St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

6- الفصل السادس: موسى وهارون سلّما رسالتهما لفرعون ليزيد من ظلمه لإسرائيل - إحباط موسى - هارون يُظهر آية - رؤية هامة وتحليل لكل واحدة من الضربات العشر (خر 5: 1 - 12: 30)

 

الفصل السادس(101)

موسى وهارون سلّما رسالتهما لفرعون ليزيد من ظلمه لإسرائيل - إحباط موسى - هارون يُظهر آية - رؤية هامة وتحليل لكل واحدة من الضربات العشر (خر 5: 1 - 12: 30)

 

كانت التجربة المرتقبة على وشك أن تحل. لقد استغل الله وقاحة فرعون الذي قاس قوته بتلك التي لله الحي وعمل على تثبيت حقيقتين لكل العصور ولكل البشرية. أمام مصر (خر 7: 5)، وأمام إسرائيل (خر 10: 2)، كان واضحًا أن الرب هو الإله الحي والحقيقي وحده، الأقوى جدًا من كل البشر والآلهة (خر 9: 14). كانت هذه أحد أوجه الأحكام التي كان لها أن تنصب على مصر (رو 9: 17). والوجه الآخر أنه كان إله أمين للعهد، إله تذكر وعوده وسوف يخرج شعبه بذراع ممدودة وأحكام عظيمة، ليتخذهم لنفسه شعبًا وليكون لهم إلهًا (خر 6: 1 -8).

هذه هي الحقائق الأبدية التي تكمن وراء تاريخ خلاص إسرائيل من مصر. كيف فهمها إسرائيل وعلّموها لبنيهم، يظهر من فقرات كتابية كثيرة وبالأخص من (مز 78؛ 105). بل وتطبيقها لا يقل تناسبًا وأهلية لاحتياجاتنا. فهي تعرض على السواء الناموس والإنجيل، صرامة وصلاح الله، ويمكن تلخيصها في ذلك الإعلان العظيم لكل العالم: "الرب قد ملك" (مز 99: 1).

الرواية المقدسة هنا تتكون من شقين، الأول إعدادي، بقدر ما يختص بكل الأطراف في هذا التاريخ، فرعون وإسرائيل وموسى، والثاني يصف الآيات المتتابعة التي بها أظهر الرب نفسه وقوته وبها أنجز كل من خلاص إسرائيل وأحكام قصاصه على فرعون ومصر. وهنا سوف نلاحظ النمو المضطرد، خارجيًا في سمة الضربات التي أرسلها الله، وداخليًا في تأثيرها على فرعون وشعبه.

مرتين قبل أن تذل الضربات كبرياء مصر، كان لموسى وهارون أن يظهرا أمام فرعون مرة برسالة بسيطة (خر 5: 1-5)، في المرة الثانية برسالة وعلامة تشهد لإرساليتهما (خر 6: 10-13؛ 7: 8-13). وفي هذا أيضًا نلاحظ تنازل الله ولطفه. لو أمكن للملك أن يقول في المقابلة الأولى «مَنْ هُوَ الرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لاَ أَعْرِفُ الرَّبَّ وَإِسْرَائِيلَ لاَ أُطْلِقُهُ» (خر 5: 2)، يصير من المستحيل التذرع بهذه الحجة، عندما بناء على تحد الملك بطلب عمل عجيبة، تتحول عصا هارون إلى ثعبان (خر 7: 9).

هذا برهن بما لا يدع مجالًا للشك أن الرب كان الله وأنه قد أوكل عبديه حيث أنهما استخدما قوته وقدرته. السؤال الوحيد الذي لا يزال يتبقى كان هل الآلهة التي كان فرعون يعبدها معادلة للرب. لأجل هذا الغرض جمع الملك سحرته، الذين بطريقة ما قلدوا معجزة هارون. لكن بالرغم من ذلك فإن ضعف ونقص قوتهم تبرهن عندما "عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُم" (خر 7: 12).

هذا يقينًا -مع أخذنا في الاعتبار اعترافهم بصنع المعجزة- كان ينبغي أن يكون كافيًا ليشير إلى فرعون أن "الرب هو الله" لو أن قساوة قلبه اقتنعت بمثل هذا الدليل. لكن من حيث أنه بين أول وثاني مقابلة لموسى وهارون مع فرعون حدثت أمور هامة، يمكننا أن نسجلها باختصار مرة ثانية بحسب ترتيبها.

بعد أول مقابلة والتي فيها قام موسى وهارون ببساطة بتسليمه الأمر الإلهي، فإن فرعون الذي تعلل بجهله بالرب (أي بألوهيته ومطالبه)، اعتبر مطلب موسى مجرد ادعاء باطل للحصول على سلسلة من أيام العطلات للشعب. كان طلبه "كلام الكذب" (خر 5: 9)، "إبطال الشعب عن عمله" (خر 5: 4). ومن حيث أن "شعب الأرض -أي الإسرائيليين- كثير، فجعلهم يستريحون من أثقالهم (خر 5: 5)، سوف يشكل خطر عظيم على الملك.

ومن أجل منع أن يكون لهم الوقت أو الميل للإصغاء لمثل هذه الاقتراحات، أمر الملك أنه بينما تبقى كمية الشغل المطلوبة قديمًا كما هي، فإن التبن المطلوب لصنع طوب اللبن، الطوب الذي يجف بأشعة الشمس (ونجده في آثار مصر) لا ينبغي مدهم به بعد.

وبالطبع الوقت المطلوب لجمع القش عوضًا عن التبن، منعهم من إكمال فريضتهم اليومية، فوقعت العقوبة على مدبري بني إسرائيل، أي الكتبة الذين أقامهم مسخري مصر ليشرفوا على العمل واعتبروهم مسئولين عن النقص. واستنجادهم بفرعون فقط شرح سبب زيادة شدته وصرامته، ومدبرو الشعب الذين اعترفوا مؤخرًا بأن الله افتقدهم (خر 4: 31)، وإذ لم يروا ذلك الافتقاد بل بالعكس رأوا على ما يظهر العكس، تجاسروا في عدم إيمانهم للاستنجاد إلى الرب ضد موسى وهارون: "ينظر الرب إليكما ويقضي!" (خر 5: 21). نتائج الإيمان الذي جاء بسماع الأذن فقط استسلم بمنتهى السرعة أمام المثبطات.

أما بالنسبة لموسى فإن ساعة أشد تجربة له قد جاءت الآن. مع كلمات شكوى بني إسرائيل، مضى موسى مباشرة إلى الرب، لكن كما يعلّق القديس أُغسطينوس، ليس بلغة العصيان أو الغضب بل للسؤال والصلاة. وعن سؤاله: "يَا سَيِّدُ لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ؟" (خر 5: 22) -مثلما هو الحال كثيرًا لتساؤلاتنا من جهة لماذا يا رب عملت كذا وكذا- لا يجيب الرب بأي نوع من الردود. «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يو 13: 7).

St-Takla.org Image: Plague of Blood: Moses turns the Nile to blood in the presence of Pharaoh. In the background Pharaoh’s magicians do the same: (Exodus 7) - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: ضربة الدم: حول موسى النيل إلى دم أمام فرعون. وفي الخلفية، يفعل سحرة فرعون الشيء نفسه: (الخروج 7) - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Plague of Blood: Moses turns the Nile to blood in the presence of Pharaoh. In the background Pharaoh’s magicians do the same: (Exodus 7) - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: ضربة الدم: حول موسى النيل إلى دم أمام فرعون. وفي الخلفية، يفعل سحرة فرعون الشيء نفسه: (الخروج 7) - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

في الواقع بالنسبة لنا الاحتياج لجعل نير مصر يثير السخط بأكبر قدر ممكن يبدو أنه واضح الآن، عندما نتذكر كيف أن قلب الشعب تعلق بقدور لحم مصر، حتى بعد تذوقهم المن السماوي (عد11)، بل ويوجد احتياج أسمى لهذا، حيث أنه كلما تدنت وانحطت حالة إسرائيل وكلما زاد طغيان فرعون وظلمه، كلما بات انتصار الرب أكثر مجدًا، وظهور ضعف عدوه بكمال أكثر.

لكن بالنسبة لموسى هذا التساؤل أثار مرة أخرى في نوبة الكآبة هذه، مسألة أهليته للعمل الذي باشره. لأنه عندما لا يمكن للشيطان المقاومة بخلاف هذا، فإنه يُنهض فينا شكوك عدم الإيمان من جهة استعدادنا أو دعوتنا للعمل. والتوجيه الذي تلقاه موسى الآن من الله ينطبق بالأساس لكل الحالات المشابهة. فهو توجيه نقل تأكيد جديد أن الله يقينًا سوف يحقق مقصده، وأعطى استعلان أتم لشخصه كالرب، بالوعود الخاصة الذي تضمنها هذا التوجيه (خر 6: 2-8)، وجدد تفويض موسى لمباشرة عمله، مصحوبًا بتشجيعات وتطمينات تناسب ظروفه.

نقطة واحدة تتطلب منا انتباه خاص، ليس فقط من أجل الصعاب التي تقدمها للقارئ العادي بل أيضًا لأن دروسها ثمينة جدًا.

عندما -بناء على السبب المُشار إليه منذ قليل- قال الله لموسى: "«أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ" (خر 6: 2-3)، لا يمكن بالطبع أن يعني أن رؤساء الآباء كانوا يجهلون التسمية الخاصة "يهوه - الرب" إذ كثيرًا ما نراه يتردد في سيرتهم(102). ومن أجل فهم صحيح لهذه الفقرة، يلزمنا أن نضع في اعتبارنا معنى كلمة اسم كما تُطبق على الله وذلك في اللفظ "يهوه".

بعبارة "اسم الله" بالطبع نحن لنا أن نفهم ليس مجرد تسمية أو لقب لله، بل ما يجعل به نفسه معروفًا للإنسان. والكتاب يعلّمنا أننا نعرف الله فقط بالقدر الذي يُظهر أو يستعلن نفسه. من ثمَّ فإن الاسم الخاص لله يعلن الطريقة الخاصة التي بها يظهر نفسه، أو بتعبير آخر يظهر شخصيته أو تعاملاته في ذلك الوقت.

والآن صفة تعاملات الله -ولذلك يكون اسمه- كان بدون شك في زمن رؤساء الآباء إيل شداي، أي الإله القادر على كل شيء (تك 17: 1؛ 35: 11؛ 48: 3). لكن ظهوره كيهوه -التعاملات التي بها، في نظر كل الناس، جعل نفسه معروفًا هكذا- لا تنتمي لمرحلة رؤساء الآباء بل لمرحلة متأخرة عنها. لأن تعبير "يهوه" يعني حرفيًا "الذي يكون" وهو تعبير يتفق مع التفسير الذي أعطاه الله بنفسه: "أهيه الذي أهيه" أي "أكون الذي أكون" (خر 3: 14).

وكما اُستخدمت هنا، تعبير "أن يكون" (الكينونة)، لا تشير إلى الطبيعة الأساسية لله، بل لعلاقته بالإنسان وصلته به. ففي تلك العلاقة، أظهر الله نفسه وهو بات معروفًا باسم يهوه، بكونه: "هو يكون ما يكونه" وبكلمات أخرى هو غير المتغير - عندما بعد قرون من الصمت وبعد أن صار حال إسرائيل في مصر ميئوس منها، أظهر أنه لم ينس وعده الذي أعطاه للآباء، وأنه طوال ذلك الوقت كان يعد العدة لإتمامه، وأنه لا مقاومة فرعون ولا جبروت مصر يمكنها تقييد يده ومنعها من العمل. وإذ نراه في هذا الضوء، يصير التمييز بين الظهور الأولي لإيل شداي (الإله القادر على كل شيء) لرؤساء الآباء، ومعرفة يهوه الممنوحة لبني إسرائيل واضحة ومؤكدة.

لكن لنرجع إلى موضوعنا. أول مقابلة لموسى مع فرعون عملت على تحديد علاقة كل الأطراف من جهة الأمر الإلهي. فقد أظهرت إلى النور عداوة فرعون وكونه بات ثمرة ناضجة للقصاص، وبيّنت عدم إيمان إسرائيل واحتياجه لكثير تأديب وتهذيب، بل وأظهرت ضعف موسى.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

هناك عند بداية عمله، حتى الرب يسوع عند بدء خدمته، جرّبه المقاوم وغلبه السيد المسيح بكلمة الله. لكن كم عظيمًا في هذا أيضًا الفرق بين الرمز والمرموز إليه!

ولكن مع صعوبة الحرب ضدهما، فإن موسى وهارون ربحا المعركة وواجها ملك مصر لمرة ثانية. وفي هذه المناسبة عندما تحدى فرعون هارون، برهن جهاده أنه يتكلم باسم الله. فهو طرح عصاه وصارت ثعبانًا، ومع أن سحرة مصر فعلوا نفس الشيء بسحرهم، لكن تفوق هارون عليهم ظهر في كون: "عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُم" (خر 7: 12).

وهنا بدون الدخول في السؤال العام المختص بالسحر والسحرة قبل مجيء الرب يسوع أو عن القدرة التي يمكن أن يستخدمها إبليس وعملائه على الأرض قبل أن يخضع مخلّصنا سطوته ويسبي سبيًا، لم يكن هناك فعليًا شيء مما عمله السحرة المصريين لا يعمله المشعوذين الشرقيين إلى هذا اليوم. أن تجعل الثعبان عصا وأن يبدو كما عصا ثم فجأة نرجعه مرة ثانية إلى الحياة، هي من بين أكثر الحيل شيوعًا والتي يعاينها المارة.

ويذكر القديس بولس الرسول اسمي ينيس ويمبريس ضمن من قاوموا موسى (2تي 3: 8)، ومقولته ليس فقط أكدها التقليد اليهودي، بل أيضًا أشار إليه الكاتب الروماني بليني. كلا الاسمين مصري وواحد منهما جاء في مخطوطة مصرية قديمة.

وبهذا الخصوص من المهم أن نلاحظ أيضًا أن الكلمة العبرية للثعبان الذي تحولت إليه عصا هارون ليست هي الكلمة المعتاد استخدمها، بل تحمل معنى أكثر خصوصية. فهي ليست ككلمة "ناحاش" المستخدمة لوصف الحية التي بها كان لموسى أن يؤكد إرساليته أمام شعبه (خر 4: 3-4)، بل كلمة تشير إلى نوع من الحيات (تانين tannin) يستخدمها بالأخص المشعوذون المصريون، وتشير بطريقة محددة إلى الحية كرمز عظيم لمصر(103)، ومن ثمَّ أيضًا تعبير "التنين" والذي هو الترجمة الصحيحة للكلمة التي تُستخدم كثيرًا في الكتاب المقدس لتشير إلى مصر (مز 74: 13؛ إش 27: 1؛ 51: 9؛ حز 29: 3؛ 32: 2).

بناءًا عليه كان لفرعون أن يفهم أنه عندما ابتلعت عصا هارون بقية العصي، فهذا يشير إلى هزيمة مصر وتنفيذ القصاص بكل آلهة مصر (خر 12: 12). وإذ عن عمد أغلق عينيه عن هذا وإذ اعتبر هارون وموسى كسحرة يعادلهم سحرته في القوة، كان هذا يعني أن يقسي قلبه وأن يستدعي نزول تلك الضربات المرعبة والتي أدت إلى الحكم بالقصاص النهائي على فرعون وشعبه.

 

وقبل أن نصف بالتفصيل ضربات مصر، سنورد بعض ملاحظات عامة قليلة تساعدنا على فهم الموضوع.

1- الضربات كانت عجائبية - ليس كثيرًا في حد ذاتها بقدر ما هي عجائبية من جهة التوقيت والأسلوب والمقدار الذي به حلت على مصر. لا شيء منها كان غير معروفًا بالكلية في مصر، بل كان أي نوع منها يفتقد الأرض بين حين وآخر وبقدر ما. وكما يحدث مرارًا كثيرة، استخدم الرب هنا أحداث طبيعية عادية. ولكن كون الضربات فائقة للطبيعة، فهذا يكمن من جهة شدتها وتتابع حدوثها، مجيئها وانصرافها بناء على كلمة من موسى، مداها (امتدادها) الجزئي، والمواسم غير العادية والأسلوب الذي به ظهرت.

2- نلاحظ فيها ترتيب منتظم وتقدم مضطرد. ولو نتكلم كما ينبغي فقد كانت تسع ضربات فقط (3×3)، فالضربة العاشرة كانت في حقيقتها بداية قضاء الرب شخصيًا عندما خرج في وسط أرض مصر ليقتل أبكارها. من بين التسع ضربات أول ثلاثة كانت مرتبطة بذلك النهر وتلك التربة التي شكلت أساس افتخار مصر والمستهدف لعبادتها.

وهي امتدت في طول أرض مصر وعرشها، وفي الضربة الثالثة اعترف السحرة قائلين: "هذا إصبع الله"، وبهذه الضربات الثلاث تذللت كبرياء مصر وديانتها. والست ضربات الأخر جاءت على المصريين وحدهم، كقول الرب: "وَأَجْعَلُ فَرْقًا بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ" (خر 8: 23)، "لِتَعْلَمَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ فِي (وسط كل) الأَرْض" (خر 8: 22 بحسب النص).

لو أن الثلاث ضربات الأولى أظهرت عجز مصر، فإن البقية برهنت أن الرب يملك حتى في وسط مصر. أخيرًا فإن آخر ضربات لم تكن فقط مرعبة أكثر من البقية بل أيضًا كان مقصود لها أن تجعل فرعون يعرف: "أَنْ لَيْسَ مِثْلِي فِي كُلِّ الأَرْضِ" (خر 9: 14). لإظهار أن يهوه هو الله وأنه كان هكذا في وسط مصر، وأخيرًا أنه لم يكن مثله في وسط كل الأرض -أو لإظهار أن الرب كان هو الإله الحي والحقيقي- هكذا كان الهدف الثلاثي لهذه الضربات.

3- من جهة مدة هذه الضربات، المسافة الزمنية بينها ومدة الوقت الذي شغلته كلها، نحن نعرف أن الضربة الأولى دامت سبعة أيام (خر 7: 25)، وأن قتل الأبكار والفصح حدث في ليلة الرابع عشر من شهر أبيب (أو نيسان) والذي يقابل ما يوازي بداية شهر أبريل. من جهة الضربة السابعة (التي للبَرَد)، لدينا هذا القول ليرشدنا إلى توقيته (خر 9: 31-32): "الْكَتَّانُ وَالشَّعِيرُ ضُرِبَا. لأَنَّ الشَّعِيرَ كَانَ مُسْبِلًا وَالْكَتَّانُ مُبْزِرًا، وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالْقَطَانِيُّ فَلَمْ تُضْرَبْ لأَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَة" وهذا سيحدد التوقيت بكونه حوالي نهاية يناير أو بداية فبراير، معطيًا بهذا فترة لا تقل عن ثماني أسابيع بين الضربة السابعة والعاشرة، أو لو حاولنا أن نأخذ هذا كمتوسط، تكون الفترة أكثر من أسبوعين بين كل ضربة.

ولو نحسب على هذا المعدل تكون أول ضربة ستحدث في سبتمبر أو أكتوبر، أي بعد توقف التدفق السنوي لنهر النيل.

لكن هذا يبدو من غير المرجح، ليس فقط لأن اللون الأحمر يظهر عادة في النهر عند بداية تزايد معدله، بل أيضًا لأن التعبيرات (خر 7: 19، 21) يبدو أنها تعني ضمنًا أن النهر لم يكن آنذاك وقت ارتفاع معدله (ولا أيضًا في وقت انخفاضه)، وبالأخص لأنه قبل هذا بالضبط تم تصوير الإسرائيليين بكونهم يجمعون القش لأجل عمل الطوب اللبن، الأمر الذي يلزم أنه حدث بعد الحصاد مباشرة أو حوالي نهاية شهر إبريل.

لهذا يبدو الأكثر ترجيحًا (كافتراض معظم المفسرين والشراح) أن أول ضربة حلّت بمصر كانت حوالي منتصف يونيه، وفي هذه الحالة تكون قد مرت فترة حوالي عشرة أشهر من الضربة الأولى قبل مقتل الأبكار. طوال كل هذا الوقت كان الرب يتعامل مع مصر وكان فرعون يجتاز امتحانه!

يوجد كما سبق أن أشرنا، سخرية مرعبة تختص بضربات مصر، حيث أن الأشياء التي تباهت وافتخرت بها مصر تم الحط منها. ويبدو أننا نسمع على مدى الضربات: "اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِم" (مز 2: 4). وهذا سيظهر بوضوح أكثر عندما نتأمل باختصار كل واحدة من هذه الضربات.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

الضربة الأولى: باكرًا في الصباح، أثناء ارتفاع معدل مياه النيل، نزل فرعون إلى النهر ليقدم لمياهه العبادة الإلهية المعتادة. ربما كان هو مصحوبًا برجاله وسحرته. وهنا جابهه موسى برسالة من الله. وعند رفضه الإصغاء، ضرب موسى المياه بعصا الله وهو يهدد، فما كان من النيل وكل فروعه وقنواته وآباره وخزاناته أن صار أحمر كالدم.

مثل هذا التغير في لون مياه النيل لم يكن على الإطلاق أمر غير شائع، وإلا ما كان فرعون شدد قلبه ضد المعجزة على هذا النحو. ففي الأوقات العادية، هذا المظهر الأحمر للنهر ينشأ جزئيًا من التراب الأحمر التي تحملها معها المياه، وجزئيًا من وجود نباتات اللازهرية صغيرة وحيوانات لا تُرى بالعين المجردة.

كون الحدث فائق للطبيعة فهذا يكمن في فجائيته وفي ظهوره بناء على أمر من موسى وفي الصفات المتغيرة للمياه الآن. "مَاتَ السَّمَكُ الَّذِي فِي النَّهْر" وبهذا حرم الناس من أحد المصادر الرئيسية لطعامهم، "وَأَنْتَنَ النَّهْرُ فَلَمْ يَقْدِرِ الْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ النَّهْر" وبهذا انقطع المورد الرئيسي لشربهم.

لكن بطريقة ما سعى السحرة لتقليد هذه المعجزة، ربما مارسوا سحرهم على بعض ماء استقوه قبل ضرب النهر بالعصا. وهكذا لمدة سبعة أيام على مدى كل أرض مصر، كان الماء الذي مثل الدم ولا يمكن الشرب منه في كل إناء خزفي أو خشبي وفي الأجران الحجرية الكبيرة التي توجد للاستعمال العام في أركان الشوارع وطرق القرى تشهد للرب. وكان للمصريين أن يحفروا حول النهر، لكي يتم عمل فلترة لمياه الشرب حتى يتم استخدامها. لكن: "انْصَرَفَ فِرْعَوْنُ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هَذَا أَيْضًا" (خر 7: 23).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الضربة الثانية: ضربة الضفادع كانت أيضًا مرتبطة بنهر النيل. في نفس الوقت يلزمنا تذكر أن الضفادع كانت أيضًا مرتبطة بأكثر أشكال عبادة الأصنام قدمًا في مصر، حتى أن ما كان محل عبادتهم بات مرة أخرى مصدر لعنة لهم. هنا أيضًا الحدوث الطبيعي لتزايد أعداد الضفادع لكونه أمر وارد في مصر جعل عدم إيمان فرعون أمر غير مستحيل.

بعد فيضان النيل، ليس من النادر أن ينتج الطمي آلاف من الضفادع. وهذه الضفادع صغيرة ولا تقفز كثيرًا وملئت كل الأرض بنقيقها. وطائر أبو قردان يلتهمها بسرعة ويحفظ بهذا الأرض من النتانة الموصوفة في (خر 8: 14)(104).

إن الحدث الفائق للطبيعة للضربة يكمن في عددها غير العادي والإزعاج الذي سببته (خر 8: 3)، وفي ظهورها بناء على أمر من موسى. هنا أيضًا نجح السحرة في تقليد موسى على نطاق ضيق. لكن من الواضح أنهم كانوا عاجزين تمامًا عن رفع الضربة، وكان لفرعون أن يطلب صلوات موسى لرفعها واعدًا في نفس الوقت أن يطلق الشعب.

ولإعطاء فرعون برهان إضافي أن الضربة لم تكن طبيعية بل هي من الله، طلب موسى من الملك تحديد الوقت الذي يريد فيه رفع الضربة:

«عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي لأَجْلِكَ وَلأَجْلِ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ لِقَطْعِ الضَّفَادِعِ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ. وَلَكِنَّهَا تَبْقَى فِي النَّهْرِ» (خر 8: 9). "فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْفَرَجُ (ونال هدنة وراحة) أَغْلَظَ قَلْبَهُ" (خر 8: 15).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الضربة الثالثة: كما هو الحال على الدوام في الضربة الثالثة من الثلاث مجموعات، تأتي بغير إعطاء خبر بها لفرعون، وتتكون من حشرات صغيرة بالكاد يمكن رؤيتها (وما نطلق عليه الآن الهاموش)، لكن يمكنها أن تنفذ إلى كل موضع وتسبب إزعاجًا ليس بقليل. ويصف السيد بيكر ضربة الهوام هذه والتي هي معتادة بعد حصاد الأرز تقريبًا بنفس كلمات السفر فيقول: "إنه كما لو أن التراب ذاته تحول إلى هوام".

هذه الضربة حدثت عندما قام هارون بتوجيه من الله بضرب تراب الأرض بعصاه. كما حدث مرتين من قبل للنهر، كذلك الآن التربة الخصبة التي أيضًا عبدها المصريون، صارت مصدر لعنة له. عبثًا حاول السحرة أن يقلدوا هذه المعجزة، ولكن خارت قوتهم وأخفقت.

لكن لأجل ملاشاة الانطباع وتحييده، َقَالَ الْعَرَّافُونَ لِفِرْعَوْنَ: «هَذَا إِصْبِعُ اللهِ»، هذا نتاج قدرة إله، هو الذي فعل هذا. ولذلك لا يمكن بأية طريقة أن يكون سببها موسى وهارون، هذا العمل لا يمكن أن يؤكد ويثبت طلبهما. نحن انهزمنا، لكن ليس بواسطة موسى وهارون، بل بقوة إلهية متفوقة على السواء عليهما وعلينا. لذلك "اشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا" صار قلبه ثابتًا وعديم الإحساس (خر 8: 19).

وهنا في السلسة الثانية من الضربات بدأ التمييز بين المصريين والإسرائيليين(105)، فبني إسرائيل تم إعفائهم من الضربات اللاحقة لإظهار أنه لم يكن مجرد إصبع الله فقط، بل إنه كان "الرب في وسط أرض مصر" (خر 8: 22). لأجل نفس السبب لم يتم استخدام موسى وهارون كأدوات في الضربة الرابعة والخامسة. كان عليهما فقط أن يعلما فرعون برسائل الرب، لكن الله كان يضرب بنفسه الضربتين لإظهار أنهما جاء من يده مباشرة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الضربة الرابعة: تتكون من أسراب مما يُدعى ذباب الكلاب والتي ليس فقط غزت البيوت وابتلتها، بل أيضًا َفِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ خَرِبَتِ الأَرْضُ مِنَ الذُّبَّان، لأنه وضع بيضه في كل موضع. وهذه الضربة إلى اليوم الأكثر إزعاجًا وإيلامًا بل الأخطر، لكونها تلتصق على كل سطح مكشوف لاسيما رموش العين وأركان العيون ولدغتها تسبب التهاب شديد.

لقد أُعلن لفرعون بمجرد مضيه إلى النهر باكرًا في الصباح (خر 8: 20)، ربما بحسب اقتراح البعض مضى بموكب لكي يفتتح احتفالًا رسميًا يُعقد بعد فيضان النيل بمئة وعشرين يومًا (أي حوالي نهاية أكتوبر أو أوائل نوفمبر). ومع أنه تم انتزاع موافقة من فرعون بإطلاق شعب بني إسرائيل، لكن بمجرد زوال الضربة، "أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ أَيْضًا فَلَمْ يُطْلِقِ الشَّعْبَ" (خر 8: 32)، ربما لأنه في هذه الضربة والتي تليها لم ير دخل لموسى فيها، ولذلك ارتكن على نظرية السحرة التي تحدثت عن "إصبع الله".

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الضربة الخامسة: كانت وبأ خطيرًا جدًا، شائعًا في مصر ويُفترض أنه من نفس نوعية طاعون الماشية في بلادنا، لكن على مدى أوسع. لكن مع كون فرعون تيقن بتحري خاص أن إسرائيل كان معفيًا من هذا الوبأ، َلَكِنْ غَلُظَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقِ الشَّعْب.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الضربة السادسة: كان لها أيضًا أن تحل بواسطة موسى وهارون. وكما الضربة الثالثة في السلسلة الثانية، جاءت بدون أي تحذير مسبق للملك. تم توجيه موسى وهارون ليأخذا مليء أيديهما من رماد الأتون، ربما إشارة إلى المباني الكبيرة والأهرام التي تفتخر بها مصر، وأن يذريه موسى نحو السماء، فَصَارَ دَمَامِلَ بُثُورٍ طَالِعَةً فِي النَّاسِ وَفِي الْبَهَائِم (خر 9: 10)، ومثل هذا الطفح الجلدي الذي يتحول إلى قروح متقيحة شائعًا في وادي النيل وإن كان قاصر على الإنسان فقط. بل حتى السحرة يبدو أنهم هم أيضًا وقعوا ضحية تلك الدمامل (ع11)، لكن الحكم بتقسية قلب فرعون قد حل فعلًا على فرعون.

الضربة السادسة لم تضرب فقط كبرياء وممتلكات المصريين بل أيضًا أشخاصهم. لكن الضربات التي تلت الآن في تتابع سريع، ضربة بعد ضربة، كانت أكثر رعبًا من أيًا من التي سبقتها وفي الواقع هي مثلت كل ضربات الله (ع14). وكانت مسبوقة بتحذير في غاية الوضوح لا يلتفت إليه إلا من كان قريبًا من الهلاك (ع15-18).

والسبب لماذا لم يفن الله فرعون وشعبه في الحال يقرره الرب هكذا بقوله: "[15- فَإِنَّهُ الآنَ لَوْ كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُكَ وَشَعْبَكَ بِالْوَبَإِ لَكُنْتَ تُبَادُ مِنَ الأَرْضِ. 16- وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَقَمْتُكَ لِأُرِيَكَ قُوَّتِي وَلِيُخْبَرَ بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ. (خر9). ]، وكون هذه كانت النتيجة نستشفه من (خر 15: 14). بل إن الأخبار انتشرت ليس فقط بين العرب إنما فيما بعد بوقت طويل انتشرت بين اليونانيين والرومان وأخيرًا عبر الإنجيل بين كل أمم الأرض.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

فقط يوم واحد مُنح لفرعون للتوبة والتفكر قبل نزول الضربة السابعة (خر 9: 18). وكانت الضربة عبارة عن بَرَد لم تر مصر مثله إذ كان بَرَد مختلطًا برعد وبرق ناري. كانت الماشية في مصر خارجًا ترعى وتأكل الأعشاب من يناير إلى أبريل، والذين انتبهوا واهتموا بكلام بتحذير موسى سحبوا مواشيهم وعبيدهم من العراء وبهذا أفلتوا من العواقب الوخيمة، أما البقية فعانت الخسارة في الناس والبهائم.

وكون بعض من عبيد فرعون خافوا كلمة الرب (خر 9: 20)، يقدم دليل على التأثير الروحي لتلك الضربات. وفرعون نفسه اعترف هذه المرة وقال: "أَخْطَأْتُ هَذِهِ الْمَرَّةَ" (ع27). لكن هذا الاعتراف كان محدودًا جدًا، وتقسية قلبه بعد توقف البلية يبيّن أن اعترافه بالخطأ كان فقط لخوفه من العواقب، وكما قال موسى: "أَمَّا أَنْتَ وَعَبِيدُكَ فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَمْ تَخْشُوا بَعْدُ مِنَ الرَّبِّ الْإِلَه" (ع30).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يوجد تقدم حاسم جدًا علينا ملاحظته ومرتبط بالضربة الثامنة. لأن موسى بناء على اعتراف فرعون السابق بخطئه، جلب له هذه الرسالة من الله: "إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي؟" (خر 10: 3). كذلك عبيد فرعون إذ أخذوا عبرة من الأحكام السابقة، يتوسلون الآن إلى الملك (خر 10: 7)، ويبدو أن الملك شخصيًا كان راغبًا في أن يدع الذكور يمضون لوقت قصير شريطة أن يتركوا خلفهم أسرهم ومواشيهم.

ومن الناحية الأخرى قد قطعت شوطًا كبيرًا إلى الأمام تقسية قلب فرعون، إذ عند رفض موسى الخضوع لشروطه انفجر الملك في مثل هذا التوبيخ اللاذع كما ورد في (ع10-11): "يَكُونُ الرَّبُّ مَعَكُمْ هَكَذَا كَمَا أُطْلِقُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمُ. انْظُرُوا إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرًّا (أي نواياكم شريرة أو ربما يمكن جعلها: تبصروا في الأمر وخذوا حذركم فالخطر أمامكم). لَيْسَ هَكَذَا! اذْهَبُوا أَنْتُمُ الرِّجَالَ وَاعْبُدُوا الرَّبَّ. لأَنَّكُمْ لِهَذَا طَالِبُونَ (من الواضح أنها لهجة سخرية وتندر). فَطُرِدَا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْن.

وهكذا كان، أنه عندما: "مَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَى الأَرْضِ رِيحًا شَرْقِيَّةً كُلَّ ذَلِكَ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ. وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ حَمَلَتِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ الْجَرَادَ" (ع13).

مرة أخرى كانت وسائل طبيعية تلك التي استخدمها الرب. لأن وبأ الجراد كان شائعًا في مصر، بل وحتى الوثني اعتاد أن يعتبر هذا كافتقاد خاص من الله. وفي الكتاب المقدس تم استخدام الجراد كرمز للأحكام الأخيرة القادمة على أرضنا (رؤ 9: 3-10). هذه الضربة التي كان يتم الخوف منها على الدوام جاءت الآن ببطيء من الصحراء العربية(106)على الأرض التي حكم عليها الرب بالقصاص، فَصَعِدَ الْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدًّا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هَكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ. وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ الأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ الأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ الشَّجَرِ الَّذِي تَرَكَهُ الْبَرَدُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي الشَّجَرِ وَلاَ فِي عُشْبِ الْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ (ع14-15)، لكن أرض جاسان وحدها تم استثنائها مرة ثانية.

وشعر فرعون بهذا وللمرة الأولى ليس فقط اعترف بخطيته، بل أيضًا طلب الصفح وتوسل إليهما ليرفع الرب عنه هذا الموت (ع16-17). إذًا فرعون لم يقس قلبه بعد ذلك لافتقاره إلى المعرفة. لكن الآن أيضًا كان بدون توبة بل فقط رغبة منه في رفع هذا الموت، هو الشيء الذي أثر في فرعون. وبمجرد استجابة طلبته حتى عاد لعصيانه مرة ثانية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مرة أخرى جاءت الضربة التاسعة بدون الإفصاح عنها، وهي ضربة أكثر رعبًا من كل ما سبقها. ظلام كثيف غطى كل أرض مصر ما عدا أرض جاسان. وكان لذلك الظلام تلك الظاهرة الخاصة أنه ليس فقط كان الناس عاجزين عن رؤية بعضهم البعض، بل أيضًا وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّام. وكان حرفيًا كما وصفه الكتاب ظلام يمكن أن يُلمس، ظلام عاصفة رملية هائلة كالتي تُسمى رياح الخماسين أو الريح الجنوب غربية التي تأتي أحيانًا في أوائل الربيع، لكنها شديدة جدًا وقاسية وطويلة.

فلنحاول أن نتخيل المنظر. فجأة وبلا مقدمات نشأت عاصفة خماسينية، هواء محمل بشحنات كهربية يجتذب ترابًا ناعمًا وحبات رمل أخشن إلى أن يختفي نور الشمس والسماء تتغطى كما بحجاب كثيف وظلام يصير أعمق وليل بهيم لا ينفع معه حتى النور الصناعي. والتراب الناعم مع الرمل يدخل كل غرفة ويتخلل كل المسام الجلدية ويجد طريقه حتى عبر الأبواب والشبابيك المغلقة. الناس والبهائم يتجهون نحو أي نوع من المأوى ويلجئون إلى القبو أسفل المنازل والأماكن البعيدة عن الضربة المرعبة.

وهكذا في ظلام تام ومعاناة عبرت ثلاث ليال طويلة ومملة دون أن يجرؤ أحد أن يتحرك من مخبأه. مرة أخرى استدعى فرعون موسى، وهذه المرة سيدع الشعب كله يمضي لو فقط يتركون خلفهم ماشيته كعربون على عودتهم. وموسى رفض شرط الملك، فقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: «اذْهَبْ عَنِّي. احْتَرِزْ. لاَ تَرَ وَجْهِي أَيْضًا. إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ» (خر 10: 28).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لقد كان تحدي وقعه ليس غريب على أذن موسى، لأنه قبل هذه المقابلة أخبر الله موسى بما سيحدث(107)، ووجهه أن يستعد إسرائيل للرحيل. وموسى الآن قبل تحدي الملك وأنبأ كيف أنه بعد ظلام تلك الأيام الثلاثة المرعبة في منتصف الليل سيخرج الرب نفسه في وسط أرض مصر فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ، وأثناء تلك الليلة وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضًا، ويكون من حجرة القصر حيث يرقد ابن فرعون الوحيد(108) ميتًا، إلى كوخ أحقر عبدة حيث رأت خروج حياة ابنها.

لكن في أرض جاسان كل الثلاثة أيام مليئة بالنور والفرح. لأنه بينما كان الظلام الكثيف قابع على أرض مصر، فإن بني إسرائيل بحسب توجيه من الله في العاشر من الشهر -قبل أربعة أيام من ليلة الرعب العظيم- قد اختاروا حملان الفصح وكانوا ينتظرون لحظة تحريرهم. وعلى السواء كان الظلام والنور من الرب، الظلام رمز لأحكام قصاصه والنور كناية عن رضاه.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(101) فهم هذا الفصل سوف يتعضد كثيرًا بمقارنته على الدوام بالنص الكتابي. فهدفنا ليس فقط أن نخبر بالرواية، بل أيضًا أن نفسر مقولات الكتاب على قدر استطاعتنا.

(102) لكن وجهة النظر هذه يتبناها البعض ومن أشهرهم يوسيفوس الذي اعتبر أن اسم يهوه اُستعلن أولًا لموسى.

(103) [هي تأتي في الطقس المصري فصل 163 تقريبًا بنفس الشكل، "تانيم" كمرادف للحية غريبة الشكل والتي تمثل مبدأ الخصومة والعداء للنور وللحياة. ] ملاحظة 10 في الجزء الأول من كتاب Speaker’s Commentary

(104) Speaker’s Commentary, vol. 1. see note

(105) الكلمة لا تعني بالضبط فصل (كما في النص الإنجليزي)، بل في المقام الأول تعني خلاص، نجاة وأيضًا فضل وتمييز واختيار. هكذا التعبير العبري في حقيقته يربط الفكرتين الخلاص والفصل معًا.

(106) عمومًا ليست الريح الشرقية بل الجنوبية هي التي تجلب الجراد من إثيوبيا أو ليبيا. لكن هنا تم إرسالها عن قصد من مسافة بعيدة لإظهار أن الرب يملك في كل مكان.

(107) إن الأعداد الثلاث الأولى من (خر 11) يلزم أنها قيلت لموسى قبل هذه المقابلة مع فرعون. والعدد الأول منها ينبغي جعله "وقال الرب لموسى... " وقد تم حشرها بعد (خر 10: 29)، لأنها تفسر الجواب الواثق الذي لاقى به موسى تحدي فرعون. وواضح أن (خر 11: 4) وما يليه يشكل جزء من رد موسى لفرعون والذي يبدأ من (خر 10: 29).

(108) لو كما تجادلنا في هذا الكتاب أن الملك الذي تم في عهده الخروج كان تحتمس الثاني، فمن الملاحظ أنه لم يترك ابن يخلفه على العرش بل حلت محله أرملته، لذلك في تلك الليلة مات ابن فرعون الوحيد مع أبكار مصر.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/moses-aaron.html

تقصير الرابط:
tak.la/26wwjpj