت النار عن التهام أساسات هيكل أورشليم. ألم تنقض النار على من يبنونه وعاقتهم عن مخططهم الإجرامي؟(121) ومع هذا لم يتوبوا أو يتخلوا عن قساوتهم وصلابة قلوبهم. كم من معجزات أُخرى أتت عليهم بعد هذا الحدث دون أن يجني معاصروها أية فائدة. وعلى سبيل المثال الصاعقة التي سقطت على سقف هيكل أبوللو، عندما أجبرت نبوة الشيطان بالتحديد إمبراطور ذلك الزمان، أن ينقل رفات شهيد موضوعة ليس بعيدًا عن هذا الهيكل (الوثني) قائلًا له أنه لن يُسمعه صوته طالما أنه يرى رفات الشهيد قريبة منه. وبالحق فهذه الرفات كانت موجودة بالمنطقة القريبة منه. ثم بعد هذا الحريق (الذي شب من الصاعقة) مات عم الإمبراطور عندما دنس الأواني المقدسة للكنيسة، وكان على رأس الفرقة التي قامت بهذا العمل، مات والدود يأكل في جسده (وهو لم يزل حيًا)، بينما الأمين على الخزينة الإمبراطورية، فلأنه تم رؤيته أيضًا وهو يزدري بالكنيسة مات بطريقة مثيرة للانتباه لكل الوسط الحاكم(122)، وأيضًا في بلادنا حيث القصر الإمبراطوري الواقع على الأنهار اختفى مرة واحدة في المنطقة البعيدة عنا، وهذا لم يحدث أبدًا من قبل لكن حدث فقط عندما دنس الإمبراطور هذا الوطن بالذبائح والتقدمات.

ما الفائدة من ذكر المجاعة التي كانت على أطراف الأرض تحت حكم ذلك الإمبراطور، وأصابت في نفس الوقت كل المدن. بل مقتل نفس الإمبراطور عند الفرس وضياع عقله قبل موته واحتجاز جيشه وسط البربر كما لو في مصيدة ثم التقهقر غير العادي والعجيب للجيش؟

في الواقع، إنه عندما هُزم ذلك الإمبراطور الجاحد ومات وخلفه آخر تقي جدًا انتهت في الحال كل هذه الأحداث المرعبة، والجنود الذين كانوا واقعين في الكمين دون أية بادرة للنجاح في الإفلات تم نجاتهم من البربر بتدبير إلهي وعادوا بمنتهى الأمان(123).

ألا تكفي مثل هذه الأحداث لإقناع أي إنسان حتى يعود إلى التقوى؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الانتشار المدهش للبشارة بالمسيح المصلوب

7- لكن أليس الحاضر مثيرًا للدهشة أكثر؟ ألا يُبشر بالصليب والكل يهرعون إليه؟ ألا يُعلن بالصليب عن ميتة شنيعة (للمسيح) ومع هذا الكل يندفعون نحوه؟ ألم يُصلب على مشهد من آلاف الناس؟ ألم يُصلب لصان بجانب المسيح نفسه؟ ألم يوجد (آنذاك) كثير من الحكماء؟ ألم يوجد آنذاك كثير من الأقوياء؟ هل رأينا أحدًا منهم يعلو اسمه إلى هذا الحد؟ ولماذا نذكر الحكماء والأقوياء؟ ألم يوجد آنذاك ملوك مشهورون، هل وجد بينهم من ساد على العالم إلى هذا الحد في وقت قصير؟ لا تذكر لي الهراطقة من كل نوع وصنف، فالكل يبشرون بنفس المسيح حتى ولو كان بطريقة غير صحيحة والكل يعبدون ذاك الذي صُلب في فلسطين على عهد بيلاطس البنطي. ألا يبدو أن هذه الأحداث تُظهر قوته بصورة أكثر وضوحًا أكثر من ذلك الصوت الذي أتى من السماء؟ لماذا كان سلطان كل الملوك لا يساوي شيئًا أمام سلطان المسيح هذا على الرغم من آلاف المعوقات؟ الملوك أشهروا الحرب عليه، والطغاة قاتلوه وشعوب بأكملها قامت ضده، ومع هذا لم يفلحوا في الحط من ديننا بل على العكس ديننا لم يصر إلا أكثر شهرة، فقولوا لي من أين أتت مثل هذه القوة العظيمة؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اختفاء السحرة والعادات الوثنية

8- يقولون إن المسيح كان ساحرًا!

حسنًا! ينبغي أن يكون هو الساحر الوحيد الذي يتصرف هكذا!

بدون شك أنتم سمعتم أنه يوجد في الهند وبلاد الفرس كثير من السحرة، ولا يزال يوجد للآن كثيرون منهم، لكن ولا أحد يعرف حتى أسمائهم. لكن يُقال أنه يوجد دجال في تيانيز قد حاز نجاحًا منقطع النظير. أين ومتى؟

في منطقة صغيرة من العالم ولو لوقت قصير وانطفأ بهاؤه بسرعة ومات دون أن يترك وراءه: لا كنيسة ولا مؤمنين ولا أي شيء من هذا القبيل. ولماذا نتكلم عن السحرة والدجالين الذين اختفوا؟ كيف حدث أن عبادة الآلهة (الوثنية) انقطعت تمامًا، تلك التي لدودون والتي لكلاروس، وكل هذه الأماكن الشيطانية صمتت وأُبكمت؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الشياطين تخاف الصليب

9- لماذا ترتعب الشياطين ليس فقط في وجود المصلوب، بل أيضًا في وجود رفات الذين قُتلوا لأجله؟ لماذا بمجرد أن يسمعوا كلامًا عن الصليب يهربون سريعًا؟ وهم في الحقيقة يصيرون (بهذه) مدعاة للسخرية؟ هل الصليب في حقيقته شيء بهي ومبهج؟ لا على العكس، إنه شيء مخزٍ وشائن، فهو عقوبة للمدان، بل أسوأ أنواع العقوبات للأثمة وموضع لعنة عند اليهود ومُستهجن لدى اليونانيين. فمن أين يتأتى أن الشياطين تخافه؟أليس بسبب قوة المصلوب؟ إذ أنه شعور يغيظ الآلهة الوثنية كونها تخاف الصليب لأجل المصلوب عليه. فضلًا عن هذا فإن كثيرًا من الناس قبل وبعد المسيح صُلبوا وصُلب أيضًا اثنان معه.

حسنًا! لو قالوا باسم اللص المصلوب أو باسم فلان أو فلان الآخر المصلوب، هل سيهرب الشيطان؟ إطلاقًا بل سيبدأ في الضحك. لكن على العكس فبالإضافة إلى الصليب يُذكر اسم يسوع الناصري فتهرب الشياطين كما لو كانوا أمام نار. فبماذا يمكنك أن تجيب؟ كيف انتصر؟ هل لأنه كان يضل الجموع (كما يزعمون)؟ لكن وصاياه لم تُبدِ شيئًا مثل هذا. وفضلًا عن ذلك يوجد دائمًا الكثير من المضلين للجموع (لم يكن لهم نفس تأثيره).

هل أنه كان ساحرًا؟

لكن تعليمه لا يعطي هذه الشهادة عنه، وكثيرًا ما وجد عدد فائض من السحرة (لم يصلوا لما وصل إليه).

هل لأنه كان حكيمًا؟

لكن غالبًا ما يوجد كثير من الحكماء (ومع ذلك لم يصيروا في شهرته أو قوته) فمن أحرز انتصارًا مثل هذا الانتصار؟ لا أحد على الإطلاق حتى ولو النذر القليل منه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بولس الرسول: قصور إمكانياته ونجاحاته الرسولية

10- إذًا بكل تأكيد إن سمو المسيح ليس لأنه كان ساحرًا أو مضلًا للجموع كما أشاعوا عليه، بل على العكس لأنه سعى إلى تقويم أولئك الناس ولأنه كان يوجد فيه قوة إلهية لا تُقهر... نعم لأجل هذا ساد على الكل وقد بث في صانع الخيام هذا قوة تتوافق عظمتها مع أعماله العظيمة.

في الواقع إن الإنسان الذي شارك في الحياة العامة ومارس صناعة الخيام صار مقتدرًا إلى درجة أنه اقتاد الرومان والفرس والهنود والسكيثيين والإثيوبيين والماديين والعيلاميين والعرب إلى الحق، وباختصار كل الجنس البشري في أقل من ثلاثين سنة. فقل لي من أين تأتى لهذا الإنسان المتمرس في الأسواق والواقف في محله والمتعود على استعمال أدوات حرفته أن يمارس هو نفسه مثل هذه الفلسفة ويكون له القدرة على إقناع الآخرين، من شعوب مدن أو قرى، ليس بالتفاخر بقوة الفصاحة (والمنطق)، بل على العكس، أي بكونه عادم الثقافة تمامًا؟ اسمعوه مثلًا وهو يقول بدون خجل: "وإن كنت عاميًا في الكلام فلست في العلم (كذلك)" (2كو 11: 6). ولم يكن له ثروة وهذا أيضًا قد أكده بقوله: "إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونُعّرى وُنلكم وليس لنا إقامة" (1كو 4: 11). ولماذا الحديث عن الثروة بينما أيضًا كان ينقصه كثيرًا القوت الضروري والملبس اللازم؟ بالنسبة لوضاعة مهنته فإن تلميذه لوقا أشار أيضًا لهذا عندما قال: "لكونه من صناعتهما (أي صناعة أكيلا وبريسكلا) أقام عندهما وكان يعمل لأنهما كانا في صناعتهما خيامين" (أع 18: 3).

لم يكن لأجداده فضل عليه في رفعته وإلا فكيف مارس مثل هذه المهنة (الوضيعة)؟ وكذلك لا فضل لوطنه أو أمته عليه. ومع هذا بمجرد ظهوره في الخدمة العلنية أربك تمامًا معارضيه وأفحم الكل، وكمثل النار التي سقطت على البوص أو على القش، فإنه حول سلطان الشياطين إلى رماد وصيّر كل شيء بحسب مشيئته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

المستوى الوضيع للتلاميذ

11- ومما يثير الإعجاب فيه ليس أنه فقط بقليل من الإمكانيات امتلك شخصيًا تلك القوة العظيمة، فغالبية الرسل أيضًا كانوا فقراء وبحالة وضيعة وعاميين ويعانون من الجوع وكانوا من المغمورين. وهذا أعلنه بولس بنفسه ولم يخجل عن التكلم عن فقرهم ولا خجل حتى من طلب مال وطعام لأجلهم إذ قال: "أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين" (رو 15: 25). وقال أيضًا: "في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازنًا ما تيسر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ" (1كو 16: 2). وأيضًا كون الأغلبية منهم عبارة عن أشخاص عاميين فهذا أكدّه عند كتابته لأهل كورنثوس بقوله: "فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد" (1كو 1: 26)، ومن جهة ما يختص بأصلهم الوضيع قال: "ليس كثيرون شرفاء" (بقية 1كو 1: 26)، وليس فقط هم بدون أصل شريف، بل أيضًا عاميين، وفي الحقيقة فإن "الله اختار جهّال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود" (1كو 1: 27-28)، لكن حيث إن الكل كان بهذه الحالة الوضيعة وغير متعلمين فهل كانوا يملكون بطريقة أو بأخرى موهبة الإقناع بالكلمة؟ لا على الإطلاق. وهو أيضًا أشار إلى هذا بنفسه عندما قال: "وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديًا لكم بشهادة الله. لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع".

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

زيادة على ذلك كانوا مضطهدين

12- لكن هل مضمون الكرازة كان قادرًا على الاجتذاب؟ اسمع ما قاله أيضًا من جهة هذا الأمر: "لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة" (1كو 1: 22-23).

فهل كان لهم امتياز الحياة الآمنة كتعويض عن هذا؟ على العكس لم تهادنهم المخاطر أبدًا إذ قال: "وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة" (1كو 2: 3)، وليس هو فقط بل أيضًا تلاميذه جازوا نفس التجارب فهو كتب يقول: "لكن تذكروا الأيام السالفة التي فيها بعدما أُنرتم، صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة. من جهة مشهورين (أي مُشهّر بكم) بتعييرات وضيقات، ومن جهة صائرين شركاء الذين تُصرف فيهم هكذا. وقبلتم سلب أموالكم بفرح" (عب 10: 32-34). وعندما كتب إلى أهل تسالونيكي قال أيضًا: "فإنكم أيها الإخوة صرتم متمثلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع لأنكم تألمتم أنتم أيضًا من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها كما هم أيضًا من اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن. وهم غير مرضيين لله وأضداد لجميع الناس" (1تس 2: 14-15). وعندما كتب مرة أخرى إلى أهل كورنثوس قال: "كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا. عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلام كذلك في التعزية أيضًا" (1كو 1: 5، 7). وإلى الغلاطيين كتب يقول: "هل عبثًا تألمتم بهذا القدر؟ لكن لا لم يكن هذا عبثًا" [(غلا 3: 4) بحسب النص].

13- إذًا حيث إن الكارز كان إنسانًا عديم العلم وفقيرًا ووضيع الأصل، لذا فالكرازة لم تكن مخادعة بل أثارت العثرة (للذين يتم تبشيرهم) إذ أن الكارزين كانوا فقراء بدون نفوذ وبدون أي اعتبار وكانت المخاطر لا تتوقف متربصة للمبشرين كما للتلاميذ (الذين يقبلون هذه الكرازة)، أضف إلى ذلك أن الذي كانوا يبشرون به كان مصلوبًا، فماذا كان سبب هذا الانتصار؟

ألم يتضح تمامًا أن هناك كانت قوة إلهية لا يُنطق بها (وراء هذا الانتصار)؟ إنني أظن أن هذا كان واضحًا لكل إنسان. يمكن أيضًا التحقق من هذا عند التفكر بالقوى المعارضة. في الحقيقة عندما ترى تجمع القيم المعارضة للحقائق السابقة: الغنى، نُبل الأصل، امتداد الإمبراطورية، الموهبة الخطابية، الأمان، العبادات الدينية (الوثنية) الممارسة على نطاق واسع (هذا بالإضافة إلى أن) الأديان المستحدثة تُمنع في الحال، ومع هذا فهؤلاء الناس (المبشرون) الذين جاءوا من المعسكر المعارض أحرزوا الانتصار، فقل لي ما السبب؟

إن كل ما حدث كان بالضبط مثل ملك أعد جيشه حسنًا بالمعدات وقاتل بطريقة مدروسة و(مع ذلك) لم يستطع الانتصار على البربر، بينما رجل فقير بدون جيش، بل بمفرده ولم يكن في يده ولا حتى سهم أو قوس وبدون ملابس على جسده أتم بمجرد وصوله ما لم يستطع آخرون صنعه بالجيوش وبكل المعدات الحربية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اُعبد أنت أيضًا المصلوب

14- فلا تكن ذا إيمان باطل، بل جدد كل يوم عهودك وأكرم قوة المصلوب. في الحقيقة لو رأيت إنسانًا ما حاصر مدنًا وحفر خنادق حولها ووضع آلات الحرب بالقرب من الأسوار وحدد (نوع) الأسلحة وجنّد عساكر وأعدّ ثروة هائلة (لتوزيعها على الجنود حال فوزه) ومع هذا لم يستطع أن يسود ولا على مدينة واحدة... ومن ناحية أخرى لو تقدم شخص بدون أن يكون له شيء على جسده ولم يستخدم إلا يديه وهاجم ليس فقط مدينة واحدة أو اثنتين أو عشرين، بل آلاف المدن التي في العالم ثم اكتسح كل سكانها، فلن تقول بعد ذلك إن هذا يرجع إلى فاعلية قوة ما بشرية. لهذا السبب سمح الله أن يُصلب معه اللصان، وقبل ظهور المسيح سمح أيضًا بوجود بعض المضلين لكي يظهر أيضًا من كافة الأوجه سمو الحق، وتفهم أن المسيح لم يكن واحدًا منهم، بل على العكس يوجد بينه وبينهم هوة عظيمة بل لا نهائية. فلا شيء يمكنه أن يزيل مجده، لا الآلام المشابهة ولا مطابقة الأزمنة. فلو كان الصليب (بمفرده) هو الذي تخافه الشياطين وليس قوة المصلوب، فإن منظر اللصين يُسكت في الحال أفواه الذين يتكلمون هكذا. ومن ناحية أخرى لو كانت صعوبة الظروف هي السبب في كل هذا، فإن أتباع ثيوداس ويهوذا يشهدان لصالحنا وهما اللذان عملا محاولات شبيهة وكانت تصاحبهما عجائب متنوعة ومع هذا فقد اندحرا.

وفي الحقيقة -كما سبق أن قلت- فإن الله سمح بهذا لكي يضع بوفرة الدليل على عمله الخاص. وهوذا لهذا السبب سمح أيضًا أن الأنبياء الكذبة يظهرون أيضًا في زمن الأنبياء، والرسل الكذبة يظهرون في زمن الرسل لكي تعرف أنه لا يمكن أن يترك في الظل شيئًا من أعماله.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

انتصار الإنجيل على كل العقبات في روما

15- هل ينبغي أن أقول لكم بوجه آخر عن القوة العجيبة وغير العادية التي للكرازة بالإنجيل والتي أظهرت لك كيف أن بولس ارتفع واكتسب سلطانًا أمام نفس الأشياء التي حورب بها؟

كان من بين الذين حاربوا بولس الشهير البعض ممن كرزوا بنفس تعليم في روما، وذلك بغرض إثارة نيرون الذي حارب بولس وهوذا هم أنفسهم أيضًا تكفلوا بالكرازة لكي بانتشار نار الكلمة بالأحرى أولًا بأول وبتزايد عدد التلاميذ يكون غضب هذا الطاغية أكثر شدة، ولكي يصير هذا الوحش أكثر ضراوة. وبولس نفسه قال في رسالته إلى أهل فليبي: "أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل. وأكثر الإخوة وهم واثقون في الرب بوثقي يجترئون أكثر على التكلم بالكلمة بلا خوف" (في 1: 12، 14). "أما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح، وأما قوم فعن مسرة. فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص ظانين أنهم يضيفون إلى وثقي ضيقًا. وأولئك عن محبة عالمين أني موضوع لحماية الإنجيل. فماذا؟ غير أنه على كل وجه سواء بعلة أم بحق يُنادى بالمسيح..." (في 1: 15-18). هل ترى كيف أن الكثيرين بشروا عن مكيدة؟ ومع هذا فحتى أعداؤه ساهموا في انتصاره.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

العداء للنظام القائم

16- في نفس الوقت كان يوجد أيضًا عقبات أخرى. إن القوانين القديمة -في الواقع- ليس فقط لم يكن بها أي أمان (وحماية لهم)، بل هي أيضًا أدت إلى اضطهادهم وشن الحرب عليهم، وكان يوجد أيضًا جهل وخبث الوشاة. وكانوا يقولون: "إنهم يعترفون بالمسيح ملكًا وليس بقيصر"، إلا أنهم بالتأكيد لم يظنوا هذا من جهة ملكوته السماوي، هذا الملكوت المهيب واللانهائي، لكنهم كانوا يفترون عليهم بقولهم إن هؤلاء الكارزين كانوا يسعون إلى إقامة سلطة جديدة مطلقة على الأرض.

الكل على المستوى العام وعلى المستوى الخاص كانوا يحاربونهم: فعلى المستوى العام بالادعاء بأنهم سيقودون الدولة إلى الخراب وقلب القوانين، وعلى المستوى الخاص بالزعم بأن كل أسرة (دخلتها المسيحية) انقسمت وتحطمت. فهوذا الأب صنع حربًا مع ابنه، والابن تنكر لأبيه، والنساء لأزواجهن، والأزواج لزوجاتهم، والبنات لأمهاتهن، والأقارب لأقاربهم، والأصدقاء لأصدقائهم، وهذه الحرب كانت متنوعة ومتعددة ومتسللة إلى الأسر فاصلة بين الوالدين بعنف ومزعجة لمجالس الشيوخ وملقية بالاضطراب في المحاكم، فكانوا يرون أن العوائد الأسرية تتحطم والأعياد وعبادات الآلهة (الوثنية) هي أيضًا تضمحل في حين أن كل المشرعين القدامى قد اعتنوا قبل كل شيء آخر بحفظ هذه الأشياء بيقظة شديدة. وزيادة على ذلك لتخوفهم من التغلغل المسيحي فقد أمر الرومان بطرد المسيحيين من كل موضع. ولا يمكن القول بأن هذا حدث عند اليونانيين وبأن اليهود من جانبهم كانوا متمسكين بالهدوء، فهؤلاء هاجموهم بشدة أكثر ضراوة أيضًا، لأنهم من جانبهم ذهبوا إلى جعل بولس مسئولًا عن ضياع حقوق المواطنة بقولهم: "هذا الرجل لا يفتر عن أن يتكلم كلامًا تجديفًا ضد هذا الموضع المقدس والناموس(124)" (أع 6: 13).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تجارب أُخرى

17- ومع هذا، فإنه بينما كان الأتون يتوهج من كل مكان بلهب آت من الأسر والمدن والقرى ومن المواضع المنعزلة ومن اليونانيين ومن اليهود، من الرؤساء ومن رعاياهم، من أعضاء نفس الأسرة، من الأرض ومن البحر، من الأباطرة، وبينما الجميع تهيجوا وتبادلوا الهجوم الوحشي وهاجموا بمنتهى الشدة كوحوش ضارية، فإن بولس الطوباوي انقضّ إلى داخل هذا الأتون ووقف وسط الذئاب وتلقى ضربات من كل جانب وليس فقط لم ينسحق، بل أيضًا قاد الكل إلى الحق.

هل ينبغي عليّ أن أذكر أيضًا مصارعات أخرى أكثر إيلامًا: الجهاد ضد الرسل الكذبة، والأمر الذي أتعبه جدًا هو الجهاد ضد ضعف تلاميذه. نعم فكثيرون هم المؤمنون الذين استسلموا للانحلال. لكن حتى أمام هذه التجارب، فإن بولس صمد، كيف وبمقتضى أية قوة؟

"أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله" (2كو 10: 4-5). لهذا السبب وجَدَ أن كل القلوب تغيرت وعزفت سويًا إيقاعًا آخر.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخاتمة

 

أ- الإنجيل نار لا تُقاوم

18- كما في أتون مستعر تُلتهم الأشواك في وقت قصير ثم تختفي تاركة الموضع للهيب الذي يطهّر القول، كذلك أيضًا عندما تُسمع كلمات بولس وتهاجم بشدة أكثر من شدة النار، فالكل يختفي ويجعل الموضع طاهرًا: عبادة الآلهة (الوثنية)، الأعياد وكل التجمعات الحاشدة التي تُعمل إكرامًا لهذه الآلهة، غضب الشعوب، تهديدات الطغاة، مؤامرات الناس الذين من جنسه وخبث الرسل الكذبة.

كما يمكننا التشبيه بالشمس: فعند شروقها تنقشع الظلمة وتختفي الحيوانات المفترسة وتنزوي، ويتوارى اللصوص، والقتلة يلجأون إلى أوكارهم، والقراصنة يختبئون، وناهبو المقابر يتراجعون، والزناة والسارقون وثاقبو الأسوار يشعرون أنه سيُفتضح أمرهم بسبب إشراق الشمس، فيذهبون بعيدًا ويتوارون، لأن كل موضع (يصير) منيرًا وبهيًا: الأرض والبحر وكل شيء يصير منيرًا جدًا بسبب تأثير الشمس؛ البحار والجبال والقرى والمدن، كذلك أيضًا بمجرد أن كرازة بولس ظهرت إلى النور وانتشرت في كل مكان، فإن الضلال ولّى وعاد الحق واختفى شحم ودخان الذبائح وتلاشت الصنوج والطبول والموالد التي يسكرون فيها، وانتهت أعمال الدعارة والزنا وكل الرذائل الأخرى التي ذكرها قبيح والتي كان يتم ممارستها في معابد الأوثان، وذابت مثل الشمع عند تلامسه مع النار، وتآكلت كالقش في محضر اللهيب. وبالمقابل فإن اللهيب اللامع للحق صعد مشرقًا وارتفع حتى إلى السماء نفسها وبقدر أعلى كلما زادت المقاومة، وبقوة أكثر كلما صادفته العقبات دون أن يوقف أي شيء انتشاره، وكان تقدمه لا يُقاوم: فلا المخاطر أو الطغيان أو الأعراف القديمة جدًا أو قوة العادات والشرائع المتوارثة عن الأجداد ولا التفسير المُربك للوصايا المُعلّمة ولا شيء آخر من كل الذي ذكرناه أوقف تقدمه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ب- بولس والفلاسفة الوثنيون

19- ولكي تفهم أية أعجوبة يمثل هذا التقدم... لن أقول لك شيئًا عن الأخطار وأتعاب الموت وعن الجوع وعن ضياع بسيط للمال، بل هدِّد الوثنيين وحسب، وستراهم في الحال يغيرون معتقداتهم وآراءهم. لا يوجد شيء مثل هذا في ديننا، فبينما الكل يتم تشويههم أو قتلهم أو يكونون هدفًا لاضطهاد متعدد الأوجه واسع الانتشار، ومع هذا فديننا انتشر أكثر. ولماذا أتكلم عن اليونانيين (الوثنيين) الحاليين الذين هم أدنياء ومحتقرون؟ فلنحاضر أمام الذين كانوا فلاسفة مشهورين في الماضي مثل أفلاطون وفيثاغورث وغيرهم كثيرون من أمثالهم وسترى آنذاك قوة الكرازة الإنجيلية.

عندما شرب سقراط السُم رحل بعض تلاميذ إلى موضع آخر خوفًا من أن يلاقوا نفس المصير، والآخرون طُردوا وحُرموا من الحرية ولم يتركوا سوى امرأة واحدة. وبالنسبة إلى فلسفة سيتيوم، فبالرغم من كتب الفلسفة السياسية التي تركها والشهرة التي تركها والنجاح في الأوساط الحاكمة، فإنه صادف نفس الطمس لنفوذه. وبالرغم من أنه لم يكن أمامهم أية عقبة ولا أي خطر، وحياتهم لم تكن مغمورة بل على العكس كانوا رجالًا فصحاء ولديهم مال كثير وكانوا ينتمون إلى وطن مشهور عالميًا، ومع هذا لم يكن لهم أي تأثير، لأن هكذا هي طبيعة الضلال، فحتى لو لم يوجد شيء يعاكس الضلال، فإنه يضمحل، أما طبيعة الحق فحتى لو حارب كثيرون الحق، فإنه يتابع امتداده وتقدمه.

 

20- إنه تكفي الوقائع للإعلان عن الحقيقة البسيطة: فالكلمات والأحاديث (الفارغة) غير مفيدة لها، فالأرض كلها تسمع صوته: كل أطراف العالم من مدن وقرى، قارات وبحار، أقطار مسكونة وغير مسكونة بل وقمم الجبال. لأن الله لم يترك الصحاري بمعزل عن المشاركة في جوده وهو أكملها هي أيضًا بكل الخيرات التي أحضرها لنا من السماء وهذا (تم) بفم بولس وبالنعمة التي سكنت فيه. وهذه النعمة تلألأت وفاضت فيه، لأنه أظهر أولًا استجابة جعلته مستحقًا لها، وأغلب الخيرات البهيجة التي عددناها تم الحصول عليها بفضل كلمته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حث أخير

21- فمن ثمَّ فإن الله قد كرّم البشرية إلى درجة أنه أراد أن شخصًا واحدًا (مثل بولس) ليكون صانعًا كل هذه العجائب. فلنسع للتشبه ببولس ولنقتد به ولنجتهد لكي نصير نحن أيضًا مثله ولا نفتكر أن هذا مستحيل. لأنه كما قلت مرارًا ولن أتوقف عن القول :إن بولس له جسد مثل جسدنا، ويحيا مثلنا وله نفس مثلنا، لكن إرادته هي الجديرة بالإعجاب وغيرته كانت زاهية، وهذا هو الذي صنع عظمته. لذلك ليت لا أحد ييأس أو يهمل في نفسه، فأنت في الحقيقة لو هيأت نفسك حسنًا فلن يمنعك شيء من نوال نفس النعمة: "لأن الله لا يقبل بالوجوه" (أع 10: 34؛ انظر رو 2: 11)، فهو الذي شكّل النفس وهو الذي أخرجك إلى الحياة. فإن كان هذا هو رب بولس، فهو أيضًا ربك أنت أيضًا. وإن كان قد مدحه علانية، فهو يريد بالمثل أن يكللك.

فلنقدم له أنفسنا ولنتطهر لكي بعد أن ننال بدورنا النعمة بفيض، نحصل على نفس الخيرات بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة إلى أبد الآبدين آمين.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(121) حاول الإمبراطور يوليان الجاحد تعاطفًا منه مع اليهود، ومن جهة أخرى لنقض نبوة المسيح من جهة هيكل أورشليم أن يقوم ببنائه مرة أخرى وابتدأ العمل في البناء في يناير 362م. لكن النيران شبت ووضعت حدًا لهذه المحاولة وكان من العسير على المسيحي ألا يرى في هذا الأمر ظهور إرادة الله.

(122) ذهبي الفم أشار هنا إلى الموت السريع والمتزامن ليوليان كونت الشرف وعم الإمبراطور، ولشخص يُدعى فيلكس كان أمينًا على الخزينة الإمبراطورية.

(123) هذا الآن هو المثال السابع مقابل الأمثلة الستة التي حدثت في عهد يوليان. وفي الحال بعد موت يوليان الجاحد قام ضباطه باختيار جوفيان كإمبراطور لهم، وكان جوفيان مسيحيًا، وهذا الإنسان عقد معاهدة صلح بعد أيام من المعارك مع سابور الثاني ملك الفرس وعاد مع جيشه إلى إنطاكية.

(124) هذه التهم نُسبت إلى إستفانوس أول الشهداء وليس إلى بولس الرسول ولكن هذا لا يمنع أنها تنطبق على بولس الرسول أيضًا.

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-paul-praise/spread-of-the-gospel.html

تقصير الرابط:
tak.la/bxktp5k