لم ترد هذه العبارة في الصلاة الربانية كما نطق بها السيد المسيح في وقتها، وكما سجلتها الأناجيل على فمه المبارك. لأنه من ناحية هو الذي علّمها لتلاميذه، فلا يمكن -والحال هكذا- أن يقول هو عن نفسه "بالمسيح يسوع ربنا".
ومن الجانب الآخر فإن صياغة صلوات الكنيسة التي سيترتب عليها إتمام الفداء قد ارتبط بأحداث الفداء. وفي ليلة آلامه بدأ السيد المسيح يوضح لتلاميذه كيف ينبغي تقديم الصلوات للآب السماوي بعد إتمام الفداء على أساس أنها ينبغي أن تقدم باسمه "فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم. وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئًا. الحق الحق أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملًا.. في ذلك اليوم تطلبون باسمي" (يو16: 22-24، 26)
وقد أوضح السيد المسيح بذلك أنهم لم يكونوا بعد قد صلّوا الصلاة الربانية باسمه فقال لهم: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملًا.. في ذلك اليوم تطلبون باسمي".
فمن غير اللائق إطلاقًا تقديم الطلبات للآب السماوي بعد إتمام الفداء دون أن تكون باسم الرب يسوع المسيح. فكل صلاة نصليها تسبقها الصلاة الربانية ونردد فيها هذه العبارة الخالدة "بالمسيح يسوع ربنا".
لقد شجع السيد المسيح تلاميذه أن يوجهوا الصلاة الربانية إلى الآب مباشرة. ولكن من يستطيع أن يصلي إلى الآب بدالة البنوة إن لم يطلب باسم الابن الوحيد الفادي والمخلص يسوع المسيح؟!
لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب (أي أيها الآب أبانا)" (رو8: 15). إن المصالحة التي صنعها السيد المسيح قد أعطتنا دالة البنوة.
لهذا وضعت الكنيسة عبارة "بالمسيح يسوع ربنا" كما تسلّمت ذلك من الآباء الرسل في الصلاة الربانية. ومما يؤكد أيضًا هذه الحقيقة أن الآباء الرسل كانوا يستخدمون اسم الرب يسوع المسيح في صنع المعجزات، وفي الكرازة بالإنجيل، وفي التعميد، وفي طلب المعجزات من الله الآب، وفي كتابة رسائلهم إلى الكنائس والمؤمنين -كما في كتابة الأناجيل بطبيعة الحال- وصارت قاعدة لا يمكن التغاضي عنها أن هذا الاسم قد صار هو عنوان كل شيء في المسيحية، تردده الكنيسة في الصلاة الربانية، وعند قراءة الإنجيل، وفي كل صلواتها الليتورجية وتسابيحها، ويردده القديسون بلا فتور، ويهزمون به كل قوة العدو. فما أجمل ترديد صلاة (يا ربي يسوع المسيح خلصني).
ولكي نوضح أهمية اسم الرب يسوع المسيح في حياة الكنيسة في عصر الرسل نقدم الأمثلة التالية على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
أولًا: في معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه قال بطرس الرسول: "ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ" (أع3: 6).
ثم قال للشعب: "إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا مَجَّد فتاه يسوع، الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس، وهو حاكم بإطلاقه.. الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك. وبالإيمان باسمه شدّد اسمه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه، والإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم" (أع3: 13، 15، 16).
ويلاحظ أنه باسم يسوع المسيح قد تم الشفاء بحسب نطق بطرس الرسول، وأيضًا بالإيمان بهذا الاسم. أي بالنطق والإيمان بالاسم القدوس معًا.
ثانيًا: في معمودية يوم الخمسين بعد عظة بطرس الرسول للجموع المحتشدة، إذ "نخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بُعد، كل من يدعوه الرب إلهنا" (أع2: 37-39).
ومن الواضح هنا أن المعمودية تتم حسب وصية الرب يسوع المسيح على اسم الآب والابن والروح القدس. والابن الذي على اسمه تتم المعمودية مع الآب والروح القدس هو الرب يسوع المسيح. فالمعمودية على اسم المسيح هي معمودية العهد الجديد على اسم الثالوث القدوس، بالإيمان بيسوع المسيح أنه هو ابن الله مخلّص العالم.
ثالثًا: في كرازة الرسل كان اسم يسوع هو محور كرازتهم فقال بطرس لرؤساء الكهنة وعشيرتهم وكتبتهم في أورشليم بعد شفاء الأعرج: "فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل، أنه باسم يسوع المسيح الناصري، الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا.. وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس، به ينبغي أن نخلص" (أع4: 10، 12).
وكان اليهود ورؤساؤهم يفزعون كثيرًا من اسم الرب يسوع وقال رئيس الكهنة للآباء الرسل: "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلِّموا بهذا الاسم؟ وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم.. فأجاب بطرس والرسل وقالوا: ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس" (أع5: 28، 29).
وبعد ذلك جلدوا الآباء الرسل "وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع، ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع، لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أع5: 40-42).
وهكذا كان قد حدث أيضًا مع بطرس ويوحنا بعد شفاء الأعرج باسم الرب يسوع المسيح "بينما هما يخاطبان الشعب، أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون، متضجرين من تعليمهما الشعب، وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات.. جعلوا يسألونهما بأية قوة وبأي اسم صنعتما أنتما هذا" (أع4: 1، 2، 7) وقرروا أن يهددوهما "أن لا يكلما أحدًا من الناس فيما بعد بهذا الاسم فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة، ولا يعلما باسم يسوع" (أع4: 17، 18).
رابعًا: حينما صلى الآباء الرسل ورفعوا صوتًا بنفس واحدة إلى الله طالبين أن يؤيد خدمتهم الكرازية بالمعجزات؛ قالوا: "ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع. ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة" (أع4: 30، 31). فمن الواضح أهمية إتمام المعجزات باسم الرب يسوع المسيح حينما نطلبها من الآب السماوي.
خامسًا: حينما وعد السيد المسيح تلاميذه قبيل صعوده بأن ترافق المعجزات عملهم الكرازي قال لهم: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشياطين باسمي" (مر16: 17).
وليس هذا فقط بل إن الرسل قد اختبروا قوة الاسم الحسن القدوس أي اسم الرب يسوع المسيح أثناء وجوده معهم على الأرض بالجسد كما سجّل معلمنا لوقا الإنجيلي "فرجع السبعون بفرح قائلين: يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو10: 17)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. شعر الرسل بقوة هذا الاسم وفاعليته واختبروها عمليًا.
وحدث بينما كان بولس الرسول وسيلا ولوقا الإنجيلي وبعض المؤمنين ذاهبين إلى الصلاة في فيلبي أن جارية بها روح عرافة استقبلتهم وكانت تكسب مواليها مكسبًا كثيرًا بعرافتها. هذه اتبعت بولس ومن معه و"صرخت قائلة: هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي، الذين ينادون لكم بطريق الخلاص. وكانت تفعل هذا أيامًا كثيرة. فضجر بولس والتفت إلى الروح وقال: أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها. فخرج في تلك الساعة" (أع16: 17، 18).
سادسًا: في الإيمان بكرازة الرسل كان اسم يسوع هو المحور الرئيسي للإيمان. مثلما حدث مع وزير كنداكة ملكة الحبشة حينما آمن وطلب العماد وقال له فيلبس: "إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال: أنا أُومِنُ أن يسوع المسيح هو ابن الله.. فنزلا كلاهما إلى الماء.. فعمده" (أع8: 37، 38).
وحينما بشر فيلبس هذا الرجل من سفر إشعياء؛ يقول سفر الأعمال "ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع" (أع8: 35). فالإيمان بيسوع أنه هو ابن الله قد بنى على كرازة المبشرين بهذا الاسم.
بل إن السيد المسيح نفسه بعد صعوده إلى السماء قد أعلن اسمه لشاول الطرسوسي حينما ظهر له بمجد عظيم في الطريق إلى دمشق وقال شاول: "من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع9: 5).
وكتب بولس الرسول "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصتَ. لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص" (رو10: 9، 10).
(you will be saved - N.King James V.)
أي أن الإيمان بأن يسوع هو المسيح ابن الله الحي يقودنا إلى الخلاص بالمعمودية وتنفيذ باقي وصايا الرب التي للعهد الجديد.
عن هذا أيضًا كتب يوحنا الرسول في إنجيله "لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20: 31).
سابعًا: في كتابات الآباء الرسل كان اسم يسوع يتصدر رسائلهم بصورة واضحة ففي رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية يقول: "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات" (غل1: 1).
وفي رسالته إلى أهل أفسس يقول: "بولس، رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، إلى القديسين الذين في أفسس، والمؤمنين في المسيح يسوع نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" (أف1: 1، 2). ففي فاتحة الرسالة ذكر اسم يسوع ثلاث مرات.
وهكذا كتب يعقوب الرسول: "يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح يهدي السلام إلى الاثني عشر سبطًا الذين في الشتات" (يع1: 1).
وبطرس الرسول: "بطرس، رسول يسوع المسيح، إلى المتغربين من شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وأسيا وبيثينية. المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح لتكثر لكم النعمة والسلام" (1بط1، 2).
ويوحنا الرسول: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة.. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يو1: 1، 3).
ويهوذا الرسول: "يهوذا عبد يسوع المسيح، وأخو يعقوب، إلى المدعوين المقدسين في الله الآب، والمحفوظين ليسوع المسيح، لتكثر لكم الرحمة والسلام والمحبة" (يه1، 2).
وفي الأناجيل: "كتاب ميلاد يسوع المسيح" (مت1: 1)، "بدء إنجيل يسوع المسيح" (مر1: 1)، وبالنسبة لإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا فقد تكلما عن يسوع المسيح في فاتحة إنجيليهما بلقب "الكلمة" أي كلمة الله (اللوغوس) ثم أوردا اسم الرب يسوع المسيح مرارًا عديدة في الإنجيل نفسه.
قال الملاك ليوسف عن خطيبته العذراء مريم: "فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21).
اسم "يسوع" باللغة العبرية هو "يهوشع" بمعنى "يهوه خلّص" كما هو مكتوب في سفر إشعياء: "هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن "ياه" يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا" (إش12: 2).
وحينما ظهر الابن الكلمة في صورة نار مشتعلة في عليقة وهي لا تحترق في برية سيناء لموسى النبي، وسأله موسى النبي ما اسمك؟ قال له: "هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحق، وإله يعقوب أرسلني إليكم هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذِكري إلى دور فدور" (خر3: 15).
لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه: "تكونون لي شهودًا" (أع1: 8). كما قال الرب في العهد القديم: "أنا أنا الرب وليس غيري مخلص.. وأنتم شهودي يقول الرب، وأنا الله" (إش43: 11، 12).
فمن يشهد ليسوع؛ يشهد ليهوه المخلص. أما شهود يهوه الذين "ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا" (2بط:2: 1)، إنهم ينتحلون لأنفسهم هذا الاسم "شهود يهوه" بينما هم "منكرو يهوه" لأنهم ينكرون أنه هو المخلِّص.
ما أجمل أن ننادي بهذا الاسم الحسن مثلما نقول في التسبحة (يوم السبت):
(اسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك؛ يا ربي يسوع المسيح مخلصي الصالح).
لهذا وضعت الكنيسة عبارة "بالمسيح يسوع ربنا" في الصلاة الربانية لكي تكون مقبولة أمام الله الآب.. وبعد ذلك نكمل الصلاة الربانية للآب قائلين: (لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/jesus.html
تقصير الرابط:
tak.la/jh84f6b