1- حيث أن الرب يحذرنا في هذه الكلمات "أنتم ملح الأرض" (مت 5: 13)، وحيث إنه يأمرنا أن نكون بسطاء وودعاء ولكن حكماء في بساطتنا، فأي شيء آخر -أيها الإخوة الأحباء جدًا- يليق بنا أكثر من أن يكون لنا بصيرة ونسهر كذلك بقلب شغوف لندرك شراك العدو الماكر ونحترس لئلا -نحن الذين لبسنا المسيح حكمة الله الآب- نبدو أقل حكمة في حراسة خلاصنا. لأنه ليس لنا أن نخاف الاضطهاد بمفرده ولا الانتصارات التي تتم في هجوم علني لتغرق وتطرح أرضًا عبيد الله. يكون الحذر أسهل عندما يكون واضح سبب الخوف والنفس مستعدة مُقدمًا للنزال، عندما يعلن الخصم عن نفسه.
علينا أن نخاف أكثر من العدو ونحذر منه عندما يتسلل خفية، عندما يخدعنا تحت ستار السلام، يتقدم ليسرق بمنافذ خفية، منها أيضًا تلقى اسم الحيّة (بمعنى أنه متسلل، زاحف، سارق). هذا هو دائمًا مكره. هذه هي مخاتلته الخفية لمراوغة البشر. هكذا هو منذ بدء العالم خدع وتملق بكلام كاذب وضلل النفس الساذجة بتشككه الطائش. هكذا يحاول أن يجرب الرب ذاته، فتقدم خفية كما لو سيتسلل من جديد ليخدع. لكن الرب فهم مقصده وصده وهكذا طرحه أرضًا لأنه اكتشفه ونزع عنه قناعه.
2- أُعطي لنا هذا المثال لنهرب من طريق الإنسان العتيق لنسير في إثر خطوات المسيح المنتصر، لكي لا نرجع بطياشة من جديد إلى فخ الموت، بل لكي بحذرنا من الخطر (المتربص بنا) ننال ونقتني الخلود.
لكن كيف يمكننا أن نقتني الخلود ما لم نحفظ وصايا المسيح تلك التي بها يُهزم الموت ويُغلب؟ وهو نفسه يحذّرنا في هذه الكلمات "إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا" (مت 19: 17)، وأيضًا "إن فعلتم ما أوصيكم به، لا أعود اسميكم عبيدًا بل أحباء" (يو 15: 14-15). هؤلاء يدعوهم أخيرًا أقوياء وثابتين، هؤلاء مؤسسين على صخرة أساس متين. هؤلاء مبنيين بثبات ضد عواصف وزوابع العالم بثبات لا يتزعزع وراسخ. يقول الرب "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسًا على الصخر" (مت 7: 24-25). لذلك ينبغي لنا أن نقف راسخين في كلماته ونتعلم ونعمل كل ما علّم به وفعله.
لكن كيف يقول إنه يؤمن بالمسيح من لا يفعل ما يأمره المسيح أن يفعله؟ أو من أين سينال جائزة الإيمان، الذي لا يحفظ الوصية ويصدقها؟ إنه حتمًا سيتزعزع ويتوه ويُمسك به روح الضلال ويعصف به كما يعصف الريح بالتراب، كما أنه لن يحرز أي تقدم في طريقه نحو الخلاص من لا يتمسك بحق الطريق المخلَّص.
![]() |
3- لكن ليس فقط يلزمنا أن نأخذ حذرنا ضد الأمور المكشوفة والواضحة، بل أيضًا نحذر من يخدعون بدهاء الغش الماهر. من هو أكثر مهارة أو من هو أكثر مكر من العدو -إذ كُشف وطُرح أرضًا بمجيء المسيح، بعد مجيء النور إلى الأمميين وإشراق البهاء المخلَّص لأجل حفظ الإنسان، لكي ينال الأمم سماع النعمة الروحية، يفتح العمي عيونهم للرب، يتقوى الضعفاء بصحة أبدية، يسارع العرج إلى الكنيسة، يتضرع البكم بأصوات واضحة وصلوات، وإذ يرى الناس تخلت عن الأصنام وهجرت معابدها وهياكلها بسبب الجمع الغفير جدًا الذي آمن- يخترع غش جديد تحت اسم المسيحي ذاته ليخدع(25) من هم غير حذرين؟ إنه اخترع الهرطقات والانشقاقات والتي بها يهدم الإيمان، يُفسد الحق، يشطر الوحدة. الذين لا يمكنه أن يُمسك بهم في عمى الطريق القديم، يراوغ ويخدع بضلال جديد (كي يقتنصهم). إنه يخطف أُناسًا من الكنيسة ذاتها، وبينما يتراءى لهم أنهم بالفعل اقتربوا من النور وأفلتوا من ظلمة العالم، يُلقي من جديد ظلال (ظلمات) أخرى على غير الحذرين، لكي، رغم أنهم لا يقفون مع إنجيل المسيح ومع مراعاتهم له ومع شريعته، يدعون ذواتهم مسيحيين، ومع أنهم يسيرون في الظلمة، يظنون أن لهم النور، بينما الخصم يداهنهم (يتملقهم) ويخدعهم، والذي بحسب كلام الرسول، يحول نفسه إلى ملاك نور ويزّين خدامه كأنهم خدام البرّ، فيعرضون الليل عوض النهار، الموت بدلًا من الخلاص، اليأس تحت ستار الرجاء، الغدر (الخيانة) perfidy تحت حجة pretext الإيمان، ضد المسيح تحت اسم المسيح، لكي بينما هم يخبرون بأكاذيب مستحسنة (مستساغة للأذن)، يحبطون (ويجهضون) الحق بمكرهم.
هذا يحدث -أيها الإخوة الأحباء جدًا- لأنه لا توجد عودة إلى نبع الحق ولا أحد يبحث عن الرأس (المسيح) ولا أحد يحفظ تعليم المعلّم السماوي.
4- لو ينظر أي شخص ويفحص هذه الأشياء، لا يجد أي احتياج لنقاش مطوّل ومحاورات. سهل هو برهان الإيمان في مقولة مختصرة للحق. يحدّث الرب بطرس فيقول "وأنا أقول لك أيضًا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات" (مت 16: 18-19). على بطرس يبني الرب كنيسته، ومع أن الرب بعد قيامته منح سلطان مساوي لكل الرسل فيقول "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفر له ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (انظر يو 20: 21-23)، لكن لكي يبيّن الوحدة، أقام بسلطانه منشأ origin نفس الوحدة كبداية من واحد (هو بطرس). بالتأكيد بقية الرسل أيضًا كان لهم ما كان لبطرس، إذ وهب لهم شركة مساوية للرتبة والسلطان، لكن البداية تنبثق من وحدة unity لكي تظهر كنيسة المسيح على أنها واحدة (متحدة). هذه الكنيسة الواحدة يشير إليها أيضًا الروح القدس في نشيد الأنشاد في شخص الرب فيقول "واحدة هي حمامتي كاملتي. الوحيدة لأمها هي، المختارة لمن ولدتها" [(نش 6: 8) بحسب النص].
هل يظن من لا يمسك بهذه الوحدة أنه يمسك الإيمان؟ هل من ينازع الكنيسة ويقاومها يظن أنه في الكنيسة، بينما أيضًا بولس الرسول الطوباوي يعلّم نفس الشيء ويقدم سر sacrament الوحدة قائلًا "جسد واحد وروح واحد، كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. إله وآب واحد" (أف 4: 4-6)؟
5- ينبغي لنا أن نتمسك بشدة بهذه الوحدة وندافع عنها، بالأخص نحن الأساقفة الذين نسهر على الكنيسة لكيما نبرهن أن الأسقفية ذاتها أيضًا هي واحدة وغير منقسمة. ليت لا أحد يخدع الأخوية بالكذب. ليت لا أحد يفسد الإيمان بمراوغةٍ مخاتلة للحق. إن الأسقفية هي واحدة، ترتبط أجزاؤها سويًا بواسطة أساقفة مستقلين. الكنيسة هي واحدة تمتد بخصبها المتزايد وتتسع لتشمل الجموع، تمامًا كما أن أشعة الشمس هي كثيرة ولكن النور واحد. وكما أن أغصان الشجرة هي كثيرة لكن القوة هي واحدة موجودة في جذرها المتماسك، وكما عندما تنبع أنهار كثيرة من مصدر واحد ومع أنه يبدو أن المياه الكثيرة انتشرت من فيض تدفق المصدر لكنها تحتفظ بوحدتها في الأصل. انزع شعاع من النور من جسم الشمس لن يؤثر هذا على وحدة نورها. اكسر فرع من الشجرة، لن يمكن للفرع الذي انكسر أن يخرج براعم وينمو. اقطع أي نهر من مصدره ستجده يجف. كذلك أيضًا الكنيسة المغمورة في نور الرب تسقط أشعتها على العالم كله ومع ذلك يوجد نور واحد وهو الذي ينتشر في كل مكان، ووحدة الجسد غير منفصلة. إنها تمد أغصانها على كل الأرض في وفرة خصيبة (مثمرة). إنها تمد أنهارها الغنية التدفق بعيدًا جدًا، لكن رأسها واحد ومصدرها واحد، وهي الأم الواحدة الوفيرة في نتائج إثمارها. نحن ولدنا من رحمها واغتذينا بلبنها وانتعشنا بروحها.
6- لا يمكن لعروس المسيح أن تتدنس، فهي طاهرة وعفيفة. إنها تعرف بيت واحد وهي تحفظ بأتضاع عفيف قداسة مخدع واحد. إنها تحفظنا لله وتخصص الأولاد الذين ولدتهم (حرفيًا خلقتهم) للملكوت. من ينفصل عن الكنيسة ويتحد بزانية ينفصل عن وعود الكنيسة، ولا الذي هجر الكنيسة سيصل إلى مكافآت المسيح. إنه غريب، إنه دنس وعدو. لا يمكن أن يكون الله أبوه من ليست الكنيسة أمه. لو كان يمكن أن يفلت من الموت من كان خارج فلك نوح، يمكن أيضًا لمن هو خارج الكنيسة أن يفلت (من الموت الروحي).
يحذّر الرب قائلًا "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرّق" (مت 12: 3). الذي يكسر سلام ووفاق المسيح يعمل ضد المسيح. الذي يجمع في موضع ما خارج الكنيسة يبدد كنيسة المسيح. يقول الرب "أنا والآب واحد" (يو 10: 30)، ومكتوب أيضًا عن الآب والابن والروح القدس "هؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 5: 7).
هل يعتقد أحد أن هذه الوحدة التي تأتي من قوة إلهية والتي هي مرتبطة جدًا بالأسرار الإلهية يمكن أن تنشطر في الكنيسة وتنفصل بانقسامات المشيئات المتعارضة؟ الذي لا يتمسك بهذه الوحدة، لا يتمسك بشريعة الله، ولا يتمسك بإيمان الآب والابن ولا يتمسك بالحياة والخلاص.
7- هذا السر للوحدة، هذه الرابطة للانسجام (للوفاق) غير المنفصل، يظهر في الإنجيل من عدم انقسام وتمزيق رداء الرب يسوع، بل بواسطة الذين ألقوا قرعة على رداء المسيح، الذين بالأحرى لبسوا المسيح نالوا رداء صحيح واقتنوا رداء سليم وغير مُقسم. يتكلم الكتاب الإلهي فيقول "وكان القميص بغير خياطة منسوجًا كله من فوق. فقال بعضهم لبعض: لا نشقه، بل نقترع عليه لمن يكون" (يو 19: 23-24). إنه حمل (في جسده) الوحدة التي نزلت من فوق، أي التي نزلت من السماء والآب، والتي لا يمكن أن يمزقها من نالها واقتناها، بل قد نالها كاملة مرة وإلى الأبد وثباتها راسخ جدًا.
لا يمكن أن يقتني رداء المسيح من يمزق ويقسّم كنيسة المسيح. لذلك من ناحية أخرى عند موت سليمان انشطرت مملكته وشعبه، عندما التقى أخيا النبي يربعام في الحقل مزق النبي رداء يربعام إلى اثني عشر قطعة وقال "خذ لنفسك عشر قطع. لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: هأنذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط. ويكون له سبطان من أجل عبدي داود ومن أجل أورشليم المدينة التي اخترتها من كل أسباط إسرائيل لأضع اسمي فيها" (1مل 11: 31-32، 36). عندما انشطرت أسباط إسرائيل الاثني عشر، مزق النبي رداءه. لكن لأن شعب المسيح لا يمكن أن ينشطر، فإن رداءه الذي كان بغير خياطة منسوجًا كله من فوق لم ينقسم بواسطة من اقتنوه. إن هذا الرداء يظهر بعدم انقسامه واتحاده وارتباطه، انسجامنا (توافقنا) المتماسك نحن الذين لبسنا المسيح. بسر وآية ردائه، أعلن الرب وحدة الكنيسة.
8- فمن هو الدنس جدًا وعادم الإيمان، والذي هكذا مخبول بجنون النزاع والخلاف حتى يظن أن وحدة الله يمكن أن تنقسم أو يجرؤ على أن يشطر رداء الرب، أي كنيسة المسيح؟ الرب نفسه يحذرنا في إنجيله ويعلّمنا قائلًا "وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو 10: 16) فهل يمكن لأي شخص أن يظن أنه يمكن أن يوجد سواء رعاة كثيرون أو عدة قطعان في موضع واحد؟ بالمثل بولس يلقننا نفس هذه الوحدة ويتوسل ويستحثنا بهذه الكلمات ويقول "أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولًا واحدًا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد" (1كو 1: 10). وأيضًا "محتملين بعضكم بعضًا في المحبة. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أف 4: 2-3).
هل تظن أنه يمكنك أن تقوم وتحيا بانسحابك من الكنيسة وبناءك لذاتك أماكن أخرى ومساكن مختلفة، بينما قيل لراحاب التي كانت تمثّل (ترمز لـ) الكنيسة "اجمعي إليك في البيت أباك وأمك وإخوتك وسائر بيت أبيك. فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه" (يش 2: 18-19). كذلك عندما سر الفصح لم يكن يحتوي شيء آخر في شريعة الخروج سوى ذلك الحمل الذي يُذبح كمثال للمسيح، ألم يكن يؤكل في بيت واحد؟ يتكلم الله قائلًا "في بيت واحد يؤكل. لا تُخرج من اللحم من البيت إلى خارج" (خر 12: 46). لا يمكن لجسد المسيح وقدس الرب أن يُحمل خارجًا ولا يوجد بيت آخر للمؤمنين سوى كنيسة واحدة. هذا البيت، دار الوفاق (الانسجام - الاتفاق) هذه، يشير إليها الروح القدس ويعلنها عندما يقول "الله يجعل الذين لهم رأي واحد يقطنون في بيته" (انظر مز 67: 7). يسكن في بيت الله، في كنيسة المسيح الذين لهم رأي واحد فيثابرون في الوفاق والبساطة.
9- لذلك جاء الروح القدس في شكل حمامة. إنه طائر بسيط وسعيد، لا يحقد، ليس وحشي في نقره، ليس عنيف بمخالب جارحة، يحب استضافة الناس (له). عندما يلدوا ينتجوا نسلهم سويًا، في ذهابهم ومجيئهم يرتبطون سويًا، ويقضون حياتهم في تآنس متبادل ويعرفون وفاق السلام بقبلة المنقار، ويتمموا قانون الوفاق في كل الأشياء. هذه هي البساطة التي ينبغي أن تُعرف في الكنيسة. هذه المحبة التي ينبغي إدراكها، ذلك هو حب الإخوة الذي يقتدي بالحمام لكي برقتهم ولطفهم يعادل الذي للحملان والغنم.
ماذا تعمل -وحشية الذئاب وجنون الكلاب والسم القاتل للأفاعي والقسوة الدموية للوحوش- في قلب المسيحي؟ إنه شيء يستوجب التهنئة، عندما مثل هؤلاء ينفصلوا عن الكنيسة، لئلا يفترسوا الحملان والحمام بوبأهم السام والوحشي. لا يمكن للمرارة أن تلتصق وتتحد مع العذوبة، ولا الظلمة مع النور، والمطر مع الطقس الصحو، الخصام مع السلام، العقم مع الخصوبة، الجفاف مع المياه الجارية، العاصفة مع الهدوء.
ليت لا أحد يظن أن الصلاح يمكن أن يرحل عن الكنيسة، الريح لا تتلف القمح ولا العاصفة تقلب الشجرة القوية والتي جذورها متينة. التبن الخفيف تدفعه العاصفة والشجر الضعيف تكتسحه هجمات الأعاصير. يلعن يوحنا الرسول هؤلاء ويلفت النظر إليهم عندما يقول "منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعًا منا" (1يو 2: 19).
10- من ثمّ مرارًا ما قامت ولا تزال تقوم الهرطقات، بينما الذهن الفاسد ليس له سلام، بينما الخلاف والغدر لا يحفظا الوحدة.
في الواقع إن الرب يسمح ويتيح لمثل هذه الأشياء أن تحدث بينما حرية الاختيار للإنسان تبقى دون مساس لكي بينما معيار الحق يفحص قلوبنا وأذهاننا، الإيمان السليم لمن هم مزكين يصير ظاهرًا بوضوح تام. يحذرنا الروح القدس على لسان الرسول فيقول "لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضًا ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1كو 11: 19). هكذا يتزكى المؤمنون، هكذا ينكشف الغاشين، هكذا أيضًا قبل مجيء يوم الدينونة، هنا أيضًا بالفعل يتم الفصل بين البار والأثيم، والتبن يُفصل عن الحنطة. من هؤلاء، من تلقاء أنفسهم يقيمون أساقفة بدون رسامة، الذين يأخذون لنفوسهم اسم أسقف، بينما لم يعطهم أحد الأسقفية، الذين يشير إليهم الروح القدس في سفر المزامير كمن هم جالسين على كرسي التعليم الفاسد، كمن هم وبأ ومفسدين للإيمان، خادعين بلسان الحية، بارعين في تحريف الحق، يتقيأون سم قاتل من ألسنتهم المؤذية، الذين كلامهم يزحف مثل سرطان، الذين مناقشاتهم تحقن ميكروب مميت داخل صدر وقلب كل واحد (يصادفونه ويكلمونه).
11- ضد مثل هؤلاء يهتف الرب، عن هؤلاء يمنع ويرجع شعبه الضال قائلًا "لا تسمعوا لكلام الأنبياء الكذبة، إذ يتكلمون برؤيا قلبهم فيثبطون عزيمتهم. يقولون لمن يرفضون كلمة الله: يكون لكم سلام. ويقولون لكل من يسير في عناد قلبه لا يأتي عليكم شر.
لم أرسل الأنبياء، بل هم جروا. لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا. ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي وردوهم عن طريقهم الردئ وعن شر أعمالهم" (انظر إر 23: 16-17، 21-22). يشير الرب أيضًا لنفس هؤلاء الناس عندما يقول "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (إر 2: 13).
مع أنه لا يمكن أن يوجد معمودية أخرى سوى المعمودية الواحدة يظنون أنهم يعمدون، مع أنه تم هجرهم نبع الحياة، فإنهم يعدون بنعمة الماء المخلّص والمعطي للحياة. هناك لا يغتسل الناس بل بالأحرى يُجعلون حمقى ولا تُمحى خطاياهم بل على العكس تتكدس. تلك المعمودية (التي للهراطقة) لا تلد أولادًا لله بل لإبليس. وإذ قد ولدوا من خلال الكذب لا يحصلون على وعود الحق، إذ قد ولدوا من الغش perfidy يفقدون نعمة الإيمان. لا يمكنهم أن يصلوا لمكافأة السلام من كسروا سلام الرب بجنون الشقاق.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
12- ليت البعض لا يخدعون ذواتهم بتفسير باطل لما قد قاله الرب "حينما اجتمع اثنين أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم" (انظر مت 18: 20).
يقتبس -الفاسدون والمفسرون الكذبة للإنجيل- الكلمات الأخيرة ويعبرون على ما سبقها، يهتموا بجزء وبخبث يطمسون جزء. وكما أنهم هم ذواتهم قُطعوا من الكنيسة، كذلك هم يقتطعون عبارة من أحد الإصحاحات. إذ عندما حث الرب تلاميذه على الوفاق والسلام قال "أقول لكم أيضًا إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماوات. لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 19-20) مبيّنًا أن أغلب الأشياء تُمنح ليس لكثرة العدد بل لوفاق واتفاق من يصلّون. إنه يقول "إن اتفق اثنان منكم على الأرض" إنه وضع الاتفاق أولًا، إنه أقام وفاق السلام أولًا. إنه علّم أنه ينبغي لنا أن نتوافق بإخلاص وبشدة. لكن كيف يمكن الاتفاق مع من لا يتوافق مع جسد الكنيسة ذاتها ومع الأخوية العالمية؟ كيف يمكن لاثنين أو ثلاثة أن يجتمعوا سويًا باسم المسيح، مَنْ من الواضح أنهم منفصلون عن المسيح وإنجيله؟ لأننا لم ننسحب منهم بل هم انسحبوا منا، وعندما تنشأ الهرطقات والانشقاقات بعد ذلك، فبينما هم كانوا يقيمون لأنفسهم أماكن اجتماع مختلفة، فإنهم هجروا منبع وأصل الحق. علاوة على هذا يتكلم الرب عن كنيسته ويتحدث لمن هم في الكنيسة أنه إذا كانوا متفقين وأنه بحسب ما أمر وأوصى به لو اجتمع اثنين أو ثلاثة سويًا ويصلّون باتفاق فإنه يمكنهم أن يحصلوا من عظمة الله على ما طلبوه حتى لو كانوا اثنين أو ثلاثة.
إنه قال "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" أي أكون مع البسطاء والمسالمين والذين يتقون الله ويحفظون وصاياه. إنه قال إنه كان مع هؤلاء ولو أنهم اثنين أو ثلاثة، تمامًا كما كان مع الثلاثة فتية في أتون النار، وبسبب أنهم ظلوا بسطاء تجاه الله وفي وفاق فيما بينهم، أنعشهم في وسط اللهيب بنسيم الندى، تمامًا كما كان حاضرًا مع الرسولين المسجونين (بطرس ويوحنا) لأنهما كانا بسطاء وكان لهم رأي واحد ففتح أبواب السجن وردهم ثانية إلى السوق لكي يبشروا الجموع.
لذلك عندما يضع الرب وصاياه يقول "حيث يوجد اثنين أو ثلاثة أكون في وسطهم".
الذي أقام وصنع الكنيسة لم يفصل البشر عن الكنيسة بل يزجر الجاحدين لخلافهم ويوصي بالسلام للمؤمنين بكلمته ويُظهر أنه يكون مع اثنين أو ثلاثة يصلّون برأي واحد أفضل من أن يكون مع كثيرين غير متفقين ويُظهر أنه يمكن نوال الكثير بالصلاة المتوافقة لقليلين عن التوسل المتنافر لكثيرين.
13- كذلك أيضًا عندما أعطى قانون الصلاة أضاف قائلًا "ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم" (مر 11: 25). وهو يُرجع من المذبح من جاء ليذبح وهو مخاصم، ويأمره أن يصطلح أولًا مع أخيه وبعد ذلك يعود بسلام ويقدم تقدمته لله، لأن الله لم يتطلع برضى لتقدمات قايين. لأنه لم يمكنه أن يكون في سلام مع الله الذي لم يكن له سلام مع أخيه بسبب غيرته المتنافر. فأي سلام يعد به ذواتهم أعداء الإخوة؟ أية ذبائح يظن أنهم يحتفون بها من هم كهنة مزيفين؟ هل يظن الذين يجتمعون خارج الكنيسة أن المسيح يكون معهم عندما يجتمعون؟
14- حتى لو قُتل مثل هؤلاء على اسم المسيح، فتلك الوصمة لن يغسلها الدم. إن الخطية الخطيرة للانشقاق لا يمحوها ويكفّر عنها الاستشهاد أيضًا. لا يمكنه أن يكون شهيد من هو ليس في الكنيسة. لن يمكنه أن يصل إلى الملكوت من هجر الكنيسة التي لها أن تحكم وتسود.
أعطانا المسيح سلامًا وأمرنا أن نكون في اتفاق ولنا رأي واحد وأوصانا أن نحفظ روابط الحب والألفة بلا انتهاك وبلا فساد. لا يمكنه أن يُظهر نفسه شهيد من لم يحفظ المحبة الأخوية. يعلّم بولس الرسول ويشهد لهذا عندما يقول "إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا. وإن أطعمت كل أموالي وإن سلمت جسدي حتى احترق ولكن ليس لي محبة فلا انتفع شيئًا. المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط" (1كو 13: 2-5، 7-8).
إنه يقول "المحبة لا تسقط أبدًا" لأنها ستبقى دائمًا في الملكوت وستبقى إلى الأبد مرتبطة بوحدة الأخوية. لا يمكن للخلاف أن يأتي إلى ملكوت السموات ولمكافآت المسيح الذي قال "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم" (يو 15: 12).
لن يمكنه أن يدركها من انتهك محبة المسيح بشقاق خبيث. الذي ليس له محبة، ليس له الله. يقول يوحنا الرسول الطوباوي "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله يثبت فيه" (1يو 4: 16). لا يمكنهم أن يثبتوا مع الله من هم غير راغبين في أن يكونوا على اتفاق مع كنيسة الله. مع أنهم يحترقون عندما يُسلّمون للنار واللهيب ومع أنهم يبذلون حياتهم عندما يُطرحون للوحوش، لكن لن يكون لهم إكليل الإيمان بل عقوبة الضلال perfidy ولا نهاية مجيدة لشجاعتهم الفاضلة بل هلاك اليأس. مثل هذا الإنسان لو قُتل لا يمكنه أن يتكلل. هكذا هو يعترف على أنه مسيحي تمامًا مثل إبليس الذي كثيرًا ما يُعلن كذبًا أنه المسيح، مع أن الرب حذّر من هذا قائلًا "كثيرون سيأتون باسمي قائلين أنا هو ويضلّون كثيرين" (مر 13: 6). لذلك لا يمكن أن يبدو كمسيحي من لا يثبت في إنجيله وفي الإيمان الحقيقي.
15- لأن كل من التنبأ وإخراج الشياطين وعمل المعجزات العظيمة على الأرض بالتأكيد هو شيء فائق ومثير للإعجاب، لكن من يوجد وقد عمل كل هذا لا يمكنه أن يدرك ملكوت السموات ما لم يسر في مراعاة الطريق المستقيم والسليم. الرب يحذر ويقول "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب، يا رب أليس باسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22-23).
يوجد احتياج للبرّ لكي يكون الإنسان جديرًا بالله كديان. ينبغي أن تُطاع وصاياه ونصائحه لكي تنال أفعالنا الحسنة مكافآتها. عندما كان الرب في إنجيله يوجه طريق رجائنا وإيماننا قال بالاختصار "الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مر 12: 29-30؛ مت 22: 37-40).
إنه علّم في نفس الوقت الوحدة والمحبة بسلطان تعليمه وشمل كل الأنبياء والناموس في وصيتين. لكن أية وحدة يحفظها، أي حب يراعيه أو يعتبره من بوازع من جنون الخلاف يشطرون الكنيسة، يلاشون الإيمان، يزعجون السلام، يبددون المحبة يدنسون السر؟
16- أيها الإخوة الأتقياء جدًا، ابتدأ هذا الشر منذ وقت طويل مضى، أما الآن فإن الخراب المدمر لنفس هذا الشر قد ازداد والوبأ السام لضلالة الهرطقة والانقسامات ابتدأ الارتفاع والانتشار أكثر، لأنه سيصير هكذا عند نهاية العالم. لأن الروح القدس أعلن لنا هذا وحذرنا من خلال الرسول فقال [1- وَلَكِنِ اعْلَمْ هَذَا انَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ،. 2- لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ،. 3- بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ،. 4- خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ لِلَّهِ،. 5- لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلاَءِ. 6- فَإِنَّهُ مِنْ هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْبُيُوتَ، وَيَسْبُونَ نُسَيَّاتٍ مُحَمَّلاَتٍ خَطَايَا، مُنْسَاقَاتٍ بِشَهَوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. 7- يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أنْ يُقْبِلْنَ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أبَدًا. 8- وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذَلِكَ هَؤُلاَءِ أيْضًا يُقَاوِمُونَ الْحَقَّ. أنَاسٌ فَاسِدَةٌ أذْهَانُهُمْ، وَمِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ مَرْفُوضُونَ. 9- لَكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أكْثَرَ، لأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحًا لِلْجَمِيعِ، كَمَا كَانَ حُمْقُ ذَيْنِكَ أيْضًا. (2تي 3: 1-9).]
كل الأشياء التي سبق التنبؤ عنها تتحقق وإذ تقترب نهاية العالم الآن، فإنها تأتي وتختبر البشر والأزمنة على السواء. وإذ يهاجم العدو بعنف يزداد الضلال أكثر وأكثر وترفع الحماقة رأسها ويلتهب الحسد والطمع يعمي (العيون)، وعدم التقوى تسود، والكبرياء تنتفخ والانشقاق يستشري ويندفع الغضب بسرعة شديدة.
17- لكن ليت الضلال المتطرف والمندفع للكثيرين لا يثيرنا أو يزعجنا بل بالأحرى ليته يقوي إيماننا بصدق الأمور التي سبق الإنباء عنها. إذ ابتدأ البعض يكونون هكذا، بسبب تلك الأشياء التي سبق الإنباء بها، لذلك ليت الإخوة الآخرين يحذروا أمورًا لها صفة مماثلة، لأجل أن هذه الأشياء أيضًا أُخبر عنها سابقًا، كما علّمنا الرب قائلًا "فانظروا أنتم ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء" (مر 13: 23).
أتوسل إليكم أن تتحاشوا مثل هؤلاء الناس وتتجنبوهم ولا تسمعوا لحديثهم المؤذي كتجنبكم وبأ الموت كما هو مكتوب "سيّج أذنيك بالشوك ولا تسمع للسان خبيث" [(سيراخ 28: 24) حسب النص]، وأيضًا "المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 15: 33). والرب ينصحنا ويعلّمنا أنه يلزمنا أن ننسحب من مخالطة مثل هؤلاء فيقول "هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة" (مت 15: 14). مثل هذا ينبغي الانصراف عنه، ومن يفصل ذاته عن الكنيسة يلزم تحاشيه. مثل هذا قد فسد وأخطأ ودان نفسه. هل يبدو لنفسه أنه مع المسيح ذاك الذي يتصرف مضادًا لكهنة المسيح، والذي يفصل ذاته عن مصاحبه إكليروسه وشعبه؟ ذلك الإنسان يتسلح ضد الكنيسة ويحارب ضد تدبير الله، هو عدو للمذبح، ثائر ضد ذبيحة المسيح، جاحد للإيمان مدنس للدين (أو للتدين)، عبد عاصي، ابن عديم التقوى، أخ معادي، يزدري بالأساقفة ويترك كهنة الله، يتجاسر على إقامة مذبح آخر، يؤلف صلوات أخرى بكلمات غير شرعية، يدنس تقدمة الله الحقيقية بذبائح كاذبة ولا يعرف يقاوم (حرفيًا يجاهد) ضد تدبير الله ويُعاقب بملامة إلهية لأجل تهوره المندفع.
18- هكذا قورح وداثان وأبيرام، الذين معارضة منهم لموسى وهارون ادّعوا حريتهم في تقديم الذبيحة، فدفعوا في الحال عقوبة جسارتهم. فانشقت الأرض التي تحتهم وفتحت فاها وابتلعت كل الأحياء الواقفين منهم ولم يتوقف سخط الله عند ضرب هؤلاء الذين كانوا قادة الفتنة بل خرجت أيضًا نار من عند الرب وأكلت المائتين والخمسين رجلًا الآخرين الذين شاركوا في نفس الجنون والذين انضموا إليهم في وقاحتهم، محذرًا بوضوح ومبينًا أن المحاولة البشرية الشريرة لإفساد قصد الله هي عمل موجّه ضد الله (انظر عد 16: 25-35). كذلك أيضًا عزّيا الملك عندما حمل المبخرة وادّعى لنفسه عنوة الحق في تقديم الذبيحة مخالفةً لناموس الله، فمع أن عزاريا الكاهن قاومه لم يرتض أن يذعن ويطيع فخزاه السخط الإلهي وأصاب جبينه بالبرص. لقد وسمه الإله الغاضب في ذلك الجزء من الجسد الذي فيه يُختم من يستحقون التكريم من الرب. وابني هارون اللذين وضعا نار غريبة على المذبح لم يأمر بها الرب، ماتا في الحال من نقمة الرب عليهما.
19- هؤلاء (الهراطقة والمنشقين) بالتأكيد يقتدون ويتبعون من يزدرون بتقليد (ترتيب) الله ويسعون وراء تعاليم غريبة ويقدمون تعاليم لها وازع بشري. هؤلاء يوبخهم الرب وينتهرهم في إنجيله عندما يقول "تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس" (مر 7: 8). هذا الجرم أسوأ مما يبدو أن الجاحدين قد اقترفوه، الذين بينما أقاموا في التوبة لأجل جرمهم يتوسلون لله بتكفيرات تامة. هنا (في الجحود) يطلبون الكنيسة ويتوسلون لها، هناك تُقاوم الكنيسة. هنا يمكن أن يوجد اضطرار (للجحد تحت وسائل التعذيب)، هناك الإرادة متلبسة بالشر (الخبث). هنا الذي جحد يضر ذاته فقط، لكن هناك الذي حاول أن يسبب هرطقة أو انشقاق ضلل كثيرين بجرهم وراءه. هنا (في الجحود) يوجد فقد لنفس وحيدة، لكن الخطر هناك يحدق بكثيرين. بالتأكيد من جحد يعلم أنه أخطأ ويندب وينتحب، أما ذلك فإنه ينتفخ في خطيته ويتلذذ في ذات خطاياه فيفصل الأولاد عن أمهم (الكنيسة) ويستميل الخراف لترك راعيهم ويشوش أسرار الله. وبينما أخطأ الجاحد مرة وحسب، فإن الآخر يخطئ يوميًا. أخيرًا الجاحد مؤخرًا بعد استشهاده يمكن أن ينال مواعيد الملكوت، أما الآخر لو قُتل خارج الكنيسة لا يمكنه أن يدرك أن يدرك مكافآت الكنيسة.
20- أيها الإخوة الأحباء جدًا، ليت لا أحد يندهش أن حتى بعض المعترفين يصلوا إلى هذا المدى وأن البعض منهم يخطئوا خطية فظيعة وشريرة جدًا. لأن لا الاعتراف بالمسيح (في وقت الاضطهاد) يعطي الإنسان مناعة ضد شباك إبليس ولا أيضًا يحمي من لا يزال موجود في العالم (بعد زوال الاضطهاد) فيعطيه أمان دائم ضد التجارب الدنيوية والأخطار والهجمات، وإلا ما كنا نرى أبدًا فيما بعد بين المعترفين -الضلال والفسق والزنا- الذي نراه الآن ونحن نتأوه ونحزن بين البعض منهم. أيًا كان هذا المعترف فهو ليس أعظم ولا أفضل ولا أعز لله أكثر من سليمان، الذي طالما كان يسير في طرق الرب، وطالما احتفظ بالنعمة التي نالها من الرب، ولكن بعد أن تخلى عن طريق الرب، فإنه فقد أيضًا نعمة الرب. ولذلك كُتب "تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ 3: 11). بالتأكيد ما كان الرب سيعمل هذا التهديد بأن إكليل البر يمكن أن يُنزع ما لم يكن أنه عند رحيل البر، يلزم أيضًا أن يرحل الإكليل.
21- الاعتراف هو بداية المجد وليس استحقاق الإكليل، ولا هو يحقق المدح بل هو يفتتح (طريق) التكريم، وحيث إنه مكتوب "الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت 10: 22)، فكل ما تم (حدث) قبل النهاية هو خطوة يتم الصعود بها إلى قمة الخلاص وليس هو النهاية التي بها نبلغ أقصى الأمان. (نعم) إنه معترف، لكن الخطر أعظم بعد الاعتراف لأن العدو ساخط عليه بالأكثر. (نعم) إنه معترف، لأجل هذا السبب (بالذات) ينبغي له أن يقف مع (ينحاز إلى) إنجيل الرب، لأنه نال المجد من الرب بواسطة الإنجيل.
"من أُعطي كثيرًا يُطلب منه كثير" (لو 12: 48)، ولمن أودع كرامة أكثر مُطالب بخدمة أكثر. ليت لا أحد يهلك من خلال مثال المعترف (وسلوكه المنحرف فيما بعد). ليت لا أحد يتعلّم الظلم، ليت لا أحد يتعلم الوقاحة ولا الخيانة من عادات أحد المعترفين.
(نعم) إنه معترف... (لكن) ليته يكون متضع وهادئ، وليته يكون محتشم ومؤدب في تصرفاته لكي من دُعي معترف بالمسيح يقتدي بالمسيح الذي يعترف به. لأنه إذ يقول "كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" (لو 18: 14)، وحيث إنه هو ذاته رفّعه الآب، لأنه وهو الكلمة وقوة وحكمة الآب قد واضع humbled ذاته على الأرض، فكيف يمكنه أن يحب الكبرياء وهو الذي فرض علينا الأتضاع بواسطة شريعته وهو نفسه نال أعلى اسم كمكافأة على الأتضاع؟ (نعم) إنه معترف، لكن فقط لو لم يجدف فيما بعد على عظمة وكرامة المسيح (بتصرفاته المخزية). ليت لسان من اعترف بالمسيح لا يكون شتّام أو مسترسل في مرح صاخب. ليت لا أحد يسمعه يدوي بإهانات ومشاجرات، ليته بعد كلمات المدح لا يطلق سموم الحيّة ضد الإخوة وكهنة الله.
لكن لو هو فيما بعد صار جدير بالملامة والاستهجان، لو بدد اعترافه (الحسن) بمحادثة شريرة، لو دنس حياته بحماقة غير لائقة، لو أخيرًا هجر الكنيسة التي صار فيها معترف وكسر وفاق وحدتها وغيّر إيمانه الأول وصار غادرًا (أو عديم الإيمان والأمانة) فيما بعد، لا يمكنه أن يتباهى بذاته بسبب اعترافه (الأول) كما لو اُنتخب لجائزة المجد، بينما بهذه الحقيقة ذاتها صارت استحقاقات العقوبة وافرة بالأكثر.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
22- لأن الرب اختار يهوذا أيضًا ضمن الرسل ولكنه فيما بعد خان الرب وسلّمه، ومع هذا لم يسقط ثبات وإيمان الرسل بسبب أن الخائن ارتد عن شركتهم. كذلك أيضًا في هذه الحالة فإن قداسة وكرامة المعترفين لم تتقلص على الفور بسبب أن إيمان البعض منهم انكسر. يتكلم الرسول الطوباوي في رسالته قائلًا "ماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء. أفلعل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله؟ حاشا، بل ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا" (رو 3: 3-4).
القسم الأكبر والأفضل من المعترفين صامدين في قوة إيمانهم وفي حق truth شريعة الرب وتعاليمه ولم يتخلوا (حرفيًا يحيدوا) أيضًا عن سلام الكنيسة، الذين يتذكرون أنهم نالوا نعمة في الكنيسة من تقدير الله لهم، وبهذه الحقيقة ذاتها ينالوا أعظم مدح لأجل إيمانهم. إنهم فصلوا ذواتهم من ضلال الذين اتحدوا بهم في معية الاعتراف وانسحبوا من جرمهم السابق. علاوة على ذلك إذ استناروا بنور الإنجيل ويشعّون بنور الرب الصافي البياض، فإنهم جديرين بالمدح في حفظ سلام المسيح عندما (بينما) كانوا منتصرين في لقائهم مع إبليس.
23- إنني أتمنى أيها الإخوة الأحباء جدًا، وبالمثل أنصح وأتوسل لو كان يتم هذا، أن لا أحد يهلك من الإخوة، وأن (الكنيسة) أمنا المبتهجة تضم في حضنها كيان واحد لشعب متفق. لكن لو أن النصيحة الخلاصية لا يمكنها أن ترجع بعض قادة الانشقاقات ومدبري الفتن (النزاعات) الذين يصرّون على عماهم وجنونهم لمقاومة طريق الخلاص، لكن البقية منكم سواء أُخذتم (على غرة) ببساطتكم أو تم استمالتكم للضلال، أو خُدعتم ببعض دهاء المكر المضلل، فحرروا ذواتكم من شراك الخداع، اعتقوا خطواتكم الشاردة عن الضلالات، تعرّفوا على السبيل الصحيح للطريق السماوي. وتشهد كلمات الرسول التي تقول "نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (2تس 3: 6)، وأيضًا يقول "لا يغرّكم أحد بكلام باطل لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية فلا تكونوا شركاءهم" (أف 5: 6-7).
ينبغي لنا أن ننسحب بل بالأحرى نهرب ممن سقطوا، لئلا بينما ينضم إليهم أحد أثناء سلوكهم الردئ ويجتاز إلى طرق الضلال والإثم ينحرف من الطريق الصحيح، فيُضبط هو ذاته في إثم شبيه. الله واحد والمسيح واحد وكنيسته واحدة والإيمان واحد والشعب واحد متحد سويًا برباط الوفاق في وحدة صلبة للجسد. لا يمكن للوحدة أن تنشطر ولا يمكن للجسد الواحد أن يُفصل بشطر بنيانه ولا أيضًا يتمزق إلى قطع صغيرة بتمزيق أحشاءه. (الفرع) الذي ينفصل عن الساق الأصلي لن يمكنه أن يتنفس ويحيا بمفرده بل يفقد جوهر (أساس) الصحة.
24- يحذّرنا الروح القدس قائلًا "من هو الإنسان الذي يهوى الحياة و يحب كثرة الأيام ليرى خيرًا. صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها" (مز 34: 12-14). ينبغي لابن السلام أن يفتش عن السلام ويتبعه. الذي يعرف ويحب رابطة المحبة ينبغي له أن يمنع لسانه عن شر الشقاق (النزاع). بين وصايا الرب الإلهية وإرشاداته الخلاصية، أضاف الرب التالي قرب (موعد) آلامه "سلامي أترك لكم. سلامي أعطيكم" (يو 14: 27). إنه أعطانا هذا الميراث وضمن لنا كل عطايا ومكافآت وعده في حفظ السلام. لو نحن ورثة مع المسيح، لنبقى في سلام المسيح. لو نحن أبناء الله ينبغي لنا أن نكون صانعي سلام، فهو يقول "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون" (مت 5: 9).
يلزم لأبناء الله أن يكونوا صانعي سلام، لطفاء، بسطاء في كلامهم، متناغمين في المحبة، مرتبطين بإخلاص ببعضهم البعض في روابط الوفاق.
25- هذا الوفاق وُجد في القديم بين الرسل، لذلك حفظ محفل المؤمنين الجديد محبتهم بحفظهم وصايا الرب. ويبرهن الكتاب على هذا في الكلمات التالية "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة" (أع 4: 32). وأيضًا "هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة (والطلبة) مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أع 1: 14).
هكذا صلّوا بصلوات فعّالة، لذلك كان يمكنهم بثقة أن ينالوا ما يسألوه من رحمة الله.
26- لكن الوفاق تقلص جدًا بيننا حتى أن سخاء أعمالنا الحسنة قد قلّ جدًا. إنهم آنذاك باعوا بيوتهم وأملاكهم -مدخرين لهم كنوزًا في السموات- فقدموا أثمانها للرسل ليوزع على كل من له احتياج، أما الآن فنحن لا نعطي حتى العشور من ممتلكاتنا، ومع أن الرب يوصينا أن نبيع، فنحن بالأحرى نشتري ونزيد أملاكنا. لذلك ذبلت حمية الإيمان فينا؛ لذلك فترت قوة المؤمنين. ولذلك (أيضًا) يتطلع الرب إلى زماننا فيقول في إنجيله "متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض؟" (لو 18: 8). نحن نرى أن ما سبق أن أخبر به الرب مزمع أن يتم. لا يوجد (الآن) إيمان بمخافة الله، بشريعة البر، بالحب والأعمال (الحسنة). لا أحد يفكر في يوم الرب وغضب الله والعقوبات الآتية على غير المؤمنين والعذاب الأبدي المحدد سلفًا لهم. هذا ما سيخشاه ضميرنا لو صدّق، فهو سيخشى ليس لأنه لا يصدق على الإطلاق (عقوبة غير المؤمنين والعذاب الأبدي)، لكن لو هو صدّق (كما ينبغي) سينتبه أيضًا ويأخذ حذره، ولو هو انتبه سيفلت من العقوبة والعذاب الأبدي لغير المؤمنين.
27- لننهض ذواتنا على قدر ما نستطيع أيها الإخوة الأحباء جدًا ونهّب من نوم الخمول القديم. لنتيقظ لمراعاة وحفظ وصايا الرب. لنكن على ما أمرنا هو ذاته أن نكونه عندما قال "لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة. وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو 12: 35-37).
ينبغي لنا أن نتمنطق لئلا عندما يأتي يوم الرحيل يجدنا مثقلين ومتورطين (في هموم العالم وشروره). ليشّع نورنا ويتوهج في أعمال صالحة لكيما يقودنا من ليل هذا العالم إلى نهار (حرفيًا نور) البهاء الأبدي. لننتظر دائمًا بحذر واهتمام المجيء الفجائي للرب لكي عندما يقرع، يكون إيماننا سهران مستعدًا لنوال أجرة سهره من الرب.
لو حفظنا هذه الوصايا، لو تمسكنا بهذه الأوامر والتحذيرات لا يمكن لخداع إبليس أن يأخذنا على غفلة ونحن نيام وسنملك كعبيد ساهرين مع المسيح يسوع ربنا آمين.

تم الانتهاء من الترجمة الأربعاء 22-3- 1995م الموافق نياحة الأخ الحبيب وصاحب القلب الرقيق والوديع أبونا بطرس المقاري. كما تم الانتهاء من كتابة النص على الكمبيوتر الأحد 19-6-2005م الموافق عيد العنصرة المجيد.
_____
(25) يفّرق القديس كبريانوس بين الهراطقة والشقاق فالهراطقة هي اختيار طوعي لعقيدة كاذبة، أما الشقاق فيتضمن بالأحرى انقسام في وحدة الكنيسة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/unity-of-church.html
تقصير الرابط:
tak.la/4yjs9q4