يقول بولس الرسول في كورونثوس الأولى 9:
"فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ. فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ.... صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا".
يقصد طبعًا ربحهم إلى الإيمان وإلى الله لذلك قال "إني كنت لليهود كيهودي لكي أربح اليهود كنت أكلمهم من العهد القديم الذي يؤمنون به وأكلمهم من جهة الذبائح والمحرقات والرموز وكلام الأنبياء لكي أربحهم. وللأمم الذين ليس لهم كتاب مقدس كان يربحهم عن طريق الفلسفة والمنطق فكان ينزل إلى مستوى الكل لكي يربح الكل دون أن يخالف ضميره.
فالسيد المسيح يقول:
"28تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (مت 11: 28)
وعملنا هو أن نتخذ السيد المسيح مثالًا ونريح الجميع ونحمل أثقالهم عنهم. أما الشخص الذي لا يريح غيره بل يتعب غيره فهذا سائر في طريق خاطئ لا يوافق عليه الله أبدًا. وسيسأله الله عن كل الذين يتعبهم. والإنسان الروحي الذي يريح الناس ويربح الناس يكون محبوبًا من الكل، ويكون إنسانًا روحيًا له قِيَم يُعْجَب بها الناس.
الأطفال يريدون من يحبهم. ليس حبًا شفويًا بل حبًا عمليًا. يحبهم ويعطيهم ويسليهم ويضحكهم.
أريد أن أروي لكم قصة حدثت منذ زمن في عام 1964 على حد ذاكرتي (في كتاب كيف نعامل الأطفال يسرد قداسة البابا هذه القصة بأنها سنة 1963)، حيث دعيت من مطران المنصورة لألقي محاضرات في المنصورة. وفي أحد المرات في وقت الفراغ وجدت أطفال كثيرين فقلت لهم: يا أولاد أريد أن أحكي لكم حكاية. فوجدتهم تجمعوا بسرعة والتفوا حولي لأحكي لهم الحكاية فالأولاد يحبون الحكايات بطبيعتهم.
سألوني: أي حكاية ستحكيها.
قلت لهم: الحكاية التي ليس لها نهاية.
وظللت أحكي لهم الحكاية التي ليس لها نهاية. كانت الحكاية فعلًا ليس لها نهاية وكان الأولاد سعداء بها جدًا. وبعد ستة أشهر أخرى تقريبًا ذهبت للمنصورة مرة أخرى فوجدت كل الأطفال جاءوا بجانبي وقالوا لي: أنت قلت لنا السنة الماضية الحكاية التي ليس لها نهاية، فماذا ستحكي لنا هذه السنة؟ فالأولاد يحبون من يسليهم ويحكي لهم ويصاحبهم. ولذلك نصيحتي للأمهات أن يحفظوا حكايات ليقولوها لأولادهم؛ فسيجدون الأولاد يحبونهم جدًا ولا يمكن أن يضايقوهم بشقاوتهم. لأن هناك أمهات يتعبون من شقاوة أولادهم.
في أحد المرات زارتني أم ومعها ابنها في مكتبي بالبطرخانة وهو واسع جدًا فظل الولد يجري داخل حجرة مكتبي الواسعة. فقالت له أمه: أسكت حتى لا يتضايق سيدنا منك.
فقلت للولد: لا يا حبيبي أنا لا أتضايق من أحد اجري والعب كما تشاء.
الأم دائمًا تظن أن علاقتها بابنها مثل علاقة رجل البوليس مع إنسان خارج عن القانون. هذا خطأ. كونوا طيبين ورفقاء على الأولاد وقدموا لهم الحب والتسلية والحكايات.
هناك حكايات من الكتاب وأخرى من خارج الكتاب يمكن أن يستفيد منها الأولاد.
في أحد المرات كنت في برمنجهام في إنجلترا وقابلني نيافة الأنبا ميصائيل وقال لي: هل تعرف أن الطفل بيشوي الذي تحبه أنت زعلان، وقال لوالدته: "البابا لا يحبني لأننا عندما كنا نتزاحم في المعمودية قال لي: اذهب يا ولد من هنا". أخذت درس من هذا الموقف أنني يجب ألا أفعل هذا مرة أخرى. فعندما رأيته فيما بعد أخذته واحتضنته وقلت له أنا أحبك جدًا يا بيشوي والأولاد من بساطتهم يقبلون الكلام بسهولة. فذهب إلى والدته وقال لها: "عندما قال لي البابا اذهب من هنا كان لا يوجه ليّ أنا هذا الكلام بل للأولاد الآخرين".
هذا يعلمنا أنه عندما نتسبب في ضيق لأحد الأولاد يجب أن نعمل على إرضائه ومصالحته والأولاد في بساطتهم يقبلون الكلام الطيب بسهولة. وعندما ينشأ الأولاد في شبع من الحب لن ينحرفوا ولن يبحثوا عن حب آخر يضرهم. ليت كل أم تتعلم كيف تربح طفلها وتريحه نفسيًا وتكون صديقة له. كوني صديقة لابنك ولبنتك وفي جو الصداقة سيكونون صرحاء معكِ لأنهم لن يخافوا.
والأطفال أيضًا يحبون الأشياء الغريبة. لذلك يسروا جدًا بميكي ماوس وغيره لأنه يرى أشياء غريبة وصور حيوانات وغيره تتحرك وتتكلم كل هذا يجذبه ويبعث السرور في نفسه. لذلك قصة حمار بلعام تقال للطفل فيقبلها. من الجائز عندما تُقال لشخص كبير يتشكك فيها.
في إراحة الناس وربحهم يكون الأمر على مستوى إيجابي وسلبي. إيجابي أي تنفع الناس، وسلبي أي لا تضر الناس. لذلك من الأشياء الهامة في كسب الناس المجاملات التي يقول عنها الرسول "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ، وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ" فيجب أن تتعلموا مجاملة الناس في أفراحهم وأحزانهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وفي كل مناسبة مثل مناسبات الزواج، عيد الزواج، نجاح الأطفال، زيارة المرضى حتى لو كانت المجاملة مجرد تليفون أو برقية أو كلمة لطيفة تدل على المشاركة في الشعور كل هذه الوسائل تترك تأثير كبير في النفس.
كثيرًا أزور المرضى. وأشعر في كل مرة أزور مريض أني أزور المسيح نفسه. لأنه قال: "كنت مريضًا فزرتموني"، متى زرناك يا رب؟ فنجده يقول: "كل ما فعلتموه بهؤلاء فبي قد فعلتم". فزيارة المرضى لا شك أنك تكسب بها ناس. والعكس نتيجته سيئة. فعندما لا تجامل الناس لا ينسون ذلك، سواء كنت شخص عادي أو من الآباء الكهنة. فتجد الشخص يعاتبك وعدم المجاملة تترك في نفسه تأثير سيء. يجب أن تتعلموا أن تهتموا بالمجاملات لأنه بقليل تستطيع أن تكسب الناس.
هناك شيء آخر يمكن أن تكسب به الناس وهو العطاء. تعطي على قدر ما تستطيع. وسأقول لكم على شيء بسيط. أتذكر أنه في عام 1954 كنت سأسافر على الإسكندرية ومن الإسكندرية على الدير لأصبح راهبًا. فجلست في الاستراحة حتى يأتي موعد القطار. فجاءني رجل يبيع بعض الأشياء فأخذت منه أحد الأشياء التي كان يبيعها، وعندما سألته عن ثمنها قال لي: 18 قرش! والقرش زمان كان شيئًا كبيرًا وكان محترم للغاية ويقتدر كثيرًا في فعله كصلاة القديسين :) فقلت له: هل من الممكن أن أعطيك ثمنها 20 قرش؟ فنظر إليَّ بسرور وأعطاني هذا الشيء وأعطاني أيضًا شيء آخر قد يزيد ثمنه عن الفرق الذي هو قرشين.
أود أن أقول لكم أنه قد تكون قيمة القرشين بالنسبة لك لا شيء، لكن عندما تتركها لهذا الرجل، يفرح بها جدًا ويشعر أن قلبك شفوق وتكسبه. لكن معظم الناس اعتادت أن تفاصل في السعر وتقلل من ثمن الأشياء بينما المثل يقول "الحسنة المخفية في البيع والشراء" هذا مثل بسيط من العطاء الذي يستطيعه أي شخص.
قصة أخرى أنني كنت مسافرًا في أحد المرات إلى أحد البلاد في أمريكا، وكان الناس يستقبلونني بحفاوة كبيرة وبعضهم أحضر باقات ورد وزهور. وكنت جالسًا في قاعة كبار الزوار لحين الذهاب، فأمسكت بباقة الورد وحللت رباطها ووزعت الورد على جميع الحاضرين من السفير حتى الشخص العادي حتى الأطفال فشعرت بسرور الجميع. لو كنت أخذت الورد معي كان سيذبل ويلقى في المهملات. لكنني استفدت به وتركت شعورًا بالسرور في نفس كل شخص عندما أهديت له وردة. فيجب أن يكتسب الشخص فضيلة العطاء، حيث يربح الناس ويكسبهم. إعطي على قدر استطاعتك وإذا لم تستطع إعطاء الكثير فأعطي على الأقل كلمة طيبة. فالكلمة الطيبة نوع من العطاء أيضًا يفرح بها الناس. أعطي ابتسامة، أعطي تشجيع، أعطي نصيحة، أي شيء. لكن من يستمع لشكوى الناس بلا مبالاة، أو الذي يستمع مثلًا لشخص وهو يشتكي مرضه دون أن يرد عليه ولو بكلمة طيبة أو كلمة دعاء أو كلمة بركة أو عطاء مادي إن أمكن (كأن تقول له خذ هذا الظرف واقرأه فيما بعد) كنوع من المشاركة الوجدانية.. لكن لا تعيش في جزيرة منفردة في المحيط لا علاقة لك بأي أرض أخرى.
ويا ليتك في العطاء يكون لك عنصر المبادرة ولا تنتظر شكوى الناس. بل يجب أن تكون حساسًا تجاه احتياج الآخرين وتعطي من تلقاء نفسك.
تريح الناس وتربح الناس عن طريق الكلام حيث يقول الكتاب "بكلامك تتبرر". فمجرد كلمة طيبة تكسب بها الناس. وهناك كلمة لطيفة قالها سليمان الحكيم في سفر الأمثال إصحاح 15:
"الكلام اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط". فأنت تستطيع كسب غيرك بمجرد كلمة وتجعله يهدأ عنك دون أن تخسر شيء. ولكن الكلام الموجع والشديد الذي تؤلم به غيرك يهيج السخط.
لكي تكسب الناس كن بعيدًا بقدر الإمكان عن الانتهار والتهكم. فهناك بعض الكلام يكون أكثر حدة من السيف وأكثر إيلامًا من الحجارة. فابعدوا عن كل هذا. البعض يظن أن الشخصية القوية هي أن ينتهر غيره ويفتخر بأن يقول عن نفسه: "أنا أقول للأعور أنت أعور في عينه" هذا لا يجدي شيء بل يجعلك تخسر الناس.
هناك شخص يعاتب برقة شديدة فيكسب غيره. وشخص آخر يعاتب بكلمة شديدة يخرج وهو في حالة أصعب من الأولى.
كذلك ليست القوة في العقاب إذا كنت صاحب سلطة. ما أكثر أصحاب السلطة الذين يعاقبون ويهددون ويتوعدون. ابتعدوا عن التهديد والوعيد والعقوبة. وإذا كان هناك خطأ يستحق العقوبة، نعاقب الشخص ولكن دون أن ندمره أو نحطمه.
فلا توجه كلمة أو سؤال لشخص آخر بغرض إحراجه فلا يستطيع الرد، فتكون بذلك قد خسرته. كذلك لا تدخل في مناقشة مع شخص بغرض إظهاره أمام الناس بأنه لا يفقه شيئًا، وتكون منتصرًا في المناقشة على طول الخط! اعرف أنك بذلك قد تكسب المناقشة ولكنك تخسر الشخص. فلا يعود إلى الكلام أو المناقشة معك. اهتم بأن تكسب الناس أكثر من اهتمامك بكسب المناقشات.
بالقسوة لن تخسر أحبائك فقط، بل أيضًا سيكون لك أعداء جدد. والشخص الذي يتصرف بقسوة أمام الآخرين تؤخذ عنه فكرة سيئة.
لكي تكسب الناس كن لطيفًا. واللطف من ثمار الروح، بل اللطف من صفات الله أيضًا. وباللطف تصير إنسانًا وديعًا وهادئًا كما قيل عن السيد المسيح: "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ" ربما تمر الرياح على هذه الفتيلة المدخنة فتشعلها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ابعد عن الثورة والغضب فبهما تخسر الناس وتخسر أعصابك وتخسر سمعتك.
أيضًا أحب أن أقول لكم نقطة أخرى. فبعض الأشخاص ينظرون للآخرين نظرة مراقبة وترقب ويصدرون عليهم أحكامًا. فتجد الشخص يراقب الآخر (كيف يتكلم؟ كيف ينظر؟ ماذا يفعل؟) ويشيع مذمة في الآخرين.
يجب أن تعلموا أن كل شخص يوجد بحياته نقاط بيضاء ونقاط سوداء. فإذا كنت تريد أن تخسر الناس أنظر للنقاط السوداء التي في حياتهم وركز عليها ولا تنظر للنقاط البيضاء التي في حياتهم. أما إذا كنت حليمًا ومسالمًا فأنظر إلى النقاط البيضاء وأنظر إلى الخير الذي في الناس وامتدحه. وبهذه الطريقة تكسب الناس.
أتذكر أنه كان هناك راهبًا في الدير وكان عندما يكلف بمهمة، كان يعمل في هذه المهمة بكل جهده وينجز 90% من المهمة ثم يوكل الـ10% المتبقية لشخص آخر ليساعده. ثم ينسب العمل كله للآخر وينكر نفسه. أي كان ينسب تعبه إلى غيره، لكي يفرح غيره.
إذا كنت تريد أن تكسب الناس عش في مستواهم، ولا تطالبهم بمستوى أعلى. ولا تطالبهم فوق ما يطيقون.
كن نفسًا مريحة بشوشة. فالشخص العابس يخسر الناس. لكن البشاشة تجعلك تكسب الناس. أيضًا الناس يحبون الشخص الخفيف الظل الذي يشعرون بالمتعة في صحبته. ويشعروا أنه سبب فرح لهم. فيسروا به ويستبشرون به. عكس الشخص العابس الذي يتجنبه الناس ويتلاشونه.
كل ما قلته لكم في إراحة الناس يجب ألا يكون على حساب الضمير. أي لا تخالف ضميرك حتى تريح غيرك. ولا يكون على حساب العقيدة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rw6v8ft