St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   f-b-meyer  >   peter1
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   f-b-meyer  >   peter1

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - ف. ب. ماير (تعريب القمص مرقس داود)

بطرس الأولى 4 - تفسير رسالة بطرس الأولى

 

* تأملات في كتاب رسالة بطرس الرسول الأولى:
تفسير رسالة بطرس الأولى: مقدمة رسالة بطرس الأولى | بطرس الأولى 1 | بطرس الأولى 2 | بطرس الأولى 3 | بطرس الأولى 4 | بطرس الأولى 5

نص رسالة بطرس الأولى: بطرس الأولى 1 | بطرس الأولى 2 | بطرس الأولى 3 | بطرس الأولى 4 | بطرس الأولى 5 | بطرس الأولى كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

21: واحد معه في الموت

«فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أنتم أيضًا بهذه النية. فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية. لكي لا يعيش أيضًا الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله» (1بط 4: 1-2).

 

الزمان الباقي(26) في الجسد،. من منا يستطيع أن يقول كم بقي له من الزمان في هذا العالم؟ قد يكون أقصر للبعض مما يظنون. وعلى أي حال هو -بمعنی ما- قصير للجميع. زمان الحياة يمر بسرعة. وظلال شمس الحياة مسرعة إلى الزوال. كانت هذه الأفكار تملأ عقل الرسول بطرس، فقد قال في رسالته الثانية: «خلع مسكنی قریب» (2 بط 1: 14).

لا يجد المؤمن في هذه الأفكار ما يحزنه. فكل علامة في الطريق تعلن له بأن الوطن قد ازداد اقترابًا. والمسافر في عرض البحر يحصي عدد الأيام، بل الساعات، التي تقربه إلى زوجته وأولاده. أمامنا تنتظر دهور الأبدية.. أصغ إلى صوت أمواجها، فالأذن المدربة تلتقط أنغام الموسيقى العذبة يحملها نسيم الليل العليل. والأجيال مليئة بالبركات الشخصية والخدمة السعيدة التي يعجز اللسان عن التعبير عنها، والقلب عن تصورها. إن الخطوط الأولية للصورة تملأ القلب فرحًا، فكم تفعل الصورة عندما تكمل، عندما يكمل الله تفاصيلها بيده. تشجعوا أيها الشركاء في الآلام، الشركاء في الخدمة، فإن فداءنا يقترب. ونور الفجر بدأ يظهر. «وخلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا» (رو 13: 11).

 لكن مستقبلنا السعيد ينبغي أن لا يحول تفكيرنا عن الواجبات اللازم إتمامها في «الزمان الباقي في الجسد». ينبغي أن لا نكون من ذوي الأحلام والخيال، بل لنكن أبطالًا. ينبغي أن نملأ أيامنا القصيرة بجهود جبارة، كالخياطة المجهدة الكادحة التي تسرع بنشاط مضاعف لإنهاء خياطة الثوب الذي تعمل فيه بأصابع متقرحة لأن الشمعة الوحيدة التي تمتلكها كادت تنطفئ. لذلك نجد في الآيات صوتًا يدعو إلى الحرب، ويقول: إلى السلاح، إلى السلاح، «تسلحوا أنتم أيضًا بهذه النية (27)» (1بط 4: 1). وعندما نتسا على ما هي «هذه النية» يقول لنا الرسول إننا ينبغي أن نتسلح بالنية التي دفعت يسوع إلى الموت.

في كنيسة وقورة قديمة في إنسبروك Innsbruck المشهورة بوجود قبر الامبراطور العظيم مكسیمیلیان (Maximilian) فيها، يوجد تمثال فخم برونزي للقائد جودفری الذي من بولونيا Godfrey of Boulogne ذي الشخصية البارزة. وقد غطيت رأسه بخوذة يعلوها إكليل من الشوك. طبیعي أن الفنان كان له قصد آخر غير الفكرة التي نفسر نحن بها الآن هذا العمل. لا شك في أنه قصد أن يصور السبب المقدس الذي من أجله كللت هذه الخوذة بإكليل الشوك. ونحن نستطيع أن نكتشف رمزًا مناسبًا من تعليم الرسول بطرس الذي يجمع في هذه الأعداد بين سلاح الجندي المسيحي وبين تذكر آلام المسيح بالجسد.

هذا الشاهد لآلام المسيح يأخذنا أولًا إلى الصليب. وبعد أن نتطلع بوقار وإجلال إلى منظر المحبة هذا، يأخذنا إلى نقطة يتفرع منها طريقان. والطريقة الوحيدة لاكتشاف الطريق المستقيم، والتمسك به، هي أن نتشبع بروح ذلك الموت العجيب، وأن نفتخر بصليب المسيح، مرددين العبارة التي قرأها قسطنطين العظيم في رؤیاه: «بهذه العلامة [أي بعلامة الصليب] تغلب»، وبهذا «لا نعيش بعد الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله» (1بط 4: 2).

 

1- طريقان مُتَبَاعِدَان

1- في الجانب الواحد طریق واسع، داسته أقدام كثيرة، هو طريق انغماس الجسد في الشهوة: «شهوات الناس». الشهوة هي شهية منحرفة. لا ضرر في أية شهوة

طبيعية في حد ذاتها.. فكل شهوة غرست فينا لمقاصد حكيمة ضرورية، الإنسان آلة ميكانيكية آلية، وهو يجب أن يتذكر ليس فقط الواجبات الضرورية عند الإنذار بالخطر، بل هو يُدفع لإتمامها بدافع الشهوات الجائعة من ناحية، وبجاذبية الشهوات الشبعانة من الناحية الأخرى.

لكن الشهوة فسدت عند سقوط الإنسان. فاختلت حركاتها، ولذلك أصبحت الآن لا تعمل كما قصد الله لها عندما خلق الإنسان، وأعلن بأن طبيعته «حسنة جدًا». عندما سقط الإنسان انحل رباط الشهوة من قبضة الإرادة الضعيفة، وبدأت تطلب إشباعها، دون مراعاة للاستخدام الضروري، والروابط الشرعية التي قصدتها لها محبة الخالق وحكمته. وهكذا في كل الأجيال عاملت شهوات الإنسان الطبيعية إرادة الله السامية كما كان يعامل أشراف العصور المتوسطة ملوكهم الذين تجاهلوهم واتبعوا طرقهم المنحرفة غير الشرعية.

وقد ظهر ضرر هذا التمرد في إباحية الجسد التي أثرت على التفكير، فسار العقل والقلب تحت قيادة الجسد نحو الانغماس في الشهوات غير الطبيعية المتطرفة، وهكذا تمم الناس «مشيئات الجسد والأفكار» (أف 2: 3).

هذه العادات تسلمناها من الأجيال التي سبقتنا، فلقد وُلد كل واحد منا في العالم خاضعًا لتصرف الشهوات، التي لم تعد بعد في حالة الطهارة والقداسة التي خلقتها يد الخالق، بل انحرفت بشدة نحو التصرفات الدنسة المتمردة. وإذا ما أطعنا إيحاءتها، كما يفعل الكثيرون، صرنا لها عبيدًا، وانحدرنا نحو مستوى البهائم. التي لا تعرف لها ناموسًا غیر ناموس الشهوة، وجلبنا على أنفسنا غضب الله (أف 2: 3).

والذي نحتاج إليه الآن ليس هو استئصال هذه الشهوات، بل ضبطها، استخدامها فقط في الأغراض النافعة، ومنعها من أن تشبع ذاتها بكل هذه الشرور التي أصبحت طبيعة ثانية لها. لا يمكن قط في هذه الحياة أن تفقد الشهوات قدرتها على أن ترغب في إشباعها بما هو دنس. لكن هذه الرغبات إذ تمر في كياننا محدثة هزة وقتية لبرهة وجيزة، وتفشل في أن تجذب الإرادة أو تتسلط عليها، فإنها لا تصير بالضرورة خطايا. وواضح جدًا أنه من الممكن أن تعيش في الجسد، الحساس جدًا والسريع التأثر بالإيحاءات الشريرة، ومع ذلك لا نتمم مطالبه في أتفه ناحية بعيدًا عن حدود إرادة الله وناموسه.

هذا هو ما يعدنا به الإنجيل. إنه لا يعدنا بالحرمان من أي جزء من طبيعتنا، ولا بعدم الإحساس مطلقًا بجاذبية الخطية، وبميل الجسد للاستجابة لها، ولا أن نصل إلى حالة يستحيل معها أن نخطئ. لكنه يعدنا بنقض الاتفاقية الدنسة بين الجسد والروح، بحيث أنه مهما كانت رغبات الجسد العابرة نحو إشباعها بالدنس، فإن الطبيعة الأدبية، أي الإرادة، أو شخصية الإنسان السامية، لا تقبلها، ولا تفتح لها الباب.

2- وفي الجانب الآخر «إرادة الله»، ويا له من فرق شاسع بينها وبين مشيئة الجسد. لقد جاء يسوع إلى الأرض ليعمل مشيئة الله، وهذه كانت طعامه كما قال (يو 4: 34). هي عمود السحاب والنار الذي ينير لنا الطريق، والنير الذي نجد راحة في حمله، والأوريم والتميم الذي يصير معتمًا أو منیرًا حسب إرشاد السماء. لا يوجد طريق أكثر أمانًا أو بركة من أن نعيش حسب إرادة الله. إن إرادة الله هي الإرادة الصالحة. حيثما كانت إرادة الله المرشدة لنا في البرية، أينعت في طريقنا الزهور وتفجرت المياه من الصخور. في بعض الأحيان يتمرد الجسد عليها، لأنها تتطلب الصليب وإنكار الذات. لكن تحت القشرة الخشنة توجد النواة الحلوة ولا يعرف أحد فرح الحياة وسعادتها إلا الذين رفضوا السير في طريق شهوات الناس الواسع السهل، لكي يصعدوا إلى فوق في طريق إتمام إرادة الله من القلب.

 

2- سر وقوة إنكار الذات

ليس من السهل رفض ذلك الطريق الواسع السهل. فالسلوك فيه لا يتطلب أي مجهود. والحياة تميل إلى الانحدار بسهولة وبلذة في سفح جبله المشوق. والعالم كله يقدم مباهجه وإغراءاته الخلابة. فما هو السر الذي يجعل المرء يرفض نوازعه الداخلية، ويصم أذنيه عن إغراءات العالم، ويصعد الجبل الشديد الانحدار، وهَب أنه توفرت لديه الرغبة في المقاومة، فأية قوة تكفي لتمكنه من مقاومة التيار؟

الإجابة نجدها في صلب ربنا المبارك. «المسيح تألم بالجسد». «إن التأمل العميق في موته يقتل بقوة واقتدار محبة الخطية المتسلطة على النفس، ويخلق فيها بغضة شديدة للخطية. والمؤمن إذ يتطلع إلى يسوع المصلوب من أجله، والمجروح لأجل معاصيه، ويفكر تفكيرًا عميقًا في براءته المطلقة التي لم تكن تستحق شيئًا من هذه الآلام، وفي محبته الفريدة، التي احتملت هذه كلها من أجله، فإنه بطبيعة الحال يناجي نفسه قائلًا: هل يليق بأن أحب الخطية التي دفعته إلى الموت؟ هل يليق بأن تكون الخطية حلوة لي مع أنها كانت مرة له من أجلي؟ هل يليق بأن أنظر إليها نظرة طيبة، أو أفكر تفكيرًا طيبًا فيما تسبب في سفك دماء ربي؟ هل يليق بأن أعيش في الخطية التي مات هو من أجلها، والتي مات لكي يقتلها فيَّ؟ یا رب لا تسمح بهذا».

كل هذا صحيح، ومع ذلك فهنالك حقيقة تنطوي تحته. يجب أن لا ننسى بأن المسيح مات «في شبه جسد الخطية» إنه لم يمت فقط من أجل الخطية، بل «لكی يدين الخطية في الجسد» (رو 8: 3). بموته حصل فاصل كامل بين الحياة التي كان يحياها في احتكاكه مع الخطية والخطاة، مع أنه كان هو نفسه بلا خطية، والحياة التي يحياها الآن في المجد. وحيث أن الله ينظر إلينا على أساس أننا متنا معه بموته، وقمنا معه بقيامته، فنحن كذلك ينبغي أن نحسب أنفسنا بأننا انتقلنا من الحياة التي كان الجسد يتسلط فيها، إلى الحياة التي مات فيها الجسد ولم يعد له أي تسلط عليها. «لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو 9: 10-11).

ینبغي أن نثبت راسخين أمام إغراءات وإيحاءات الجسد. ينبغي أن نقابل كل إيحاءات الشهوة بعدم الاكتراث، وبصمت الموت. ينبغي أن نقول لهذه كلها: ليس لي شأن بك. ولا أعرفك.

وهكذا عندما تثور الرغبات القوية في الجسد، وتحاول أن ترسل إلى القلب وإلى الإرادة أفكارًا شريرة وشهوات شريرة، فإنها تجد الباب محكم الإغلاق في وجهها. ولا تجد منفذًا للدخول لنشر سمومها. مهما كان للجسد من رغبات فإن القلب المطهر

لا يخضع لها. وهكذا يُصلب الجسد ويُمات مع اهوائه وشهواته، ويُحفظ الضمير بلا عثرة.

هذه القوة، التي ترفض الاستجابة لإيحاءات الجسد النجسة، مباركة جدًا. لكنها ليست من إنسان، ولا يمكن الحصول عليها بالعزم الأكيد أو السعي الحميد. هي قوة الله في الإنسان، حياة يسوع المقام من الأموات، نعمة الروح القدس، الذي يحارب ضد الجسد حتى تفعل ما لا نريد (غل 5: 17).

اذكر بأنك، في نظر الله، قد مت لأنك واحد مع المسيح. فصمم على اختيار هذا الموت الآن وإلى الأبد كنصيبك وقرعتك. ثم اطلب من الروح القدس أن يعينك على تنفيذ حكم الموت كل يوم وكل ساعة. فتجد أنه، وإن كان الجسد لا يزال حيًا، فليس له سلطان عليك، حتى تظن بأن طبيعته قد تغيرت. لكن هذا الظن فكرة خاطئة، فالجسد لا تتغير طبيعته، وإن تهاونت لحظة واحدة في شركتك مع الروح القدس عادت إليك العادات القديمة المميتة، وإن لم تقاومها حاربتك بقوة أشد من قوتها السابقة.

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

3- وصية قوية

«تسلحوا أنتم أيضًا بهذه النية» تشبعوا بروح موت المسيح إلى أن تختبروا أنتم أيضًا هذا الموت، وتموتوا للجسد كما مات المسيح للجسد، وهذا يتم بالتأمل المستديم في جراحات المسيح. وفي كل مرة ترفضون إيحاءات الذات فإنكم تزدادون فهمًا لمعنى موت المسيح وقيامته.

فلنلبس هذه القطعة من السلاح السماوي. إن الأمر يحتاج إلى العزيمة القوية، لأن الصدمة الأولى في القتال تكون شديدة الأثر. لكن النصرة مضمونة وأكيدة. ومع أن التجربة لا تكف فإن الخضوع لها يكف. والخضوع خطية. «لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية» (رو 6: 7).وبمرور الوقت، إذ تكون الشهوات الجسدية قد أخضعت طويلًا، فإن ضغطها يضعف، وتقل متاعبها، كأنها قد تعبت من تكرار الهزيمة.

أتريد إذن المزيد من القوة ضد الخطية، والمزيد من القداسة؟ فليكن لك المزيد من التطلع إلى المسيح، ركز تفكيرك فيه، واستمر في أن تكون معه. عندما تظن بأن الخطية توشك أن تغلبك اذهب إليه، وحدثه عن هجوم الأعداء، وعن عدم مقدرتك على المقاومة، واطلب منه أن يخضعهم، لكي لا ينالوا منك شيئًا بهجومهم سوى أن يحدثوا جرحًا جديدًا.

إن بدأ قلبك يشتهي الخطية، فسلمه للرب، وعندئذ تجد أن أشعة محبته قد أطفأت نيران تلك الشهوات الدنسة.

إن أردت أن يقتل كبرياؤك وشهواتك ومحبة العالم، فاذهب والتمس فضيلة موته، فيكون لك ما تريد. اطلب الروح القدس، روح الوداعة، والتواضع، والمحبة الإلهية. تطلع إليه، فيجذب قلبك إلى السماء، ويتحده بشخصه، ويجعله متشبهًا به. أليس هذا هو ما تبتغيه؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

22: نَفَس الأبدية

«لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم سالكين في الدعارة والشهوات وإدمان الخمر والبطر والمنادمات وعبادة الأوثان المحرمة. الأمر الذي فيه يستغربون أنكم لستم تركضون معهم إلى فيض هذه الخلاعة عينها مجدفين. الذين سوف يعطون حسابا للذي هو على استعداد أن يدين الأحياء والأموات. فإنه لأجل هذا بشر الموتى أيضًا لكي يدانوا حسب الناس بالجسد ولكن ليحيوا حسب الله بالروح».

«وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت. فتعقلوا واصحوا للصلوات» (1بط 4: 3-7).

 

هنالك فرق شاسع بين المؤمنين في العصر الرسولي وبينهم في عصرنا. وهذا الفرق لا يتضح في التعاليم التي اعتقدوها، أو في عبادتهم للرب يسوع، بقدر ما يتضح في اختلاف وجهة النظر نحو المستقبل العظيم.

كانت وجهة نظرهم أن الأبدية قد بدأت فعلًا منذ اللحظة التي قبلوا فيها المسيح في قلوبهم. وكونهم في الجسد لم يعطلهم عن أن يدركوا الوحدة القائمة بينهم وبين ربهم المقام من الأموات. كانت هذه الوحدة متينة لدرجة أنهم أين كان المسيح فهنالك كانوا هم أيضًا. وموته قطعهم من العالم الذي صلبه. وقبره كان حاجزًا منيعًا بينهم وبين طرق المجتمع البشري الذي رفضه ولم يقبله، ولقد اشتركوا في قيامته وفي صعوده. حيث كان كنزهم هناك كان قلبهم أيضًا. فيه صاروا فعلًا مواطنين للعالم الذي هو ملك عليه، جالسًا في السماوات. صحيح أنهم كانوا مقيمين في العالم ليتمموا مهمتهم الضرورية وفق مشيئة الله، ويتعلموا دروسًا لا يمكن تعلمها إلا تحت ظروف حياتنا الأرضية الفانية، ويعملوا على تطهير الشرور المحيطة. لكن هذا لم يتعارض مع إقامتهم بالروح في وطنهم الحقيقي وراحتهم الحقيقية، معترفين بأنهم «غرباء ونزلاء على الأرض».

يحس المسافر بحرًا باقتراب بلاده من نسيمها الذي يهب في وجهه، ناقلًا إليه أصوات وروائح الغابات أو البراري، أو الجبال المكتسية بالنباتات. هكذا، عن طريق هذه الرسائل، نحن نعيش جوًا يختلف عن جو مجتمعنا المسيحي الحديث. فنحن نعيش في العالم وفي نفس الوقت نزور بأرواحنا، من وقت لآخر، العالم الأبدي غير المنظور، أما قدماء المسيحيين فقد كانوا يعيشون في العالم الأبدي غير المنظور، ومن وقت لآخر، يقومون بزيارات ضرورية منتظمة لهذا العالم. نحن نشاكل العالم، أما هم فقد تغيروا عن شكلهم بتجديد أذهانهم (رو 12: 2). نحن نقرأ صحف المجتمع، ونتحدث أحادیث المجتمع، ونرسل بنينا إلى المجتمع، ونحاول أن نقلد المجتمع المحيط بنا في ملابسنا وفي تصرفاتنا، أما هم فقد نظر إليهم العالم كشاذین ومهزأين، لأنهم كانوا يعيشون بين الناس «كأبناء القيامة» (لو 20: 36). يقينًا أن المقارنة ليست في مصلحتنا رغم أننا نفاخر بتفوقنا المزعوم.

في هذه الآيات التي أمامنا الآن، نجد علامات كثيرة عن وجهة النظر هذه. إن فترة حياتنا المحدودة، بالمقارنة مع الأبدية غير المحدودة، والإشارة إلى ذلك المستعد أن يدين، كأن العرش الأبيض العظيم قد انتصب في كبد السماء، واصطف الناس أمامه استعدادًا للدينونة، والصوت الصارخ من الملاك الآخر المعلن بأن «نهاية كل شيء قد اقتربت» - هذه كلها تبين حالة الرسول النفسية. فقد وقف في نور الأبدية، وهب نسيمها في وجهه، وملأ روحها قلبه. وتحت تأثير كل هذه الحقائق الخالدة قدم النصيحة للذين خاطبهم، كغرباء ونزلاء، أن يمتنعوا عن الشهوات الجسدية. وهل كان ممكنًا أن يستخدم باعثا أقوى؟

 

1- قائمة سوداء

«الدعارة، الشهوات، إدمان الخمر، البطر، المنادمات، عبادة الأوثان المُحَرَّمة(28)»، هذه صورة سوداء تذكرنا بما ورد في (1 كو 6: 9-11). لكن هذا تصوير أمين لحالة العالم، رغم التعاليم الفلسفية والأدبية الرفيعة. يستطيع القارئون العاديون أن يكونوا فكرة دقيقة عن الشرور الشنيعة التي سادت العالم وقت مجيء المخلص، وإن لغة البشر السقيمة التي يدونون بها تاريخ الأجيال هي التي تحجب عنا مقدار ما وصلت إليه تلك الشرور، ويكفي القول أن محاولات أفلاطون التي تضمنت أسمَى الآراء عن الوثنية تعيبها المناقشات التي بلا حياء وومصادقته على الخطايا التي تشجبها المحاكم في كل البلاد المسيحية. إذن فهناك الكثير جدًا مما يؤيد هذه الصورة عن حالة المجتمع وقتئذ. ولعل نجاستها الشنيعة كان لها تأثير قوي على مسيحيي ذلك العصر لكي يخرجوا ويعتزلوا. إن اللعنة التي لعن بها عصرنا هي أن الشيطان قد زيف مسيحيتنا كثيرًا، وسعى لكي يداری المدنية النجسة تحت ستار اصطلاحات مسيحية.

لا حاجة لنا أن نطيل الشرح في قائمة الشرور المختلفة. غير أننا نلاحظ أن إدمان الخمر مقترن بعبادة الأوثان الرجسة البغيضة. ونحن نعتقد أن أي شرب للخمر لا يعتبر إدمانًا إذا اُخذ لأسباب صحية ووصفه الطبيب. وحتى في هذه الحالة كثيرًا ما كان شربه مخطئًا. ونود بالحري أن نلفت النظر إلى التعبير القوي المستخدم لوصف هذه الخطايا عندما دعاها الرسول «فيض الخلاعة» (29).

يتعذب الناس عندما يعطشون. وقد قصد بهذا العطش أن يدفعهم إلى نهر ماء الحياة، الخارج من عرش الله (رؤ 22:1). لكنهم إذ يرفضون هذا النهر، فإنهم يلجأون إلى مستنقعات الصحراء، التي ترفض حتى البهائم الشرب منها. إن صالات الرقص، وځُلوات القمار، والكازینات، وبيوت العاهرات، والأماكن المخجلة، هي المستنقعات التي يحاول الناس أن يطفئوا منها ظمآهم، الذي لا يرويه إلا الله الحي. آه، متى يدركون ضلالاتهم المميتة؟ وبأية طريقة يمكن إنذارهم؟ ألا يمكننا الحصول على جرعة واحدة من مياه العرش ونضعها في حلقهم المعذب، لكي يبغضوا كل منعش آخر؟ «أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه» (أش 55: 1).

أما عن التلف، فما أروع القصص التي ترويها كل الصحف عن التلف الناشئ عن المنكبين على الخطية. تلف الأملاك، والثروة، والصحة، والسعادة، والسمعة، ومقدرتنا على نفع الآخرين. تعسة هي الأجساد التي تئن الأرواح تحت ثقل فسادها. وتعسة هي الحياة التي تشبه السفينة الحربية القديمة التي تغادر الميناء، مبتهجة اليوم، لكنها تتحطم في الصخور غدًا، ثم تنزل إلى عمق المياه، وتعسة هي النفوس التي بلا إله، وبلا رجاء، وبلا محبة، وبدون أي أثر من عنصرها السامي. ليت حمل الله، الجالس وسط عرش الله، يكشف عن آلامه إذ لا تزال الخطية تُحدث مثل هذا التلف وسط الذين أحبهم محبة أبدية.

يستغرب أهل العالم لأننا لا نركض معهم إلى فيض هذه الخلاعة. إنهم يعرفون ما نرفضه نحن، لكنهم لا يعرفون ما نقبله. إنهم يروننا نطرح بالمياه العفنة، لكنهم لا

يروننا نشرب جرعات كبيرة من مياه الحياة الأبدية. إنهم لا يقدرون أن يدركوا بأن ما حصلنا عليه من المسيح يجعل كل شيء آخر ماسخًا وبلا طعم. لو علموا لأدركوا بأن تصرفاتهم هم هي الُمستغربة، لا تصرفاتنا نحن. لأننا إذ نرى ما ينقصهم، ونری شناعة حياتهم، وكيف أن مسراتهم ممتزجة بالأكدار، فإننا كثيرًا ما نستغرب لأنهم يفضلون الخرنوب على الخبز، والزجاج على الجواهر، ومارة على ايليم (خر 15: 23-27).

إن أي وقت يُصرف في شهوات الجسد وقت طويل جدًا. لذلك «يكفيكم زمان الحياة الذي مضى». يا للتأسفات المريرة في النفس التي تخلص عندما تتذكر الخطايا الماضية. أي شيء لا تدفعه لو أمكنها أن تمحو الماضي لكی تنظر إليه صفحة بيضاء؟ لكن هذا لا يمكن أن يحدث. إن تعزيتنا الوحيدة هي أن من قال إن وقت السهر قد مضى، يقول أيضًا إنه لا تزال هناك فرصة لإصلاح الماضي، ويعد بأن «يعوض السنين التي أكلها الجراد» (يوئیل 2: 25).

 

2- تأمل رائع

«الذي هو على استعداد أن يدين الأحياء والأموات». قيل عن لاتیمر Latimer إنه عندما استُدعى للمحاكمة الأخيرة أمام أعدائه الحانقين عليه كان متراخيًا غير مبال بأجوبته. وإذ توقف برهة سمع صوت قلم خلف الستار يسجل كل كلمة ينطق بها. وللحال بدأ يزن كل كلمة، ويتكلم بكل حرص وتدقيق. وهكذا يحثنا الله أن نبتعد عن طرق الذين يتكلمون علينا شرًّا، ويجدفون على الله، وأن «نعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر» (تی 2: 12)، لأنه «هو ذا الديان واقف قدام الباب» (يع 5: 9).

طبیعي إن الدينونة تنتظر البشر في العالم الآخر، كرسی دینونة المسيح لعبيده ليعطيهم أجرهم، والدينونة النهائية للأشرار، ونحن الذين صرنا وأحدأ معه، لن نأتي إليها. وصحيح أيضًا إننا الآن في حضرة الديان. وهو على أتم الاستعداد، وهو واقف قدام الباب. لقد حان الوقت لكي تبدأ الدينونة. وهي «تبدأ من بيت الله». (1بط 4: 17).

قال ناپلیون لجنوده إذ وقفوا في ظل الأهرامات: «أيها الجنود، إن أربعين قرنًا تتطلع إليكم». لكن إن كان ذكر الماضي الكريم يبعث القوة، فيقينًا إنه يبعث القوة لنحيا الحياة الطاهرة إن نذكر بأن «كل شيء في حياتنا عريان ومكشوف لعيني ذاك الذي معه أمرنا» (عب 4: 13)، الذي يبدأ حتى من الآن بأن يدون قراراته التي تحدد مصيرنا.

وقد تحول الرسول من الأحياء إلى الأموات، إلى الذين ماتوا حديثًا كمتألمين وشهداء في الاضطهادات التي كانت قد بدأت تُزيد عدد صفوف الكنيسة. لقد سلم، بدون تردد، بأنهم كانوا لا بُد أن يتألموا، على قدر ما تحتمل الطبيعة البشرية، كأنهم أشر الخطاة بين زملائهم. لكن هذه الآلام وهذه الدينونة هي على كل حال «حسب الناس»، ثم إنها «بالجسد» (1بط 4: 6). ثم تحول الرسول من آلامهم إلى أجرهم العظيم، الذي يلخصه في هذه الكلمات:«ولكن ليحيوا حسب الله بالروح».

أمام الآلام والدموع ودينونة جيل الشهداء الظالمة، يجب أن نضع دوامًا أمجاد أجرهم وهم يحيون في مقدمة صفوف المفديين، ويستنيرون بنور وجه الله. وإن كنا نحن نُدعى للاشتراك معهم في آلامهم «حسب الجسد»، فلتتشجع قلوبنا إذ نذكر بأننا سوف نشترك معهم أيضًا في حياتهم «حسب الله بالروح»، في ذلك العالم الذي فيه تجوز دینونات البشر تحت فحص الأبدية، وتنقض أحكام البشر، دون أي مجال للاستئناف.

وعندما يكون أمامنا فكر الأبدية فخليق بنا أن نكون عطوفين على الآخرين. ليت هذا الفكر يُنقش على قلوبنا لكي نحتمل لطماتهم، ونشهد ضد خطاياهم كأننا سائرون فعلًا في شوارع المدينة المقدسة، ومرنمين الترنيمة الأبدية.

 

3- نداء حار

«وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت. فتعقلوا واصحوا للصلوات». كانت نهاية الدولة اليهودية قد أوشكت على المجيء. وكانت بوادر الانحلال محسوسة. كانت كنيسة العهد القديم قد بدأت تنحل لتفسح المجال الكنيسة العهد الجديد.

كانت قد حانت نهاية عصر الأنبياء والملوك، نهاية مدينة الله المادية، نهاية طقوس وفرائض الديانة الرمزية. كان هنالك إحساس بهذا في نفوس الأتقياء عندما رأوا نهاية الديانة التي كانوا يحتمون تحت ظلها.. إن الطيور تنجو بنفسها عندما ترى أن الناس قد بدأوا يقطعون الشجرة التي بنت فيها الأجيال الكثيرة عشوشها. لقد امتلأ الجو بالتراب عندما أنزلت ألواح السقالة التي كانت تُعتبر جزءًا من الهيكل الحقيقي، مع أنها في الواقع كانت تخفي جماله.

لكن الرسل كانوا يستطيعون ان ينظروا بوضوح، عالمين أن «الأشياء المتزعزعة» الزائلة هي فقط الأشياء «المصنوعة» وأنها إنما تُنزع من الطريق «لكی تبقى التي لا تتزعزع» (عب 12: 27).

إن الزمن الذي نعيش فيه يشبه ذلك الزمن. ونهاية هذا الزمن أيضًا قد اقتربت. النظام القديم يتغير لكي يخلي الطريق للجديد. والرب قد بدأ يلف القديم كرداء قديم. لا بُد أن يزول الزائل المادي لكی تظهر السماء الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البر.

وواجبنا إزاء هذا مزدوج:

1- «تعقلوا». ينبغي أن يتوفر ضبط النفس حتى من جهة الشهوات المباحة، ومن جهة استخدام كل ما نملك. ينبغي أن لا يرتبك جنود المسيح بأعمال الحياة لكی نُرضي من اختارنا لنكون جنوده (2تي 2: 4)، ولكي نكون على أهبة الاستعداد عندما يُضرب البوق للدعوة للخروج، أو عندما يُسمع الصوت معلنًا مجيء العريس.

2- «واصحوا(30) للصلوات».الرب يأمر خادمه الأمين للسهر، انتظارًا لمجيء السيد، رغم أن كل من حوله نائمون. طوبی لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده هكذا ساهرًا.

ليت هذا الموقف، موقف التعقل والصحو والسهر، يكون موقفنا، طالبين سرعة مجيئه، حتى إذا ما جاء وقرع الباب نُسرع في الترحيب به على عتبة الباب، ونتقبل منه تحية السلام، ونسمع الكلمة «نعما أيها العبد الصالح والأمين».

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

23: المحبة تستر الخطايا

«ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة(31) لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا. كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة. ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة») 1 بط 4: 8- 10).

لا يدهشنا أن نجد الرسول بطرس بصر بشدة على المحبة. في لقاء لا ينسی أبدا، ذكره السيد بأن أسمَى مؤهل للخدمة هو المحبة، وكان هذا على ثلاث دفعات. والآن نرى الرسول يصر على ضرورة توفر المحبة في الذين يحاولون أن يتمموا أي شيء من أجل الله استخداما للمواهب التي اؤتمنوا عليها.

"قبل كل شيء". إن الاستغناء عن كل شيء آخر من الصفات المسيحية أو الأعمال المسيحية أقل أهمية من فقد المحبة. ومع ذلك فعند توفر المحبة يجب أن يتوفر أيضًا كل ما يؤثر على الناس ويمس قلوبهم. وهذه المحبة بطبيعة الحال، يجب أن تخرج إلى كل العالم بعطفها وكل نواحی نشاطها، لكنها يجب أن تبدأ بأهل البيت. يجب أن نحب "بعضنا بعضًا"، كمؤمنين بالرب الواحد، قبل التحدث عن محبتنا لعالم البشر الكبير المحيط بنا. كذلك يجب أن لا تكون المحبة فاترة، بل يجب أن تكون «شديدة» حارة لدرجة الغليان، تصل إلى أقصى حدودها. وعندئذ يمكن أن نعرف "ما هو العرض والطول والعمق لمحبة الله الفائقة المعرفة" (أف 3: 18-19).

لكن لنتأمل الآن بالأحرى في الطريقة التي بها تعمل هذه المحبة، لأنها يجب أن تكون محبة عملية. إن القلب الذي يذرف الدموع سخينة، ويكتفي بمجرد العواطف، وفي نفس الوقت لا يفعل شيئًا ليخفف الحزن أو يضحى بأي شيء من أجل الآخرين، لا يوجد فيه سوى ظل المحبة، بل تكون محبته زائفة. المحبة تضحي بذاتها، تسكب نفسها سكیبا، تحسب كل شيء خسارة من أجل ربح من تحبه. إنها تعرض نفسها للخطر لتستقي ماء من بئر بیت لحم، تسكب قارورة الطيب الكثير الثمن على شخص الحبيب، ولا تبالي بتعبيرات العالم، وتدهش إذ تجد أي واحد يستكثر الآلام. آه، من لنا بمثل هذه المحبة.

 

1- المحبة تستر كثرة من الخطايا (ع 8)

ليست هذه الخطايا بطبيعة الحال في خطايا الشخص الذي يحب، بل خطايا الأشخاص الذين يحتك بهم. هذه الفكرة في الواقع مقتبسة من (أم 12:10)(32)

بل لعل الفكرة كلها مؤسسة على تصرف اپنی نوح ومحبتهما البنوية، اللذين قيل عنهما إنهما، "أخذا رداء، ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما" (تك9: 23).

قليلون هم الخالون من أخطاء كبيرة: «حتى بين أكبر الممالك ثقافة توجد تطع من الأراضي التي لم تفلح قط. هكذا الحال مع صفات بعض الناس، بل أغلب الناس. فهنالك من توجد فيهم قطع من الأرض البور، لا فائدة منها مطلقًا، كريهة المنظر، ومغطاة، لا بنبات القمح أو الأذرة، بل بالشوك والحسك والأعشاب السامة».

لا داعي الآن للبحث عن كيف سمح القديسون والأتقياء لأنفسهم بهذه الأخطاء، وإن كانت هذه هي الحال مع هؤلاء، فكيف تكون الحال بالأحرى مع من لم يظهروا أي ولاء للروح القدس؟

يخطئ الناس بعضهم إلى بعض بصفة مستمرة.. يستغلون أصحابهم استغلالا سيئا، يخدعونهم بكلمات كاذبة، يحتدون عليهم في وجههم، ويغتابونهم من وراء ظهورهم، يسعون وراء لذاتهم أو مكاسبهم دون مراعاة لما قد تسبب تصرفاتهم من الخسائر لأولئك الذين هم ملتزمون بالاهتمام بهم، إنهم يكشرون عن نابهم لإخوتهم، ويعضونهم، ويبتلعونهم كالوحوش المفترسة، آه، یا للإساءات التي يكابدها الإنسان من يد أخيه الإنسان.

هنالك ضعفات في البشر مغيظة جدًا، وليس من السهل احتمالها، حتى وإن كانت لا تعتبر في مقدمة الخطايا، مثل الأباطيل التي يحس بها صاحبها، والتي تحب دوامًا التملق، أو تنتزعه من أفواه الآخرين، ومثل عدم الرضا الدائم التذمر، ومثل القلق الذي ينم عن عقل ثائر وأعصاب مجهدة، ومثل تذمر الشخص المتألم، وبخل المتقدمين في السن، وتهكم من يحسون بأنهم لم ينالوا حقوقهم في الحياة، ويحقرون من شأن الآخرين، ومثل التهور المنبعث من المبالغة في الشجاعة. هذه كلها متعبة ومفيظة، وتسبب اشمئزازا كأشر أنواع الخطايا.

ونحن يجب أن لا نصدر حكمًا خاطئًا على هؤلاء الناس، كما يجب أن لا نظن أو نقول عنهم إنهم ليسوا أثمة. إن كانوا يخطئون فليس واجبنا أن نصور أخطاءهم صورة جميلة، أو أن نقول عن الشر إنه خير، هذه بالحري تجربة إن نفعل هكذا. لأننا إن لم ندقق جدًا مع الآخرين فقد تتساهل مع أنفسنا. وهكذا يكون حكمنا فاسدا وملتويا. إذا ما صورنا أخطاء الآخرين بصورة جميلة، صار هذا هو الخطوة الأولى للاستخفاف بأخطائنا. إذن فلنحرص جدًا على أن لا ننظر إلى هذه الأخطاء بالنظرة التي لا تبالي بالتمييز بين الأبيض والأسود.

ويجب أيضًا أن لا نستخدم كلمات التوبيخ أو كل طرق القصاص. هنالك في المجتمع عواطف لينة، ضعيفة، طائشة، تنطق دائمًا بكلمات جميلة، وترش ماء الورد على مجاری میاه المراحيض المفتوحة، لكنها لا تتجاسر على أن تكون عنيفة وقاسية، وأمينة للبر. ليست هذه محبة مسيحية، رغم أنها كثيرًا ما صورت خطأ بأنها كذلك. أما المحبة التي يبعثها الله فإنها تتمهل، تترك نتائج الخطايا تكشف عن نفسها في الحياة، وتتباطأ ثلاثة أيام وهي متباعدة، مفضلة هذا عن الذهاب في الحال استجابة لطلب المساعدة(33)

لا يوجد هنالك شيء نافع، أو جمیل، أو قوي، مثل المحبة المسيحية.

ومع كل هذه الاحتياطات فالمحبة تستر كثرة من الخطايا.

1- إنها تصفح. هذا امتیاز عجیب جدًا في متناول أيدينا. ونحن إذ نمارسه فنحن نَتَمَثَّل بالله، ولعلنا لا نجد فرصة لنمارسه إلا في هذا العالم. فإننا حالما ندخل العالم الخالي من الخطية، لا يوجد هنالك مجال للرحمة. لكن يبقى هنالك مجال لنمو سائر النعم الأخرى، أما الرحمة فلا يبقى لها مجال. حالما يحس المؤمن بأنه قد أسيء إليه، فإنه لا ينتظر حتى يعترف المسيء بإساءته، أو يعتذر، لكنه يتطلع إلى السماء ويطلب له من الله الصفح، وتستريح نفسه عندما يحس بأنه قد صفح، إلى أن يذهب إلى المسيء ويعلن له الصفح. يجب أن نتمثل بالله، فإنه يسرع في الصفح، ثم إن صفحه كامل.

2- وتتحاشى أن تعطي الفرصة للآخرين لكي يخطئوا. يقال بأنه إن كان لديك حصان عزیز، ينزعج دوامًا إذا ما وصل إلى نقطة معينة في الطريق، فإنك يجب أن تحرص على تغيير الطريق إن أمكن، وإلا فاجتهد بأن تلاطفه لكي يجتاز تلك النقطة بدون خوف. وهكذا إن كنت تظن بأن موضوعا يثير صديقك ويهيجه، فإن المحبة الحقيقية تدعوك لأن تتجنبه. لا داعي لإعثاره إن كنت تعرف كيف تتجنب الباعث الأول للعثرة.

3- وتسرع لكی تنظر إلى الخطأ نظرة حسنة، أو تقول كلمة تخفف من حدتها. قال أحدهم: (صحيح أن صدیقی غبی جدًا، لكنه في نفس الوقت صادق، ويؤتمن، ويعتمد عليه. وقال آخر: نعم، هو حاد الطبع جدًا ونزق، لكن أذكر كيف كان أخيرًا مجهدا جدًا في عمله، لا يترك عمله إلا في ساعة متأخرة من الليل، ويعود إليه في ساعة مبكرة في الصباح، دون أن يأخذ نصيبا كافيا من الراحة،. وقال آخر: «نحن نسلم بأنه الآن سيء الخلق ومكدر. لكنه كان في الأيام الأولى عظيما جدًا، يحتمل أي إساءة». وقال آخر: «هل أنت واثق أنه لا يمكن تفسير تصرفه تفسيرا آخر؟».

بمثل هذه العبارات يمكن أن تناقش المحبة المسيحية ذاتها أو الآخرين، وتكون النتيجة أنه يمكن تفادي خطايا كثيرة، ويمكن الصفح عن أخطاء كثيرة.

4- وتوبخ بمنتهى الرقة. هنالك حالات تستدعي التوبيخ العلني، ينبغي أن لا يبقى القرح مغطى لئلا يؤدي إلى الموت، بل ينبغي شقه، وإلا فلا يمكن شفاؤه. لكن الشق يجب أن يكون بمنتهى الرقة. ينبغي توبيخ الخاطئ وانتهاره «بكل أناة» (2 تي 4: 2)، «إن انسبق إنسان فأخذ في زلة ما فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة» (غل 6: 1).

 «إن معالجة أخطاء الآخرين تتطلب الكثير جدًا من الحكمة الروحية، بالا تتطلب روحانية الذهن، وفطنة كثيرة، وذهنا خاليا من روح الإنفعال، لأن هذه تعمي البصيرة، وتقسي اليد، وعندئذ لا يستطيع المرء أن يبصر جيدا، خلق أو يداوى القرح جيدا ما فيهلك الكثيرون بسبب جهل وتجاهل هذه الروح الطيبة التي يجب أن تمارس بها هذه الخدمة». أما المحبة فإنها تمنح هذه الرقة وهذه الحصافة.

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

2- المحبة مضيافة بسخاء (ع 9) 

هذا لا يعني إقامة الولائم الفاخرة، بل بالحري دعوة «المساكين والجدع والعرج والعمی، إذ ليس لهم حتى يكافئوا» (لو 14: 13-14). خلیق بنا أن نعتبر بيتنا وزنة أعطيت إلينا من الله للخدمة، وأن نستخدم غرفة الضيوف التي فيه ليس فقط لاستقبال أصدقائنا، بل أيضًا لاستقبال خدامه. والذين يسكنون على شاطئ البحر، أو في أماكن طيبة الهواء يجب أن يفكروا فيما إذا كانوا يستطيعون إنعاش بعض المنهكي القوَى. والذين يعيشون في المدن الكبيرة يجب أن يفتحوا بيوتهم للشبان الآتين حديثا من القرى، الذين قد يجربون بالانحراف لعدم الترحيب بهم في البيوت الطاهرة كالبيوت التي تركوها. «لا تنسوا إضافة الغرباء» (عب 13: 2). لا يزال المسيح يسأل، في شخص أولاده، هذا السؤال: «أين المنزل(34) (م 14: 14، لو 22: 11)

(بلا دمدمة». إن نية القلب هي كل ما يهتم به الله «المعطي المسرور يحبه الله» (2 كو 7:9)، هو يسر جدًا بفعل الخير لدرجة أنه لا يستاء من أي شيء أكثر من الإحجام عن فعل الخير. ليس معنى الكرامة الإسراف، وإلا فلا يمكن الاستمرار في الإضافة. وفضلا عن تذكير الضيف بأن لا يعتبر نفسه غريبا، فإن ما يعمل يجب أن يعمل بسرور ومن كل القلب. لا توجد ضیافة أكثر كرما من أن تجعل الضيف يعتبر نفسه بأنه في بيته، لأنه لا شيء من الإلزام أو الاضطرار أو التكلف.

 

3- المحبة تخدم (ع10 و11) 

لا يتحدث الرسول هنا عن المواهب غير العادية التي منحت للكنيسة الأولى، بقدر ما يتحدث عن المواهب الممنوحة لنا اليوم. موهبة الكلام، موهبة الثروة، موهبة القدرة على الإدارة، موهبة الترنيم. هذه كلها مواهب من يد الله ليس لنا ما تفتخر به، لأنه «أي شيء لك لم تأخذه» (1 كو 4: 7). وبدلا من أن نحسد شخصا آخر، ينبغي أن نشكر الله من أجل ما أعطاه له هو أيضًا، طالبين منه أن ننتفع نحن أيضًا به، وتنال من بركاته على قدر الإمكان.

كل عضو في الكنيسة وكيل، أؤتمن على شيء ما. «لیكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة» (ع 10). كل شيء في الوجود، مهما كان تافها، له عمله وأهميته. «كل واحد أخذ موهبة». يا من لا تعمل شيئًا لخدمة العالم، ليس ذلك لأنك لا تملك أي موهبة، بل لأنك لا تستخدم الموهبة التي لك. لقد أخفيتها في مكان ما في منديل. أخرجها وضعها بالربا عند الصيارفة. قد لا تكون هذه الموهبة بارزة او لامعة، لكن طالما كانت قد أعطيت لك فإنك سوف تعطي حسابا عن كيفية استخدامها. إن المقدرة على العطاء موهبة عظيمة كالمقدرة على التعليم أو الكرازة.

يجب أن لا ننسى قط بأننا لا نملك تلك المواهب، بل نحن وكلاء عليها، وسوف نعطي حساب وكالتنا لسيدنا، وربما يكون هو الآن على الباب. لا يهمنا كثيرًا ما يظنه الناس فينا، أو ما يقولونه عنا، طالما كان الرب راضيا عنا، وطالما كنا نبذل أقصى جهدنا لكي تنمي وتستخدم مواهبنا الثمينة التي أعطيناها. يجب أن يكون الهدف الرئيسي أمام كل منا أن نعمل على قدر الطاقة التي أعطاها لنا الله..

«نعمة الله المتنوعة» أي نعمة الله المتعددة الأشكال، كل واحد منا يتقبل نعمة الله من زاوية مختلفة، ويعكسها كانعكاس أشعة النور. قد تكون هذه النعمة في البعض موهبة الكلام «إن كان يتكلم أحد» (ع 11)، وفي الآخرين موهبة الخدمة «وإن كان يخدم أحد»، وفي غيرهم موهبة العطاء. لكن الجميع مدعوون ليقوم كل واحد بنصيبه في الكنيسة، التي قد تكون الإدارة فيها مختلة اختلالا كليا بسبب تكاسل البعض، أو لإهمال الآخرين.

ويجب أن يكون الباعِث في الجميع واحدًا. قد تكون الخدمة عظيمة الشأن أو بسيطة، بارزة أو مجهولة، لكن مجد الله يجب أن يكون هو الهدف الأسمَى. إن كنا نعمل بأی باعث آخر فنصيبنا الفشل.

وكل من يعمل فعمله ليس باطلا في الرب.

يستطيع الله أن يتمجد -إن أراد- سواء في الفشل أو في الموت. فلنمجده بیسوع المسيح، رئیس كهنتنا الأعظم، وليتمجد فينا وبنا، وبكل الكائنات المخلوقة، إلى أبد الآبدين. آمين (ع 11).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

24: باعث حياتنا

«إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله. وإن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح، الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين» (1 بط 4: 11).

قبل الانتقال إلى التأمل في البلوى المحرقة التي نحن معرضون لها، يبدو أنه من المناسب أن نتوقف قليلًا للتأمل في الباعث الرئيسي الذي ينبغي أن يكون هو الدافع لنا في الحياة، أي أنه يتمجد الله في كل شيء.

 كان هذا هو الباعث الدافع لربنا المبارك. عندما «اتخذ صورة عبد صائرا في شبه الناس» (في 7:2)، وضع أمامه هدف حياته، وهو أن يزيد الله الآب مجدا. لقد تحدث عن نفسه على أساس أنه «لم يطلب مجد نفسه، بل مجد الذي أرسله» (یو 7: 18). وعندما راجع حياته وهو على عتبة الصليب، سره أن يقول إنه مجد الأب على الأرض، وأكمل العمل الذي أعطى له (يو 17:4). وقد طلب المجد لنفسه لكی یزید الآب مجدا (یو 1:17). ووعد باستجابة الصلاة بقصد أن «يتمجد الآب بالإبن» (يو 14: 13).

ومن كلمات الرب نتعلم أن الروح القدس مجده بعد أن صعد إلى الآب. وما يفعله الروح القدس للإبن في كل الدهور، يفعله الابن أيضًا للأب، وقد فعله. ومن خدمة الروح القدس المستمرة يمكننا تكوين فكرة بأن خدمة الابن أثناء حياته على الأرض، وحياته وراء الحجاب، كان هدفها تمجيد الآب (يو 17: 4-5).

لكن ما هو هذا المجد، وكيف يمكن أن يتمجد الله؟ المجد هو إعلان الصفات المستترة لله المبارك إلى الأبد. هو يسكن في النور السامی جدًا في طهارته، لدرجة أن العين البشرية لا تستطيع النظر إلى الوهج الذي يحيط بشخصه. ولو كان الله مجهولا، ولا نعرف عنه شيئًا، لبقينا إلى الأبد لا ندركه ولا نحبه. وكيف يستطيع البشر أو الملائكة عبادة إله لا يدنی منه، ولا يمكن معرفته ؛ لكن يسوع المسيح، الذي هو في حضن الآب (يو 1: 18) منذ الأزل وإلى الأبد، أعلنه لنا، أعلن صفاته التي كانت مستترة، أعلن لنا طبيعته الإلهية. وإذ أعلنت، عرفت الله ربوات لا تحصى، وأحبته، وعبدته، لأنهم رأوا مجده في وجه يسوع المسيح، وسجدوا بفرط السرور، وأعطوا المجد للجالس على العرش وللحمل.

إن المنشور البلوري، الذي يبين الألوان الرائعة الكامنة في أشعة الشمس، يمجد الشمس وخالقها. والفنان الذي يقرأ أسرار الطبيعة، ويرى ابتسامتها الساحرة، التي لا يراها إلا محبوها، يمجد ذلك الكائن خلف كل الطبيعة. ودارس الكتاب المقدس، الذي يرى جمالا رائعا في الله الذي كتبه، یزیده مجدا فوق مجد. وكما أن ابن الله أظهر لنا نور الأب، وجعل كل الخليقة العاقلة تعجب به، فإننا نستطيع القول بحق إن الآب تمجد فيه.

هكذا الحال أيضًا في الخليقة عندما أظهر ابن الله صفات الله الخالق القادر على كل شيء في جمال رائع. هكذا الحال أيضًا في أعمال العناية الإلهية عندما أظهرت ذاتها نعمة الله العضدة في الأعمال المجيدة في كل الأجيال المتعاقبة. هكذا الحال أيضًا بصفة أخص في حياة الفادي، وكلماته، وموته. فقد كانت هذه منافذ إلى قلب الله. فإنه لم يكن ممكنا أن يعرف إلا بعد أن أظهر المسيح -باحتكاكه مع البشر الخطاة- أنوار الإنجيل البراقة، ذلك الإنجيل الذي هو أثمن ما يمتلك الجنس البشري. ولعلنا ترى في الأحداث، التي سوف تذاع فيما بعد، كيف يظهر الرب يسوع المسيح صفات الآب، التي لا نعرف عنها إلا القليل، أو لا نعرف أي شيء، أو التي كنا نراها في تور باهت

كان هذا أيضًا هو الباعث للرسل، لا من أجل ربح مادی، أو من أجل مديح الناس، لا من أجل اكتساب سلطة، ولا من أجل نفوس الناس فقط، بل من أجل مجد الله. لم يحسبوا أنفسهم ثمينة، بل تحملوا المتاعب والاضطهادات، حتى الاستشهاد ذاته، كانت أمنيتهم أن يظهرو للناس كيف أن الرب طيب ومجید، أو يفتحوا القلوب لكي تستقبل نوره في أعماقها، لكي يزداد مجدا عندما تعمل فيهم قدرته العجيبة «فيرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله» (أع 26: 18).

وهذا يجب أيضًا أن يكون هو الباعث لنا.

1- إنه لن يخزي. إن كنا نعمل بباعث أدنى من هذا، فإننا دراما نعرض الفشل. فإما أن لا تتحقق رغبات قلوبنا، أو تتحقق، ولكن يضغط علينا الان شعور بعدم الاكتفاء وبالضيق. أما ذلك الباعث فإنه لن يضللنا قط، فهو أمامنا دوامًا. وهو باستمرار يوحي إلينا بإيحاءات نبيلة، منيرة، تسمو بنا إلى فوق. عندما نبذل كل ما في وسعنا يبقى هذا الباعث أمامنا يصعد بنا إلى قمم أعلى، أو يدفعنا إلى جهود أكثر جرأة، والتأثير الذي يحدثه فينا يدفعنا إلى الولاء والإعجاب، ويجعل كل حياتنا وكل أعمالنا.

عندما تحس بأننا نعمل بباعث خاطئ، أو بباعث أدنَی، فلنلجأ إلى الله، ونخبره بأننا لا نريد إلا أن نحيا ونعمل بهذا الباعث الأسمَى. اطلب منه أن يخلق فيك قلبا نقيا، ويجدد فيك روحا مستقیما. ثق بأنه يستطيع بروحه القدوس أن يبدل أشر ما فيك إلى أحسن ما يمكن، إلى أن تلتهب روحك شوقًا لمجد الله.

يحتاج الكثيرون إلى هذه الكلمات. إنهم يعملون من أجل خلاص الآخرين، من أجل ازدیاد عدد أفراد رعيتهم، من أجل صد هجوم الخطية، من أجل تخفيف آلام الآخرين. هذه كلها بواعث طيبة، لكنها ليست هي الأفضل.ووجودها يفسر سبب الفشل الذي يئن تحته الكثيرون من الخدام الأتقياء. فاحرص على أن تعمل كل شيء لمجد الله، سواء عملت من أجله، أو صليت من أجل من الامتلاء بالروح القدس، أو أديت أي عمل من أجل خير البشرية.

2- وهو يجعل الحياة كريمة نبيلة. نحن نجعل فوارق ليس لها وجود في هذا العالم. فنقول عن بعض الأشياء إنها مقدسة، وعن الأخرى إنها عالمية، عن بعض الأشياء إنها عظيمة، وعن غيرها إنها غير روحية. نحن نحكم على الأشياء حسب مظهرها وحسب الخير الذي تشغله بين الناس. وننسى أن الاختلاف في نظر الله هو اختلاف الباعث. فالباعث المقدس يجعل كلشيء مقدسا. والباعث العلمي يحط من قدر أقدس الخدمات، وينزل بها إلى الحضيض. الأشياء التائهة تصير عظيمة عندما يكون الباعث لها عظيما مقترنا بالمحبة وروح التكريس. أما الباعث الدنيء فإنه يجعل تقدمة صاحب الملايين دنيئة. الشخص التقى بربط كل شيء بعقدة مزدوجة، أي بالإيمان والصلاة. والشخص غير التقي يجعل لنفسه مائدة الرب مائدة شياطين.

كثيرًا ما يغتاظ البعض ويتضايقون لأنهم محصورون في أعمالهم العالمية اليومية، ويشتاقون إلى التحرر منها ليكرسوا أنفسهم للأعمال الروحية. إن وجد من بين قراء هذه الكلمات من هو هكذا، فيسأل قلبه عما إذا كانت حياته مسلمة لله تسليما كليا. إن كان الأمر هكذا، فليذكر بأن الله قد وضعه في المكان الذي هو فيه لقصد معين. ثم ليملأ هذا المركز من أجل الله، وعندئذ تنبعث من سيرته أشعة من الجمال، ويمجد الناس الله من أجله. «لي الحياة هي المسيح»، لكي يتمجد المسيح.

مهما كان عملنا اليومي، فينبغي أن نؤديه بنفس الباعث السامي الذي تحلى به أعظم الرسل، أو الذي يتحلى به الساروفيم، ناقشين على عتبة كل يوم جديد «المجد الله في الأعالي».. إذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء المجد الله (1 كو 10: 31).

أخيرًا، يجب أن لا تنسى بأنه لا يمكن أن أي باعث، مهما كان ساميا وطاهرا، يجعل خدمتنا مقبولة أمام الله قبولا كاملًا. فإن الله لا يتمجد إلا باستحقاق الرب يسوع. ولذلك حرص الرسول على إضافة هذه العبارة «يتمجد الله بيسوع المسيح،

(ع 11). هنالك طريق واحد لله، هو الرب يسوع الذي قال «أنا هو الطريق».

آه، ليتنا تحصر كل رغباتنا في مجد الله. من أجل هذا ينبغي أن نعيش، أو، إن لزم الأمر، أن نموت. من أجل هذا ينبغي أن نتمم أتفه الأعمال بروح إنكار الذات، وبروح الخدمة، وأن ننسى كل ما نلقاه من متاعب ومن مشقات. لیكن هذا هو باعث حياتنا. يجب أن لا ننتظر حتى تأتي الأجيال البعيدة «آبد الآبدين، بل لنعطه «المجد والسلطان، الآن. لتمتلئ شفاهنا بمجده وسبحه، ولتخضع حياتنا السلطانه. ولتنبعث من حياتنا الضعيفة هذه الكلمة الحلوة المفرحة «آمین».

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

25: لا تستغربوا

«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ، بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ. إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ» (1 بط 4: 12-14).

في إحدى المناسبات استغرب الرسول بطرس أن يفكر المسيح في الآلام. والآن يرى الرسول أنه لو كان المسيح قد فكر في شيء آخر لاعتبر هذا أمرًا غريبًا. ولقد كتب للمؤمنين الذين في الشتات يأمرهم بأن لا يستغربوا إن كانوا يجوزون البلوى المحرقة والآلام المريرة.

«لا تستغربوا». لكن الذي يبدو مستغربًا هو أن يشرب القديسون الكأس المريرة حتى الثمالة بينما يعيش الخطاة في راحة كاملة. غريبٌ بأن يسمح للأشرار بأن يتآمروا على الأبرار وتنجح مؤامراتهم، والغريب أن يجلس الدنسون على كراسي القضاء التي يقف أمامها الأتقياء لِيُحَاكَمُوا لا لأي ذنب اقترفوه سوی مساعيهم الصالحية من أجل خیر البشرية. غريب أن تعصر الأحزان قلوب أطهر وأنبل أولاد الله، وأن يموتوا بالسرطان، ويحاطوا بالفقر، وإساءة فهم الناس لهم، وبغضتهم لهم.

كان غريبًا للأعُين البشرية أن ألوفًا من الشهداء يموتون في ملاعب روما، ويضيئون الحدائق العامة بأجسامهم المشتعلة بالنار، بينما يكون نیرون في مرح وعربَدَة في قصرهُ الفَخْم. غريب أن يتألَّم قديسو الرب في السجون، وفي التعذيب، بينما ينال أعداؤهم الأرباح المادية والمراكز الرفيعة عن طريق الآلام. غريبٌ أن يكون تقدم الكنيسة دوامًا مقترنا بسلسلة من الدماء. أليس يسيرًا أن لا نعتقد بأن هذا غريب. ومع ذلك فالأكثر غرابة أن لا تكون الأمور هكذا. ولنتأمل الآن في الاعتبارات التي لا تجعل الآلام غريبة.

 

1- هذا العالم في تمرد مستمر وثورة دائمة. وعجيب أن نذكر بأنه رفض أن يملك الله على عرشه (عرش العالم)، كما فعل إسرائيل في القديم، واختار إلها آخر، هو الذي أشار إليه ربنا مرارًا بأنه «رئيس هذا العالم،. لقد حكم شاول العالم المنظور، أما داود، الملك الشرعي، فقد ظل متواريا بين الذين أحبوه، الذين كان يتزايد عددهم يومًا فيومًا. هل كان يستغرب أن يكابد رعایا الملك المعين من الله معاملة قاسية على أيدي المتمردين الثائرين عليه؟ لم يكن ممكنا أن يتم غير هذا.

 

2- لقد سار الرب في نفس هذا الطريق. منذ اللحظة التي ولد فيها، حينما سعى هيرودس أن يقتله، إلى آخر لحظة من حياته، كان زنبقة بين الشوك، حملا ودیعا بين ذئاب خاطفة. لقد «أبغضه إخوته ولم يستطيعوا أن يتكلموا معه بسلام» (تك 37: 4). والذين أتى لكي يجمعهم، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، رفضوه باحتقار وازدراء، وأخيرا جرحوه وقتلوه. لم يحصل قط أي اتحاد في البغضة مثل تلك التي أحاطت بیسوع عندما ذهب إلى الصليب. أيها المبارك، يا من ملكت على عالم البؤساء، لقد «احتملت من الخطاة مقاومة لنفسك» (عب 3:12)، حتى كسر العار قلبك (مز 69: 20). وليس لنا أن نختار طريقا أفضل، أو نصيبًا أخف، لئلا نصیر غير جديرين بأن تكون من أتباعك، وغير مستحقين أن تحمل اسمك.

 

3- وهو الطريق إلى الوطن.. عندما ودع صموئيل شاول الذي اختير ليكون ملكًا، والذي كانت عيون كل إسرائيل تتطلع إليه، أخبره ببضع علامات تحصل له في طريقه (اصم 10). والأرجح أن النبي فعل هذا ليساعده على تكوين فكرة حقيقية عن السلطان الإلهي للقيام بالمهمة التي كان قد قبلها في ذلك الوقت. لا بُد أنه كان يزداد اقتناعا في كل خطوة أن صموئیل نبی حقیقی للرب، وأنه (أي شاول) كان سائرا في طريقه الذي سبق أن رسمه له الله. هكذا نحن أيضًا عندما ترى أو نختبر البغضة الموجهة للمسيحية والمسيحيين مِمَّن يتصدون أن يخدموهم، ونتحقق بأن هذه تتمم تمامًا نبوات ربنا المبارك، فإننا نحن أيضًا نقتنع بأننا سائرون في الطريق الذي سلكه الأنبياء، والذي يحررنا من قيود العالم.

إن أحبنا كل الناس، ولم يرتفع أي صوت قط معبرا عن البغضة أو الوشاية، فيحق لنا أن نشك في أننا نسلك في الطريق إلى السماء. لقد أكد لنا الكتاب بأننا «إن كنا بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فنحن نقول لا بنون» (عب 8:12). وقيل أيضًا أننا «بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أع 14: 22). بعد أن تنتهي العاصفة الثلجية، يستطيع متسلق الجبل أن يعرف الطريق بواسطة العلامات التي وضعها في أماكن متفرقة على سفح الجبل. وهكذا يستطيع المؤمنون أن يتبينوا بأنهم في طريق الكنيسة من العداوة التي تظهر ضد دیانتهم في يسوع المسيح.

هذا ما يحصل تمامًا بنسبة إخلاصنا وتمسكنا بحياتنا الروحية. إن كنا نعيش وكما ينبغي، فإننا ندين العالم المحيط بنا. «يوجد في حياة المؤمن نور كشاف، يبين عيوب أعمال الظلمة، كما توجد حرارة شديدة تحرق الأشرار، وتتعب ضمائرهم، هذه لا يحتملونها، وعندئذ تنشأ في داخلهم نار من البغضة الشريرة، ومن هذه تنشأ البلوى المحرقة التي يوجهونها للأتقياء.

 

4- هنالك هدف من هذه الآلام. ومع أنه قد يبدو بأنها تخرج من التراب بلا مبرر (أي 5: 6)، لكن الأمر الواقع أن مهارة الصانع الأعظم قد رتبتها بحكمة. ربما تكون قد رفعت صلوات سرية سابقة للنمو في النعمة والإثمار في الخدمة، فأتت الصلاة بشرب كأس الآلام يمسكها الله، ولو كانت بغضة بني البشر هي التي مزجتها. قد يأتي عمل القسوة العنيفة بسبب خيانة يهوذا، لكن الكأس يجب أخذها على أساس أنها من يد الله الآب (یو 18: 11). إن كانت القذيفة توجه إلينا بسبب خبث وسوء نية العدو، لكنها إن مرت في يدي الله الحنون، فيكون هو الذي رتبها لتطهير صفات المتألم ونضوجه. وبهذا المعنى يمكن القول إن ما يسمح به الله يكون هو الذي رتبه. لا يمكن أن نصیر آلات حادة جديدة للدراس بدون النار، ولذلك فلا يستغرب إن جربنا بالنار إلى أقصى حد.. لكن الرحيم الجالس بجانبنا يجس النبض باستمرار، لكي لا تكون الحرارة أشد مما نحتمل. فليتنا ندرك إنه لا توجد طريقة أخرى لتنقيتنا من محبة الذات، ومن أدناس طبيعتنا الفاسدة.

 

5- وبهذا نحن نشترك في آلام المسيح. طبيعي أن آلام المسيح كانت فريدة، فقد داس المعصرة، ولم يكن ولن يكون لها نظير، وحده (أش 13: 3). وتطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي أذلني به الرب» (مراثي 12:1).

ومع ذلك فنحن مدعوون لكی «نكمل نقائص شدائد آلام المسيح» (كو 1: 24) وحياته فينا تلقى نفس المعاملة التي عومل بها لما كان في أيام أية ربح جسده. نحن نعلم حقًا بأننا لن تستطيع أن نشترك معه في آلامه الكفارية، لكننا يجب أن نعلم كلنا شيئًا عن آلامه الأخرى عندما جرب، عندما رأى مصير ابتها يا أورشليم وبكی عليها، عندما احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه، جميل جدًا أن نشترك معه في أي شيء. الأشياء الحلوة تكون مرة إن كان بعيدًا عنا، والمرة تكون حلوة إن كان قريبًا عنا. ليتنا نزداد اقترابا منه، حتى ولو كانت الرابطة التي تربطنا به سلسلة حديدية محماة في أتون النار.

قال القديس برنار إن المسيح كان يهرب لما كانوا يريدون أن يجعلوه ملكًا، لكنه سلم نفسه لما أرادوا أن يصلبوه. وإذ وضع هذا لأذهاننا، يجب أن لا تتردد الإعلان عن ترديد الكلمات النبيلة التي نطق بها اتای الجتي لداود الملك «حي هو الرب وحي سيدي الملك أنه حيثما كان سيدي الملك إن كان للموت أو للحياة فهناك يكون وقال ابن عبدك أيضًا» (2 صم 15: 21).

وسوف تكون إجابته لنا هي نفس إجابة داود للاجئ آخر أتى إليه للدفاع عن قضيته «أقم معي. لا تخف. لأن الذي يطلب نفسي يطلب نفسك. ولكنك عندی محفوظ» (1 صم 22: 23). نحن نشترك في آلامه، وهو يشترك في آلامنا. إن كان هنالك شيء أتفه من أن تحدثه عنه فهو أتفه من أن تهتم به وتنشغل به. لكن إن كان هنالك ما يضايقك ويزعجك، فاذكر أنه في كل ضيقك يتضايق (أش 63: 9)، وأنه إن كان أمثال، شاول يضطهدون الكنيسة، فإنهم في الحقيقة يلمسون حدقة عينه (زك 2: 8).

أليس خليقا بنا أن نتبع قائدنا الأعظم؟ أيليق بأن يتعثر هو تحت صليبه وأن تحمل نجن إلى السماء على فراش ناعم؟

أيليق بأن يجوز هو بحارا من الآلام وأن نسير نحن حولها في طريق أمين؟ أيليق بأن يكون هو محاطا بالأعداء وأن نتجنبهم نحن تاركینه وحده لآلامه؟ هذا لا يليق ولن يليق. إن كان كل عضو من أعضاء جسده الطبيعي، في أيامه على الأرض، أي القدمان، واليدان، والرأس، قد اشترك بنصيبه من الآلام، ولم يستثن عضو واحد، هكذا ينبغي أن كل عضو في جسده الرمزی، أي الكنيسة، يتوقع بأ يشترك في آلامه، في الرفض، والصلب، في كل الأجيال التي يجوزونها.

 

6- انظروا إلى النهاية. سوف يستعلن مجده (ع 13). سوف تعجل آلامه انتظارنا لذلك اليوم المبارك. إن الراحة الكثيرة قد تجعلنا ننسى أنفسنا، ونظن بأننا قد أدركنا كل شيء، فتقصر أيدينا عن أن تمتد إلى الأمجاد القادمة. لذلك فخير لنا أن نتألم، لأننا قد تعلمنا أن ننتظر مجد الرب عند استعلاته «بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكی تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين» (ع 13). هذه أمور حقيقية يقينية، أما الأشياء الأخرى فهي تافهة، وغرارة، ووقتية، إلى لحظة. وعندما يظهر فحينئذ نظهر نحن أيضًا معه في المجد (كو 3: 4)، والذين كانوا أقرب إلى الصليب سيكونون أقرب إلى العرش. وسوف يشرق علينا نحن أيضًا نور مجده. سوف نكون مثله، ومعه، وفيه، إلى الأبد. وبنسبة آلامنا سوف يكون أجر وأمجاد ملكوته. سوف تعظم أفراحنا بحيث لا يمكن أن تقارن بها آلام الزمان الحاضر.

 

7- وسيعوضنا عن هذه الآلام تمتعنا بروح المجد. «إن غیرتم بإسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم» (ع 14). عندما تتثقل النفس تحت مثل هذه الآلام يحرص الله على أن لا تسبب لنا خسارة. إن ما يفقد من الخارج يتجدد في الداخل. كما أنه إذا ألقيت المياه على النار من أحد جانبی الحائط فيأتي ملاك منیر من الجانب الآخر، ويسكب زيتا من نافذة صغيرة فتشتعل النار مرة أخرى.

آه، يا له من تعويض ذلك الذي يكون من نصيبنا. فالشخص التقى عندما يهرب من غضب الناس إلى مراحم الله يعوضه الله مائة ضعف. عندما ننال أقل قدر من محبة الناس ننال أكبر قدر من محبة الله. إذا تركنا الأب والأم فالرب يضمنا (مز 27: 10). عندما تغرب شمس النجاح الأرضي، نحس بالنار المشتعلة في عمود السحاب، الذي لم يكن ممكنا لنا أن نراه بكيفية أخرى، والذي يتحدث عن وجود الله معنا وعنايته بنا.

لا يقدر الناس قط أن يفهموا هذا. إنهم ينظرون إلى القشرة الخارجية الخشنة فقط، لكنهم لا يفكرون في النواة التي في داخلها. إنهم يلمسون فقط الإناء الخارجي الخشن، لكنهم لا يفكرون في الطيب والبلسان المختفي في الداخل. إنهم يقدرون أن يقيسوا ما ننبذه، لكنهم لا يقدرون أن يقيسوا الثروة الجزيلة التي يعوضنا بها الله.

أنت لن تعرف الكثير عن عشرة الله إلا عندما يبعدك الناس إلى المنفى. ولن تنال القدر الوفير من «روح المجد والله» إلا عندما يتحول عنك أقرب الناس إليك، ويهزأون بك. كل الخسائر التي تحل بنا يعرضنا عنها بثقل المجد الأبدی (2 كو4: 17).

إذن فلنشدد أنفسنا لاحتمال كل ما يحل بنا من آلام مهما اشتدت، على أن لا تكون الألم بسبب أخطائنا، بل بسبب تقوانا، لا بسبب حدة الطبع أو الكلام الشرير أو سوء التصرف، بل بسبب تمثلنا بالسيد واقترابنا منه. إذا ما أسيء إلينا مثله فإننا نصير مثله. إذا ما كنا قريبين منه ينالنا نصيب من الوحل الذي يقذف عليه.

«لا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر.. بل كمسيحي» (1 بط 15-16). جميل جدًا إن كنا لا نتألم إلا كمسيحيين. وعندما تأتينا آلام كهذه فلنحسبه كل فرح (يع 1: 2)، ولنتخذ منها فرصة للترنم، وفرصة لنسبح من جديد قائلين «المجد لله في الأعالي».

← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

26- أسئلة بدون إجابة

«لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. اما الان فإن كان أولًا منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟ وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟» (1 بط 4: 17-18).

 

كانت العواصف قد بدأت تهب على الكنيسة إذ كان الرسول يكتب هذه الكلمات. ولقد سبق أن تنبأ الرب مرارًا عن هذه العواصف، لكن لم يسمع لها إلى ذلك الوقت أن تهب بكل عنفها، كان الرب قد كتم أنفاس العوامل العدائية التي كانت تنتظر اللحظة التي فيها تفك من عقالها. وكان هنالك كل ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه إن أعطيت فترة راحة أخرى فستكون قصيرة جدًا، لأنه الوقت لابتداء القضاء من بیت الله(35)

كانت تلك الأوقات العاصفة لازمة، مهما كانت عنيفة، كانت لازمة كلزوم الرياح الشرقية لتحطيم الأشجار الميتة في الربيع، وكلزوم المذراة لتفصل التبن عن القمح.لولا هذه الأوقات العصيبة لامتلأت الكنيسة بالذين يظهرون صورة التقوى لكنهم ينكرون قوتها. ولولاها أيضًا لحل التراخي والكسل والنوم بالأتقياء المخلصين، وعدم المبالاة باحتياجات العالم. ولذلك فمن الضرورى -من وقت لآخر- أن يقوم الله بعملية الفرز والقضاء والدينونة.

لكن آلام هذه الحياة، مهما كانت عنيفة مريرة، إنها فقط جزء من سر الآلام والدينونة، الكائن ليس فقط هنا، بل أيضًا في الحياة الأخرى. ليس للمؤمن أن يخاف من هذا. فآلامه الحاضرة -مهما اشتدت- لا تتعدى حدود هذه الحياة الفانية، لأنها لن تستطيع أن تتجاوز الحواجز التي تفصل بين هذه الحياة والحياة الأخرى.

أما مع الأشرار فالأمر يختلف. فالعاصفة التي تعصف عليهم في هذه الحياة ليست إلا بداية أحزانهم. وا لوت ينقلهم إلى شقاء أشنع. وهم يرتحلون من هذا العالم إلى النار الأبدية، ويطرحون في الظلمة الخارجية. هم محفوظون ليوم الدين ليعاقبوا (2 بط 2: 9).

وعلاوة على هذا، فآلام الذين لا يطيعون إنجيل الله» تختلف كل الاختلاف عن آلام أولاد الله، سواء في هذا العالم أو في العالم الآخر. فإن آلامهم تكون مقترنة بوخزات الندم، وتأنيب الضمير، والشعور المرير بالانفصال عن الله، وعن المحبة والرجاء والبركة. والمؤمن عندما يتألم يبقى قلبه عامرة بالرجاء، أما غير المؤمن فيبقى قلبه ملينا بالظلمة الحالكة.

كان هدف الرسول الرئيسي من كلماته هنا هو تعزية القديسين في آلامهم. لقد قال لهم: إن كنتم تتألمون وقتيا فاذكروا بأن الراحة تنتظركم في الأبدية. إن تألمتم كبنين فافرحوا لأنكم لن تتألموا كأعداء. إن كنتم تجتازون مياه القضاء العميقة المظلمة فثقوا بأن تصيبكم يختلف كل الاختلاف عنه لو كنتم أشرارا ودنسين. مهما كانت آلامكم شديدة فإنها لا تقارن بآلام من يرفضون الإنجيل. وأنتم إذ تقفون على حافة آلامكم فإنكم تستطيعون أن تتطلعوا إلى الهاوية التي انحدروا هم إليها، وهي في الواقع لا قرار لها، مغلفة بالظلام.

بعد ذلك يختم الرسول هذا الأصحاح، أصحاح الآلام، بكلمات حلوة معزية عن تسليم النفس لله.

 

1- المصير الذي خلصنا منه

هنا يذكر الرسول ثلاث درجات من التمرد: غير المطيعين، والفاجر، والخاطئ. هكذا تنتقل النفس من حالة التراخي السلبية إلى حالة الرفض الإيجابية. وفي طريقها هذا «تدخر لنفسها غضبا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة» (رو 2: 5). إن كنت لا تطيع الإنجيل فإنك تحسب في عداد الأشرار والدنسين.

إن وجد بين القراء من هم كذلك فليذكروا كيف سيكون مصيرهم مخيفا ومحزنا. نحن لا نتحدث الآن عن الأغبياء أو الوثنيين، أو الذين لا يعلمون ومع ذلك يفعلون ما يستحق الضربات. فهؤلاء قد قيل عنهم إنهم يضربون ضربات قليلة (لو 12: 48). لكن حديثنا موجه الآن للذين سمعوا كلمات المسيح، لكنهم تحولوا عنها، ليس لأنهم لا يقدرون أن يؤمنوا، بل لأنهم لا يريدون، مفضلين الظلمة عن النور، والخطية عن الصلاح، والذات عن الله.

لقد رأيتم الأبرار يتألمون، ورأيتم كيف كان عسيرا عليهم أن يحتملوا. مع أن الله كان يعضدهم بشخصه، ومواعيد الإنجيل تعضدهم، ورغم تأكدهم من يقينية جزائهم ومجده وعظمته، ورغم مقدرتهم على أن يقرأوا رسالة الله في كل ضيقة، وعلى أن يروا غاية كل تأدیب، فقد استطاعوا بالجهد أن يحفظوا القلب والجسد من اليأس.

لكن ماذا يكون حالك عندما تأتي إليك ساعة الشدة، وسوف تأتي عاجلا أو آجلا؟ إن كنت بعيدًا عن الله فإنك لن تجده ليشددك، ولن تجد المواعيد التي تعتمد عليها، ولن تجد ما يؤكد لك سرعة انتهائها، ولن تجد شهادة من ضمير صالح، ولن تجد رجاء في التحرر من الشدة. سوف لا تجد أمامك إلا «قبول دینونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادین» (عب.1: 27). «هل يثبت قلبك أو تقوى يداك في الأيام التي فيها أعاملك" (حز 22: 14).

إن كان البنون يتألمون هكذا، مع كل تلطيف من محبة الآب، فأية آلام لا تحل بالعصاة المتمردين؟ ما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟» (ع 17). إن كانت آلام القديسين ثقيلة بهذا المقدار، فكم تكون آلام الخطاة؟ إن كانت آلام هذه الحياة في كثير من الأحيان عنبة، فكم تكون آلام الحياة العتيدة؟ إن كانت البداية مفعمة بمثل هذه الآلام، فكم تكون النهاية؟ «ما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟».

كانت رغبة أحد القديسين الملحة أن يكون موته سببًا في إقناع أولاده غیر المتجددین فتجذبهم قوة الإنجيل، ويجوزوا وادی ظلال الموت بسلام. لكنه بدلا من هذا أسف إذ اجتازت نفسه سحابة من الشك والخوف، وعذبه ضميره إلى أقصى حد. لكن نفس هذه الحقائق أثرت في أولاده تأثيرا عميقا، فقال الابن الأكبر: «كلنا نعلم كيف كان أبونا رجلا صالحا. ومع ذلك فانظر كيف كانت الامه الروحية شديدة. فكيف يكون الحال معنا نحن الذين لم نبال بأرواحنا قط؟»

وعلاوة على هذا، تأمل في كل ما هو مطلوب من البار لكي يخلص. «البار بالجهد يخلص». هل مطلوب أن ينفق؟ لقد أنفق من أجله الله الكلي القدرة. هل المطلوب الكفارة؟ هذه لم يكن ممكنا أن يتممها غير الله بالموت في جسده البشري. مطلوب أن تدخل عطية الروح القدس نفسه وتمتلك القلوب العنيدة الفاسدة، وتريحها للمسيح. مطلوب تدخل العناية الإلهية العجيب، وتعليم الكتاب المقدس، وتبكيت الضمير.

ورغم كل هذا، فما أقل التأثير في الكثيرين من أولاد الله إذا ما سمح للجراثيم الأخلاقية بأن تعمل عملها في الصفات المسيحية، فإنها تنهش فيها قليلًا قليلًا إلى أن تصبح قريبة من اليأس. استان اس ت با پنهان ماندن داستان پایانه ها

في الطبيعة نرى عوالم لامعة، نرى أقلاكا جبارة، جبالا شاهقة، محيطات شاسعة، شلالات، غابات، مساقط للمياه - هذه كلها لا يمكن أن يكون قد خلقها غير الله. لكن عندما نأتي إلى الناحية الأخلاقية والروحية في شعب الله، فإننا نذهل عندما لا نجد سوى نتيجة ضئيلة رغم كل ما عمله. فإنهم بالجهد يخلصون، ويكادون لا يدركون قيمة النفقة التي كلفت الله المبارك.

لكن إن كانوا، بعد كل ما عمل فيهم ومن أجلهم، لم يتقدموا خطوة واحدة عما هم عليه، فماذا يكون الحال مع الذين رفضوا عمل الله العلي في قلوبهم؟ «إن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران 2» إنهم مشحونون بالخطية، وليس لهم نصيب ولا قرعة من الفداء الذي تممه المخلص. إنهم خاضعون للفساد الكائن فيهم، ولم يفسحوا المجال العمل الروح القدس في داخلهم. لم يبالوا بما أعده لهم الله منذ الأزل، لكنهم يندفعون بطياشة نحو العالم الآخر. «وأين يظهرون؟».

هنالك في الكتاب المقدس الكثير من هذه الأسئلة المروعة التي بلا إجابة:

«ماذا تفعلون في يوم العقاب حين تأتي التهلكة من بعيد» (أش 10: 3).

«من يقف أمام سخطه، ومن يقوم في حمر غضبه» (نا 1: 6)

: «كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصا هذا مقداره» (عب 3:2)

لكن بين هذه كلها، لا يوجد سؤالا أشد رعبا وهولا من هذا السؤال، وهو أيضًا بلا إجابة: «فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟».

يمكننا فقط أن نقدم إجابة سلبية: إنهم سوف لا يظهرون في السحاب عندما يجيء يسوع ثانية، فقديسوه فقط هم الذين يأتون معه. سوف لا يظهرون في عشاء عرس الحمل، لكن الذين اغتسلوا بالدم هم فقط الذين يدخلون. سوف لا يظهرون عن مين الديان، فالأبرار فقط هم الذين يكونون عن يمينه. سوف لا يظهرون وسط الجموع المباركة المحتشدة في المدينة المقدسة الذهبية، فإنه لا يدخلها شيء نجس. وإن كنا قد بحثنا عنهم عبثا في كل هذه الأمكنة، فإننا لم نرد على السؤال عن المكان الذي يوجدون فيه. هذا ما نتركه لنور الأبدية لكي تكشفه.

ليتنا نذرف الدموع دمًا، ونبكي على مصيرهم. لكن لنمزج هذه الدموع تسابيح الشكر لأن الذين هم له ليس لهم نصيب في هذا المصير، ولا يمكن أن يهلكوا. فالله قد أحبنا محبة ثابتة لا تتزعزع. اشتُرِینا بالدم، علمنا الروح القدس، محفوظون بقوة الله المقتدرة، يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. «مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين، متحیرین لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين» (2 كو 4: 8-9)، مترنحين لكن لا تسقط إلى هلاكنا الأبدي، على حافة الهلاك، لكن الراعي الصالح يحملنا على كتفيه ويوصلنا إلى الحظيرة بسلام.

 

2- الطريقة التي يجب أن يتبعها القديسون في آلامهم

1- احرص على أن تكون في دائرة مشيئة الله. يجب أن تَتَأَلَّم «بحسب مشيئة الله» (1 بط 4: 19). لا تَنْحَرف عن طريقك لئلا تسبب لنفسك التعب.. لا تَطْرَح نفسك من حافة الجبل إطاعة للمُجرِّب(*). لا تبتعد عن الطريق الذي يرشدك إليه عمود السحاب. اقبل كل ما يأتي إليك عن طريق سير الأمور في مجراها الطبيعي. لكن إياك أن تجرب على نفسك الألم بسبب الغطرسة، أو العِناد، أو أي صورة من عمل الشر.

2- استمر في عمل الخير (ع 19). حتى إن أسيء إليك، أو أسيء إلى سمعتك، أو أسيء فهمك. لا تبالي كثيرًا بالطريقة التي بها يتقبل الناس أعمالك الصالحة. إن كنت متمثلا بالله تجد أنها قد قوبلت بالاستهزاء والجحود. لكن يجب أن تستمر شمسك في أن تشرق على الأشرار والصالحين، ويجب أن تستمر في أن تمطر عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ (مت 5: 45). أنت تخدم الرب يسوع المسيح، فيجب أن تحيا لترضيه.

3- استودع نفسك لله. «فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين». والرب يسوع المسيح في آلامه التي قادته إلى الصليب "كان يسلم لِمَنْ يقضي بعدل" (1 بط 23:2). وعلى الصليب نادي بصوت عظيم وقال: «يا أبتاه في يديك أستودع روحی» (لو 23: 46). فلنسلم أنفسنا في يدي الله، في الحياة أو في الموت، لنسلم كرامتنا، وسمعتنا الطيبة، ومراكزنا الطيبة، ومشاريعنا، ومستقبلنا، بدون تحفظ أو مناقشة. هو «أمين» (ع 19)، والخليقة تشهد لأمانته. فالنجوم تسير بكل انتظام، والنباتات تنمو في مواعيدها، والصيف والشتاء يتلاحقان بدون توقف. هو يشبع كل الغرائز التي خلقها. وهو يصغي الكل صراخ يبعثه.

ولذلك فإنه، بمحبته التي لا تخطئ قط، وقدرته الفائقة، يستجيب لكل نداء يوجهه إليه أولاده المتألمون. إن الذي خلق أمين في حفظ الذين يستودعون أنفسهم إليه، كما أن من تم الكفارة «أمين وعادل حتى يغفر الخطايا»اللذين يعترفون بها (1 یو9:1).

من الظلم والخطف يفدى أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه» (مز 72: 14).

إن يدي إلهنا الأمين أمينتان وقويتان، رقيقتان وعطوفتان. فسلم نفسك لهما، وفي الحال يمسكان بك، ويعضدانك في حمل أثقالك. إنهما تمسكان مياه المحيطات في كفتيهما (أش.4: 12). لكن هاتين اليدين سمرتا على الصليب، أيها المتعبون، والمنهوكو القوَى، والمتألمون، تشجعوا، فإنه لن يستطيع أحد أن يختطفكم من يدي الآب. وطالما كنتم في يديه، فإنكم تستطيعون أن تنظروا إلى كوارث العالم بلا خوف ولا انزعاج. سوف تحملكم هاتان اليدان إلى السماء وتجلسانكم عن يمينه في المجد.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(26)  «زمانه الباقی» حسب ترجمة اليسوعيين والترجمة الإنجليزية.  

(27) «بهذا العزم» حسب ترجمة اليسوعيين، «بهذا الفكر» حسب الترجمة الإنجليزية.

(28)  «الرجسة» حسب ترجمة اليسوعيين، «البغيضة» حسب الترجمة الإنجليزية.

(29)  «مستنقعات الخطية المؤدية إلى الهلاك» حسب النص اليوناني الأصلي.  

(30) «تنبهوا» حسب ترجمة اليسوعيين، «اسهروا» حسب الترجمة الإنجليزية.

(31) شديدة الحرارة حسب الترجمة الإنجليزية.

(32) المحبة تستر كل الذنوب.

(33) كما حدث عندما أرسلت مريم ومرثا للمسيح ليأتي إليهما لشفاء لعازر أخيهما.

(34) أين غرفة الضيوف حسب الترجمة الإنجليزية.

(35) فإنه قد آن للقضاء أن يبتدئ، بيت الله حسب ترجمة اليسوعيين لأنه قد حان الوقت لابتداء القضاء[الدينونة] من بيت الله حسب الترجمة الإنجليزية.

(*) توضيح من الموقع: أي لا تَطِع الشيطان فيما يريد أن يضيعك به.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات بطرس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/f-b-meyer/peter1/chapter-04.html

تقصير الرابط:
tak.la/55xzzss