St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

8- التيه في البرية: الفصل الثامن: برية شور - شبه جزيرة سيناء، منظرها ونباتاتها، إمكانيات إعالتها لشعب، عيون موسى - مسيرة ثلاثة أيام إلى ماره - طريق عيلام إلى برية سين - تذمر إسرائيل - توفير إمداد إعجازي للسلوى - المن (خر 15: 22 - 16: 36)

 

التيه في البرية

الفصل الثامن

برية شور - شبه جزيرة سيناء، منظرها ونباتاتها، إمكانيات إعالتها لشعب، عيون موسى - مسيرة ثلاثة أيام إلى ماره - طريق عيلام إلى برية سين - تذمر إسرائيل - توفير إمداد إعجازي للسلوى - المن (خر 15: 22 - 16: 36)

 

مع أنشودة الانتصار على الجانب الآخر من البحر الأحمر، ينتهي الجزء الأول من سفر الخروج. لقد صارت إسرائيل الآن أمة. الله صنعها هكذا بخلاص مضاعف. فهو إن جاز القول خلقها لنفسه. يتبقى فقط أن هذا الشعب المولود حديثًا لله يتم تكريسه له على الجبل. والجزء الثاني من سفر الخروج يصف رحلتهم في برية سيناء وتكريسهم لله هناك. وفي هذا ما يمكن أن يفيدنا أيضًا كنموذج للسماويات في اجتيازنا عبر البرية إلى الجبل. 

عندما تطلع بني إسرائيل في نور الصباح عبر البحر الذي بات الآن هادئًا، والذي فيه أهلك الرب مؤخرًا متعقبي شعبه، يلزم أن خطرهم السابق بدا أعظم عما قبل(122). فعبر ذلك الممر الضيق، الطريق العملي الوحيد، تبعهم أعداؤهم وساروا وراءهم.

يقينًا كان البحر هو طريق الأمان الوحيد لهم، وفي ذلك البحر هم اعتمدوا لموسى ولإله موسى. والآن عندما اتجهوا نحو البرية، هناك بدا أنه يقف أمامهم وعلى كل امتداد أفق رؤيتهم في الشرق والشمال، محيط منخفض من تلال من أحجار الجير المكشوفة على حدود المنظر الماثل أمامهم وقائمة مثل سور أو حائط. بناء على ذلك دعوا هذه البرية برية شور أو برية السور (خر 15: 22). هذه إذًا كانت البرية، جديدة وحرة ولا نزاع عليها! لكنها كانت أيضًا "قفر عظيم ومخوف" مملوءة بالرعب والخطر والصعاب (تث 8: 15؛ 32: 10)، كان عليهم أن يجتازوها الآن.

فتحت ظل كتل تلك القمم الصخرية، على طول قيعان وديان السيول الجافة التي تتقاطع معها، عبر السكون المتواصل لذلك المشهد والذي يتميز بالجلال وبكونه موحش وقفر، شقوا طريقهم. إنه طريق متناسب ويليق للوصول إلى هيكل ومعبد كسيناء! لكن يا للفرق الهائل في كل ما حولهم مع مصر التي تركوها منذ سويعات قليلة فقط!

عندما نتفكر في الصحراء التي جاز فيها بني إسرائيل، يلزم ألا نصورها لأنفسنا على أنها منطقة واسعة ومنبسطة ورملية غير قابلة بالمرة لأن تُزرع. فتلك المنطقة من الأرض والتي تحمل اسم شبه جزيرة سيناء، تمتد ما بين خليج السويس إلى الغرب وخليج العقبة (أو الخليج الفارسي) إلى الشرق. وشكلها كشكل قلب، الجزء الأعرض يقع تجاه فلسطين، بينما الأضيق أو قمتها تمتد جنوبًا نحو البحر. وهي عمليًا تتكون من ثلاث مناطق متميزة. الشمالي منها يُدعى برية التيه أو "برية الضلال" وهي أرض كمنضدة مفروشة بالحصى، واللون السائد فيها هو لون حجر الجير الرمادي. والمنطقة التي تليها حزام عريض من الحجر الرملي والرمل الأصفر، الوحيد في صحراء الخروج. إلى الجنوب منها في قمة شبه الجزيرة تقع سلسلة الجبال السينائية الحقيقية. وهذا الجزء يحمل اسم الطور، ويتكون في الشمال أساسًا من الحجر الرملي الأحمر، وفي الوسط من الجرانيت الأحمر والرخام الأخضر. والصفة الغالبة للمنظر الرائع هي لكتلة غير منتظمة الشكل لجبال مجموعة بشكل عشوائي لا منظر ولا ترتيب له.

أعلى قمة جبل فيها تصل إلى تسعة آلاف قدم. بين هذه ما يبدو أو هو فعلًا هكذا، قيعان وديان ممتلئة بالماء ربما لفترة قصيرة في الشتاء، لكنها بصفة عامة جافة تمامًا. هذه تُدعى الوديان وهي تشكل الطريق العام عبر البرية. هنا وهناك حيث إما عين ماء حي توجد أو السيل يترك بصماته وأثره، أو حيث يد الإنسان تعمل، توجد مساحات مزروعة جميلة وخصبة، وينبت شجر النخيل بل وحقول وبساتين وأراضى رعي دسمة. لكن بصفة عمومية جوانب الجبل الصخرية خالية من كل خضرة، ولونها اللامع يعطي المنظر سحره المميز.

St-Takla.org Image: The Israelites gather Manna (Exodus 16:14-18): Moses standing in the middle, at the sides four men collecting Manna. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 82) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: بني إسرائيل يجمعون المن (الخروج 16: 14-18).: موسى يقف في الوسط، وبجانبيه أربعة رجال يجمعون المن. - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 82)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: The Israelites gather Manna (Exodus 16:14-18): Moses standing in the middle, at the sides four men collecting Manna. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 82) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بني إسرائيل يجمعون المن (الخروج 16: 14-18).: موسى يقف في الوسط، وبجانبيه أربعة رجال يجمعون المن. - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 82)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

الخلفية السائدة هي للون الأحمر والأخضر، لكن هذا يتنوع بما يبدو نهيرات أرجوانية ووردية أو قرمزية اللون تنزل متدفقة من جانب الجبل، بينما في بعض الأحيان خضار الرخام يتحول إلى السواد الغامق. فوق كل هذا يسود صمت متواصل حتى أن الصوت يُسمع في الهواء النقي من مسافات بعيدة جدًا.

بجانب البقع المزروعة والخصبة المذكورة سابقًا وزهور الصخر بالغة الصغر والأعشاب العطرية، تتكون الحياة النباتية في البرية أساسًا من نبات الكَبَر، زوفا الكتاب المقدس، والذي ينشأ من شقوق الصخور ويتدلى في أشرطة مبهجة، الشوك نوع من السنط (الصمغ العربي)، ونوع آخر لنفس الشجرة، خشب شطيم الكتاب، والذي منه عُمل الإطار العام لخيمة الاجتماع، الرتم الأبيض أو صنوبر الكتاب، شجر الطرفاء tamarisk الذي في مواسم معينة من السنة ينتج المن الطبيعي.

هذا يقودنا للقول أنه كان من الخطأ الافتراض أن البرية لم تقدم على الإطلاق سند ومئونة لمن يسكنون فيها. بل الآن هي تعول حشود كبيرة من الناس ويوجد دليل دامغ أنه قبل الإهمال والتخريب الذي أوصلها إلى حالتها الراهنة، كان يمكنها بل هي بالفعل عالت عدد كبير جدًا من الناس. كان يوجد على الدوام مجموعات مصرية تعمل في مناجمها الكبيرة للنحاس والحديد والفيروز، وأولئك المقيمين بصفة دائمة هناك سيبحثون بجدية عن ينابيعها وبقعها المزروعة.

بل ولن يجد الإسرائيليون صعوبة أكثر من البدوي الحديث في أن يعولوا قطعانهم الكبيرة العدد في البرية. وهذه القطعان ستمدهم أيضًا باللبن والجبن وأحيانًا باللحوم. ونحن عرفنا من الكتاب المقدس أنه في فترة متأخرة كان الإسرائيليون مستعدين لأن يشتروا طعامًا وماء من الأدوميين (تث 2: 6)، بل وربما هم اشتروها من قوافل مجتازة أيضًا.

كذلك يمكننا أن نستدل من فقرات مثل (لا 8: 2، 26، 31؛ 9: 4؛ 10: 12؛ 24: 5؛ عد 7: 13) وغيرها، أنه يلزم أنه كان لديهم زاد ومئونة من الدقيق، إما أنهم اشتروه أو نتاج زرعهم وحصادهم أثناء مكوثهم طويلًا في بعض المناطق، مثلما يفعل البدوي الحديث الذي لا يزال يزرع ما تكون التربة مناسبة له.

هذه كانت البرية التي كان بني إسرائيل داخلين إليها الآن. وأثناء فترة الأربعين سنة التي كان فيها موسى يرعى غنم حميه يثرون، يلزم أن وديانها وهضابها ومراعيها وصخورها صارت معروفة جيدًا بالنسبة له. بل ولا يمكن للإسرائيليين أنفسهم أن يكونوا جاهلين بها تمامًا لو نضع في اعتبارنا الارتباط الدائم بين مصر والبرية.

لذلك نحن نميل بالأكثر للثقة بأولئك المستكشفين الذين حاولوا التيقن مما يمكن أن يكون الطريق الأكثر احتمالًا الذي سار فيه بني إسرائيل. لقد جُعل هذا العمل مؤخرًا موضوع بحث لعلماء أكفاء ومؤهلين تمامًا لهذه المهمة. وفي الواقع عُمل مسح مهني حرفي لصحراء سيناء(123). والنتيجة هي أن أغلب محطات رحلة بني إسرائيل تم التيقن منها، بينما من جهة البقية، يوجد ترجيح كبير لرأي مجموعة الاستكشاف هذه.

أول موضع عسكروا فيه كان بدون شك عيون موسى والتي تبعد نصف ساعة عن شاطئ البحر. وحتى الآن اهتمام القناصل الأجانب جعل هذا الموضع واحة خضراء ومنعشة يلجئون إليها في الصيف. أحد الرحالة حسب مؤخرًا عدد العيون هناك بتعسة عشر، ومجموعة أشجار النخيل هناك تقدم ظل مبهج. يوجد برهان أنه في زمن موسى كانت المنطقة محل اهتمام زراعي أكثر من الآن، وموارد المياه فيها كانت محل رعاية أفضل.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

بل ولا يوجد شك من جهة المحطة التالية في رحلة بني إسرائيل في البرية. تقارير الرحالة تتفق تمامًا مع رواية الكتاب المقدس. مسيرة ثلاثة أيام على أرضية من الحصى عبر وديان الصحراء، وفي النهاية بين تلال الحجر الجيري البيضاء والسوداء المكشوفة، بدون وجود شيء يُريح العين سوى على البعد "شور" أو سور الجبل الصخري الذي يعطي اسمه للبرية "برية شور" ستصل محطة الجموع المتعبة والخائرة إلى منطقة الهوارة Hawwarah الحديثة أو "مارة" الكتاب المقدس.

ما هو أسوأ من التعب والكآبة بدأ يشد عليهم ويضايقهم، لأنهم ابتدئوا يعانون من الاحتياج إلى الماء. فلمدة ثلاثة أيام لم يعبروا على أي عين مياه، ويلزم أن ما لديهم من مخزون يكاد يكون قد نفذ. وعندما وصلوا إلى هوارة وجدوا فعلًا بركة مياه، ولكن من حيث أن التربة كلها مشبعة بالنطرون (نترات الصوديوم)، كانت المياه مرة وغير صالحة للاستخدام.

وعن حق يلاحظ أحد المشاهير أنه عندما تنفذ مئونتنا، يعتاد إيماننا على النفاذ. وقد كان الأمر هكذا هنا. هنا بدت الظروف ميئوسًا منها. فعين هوارة لا تزال معتبرة بكونها الأسوأ في كل الطريق إلى سيناء، ولم يُقترح أبدًا ما يجعل مياهها صالحة للشرب.

 لكن الله أسكت تذمر الشعب ولبى احتياجهم بتدخل عجائبي. أشار الله لموسى على شجرة كان له أن يطرحها في المياه فصارت عذبة. هل كانت الشجرة هي الشجيرة الشوكية التي كانت تنمو بوفرة في الهوارة أم لا، فهذا أمر قليل الأهمية. فالمعونة جاءت من السماء مباشرة والدرس كان مضاعفًا.

"هُنَاكَ وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً وَحُكْمًا وَهُنَاكَ امْتَحَنَه" (خر 15: 25)

الفريضة أو المبدأ، والحكم أو الجهاد، كان هذا أنه في كل أوقات الاحتياج وما يبدو مستحيلًا، فإن الرب سوف يرسل الخلاص مباشرة من فوق، وأن بني إسرائيل يمكنهم أن يتوقعوا هذا أثناء رحلتهم في البرية. هذه الفريضة هي لكل الأوقات، مبدأ هداية وإرشاد الله، وهذا الحكم هو حق أو امتياز مواطنتنا السماوية. لكنه أيضًا على الدوام يمتحننا بهذا، أن الاستمتاع بحقنا وامتيازنا جُعل معتمدًا على ممارسة وتفعيل مستمر لإيماننا.

من الهوارة أو "مارة" مسيرة قصيرة ستأتي ببني إسرائيل إلى بقعة خصبة وعذبة، معروفة الآن باسم وادي الغرانديل أو "إيليم" الكتاب: "ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ عِنْدَ الْمَاءِ" (خر 15: 27). كانت هذه البقعة مناسبة للإقامة فيها لفترة أطول.

نحن في الواقع نجد أنه مر شهر قبل أن يصلوا إلى محطتهم التالية في برية سين (خر 16: 1). وإلى الآن هذا الوادي يرويه جدول مياه طوال السنة وله مرعى خصب للماشية وبه كثير من الأشجار والشجيرات. هنا وفي المنطقة المجاورة ستجد القطعان غذاء جيد لها والشعب يأخذ قسط من الراحة.

وإذ غادروا إيليم تغيرت خلفية المشهد. فبدلًا من وديان الرمل المستوية الموحشة التي جازوا فيها إلى الآن، نحن الآن ندخل بين الجبال واللون الأخضر الفاتح لنبات الكبَرَ يشكل تضاد رائع مع الحجر الرملي الأحمر الذي للصخور. إلى الآن كان طريق بني إسرائيل متجه نحو الجنوب مباشرة، وفي متابعة الاتجاه نحو الجنوب كان يلف -التيه وبالقرب من إيليم على التوالي- حزام من الرمل. أما الآن كان لبني إسرائيل أن يدخلوا سلسلة جبال سيناء ذاتها.

من (عد 33: 10)، نعرف أنه من إيليم، جاءت بهم رحلتهم أولًا مرة ثانية إلى شاطئ بحر سوف. الطريق الذي سوف يتبعوه سيكون من وادي الغرانديل عبر وادي طَيبة Wady Taiyebeh في اتجاه جنوب غربي. هنا الحجر الرملي مرة ثانية يفسح المجال للتلال الطباشيرية والصخور. حيث الطريق ينزل إلى البحر (رأس أبو زنيمة)، سيلمس (المرء) من المحتمل أكثر موضع مسطح موحش ومهجور في كل البرية. هذه البقعة كانت المحطة التالية لبني إسرائيل بعد إيليم.

من شاطئ البحر الأحمر، محطة التوقف التالية جاءت بهم إلى برية سين ذاتها (عد 33: 11). وذلك الاسم يُطبق على كل الوادي الرملي الممتد والذي يجري طوال شاطئ البحر الأحمر، من موضع إقامة بني إسرائيل إلى الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء(124). وعند مغادرة برية سين (عد 33: 12-14)، نقرأ عن محطتين دفقة وألوش، قبل أن يصل بني إسرائيل إلى رفيديم. برية سين، الاسم الحديث لها المرخه El Markha هي منطقة موحشة وكئيبة تشتق اسمها من ضلع طويل من التلال الطباشيرية البيضاء.

في هذا الصحراء القاسية، فإن المئونة التي أحضرها بني إسرائيل معهم من مصر ودامت لمدة شهر ابتدأت في النفاذ. خلفهم، فوق سلسلة المنحدرات الطباشيرية سوف يرون على البعد سلسلة أرجوانية لتلك الجبال الجرانيتية التي تشكل مجموعة جبال سيناء. إلى الغرب يقع البحر وعبره في الضباب المعتم يكادوا يتبينوا عن بعد مصر الغنية والخصبة التي تركوها إلى الأبد.

مرة أخرى تفجر عدم إيمانهم. نعم نشأ تذمرهم ضد موسى فقط، لكنه في الحقيقة كان عصيانًا على الله. ولإظهار هذا وفيما يختص به: "لكي يمتحنهم، أيسلكون في ناموس الله أم لا" (خر 16: 4)، أي لو يتبعوه تمامًا، يعتمدوا عليه ويأخذوا هذه المئونة كما يرسلها وتحت الظروف التي بها يوزعها ويهبها، سيتكفل الله الآن مدهم باحتياجاتهم بطريقة عجائبية.

سيُعطى لهم الخبز واللحم، كليهما يُرسلان من الله مباشرة، لكن تم إعطاء كليهما بحيث ولو أن عدم الإيمان لا مبرر له، لكن لا يزال أمرًا واردًا. ولكي يُظهر بوضوح أكثر أن هذه التعاملات من الرب، تم أمرهم أن يتقدموا إلى الرب، ويعاينوا مجد الرب كما يظهر في السحاب (خر 16: 9-10). ذلك الظهور ينبغي له أن يمنع تذمرهم أو بالأحرى يحوله إلى صلاة وتسبيح.

وهكذا على الدوام يكون أنه قبل أن يمدنا الله باحتياجاتنا، يُرينا أن حضوره كان قريبًا ويستعلن مجده. ذلك الحضور في حد ذاته كافي، لأنه لا يوجد خير يعوز من يثقوا به ويتكلوا عليه.

وعندما تجمعت خيوط المساء حول المحلة صار الجو مظلمًا، سرب غير عادي من طيور السلوى -إذ كان ذلك هو موسم اجتيازها من مناطق الشمال الباردة إلى المناطق الأدفئ في الداخل- كان فوق المحلة. لم يكن حدث غير عادي أنه عندما تتعب الطيور من السفر الطويل تهبط على الأرض لتستريح، بحيث يمكن ضربها بالعصي أو حتى مسكها باليد. لكن الصفة العجائبية تتكون بالأساس في عددها غير العادي ووصولها في الوقت المناسب والظروف الخاصة التي في ظلها جاءت طيور السلوى.

لكن عجيبة أكثر كانت لا تزال تنتظرهم في الصباح. أثناء اجتيازهم وادي غرنديل، ربما لاحظوا ذلك أن شجر الطرفاء عندما تثقبه حشرة صغيرة يفرز نقط من مادة بيضاء ولذيذة بطعم العسل والتي تذوب في الشمس. كان هذا المن الطبيعي (ربما يكون اسم المن مُشتق من اللغة المصرية) والذي في أماكن معينة يوجد من منتصف مايو إلى نهاية شهر يوليو. لكن:

[هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟. هل يمكنه أن يأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ وَيفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَات؟ هل يمكنه أن يمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ؟ إن ذاك سيكون فعلًا بمثابة َبُرَّ (حنطة) السَّمَاءِ! حقًا كان هذا خُبْزَ الْمَلاَئِكَة، مئونة من الله مباشرة، خُبْزَ السَّمَاء!" (مز 78: 19-27؛ 105: 40) ]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

هذا فعله الرب وفعل أكثر منه. فعند المساء جعل ريح شرقية تهب في السماء، وبقوته أحضر ريح الجنوب، فأمطر عليهم أيضًا لحمًا كالتراب من الكثرة وطيور مثل رمل البحر، حتى أنه لَمَّا ارْتَفَعَ سَقِيطُ النَّدَى إِذَا عَلَى وَجْهِ الْبَرِّيَّةِ شَيْءٌ دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ. دَقِيقٌ كَالْجَلِيدِ عَلَى الأَرْضِ. وَهُوَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ أَبْيَضُ وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ (خر 16: 14، 31). فقال بنو إسرائيل إنه مَنْ Manna! ما هو؟ لقد كان مَنْ ولكنه أيضًا ليس مَنْ، فلم يكن المن الذي تنتجه البرية، ولكنه من بعض الأوجه يشبهه، لقد كان مَنْ من السماء، الخبز الذي أعطاه الله لهم ليأكلوه.

لذلك هو يذكّرنا بحالنا الراهن. نحن في البرية لكن لسنا من البرية، مئونتنا مثل طعام البرية، لكنه ليس مَنْ البرية، بل فوق كل شيء آخر هو مُرسل لنا من الله مباشرة.

يقينًا يلزم أن دروس كهذه كان لإسرائيل أن تتعلمها، ونحن إلى هذا اليوم مدعوين لتعلمها. فذات التشابه في بعض النقاط بين المن الطبيعي والمن المرُسل من السماء سيوحي بحقيقة. لكن الاختلاف بينهما كان أيضًا أعظم وأكثر اتقانًا من الشبه بينهما. ليته لا يوجد أي مجال للخطأ حول هذه النقطة.

بنو إسرائيل لم يختلط الأمر عليهم مطلقًا الفرق بين المن الطبيعي والمُرسل من السماء. فالمن الطبيعي لا يُرى سوف في مناطق قليلة في البرية وفقط في مواسم معينة وفي الأغلب على مدار ثلاثة أشهر فقط، ويحدث نتيجة ثقب حشرة صغيرة لشجر الطرفاء، ولا يشبه مطلقًا بزر الكزبرة، بل وغير قابل للطبخ أو السلق (خر 16: 23)، وأكبر إنتاج له على مدى كل السنة في شبه جزيرة سيناء سبعمائة رطل (الرطل حوالي 453 جرام)، ولذلك لن تكفي لأن تطعم بني إسرائيل ولو ليوم واحد، فكم بالأولى لن تكفيهم كل المواسم وأثناء كل سنوات التيه!

وهكذا بطريقة ما لا يزال الأمر يسري على زاد المؤمن. فحتى الخبز اليومي الذي به تُقات أجسادنا، والذي لأجله ينبغي أن نصلي، هو إن جاز القول، مَنْ مُرسل لنا من السماء مباشرة. لكن مئونتنا تبدو للملاحظ السطحي كما في أوجه كثيرة جدًا مثل المن العادي، حتى أننا عرضة لأن نخطئه، وأنه حتى نحن أنفسنا في عدم إيماننا كثيرًا جدًا ما ننسى التوزيع اليومي (لله) the daily dispensation لخبزنا من السماء.

توجد أيضًا نقطة أخرى فيها المدد العجائبي للمن استمرت مع إسرائيل طوال رحلتهم في البرية عبر الأربعين سنة، تشبه المدد الذي قصد الله أن يعطيه لنا. فالمن تم توزيعه بحيث: "لَمْ يُفْضِلِ الْمُكْثِرُ وَالْمُقَلِّلُ لَمْ يُنْقِصْ. كَانُوا قَدِ الْتَقَطُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِه" (خر 16: 18). 

لأجل هذا لاحظ القصد الحقيقي لعطاء الله لنا، أيًا كان التفسير الذي نتبناه للعدد الذي اقتبسناه سابقًا، سواء اعتبرناه يصف النتيجة النهائية لعمل كل واحد، أيًا مهما كان كثيرًا أو قليلًا العمل الذي جمعه، فقد وُجد عند ميزانه أنه كافي بالضبط لأعوازه، أو فهمناه أنه يعني أن كل ما جمعوه طرحوه في المخزن العام، وأن كل واحد أخذ منه ما يحتاجه.

 

بتدبيرين آخرين قدس الله هبته اليومية:

أولًا: المن لم ينزل في يوم السبت. ما تم التعب في جمعه في اليوم السابق وفر ما يكفي لسد أعواز يوم الراحة المقدسة لله. لكن في الأيام العادية تعب جمع الخبز الذي أرسله الله لا يمكن الاستغناء عنه بالحفظ. فما حُفظ من يوم ليوم آخر يتولد فيه دود وينتن (خر 16: 20). لم يكن الأمر هكذا في يوم الرب. هذا أيضًا كان له أن يكون فريضة وحكم للإيمان، أي مبدأ عطاء الله وقانون لأخذهم.

ثانيًا: ملء العُمر من المن، كان له أن يوضع أمام الرب في قسط ذهبي، مع عصا هارون التي أفرخت ولوحي العهد، ووضعوا بعد ذلك في قدس الأقداس داخل تابوت العهد الذي ظلله كروبا المجد (عب 9: 4).

هكذا على السواء في نزول الخبز من السماء كالمطر وفي فريضة جمعه وفي شريعة السبت لاستخدامه المقدس، امتحن الله إسرائيل، مثلما هو يمتحنا الآن، إن كنا سوف نسلك في ناموسه أم لا (خر 16: 4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(122) هذه العبارة غامضة ويبدو أن المقصود منها أنهم نعم شعروا بالخطر عندما رأوا فرعون وجنوده وصلوا إليهم، لكن إذ رأوا جنود المصريين بأسلحتهم ومركباتهم غرقى أمامهم أدركوا كم أن الخطر الذي كان يتربص بهم أشد هولًا مما تخيلوا.

(123) لقد شُكلت كتيبة مسح شامل تحت توجيه السير هنري جيمس من المهندسين الملكيين والكابتن ولسون وبالمر من المهندسين الملكيين وأربع صف ضباط صف من المهندسين الملكيين والأب الموقر و. هولند والسيدين وايات وبالمر. وقد نُشرت النتائج في مجلد رائع مُزود بصور وخرائط، ومقدمة رائعة كتبها كانون وليم.

(124) من وادي غرنديل يوجد طريقان يؤديان إلى سيناء، طريق علوي وطريق سفلي. كل من هذين الطريقين تم تحديدهما بكفاءة وعلم بكون بني إسرائيل ساروا فيهما. لكن بعد بحث كثير ودرس مجتهد وصلنا إلى النتيجة أن ميزان الأدلة في صالح الطريق السفلي بطريقة جازمة، والذي بناء عليه تم وصفه في النص. وهذه النتيجة أيضًا تبناها بإجماع الآراء كتيبة المسح العلمي والتي فحصت الموضوع على الطبيعة. فهو مهم لتحديد موقع رفيديم.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/wilderness-sinai-quail-manna.html

تقصير الرابط:
tak.la/czk6trw