شاب أعثر من فتاة، ووقع في الشهوة. فما مسئوليتها.
الإجابة هي: إن كانت هذه الفتاة في كامل أدبها، وهي جميلة بطبيعتها، وجمالها كان السبب في عثرة هذا الشاب، فلا لوم عليها إطلاقًا، ولا مسئولية عليها في العثرة.
فهناك قديسات، بسبب جمالهن، أعثر البعض.
ولعله من ابرز الأمثلة على ذلك، القديسة يوستينة التي كانت جميلة جدًا. وقد وقع إنسان في محبتها، ولم يستطع أن يستحوذ عليها، فاستخدم السحر في الوصول إلى ذلك. وكان مجرد ذكر اسمها يطرد الشياطين المستخدمة في السحر، حتى آمن الساحر كبريانوس بسبب ذلك، وصار من قديسي الكنيسة... أنستطيع أن نقول إن القديسة يوستينة عليها مسئولية في العثرة؟! كلا بلا شك، وإنما هنا:
المسئولية كاملة على مَنْ اشتهاها. والعثرة بسبب شهوته.
وبنفس الوضع يمكننا أن نتكلم عن القديسة سارة زوجة أبينا إبراهيم. كانت جميلة جدًا. وكان جمالها يجذب الملوك، حتى أخذها فرعون إلى قصره مرة (تك 12: 14، 15). وأخذها أبيمالك ملك جرار مرة أخرى (تك 20: 2). ولم يكن لها ذنب في المرتين كلتيهما. لا ذنب لها طبعًا في إنها جميلة. إنما الذنب كله على من يشتهي...
إذن متى تكون المرأة مسئولة في العثرة؟
تكون كذلك إن قصدت أن تغري الرجل وتجتذبه إليها بطريقة فيها لون من الإثارة. أو إن سقط الرجل بسبب سلوكها، أو سبب حديثها أو بسبب إغرائها. أو إن كانت في زينتها أو في ملابسها سبب عثرة فعلا بالنسبة إلى الإنسان العادي.
وكذلك تكون الفتاة مسئولة إن عملت على إغراء الشاب، إما بملء قلبه بشهوات تجعله يرتكب الخطية بالحواس أو العمل. أو أن تعثره بطريقة تشغل فكره فيهمل مسئولياته ويضيع روحياته.
أما إن كان كل السبب في عثرة الفتاة هو جمالها الطبيعي، فلا ذنب عليها. نقول هذا حتى لا تتشكك بعض الفتيات الطاهرات، ويقعن في الوسوسة وفي عقدة الذنب بسبب جمالهن.
وما يُقَال على المرأة في ذلك، يمكن أن يُقَال على الرجل.
وإلا فما ذنب كل هؤلاء؟
ما ذنب يوسف الصديق في أن امرأة فوطيفار وقعت في الشهوة بسببه، لأنه كان جميلًا؟ هل نستطيع أن نقول إنه أعثرها؟! أو أن ضميره يتعبه إذ وقعت في الشهوة بسببه؟ كلا، بلا شك.
وبنفس المنطق، ما ذنب الملاكين اللذين وقع أهل سدوم في شهوة الجسد بسببهما، وهما كملاكين ما كان لهما جسد، بالإضافة إلى أن لهما طهر الملائكة...! إنما العثرة هنا، في القلب الفاسد الذي اشتهى.
ونفس الكلام يمكن أن يقال عن زكريا الراهب الشباب الصغير الذي حدثت عثرة بسبب جمال صورته. وقد رويت قصته في بستان الرهبان. واضطره أن ينزل إلى بحيرة الملح ويشوه جسمه وشكله، ليبعد العثرة التي تسببت من أخطاء غيره...
أما الذين يريدون أن يهربوا من مسئولية أخطائهم.
وذلك بأن يلصقوها ظلمًا بغيرهم، قائلين إنه قد أعثرهم على الرغم من براءته، فهؤلاء بنطبق عليهم قول الشاعِر(1):
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
ما أجمل كلام السيد الرب عن العين البسيطة...
لقد قال "إن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيرا. وإن كانت عينك شريرة، فجسدك كله يكون مظلما" (متى 5: 22، 23). وكثيرون يعثرون، لأن عيونهم ليست بسيطة... عيونهم فيها الخطية، لذلك كل شيء يمكن أن يثير الخطية فيهم.
فليت كل أحد يدرب نفسه على هذه العين البسيطة.
وكما تكلمنا عن مدى مسئولية الفتاة في إعثار الشاب، نقول:
هناك مسئولية أيضًا على الشاب في إعثار الفتاة.
فقد يعثرها الشاب بكثرة المديح والكلام المعسول، وبالود الذي الذي يظهره لها في تلطف زائد غير عادي أو يعثرها بكثرة إلحاحه عليها، ومطارتها بشدة حتى تضعف وتحرج وتستجيب له. كما يعثرها بالوعود التي يعطيها لها، والتي يؤكدها مرارًا فتصدقه... وهكذا يعلقها ويتعبها... ولكنها إن أعثرت من مجرد شخصيته، فلا ذنب له في ذلك.
أما أنت فابعد عن المعثرات من كلا النوعين:
أ- أبعد عن العثرة المثيرة فعلًا، التي يوجد فيها نوع من الإغواء أو الإغراء، والتي على صاحبها مسئولية في إسقاط الآخرين. وحاول على قدر إمكانك أن تكون عينك بسيطة.
ب- وابعد أيضًا حتى عن المجالات البريئة بطبيعتها، ولكنها تسبب لك عثرة بسبب ضعفك أنت. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وقل لنفسك في اتضاع: أنا لا أريد هنا أن أبحث عن المسئولية أين أضعها، هل هي بسبب غيري أم بسبي... وإنما:
سأبعد حتى لا أسقط، ولو بسبب ضعفي...
حتى لو كان غيري بريئًا تمام البراءة، كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب! أو كبراءة ابن يعقوب من خطية امرأة فوطيفار...
ونفس الكلام نقوله عن باقي أنواع العثرات.
ونقصد العثرات الأخرى، خارج نطاق الأمور الجنسية.
كأن يفهمك إنسان بطريقة خاطئة، بينما يكون كلامك واضحًا جدًا، ولا يعني إطلاقًا ما قد فهمه...! أو أن يقول لك أحدهم "أنت تقصدني بهذا الكلام"، بينما تكون بريئًا جدًا، ولا تقصده، وإنما هو ظنونه وشكوكه وشعوره الداخلي بالخطأ... ونقول إنه في كل ذلك:
ليست العثرة من المتكلم، إنما هي مسئولية الفهم الخاطئ.
ومع ذلك عليك من أجل المحبة، أن توضح قصدك السليم، وتشرح ما التبس على غيرك فهمه. وأن تحترس في كلامك حتى لا يفهم خطأ. ومع ذلك ابعد عن العثرات. وكن حريصًا جدًا في الكلام وفي التصرف، وخصوصا حيثما يوجد بعض الموسوسين الذين يفهمون الكلام بطريقتهم الخاصة...
هناك نوع من الناس، يقول الواحد منهم باستمرار:
أنا تعقدت من تصرفات الناس! أنا تعقدت من كلامهم!
ويقصد أنه قد أُعْثِر منهم ومن كلامهم... وسواء كان هذا الكلام صحيحًا أو مبالغًا فيه. سواء كانت هناك عُقَد داخلية، أو التعقيد في تصرفات الناس. فالسيد المسيح قد قال لنا "لابد أن تأتي العثرات" (متى 18: 7). ذلك لأننا لا نعيش في عالم مثالي، وإنما في عالم مملوء بالعثرات. فيه الحنطة، وفيه أيضًا الزوان. وسيبقى الزوان مع الحنطة إلى يوم الحصاد (متى 13: 30). فما هو موقفنا إذن؟ الموقف السليم هو أن:
لا نبحث على مَن تقع مسئولية العثرة، إنما نبحث عن الخلاص منها.
والخلاص منها، هو في الهروب من العثرات، وليس في فحص المسئولية فيها. في أسهل أن يوقعنا هذا الفحص في أخطاء أخرى.
ولكن لا يجوز أن نقول إننا تعقدنا من عثرات الناس.
فلا يصح أن تفقدنا العثرات نقاوتنا الداخلية.
ولا يصح أن تفقدنا العثرات سلامنا القلبي. نحن لسنا في السماء، ولكننا على الأرض. والأرض لابد توجد فيها أخطاء. والمهم هو أننا ننجو من هذه الأخطاء. وننجو منها بالتذمر والشكوى. ولا ننجو منها إن كنا نتعقد منها. إنما ننجو من العثرات، بنقاوة القلب، وبعدم الاستجابة لها. وفي نفس الوقت لا نعثر أحدًا.
وإن كنا أقوياء من الداخل، لا تضرنا العثرات بشيء.
بل نكون كالبيت المبني على الصخر، الذي صادمته الأمطار والعواصف، فلم تؤذه بشيء (متى 7: 25).
إن المسئولية ليست كاملة في كل الحالات على الذي تأتي منه العثرة.
فهناك التجارب من الطرف الآخر، ولولاه ما تمت السقطة.
قد يقول الكحول (السبرتو) إن عود الكبريت أعثرني فاحترقت. ولكني أقول:
لولا أن السبرتو مادة قابلة للاشتعال، ما كان يعثره عود الكبريت.
هوذا عود الكبريت قائم كما هو، وكوب الماء لا يعثر منه، بل إنه إذا اقترب من كوب الماء ينطفئ.
وعلى كلٍ، سواء كنت ماءًا أو كحولا، فالهروب بالنسبة إليك أضمن. الهروب على الأقل فيه اتضاع يخلص كثيرين. فقد أبصر القديس الأنبا أنطونيوس فخاخ الشيطان منصوبة، فصرخ "يا رب، من يفلت منها؟ "فأتاه الصوت "المتضعون يفلتون منها".
العثرة الخطوة أولى. إن وقعت فيها، فلا تكمل باقي الخطوات.
ووجود العثرة ليس عذرًا لك، ولا تبريرًا لأخطائك.
لأن الله وضع فيك روحه القدوس، ومنحك قوة للمقاومة. فإن استجبت للعثرة، تكون قد خسرت هذه القوة الإلهية ولم تستخدمها. إن الانتصار ممكن أمامك. تذكر يوسف الصديق الذي كان أقوى من العثرة وانتصر، على الرغم من شدة الحرب التي تعرض لها.
العثرة مجرد عرض. فإن لم يصادف قبولًا، انتهى أمره.
_____
(1) إضافة من الموقع: الشِّعر من كلمات أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي [الإمام الشافعي] (767-820 م.)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q7kncsz