الباب التاسع: الصوم
فوائد الصوم وأهميته:
الصوم من الوسائط الروحية الأساسية. فلماذا؟
لأنه أولًا يفيد في ضبط النفس.
من حيث أن الصائم يمنع نفسه عن تناول الطعام والشراب بصفة عامة خلال فترة الانقطاع. ويمنع نفسه عن كل ما يتعلق بالدسم الحيواني. وهكذا يدخل في حياته عنصر المنع. يستطيع أن يقول لنفسه كلمة (لا)، وينفذ ذلك. وكما يمنع جسده عن الطعام والشراب، يتدرج حتى يمنع نفسه عن كثير من الأخطاء.
عنصر المنع هذا، وضعه الله منذ البدء.
وذلك حينما أمر أبوينا الأولين آدم وحواء أن يمتنعا عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فوضع بذلك مبدأ ضبط النفس من أول تاريخ البشرية. لكي ندرك تمامًا أن الحرية ليس معناها التسيب. فعلى الرغم من أن الله كان كريمًا جدًا مع آدم وحواء، وصرح لهما أن يأكلا "من كل شجر الجنة"، إلا أنه وضع ضابطًا هو المنع من شجرة واحدة (تك 2: 16، 17) (تك 3: 3).
لعلنا هنا ندرك تمامًا خطورة العبارة التي قالها سليمان الحكيم في التعبير عن تسيبه في المتعة، إذ قال "ومهما اشتهته عينا لم أمنعه عنهما" (جا 2: 10). فلما وصل إلى هذا الوضع، تطور حتى أخطأ وفقد حكمته. "ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه" (1مل 11: 4). وعصفت به الشهوات الكثيرة.
والصوم أيضًا دليل على الارتفاع فوق مستوى الجسد.
ففيه لا نعطي الجسد كل ما يطلبه من الطعام، أو كل ما يشتهيه من الطعام. وبهذا نرتفع فوق مستواه. بل نرتفع فوق مستوى المادة بصفة عامة. وهكذا نعطي الفرصة للروح، لكي تأخذ مجالها، متذكرين قول الرب "اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية" (يو 6: 27). وقول الرسول "لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 8: 6).
إن الروح تكون في حالة أقوى في وقت الصوم.
في الصوم تكون صلواتنا أعمق، وتأملاتنا أعمق. وتكون صلتنا بالله أقوى. وحتى ألحاننا أيضًا. فرق كبير بين أن نسجل لحنًا من ألحان البصخة في نفس أسبوع الآلام، وأن نسجل نفس اللحن في غير فترة الصوم (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وليس أثر الصوم في تقوية الروح قاصرًا على المسيحيين فقط، بل إن الهندوس واليوجا والبوذيين يجدون قوة للروح بتداريب الصوم والنسك، وتصفوا أرواحهم أكثر.
إذن فالصوم ليس نافعًا فقط من جهة محاربة الأخطاء والسلبيات، إنما يفيد إيجابيًا في تقوية الروح.
لذلك نجد غالبية المناسبات الروحية تسبقها أصوام.
فأسرار الكنيسة مثلًا، كالمعمودية والميرون والتناول والكهنوت، لابد أن يسبقها الصوم. وكذلك نوال بركة الأعياد يسبقه الصوم. فنصوم أسابيع طويلة قبل عيديّ الميلاد والقيامة، وقبل عيد الرسل وعيد العذراء وقبل عيد الغطاس نصوم يوم البرامون. وما أجمل قول سفر أعمال الرسل (قبل وضع الأيدي على برنابا شاول): "وفيما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادي..." (أع 13: 2، 3).
ومن أجمل ما قيل أيضًا في أثر الصوم روحيًا:
العلاقة بين الصوم وإخراج الشياطين:
وفي ذلك قال السيد الرب في معجزة إخراجه لشيطان عنيد لم يقو التلاميذ على إخراجه... حينئذ قال الرب "وأما هذا الجنس، فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت 17: 21)... ذلك لأن صلاة الصائم تكون لها روحياتها وتأثيرها، والصائم يكون أكثر قربًا من الله، وأكثر قوة على الشياطين.
وكان القديسون يستخدمون الصوم في وقت الضيقات.
ولنا مثال واضح جدًا في ذلك صوم أستير والشعب كله، حينما تعرضوا لمؤامرة هامان (أش 4: 16) وكيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة. كذلك نسمع عن صوم نحميا لما جاءته الأخبار أن "سور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار" (نح 1: 3، 4). ويروي سفر نحميا أيضًا كيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة... كذلك يروي لنا الكتاب كيف صام عزرا وهو باك، وكيف كان تأثير ذلك في تنقية الشعب وتطهيره. كما يروي لنا الكتاب أيضًا صوم دانيال النبي وأثر ذلك (دا 9: 3، 21) (دا 10: 3، 12).
وكان للصوم تأثيره أيضًا في مجال التوبة...
لقد تاب أهل نينوى. ولم تكن توبتهم مجرد رجوعهم عن حياة الشر، وإنما امتزجت هذه التوبة بصوم ونسك شديدين، اشترك فيه الشعب كله وملكهم. وقبل الله صومهم وتوبتهم وغفر لهم خطاياهم (يون 3).
ومن أروع ما قيل في امتزاج التوبة بالصوم، قول الوحي الإلهي في سفر يوئيل النبي "الآن يقول الرب، ارجعوا إلى بكل قلوبكم، وبالصوم وبالبكاء والنوح" (يؤ 2: 12). وداود النبي يشرح عمق صومه فيقول "أذللت بالصوم نفسي" (مز 35: 13) وأيضا "أبكيت بالصوم نفسي" (مز 69: 10).
وكثير من صلوات الآباء والأنبياء من أجل طلب المغفرة، كانت مصحوبة بصوم، كصلوات دانيال وعزرا طلبًا لمغفرة خطايا الشعب.
والصوم أيضًا له علاقته بالخدمة.
ولعل أبرز مثل لذلك السيد المسيح نفسه الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يومًا. وعلى نسقه كل الآباء الأساقفة والكهنة الجدد يبدأون خدمتهم الكهنوتية بالصوم... ونفس الآباء الرسل القديسين بدأوا خدمتهم كذلك بالصوم. وتحقق فيهم قول السيد نفسه "حين يرفع العريس عنهم، حينئذ يصومون" (مر 2: 20).
ولم يكن الصوم فقط في بدء خدمة الآباء الرسل، بل كان يتخللها أيضًا. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول عن خدمته " في أصوام مرارًا كثيرة" (2كو 11: 27) ويقول أيضًا "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله... في أتعاب في أسهار في أصوام..." (2كو 6: 4، 5)...
أتراك يا أخي جربت في حياتك الصوم من أجل الخدمة، والصوم لحل مشاكلها ولحل المشاكل عمومًا؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3daxpm6