St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

7- الفصل السابع: الفصح وفروضه - بني إسرائيل غادروا مصر - أول موضع راحة لهم، عمود السحاب والنار - تعقب فرعون لهم عبر البحر الأحمر - إهلاك فرعون وجيشه - أنشودة الجانب الآخر من البحر الأحمر (خر 12: 1 - 15: 21)

 

الفصل السابع

الفصح وفروضه - بني إسرائيل غادروا مصر - أول موضع راحة لهم، عمود السحاب والنار - تعقب فرعون لهم عبر البحر الأحمر - إهلاك فرعون وجيشه - أنشودة الجانب الآخر من البحر الأحمر (خر 12: 1 - 15: 21)

 

كل طقوس وشعائر تختص بعيد الفصح(109) قد أُعطيت لبني إسرائيل وهم راعوها والتزموا بها. في العاشر من شهر أبيب (شهر سنابل القمح كما يُدعى، لأن فيه سنابل القمح تبدأ ظهورها)، أو كما دُعي فيما بعد نيسان (أس 3: 7؛ نح 2: 1) يختار كل أهل بيت خروف الفصح.

وهذا يحدث فعليًا قبل الفصح بأربعة أيام، وأغلب الظن أنه تذكارًا لنبوة إبراهيم (تك 15: 16) أنه في الجيل الرابع سيعود بني إسرائيل إلى أرض كنعان ثانية. يمكن للذبيحة أن تكون من الخرفان أو من الماعز (خر 12: 5)، من الغنم والبقر(تث 16: 2)، لكن ينبغي أن يكون بلا عيب، ذكر عمره سنه.

كل خروف أو جدي يلزم أن يكون وليمة كافية لجماعة حتى أنه لو كانت الأسرة صغيرة العدد تنضم إليها أسرة أخرى(110).

كانت الذبيحة تُقدم بين العشاءين بواسطة رأس الجماعة، والدم يُسفك في حوض، والبعض منه يجعلونه على القائمتين والعتبة العليا بواسطة غصن من الزوفا.

وغصن الزوفا ليس الزوفا الذي نعرفه جيدًا الآن، بل في الأرجح جدًا نبات الكَبَر caper والذي ينمو بكثرة في مصر وصحراء سيناء وفي فلسطين. وفي الأزمنة القديمة كان هذا النبات يُعتبر أن يملك صفات تطهيرية.

والتوجيه برش المدخل يعني أن الدم مفعوله يسري على البيت ذاته، يكفر عنه وبمعنى ما يحوله إلى مذبح. وإذ يرى الرب هذا الدم عندما يجتاز ليضرب المصريين، سيتجاوز البيت ولا يضرب المهلك مساكن العبرانيين (خر 12: 23).

هكذا عبارة "الفصح" البصخة أو عبور تعبّر حرفيًا عن معنى ومغزى الطقس. بينما المهلك كان يطال سيفه كل بيت مصري، كل جماعة داخل بيوت إسرائيل المرشوشة بالدم كانت منهمكة في وليمة الفصح.

وهذه الوليمة كانت عبارة عن خروف الفصح وفطير على أعشاب مرة، كما لو في تلك الساعة المهيبة للقصاص والخلاص كان عليهم أن يضعوا أمامهم كوجبة ملائمة لهم رمز كل مرارة مصر وعلى الأعشاب خروف الفصح والفطير غير المختمر ليجعلوا العشاء حلو ويليق بعشاء عيد.

لأن كل شيء هنا كان مملوء بمعاني عميقة. خروف الفصح الذي دمه المرشوش يحمي إسرائيل يشير إلى مَنْ دمه الثمين هو الضمانة والسلامة الوحيدة لشعب الله، والزوفا (كما في تطهير الأبرص ومن تنجسوا بميت وفي مز 51: 7) كانت رمز للتطهير، والفطير يرمز إلى الإخلاص والحق، في إزالة "الخميرة العتيقة" التي هي رمز الشر والفساد، تشير إلى "خميرة الشر والخبث" (1كو 5: 7-8). وأكثر من ذلك فإن التعليم الروحي يمتد حتى إلى التفاصيل.

كان للخروف أن يؤكل مشويًا وليس نيئًا أو بالأحرى غير مطبوخ جيدًا (نتيجة السرعة في الرحيل والمغادرة)، بل ولا حتى يُطبخ طبيخًا بالماء، لأن لا شيء من الخروف يجتاز الماء ولا يختلط به، الخروف والخروف وحده يكون طعام جماعة ذبيحة الفصح.

لأجل سبب مشابه كان يُشوى بكامله كما هو وبدون كسر لعظامه أو تقسيم لأجزائه (خر 12: 46)، مثلما أنه ولا حتى كُسر عظم من عظام من مات لأجلنا على الصليب (يو 19: 33، 36).

وعدم التقسيم هذا للخروف أشار ليس فقط إلى الاستسلام الكلي للرب يسوع، بل أيضًا لاتحادنا وشركتنا غير المنقسمة معه (1كو 10: 17). كذلك أيضًا لا شيء من الخروف كان له أن يُحفظ لوجبة أخرى، بل ما لم يؤكل يلزم حرقه.

St-Takla.org Image: As Moses and Israel stand safely on the shore, Pharaoh's army is drowned in the Reed (Red) Sea: (Exodus 14) - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: بينما يقف موسى وإسرائيل بأمان على الشاطئ، يغرق جيش فرعون في البحر الأحمر: (الخروج 14) - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: As Moses and Israel stand safely on the shore, Pharaoh's army is drowned in the Reed (Red) Sea: (Exodus 14) - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بينما يقف موسى وإسرائيل بأمان على الشاطئ، يغرق جيش فرعون في البحر الأحمر: (الخروج 14) - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

أخيرًا كل من اجتمعوا حول هذه الوجبة لم يكونوا إسرائيليين وحسب، بل أيضًا يلزمهم الاعتراف بإيمانهم في التحرر الآتي، لأنه كان لهم أن يجلسوا ليأكلوا وأحقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم، كما لو كانوا ينتظرون إشارة عتقهم وفي حالة استعداد للرحيل من مصر.

لا يمكن تخيل مشهد أنبل لإيمان شعب أكثر مما عندما لدى تلقيهم هذه التعليمات والطقوس قيل "فَخَرَّ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا(111)" (خر 12: 27).

إن أية محاولة لوصف موقف إسرائيل أو المشاهد التي تم معاينتها عندما اجتاز الرب في وسط الأرض عند منتصف الليل يضرب كل بكر من الابن الوحيد لفرعون إلى ابن الجارية والسجين، بل بكر البهائم، لن يؤدي سوى إلى إضعاف تأثير الصمت الجليل للكتاب.

فمثل هذه الأمور لا يمكن وصفها، على الأقل سوى بمقارنتها بما كان له أن يأتي بعد ذلك. فيكفي أنها كانت رمز مناسب لنصف ليل آخر عندما يُسمع صراخ: "هوذا العريس قد أقبل" (مت 25: 6).

في ساعة منتصف الليل تلك صنع الرب "أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّين" (خر 12: 12)، مبيّنًا كما أشار أحد المشاهير عن حق كم باطلة وكاذبة عبادة مَنْ الآن كانوا عاجزين جدًا عن تقديم المعونة.

هذه كانت أيضًا ليلة ميلاد إسرائيل كأمة "خلقهم وتبنيهم كشعب لله" (انظر إش 43: 15). من ثمَّ حتى ترتيب السنة قد تغير الآن. فشهر العبور والفصح صار من الآن فصاعدًا أول السنة(112). لقد جُعل عشاء الفصح فريضة أبدية، بقوانين جديدة من جهة مراعاته وحفظه في المستقبل بحيث تناسب الشعب عندما يستقر في أرض كنعان(113)، والاحتفال به كان ينبغي أن يليه "عيد الفطير" ويستمر لمدة سبعة أيام حيث ينبغي التخلص من كل خميرة في بيوتهم(114).

أخيرًا حقيقة أن الله هكذا أفرز إسرائيل في ليلة الفصح وافتداهم لنفسه، تم إدامتها في التوصية بأن يقدسوا للرب كل بكر من الناس والبهائم (خر 13: 1-7).

عندما حلّت في النهاية هذه الضربة على مصر، استدعى فرعون موسى وهارون بسرعة. في ليلة الرعب تلك صرف فرعون الشعب بلا شروط، طالبًا فقط بدلًا من اللعنة أن يباركوه (خر 12: 32).

وَأَلَحَّ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى الشَّعْبِ لِيُطْلِقُوهُمْ عَاجِلًا مِنَ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ قَالُوا: «جَمِيعُنَا أَمْوَاتٌ». (ع33). وقبل حلول الصباح كان بني إسرائيل كجيش على الطريق من رعمسيس والتي ربما حولها قد تجمعوا وكان عددهم نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ(115) مِنَ الرِّجَالِ عَدَا الأَوْلاَد، أو كما يمكن أن نحسبهم بالنساء والأولاد حوالي اثنين مليون.

هذا لا يمثّل على الإطلاق زيادة لا يمكن تصديقها أثناء الأربعمائة والثلاثين سنة منذ استقرارهم في مصر(116)، حتى بغض النظر عن كون إبراهيم كان له 318 عبيد متمرنين في بيته (تك 14: 14) ولذلك تم ختانهم بعد ذلك (تك 17: 13) والذين أمكنه تسليحهم ضد غزاة سدوم، كذلك أبناء يعقوب يلزم أنهم أحضروا معهم الكثيرين (من العبيد) ممن فيما بعد تم إدماجهم في الأمة. ومع هذين المليونين مضى أيضًا خليط من جنسيات متنوعة اجتذبتهم نهضة ويقظة شعب الله بالآيات والعجائب التي عاينوها مؤخرًا، مثلما يتبع الآن أي جمع خليط بعد كل حركة روحية عظيمة، وقد شكلوا مصدر للإعاقة أكثر من كونها مصدر عون للجماعة (عد 11: 4)، استمروا على الدوام غرباء وكانوا في الغالب مؤهلين فقط لأن يحتطبوا حطب ويستقوا ماء للجماعة (تث 29: 11).

لكن بني إسرائيل حملوا إرث إيماني ثمين عندما أخذوا معهم عظام يوسف (خر 13: 19)، والتي انتظرت طوال تلك القرون تحقيق وعد الله. وكما كتب عن حق أحد المشاهير: "في كل أوقات الضيق لم يستطع الشعب أن ينسى أبدًا الوعد بالفداء والتحرر. لأنه لو لم يكن متداولًا في أحاديثهم ويتذكرون القسم الذي استحلف به يوسف آبائهم، ما كان موسى بالمرة سيدرك أي شيء عنه".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لم تعاين أرض مصر مطلقًا منظر كالذي عاينته عندما أمة بعد تحررها هكذا توقفت لأول ليلة مبيت في سكوت أو خيام. وموقع هذه المنطقة والمحطة التي تليها إيثام لا يمكن تحديدها بالضبط، بل ونحن في هذا الموضع لن نناقش مثل هذه المسائل.

قد يكون تم تحديد سكوت كموضع عام ليلتقي فيه الشعب من كل أماكن تواجده في مصر، ثم ارْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّة التي تفصل مصر عن فلسطين. كان الطريق المباشر سيأتي بهم سريعًا إلى أرض الفلسطينيين ليواجهوا جنس مولع بالحروب، حتى مصر كانت بالكاد تستطيع الصمود أمامهم. بالطبع هم كانوا سوف ينازعوا بني إسرائيل ويمنعوا تقدمهم. والله في رحمته لم يرد أن يعرّض إسرائيل في ذلك الوقت لامتحان هم لم يكونوا مستعدين له آنذاك. بناء عليه تم توجيهم "أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِلُوا أَمَامَ فَمِ الْحِيرُوثِ بَيْنَ مَجْدَلَ وَالْبَحْرِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ. مُقَابِلَهُ تَنْزِلُونَ عِنْدَ الْبَحْر" (خر 14: 2) حيث يعسكرون هناك.

يوجد كما فهمنا حدثان يميزان إيثام المحطة الثانية من رحلتهم.

(أولًا) كان من الواضح هنا عند طرف البرية أن الرب كان يسير أمام شعبه بعمود سحاب نهارًا ليقودهم في الطريق وعمود نار ليلًا ليضيء لهم ليلًا ليسيروا نهارًا وليلًا، أي ليمكّنهم من أن يتقدموا إلى الأمام في كل وقت. لقد قرأنا في (خر 13: 17-18)، أن الله (إلوهيم) كان يقود الشعب، أما هنا في (ع21) فالذي -إن جاز القول- أخذ زمام القيادة هو الرب(117)، وبعلامة محسوسة لحضوره أكد وضمن سلامتهم وأمنهم.

هذا العمود كان بآن واحد عمود من نار ومن سحاب (خر 14: 24)، من نور ومن سحاب وظلام (ع20). من الطبيعي أن السحاب كان مرئي بالنهار فقط، لكن بالليل عمود النار الذي كان تغلفه السحاب ويلمع (عد 9: 15-16). في هذه السحابة كان الرب حاضر مرئيًا في ملاك الله "ملاك العهد" (خر 14: 19)، هناك مجد الرب ظهر (خر 16: 10؛ 40: 34؛ عد 16: 42)، ومن هناك تكلم إلى موسى وإلى إسرائيل، وهذه كانت الشاكيناه، أو الحضور المرئي الذي استقر فيما بعد على قدس الأقداس.

وهذا العربون ورمز حضوره المرئي سيظهر مرة أخرى في وصف الأيام الأخيرة، حيث آنذاك: "يَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلًا" (إش 4: 5).

ثانيًا: من المحتمل أنه من إيثام، عندما رجعوا نحو الجنوب أن الأخبار وصلت إلى فرعون، فجعلته يأمل أن إسرائيل بهذا الرجوع الفجائي للخلف قد تعرقلوا وورطوا أنفسهم كما في مصيدة وسوف يقعون فريسة سهلة لجيشه المدرب (خر 14: 2-4). وربما الآن أيضًا قد أدرك لأول مرة أن الشعب هرب (خر 14: 5)، لم يمض لمسيرة أيام قليلة لمجرد أن يقدم ذبيحة، كما كان متوقعًا لهم بالقرب من إيثام، بل غادروا كليًا وإلى الأبد.

إن النص المقدس لا يشير بالضرورة ضمنًا أن المسافة من إيثام إلى فم الحيروث، كانت مسيرة يوم واحد فقط. في الواقع إن الآراء من جهة الموقع المحدد لكل محطة من المحطات(118) إلى البحر الأحمر(119) لا تزال منقسمة وإن كان الطريق العام بات متيقنًا منه بما فيه الكفاية.

وبينما كان بني إسرائيل يتابعون هكذا مسيرتهم، جمع فرعون جيشه بسرعة، جمع قوته الأساسية التي تكمن في ستمائة مركبة منتخبة، حيث كل واحدة منها يجرها اثنين من الخيول السريعة والمدربة، وتحتوي على اثنين من المحاربين، واحد يحمل الترس ويقود المركبة والثاني مدجج بالسلاح.

ما من شك ستكون هذه كتيبة رهيبة جدًا في أي ظروف، فكم بالأولى بالنسبة لجمع هائل غير مدرب تعيق حركته ما فيه من نساء وأطفال، ومعنوياته منهارة بفعل قرون من العبودية، أمام المصريين الذين زهرة شبابهم يرونهم يصطفون للحرب أمامهم.

ويلزم أن لما أشرقت الشمس بأشعتها وانعكست أشعتها من مركبات الحرب أن بني إسرائيل فزعوا وصرخوا من اقتراب جيش فرعون منهم. فهو تتبع آثارهم وجاء وتقدم نحوهم من الشمال. ولم يكن هناك مهرب في ذلك الاتجاه. فإلى الشرق كان البحر، وإلى الغرب والجنوب قامت الجبال. كان الهروب مستحيلًا والمقاومة نوع من الجنون المطبق.

مرة أخرى أخفق إيمان إسرائيل على نحو بارز، فانطلقوا يتذمرون على موسى. لكن الرب كان أمينًا. ما كان له أن يحدث الآن لم يكن له أن يكون مجرد فعلًا نهائيًا لتحرير ملوكي بذراع الله وحده، بل ولا لمجرد أن يكون على الدوام فيما بعد كتذكار به يمكن أن يتعضد ويتقوى إيمان إسرائيل، بل أيضًا ليعلّم بأحكام قصاصه على مصر أن الرب ديان عادل وقدوس.

توجد أوقات عندما حتى الصلاة تبدو عدم إيمان، وفقط أن يتقدم المرء إلى الأمام في طمأنينة هادئة هو الواجب (المطلوب آنذاك).

"فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا" (خر 14: 15)

لكن هذه الحركة إلى الأمام كان لها أن تُعمل فقط بعد أن مد موسى عصا الله على البحر وملاك الرب مضى ليقف خلف عسكر إسرائيل، جاعلًا نور العمود على طريق إسرائيل، بينما بظلام السحاب حجز عنهم المصريين. آنذاك هبت "رِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْل" واكتسحت تلك المياه أمامها فانقسمت وشكلت سور من كل جانب اجتاز بني إسرائيل فيه على أرض يابسة.

وربما عندما وصل جنود مصر كان الليل قد حل وبني إسرائيل كان متقدمين بعيدًا عنهم على الأرضية اليابسة للبحر. سيمكن رؤية موقعهم ومكانهم من نار العمود الذي يلقي بضوئه على الجموع المتقدمة من بني إسرائيل. وتتبعهم حيث تجاسروا على التقدم، يبدو أنه أمر يمليه الشرف العسكري والنصر سهل وفي متناول اليد.

ولكن لو نقرأ الكلام في ضوء ما حدث بعد ذلك، يكون وكأن الله يسخر بالقول: "وَتَبِعَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ جَمِيعُ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى وَسَطِ الْبَحْرِ" (ع23)، وهكذا عبرت الليلة الطويلة. إن ضوء الصباح الرمادي كان يشرق على الجانب الآخر من المياه، عندما شمس أشد حرارة كان لها أن تشرق على الأفق الشرقي تحملق بغضب على المصريين: "وَكَانَ فِي هَزِيعِ الصُّبْحِ أَنَّ الرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ النَّارِ وَالسَّحَابِ وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ الْمِصْرِيِّينَ" (ع24).

لقد كان نور حضرته الإلهية تفجر فجأة خلال عمود السحاب فجعلهم في حالة فزع واضطراب. بَكَر مركباتهم خرجت عن مسارها وصارت ثقل شديد، والرمل من تحتهم يبدو أنه بات لينًا (صار كأنه سائل) من وهج الحرارة، فكانوا يسوقون مركباتهم بثقل. مع ذلك النور من السحابة النارية أبرق في خاطر المصريين الاقتناع بأن الرب يحارب لصالح إسرائيل ضدهم. فحاولوا أن يهربوا في الحال، لكن موسى بناء على أمر من الله مد يده مرة أخرى على البحر.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

فَرَجَعَ الْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ الدَّائِمَةِ، إذ بفعل ريح معاكسة رجعت المياه كما كانت وفرعون وزهرة جيشه دفنتهم الأمواج وماتوا غرقًا، وهكذا بلغة الكتاب: "فَدَفَعَ الرَّبُّ الْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَرَجَعَ الْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ الَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ" (ع27-28).

نحن لا نفتقر إلى تأكيدات عرضية لهذا الحادث العظيم. فعلى مدى العهد القديم، يتم الاحتكام إلى الحادثة بل وتشكل -إن جاز القول- الأساس الذي يقيم الله مطالبه على شعبه. والتقليد المحلي أيضًا حفظ لنا ذكرى الحدث. بل ولا يوجد شيء يمكن التحجج به يستطيع زعزعة إيماننا بالرواية. فمع أن النقطة المحددة لعبور البحر الأحمر هي نقطة عليها خلاف ونقاش، لكن الكل يتفق على أنها يلزم أن تكون بالقرب من السويس(120)، وأن الظروف كانت مواتية بحيث تجعل من الممكن لعسكر إسرائيل أن يعبروا بأمان أثناء تلك الليلة.

علاوة على ذلك إنها حقيقة غريبة تشرح تاريخ غرق فرعون أنه بحسب السجلات المصرية مرت سبعة عشر سنة بعد موت تحتمس الثاني (الذي نعتبره فرعون هذه الرواية) قبل القيام بأية حملة عسكرية في شبه جزيرة سيناء، واثنين وعشرين سنة قبل أية محاولة لاستعادة سيادة مصر على سوريا والتي يبدو أن مصر فقدتها. وهكذا أيضًا أمكن لإسرائيل أن يتابعوا مسيرهم بسلام عبر البرية والتي إلى ذلك الوقت كانت خاضعة للمصريين.

أما موسى وبني إسرائيل فقد أنشدوا على الجانب الآخر من البحر أنشودة شكر وانتصار والتي تتكرر كل سبت في الهيكل(121)، عندما يُسكب السكيب على ذبيحة العيد، يذكّر إسرائيل أنه في كل الأوقات الملكوت كان مُحاط بالقوات المعادية التي لهذا العالم، وأنه يلزم أن يوجد على الدوام نزاع دائم بينهما، وأن الرب سيتدخل بنفسه على الدوام ليفني أعدائه ويخلص شعبه. 

هكذا ذلك الحدث العظيم فعليًا ليس متفردًا، بل وأنشودته ليست بدون صدى. فطوال كل الأزمنة كانت بمثابة نبوة وتعزية وأنشودة بانتصار أكيد للكنيسة في المستقبل. وهكذا الذين في النهاية يقفون على شاطئ بَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ،. وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ وَتَرْنِيمَةَ الْحَمَلِ (رؤ 15: 2-3).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(109) الطقوس اليهودية المتأخرة تميز بين ما دُعي "الفصح المصري" مثلما تم التوصية به في أول ليلة احتفال به، وبين "الفصح الدائم" مثلما احتفل به بني إسرائيل بعد تملكهم أرض الموعد. كان لهم أن يقدموا خروف الفصح بين العشاءين [(خر 12: 6) بحسب الحاشية]، أي بحسب التقليد اليهودي من وقت بدء غروب الشمس إلى غروبها تمامًا، ولنقل بين الساعة الثالثة والسادسة بعد الظهر.

(110) الطقوس اليهودية المتأخرة حددت عدد الجماعة بألا تقل عن عشرة وألا تزيد عن عشرين شخصًا.

(111) ليس فقط بإيمان بل أيضًا بشكر.

(112) كان لليهود المتأخرين حساب مضاعف للسنة، فالسنة الكنسية تبدأ بشهر أبيب أو نيسان والتي بمقتضاها يتم ترتيب كل الأعياد الدينية، والسنة المدنية والتي تبدأ في الخريف، في الشهر السابع للسنة المقدسة. وفي مصر تبدأ السنة مع الاعتدال الصيفي عندما تبدأ مياه النيل في الارتفاع.

(113) علينا أن نلاحظ ترتيب (خر12) فالأعداد 1-14 تحتوي على التوجيهات الإلهية لموسى للاحتفال بأول فصح، (ع15-20) تعطي تعليمات بالاحتفال بالعيد مستقبلًا، تم التوصية بها مؤخرًا (ع17)، لكنها حُشرت هنا لارتباطها، وفي (ع21-27) ينقل موسى مشيئة الله للشعب، وبينما (ع28) يسجل طاعة إسرائيل.

(114) الخروج جاء بإسرائيل إلى حياة جديدة. من ثمَّ كل ما يتعلق بالقديم ويديمه يلزم نزعه (1كو 5: 8). فالأكل من الخمير سيكون لو جاز القول إنكار لهذه الحقيقة العظمى. عيد الفطير الذي تلا ليلة الفصح استمر لمدة سبعة أيام، كتذكار لخلق إسرائيل (كأمة) ولأن عدد سبعة هو عدد العهد.

(115) هذا تعبير حربي يعني المشاة في الجيش وفي (خر 14: 19) بكونهم عسكر إسرائيل، وجاء الكلام عنهم في (عد 1: 45) بكونهم الخارجين للحرب، لأن بني إسرائيل خرجوا من مصر ليس كهاربين بل كجيش منتصر محمّل بالغنائم.

(116) لقد أُجريت إحصاءات مرارًا وتكرارًا لإظهار معقولية هذه الأعداد، والمسألة يمكن اعتبارها في الواقع محسومة. لكن يلزمنا ألا ننسى البركة الخاصة المرتبطة بإسرائيل في تحقق الوعد (تك 46: 3).

(117) التعبير جدير أكثر بالملاحظة، أنه في كلٍ من نصب تذكاري وكذلك في أحد المخطوطات المصرية القديمة، يتم مقارنة قائد الجيش بشعلة في الظلام يجري ويتقدم في طليعة جنوده.

(118) تعليق للمترجم: وإن كان ليس بمقدوري الجزم بشيء من هذه المحطات، لكن يبدو لي أن بني إسرائيل قد اتجهوا في مسيرة عدة أيام بمحاذاة خليج السويس في تلك المنطقة الصحراوية وبعد أن تجاوزوا منطقة الزعفرانة وكأنهم يتجهون نحو جنوب مصر، عادوا فرجعوا إلى الزعفرانة بالذات حيث هناك حاصرهم فرعون بجيشه، فجعلهم الله يعبرون من هذا الموضع بالذات لأن مستوى عمق البحر الأحمر كبير هناك، وقد أخبرني أحد الأقارب كان يقيم في رأس غارب منذ أربعينيات القرن الماضي ولم يكن متاح أمامهم آنذاك سوى ركوب المراكب للوصول إلى السويس، فكان يسمع جلبة جنود وعساكر يغرقون ويصرخون في ذلك الموضع بالذات. بينما لو كان العبور عير البحيرات المرة كما ينادي البعض فهذا كان غير منطقي لأن البحيرات المرة محدودة المساحة وكان يمكن لفرعون أن يجري بمركباته وينتظرهم على الشاطئ الآخر لاسيما وأننا نقرأ أن الرب حجز بين الفريقين لبعض الوقت.

(119) في العبرية دُعي "بحر البوص" لكن في الترجمة السبعينية وفي العهد الجديد دُعي البحر الأحمر. والاسم قد يتنوع اشتقاقه فهو إما من الشعاب المرجانية الحمراء في مياهه أو من أدوم والتي تعني أحمر، كما لو كان هو بحر الناس الحمر أو الأدوميين.

(120) انظر تعليق المترجم صفحة 105 حيث يحدد الزعفرانة كموضع للعبور.

(121) خبرنا التقليد أن "أنشودة موسى" كانت تُرنم في مقاطع (مقطع لكل سبت) في الهيكل عند ختام خدمة صباح السبت. فأنشودة موسى عبارة عن ثلاث مقاطع شعرية (خر 15: 2-5؛ 6-10؛ 11-18)، حيث أول مقطعين يبين قوة الرب في هلاك أعدائه، بينما الثالث يقدم الشكر كنتيجة، في دعوة إسرائيل لتكون ملكوت الله ولاقتنائهم الميراث الموعود به.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/passover-red-sea.html

تقصير الرابط:
tak.la/zs8t4vc