1- أيها الإخوة الأحباء جدًا إن وصايا الإنجيل غير أنها تعاليم إلهية، هي أُسس لبناء الرجاء، معضدات لتقوية الإيمان، منعشات لتشجيع القلب، مجاديف لتوجيه مسيرتنا، تعين على اقتناء الخلاص، والتي بينما هي ترشد الأذهان الوديعة للمؤمنين على الأرض، تقودهم إلى الملكوت السماوي.
أراد الله أن تُقال وتُسمع أيضًا أشياء كثيرة من خلال عبيده الأنبياء، لكن كم كانت أعظم الأشياء التي يقولها الابن، التي يشهد بها بصوته، الله الكلمة الذي كان في الأنبياء، ليس بعد يوصي بإعداد الطريق لمجيئه، فهو ذاته يأتي ويفتتح ويُرينا الطريق، لكي نحن الذين كنا سابقًا تائهين في ظلال الموت، طائشين وعميان، إذ قد استنرنا بنور النعمة، نمسك بطريق الحياة مع الرب كقائد ومرشد لنا.
2- الذي هو ضمن نصائحه الخلاصية الأخرى ووصاياه الإلهية التي بها يعطي شعبه مشورة الخلاص، هو نفسه أعطى صيغة للصلاة، هو نفسه نصحنا وأرشدنا بما نصلي لأجله. الذي هو خلقنا لنعيش، علّمنا أيضًا أن نصلي، بنفس الرأفة، أي التي بها تفضّل لأن يعطي ويمنح الأشياء الأخرى، لكي بينما نحن نحادث الآب بتلك الصلاة والتوسل التي علّمها الابن، يسمعنا الآب بسهولة أكثر. لقد أخبر سابقًا أن الساعة كانت قادمة عندما "الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق" (يو 4: 23)، وهو أتم ما وعد به سابقًا لكي نحن الذين بتقدسه نلنا الروح والحق، أيضًا بتعليمه نسجد بالروح والحق. لأنه أية صلاة يمكن أن تكون أكثر روحانية من تلك التي أعطاها لنا السيد المسيح، الذي بواسطته أُرسل لنا الروح القدس. أية صلاة إلى الآب يمكن أن تكون أكثر صدقًا من تلك التي أعطاها الابن الذي هو الحق؟ لذلك الصلاة بخلاف ما علّم به ليس فقط هو جهل بل أيضًا خطية، إذ هو نفسه قد قرر وقال "أنتم أبطلتم وصية الله لكيما تقيموا تقليدكم" (انظر مت 15: 6؛ مر 7: 8).
![]() |
3- لذلك -أيها الإخوة الأحباء جدًا- ليتنا نصلي كما قد علّمنا الله المعلم. إنها صلاة فيها صداقة وود أن نتوسل لله بذات كلماته، لأن تصعد إلى أذنيه صلاة المسيح. ليتعرف (ويعترف) الآب على كلمات ابنه عندما نصلي. لنجعل من يقيم داخل قلوبنا هو ذاته أيضًا في صوتنا، وحيث أن لنا من هو شفيع لخطايانا أمام الآب، فلنقدم كلمات شفيعنا. لأنه إذ يقول "كل ما طلبتم باسمي يعطيكم" (يو 16: 23)، فكم سنحصل بأكثر فعالية على ما نطلبه في اسم المسيح لو نسأل بذات صلاته؟ (انظر يو 14: 6).
4- لكن ليت من يصلون لهم كلمات وطلبات تحمل سمة الانضباط والتأدب. لنضع في أذهاننا أننا نقف في محضر الله. يلزمنا أن نكون مرضيين في وقوفنا أمام الله بالرداء (المحتشم) الذي نلبسه وبقدر (مناسب من) الصوت. لذلك كما أنه من خاصية الوقح أن يعمل ضجة وصخب، كذلك من ناحية أخرى يُفيد المتضع أن يصلي بتوسلات متعقلة. أخيرًا أمرنا الرب في تعاليمه أن نصلي في السر وخفية وأماكن بعيدة، في مخادعنا ذاتها، لأنه يليق بإيماننا بالأكثر أن ندرك أن الله حاضر في كل مكان وأنه يسمع ويرى الكل وبعظمة جلاله ينفذ أيضًا إلى المواضع السرية والخفية كما هو مكتوب "ألعلي إله من قريب يقول الرب ولست إلهًا من بعيد. إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة، أفما أراه أنا يقول الرب. أما أملأ أنا السموات والأرض؟" (إر 23: 23-24)، وأيضًا "في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين" (أم 15: 3).
وعندما نجتمع سويًا مع الإخوة في موضع واحد ونحتفل بالذبائح الإلهية مع كاهن الله، ينبغي لنا أن نهتم بالحشمة والتأدب ولا نقذف صلواتنا عشوائيًا بأصوات فظة ولا نلقي طلبتنا -التي ينبغي أن نستودعها لله بحشمة- بثرثرة فيها ضجيج، لأن السامع ليس سامع للصوت بل للقلب، وليس بأن نذكّر بصيحات من يرى أفكارنا، كما يبرهن الرب هذا عندما يقول "لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟" (مت 9: 4). وفي موضع آخر يقول "فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكي والقلوب" (رؤ 2: 23).
5- هذا تفعله حنّة في سفر صموئيل الأول وهي ترسم نموذج للكنيسة، لمن يصلي لله أن يحرص ويراعي ألا يطلب بضجيج بل يصلي بصمت وتأدب في داخل خفايا قلبه مثلها. إنها تكلمت بصلاة خفية لكن بإيمان ظاهر. إنها تكلمت ليس بصوتها بل بقلبها، لأنها علمت أن الرب هكذا يسمع وأنها ستحصل تمامًا على ما طلبته لأنها سألت بإيمان. يعلن السفر المقدس هذا بقوله "كانت حنّة تتكلم في قلبها وشفتاها فقط تتحركان وصوتها لم يُسمع" (1صم 1: 13)، والرب سمعها. بالمثل نقرأ في المزامير "الذي تقولونه في قلوبكم، اندموا عليه في مضاجعكم" [(مز 4: 5)[س]. أيضًا يوحي الروح القدس ويعلّم نفس الأشياء بفم إرميا فيقول "أيها الرب ينبغي أن يُسجد لك (تُعبد) أيضًا في القلب"(23).
6- علاوة على ذلك -أيها الإخوة الأحباء جدًا- ليت من يعبد لا يجهل هذا، كيف صلّى العشار مع الفريسي في الهيكل. لم يرفع العشار عينيه بوقاحة إلى السماء ولا بعجرفة رفع يديه، بل قرع صدره وشهد لخطاياه الداخلية فتوسل طلبًا للرحمة الإلهية، ومع أن الفريسي كان راضيًا عن ذاته، استحق بالأحرى هذا الإنسان الذي توسل هكذا، الذي وضع رجاء الخلاص ليس اتكالًا على طهارته -لأن لا أحد طاهر- بل أقرّ بخطاياه وصلى بأتضاع، والذي يغفر للمتضع سمعه بينما هو يصلي. وهذا الأمر يوضحه الرب في الإنجيل قائلًا [10- «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. 11- أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هَكَذَا: اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ وَلاَ مِثْلَ هَذَا الْعَشَّارِ. 12- أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. 13- وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: اللهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ. 14- أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ». (لو 18: 10-14).].
7- إذ نعرف هذه الأشياء -أيها الإخوة الأحباء جدًا- من الكتب المقدسة، بعد أن عرفنا كيف ينبغي أن نتقدم إلى الصلاة، لنتعلم أيضًا -مع الرب كمعلّم لنا- ماذا نصلي. إنه يقول [9- فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. 10- لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. 11- خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. 12- وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. 13- وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. (مت 6: 9-13).]
8- أول كل الأشياء لا يريد معلّم السلام ورب الوحدة أن نقدم الصلاة بصورة فردية وخاصة كما يود إنسان إن يطلب لنفسه عندما يصلي. نحن لا نقول "أبي الذي في السموات" ولا نقول أيضًا "أعطني هذا اليوم كفاف خبزي" ولا يسأل أحد أن تُغفر ذنوبه له فقط وأن لا يُدخل في تجربة وأن يُنجى من الشرير بمفرده فقط.
إن صلاتنا عامة ومشتركة وعندما نصلي، نصلي ليس لواحد (بمفرده) بل لكل الناس، لأننا -كل الشعب- نحن (كلنا) واحد. الرب معلم الصلاة والاتفاق، الذي علّم الوحدة، هكذا أراد أن يصلي الفرد لأجل الكل، كما هو ذاته حمل الكل في واحد.
إن قانون الصلاة هذا عمل به الثلاثة فتية في أتون النار إذ اتحدوا في الصلاة وكانوا متناغمين في اتفاق الروح، ختم إيمان السفر الإلهي يعلن هذا. وعندما يخبر كيف صلّي هؤلاء (الفتية الثلاثة)، أعطى مثالًا ينبغي لنا أن نقتدي به في صلواتنا لكيما يمكننا أن نكون على ما كانوا عليه. إذ يقول "آنذاك كان الثلاثة فتية يسبحون ويباركون الله كما لو من فم واحد" (انظر تتمة دا 3: 23) [دا 3: 23س]. إنهم كانوا يتكلمون كما من فم واحد، مع أن المسيح لم يكن قد علّم بعد الصلاة الجماعية. ولذلك كانت كلماتهم مفيدة وفعّالة أثناء صلاتهم، لأن الصلاة الروحية والبسيطة والهادئة مستحقة تقدير الرب لها.
كذلك أيضًا نجد أن الرسل مع التلاميذ صلّوا (هكذا) بعد صعود الرب. يقول الكتاب "هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة (والطلبة) مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أع 1: 14). إنهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة معلنين بالمثل بثباتهم ووحدتهم في الصلاة أن الله الذي يجعل من هم بنفس واحدة يقطنون في بيت (انظر مز 68: 6) لا يقبل في البيت الأبدي والإلهي إلا من لهم نفس واحدة في الصلاة.
9- بالإضافة إلى هذا -أيها الإخوة الأحباء جدًا- من أية طبيعة تكون سرائر الصلاة الربانية. كم من أسرار كثيرة وعظيمة مجموعة في كلمات مختصرة لكن فائضة الروحانية في الفضيلة حتى أنه لم يُغفل شيء على الإطلاق مما يمكن أن تحويه طلباتنا وتوسلاتنا كما في خلاصة وافية للتعليم السماوي.
يقول الكتاب "صلّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات".
إنسان جديد، ولد ثانية ورجع إلى إلهه بنعمته يقول في المقام الأول "أبانا" لأنه ابتدأ من الآن في أن يكون ابن.
يقول يوحنا الرسول "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 11-12). لذلك الذي آمن باسمه وصار ابنًا لله ينبغي له من ثمّ أن يقدم تشكرات ويعلن ذاته على أنه ابن الله عندما يصرح أن أبيه هو في السموات، (و) أيضًا ليشهد في الكلمات الأولى ذاتها عن ميلاده الجديد فلا يعترف بأبيه الأرضي والجسداني وأنه ابتدأ أن يعرف ويكون له أب فقط من هو في السموات كما هو مكتوب "الذي قال عن أبيه وأمه لم أرهما وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك" (تث 33: 9).
كذلك الرب في إنجيله قد أمرنا أن لا ندعو لنا أبًا على الأرض لأن أبانا واحد الذي في السموات (انظر مت 23: 9)، وأجاب الرب للتلميذ الذي طلب أن يدفن أبيه الميت "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22) لأنه قال إن أبيه قد مات بينما أب المؤمنين هو حي.
10- وينبغي لنا - أيها الإخوة الأحباء جدًا- أن نراعي ونفهم هذا فقط أن ندعوه أب من هو في السموات، بل نتحد في قول "أبانا" أي هو أب من يؤمنون، من تقدسوا من خلاله وابتدأوا يكونوا أولاد لله بعد استعادتهم بميلاد النعمة الروحية. وهذا الصوت يوبخ ويدين اليهود، لأنهم ليس فقط ازدروا بجحود، المسيح الذي أُعلن لهم عن طريق الأنبياء وأُرسل إليهم أولًا، بل أيضًا قتلوه بوحشية، الذين لا يمكنهم الآن أن يدعو الرب أب، إذ يدحضهم الرب ويخزيهم بقوله "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالًا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأن ليس فيه حق" (يو 8: 44). ويصرّح الله باغتياظ بفم إشعياء النبي قائلًا "ربيت بنين ونشّأتهم أما هم فعصوا عليّ. الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم. ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى الوراء" (إش 1: 2-4). ومن باب الإدانة لهؤلاء نقول نحن المسيحيون عندما نصلي "أبانا" لأنه ابتدأ من الآن يكن لنا أب وتوقف عن أن يكون هكذا لليهود الذين تركوه. ولا يمكن أيضًا لشعب خاطئ أن يكون ابنًا بل نُسب اسم البنين لمن مُنح لهم غفران الخطايا، لهؤلاء أيضًا وعد بالأبدية عندما يقول الرب ذاته "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد" (يو 8: 34-35).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
11- علاوة على ذلك كم عظيم هو رفق الرب وحلمه، كم عظيم هو فيض اعتباره (إجلاله) وصلاحه لنا حتى أنه أرادنا هكذا أن نحتفي بالصلاة أمام الله لكيما ندعو الرب "أب" وكما أن المسيح هو ابن الله، نحن أيضًا ندعو ذواتنا أبناء الله، الاسم الذي ما كان أحد منا يجرؤ على نطقه في الصلاة لو لم يتح هو لنا أن نصلي هكذا.
لذلك أيها الإخوة الأحباء جدًا ينبغي لنا أن نتذكر وأن نعرف أنه عندما نتكلم عن الله يلزمنا أن نتصرف كأولاد الله حتى كما نُسر نحن بالله كأب، كذلك أيضًا هو يبتهج بنا (كأبناء بارين). لنحيا كما لو هياكل لله لكي نتطهر حتى يحل فينا الرب. ليت تصرفاتنا لا تبتعد عن (معية) الروح لكي نحن الذين ابتدأنا نكون روحيين وسماويين لا نتأمل ولا نعمل سوى ما هو روحاني وسماوي. لأن الرب الإله ذاته قال "إني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون" (1صم 2: 30). والرسول المبارك وضح هذا أيضًا في رسالته فقال "إنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد أُشتريتم بثمن، فمجدوا الله في أجسادكم..." (1كو 6: 19-20).
12- بعد هذا نقول "ليتقدس اسمك" ليس لأننا نريد أن يتقدس الله بواسطة صلواتنا، بل لأننا نطلب من الله أن يتقدس اسمه فينا.
علاوة على ذلك بمن يتقدس الله الذي هو ذاته يُقدَّس؟ بل لأنه هو ذاته قال "كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (انظر لا 20: 7)، نتوسل ونسأل لأجل هذا، أننا نحن الذين تقدسنا في المعمودية نثابر فيما ابتدأناه. ولأجل هذا نحن نصلي يوميًا، لأننا نحتاج لتقديس يومي لكي نتطهر من خطايانا بتقديس متواصل نحن الذين نخطئ يوميًا. أيضًا ما هو ذلك التقديس الذي أُسبغ علينا بدافع من تقدير (اعتبار)esteem الله يصرح به الرسول عندما يقول "لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور. ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع و بروح إلهنا" (1كو 6: 9-11).
إنه يقول إننا قد تقدسنا في اسم الرب يسوع المسيح بروح إلهنا. نحن نصلي أن يستمر فينا هذا التقديس، ولأن ربنا ودياننا حذّر الإنسان -الذي شفاه وأنعشه- ألا يخطئ بعد لئلا يصيبه أشر، نحن نتوسل بهذه الصلوات المستمرة، نحن نسأل هذا ليلًا ونهارًا أن التقديس والتجديد الذي أسبغه علينا الله بنعمته يُحفظ لنا بواسطة حمايته.
13- يلي ذلك في الصلاة "ليأت ملكوتك".
نحن أيضًا نسعى لأن يظهر ملكوت الله فينا (تمامًا) كما سبق أن سألنا أن اسمه يتقدس فينا. لأنه متى لا يملك الله أو متى يبتدئ ذلك الملكوت فيه والذي كان فيه دائمًا ولا يتوقف عن أن يكون؟ نحن نتوسل أن يأتي ملكوتنا الذي وعدنا به الله والذي اقتناه لنا المسيح بدمه وآلامه، لكي نحن الذين خدمنا سابقًا في العالم (لصالح إبليس) نملك مع المسيح بعد ذلك كرب كما يعد هو نفسه قائلًا "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك الُمعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34).
في الواقع -أيها الإخوة الأحباء جدًا- المسيح ذاته أيضًا يمكن أن يكون ملكوت الله الذي يوميًا نرغب في مجيئه، والذي نرغب في مجيئه بسرعة لنا. إذ حيث أنه هو ذاته القيامة، لأن فيه نقوم ثانية، كذلك أيضًا يمكن أن يُفهم ملكوت الله على أنه هو ذاته لأن فيه نحن نملك.
بالإضافة إلى هذا نحن حسنًا نطلب ملكوت الله أي الملكوت السماوي لأنه يوجد أيضًا ملكوت (مُلك) أرضي. لكن الذي جحد العالم بالفعل هو أعظم من كراماته وملكوته. ولذلك فإن الذي كرّس ذاته لله وللمسيح لا يرغب في ملكوت أرضي بل ملكوت سماوي.
هناك أيضًا احتياج لصلوات وتوسلات مستمرة لئلا نحيد عن الملكوت السماوي كحيدان اليهود الذين كانوا أول من أخذ هذا الوعد كما يوضح الرب هذا بقوله "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 8: 11-12). إنه يُظهر أن اليهود كانوا سابقًا أولاد الملكوت عندما ثابروا في كونهم أبناء الله أيضًا، لكن بعد توقف اسم الآب بينهم، امتنع أيضًا عليهم الملكوت. لذلك فنحن المسيحيين الذين في صلاتنا قد دعونا الله "أبانا" نصلي أيضًا أن يأتي ملكوته إلينا.
14- نحن نصلي أن تتم مشيئة الله فينا، وعندما نضيف قائلين "لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء" ليس معنى ذلك أن يفعل الله ما يريد، ولكن بالأحرى أن نستطيع نحن عمل ما يريده هو. من يقدر أن يمنع الله عن عمل ما يريده؟ أما نحن فإن عدو الخير يتربص بنا ويعوقنا ويحاول أن يمنعنا في كل شيء عن الإذعان لإرادة الله.
فنحن نطلب أن تتم مشيئته فينا، وهذا أمر يحتاج إلى معونته الإلهية. ذلك لأن ليس أحد يستمد قوته من إمكانياته الذاتية، ولكن قدرتنا هي من رأفة الله ورحمته. أخيرًا الرب ذاته أظهر عجز الإنسان والذي هو تبناه فقال "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" (مت 26: 39). ولكي يبرهن أنه لم يكن يعمل مشيئته الخاصة بل مشيئة الله، أضاف قائلًا " لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" [تابع (مت 26: 39)]. وفي موضع آخر يقول "لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني" (يو 6: 38). فإذا كان الابن ذاته قد اهتم أن يعمل مشيئة الآب، فكم ينبغي بالأولى للعبد أن يعمل مشيئة سيده، كما يحثنا أيضًا يوحنا الرسول في رسالته قائلًا "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو 2: 15-17). فمن أراد أن يثبت إلى الأبد فعليه أن يعمل مشيئة الله الذي هو أبدي.
15- علاوة على ذلك مشيئة الله هي تلك التي كان المسيح يعملها ويعلّمها وهي تلك: تواضع السيرة، صلابة الإيمان، الوداعة في الكلام، الحكمة في التصرف، الرحمة في المعاملات، رزانة الأخلاق، عدم الإضرار بأحد، احتمال المضّرة التي تأتي علينا من الآخرين، حفظ السلام مع الإخوة، محبة الرب بكل القلب، نحبه لكون أب، نخافه لكونه هو الله، لا نفضّل شيئًا عن المسيح لأنه فضّلنا على كل شيء، أن نكون راسخين في محبته ونقف بشجاعة وإخلاص عند صليبه، وعندما تقوم حرب (شعواء) على اسمه وإكرامه نُظهر ثبات في كلام اعترفنا ورباطة جأش مقابل الاستجواب والفحص التي ندخلها، ونُظهر الصبر الذي به نتكلل في الموت. هذا هو معنى الإرادة أن نكون وارثين مع المسيح، هذا هو معنى أن تصنع أمر الله، هذا هو معنى أن نتمم مشيئة الآب.
16- نحن نطلب أيضًا أن تتم مشيئة الله في السماء وكذلك على الأرض لأن كليهما يساهمان في اكتمال أمننا وخلاصنا. لأننا إذ نملك جسدًا من الأرض وروح من السماء، نحن أنفسنا سماء وأرض ونحن نصلي أن تتم مشيئة الله في كل من جسدنا وروحنا. لأنه يوجد صراع بين الجسد والروح وحيث أنهما يتنازعان يوميًا ويتعاركان، فنحن لا نفعل ما نريده: فالروح تطلب ما هو سماوي وإلهي، أما الجسد فيجري وراء ما هو أرضي زمني. بناء على ذلك نحن نطلب أن يتم التوافق بين الاثنين بمعونة ومساعدة الله، لكيما -بينما تتم مشيئة الله في كل من الروح والجسد- تُحفظ النفس التي ولدها الله ثانية. وهذا ما يؤكده بولس الرسول بوضوح قائلًا "لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون... وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة. عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة. حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضًا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله. وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان. وداعة تعفف" (غلا 5: 17، 19-23). من أجل هذا نحن نصلي يوميًا بطلبات لا تتوقف أن تتم مشيئة الله بخصوصنا كما في السماء كذلك على الأرض، لأن هذه هي مشيئة الله أن الأرضي يُفسح المجال للسماوي حتى يسود الروحي والإلهي.
17- ويمكن -أيها الإخوة الأحباء جدًا- أن تُفهم هذه الكلمات هكذا: حيث الرب يأمرنا ويحضنا أن نحب حتى أعدائنا وأن نصلي أيضًا لأجل من يضطهدوننا، فليتنا نطلب لأجل من لا يزالوا أرضيين ولم يبدأوا بعد في أن يكونوا سماويين، لكي تتم أيضًا من جهتهم مشيئة الله التي أتمها المسيح بحفظ وتجديد البشرية.
لإنه إذ لم يعد المسيح يدعو تلاميذه بعد أرضًا، بل دعاهم "ملح الأرض" والرسول يعلن أن الإنسان الأول أُخذ من تراب الأرض، بينما الثاني أتى من السماء، فينبغي لنا نحن أيضًا أن نتشبه بالله الآب الذي يشرق شمسه على الصالحين والأشرار ويرسل مطر على الأبرار والأثمة، وجدير بنا أن نصلي ونطلب -كما ينصح المسيح بهذا- من أجل خلاص الجميع حتى كما تمت مشيئة الله فينا بإيماننا لنصير سمائيين، كذلك أيضًا على الأرض، أي بين غير المؤمنين، الذين هم بحسب مولدهم الأول مازالوا بعد أرضيين، تتم مشيئة الله حتى يصبحوا سماويين بمولدهم من الماء والروح.
18- ثم نتابع الصلاة فنسأل قائلين "أعطنا خبزنا اليومي".
يمكن أن تُفهم هذه العبارة بمعنيين: روحي وحرفي، لأن أيًا من التفسيرين ذا نفع للخلاص في فائدته الإلهية (أي الروحية). لأن المسيح هو خبز الحياة وهذا الخبز لا يخص كل العالم وإنما يخصنا نحن (المؤمنين به). لأنه كما نقول "أبانا" لأنه هو أب كل من يفهم ويؤمن، كذلك أيضًا نقول "خبزنا" لأن المسيح هو خبز من يشتركون في جسده. علاوة على ذلك نحن نسأل أن يُعطى لنا هذا الخبز يوميًا، لئلا نحن الذين في المسيح ونتناول من سر الإفخارستيا يوميًا كطعام للخلاص، بسبب خطية ما ننفصل عن جسد المسيح أثناء إبعادنا وحرماننا من الخبز السماوي، كما يعلن هو نفسه قائلًا "أنا هو الخبز الحي النازل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي من أجل حياة العالم" (يو 6: 51). لذلك إذ يقول أن من يأكل خبزه يحيا إلى الأبد، كما هو واضح أنهم يحيون الذين يتقدمون ويتناولون الإفخارستيا، لذلك ينبغي من ناحية أخرى أن نخاف ونصلي لئلا من هو مقطوع (بإرادته) ومفصول عن جسد المسيح يبقى بمعزل عن الخلاص، كما هدد الرب ذاته قائلًا "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو 6: 53). وهكذا نحن نطلب يوميًا أن يُعطى لنا خبزنا الذي هو المسيح لكيما نبقى أحياء في المسيح ولكي لا نبتعد عن تقديسه وجسده.
19- لكن يمكن أيضًا أن نفهم هذه الطلبة هكذا: نحن الذين قد جحدنا العالم وبنعمة الإيمان طرحنا كل غناه وتنعماته، نطلب فقط مجرد قوتنا اليومي كما يعلّمنا الرب قائلًا "الذي لا يجحد كل ما له لا يمكنه أن يصير لي تلميذًا" (انظر لو 14: 33). علاوة على ذلك من ابتدأ في أن يصير تلميذًا للمسيح ويجحد كل الأشياء بحسب كلمة سيده، عليه أن يسأل (فقط) لأجل خبزه اليومي، إنما بدون قلق لأجل المستقبل كما يصف هذا الرب نفسه في هذه الكلمات "لا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (مت 6: 34).
لذلك يجدر لتلميذ المسيح الممنوع عليه أن يفكر في الغد لأجل قوته، لأنه يصير مضادًا وغير لائق لنا نحن الذين نطلب أن يأتي ملكوت الله سريعًا، أننا نسعى لأن يطول بقاؤنا في هذا العالم.
كذلك أيضًا ينصح الرسول الطوباوي ويثبّت ويشدد ثبات إيماننا ورجاؤنا بقوله "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما. وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي 6: 7-10).
20- يعلّمنا المسيح ليس فقط أنه علينا الازدراء بمحبة المال، بل إنها رذيلة خطيرة، إذ أن محبة المال تحوي فيها جذور كل الشرور المغرية التي تخدع الذهن البشري الأعمى بخداع خفي. لذلك ينتهر الرب الغني الذي تأمل في غناه الأرضي وافتخر بفيض حصاده الوفير فقال له "يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟" (لو 12: 20). الأحمق كان يفتخر بوفرة محصوله بينما كان على وشك أن يموت، والذي كانت حياته تنحط الآن (إلى الهلاك)، تأمل في فيض رزقه!
لكن الرب يعلّم من الناحية الأخرى أنه يصير كاملًا الذي يبيع كل مقتنياته ويوزعها لسد حاجة الفقير يكنز لنفسه كنزًا في السماء. إنه يقول أن ذلك الإنسان يمكنه أن يتبعه ويقتدي بمجد آلام الرب، الذي غير متثقل، وبأحقاء ممنطقة غير متورط في عراقيل الثروة الشخصية، بل غير مقيد وحر، هو ذاته أيضًا يصحب مقتنياته المرسلة قبلًا إلى الرب. ولكي يمكن لكل واحد منا أن يعّد ذاته لهذا، لذلك يعلّمنا الرب الصلاة، ومن مبدأ الصلاة أن نعرف أي نوع من البشر ينبغي أن يكون الإنسان.
21- لأنه لا يمكن أن يعوز البار الخبز اليومي، إذ أنه مكتوب "الرب لا يجيع نفس الصديق" (أم 10: 3)، وأيضًا "كنت فتى وقد شخت ولم أر صدّيقًا تُخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزًا" (مز 37: 25). ثم إن الرب يعد قائلًا "فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس. فإن هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم" (مت 6: 31-33).
لمن يطلبون ملكوت الله وبرّه، يعّد الله أن يعطيهم كل الأشياء مضافًا إلى ما يسألونه. إذ حيث أن كل الأشياء هي ملك لله، فلن يعوز شيء لمن الله له، لو هو ذاته لا يتخلى عن الله. وهكذا كان دانيال وهو محبوس في جب الأسود حسب أمر الملك، كانت تُعّد له وجبة إلهية، وكان رجل الله يُطعم في وسط الوحوش المفترسة (الجائعة)، التي رغم أنها كانت هائجة لكنها أبقت (ولم تفترسه رغم جوعها). كذلك إيليا كانت الغربان تعوله في هربه ووحدته، وعندما كان مُطاردًا كانت الطيور تأتي له بطعام ليأكله. ويا للأسف ويا للقسوة البغيضة لشر الإنسان، الوحوش تبقي على الإنسان (البار) والطيور تطعمه، بينما البشر (الأشرار) يدبرون مؤامرات ويمضون في جنونهم!
22- بعد هذا نصلي أيضًا لأجل خطايانا قائلين "اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا".
بعد طلب خبزنا اليومي، نسأل أيضًا غفران الخطايا لكي يحيا في الله (بالله) من يُقات بواسطة الله، لكي يُعمل حساب ليس فقط الحياة الحاضرة الزمنية، بل أيضًا للأبدية التي نأتي إليها لو غُفرت خطايانا التي يدعوها الرب ديون حسب قول الإنجيل "كل ذلك الدين تركته لك، لأنك طلبت مني" (مت 18: 32).
علاوة على ذلك كم يلزم، كم أنه من الحكمة والمفيد لنا أننا -نحن المجبرين على التوسل لأجل خطايانا- يتم تذكيرنا بأننا خطاة، لكي بينما نحن نطلب الغفران من الله، تُستدعى النفس للشعور بجرمها! ولئلا يرضى أحد عن ذاته كما لو كان طاهر (بار) وبإعلاء ذاته يهلك بالأكثر يتعلم الإنسان ويعرف أنه يخطئ يوميًا وذلك من خلال الأمر الصادر إليه أن يصلي يوميًا لأجل خطاياه.
كذلك أخيرًا يعظنا يوحنا الرسول في رسالته قائلًا "إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا، ولكن إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطّهرنا من كل إثم" (1يو 1: 8-9). إنه جمع في رسالته أمرين: أنه ينبغي لنا أن نتوسل لأجل خطايانا وأننا حتمًا نحصل على الغفران عندما نتوسل. لذلك قال إن الرب كان أمينًا في غفران الخطايا حافظًا صدق وعده، لأن الذي علّمنا أن نصلي لأجل (غفران) ذنوبنا وخطايانا، وعدنا أن الرحمة والغفران سنحصل عليهما بعد صلاتنا وطلبنا لهما.
23- الرب يحدد بدقة شروط صفحه: إنه يلزمنا أن نترك نحن أيضًا الديون للمديونين لنا، مادمنا نطلب نحن بالمثل أن تُترك لنا ديوننا. إننا لا نستطيع أن نطلب غفران ذنوبنا، إلا إذا صنعنا بالمثل من نحو من أذنب إلينا. إنه يقول في موضع آخر "بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم" (مت 7: 2).
العبد الذي سامحه سيده بكل ديونه، عندما رفض أن يفعل المثل هو أيضًا من نحو أحد رفقائه طُرح في السجن. إنه لم يشأ أن يعفو عن رفيقه ولذا فقد العفو الذي سبق وحصل عليه من سيده. والرب في حكمه هذا أراد أن يشدد على هذه الحقيقة بقوة (فقال) "ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضًا زلاتكم" (مر 11: 25-26).
إذًا لن يكون لك عذر يوم الدينونة، عندما تُحاكم طبقًا لسلوكك تجاه الآخرين: إنك ستكون تحت الحكم الذي أوقعته أنت نفسك على الآخرين. الرب أوصانا أن نحافظ على السلام والوفاق في بيته، وأن نحيا وفقًا لسنن الحياة الجديدة، وإذ صرنا أبناءً لله يليق بنا أن نصون سلام الله، لأن وحدانية الروح تحتم وحدانية النفوس والقلوب. الله لا يقبل قربان من يحرّضون على الانشقاق، إنه يردهم من على المذبح ليتصالحوا أولًا مع إخوتهم. الله لا يرضى إلا بالصلوات المرفوعة في سلام. إن أبهج تقدمة يمكننا أن نهديها لله هي سلام ووفاق ووحدة كل المؤمنين في الآب والابن والروح القدس.
24- باكورة القرابين التي قدمها هابيل وقايين لم ينظر الله فيها إلى التقدمات في حد ذاتها ولكن إلى القلوب: فالعطية كانت مستحسنة حيث كان القلب كذلك. إن إنسان السلام هابيل البار، الذي قدّم ذبيحته بنفس نقيةٍ يعلّمنا أن نتمثل به عندما نقدم قرباننا، فينبغي أن يكون ذلك بمخافة الرب، بقلب بسيط ونيّة صادقة بالوفاق والسلام مع الجميع. فهابيل بتقديم قربانه لله متحليًا بهذه السجايا، استحق هو نفسه أن يصير قربان استشهاد. لقد مهّد بشرف دمه لآلام الرب، لأنه كان يمتلك في ذاته بر وسلام الرب. ومن تخلّق بمثل هذه السجايا تُوَّج وملك مع المسيح، فمثل هؤلاء سيتم لهم النقمة مع الرب في يوم الدينونة، أما المنشقون الذين لا يريدون أن يحيوا في سلام مع إخوتهم، فعلى النقيض، فهم مدانون بحسب شهادة الرسول والإنجيل، حتى ولو قدّموا أنفسهم للذبح، فلن يكونوا أقل جرمًا بسبب الشقاق الذي زرعوه بين الإخوة، لأنه مكتوب "من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وكل قاتل نفس لن يمكنه أن يدخل ملكوت السموات ولا أن يحيا مع الله" (1يو 3: 15).
من يفضّل أن يتمثّل بيهوذا وليس بالمسيح، فلن يمكنه أن يحيا في المسيح. فيالجسامة هذا الجرم، وحتى معمودية الدم نفسها لا يمكن أن تمحو هذا الجرم! فيا لشدة ثقل هذا الوزر الذي لا يقدر حتى الاستشهاد أن يكّفر عنه.
25- الرب يحثنا على مطلب آخر "لا تسمح (يا رب) أن نُغوى بتجربة" ومن هذا القول يتبين أن خصمنا لا يمكنه أن يفعل أمرًا ما ضدنا دون سماح سابق من الله، وعليه فهو وحده الذي ينبغي علينا أن نخافه ونتقيه ونراعيه في كل شيء، لأن سلطان العدو في التجارب التي يحبكها ضدنا هو خاضع لسلطان الله. هذا ما يؤكده الكتاب المقدس عندما يقول "وجاء نبوخذ نصَّر إلى أورشليم وحاصرها وأسلمها الرب إلى يديه" (2مل 24: 11).
العدو يُعطى سلطانًا علينا من جراء خطايانا، حسبما هو مكتوب "من دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين؟ أليس هو الرب الذي أخطأنا إليه. ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته فسكب عليهم حمو غضبه" (إش 42: 24-25). وعن سليمان الذي أخطأ وحاد عن طرق الرب قيل "والرب أقام الشيطان ضده".
26- الله قد يعطي إبليس السلطان علينا لغايتين: إما لأجل تأديبنا إذا أخطأنا، أو من أجل تمجيدنا إذا جُزنا الامتحان (بنجاح). وهذا ما نراه في حالة أيوب "هوذا كل ما له في يدك. وإنما إليه لا تمد يدك" (أي 1: 12). وفي الإنجيل يقول الرب إبَّان آلامه "لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق" (يو 19: 11). فإذًا عندما نصلي أن لا ندخل في تجربة نحن نتذكر ضعفنا حتى لا يفتخر أحد بنفسه، أو يترفع أحد بجسارة، ناسبًا لنفسه المجد في إيمانه أو في آلامه، بينما الرب يعلّمنا بنفسه الأتضاع عندما يقول "اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة. الروح نشيط أما الجسد فضعيف" (مر 14: 38).
فإذا ما اعترفنا بضعفنا أولًا، وإذا ما سلّمنا لله أمرنا في كل ما نطلبه بمخافة ووقار، فإننا نستطيع أن نكون على يقين من أن لطفه سيمنحنا إياه.
27- بعد كل هذا تكتمل الصلاة (الربانية) بخاتمة تجمع باختصار كل الطلبات. في النهاية نقول "ولكن نجنا من الشر (أو الشرير)" ونحن نفهم بهذا ما يحيكه العدو ضدنا من مكائد في هذا العالم، ولكننا على يقين أن لنا سيدًا قويًا، وذلك عندما يأتي الرب إلى نجاتنا ويمنح الغوث لمن يترجونه. فعندما نقول "نجنا من الشر (أو الشرير)" لا يبقى لنا شيء بعد نلّح في طلبه: فقد طلبنا أخيرًا حماية الله لنا مقابل الشر. هذه الصلاة تجعلنا محصّنين ضد مكايد الشيطان أو العالم. ومن يخشى العالم، إذا كان الله هو نفسه الحامي لهذا العالم وهو حامينا نحن أيضًا؟
28- إني لمتعجب يا إخوتي الأحباء لروعة هذه الصلاة الربانية التي مع إيجازها تشمل كل مطالبنا... بالحقيقة إن ربنا يسوع كلمة الله جاء لأجل كل البشر، للحكماء كما للجهلاء، دون تفريق بين الأجناس أو الأعمار، مُرجعًا مبادئ الإيمان إلى أصولها الأولية حتى يمكن لأبسط الناس أن يُمسك بها. }(24) كذلك عندما علّم ماذا تكون الحياة الأبدية حوى (استوعب) سر الحياة باختصار إلهي عظيم فقال "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17: 3). بالمثل عندما جمع من الناموس والأنبياء أول وأعظم الوصايا، قال "اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد" (مر 12: 29)، "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى.والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 37-40). وأيضًا "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (مت 7: 12).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
29- علّمنا الله الصلاة ليس بالكلمات فقط بل أيضًا بالأفعال، فهو نفسه كان يصلي كثيرًا مُظهرًا ما ينبغي لنا أن نفعله بشهادة مثاله كما هو مكتوب "وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي" (لو 5: 16)، وأيضًا "وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله" (لو 6: 12). فإن كان الذي بلا خطية صلى، فكم بالأولى ينبغي للخطاة أن يصلّوا، وإن كان هو صلى باستمرار ساهرًا الليل كله بتوسلات متواصلة، فكم بالأولى ينبغي لنا أن نبقى في يقظة مصلّين الليل كله!
30- علاوة على ذلك لم يصلي الرب ويسأل لأجل نفسه (لأنه ما الذي سيسأله لذاته من هو بار؟) لكنه صلّى لأجل خطايانا، كما أعلن هو ذاته عندما قال لبطرس "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31-32)، وهو مؤخرًا يتوسل إلى الآب عن كل المؤمنين قائلًا "ولست اسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحدًا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا" (يو 17: 20-21). عظيم كذلك هو عطف الله ورأفته لأجل خلاصنا حتى أنه لم يكتف بفدائنا بدمه، بل أيضًا صلى لأجلنا.
علاوة على ذلك انظر أية رغبة كانت لمن صلّى أنه كما أن الآب والابن هما واحد، كذلك نحن أيضًا نبقى في تلك الوحدة عينها، لكي من هذا يمكننا أن نفهم كم يخطئ كثيرًا من يبدد الوحدة والسلام، إذ أن الرب صلّى أيضًا لأجل هذا أن يحيا شعبه في سلام ووحدة لأنه علم أن الشقاق لا يأتي (بنا) إلى ملكوت الله.
31- عندما نقف أيضًا -أيها الإخوة الأحباء جدًا- للصلاة، ينبغي لنا أن نكون منتبهين وعاكفين على توسلاتنا بكل القلب. ليت كل فكر دنيوي وجسداني carnal يرحل عنا وليت الذهن لا يعكف على شيء سوى ما يصلي لأجله فقط. لذلك الكاهن أيضًا قبل صلاته (في القداس) يُعّد أذهان الإخوة بأن يقول في البدء "ارفعوا قلوبكم" لكي عندما يجيب الشعب "هي عند الرب" ينتصحوا بأنه لا ينبغي لهم أن يمعنوا الفكر في شيء آخر سوى في الرب فقط. ليت قلوبنا تكون مغلقة أمام العدو (إبليس) وتُفتح لله فقط، وليتها لا تسمح لعدو الله أن يقترب منها في وقت الصلاة. لأنه كثيرًا ما يزحف ويتسلل وبمكر شديد يحيد صلواتنا عن الله، لكي يكون لنا شيء في القلب وغيره في الصوت، بينما ليس نبرات الصوت بل ينبغي للذهن والفكر أن يصليان لله بنية خالصة.
لكن أي تواني أن تنجذب بعيدًا وتؤسر بأفكار حمقاء ودنسة عندما تصلي لله كما لو كان يوجد شيء ما ينبغي لك أن تمعن الفكر فيه أكثر أهمية عما تكلم به الله. كيف تطلب أن يسمعك الله بينما أنت لا تسمع ذاتك نفسها؟ هل تريد أن ينتبه الرب لك عندما تصلي، بينما أنت ذاتك غير منتبه لنفسك؟ هذا معناه أنك غافل تمامًا عن العدو، هذا معناه أنك تسئ إلى عظمة الله بتغافلك في الصلاة عندما تصلي، هذا معناه أنك يقظ بعينيك ونائم بقلبك، بينما ينبغي للمسيحي حتى عندما ينام أن يكون يقظ بالقلب كما هو مكتوب في نشيد الأنشاد "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2). لذلك ينصح الرسول باهتمام ويحذّر قائلًا "واظبوا على الصلاة ساهرين فيها" (كو 4: 2) أي يعلّم ويُظهر أنه يمكنهم أن يحصلوا على ما يسألونه من الله، الذين يراهم الله يقظين (منتبهين) في الصلاة.
32- أيضًا ليت من يصلّون لا يأتون الله بصلوات عقيمة وعادمة (القيمة). يكون التوسل عديم الفاعلية عندما تُقدم لله صلاة عقيمة. لأنه كما أن كل شجرة عقيمة تُقطع وتُلقى في النار، كذلك الكلمات غير المثمرة لا تستحق استحسان الله لكونها عمليًا عقيمة. ولذلك يعلّمنا (يرشدنا) السفر الإلهي بهذه الكلمات "صالحة هي الصلاة مع الصوم والصدقة" (طو 12: 8) لأن الذي سيجازي في يوم الدينونة لأجل الأعمال (الصالحة) والصدقات، يسمع بعطف اليوم للصلاة التي تأتي بأعمال (صالحة مصاحبة لها). لذلك استحق كرنيليوس قائد المئة أن يُسمع أخيرًا عندما صلّى. كان هو من الصنف الذي قدّم صدقات كثيرة للشعب والذي كان يصلي دائمًا لله، فوقف أمامه بينما هو يصلي في الساعة التاسعة ملاكًا وشهد لأعماله الصالحة بهذه الكلمات "يا كرنيليوس، صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارًا أمام الله" (أع 10: 4).
33- سريعًا تصعد تلك الصلوات لله وتفرض نفسها عليه باستحقاقات أعمالنا (الفاضلة). لذلك وقف الملاك روفائيل أمام طويبت بينما كان يصلي ويتصدق دائمًا وقال له "...أما أعمال الله فإذاعتها والاعتراف بها كرامة... إنك حين كنت تصلي بدموع وتدفن الموتى وتترك طعامك وتخبأ الموتى في بيتك نهارًا وتدفنهم ليلًا كنت أنا أرفع صلاتك إلى الرب. وإذ كنت مقبولا أمام الله كان لا بد أن تمتحن بتجربة. والآن فإن الرب قد أرسلني لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان. فإني أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب" (طو 12: 7، 12-15). أيضًا ينصح الرب ويعلّم أشياء شبيهة فيشهد بفم إشعياء بهذه الكلمات "أليس هذا صومًا اختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عريانًا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعًا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هأنذا" (إش 58: 6-9).
إنه يعد بأنه حاضر ويسمع ويقول إنه يحمي من يفك عقد الظلم من القلب ويؤدي صدقات لأعضاء أهل بيت الله بحسب وصاياه ولكونهم يعملون ما يسمعون الله يأمر به، يستحقون هم أنفسهم أن يسمعهم الله.
عندما ساعد الإخوة بولس الرسول الطوباوي في عوز ضيقته قال إن ما عُمل له كان ذبيحة لله "قد امتلأت إذ قبلت من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله" (في 4: 18)، لأنه عندما يشفق المرء على الفقير، يقرض الله، ومن يعطي أحد الأصاغر، يعطي الله، فإنه بمعنى روحي يذبح لله روائح طيبة.
34- نحن نجد في تلاوة الصلاة أن الثلاثة فتية مع دانيال لكونهم أقوياء في الإيمان ومنتصرين في الأسر راعوا صلوات الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة، أي راعوا سر الثالوث الذي كان عليه أن يظهر في الأزمنة الأخيرة. لأن الساعة الأولى إلى الثالثة تُظهر كمال عدد الثالوث، وبالمثل الرابع إلى السادس يُعلن ثالوث ثاني، وعند اكتمال السابع إلى التاسع يُعدّ is numbered ثالوث تام كل ثلاث ساعات. إذ قد عقد الساجدين لله النيّة منذ وقت طويل مضى على ثلاث مسافات ساعات بمعنى روحي، فإنهم كانوا خاضعين لها كأوقات قانونية ومحددة للصلاة. فيما بعد ظهرت الحقيقة التي كانت موجودة سابقًا في أسرار sacraments، لأن الروح القدس الذي أتم نعمة وعد الله حلّ على الرسل في الساعة الثالثة. كذلك بطرس عند صعوده للسطح في الساعة السادسة ليصلي علّمه الله كذلك بعلامة وبصوته أن يقبل دخول الكل في نعمة الخلاص، مع أنه كان من قبل مترددًا في تعميد الأمميين. الرب أيضًا قد صُلب من الساعة السادسة إلى التاسعة وغسل خطايانا بدمه، ولكي يمكنه افتدائنا وإحيائنا، أكمل آنذاك الانتصار بآلامه.
35- لكن بالنسبة لنا، أيها الإخوة الأحباء جدًا، بالإضافة إلى ساعات (سواعي) الصلوات التي تم مراعاتها في القديم، فإن كل من الأوقات (السواعي) والأسرار قد زادت. لأنه ينبغي لنا أن نصلي أيضًا في الصباح لكي يتم الاحتفاء بقيامة الرب بصلاة الصباح. أوضح الروح القدس هذا منذ القديم عندما قال في المزامير "أصغ إلى صوت طلبتي، يا ملكي وإلهي لأني إليك أصلي. يا رب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أقف أمامك وتراني" (مز 5: 2-3). وأيضًا يقول بفم النبي "عند الفجر سيكونون حارسين (مراقبين) لأجلي، قائلين لنرجع ونعود إلى الرب إلهنا" [(انظر هو 6: 1) بحسب النص]. بالمثل عن إشراق الشمس وفي نهاية اليوم يلزم أيضًا أن توجد صلاة. إذ حيث أن المسيح هو الشمس الحقيقية والنهار الحقيقي، حيث أن الشمس ونهار العالم يتقهقران، فعندنا نصلي ونطلب أن يأتي علينا النور ثانية، نحن نصلي لأجل مجيء المسيح ليمدنا بنعمة النور الأبدي.
أيضًا يعلن الروح القدس في المزامير أن المسيح يُدعى اليوم إذ يقول "الحجر الذي رذله البناؤون هذا صار رأسًا للزاوية. ومن قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنبتهج ونفرح فيه" (مز 118: 22-24).
بالمثل يشهد ملاخي النبي أنه دُعي الشمس عندما يقول "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2).
لكن لو في الكتاب المقدس، المسيح هو الشمس الحقيقية والنهار (اليوم) الحقيقي، فلا توجد ساعة مستثناة بالنسبة للمسيحيين فيها ينبغي أن يسجدوا (يعبدوا) الله مرارًا ودائمًا، حتى أننا نحن الذين في المسيح -أي في الشمس الحقيقية والنهار الحقيقي- ينبغي لنا أن نثابر على مدى اليوم كله في توسلاتنا ويلزم أن نصلي، وعندما بحسب قانون العالم، يدور الليل ويلف في دورات متتالية، لا يمكن أن يوجد ضرر من ظلام الليل لمن يصلّون لأنه بالنسبة لأبناء النور، حتى في الليل يوجد نهار، لأنه متى يكون بلا نور من له النور في قلبه؟ أو متى لا يكون له شمس ونهار، مَنْ المسيح له شمس ونهار؟
36- علاوة على ذلك، ليتنا نحن الذين دائمًا في المسيح -أي في النور- لا نتوقف عن الصلاة حتى في الليل. هكذا كانت حنّة النبية الأرملة كانت تصلي دائمًا بلا توقف وتسهر مثابرة على ما يليق بالله كما هو مكتوب في الإنجيل "وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا" (لو 2: 37).
على عكس غير المؤمنين الذين لم يستنيروا بعد واليهود الذين هجروا النور وظلوا في الظلام فعدموا الرؤية، ليتنا -أيها الإخوة الأحباء جدًا- نحن الذين دائمًا في نور الرب، الذين نتذكر ونحفظ ما قد ابتدأنا أن نكونه بعد نوال النعمة نعتبر الليل كالنهار. لنؤمن أننا نسير دائمًا في النور (انظر 1يو 1: 7). ليت الظلمة التي أفلتنا منها لا تعيقنا. ليته لا يوجد فقد في صلوات سواعي الليل، لا تكاسل أو إهمال يضيّع فرص الصلوات. ليتنا نحن الذين بحلم الله ورحمته قد ولدنا ثانية وخُلقنا روحيًا من جديد نقتدي بما نحن معينين لأن نكونه (في ذهن الله). ليتنا نحن الذين في الملكوت سيكون لنا نهار فقط بدون توسط ليل، نكون متيقظين في الليل كما في النهار. ليتنا نحن الذين معينين للصلاة الدائمة وتقديم الشكر لله لا نتوقف هنا أيضًا عن الصلاة وتقديم الشكر له.
_____
(23) لم أعثر على النص أو الشاهد فترجمته حرفيًا.
(24) ما بين القوسين هو نقلًا عن كتيب "الصلاة الربانية عند الآباء" ترجمة وإصدار دير القديس أنبا مقار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/lords-prayer.html
تقصير الرابط:
tak.la/rt3b9jc