St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

9- الفصل التاسع: رفيديم - هزيمة عماليق ومغزاها - زيارة يثرون ومغزاها الرمزي (خر17-18)

 

الفصل التاسع

رفيديم - هزيمة عماليق ومغزاها - زيارة يثرون ومغزاها الرمزي (خر17-18)

 

لا يمكن تخيل بقعة لذيذة أو منظر هائل أعظم من الذي لوادي فاران.

هنا نحن أخيرًا بين تلك الجبال التي تقوم في أشكال ضخمة وغريبة وتُظهر كل تنوع الألوان. وإذ نسلك في منحنيات ومنعطفات وادي فاران نأتي إلى سهل خصب وواسع يبدو أنه مُغلق من كل جانب بالجبال. هذه هي رفيديم، ساحة القتال حيث حارب إسرائيل تحت علم الرب وهزموا عماليق.

هذا الموضع مملوء بأهمية يصعب تجاوزها سريعًا. قبل أن يصل بنو إسرائيل مباشرة إلى وادي رفيديم، في طريقهم من برية سين سيمرون على صخرة كبيرة ومكشوفة وبارزة. هذه بحسب تقليد عربي -يرتبط به ترجيح عالي القدر- هي الصخرة التي ضربها موسى ومنها تدفق الماء الحي.

ونحن نعلم الآن أنه عندما وصل بنو إسرائيل إلى هذه البقعة، يلزم أنهم عانوا من العطش، حيث أن الطريق من البحر الأحمر على مدى هذه الأيام الثلاثة لم يلتقوا فيه ولا حتى بعين ماء واحدة، بينما مسيرهم في أوائل مايو عبر تلك البرية يحتم أن الجو كان حارًا ومملًا.

مرة أخرى من المؤكد تمامًا أنهم مروا على تلك الصخرة وتحت ظلها من المرجح جدًا أن يتوقفوا للراحة. لأنه في تلك اللحظة كان وادي رفيديم أمامهم بينابيعه الحية التي وضع عماليق يده عليها، والذين كما سيفعل البدو في ظروف مشابهة، سيتجمعون حول آبارهم ونخلهم منتظرين أن يهاجموا العدو بمجرد مجيئه وهو عطشان ومتعب ومُنهك من الطريق.

فربما كان هنا مشهد معجزة الصخرة التي تم ضربها. وراءها تقع ساحة قتال رفيديم. وقبل أن نتتبع الرواية الكتابية، فلنحاول أن نتخيل المنظر جيدًا. إذ نتقدم من الصخرة التي وصفناها منذ قليل إلى الوادي العريض، يبدو لنا أننا في نوع ما من فردوس خيالي مُغلق بأسوار غريبة من الجبال.

كما يرى العابر الآن رفيديم، فإن عواصف الشتاء قد جلبت الخراب إليه. لأن هذه منطقة عواصف فجائية ومرعبة، عندما يهطل المطر في سيول غزيرة من جبال الجرانيت ويندفع بزئير صاخب إلى الوديان والسهول حاملًا معه كل شيء حي وكل خضرة مقتلعًا النخيل التي عمرها بالقرون، وجاعلًا الصخور والأحجار تتراكم فوق بعضها البعض في خراب هائل.

وفي الوقت الحاضر هدوء المعسكر في الليل غالبًا ما يقطعه عويل الذئاب المقُبض للنفس، التي في الشتاء تطوف بحثًا عن الطعام، بينما في الصباح آثار أقدام النمور تبين كم كان الخطر قريبًا. لكن في أيام الخروج كانت رفيديم وما حولها مناطق مأهولة نسبيًا.

St-Takla.org Image: The battle betwixt the Israelites and Amalekites.: Then came Amalek, and fought with Israel in Rephidim. And Moses said unto Joshua, Choose us out men, and go out, fight with Amalek: to morrow I will stand on the top of the hill with the rod of God in mine hand. So Joshua did as Moses had said to him, and fought with Amalek: and Moses, Aaron, and Hur went up to the top of the hill. And it came to pass, when Moses held up his hand, that Israel prevailed: and when he let down his hand, Amalek prevailed. But Moses' hands were heavy; and they took a stone, and put it under him, and he sat thereon; and Aaron and Hur stayed up his hands, the one on the one side, and the other on the other side; and his hands were steady until the going down of the sun. And Joshua discomfited Amalek and his people with the edge of the sword. (Exodus 17:8-13) - from "Figures de la Bible" book, 1728. صورة في موقع الأنبا تكلا: المعركة بين بني إسرائيل وعماليق: "وأتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم. فقال موسى ليشوع: «انتخب لنا رجالا واخرج حارب عماليق. وغدا أقف أنا على رأس التلة وعصا الله في يدي». ففعل يشوع كما قال له موسى ليحارب عماليق. وأما موسى وهارون وحور فصعدوا على رأس التلة. وكان إذا رفع موسى يده أن إسرائيل يغلب، وإذا خفض يده أن عماليق يغلب. فلما صارت يدا موسى ثقيلتين، أخذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليه. ودعم هارون وحور يديه، الواحد من هنا والآخر من هناك. فكانت يداه ثابتتين إلى غروب الشمس. فهزم يشوع عماليق وقومه بحد السيف." (الخروج 17: 8-13) - من كتاب "صور كتابية"، 1728 م.

St-Takla.org Image: The battle betwixt the Israelites and Amalekites.: Then came Amalek, and fought with Israel in Rephidim. And Moses said unto Joshua, Choose us out men, and go out, fight with Amalek: to morrow I will stand on the top of the hill with the rod of God in mine hand. So Joshua did as Moses had said to him, and fought with Amalek: and Moses, Aaron, and Hur went up to the top of the hill. And it came to pass, when Moses held up his hand, that Israel prevailed: and when he let down his hand, Amalek prevailed. But Moses' hands were heavy; and they took a stone, and put it under him, and he sat thereon; and Aaron and Hur stayed up his hands, the one on the one side, and the other on the other side; and his hands were steady until the going down of the sun. And Joshua discomfited Amalek and his people with the edge of the sword. (Exodus 17:8-13) - from "Figures de la Bible" book, 1728.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المعركة بين بني إسرائيل وعماليق: "وأتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم. فقال موسى ليشوع: «انتخب لنا رجالا واخرج حارب عماليق. وغدا أقف أنا على رأس التلة وعصا الله في يدي». ففعل يشوع كما قال له موسى ليحارب عماليق. وأما موسى وهارون وحور فصعدوا على رأس التلة. وكان إذا رفع موسى يده أن إسرائيل يغلب، وإذا خفض يده أن عماليق يغلب. فلما صارت يدا موسى ثقيلتين، أخذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليه. ودعم هارون وحور يديه، الواحد من هنا والآخر من هناك. فكانت يداه ثابتتين إلى غروب الشمس. فهزم يشوع عماليق وقومه بحد السيف." (الخروج 17: 8-13) - من كتاب "صور كتابية"، 1728 م.

لكن لا شيء يمكنه أن يغير بصفة مستديمة ما يميز المشهد. إلى شمال الوادي تمامًا توجد بساتين للنخيل وشجر الطرفاء وأشجار أخرى تمنح المرء ظلًا مبهجًا. هنا يُسمع صوت البلبل، ولا يزال مُستحبًا على أذن العابر صوت خرير الماء الحي.

هذه المنطقة الجميلة واحدة من أخصب المناطق في شبه الجزيرة وتمتد لأميال بطول الوادي. وإلى الشمال فوق الوادي بحوالي سبعمائة قدم، يقوم جبل (جبل الطاحونة) والذي بترجيح ليس بقليل يُعتبر الجبل الذي عليه وقف موسى عندما كان يرفع يده التي تحمل العصا إلى السماء، بينما إسرائيل في ذات الوادي كانوا يحاربون عماليق.

كنوع من الخلفية للمنظر لدينا حوض ضخم من الصخر الأحمر والصوان والرخام، فوقه أبراج قمة جبل طويل في الأفق البعيد. وإذ نلتفت إلى الطريق الآخر ونتطلع نحو الجنوب عبر ساحة قتال رفيديم، نجد جبل سربال Serbal المهيب، أحد أعلى جبال شبه الجزيرة (6900 قدم) على حدود الأفق المنظور. وعلى كلا جانبيه يوجد واديان يهبطان إلى رفيديم. بينهما توجد مجموعة كتل عشوائية لجبال من كل الألوان والأشكال. وأخيرًا بعيدًا جدًا إلى الجنوب الشرقي حيث وقف موسى، يلزم أنه لمح عن بعد عبر فتحة بين التلال الخط الأزرق لسيناء.

لكن أمامنا تقع هضبة وادي رفيديم ذاتها وهي تقريبًا ألف وخمسمائة قدم فوق مستوى البحر. هنا في مكان قريب لكن في تضاد بديع للبساتين الحلوة والنهر الجاري، يوجد حول المكان صخور خيالية رائعة التنوع في الألوان، صخور بيضاء، أسوار من الرخام الوردي الرائع، من شقوقها تنمو أعشاب وزهور وتلتف، وصخور رمادية وحمراء، عليها يبدو كما لو أن نهير وردي انسكب.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

في هذه البقعة تحدد إلى الأبد مصير من قاوموا ملكوت الله، إذ يجسد الحدث نبويًا. أمور عجيبة قد تذوقها بنو إسرائيل فعلًا. أعداء الرب تم هلاكهم في البحر الأحمر، مياه مارة المرة قد تم معالجتها، واحتياجات شعب الله تم توفيرها في البرية. لكن معجزة أعظم من أيًا من هذه، على الأقل أكثر وضوحًا وصراحة، كان لهم أن يعاينوها الآن، بقصد أن يبين الرب لإسرائيل أنه لا يوجد موقف ميئوس منه إلا وبرهن أنه "عونًا في الضيقات" (مز 46: 1).

كون هذا كان المقصود أن يكون معناه لإسرائيل لكل الأوقات يتضح من اسم مسة ومريبة، تجربة ومخاصمة، أُعطي للموضع من الإشارات التالية للحدث في [(تث 6: 16؛ مز 68: 15؛ 105: 41؛ وبالأخص في (مز 114: 8)]. النصح الوارد في (مز 95: 8-9): "فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي مَرِيبَةَ مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ. حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضًا فِعْلِي"، فيشير بالأساس إلى حدث متأخر، مُسجل في (عد 20: 2)، وجاء تاليًا للحدث في رفيديم.

وفي نفس الوقت كان حقًا أنه عندما تخاصم بنو إسرائيل مع موسى لأجل الاحتياج إلى الماء في رفيديم، كان هذا فعليًا تجربة للرب. لكن القصاص لم يحدث في الحال. مرة أخرى الله يثبت ذاته ويمتحن الشعب.

تم توجيه موسى أن يأخذ معه شيوخ إسرائيل وعلى مرأى منهم يضرب الصخرة في حوريب. سيقف الله هناك أمامه ليعينه ويدافع عن عبده. ومن جانب الشق الذي للصخرة الجافة سيتدفق ماء حي، كرمز "للصخرة الروحية التي تبعتهم" وهي رمز لنا نحن أيضًا لأن "الصخرة كانت المسيح" (1كو 10: 4).

كان من المرجح أنه بينما الجزء المتقدم من بني إسرائيل كانوا يعاينوا معجزة ضرب الصخرة أن عماليق هاجم كل المستضعفين في المؤخرة ممن كانوا في حالة إعياء شديد، عندما كان إسرائيل كليل ومُتعب (تث 25: 18). كان هذا تصرف شرير لا مبرر له، لأن إسرائيل لم يثيره مطلقًا للهجوم وعماليق لكونهم من نسل عيسو كانوا يمتون بقرابة شديدة لهم.

 

لكن يوجد معنى أعمق يرتبط بكل من هذه المعركة ونتيجتها. لأننا:

أولًا: نلاحظ تسجيل عزم الله وتصميمه المهيب بقوله: «اكْتُبْ هَذَا تِذْكَارًا فِي الْكِتَابِ وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ» (خر 17: 14)، وإعلانه أن للرب "حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ" (خر 17: 16).

ثانيًا: لدينا مرتبط بهذا النطق النبوي لبلعام لنفس هذه النتيجة: "عماليق أول الشعوب -أول ثمار الوثنيين وبداية السطوة الأممية والعداوة- وأما آخرته فإلى الهلاك" (عد 24: 20)، بينما أخيرًا نلاحظ المغزى المختصر لكن العميق جدًا للتعبير والذي به يعلل الكتاب الهجوم الجبان لعماليق: "لم يخف الله" (تث 25: 18).

لذلك يلزم أن هجوم عماليق لم يكن مقصودًا له أن يكون ببساطة ضد إسرائيل كأمة، بل ضد إسرائيل بصفتها شعب الله. لقد كان هجومهم أول هجوم لممالك هذا العالم على ملكوت الله، ولكونه بهذه الصفة يكون رمز لكل ما تلاه من هجوم للوثنيين.

قد يكون وقعه غريب أن في نزاع كهذا لن يحارب الله لصالح إسرائيل كما فعل عند البحر الأحمر. يلزم لإسرائيل ذاتها أن تحارب، ولو أن النجاح والنصرة سوف يُمنح فقط في حال أن جهادهم يتم تحت راية الله. تلك الراية كانت العصا التي تلقاها موسى وبها كان له أن يعمل المعجزات. هذه العصا تمثل الحضور -الصانع العجائب- للرب مع شعبه بكونه راعيهم ورئيسهم وقائدهم.

لكن في الحرب التي شنها إسرائيل، لم يمكن الاكتفاء فقط بمد العصا كما على البحر الأحمر. اليد التي تمسك العصا يلزم أيضًا رفعها إلى السماء، الإيمان الذي يمسك برمز الحضور صانع العجائب لله، يجب أن يرتفع نحو السماء ويجتذب بالصلاة البركة التي تعهد الله أن يعطي النصرة لجهود إسرائيل ويضمن الانتصار لجيوشها. هكذا نحن نفهم هذا التاريخ.

اختار موسى جماعة رجال لمحاربة عماليق ووضعهم تحت قيادة هوشع رئيس سبط أفرايم (عد 13: 8، 16؛ تث 32: 44)، والذي اسمه ربما من ذات الحدث عينه تحول إلى يشوع (الرب هو عون). في أثناء تلك الموقعة اتخذ موسى مكانه على قمة تل ومعه عصا الله في يده. طالما كانت هذا عصا مرفوعة كان إسرائيل يغلب، لكن عندما تنخفض يدي موسى من التعب، كان عماليق يفوز.

آنذاك قام هارون وحور -الذي من نسل يهوذا وجد لبصلئيل(125)، ويبدو أنه كان ضمن مجموعة الناس العاديين الذين لهم مكانة قريبة كالتي لهارون من موسى (خر 24: 14)- عضدا يدي موسى إلى غروب الشمس فكانت هزيمة عماليق كاملة.

هذا المسك ليدي موسى كان يُعتبر بصفة عامة كرمز للصلاة. لكن لو أن هذا كل ما في الأمر، سيكون من الصعب أن نفهم لماذا كان مطلوبًا بصفة مطلقة للنجاح والانتصار أن يديه ينبغي أن تكون على الدوام مرفوعة حتى إنها عندما ترتخي نتيجة للضعف الجسدي، كان لعماليق أن يغلب في الحال.

علاوة على ذلك ستترك بدون شرح وتفسير مسك العصا تجاه السماء. في ضوء الصعوبة هذه اقترح مفسر حديث أن الهدف من رفع اليدين لم يكن الصلاة، بل رفع عصا صنع العجائب التي أعطاها الله كراية الله والتي أثناء التلويح بها فوقهم، وفقط طالما يتم التلويح بها كان إسرائيل يحرز الانتصار. مع هذا التفسير يتفق اسم المذبح التذكاري الذي بناه موسى ليديم تذكار الحدث: «يَهْوَهْ نِسِّي»، أي "الرب رايتي".

لكن ولا حتى هذا التفسير يتوافق تمامًا مع مقولات الكتاب. ونحن بالأحرى نضم معًا كلا وجهتي النظر المذكورين. العصا التي أمسك بها موسى كانت راية الله، رمز وعربون حضوره وعمله، وهو أمسك بها ليس على إسرائيل بل ولا على أعدائهم بل تجاه السماء في صلاة ليستنزل تلك المعونة الموعود بها في ساحة حربهم(126).

وسوف يكون الأمر هكذا على الدوام. عماليق يقاوم تقدم إسرائيل، فيلزم لإسرائيل أن يحارب، لكن النصرة هي لله، وإسرائيل يمسك عصا القوة القديرة في يد الإيمان، لكن تلك العصا يلزم رفعها على الدوام تجاه السماء في التوسل الحاضر وطلب البركة التي يؤّمنها وعد العهد.

لو أن هجوم عماليق مثّل عداوة العالم لملكوت الله، فإن زيارة يثرون التي تلت انتصار إسرائيل رمزت أيضًا للميل المضاد. لأن يثرون لم يأت فقط بكونه حمو موسى ليرد إليه زوجته وبنيه -مع أن هذا التصرف سيكون تعبيرًا عن إيمانه بالرب وشعب العهد- بل هو أيضًا: "فَرِحَ بِجَمِيعِ الْخَيْرِ الَّذِي صَنَعَهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ" (خر 18: 9)، بل وأكثر من ذلك هو اعترف قائلًا: "الآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ الآلِهَةِ لأَنَّهُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي بَغُوا (المصريون) بِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ" (خر 18: 11).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ومن حيث أن هذا الاعتراف بالله قاد يثرون لأن يسبحه، كذلك تسبيحه وجد تعبير عملي عنه في ذبائح ومحرقات قدمها لله، بعدها جلس يثرون مع موسى وهارون وشيوخ إسرائيل ليأكلوا من وليمة ذبيحة الشركة مع الله ومع بعضهم البعض.

بهذا يمكن اعتبار يثرون بكونه أول الثمار لله من بين الأمم، وعبادته وسجوده كاستباق لتحقق الوعد: وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِلَهِ يَعْقُوبَ فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ» (إش 2: 3).

وقد تم الحصول على منفعة هائلة جدًا من حضور يثرون. فكما أنه بعد تحول الوثنيين إلى المسيحية، معرفة الوثنية وأبحاثها المتراكمة كان لها أن تُستخدم في خدمة الإنجيل، هكذا أيضًا خبرة يثرون أفادت في الترتيبات الظاهرة لشعب الله.

إلى ذلك الوقت كان كل نزاع يقوم بين أفراد الشعب يتم إحضاره لموسى شخصيًا لكي يحسمه. فكانت النتيجة إنه ليس موسى كان في خطر أن يتعب ويمل من ثقل العمل، بل الشعب أيضًا (خر 18: 18)، حيث أن التأخير قد ينشأ منه بالضرورة ملل وتعب فيجرفهم بسهولة لأن ينتزعوا حقهم بأيديهم.

فكانت النصيحة التي عرضها يثرون أن يتفرغ لتعليم الشعب الفرائض والشرائع ويعرّفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه. وأيًا كانت المسائل التي تنشأ من هذه الفرائض والشرائع والتوجيهات التي تم تعليمهم بها ستجد تطبيق سريع، كان لها أن تُعتبر دعاوي صغيرة، يمكن تركها ليحسم فيها قضاة أصغر ممن يختارهم موسى من بين الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء ومبغضين للرشوة (ع21).

فلو كان الأمر لا يدخل في نطاق مجرد التطبيق لهذه الشرائع المعروفة كان "دعاوي كبيرة" ينبغي حفظه لموسى ليتخذ فيه قرار أو بالأحرى ليعرض القضايا العويصة على الله. وهذه النصيحة الحكيمة أعطاها يثرون بمنتهى التواضع وبإقرار واضح وضريح أنها قابلة للتطبيق لو فقط "أَوْصَاكَ اللهُ تَسْتَطِيعُ الْقِيَام" حتى أن موسى سمع فيها توجيه كريم من الله شخصيًا.

ولن يكون من الممكن تخيل مثال أكثر جمالًا للمعونة التي يمكن أن يشتقها الدين من المعرفة والخبرة بل وأيضًا خضوع ديني أكثر لحكمة هذا العالم لخدمة الله ومشيئته أكثر من النصيحة التي أعطاها يثرون وبالأسلوب الذي به عبّر عنها. فمن (تث 1: 12-18) نعرف أن موسى نفذ الخطة بنفس الروح التي بها عُرضت عليه. اختيار القضاة قد عُمل بمعرفة الشعب وتعيينهم كما توجيهم للعمل تم بحسب مخافة الرب ومحبته.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(125) انظر (1 أخ 2: 18-19). وبحسب التقليد اليهودي كان حور زوج لمريم أخت موسى. والده كالب، ويلزم ألا نخلط بينه وبين كالب بن يفنة.

(126) يبدو أن وجهة النظر هذه جاءت ضمنًا في (خر 17: 5)، وتشرح كلمات بخلاف وجهة النظر هذه تبدو غامضة ووردت في (خر 17: 16): وهي حرفيًا هكذا: "فبنى موسى مذبحًا ودعا اسمه يهوه نسي وقال لأن اليد على عرض الرب! حرب لعماليق من جيل إلى جيل!".


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/rephidim-amalek.html

تقصير الرابط:
tak.la/jr9t7tb