1- انظروا أيها الإخوة الأحباء، لقد عاد السلام للكنيسة وما كان يبدو حديثًا شيء عسير للمتشككين ومستحيل للغادرين، أماننا بمعونة ومجازاة إلهية قد توطد ثانية. أذهاننا تعود إلى البهجة وبعبور السحابة وعاصفة الاضطهاد، أشرق من جديد الهدوء والصفاء. ينبغي أن تُقدم تسابيح إلى الله ويلزم أن يُحتفى بنعمه وعطاياه بتقديم التشكرات ولو أنه حتى في الاضطهادات لم يتوقف لساننا عن تقديم الشكر لله. لأنه يستحيل حتى ولو لأي عدو أن يمنعنا -نحن الذين نحب الله من كل قلبنا ونفسنا وقوتنا- من المناداة بنعمه وتسابيحه دائمًا وفي كل موضع بمجده. النهار الذي اشتقنا إليه في كل صلواتنا قد أتى وبعد الظلام الرهيب والكريه للّيل الطويل، استنار العالم بنور الرب.
2- بوجوه سعيدة تتطلع إلى المعترفين البارعين في مناداتهم بالاسم الحسن، والمجيدين في مدح الفضيلة والإيمان، نتعلق بهم بقبلات مقدسة ونحتضنهم وهم الذين اشتقنا إليهم باجتهاد إلهي لا يشبع. كتيبة عسكر المسيح المرتدية ثياب بيض حاضرة، الذين بتشكيل متين كسروا الشراسة الهائجة لهجمة الاضطهاد وهم مستعدون لمعاناة السجن ومتسلحين لاحتمال الموت. لقد قاومتم العالم بشجاعة وقدمتم لله منظر مجيد، وكنتم مثالًا لإخوتكم الذين سيتبعونكم. صوتكم التقي نطق باسم المسيح، الذي به أقرّ من قبل أنه يؤمن به. أياديكم المجيدة التي اعتادت فقط على الأعمال الروحية قد قاومت الذبائح الدنسة. أفواهكم التي تقدست بالطعام السماوي بعد تناول جسد الرب ودمه لفظت الفساد الدنس لخمير الأوثان. رأسكم بقيت حرة من الغطاء الأثيم والتعس الذي كان تلبسه الرؤوس الأسيرة لمن يقدمون الذبائح (للأوثان). جبينكم النقي بعلامة الله لم يمكنه احتمال إكليل إبليس وحفظ ذاته لإكليل الرب. بأي حضن فرحان تقبلكم الكنيسة الأم لدى عودتكم من السماء! بأية سعادة وبأي ابتهاج تفتح الكنيسة أبوابها تلك مع القوات (السماوية) المتحدة لكيما تُدخلوا مستعدين، تذكارات الانتصار من عدو منبطح! وتأتي المرأة أيضًا مع الرجل المنتصر وهي التي في جهادها مع العالم تغلبت أيضًا على جنسها (الضعيف). تأتي العذارى بمجد مضاعف من معاركهن، والفتيان يفوقوا أعمارهم في الفضيلة. فضلًا عن هذا بقية الجمع لأولئك الواقفين تبعوا follow مجدكم، مصاحبين خطاكم بعلامات التسبيح وخطاهم قريبة جدًا وتقريبًا متحدة بخطاكم. نفس إخلاص القلب هو في هؤلاء، نفس الاستقامة للإيمان المتين. مرتكنين على أساس لا يهتز من الوصايا السماوية ومتقوّين بتقاليد إنجيلية وليس من عذابات محددة ومراسيم للنفي أو عقوبات من جهة الأملاك أو الجسد أخافهم. كان يوم فحص إيمانهم قد تعين، لكن من هو منتبه إلى أنه قد جحد العالم لا يعرف أي يوم في العالم، ولا يعتد الآن بالمواسم الأرضية من يرجو الأبدية من الله.
3- أيها الإخوة ليت لا أحد، ليت لا أحد يخيب من هذا المجد. ليت لا أحد بافتراء خبيث يضعف الثبات غير الفاسد لمن هم واقفين (ثابتين). عندما الوقت المحدد للجاحدين يكون قد مضى، من لم يقرّ في ذلك الوقت بكونه مسيحي أقر أنه كان مسيحي. الشرف الأول للانتصار هو لمن سقط في أيدي الوثنيين واعترف بالرب، والخطوة التالية للمجد هي أن ينسحب الإنسان باحتراس وبعد ذلك يحفظ ذاته لله. الواحد منهما اعتراف علني والآخر اعتراف خاص. الأول هزم رئيس (حرفيًا قاضي) هذا العالم، الآخر اكتفى بالله ديان له وحفظ ضميره طاهر باستقامة القلب. في الحالة الأولى الثبات أسرع، في الثانية القلق (الخوف من عدم الثبات) هو أكثر أمنًا. الواحد عندما اقتربت ساعته وجد آنذاك مستعدًا، الآخر ربما قد أجّل ساعته، لأنه قد ترك أملاكه وانسحب لأنه ما كان سينكر، بالتأكيد هو كان سيقرّ (بإيمانه) لو كان أيضًا قد أُمسك.
4- حزن وحيد يكدر تلك الأكاليل السماوية للشهداء، تلك الأمجاد الروحية للمعترفين، تلك الفضائل الشهيرة والعظيمة جدًا للإخوة الذين صمدوا. العدو الشرس قد اقتطع جزء من أعضائنا الحيوية وطرحها في خراب دماره. ماذا سأفعل في هذا الموقف أيها الإخوة؟ بينما أتمايل في المد المتبدل للعاطفة، ماذا أو كيف سأتكلم؟ هناك حاجة للدموع أكثر من الكلمات لتعبّر عن الحزن الذي به نندب الضربة التي وجهت لجسدنا، لنبكي بها الخسارة العظيمة لشعبنا الذي كان كثيرًا سابقًا. لأنه من هو هكذا قاسي القلب وعديم المشاعر، من هكذا يتناسى المحبة الأخوية حتى أنه يقف في وسط الخراب المتنوع لشعبه وحزنهم يبقى ممسوخًا بقذارة عظيمة فيمكنه أن يحفظ عينيه جافتين وبانفجار فجائي للبكاء لا يعبّر عن أحزانه (نحيبه) بدموع أكثر منها بكلمات؟ إنني حزين أيها الإخوة، أنا حزين معكم، وأيضًا لا كمالي أو قداستي ستفلح في أن تلطف من حزني، إذ أن الراعي ينجرح أكثر بجرح قطيعه. إنني أضم قلبي مع كل واحد، وأشارك في الحمل الثقيل للحزن والموت. إنني أندب مع الذين يندبون وأبكي مع الباكين واعتقد أن ذاتي مكتئبة مع المكتئبين. وفي نفس الوقت سهام العدو الهائج قد اخترقت أعضائي، سيوفهم الوحشية قد اخترقت أعضائي الحيوية. لم يعد ذهني قادر على البقاء منيع وحر من هجمات الاضطهاد، بين إخوتي المنبطحين، شفقتي أيضًا طرحتني (أرضًا).
5- لكن أيها الإخوة المحبوبين جدًا، علّة الحق ينبغي أن يُحفظ، والظلام القاتم للاضطهاد الوحشي لا ينبغي أن يعمي هكذا حواسنا حتى أن لا شيء من النور والوضوح (الصفاء) قد تبقى ليمكننا أن ندرك به الوصايا الإلهية. لو كان سبب الكارثة معروف، علاج الجرح أيضًا يوجد. الرب أراد أن يختبر أسرته وبسبب أن السلام الطويل الأمد قد أفسد التلمذة الإلهية التي سُلّمت لنا، انتهار سماوي أفاق من هو منبطح وربما أقول (أفاق) إيمان نائم، ومع أننا استحققنا أكثر من هذا بسبب خطايانا، فإن الله الرحيم جدًا لطّف جدًا كل المضايقات حتى أن كل ما حدث يبدو اختبار أكثر منه اضطهاد.
6- كل واحد كان يشتاق لزيادة ممتلكاته متناسين ما فعله المؤمنين في عصر الرسل، فعكف كل واحد -بطمع جشع لا يشبع- على زيادة مقتنياته. لم يكن يوجد بين الكهنة تدين مخلص ولم يكن هناك إيمان سليم في خدماتهم، ولا رحمة في أعمالهم ولا تأدب في أخلاقياتهم. اللحية كانت مطموسة بين الرجال، والوجوه كانت تُطلى بين النساء، الأعين كانت تُزّور بعد أن أكملتها يديّ الله والشعر كان يُصبغ على سبيل الغش. كان يوجد تواطؤ ماهر لخداع القلوب البسيطة وحيل ماكرة لمراوغة (مخادعة) الإخوة. إنهم انضموا إلى غير المؤمنين وتزاوجوا معهم، وزنوا بأعضاء المسيح إلى الوثنيين. إنهم ليس فقط يحلفون بطياشة، بل أيضًا يحنثون القسم، ويتطلعون بعجرفة متكبرة لمن هم تحتهم ويقدحون في بعضهم البعض بلسان مسموم ويتشاجرون مع بعضهم البعض ببغضة عنيدة. كثير من الأساقفة الذين ينبغي عليهم أن يكونوا مصدر تشجيع وعزاء ومثال (قدوة) للآخرين أهانوا مسئوليتهم الروحية ووقعوا تحت طائلة الملوك العلمانيين، بعد أن تخلوا عن كراسيهم وهجروا شعبهم تجولوا في المقاطعات البعيدة وسعوا إلى الأسواق للأعمال المربحة، بينما كان إخوتهم في الكنيسة يموتون جوعًا، هم رغبوا في اقتناء المال بوفرة، (و)استولوا على أملاك (ليست لهم) بخداعات ماكرة، وزادوا رأسمالهم بمضاعفة السطو على ممتلكات الغير. ما الذي لا نستحقه لمثل هذه الخطايا بينما التوبيخ الإلهي قد حذرنا منذ وقت طويل مضى بقوله "إن تركوا شريعتي ولم يسلكوا بأحكامي. إن نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي. افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم" (مز 89: 30-32).
7- كانت هذه الكلمات إنذار لنا وتم التصريح بها قبلًا. لكن نحن بغير اكتراثنا وعدم حفظنا للشريعة (الوصية) المسلّمة لنا، مهدّنا السبيل بخطايانا لتحقيق التهديدات فينا إذ بينما نحن نزدري بأوامر الرب أتينا إلى أدوية أكثر صرامة لتقويم خطايانا وامتحان إيماننا، ومع هذا لم نعد إلى مخافة الرب لكي نكابد هذا الزجر والاختبار الإلهي لنا بصبر وشجاعة. ففي الحال لدى التهديدات الأولى للعدو تخلى عن الإيمان عدد ضخم جدًا من الإخوة وخاروا ليس بهجمة اضطهاد بل زلوا من تلقاء ذواتهم. إنني أتسائل: أي شيء (مما يحدث من اضطهادات) لم يُسمع به من قبل؟ ما الذي جدّ وكأنه بقيام ظروف غير معروفة وغير متوقعة ينحل التعهد للمسيح (الذي أخذناه على نفوسنا في المعمودية) بهذا الاندفاع الأهوج؟ ألم يعلن -عن هذه الأحداث- الأنبياء أولًا وبعد ذلك الرسل؟ أليس وهم مملؤون بالروح القدس تنبأوا باستمرار عن مضايقات للبار وإساءات الوثنيين؟ ألا يسلّح الكتاب المقدس دائمًا إيماننا ويقوي عبيد الله بصوته السماوي قائلًا "الرب إلهك تتقي وإياه (وحده) تعبد" (تث 6: 13)؟ ألا يقول مرة ثانية مشيرًا إلى سخط الغضب الإلهي وحذر مقدمًا لخوف العقوبة "ويسجدون لعمل أيديهم، لما صنعته أصابعهم وينخفض الإنسان وينطرح الرجل وأنا لن أغفر لهم" [(إش 2: 8-9) بحسب النص] وأيضًا يتكلم الله قائلًا "من ذبح لآلهة غير الرب وحده يهلك" (خر 22: 20). أليس أيضًا الرب بعد ذلك، وهو الذي علّم بالكلمات وأتم بالأفعال -علّم بما سيحدث ونفذ كل ما قد علّمه- سبق فحذرنا أولًا بما يحدث الآن وبما سيحدث (فيما بعد)؟ ألم يضع هو من قبل عقوبات أبدية لمن ينكرونه ومكافآت بالخلاص لمن يعترفون به؟
8- يا للتعاسة! فكل هذه الأقوال قد سقطت من البعض وانسحبت من الذاكرة. وهم لم ينتظروا على الأقل للصعود (لتقديم ذبيحة للوثن) عندما يُلقى القبض عليهم وينكروا المسيح عندما يُسألون بشأنه. كثيرون انهزموا قبل (بدء) المعركة وانطرحوا أرضًا بدون قتال ولم يتركوا لأنفسهم هذه الفرصة أن يبدو وكأنهم يذبحون للأوثان عن غير رغبة. علاوة على ذلك هم جروا إلى السوق(8) ومن تلقاء ذاتهم أسرعوا إلى الموت، كما لو كانوا يرغبون في ذلك من قبل، كما لو كانوا يتحينون الفرصة التي رغبوها بكل مسرة. كم أن كثيرين في تلك المناسبة أرجأ الحكام تنفيذ طلبهم لحلول المساء، وكم أن كثيرين أيضًا توسلوا ألا يُرجأ هلاكهم!
أي عنف (تعرض له) يمكن لمثل هذا أن يتعلل به كعذر، بأي شيء يكفّر عن جريمته، عندما هو نفسه غصب بالأولى على ذاته لما آل إلى خرابه؟ عندما هم من تلقاء ذواتهم جاءوا إلى هيكل الوثن، عندما تقدموا بحريتهم مستسلمين لأفظع جريمة. ألم تتعثر خطواتهم، ألم يظلم بصرهم، ألم ترتعد أحشائهم وتخيب أرجلهم وتتبلد حواسهم وينشق لسانهم ويستد فمهم؟ هل أمكن لعبد الله الذي قد جحد إبليس والعالم أن يقف هناك ويتكلم ويجحد المسيح؟ هل كان مذبح، ذاك الذي تقدم هو إليه ليموت ولم يكن جنازة محضة بالنسبة له؟ أما بالنسبة لمذبح إبليس والذي هو قد رآه يدخن ويشتمّ منه رائحة كريهة جدًا، أما كان له أن يرتعد كما لو كان (هناك) جنازته وقبر حياته وعليه أن يهرب منه؟ لماذا أيها التعيس تحضر تقدمة ذبائحية معك؟ أنت ذاتك قد أتيت للمذابح كتقدمة ذبائحية، أنت ذاتك كضحية، لقد ضحيت بخلاصك ورجاءك وذبحتهما هناك، هناك حرقت إيمانك في تلك النيران.
9- لكن بالنسبة لكثيرين لم يكن خرابهم ذاته كافيًا لهم، بل كان الناس بحض متبادل يندفعون إلى هلاكهم. وقدم الموت لواحد (مباشرة) ولآخر في كأس سام. ولكي لا ينقص شيء لتتويج الجريمة، الأطفال أيضًا وضعوا في أيادي والديهم أو هم قادوهم (للذبح للأوثان)، وفقدوا كصغار ما قد اكتسبوه في البداية الأولى ذاتها لولادتهم(9). عندما يحين يوم الدينونة، ألن يقول الأطفال: نحن لم نفعل شيء. نحن لم نتخلى من تلقاء ذواتنا عن كأس الرب وجسده وأسرعنا إلى الأدناس النجسة. إن خيانة آخرين قد دمرتنا. لقد وجدنا والدينا قتلة. لقد أنكروا الكنيسة كأم والله كأب، لذلك بينما نحن لا نزال صغار وقاصرين وغير مدركين لهذه الجريمة البشعة انضممنا من خلال آخرين للمشاركة في هذه الجرائم وتورطنا من خلال خطأ آخرين.
10- لا يوجد مع الأسف أي سبب معقول وجاد ليبرر مثل هذه الجريمة الفظيعة. كان ينبغي التخلي عن الوطن وفقدان الثروة الشخصية (ولا يتم التخلي عن الإيمان). لأنه ألا يحدث للإنسان -الذي يولد ويموت- أن يتخلى أحيانًا عن وطنه ويعاني فقدان ثروته (لأسباب أخرى)؟ ليت لا أحد يتخلى عن المسيح، ليت فقد الخلاص والأبدية لا يكونا محل خوف (من العذابات والشدائد أيًا كانت). هوذا الروح القدس يهتف من خلال النبي قائلًا "اعتزلوا، اعتزلوا اخرجوا من هناك لا تمسوا نجسًا. اخرجوا من وسطها. تطهروا يا حاملي آنية الرب" (إش 52: 11). ثم أليس الذين هم آنية للرب وهيكل لله، لئلا يُجبروا على لمس شيء نجس ويتدنسوا ويفسدوا بأطعمة مميتة يخرجون من الوسط وينسحبوا؟ وأيضًا في موضع آخر يُسمع صوت من السماء ينصح بما ينبغي لعبيد الله أن يفعلوه ويقول "اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها" (رؤ 18: 4). الذي يخرج وينسحب لا يصير مشارك في الخطية بل الذي اُكتشف كرفيق في الجريمة (الذبح للأوثان) هو نفسه الذي أُصيب أيضًا بالضربات. وهكذا أمر الرب بالانسحاب والهروب في زمن الاضطهاد وهو علّم أن هذا ينبغي أن يُفعل ونفذه (عمليًا في هروبه إلى مصر وهو طفل واعتزاله أحيانًا في البرية وكأنه كان خائفًا من بطش اليهود ومكائدهم). لأنه حيث أن الإكليل ينزل علينا بحسب المسرة الصالحة لله ولا يمكن أن نناله قبل أن تحين الساعة المحددة (من قبل الله) فمن يبقى في المسيح وينسحب لبعض الوقت لا ينكر إيمانه بل ينتظر الوقت (الذي يحدده الله إن شاء هو ذلك)، لكن الذي يسقط عندما لا ينسحب، بقي لينكر إيمانه.
11- لا ينبغي أيها الإخوة أن يُخفى الحق ولا يلزم أيضًا أن يُحفظ سبب وعلة جرحنا في صمت. إن الحب الأعمى للممتلكات الشخصية قد خدع الكثيرين ولم يمكنهم أن يكونوا مستعدين أو مهيأين للرحيل عندما قيدتهم ممتلكاتهم كأغلال (في أرجلهم). تلك كانت هي القيود التي قيدت من بقوا (ولم يفروا)، تلك هي السلاسل التي عوقت الفضيلة وضغطت بشدة على الإيمان فرُبط العقل وحبُست النفس حتى أن من هم متعلقين بالأرضيات صاروا غنيمة وطعامًا للحية والتي بحسب كلمات الله تلتهم التراب. لذلك فإن الرب معلّم الأشياء الحسنة يحذرنا من أجل المستقبل فيقول "إن أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني" (مت 19: 21). لو فعل الأغنياء هذا، ما كانوا سيهلكون بواسطة ثرواتهم، وإذ وضعوا كنوزهم في السماء ما كان لهم الآن عدو وغازي محلي وقلبهم وذهنهم وشعورهم سيكون في السماء لو كانت كنوزهم في السماء ولا كان سينهزم من العالم ذاك الذي ليس له شيء في العالم يمكن أن يُهزم به. وهو كان سيتبع الرب وهو حر وغير مقيد مثل الرسل (انظر مت 19: 27)، وكثيرون في العصر الرسولي وآخرين كثيرين فعلوا هذا إذ تخلوا عن مقتنياتهم وأهلهم وارتبطوا بروابط لا تنفصم مع المسيح.
12- لكن كيف يمكن أن يتبع المسيح من تعوق بسلسلة ممتلكاتهم الشخصية؟ أو كيف يمكن أن يطلبوا السماء ويصعدوا إلى العلا من تثقلوا برغباتهم الأرضية؟ يظنون أنهم مالكون وهم بالأولى مملوكون وعبيد لثروتهم وليسوا أسياد من جهة أموالهم، بل هم بالأحرى مربوطين برباط العبودية لأموالهم. والرسول يشير لهذا الوقت وهؤلاء الناس عندما يقول "وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبيّة ومضّرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي 6: 9-10). لكن بأي مكافآت يدعونا الرب لنزدري بالثروة الشخصية؟ بأي حوافز سيعوضنا الرب لأجل هذه الخسارات البسيطة والتافهة لهذا الزمن الحاضر؟ إنه يقول "ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا لأجلي إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (مر 10: 29-31). حيث أن هذه الأشياء معروفة وتأكدت بصدق الله الذي وعد، ليس فقط لا ينبغي لنا أن نخاف من خسارة من هذا النوع بل أيضًا أن نشتهي هذه الخسارة، لأن الرب نفسه صرح أيضًا وحذر قائلًا "طوباكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيّروكم وأخرجوا اسمكم كشرير من أجل ابن الإنسان. افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا. فهوذا أجركم عظيم في السماء" (لو 6: 22-23).
13- لكن فيما بعد جاءت العذابات وآلامات أقسى هددت من قاوموا. يمكنه أن يتعلل بالعذابات من انهزم منها، يمكنه أن يقدم الألم كعذر من قد انهزم من الألم. يمكن لمثل هذا أن يتسائل ويقول: بالتأكيد أنا رغبت في أن أناضل بشجاعة وإذ كنت معنيًا بقسمي أخذت أسلحة الإخلاص والإيمان، لكن لما وجدت مختلف العذابات في الحلبة هزمتني العقوبات المجهدة. وقف ذهني بثبات وإيمان قوي ونفسي جاهدت طويلًا وبدون زعزعة من الآلام المبّرحة. لكن عندما اندلعت من جديد وحشية أقسى القضاة فظاعة، فنظرًا لأني أُجهدت، شرطتني (تركت جروح طويلة وعميقة) الجلدات الآن لأول مرة ورضضتني الهراوات، مددتني الآن العذراء (وهي آله تعذيب بمط الجسم)، والمخالب انتشبت فيّ واللهيب حرقني وخانني جسدي في الجهاد وأحشائي الضعيفة سلّمت، ليست نفسي هي التي استسلمت بل جسدي. مثل هذا العذر يمكن أن يتقدم بسرعة نحو الغفران، يمكن لعذر من هذا النوع أن يكون جدير بالشفقة. لذلك في مثل هذه الظروف سامح الرب من قبل سيستوس واميليوس، لذلك مع كونهما انهزما في اللقاء الأول، فإنه جعلهما ينتصران في المعركة الثانية حتى أنهما صارا أقوى من النيران التي استسلما لها من قبل وانتصرا في نفس الشيء الذي فيه انهزما. إنهما قدما توسلاتهما للشفقة (من قبل الله) ليس بالدموع بل بالجروح، ليس بصوت البكاء فقط بل بتمزقات الجسد وآلامه. انطلق دم بدلًا من النحيب، وبدلًا من الدموع انسكب دم من أعضائهم نصف المحروقة.
14- أما الآن فأية جروح يمكن أن يظهرها المهزوم، أية جروح للأعضاء المفتوحة، أية عذابات للأعضاء، عندما لم يخفق الإيمان في الجهاد بل الخيانة وصلت قبل الجهاد؟ ولا حتى حتمية الجريمة (خطية الإنكار) تعذر من قد أُمسك، حيث الإنكار ناشئ عن الإرادة. أنا لا أقول هذا لأجعل قضايا الإخوة ثقيلة، بل بالأولى لأستحث الإخوة على صلوات التكفير. إذ حيث أنه مكتوب "الذين يدعونكم مطوبين يضلونكم ويلاشون طرق خطواتكم" (انظر إش 3: 12). فالذي يعزي الخاطئ بملاطفات تتسم بالتملق يمهد السبيل (لمزيد من) الخطئ ولا يكبح التعديات بل يغذيها (لتزيد في الكم والنوعية). لكن الذي ينتهر وفي نفس الوقت ينصحنا بنصائح أقوى يستحث الأخ على الخلاص. يقول الرب "إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه" (رو 3: 19). هكذا أيضًا ينبغي لكاهن الرب ألا يخدع أحد ويتملقه بل يقدم له أدوية شافية ومُخلّصة. ليس هو طبيبًا ماهرًا من يتعامل مع ثنيات الجروح المتورمة بيد مشفقة فيزيد السم الذي تحتويه الثنايا العميقة للأعضاء الحيوية بينما هو يعتني بمريضه. ينبغي للخرّاج أن يُفتح ويقطع ويُعالج بدواء أشد وتقطع الأجزاء الفاسدة. ومع أن المريض يصرخ بسبب شدة ألمه لكنه سيشكره فيما بعد عندما يسترد صحته.
15- لأنه ظهر -أيها الإخوة المحبوبين جدًا- نوع جديد الدمار destruction كما لو أن عاصفة الاضطهاد قد زادت قليلًا (عما هو منتظر)، وانضاف هناك إلى الكومة -بحجة الرحمة (والعدل)- شر مخادع ودمار غرّار. وعلى عكس صرامة الإنجيل، ومخالفة لشريعة الرب والله بسبب جسارة البعض فيحميهم من مخالطة المتهورين مما يُسمى كذبًا سلام وهو سلام (خاوي)، خطر على من يمنحونه وعديم النفع لمن ينالونه. إنهم لا يطلبون الصبر الضروري للصحة ولا الدواء الحقيقي المشتق من التكفير. التوبة مستبعدة من قلوبهم، تذكّر أصعب خطية وأكثرها خطورة غير وارد (حرفيًا أُزيل). جروح الموت أُخفيت والضربة القاضية المثبتة في الأعضاء الحيوية العميقة والسرية أُخفيت بألم ريائي. إذ عادوا من مذابح الشيطان يتقدمون إلى الموضع المقدس للرب بأيد دنسة ويفيحوا برائحة لا تزال منطلقة من الطعام الحامل للموت الذي للأوثان وبفكوك تنطق الآن بجريمتهم وهم متعبقين (برائحة) الدنس القاتل يتجاسرون على التقدم لجسد الرب، وعندما يقف الكتاب المقدس في طريقهم ويصرخ قائلًا "كل طاهر يأكل وأما النفس التي تأكل لحمًا من ذبيحة السلامة التي للرب ونجاستها عليها فتُقطع تلك النفس من شعبها" (لا 7: 19-20)، وليشهد الرسول أيضًا بالمثل فيقول "لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين" (1كو 10: 21) وهو بالمثل يهدد المتصلبي الرقبة والمعوجين ويتوعدهم قائلًا "من أكل هذا الخبز وشرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه" (1كو 11: 27).
16- إذ ازدروا واحتقروا كل هذه التحذيرات، قبل أن يكفّروا عن خطاياهم وقبل الاعتراف بإثمهم الذي صنعوه، قبل أن يتطهر ضميرهم بالذبيحة ويد الكاهن، قبل أن يتم تسكين استياء الرب الغاضب والمهدد، انتهكوا (حرمة) جسده ودمه فأخطأوا بزيادة ضد الرب بأيديهم وفمهم أكثر من جحدهم للرب. إنهم يظنون أنه سلام لمجرد أن البعض يقايض بكلمات خادعة. ذلك ليس سلام بل حرب، ومن هو منفصل عن الإنجيل ليس متحد بالكنيسة. لماذا يدعون الإساءة رحمة؟ لماذا يشيرون إلى عدم التقوى على أنها تقوى؟ لماذا يوقفون نحيب التوبة ويدّعون التواصل (والتعاطف الكاذب) مع من ينبغي لهم البكاء باستمرار ويتوسلوا لربهم؟ ما يفعله الجاحد له نفس الطبيعة مثل مطر الثلوج للحصاد، والعاصفة الشديدة للأشجار، والوبأ المدمر للماشية والنوء الهائج للسفن. إنهم يلاشون عزاء الرجاء (الناتج عن التوبة الحقيقية)، ينزعون الجذور وبكلماتهم المفسدة يزحفون إلى وبأ مميت، يحطمون السفينة على الصخور لئلا تصل إلى الميناء. ذلك النوع من التسهيل لا يمنح سلام بل ينزعه ولا يمنح مشاركة بل يقف (عقبة) في طريق الخلاص. هذا اضطهاد آخر وتجربة أخرى بها يهاجم -العدو الماكر- الجاحد، إنما يقترب أكثر وأكثر بدمار خفي لكي يُسكت النحيب ويصمت الحزن ويتلاشى تذكر الخطية ويُقمع أنين القلب ويتوقف بكاء العينين ولا يُستعطف الرب بتوبة طويلة وتامة، مع أنه مكتوب "اذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 5).
17- ليت لا أحد يخون ذاته. ليت لا أحد يخدع نفسه. الرب فقط يمكنه أن يرحم. يستطيع الله فقط أن يمنح الغفران للخطايا التي اُقترفت ضده، فهو الذي حمل خطايانا وحزن لأجلنا وهو الذي أسلمه الله (الآب) لأجل خطايانا. لا يمكن للإنسان أن يكون أعظم من الله ولا يمكن أيضًا للعبد بتساهله (برفقه) أن يغفر أو يصفح عما اُقترف ضد الرب بخطية أكثر خطورة لئلا يضيف أيضًا هذه الزلة إلى إثمه لو هو لا يعرف أنه قيل "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان" (إر 17: 5). ينبغي أن نتوسل إلى الرب. الرب هو الذي ينبغي لنا أن نسترضيه بتكفيرنا (عن خطايانا)، فهو الذي قال أنه سينكر من ينكره وهو الوحيد الذي نال سلطان الدينونة من الآب (يو 5: 22). نحن نؤمن أن استحقاقات الشهداء وأعمال البرّ لها قوة عظيمة جدًا عند الديان، لكن هذا سيكون عندما يأتي يوم الدينونة، عندما في نهاية هذا الدهر وهذا العالم سيقف شعبه أمام منبر المسيح.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
18- لكن لو اندفع أحد بتهور وظن أنه يمكنه أن يمنح الغفران للكل أو يتجاسر على إلغاء وصايا الرب، ليس فقط هذا تصرف لن يفيد الجاحد بل يعوّقه أيضًا. أن لا تراعي دينونة الرب وأن تظن أنه لا يلزم أولًا أن نستعطف رحمته بل بعد الازدراء بالرب يتجاوز الإنسان قوته (أي حدوده إذ يغتصب لنفسه حق المغفرة للآخرين، الأمر الذي هو من سلطان الله فقط) معناه أنك تثير غضبه. تحت مذبح الله نفوس الشهداء المذبوحين تهتف بصوت عالي قائلة "حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض" (رؤ 6: 10)، فأُعطي لهم أمر أن يهدأوا ويستمروا في الصبر. هل يظن أحد أنه يمكن لأي شخص يريد أن يكون خيّرًا بغفرانه والصفح عن الخطايا عشوائيًا أو أنه يمكنه أن يدافع عن آخرين قبل أن يتبرر هو ذاته؟ لو طلب الشهداء (أو المعترفون) شيئًا ما... لو كان هذا الطلب حق ومشروع وغير مناقض (لوصايا) الرب نفسه، يحققه (له) كاهن الله. لتكن الموافقة حاضرة وسهلة من جانب من يطيع لو وجد ترفق يتسم بالتقوى من جهة السائل. يطلب الشهداء عمل شيء ما لهم. لو أن ما طلبوه غير مكتوب في شريعة الرب، ينبغي لنا أولًا أن نعرف أنهم نالوا من الرب ما يسألوه، بعد ذلك نعمل لهم ما طلبوه. لأن ما تأكد بوعد إنسان (ولو كان شهيدًا أو معترفًا) لا يمكن أن نرى في الحال أنه ممنوح بواسطة العظمة الإلهية.
19- لأن موسى أيضًا طلب الغفران لأجل خطايا الشعب، ومع ذلك لم ينله عندما طلبه لمن أخطأوا. قال موسى "آه قد خطأ هذا الشعب خطية عظيمة والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت. فقال الرب لموسى من أخطأ إليّ امحوه من كتابي" (خر 32: 31-33). صديق الله، ذاك الذي تكلم مرارًا مع الرب وجهًا لوجه كان عاجزًا على نوال ما طلبه ولا هو سكّن بتوسطه (بشفاعته) استياء الله الغاضب.
يمتدح الله إرميا ويعلن له قائلًا "قبلما صوّرتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًا للشعوب" (إر 1: 5). وقال له لما تشفع مرارًا وصلّى لأجل خطايا شعبه "لا تصلّ لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاءً ولا صلاة، لأني لا اسمع في وقت صراخهم إلىّ من قبل بليتهم" (إر 11: 14).
مَنْ كان أكثر برًا من نوح الذي وجد وحده بارًا على الأرض، بينما الأرض كلها كانت مملوءة بالخطايا؟ من كان ممجدًا أكثر من دانيال، ومن كان أقوى منه في ثبات الإيمان إلى درجة مكابدة الاستشهاد؟ من كان أكثر اجتهادًا في الأعمال الصالحة أكثر من أيوب، وأقوى منه في التجارب وأكثر صبرًا (منه) في التألم وأكثر صدقًا في الإيمان؟ ومع ذلك قال الله أنه لو كان لهم أن يسألوا (الغفران لأولادهم) لن يمنحه لهم.
عندما تشفع حزقيال النبي لأجل خطايا الشعب قال الله له: "إن أخطأت إليّ أرض وخانت خيانة فمددت يدي عليها وكسرت لها قوام الخبز وأرسلت عليها الجوع وقطعت منها الإنسان والحيوان. وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيال وأيوب، فإنهم لا يخلّصون بنين ولا بنات، هم وحدهم يخلصون" (حز 14: 13-14، 16). لذلك ليس كل ما يُسأل هو في (مقدور) الحكم المسبق للسائل، بل (هو يتوقف) على قرار المُعطي، والرأي البشري (والإنسان عمومًا) لا يأخذ أو يدّعي شيء لنفسه ما لم يلقى أيضًا قبول من المسرة الإلهية.
20- يتكلم الرب في الإنجيل قائلًا "من اعترف بي قدام الناس، اعترف به قدام أبي الذي في السموات، لكن كل من ينكرني، سأنكره أنا أيضًا". لو أنه لا ينكر من ينكره، لن يعترف أيضًا بمن يعترف به. لا يمكن للإنجيل أن يكون ثابت في جزء ومزعزع في جزء آخر. إما يلزم أن يكون كلاهما قويًا أوكلاهما يفقدان قوة الحق. لو أن الذين سينكروه لن يكونوا مذنبين بإثم، ولا حتى الذين يعترفون به ينالون مكافأة الفضيلة. علاوة على هذا لو لم يتوج الإيمان الذي غلب، لا يلزم أيضًا أن يُعاقب الخائن الذي انهزم. لذلك بالنسبة للشهداء: إما أنه يمكنهم أن يكونوا عديمي الفائدة لو كان يمكن كسر (وصايا) الإنجيل (لأجلهم)، أو لو كان لا يمكن كسر (وصايا) الإنجيل، الذين يصيرون شهداء بحسب الإنجيل لا يمكنهم أن يتصرفوا بطريقة مناقضة للإنجيل.
أيها الإخوة المحبوبون ليت لا أحد يهين كرامة الشهداء. ليت لا أحد يلاشي مجدهم وأكاليلهم. إن قوة الإيمان غير الفاسد تبقى سليمة ولا يمكن -لمن رجائه وفضيلته ومجده هم في المسيح كلية- أن يقول أو يفعل أي شيء ضد المسيح، لكي الذي نفذ وصايا الله نفسه لا يمكنه أن يكون مسئولًا عن أي شيء يعمله بواسطة الأساقفة ويكون مناقضًا لوصية الله. هل أي شخص أعظم من الله أو أكثر رحمة من الصلاح الإلهي، الذي إما يرغب في أن يعطل ما أجاز الله له أن يُعمل (ربما يقصد سماحه بحلول الاضطهاد) أو كما لو كان الله له قوة زهيدة (تعجز) على حماية كنيسته، فيظن أنه يمكننا أن نخلص بمعونته (البشرية)؟
21- لكن لو أن هذه الأشياء تمت بمعرفة الله أو كل هذه الأمور حدثت بدون سماحه، ليعلّم الكتاب المقدس غير المتعلمين وينصح الناسين عندما ينطق بهذه الكلمات "مَن دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين؟ أليس الرب الذي إليه أخطأوا ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته فسكب عليهم حمو غضبه؟" (إش 42: 24-25). وفي موضع آخر يشهد قائلًا "ها أن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع، بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (إش 59: 1-2). لننظر إلى خطايانا ونفحص أسرار عملنا وذهننا. لنزن استحقاقات ضميرنا. لندع ضميرنا يعود إلى قلبنا إذ أننا لم نسلك في طرق الرب ورفضنا شريعة الله ولم نعد راغبين أبدًا بحفظ وصاياه ومشوراته الخلاصية.
22- أي خير تشعر به من جهته، أي خوف، أي إيمان تعتقد أنه كان فيه من كان الخوف عاجزًا عن إصلاحه، من كان الاضطهاد ذاته لم يقوّمه(10). إن عنقه المنتصب والمرتفع لم ينثني لأنه سقط، كبرياؤه وذهنه المتعالي لم ينكسرا لأنه قد انهزم. ومع أنه، جُرحه في ظهره، فهو يهدد من هم قائمين وأصحاء، وبسبب أنه لم ينل في الحال من جسد الرب في يديه الدنستين أو يشرب دم الرب بفمه المنجس يهيج بطريقة قذرة ضد الكهنة. ويا لهذا الجنون المفرط الذي لكم، أنتم المختلين العقل... تهيجون ضد من يجاهد ليصرف غضب الله عليكم، تهددون من يتوسل لرحمة الله لكم، وهو (الإنسان) الذي يشعر بجرحكم أكثر مما تشعرون أنتم به والذي يسكب عليكم الدموع بينما أنتم ربما لا تسكبونها. أنتم تكدسون وتزيدون جرمكم بالأكثر، وبينما أنتم غير صافحين من جهة أساقفة وكهنة الله، هل تظنون أن الرب يمكنه أن يكون راضيًا عليكم؟
23- اقبلوا وصادقوا على ما نقول. لماذا لا تسمع آذانكم الصماء الوصايا الخلاصية التي ننصح بها؟ لماذا لا ترى عيونكم العمياء طريق التوبة الذي نضعه أمامكم؟ لماذا لا يدرك ذهنكم المُغلق والمريض الأدوية الحيوية (للشفاء) التي نعرفها من الأسفار المقدسة ونعلّم بها؟ إن كان بعض المتشككين لهم إيمان قليل في الأحداث الآتية، ليتهم على الأقل يخافون من (أحداث) الحاضر. انظروا أية عقوبات ننالها من الذين أنكروا، أية ميتات كئيبة من الذين نبكيهم! ولا حتى هنا يمكنهم أن يكونوا بدون عقوبة، مع أن يوم العقاب لم يأت بعد. إن البعض عوقبوا في هذا الوقت، حتى يهتدي البعض إلى الصواب (أو بطريقة صحيحة). عذابات القليلون هي عبّر للكل.
24- أحد الذين مضوا من تلقاء ذاتهم إلى العاصمة لينكر إيمانه، صار أخرس بعد أن أنكر المسيح. ابتدأ العقاب هناك حيث بدأت الجريمة أيضًا حتى أنه لم يعد بإمكانه أن يسأل من ليس له كلمات يطلب بها رحمة. أُخرى أوقفت في الحمامات -لأن هذا (التصرف الخاطئ) كان ينقصها لتكميل جرمها وشرورها حتى أنها شرعت في الحال (بعد جحدها للمسيح) حتى إلى الحمامات من فقدت نعمة الحميم المعطي للحياة (المعمودية)- لكن هناك، تلك التي كانت نجسة، أمسكها روح شرير، فمزقت بأسنانها لسانها الذي إما اغتذى أو تكلم بطريقة أثيمة. فبعد أن أكلت الطعام الدنس، جنون الفم قام بهلاكه الذاتي. كانت هي ذاتها جلادًا لنفسها ولم يعد بإمكانها أن تحيا طويلًا فيما بعد وماتت متأثرة بآلام بطنها وأحشائها الحيوية(11).
25- اسمع ما حدث في حضوري وكنت شاهدًا له. أبوان في هروبهما السريع، لقلة تبصرهما بسبب خوفهما، تركا ابنتهما الصغيرة في رعاية أحد المربيات، التي بدورها أسلمتها إلى الحكام. هناك أمام الوثن حيث كان الناس مجتمعين، بسبب أن الطفلة كانت عاجزة بعد عن أكل اللحم لصغر سنها، أعطوها خبز ممزوج بالخمر الذي تبقى من تقدمة من قد هلكوا (روحيًا). بعد ذلك استعادت الأم طفلتها. لكن الطفلة كانت عاجزة عن التكلم والإشارة إلى الإثم الذي اُقترف لكونها كانت عاجزة في السابق عن إدراكه ومنعه. لذلك عن جهل لما تم لابنتها حدث أن الأم أحضرت طفلتها إلينا بينما كنا نقدم الذبيحة. علاوة على ذلك إذ اختلطت بالناس المقدسين، لكونها فاقدة الصبر على تضرعنا وصلاتنا (أثناء القداس)، كانت تهتز هنا بالنحيب وكانت تندفع بحركة اهتزازية لعقلها كما لو كانت النفس التي لا تزال غضة تحاول -تحت إلزام من معذب لها- أن تعترف بمثل تلك العلامات، لكونها كانت مدركة للفعل (الخاطئ الذي حدث لها). لكن بعد انتهاء صلوات القداس وابتدأ الشماس في تقديم الكأس لمن كانوا حاضرين وبعد تناول الحاضرين وجاء دور الطفلة، بإحساس غريزي بالعظمة الإلهية حوّلت وجهها عنه وضغطت فمها بشفتين مضمومتين بشدة ورفضت الكأس. لكن الشماس أصرّ رغم مقاومتها على أن يناولها الدم. بعد ذلك حدث نهنهة وبكاء واستفراغ. لم يمكن لسر الإفخارستيا أن يبقى في الجسد والفم الذي تدنس واندفعت نقطة دم الرب خارجًا من الأحشاء المتدنسة. عظيمة جدًا هي قوة الرب وعظيم جدًا جلاله. الأسرار الخفية تنكشف تحت نوره وأيضًا الآثام المستورة لا تخدع كاهن الله.
26- إلى هذا الحد جرى هذا للطفلة التي لم تبلغ بعد عمر التكلم لتعبّر عن الجريمة التي اقترفها الآخرين في حقها. لكن تلك السيدة المتقدمة في العمر التي تسللت إلينا خفية بينما نحن نقدّس، أخذت طعام (وليس جسد) وسيف لنفسها وقبلت -كما لو كان- نوع من السم المميت داخل فمها وجسدها، فابتدأت في الحال في التعذب بجنون النفس ومكابدة شقاء، ليس بعد من الاضطهاد، بل من خطيتها وسقطت وهي ترتعش وترتعد. ولم تعد جريمة ضميرها الخفية غير معاقبة وخافية. تلك التي خدعت إنسان (الكاهن) شعرت بالله كمنتقم. وعندما حاولت أحد النسوة أن تفتح بيدين نجستين صندوقها الذي كان فيه جسد الرب، عند ذلك أعاقها نار نشبت من التجاسر على لمسه. وإنسان آخر هو نفسه قد تنجس بعد انتهاء صلاة القداس، تجاسر سرًا على التناول مع الحاضرين فُوجد عاجزًا عن أكل أو مسك جسد الرب، ووجد عندما فتح يديه أنه كان يحمل جمرة مطفأة، وظهر لنا بالدليل مع هذا الإنسان أن الرب ينسحب عندما يتم إنكاره وأن ما تم أخذه هو عديم النفع لغير المستحق (وذلك) عندما نعمة الخلاص تحولت لكون المقدس Holy تملص من الخبز فتحول إلى جمرة مطفأة.
كم أن كثيرين يمتلئون يوميًا بأرواح نجسة، وكم أن كثيرين ترتج عقولهم بشدة بضراوة الخبل إلى درجة الجنون المطبق! لا يلزم لكل واحد أن يضارب على الهبوط إلى الموت، بينما على مدى المهالك المتنوعة للعالم تتنوع عقوبة الخطايا على قدر عدد جموع الخطاة. ليت كل واحد ينظر ليس ما عاناه غيره، بل ما يستحق هو ذاته أن يعانيه، وليته لا يظن أنه قد أفلت لو أن العقوبة قد حادت عنه أثناء ذلك، إذ ينبغي له بالأكثر أن يخاف من سخط الله الديان قد حفظه لذاته (في اليوم الأخير).
27- ليتهم لا يقنعون ذواتهم أنه لا ينبغي لهم أن يصنعوا توبة الذين مع كونهم لم يدنسوا أيديهم بذبائح أثيمة، لكنهم نجسوا ضمائرهم بشهادات (تقول أنهم قدموا ذبائح للأوثان دون أن يكونوا نفذوا هذا عمليًا بل قام بهذا العمل أحد الوثنيين نيابة عنهم). ذلك الإقرار هو إقرار من ينكر، هذه شهادة مسيحي رفض ما كان هو عليه. إنه قال إنه قد نفذّ ما قام بعمله بالفعل آخر غيره، ومع أنه مكتوب "لا يمكن أن تخدم سيدين" (مت 6: 24)، فإنه سيد دنيوي وخضع لقراره وأطاع السلطان البشري أكثر من الله. كان ينبغي له أن يرى سواء أنه أعلن (نشر) ما قد اقترفه بعثرة أقل أو بجرم أقل بين الناس، لكن لن يمكنه الإفلات وتحاشي الله كديان له، لأن الروح القدس يقول في المزامير "رأت عيناك كل نقائصي (خطاياي) وفي سفرك كلها كتُبت" (انظر مز 139: 16)، وأيضًا "الإنسان ينظر إلى الوجه أما الرب فينظر إلى القلب" (انظر 1صم 16: 7). ليحذرنا الرب نفسه ويعلّمنا بهذه الكلمات "وستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب" (رؤ 2: 23). إنه يرى المخفي والسري ويبصر المُخبأ ولا يمكن لأحد أن يزوغ عن عيني الله الذي يقول "ألعلي إله من قريب ولست إلهًا من بعيد؟ إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة أفما أراه أنا؟" (إر 23: 23-24). إنه يرى القلوب وما يخفى في صدر كل واحد وعندما يزمع أن يدين ليس فقط أفعالنا، بل أيضًا كلماتنا وأفكارنا، يتطلع إلى الأذهان التي نتخيلها في ذات ثنايا القلب الذي لا يزال مُغلق.
28- أخيرًا كم هم على إيمان أعظم ومخافة أفضل، من مع كونهم غير مذنبين بتقديم ذبيحة للوثن أو أخذ شهادة تثبت ذلك، لكن لكونهم فقط فكروا في هذا الأمر، يقرّون بهذا الشيء ذاته بحزن وعفوية أمام كهنة الله ويعترفون بضمير حي فيزيلوا الثقل الذي على نفوسهم طالبين الدواء الشافي لجراحهم مهما كانت صغيرة وتافهة، عالمين أنه مكتوب "الله لا يُشمخ عليه" (غل 6: 7). لا يمكن لأحد أن يسخر من الله ويخدعه ولا أيضًا يستطيع أحد أن يغشه بحيلة ماكرة. بل هو بالأحرى يخطئ أكثر من يفكر في الله بطريقة بشرية ويعتقد أنه يفلت من عقوبة إثمه لو أنه لم يقرّ به علانية. يقول المسيح في وصاياه "من استحى بي فإن ابن الإنسان يستحي به" (مر 8: 38). هل يظن ذاته مسيحي من هو يستحي أو يخاف من كونه مسيحي؟ كيف يمكن أن يكون مع المسيح من يخجل أو يخشى من انتمائه للمسيح؟ من الواضح أنه قد أخطأ أقل بعدم تطلعه إلى الأوثان وبعدم تدنيسه قدسية الإيمان على مشهد على العوام الواقفين حوله ويشتمون، وبعدم تدنيسه ليديه بذبائح ميتة وبعدم تنجيس فمه بطعام تعيس. هذا مفيد إلى هذا الحد أن الخطأ أقل وليس أن الضمير بلا جُرم. يمكنه بسهولة أكثر أن يصل لغفران خطيته، لكنه ليس خالي من الخطية. ليته لا يتوقف عن تقديم توبة وطلب رحمة الله لئلا تزيد قيمة خطيته التي تبدو أقل بإخفاقه عن تقديم تكفير عنها.
29- أتوسل إليكم أيها الإخوة، ليت كل واحد يقرّ بخطيته بينما لا يزال هو في العالم حيث يمكن قبول اعترافه وحيث يمكن للتكفير والغفران الذي يتم من خلال الكاهن يكون مرضيًا (مقبولًا) لدى الله. ليتنا نلتفت للرب بكل أذهاننا ولنعبّر عن توبتنا عن خطايانا بحزن حقيقي، ولنستعطف رحمة الله. ليت النفس تنطرح (تنبطح) أمامه، ليقدم الحزن (على الخطية) تكفيرًا له وليكن كل رجائنا موضوع عليه. هو نفسه يخبرنا كيف ينبغي لنا أن نسأل إذ يقول "ارجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ 2: 12-13).
لنعود إلى الرب بكل القلب، لنسكّن غضبه واستيائه بأصوام وبكاء ونحيب كما ينصح هو ذاته.
30- هل نظن أنه ينتحب من كل قلبه ويستعطف الرب بأصوام وبكاء ونوح من يرتاد كثيرًا الحمامات من اليوم الأول لخطيته، من يأكل من الولائم الغنية وبطنه متخمة بالأطعمة اللذيذة، ثم يستفرغ الطعام غير المهضوم في اليوم التالي ولا يشارك طعامه وشرابه مع الفقير المحتاج؟
كيف يبكي على موته الذي ينطلق بفرح وسعادة، ومع أنه مكتوب "لا تفسد عارضيك(12)" (لا 19: 27)، ينزع لحيته ويزين وجهه؟ وهل متشوق لإرضاء أحد من هو يكدر إلهه؟ أو هل تبكي وتتأوه من لديها وقت لتلبس الملابس الأنيقة والثمينة، بينما لا تفكر في رداء المسيح الذي قد فقدته؛ التي لها وقت لنوال المجوهرات الثمينة والعقود الغالية لكنها غير متفرغة للبكاء على فقدان الزينة الإلهية والسماوية؟ ومع أنكِ تلبسين ملابس مستوردة وثياب حريرية لكنك عارية (روحيًا). مع أنك تزينين ذاتك بذهب وجواهر وأحجار كريمة، فأنت -بدون زينة المسيح- قبيحة المنظر. وأنتِ يا من تصبغين شعرك، توقفي عن ذلك على الأقل الآن في وسط أحزانك، ويا من تكحلين عينيك اغسليها على الأقل الآن بدموع (التوبة). لو فقدت أحد أعزائك بموته ستحزنين وتبكين بتأسف وسُتظهرين علامات حزنك بثياب سوداء وشعر منكوش ووجه مكتئب غير مهندم.
أيتها المرأة التعيسة، لقد فقدت نفسك وابتدأتِ تعيشين الموت الروحي هنا، ومع أنك أنت ذاتك تسيرين هنا وهناك، لكنك ابتدأتي تحملين موتك ذاته. أفلا تتأوهين بمرارة؟ ألا تبكين باستمرار؟ ألا تذهبين للاختباء سواء بسبب خزي خطيتك أو للاستمرار في نحيبك؟ فمع رداءة جروح الخطية وعظم التعديات، الأسوأ منها هو أن نخطئ ولا نقدم تكفير عن الخطأ، نتعدى ولا ننوح على التعدي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
31- لم يتورع (يمتنع) حنانيا وعزاريا وميصائيل، الثلاثة فتية النبلاء والشهيرون من الاعتراف لله (بخطاياهم وخطايا شعبهم) ولو حتى في وسط أتون النيران المتقد. فمع أن لهم ضمير حسن (صالح) وجديرين بالله بطاعة الإيمان والخوف فإنهم لم يتوقفوا عن الحفاظ على تواضعهم وتقديم تكفير (عن خطاياهم) لله ولا حتى في الاستشهادات المجيدة لفضائلهم.
يتحدث الكتاب المقدس بهذه الكلمات "وقف عزاريا وصلى وفتح فمه واعترف لله مع رفيقيه في وسط النار" (انظر تتمة دا 3: 23)[دا 3: 23س]. أيضًا دانيال بعد نعمة إيمانه المتضاعفة وطهارته، بعد تقدير الرب له المتكرر من جهة فضائله وتسابيحه، سعى أيضًا بالأكثر ليتأهل لله. غطى ذاته بالمسوح والرماد بينما هو يعترف بحزن قائلًا "أيها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحِدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلّموا ملوكنا ورؤساءنا وآبائنا وكل شعب الأرض. لك يا سيد البرّ، أما لنا فخزي الوجوه" (دا 9: 4-7).
32- صنع الودعاء والبسطاء والأطهار هذه التكفيرات لتقديرهم الجيد لعظمة الله، أما الذين أنكروا الرب، رفضوا التكفير للرب والتوسل إليه!
أتوسل إليكم أيها الإخوة أن تقبلوا أدوية الخلاص، أطيعوا النصائح الأفضل، ضموا دموعكم إلى دموعنا وسجلوا أنينكم مع أنيننا. نحن نستعطفكم لكيما يمكننا أن نستعطف الرب لأجلكم. نحن نوجّه طلباتنا ذاتها إليكم والتي بها نصلي لله لأجلكم لكيما يكون رحيمًا. اصنعوا توبة تامة، برهنوا على حزن نفس تنتحب وتغتم.
33- ليته لا يثيركم الضلال الوقح ولا الغباء الباطل للبعض، الذين مع كونهم متورطين في خطية عظيمة جدًا، ضُربوا بمثل عمى النفس هذا حتى أنهم لم يدركوا خطاياهم ولا بكوا عليها. هذه هي البلوى الأعظم لإله غاضب كما هو مكتوب "لأن الرب قد سكب عليكم روح سبات" (إش 29: 10). وأيضًا "لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سرّوا بالإثم" (2تس 2: 10-12)، إذ قد سرّوا بطريقة أثيمة ومجنونة بواسطة خلل عقلهم المُتلف، ازدروا بوصايا الرب وأهملوا دواء جروحهم (لذلك) هم غير راغبين في صنع توبة. إذ كانوا غير متبصرين قبل اقتراف خطيتهم، ومعاندين بعدها، فلا هم ثبتوا في الأول ولا تضرعوا بعد سقوطهم، فبينما كان ينبغي لهم أن يثبتوا سقطوا، وعندما كان عليهم أن ينبطحوا ويطرحوا ذواتهم أمام الله، ظنوا أنهم قائمين. وادّعوا لذواتهم سلامًا من تلقاء أنفسهم مع أنه لم يمنحهم أحد إياه، انخدعوا بوعود كاذبة وارتبطوا بالهراطقة وغير المؤمنين وقبلوا الضلال على أنه حق واعتبروا شركتهم -مع من هم خارج الشركة المقدسة- صحيحة، صدقوا بدلًا من الله البشر الذين لم يؤمنوا بالله.
34- اهربوا من مثل هؤلاء الناس بكل قوتكم واحذروا حذرًا مفيدًا لكم من أولئك المتعلقين بالاتصالات الخبيثة (مع الهراطقة). ينتشر كلامهم (المعسول) مثل سرطان (كأكلة - انظر 2تي 2: 17)، ويقفز كلامهم عبر الحواجز مثل وبأ، إقناعهم الضار والسام يقتل أسوأ من الاضطهاد ذاته. تبقى توبة هناك لأجل تقديم تكفير. الذين يبطلون التوبة لأجل الخطية يغلقون الطريق للتكفير. لذلك يحدث أنه عند تهور البعض سواء لتصديقهم أو وعدهم بخلاص كاذب، أن الرجاء في خلاص حقيقي يُنزع منهم.
35- لكن أيها الإخوة يا من أنتم مائلين ناحية مخافة الرب ومن أذهانهم -ولو أنها قائمة في الخراب- (لكنها) منتبهة لشرورها، وتتوب وتكتئب لأجل خطاياكم، فتعرّفوا على الجرم الخطير جدًا لضميركم، افتحوا عيون قلوبكم لتفهموا تقصيراتكم بغير يأس من رحمة الله أو الادّعاء المسبق بالغفران (قبل الأوان وبغير الطريق الشرعي). كما أن الله بسبب حبه كأب هو دائمًا صالح وغفور، كذلك بسبب عظمته كديان ينبغي لنا أيضًا أن نخافه. ليتنا نبكي على قدر مستوى خطيتنا. ليته لا يوجد أي تقصير في الرعاية والعناية الطويلة للجرح العميق، ليت التوبة لا تكون أقل قدرًا من الجُرم (الخطأ). هل تظن أنه يمكنك بسهولة أن تسترضي الله الذي أنكرته بكلمات أثيمة والذي فضّلت ثروتك عليه وانتهكت هيكله ودنست مقدّسه؟ هل تظن أنه يرحمك بسهولة بعد أن تبرأت منه؟ ينبغي لك أن تصلي وتتوسل بشدة أكثر، تجوز اليوم كله حزينًا، تمضي لياليك في سهر وبكاء، تقضي كل وقتك في نحيب باكي، تلتصق بالرماد وأنت منبطح على الأرض، تتمرغ في المسوح والطين، غير راغب في أي رداء الآن بعد فقدك لرداء المسيح، وتفضّل الصوم بعد (تناولك) طعام إبليس، تكرس ذاتك للأعمال البارة التي بها تتطهر الخطايا، تعطي الصدقة باستمرار والتي بها تتحرر النفوس من الموت. ما حاول المعاند أن يسلبه، اجعل المسيح يناله، لا ينبغي لك أن تحجز الآن أو تعزز الثروة التي بها (لأجلها) انخدعت وانهزمت. ينبغي تحاشي الثروة كعدو، وكلص نهرب منه وكسيف نخاف ممن يمتلكونه وكُسم (مميت). إلى هذا الحد فقط ربما ما تبقى (من المال) يكون نافع، لكي بواسطته تفتدي الخطية والجرم. ليت أعمالك تتم بدون تعويق وبكثرة، ليتنا نستنجد بكل وسيلة لشفاء الجرح. ليت الله الذي هو دياننا يكون مدين لنا بثرواتنا وملكاتنا. هكذا الرعيل الأول من المؤمنين حفظوا وصايا المسيح وكانوا مستعدين وأسخياء وأعطوا كل ما عندهم ليوزعه الرسل ولم يكونوا يفدون مثل هذه الخطايا (فكم بالأولى يجب أن نعمل نحن الذين نفدي ونكفر عن مثل هذه الخطايا).
36- لو أي فرد صلّى من كل قلبه، لو تأوه بنحيب خالص ودموع توبة، لو بأعمال بارة مستمرة جعل الرب يميل لمغفرة خطيته، يمكن لمثل هذا أن ينال رحمة من عرض رحمته بهذه الكلمات "عندما ترجعوا وتبكوا آنذاك ستخلصون وستعرفون أين كنتم" (انظر إش 30: 15)، وأيضًا "إني لا أسرّ بموت الشرير" (حز 33: 11)، وأيضًا يقول الرب بذات كلماته "ارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر" (يؤ 2: 13). يمكن للرب أن يمنح رحمته ويمكنه أن يحيد عن حُكمه. يمكنه بسهولة أن يغفر لمن يتوب ويعمل أعمالًا صالحة ويتضرع. يمكنه أن يقبل كل ما يطلبه الشهداء (والمعترفون) وكل ما عمله الكهنة لمثل هؤلاء. ولو أي واحد من هؤلاء حرّكه أكثر بتكفيراته، يسكّن غضبه وسخطه الشرعي فقط بالتوسل. إنه يعطي من جديد أسلحة ليتسلح بها المنهزم. إنه يصلح وينعش قوته لكي يزدهر إيمانه المُستعاد. (آنذاك) سيطلب الجندي نزاله من جديد، وسيكرر قتاله ويثير العدو. إنه يصير أقوى للمعركة من خلال التألم. الذي هكذا أرضى الله، الذي بتوبته لأجل فعلته، الذي بالخزي من خطيته قد أدرك المزيد من الفضيلة والإيمان من ذات حزنه على جحوده، بعد أن يستجيب له الله ويساعده سيجعل الكنيسة تبتهج وهي التي كانت حديثًا حزينة ولن يستحق فقط غفران الله بل إكليل (سماوي يوضع على رأسه).
_____
(8) كانت المحاكمات وتقديم الذبائح للأوثان تتم آنذاك في الأسواق.
(10) علينا أن نلاحظ أن القديس كبريانوس لا يعترض على قبول الجاحدين التائبين إلى أحضان الكنيسة، لكن اعتراضه هو على مسارعة الجاحدين لأخذ تزكيات من المعترفين والشهداء دون لجوئهم إلى تقديم توبة حقيقية لله.
(11) أتذكر الآن حادثتين تم سردهما أمامي، الأولى عن فتاة أنكرت مسيحها في مكان لا أذكره بالمنيا وقبل أن تصل إلى الموضع الذي فيه تقر بهذا سقطت ميتة وتفحم جسدها في الحال وعاين هذا الحدث كثيرين. والحادثة الثانية حدث أن شاب أغوى فتاة لتترك مسيحها وإيمانها فتجاوبت معه ولكن قبل أن تهرب معه ماتت في بيت أسرتها، فأخذوها إلى الكنيسة للصلاة عليها إذ لم يعلم أحد من أسرتها بإنكارها للرب يسوع، ولكن أثناء الصلاة عليها خرج دخان كثيف من الصندوق بطريقة ملفتة، فلم فتحوا وجدوا أن الكفن والصندوق سليمان وأن مصدر الدخان هو الجسد فتعجبوا ولكن كان حاضرًا في الكنيسة الشاب الذي أغواها فسرد أمام الحاضرين سبب ما رأوه وكان هذا الأمر سببًا في اعترافه بالرب يسوع مخلصًا وفاديًا.
(12) أي لا تقلّم جانبي لحيتك. ومما هو جدير بالذكر هنا أن القديس كبريانوس يأخذ ببعض الوصايا الحرفية للعهد القديم التي نحن غير ملزمين بها في العهد الجديد إلا ما ألزمنا به الرسل في مجمع أورشليم، وليس لنا أن نتمسك بعدم حلق اللحية لغير رجال الإكليروس والرهبان، وإلا فيلزمنا أن نختتن إجباريًا ولنا أن نحلف (تث 6: 13)، وهلم جرًا. لكن ليس ما يمنع القول أن طلب عدم حلق اللحية هنا كناية عن الحزن، وهذا ما يعمله كثيرين الآن لدى موت أحد أحبائهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/deniers.html
تقصير الرابط:
tak.la/6hp94rg