قد تكون العثرة داخلية، من داخل الإنسان.
"مِن كنز قلبه الشرير تخرج الشرور" (لو 16: 45) فمنه تصعد شهوات وأفكار تزعجه. قد تكون العثرة من حواسه التي تجمع له مناظر وأحاديث تتعبه. قد تكون من رغباته ومسلياته وهواياته، ومن أفكاره وأحاسيسه، ومما خزنه لنفسه في عقله الباطن من صور وأخبار وأفكار... لذلك فهو يبعثر نفسه. وإن لم تأته شهوة من الخارج، يجلبها لنفسه من الداخل، بتصرفه الخاص. حقًا "إن أعداء الإنسان أهل بيته" (متى 10: 6). وبيته هو قلبه وفكره...
إن كنت هكذا، فحاول أن تضبط نفسك، كما قال الرسول "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2كو 10: 5).
وهناك عثرات من الخارج: من البشر ومن الشياطين:
وفي الخطية الأولى للبشرية، يوجد النوعان معًا: وهما عثرة الشيطان لحواء، وعثرة حواء لآدم. والشيطان قد يعثر الناس بطريقة مباشرة، وقد يعثرهم عن طريق البشر، هو طريق خدامه الذين "يغيرون شكلهم كخدام للبر" (2كو 11: 15)
وهناك عثرات من الشياطين، كالرؤى والأحلام الكاذبة:
فالشيطان كما يقول الكتاب قد "يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2كو 11: 14). ومعروفة القصة التي وردت في البستان، التي ظهر فيها الشيطان بهيئة ملاك لراهب قديس، وقال له "أنا جبرائيل الملاك أرسلني الله إليك". فأجابه الراهب في اتضاع "لعلك أرسلت إلى غيري وأخطأت الطريق. أما أنا فإنسان خاطئ لا استحق أن يظهر لي ملاك". فتركه الشيطان ومضى...
وقد يظهر شيطان كروح من أرواح البشر المنتقلين:
يقول أنا روح فلان (أحد أقربائك أو معارفك)، ويخبر بأشياء تتعلق بهذا الإنسان أو بيته أو أهله، حتى يصدقه من رأوه. وقد يظهر في صورة أحد القديسين أو السواح، حتى يخدع الناس.
وقد يظهر الشيطان في حلم.
وهناك أحلام كثيرة من الشيطان، كما قال القديس الأنبا أنطونيوس عن خبر معين "جاء الشياطين في حلم وأخبروني". لذلك نصيحتي لك: لا تصدق الأحلام، ولا تجعلها تقودك في حياتك. فليست كل الأحلام من الله، كأحلام دانيال ويوسف الصديق ويوسف النجار، إنما هناك أحلام من الشيطان ليعثر بها الناس، وهناك رؤى من الشيطان.
وأيضًا لا تتبع الأرواح، فقد أضلت كثيرين...
والكتاب يقول "لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا على العالم" (1يو 4: 1). وهؤلاء مرسلون من الشيطان، وكذلك المسحاء الكذبة، والمسيح الدجال في آخر الزمان، ضد المسيح الذي قال عنه الرسول"... مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس 2: 9).
كذلك ميِّز أفكار الشيطان وحيله...
فقد يحارب بالفكر، وليس فقط بالرؤى والأحلام والأرواح. أما أنت فلا تصدقه، كما يقول الرسول "لئلا يطمع فينا الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره" (2كو2: 11). لذلك لا تتبع كل فكر يأتي إليك، ظانًا أنه من روح الله! ولا تقل في جرأة "الروح قال لي". وأصبر على الأفكار، لتعرف هل هي من الله أم لا. واستشر.
إن القديس مقاريوس الكبير جاءه فكر أن يزور الآباء السواح في البرية الجوانية، وهو فكر مقدس كما يبدو. ولكن القديس مقاريوس قال في ذلك "فبقيت مقاتلا هذا الفكر من الله أم لا"... إذن لا تسرع وراء الأفكار لتنفذها...
إن الشيطان قدم للمسيح ثلاثة أفكار...
ولكنه رفضها جميعًا، ولم يقبل شيئًا منها، وردَّ عليها.
فارفض أنت أيضًا كل فكر يأتيك من الشيطان. وتذكر ما قيل على لسانك في المعمودية "أجحدك أيها الشيطان، وكل أفكارك الردية... وكل جنودك... وكل بقية نفاقك".
أرفض كل فكر لا ينميك روحيًّا ولا يبنيك، سواء جاءك من الشيطان أو من الناس.
وكما تهرب من عثرات الشيطان، أهرب من عثرات الناس.
وعثرات الناس منها نوع عام قد يشمل المجتمع كله. ومنها نوع خاص بك أنت بالذات من جهة الأشخاص الذين تختلط بهم، سواء كانت عثرتهم لك ولغيرك، أو لك وحدك. سواء كانوا أعداء أو أصدقاء.
فالعثرة قد تأتي من أعز الأقرباء والأحباء.
وغالبية الشبان الذين يفسدون، إنما يأتيهم الفساد من أصدقائهم الأعزاء جدًا الذين لهم تأثير عليهم. وشمشون أتته العثرة من دليلة، وكانت أحب إنسان إلى قلبه. كما أن آخاب الملك أتته العثرة من زوجته إيزابل. ولا ننسى أن أبانا آدم أتته العثرة من حواء. وما أكثر الأطفال في البيوت الذين تأتيهم من والديهم إن كان البيت غير متدين - فيسمعون في البيت الشتائم وكلام الشجار. ويأخذون عن الوالدين كل الطبائع والعادات الخاطئة.
ويعقوب أبو الآباء أتته العثرة من أمه رفقة.
هي التي أوعزت إليه أن يتنكر في زي أخيه عيسو، ويخدع أباه إسحق، ويأخذ البركة منه. وهي التي وضعت الخطة كلها ودبرت كل شيء. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولما خاف يعقوب من هذه الخديعة وإمكانية انكشافها قائلًا "فأجلب على نفسي لعنة لا بركة "قالت له أمه "لعنتك على يا ابني. اسمع لقولي فقط..." (تك 27: 8-13).
وما أسهل أن تأتي العثرة لابنه من أمها. الأم التي تتلف حياة ابنتها بعد زواجها، وتعمل على خراب بيتها، بالتدخل وفرض رأيها عليها وعلى زوجها.
السيد المسيح جاءته عثرة من تلميذه بطرس، فوبخه.
والمقصود بهذه العثرة نصيحة خاطئة. إذ فيما كان السيد يشرح لتلاميذه إنه ينبغي له أن يذهب إلى أورشليم "ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم"... لم يعجبه بطرس أن معلمه العظيم يسلم نفسه... "فأخذ بطرس إليه... وقال له يعجبه بطرس أن معلمه العظيم يسلم نفسه... "فأخذه بطرس إليه... وقال له في محبة خاطئة "حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا". فالتفت الرب غليه وقال "اذهب عني يا شيطان. أنت معثرةٌ لي..." (متى 16: 21 - 23) وهكذا رفض المسيح هذه العثرة من تلميذه وصديقه...
ينبغي أن ترفض العثرات التي تأتيك من أحبائك.
حتى لو كانت تلك العثرة من أقرب أقربائك. فقد قال السيد المسيح"... أعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقني" (متى 10: 36، 37). وإن الحب هو أولًا لله، ومن محبته تنبع كل محبة. والطاعة هي أولًا لله، ومن طاعته تنبع كل طاعة. حتى طاعة الآباء قال عنها الكتاب "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب فإن هذا حق" (أف 6: 1). هي إذن طاعة لازمة، ولكن "في الرب".
ولذلك يوناثان لم يطع والده شاول في اضطهاده لداود.
بل وبخه على ذلك بقوله "لماذا تخطئ إلى دم بريء بقتل داود بلا سبب" (1صم 19: 5). كان سليمان الملك مع احترامه الشديد لوالدته بثشبع، لم يطعها في وساطتها لأدونيا أخيه" (1مل 2: 19 - 23).
من حدود الطاعة، أنه لا تكون فيها عثرة.
من عشرتك مع الناس، ومن خبراتك في الحياة، أصبحت تدرك تمامًا من أين تأتيك العثرة وبسبب من، فاستفد من هذه الخبرة في أن تحيط نفسك بجو نقي على قدر إمكانك. والذين لا تستطيع أن تبعد عنهم جسديا، ابعد عنهم من جهة الفكر ومنهج الحياة. وكما قال الكتاب "وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا" (أف 5: 11). فإن لم تستطع أن تبكتها، فعلى الأقل لا تسر في تيارها، ولا تخضع للعثرة.
واحرص أنت نفسك ألا تكون عثرة لغيرك.
حتى لا تقع في مسئولية أمام ضميرك وأمام الله، وربما أمام الناس، إنك تسببت في سقوطه أحد...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5k69xaa