هكذا قيل في سفر النشيد: أنا لحبيبي وإلي اشتياقه. تعال يا حبيبي لنخرج إلي الحقل ولنبت في القرى. لنبكرن إلي الكروم لننظر هل أزهر الكرم؟ هل تفتح الفعال؟ هل نور الرمان؟ هناك أعطيك حبي" (نش7: 10-12).
لست للعالم، ولست للمادة، ولست لأي شيء أخر، بل أكثر من هذا أنا لست لذاتي، أنا لحبيبي...
إنه لون من تخصيص النفس لله، تكريسها له...
وهي عبارة تكررت كثيرًا من سفر النشيد "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش6: 3)، ولقد وهبته الحياة كلها، لأنه صاحبها، وقد اشتراها بدمه، فلم تعد لي، وإنما له. وقبل شرائها بدمه، هو صاحبها، لأنه خالقها من العدم. فلتكن مكرسة له...
الله هو الذي أعطاك هذا الوجود والكيان، وهذه الحياة، فأصبحت له. تذكر باستمرار أنك لحبيبك الذي خلقك وافتداك. وهو الذي سيبقي معك إلي الأبد، أما العالم فسيبيد وشهوته معه (1يو2: 17)..
وإن لم تستطع أن تكرس حياتك كلها للرب، فعلي الأقل يمكنك أن تكرس محبتك وقلبك.
"أنا لحبيبي، وإلي اشتياقه" (نش7: 10)، أنه يشتاق إليك، إلي نفسك. ينظر إلي قلبك، ويقول في شوق "ها هو موضع راحتي إلي أبد الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيته" (مز132: 14). الله مسرته في بني البشر شوقه أن يسكن وسط شعبه...
الحب لله علي نوعين: أحدهما مظهره الجلوس مع الله، في حب، في عبادة، في صلاة في تأمل في شركة جسده ودمه.
والنوع الثاني هو أن تظهر محبتك لله بالخدمة: تحب ملكوته وكنيسته وأولاده. وتظهر محبتك بأن تدعو الناس إلي محبته...
قرأنا في إنجيل يوحنا أن الرب قال لسمعان بطرس "أتحبني؟.. ارع غنمي" (يو21:15)، إن كنت تحبني حقًا اشترك معي في بناء الملكوت، وفي جذب الناس إليه.
هل يوجد حب أعظم من حب الملائكة لله. هؤلاء الملائكة قيل عنهم إنهم "أرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14)، وإنها حالة حول خائفيه وتنجيهم (مز34: 7). أنت أيضًا ملاك، أرسلك الله للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص.
صدقوني، أن الدعوة للخدمة هي دليل علي تواضع الله...
الله يستطيع أن يقوم ببناء الملكوت وحده. ليس هو محتاجًا إلي مواهب الإنسان أو إلي مجهوده، فمواهب الإنسان ومجهوده هما أيضًا عطية من الله. إن الله من تواضعه يشركنا مع في العمل، ويقول "تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقل".
وهو أيضًا يرفع معنوياتنا بإشراكنا معه في العمل...
أنا يا ابني أستطيع أن أعمل العمل كله وحدي، ولكنني أريد أن أشعرك بأنك تستطيع أن تعمل شيئًا، أريد أن أفرحك بعمل النعمة فيك، أريد أن تفرح معي بنجاح أخوتك وخلاصهم، وتكون شريكًا لي في هذا العمل الروحي. تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقل.
والحقل يرمز باستمرار إلي الكنيسة، إلي مكان عمل الله...
يقول الكتاب عن الرب "خرج الزارع ليزرع"، خرج إلي الحقل، يلقي بذار النعمة. فتعال نخرج معاَ إلي الحقل.
إنها تعزية كبيرة أن نخرج مع الله، ولا نخرج بمفردنا.
لو كنا نعمل وحدنا، لكان العمل يبدو صعبًا علينا. ولكننا هنا ندخل في شركة الروح القدس. يعجبني أن أتأمل منظر كل خادم، كل واعظ وكل كاهن، سائرًا في طريق الخدمة إلي جوار الله، يده في يده، يعملان معًا. كما قال بولس عن نفسه وعن أبولس "نحن عاملان مع الله" (1كو3: 9). فتعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، ونبيت في القرى.
جميل أن نلحظ اهتمام الرب بالقرى. المدينة مزدحمة بالخدمة وتستهوي الناس بإمكانياتها، أما القرية فمحتاجة إلي الخدمة..
لذلك قيل عن السيد المسيح إنه كان "يطوف المدن والقرى، يعلم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت.." (مت9: 35). وعندما أقول القرى، لا أقصد مجرد الريف. ففي مدينة عظيمة كالقاهرة، توجد أحياء لها طابع القرى، فقيرة، وأحياء عمال وصناع، وأحياء شعبية.. محتاجة. تبدو كجزء من المدينة، ولها طابع القرى!
يعجبني في قصة الخليقة، أن الله بعد أن خلق الجنة، وضع فيها آدم، لكي يعمل فيها ويحفظها (تك2: 15).
لم يكن آدم يعمل ليأكل، فالرزق كان وفيرًا، أكثر من احتياجه، ولكنه كان يعمل لأن العمل مفيد له روحيًا وجسديًا.
الذي يعمل ربما يحاربه شيطان واحد. أما الذي لا يعمل فتحاربه شياطين كثيرة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). لا يوجد أصعب من الفراغ، ولا أشد من حربه. "وعقل الكسلان معمل للشيطان" كما يقولون. الذي لا يعمل، تتعبه الأفكار، وقد تشغل ذهنه بما لا يليق.
فمادام العمل لازمًا. تعال أعمل معي، ولنخرج معًا إلي الحقل.
في هذا العمل الروحي، سيمتلئ عقلك بالأفكار الروحانية، ويمتلئ قلبك بمحبة الله والناس. وستحيا في الروحيات، في جو نقي...
تأكد أنك سوف تستفيد من الخدمة أكثر مما تفيد غيرك.
لذلك نحن نعتبر الخدمة من الوسائط الروحية التي تنمي حياة الإنسان: تأكد أنك ستأخذ بركة من الخدمة. إنها دعوة لكل إنسان أن يعمل في الملكوت.
لا يوجد أحد ليس له عمل في بناء الملكوت...
الكنيسة هي جسم المسيح، وأنت عضو فيه. تؤثر وتتأثر. تأكد أنك لو امتلأت بالمحبة لوجدت ذاتك تخدم تلقائيًا.
العجيب في عبارة النشيد، أنها دعوة للخدمة (علي الجاهز).
"لنبكرن إلي الكروم.. لننظر هل أزهر الكرم؟ هل نور الرمان؟ إذن هناك حقل، وكروم، ورمان. وأنت قد دعيت لتعمل في ما لم تتعب فيه.
في بدء تدريب التلاميذ علي الخدمة. قال لهم الرب في قصة هداية السامرة "الحقول أبيضت للحصاد. أنتم دخلتم علي ما لم تتعبوا فيه" (يو4: 35، 37) وهكذا الدعوة في النشيد...
آباؤنا الأول تعبوا، غرسوا وسقوا، وعملوا في أراض جرداء لم تكن فيها حقول ولا كروم. ذهبوا إلي بلاد لا إيمان فيها، ولا كنائس، بل فيها مقاومات للإيمان.
أما نحن، فالدعوة سهلة: تعال لنخرج إلي الحقل. النفوس المؤمنة موجودة، الأشجار نامية، ولكنها تحتاج إلي ري، إلي تسميد، إلي عناية، إلي افتقاد: لننظر هل أزهر الكرم، هل نور الرمان. فهل هذا القليل، لا نستطيعه أيضًا؟!
إن كل عمل تعمله، تسبقك النعمة إليه، فتعده لك. تعد القلب والفكر لسماع الكلمة التي تقولها أنت، وتعمل في الإرادة لتتأثر بها، وحتى هذه الكلمة التي تقولها سأعطيك أنا إياها. ثم أذهب معك إلي الحقل لنري هل أزهر الكرم..
تعال معي، لا تضيع وقتك في العالميات. كفاك صيدًا للسمك، اترك شباكك، وتعال لنصطاد الناس.
أي شرف أعظم من هذا، أن ترافق الله في رحلاته الرعوية، وتكون شريكًا للروح القدس في عمله؟! تعال، لتعمل معي. سأتكلم علي لسانك، سأعطيك الفكرة، سأعمل فيك وبك. ستكون مجرد متفرج تنظر كيف يزهر الكرم وكيف ينوِّر الرمان.
هناك أشجار إن لم نروها ونسمدها، ستموت، فاقبل الدعوة واخدم، "وإن سمعتم صوته، لا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 8).
إنها دعوة للتكريس، دعوة للخدمة، دعوة للعمل لأجل أخوتك.
تعال لكي نبيت في القرى، نقضي النهار في العمل، والليل في الصلاة "لنبكرن في الكروم".
نبكرن إليها، قبل أن تلوِّحها الشمس، قبل أن تقفز عليها الثعالب الصغار المفسدة للكروم. لا يكفي أن نغرس الكروم وإنما يجب أن نفتقدها أيضًا.
هناك في الخدمة، في التعب، في التبكير، في محبتك لأخوتك في بنائك للملكوت. هناك أعطيك حبي. أتريد حبي. أخرج معي. لن أعطيك حبي في جبل التجلي وحده، بل في بستان جثسيماني وفي جبل الجلجثة. لن أعطيك حبي في مكان الجباية، ولا في سفينة الصيد، إنما هناك وأنت تتبعني.
إن الله يحدد أماكن لقياه، حيث يعطينا حبه. نحن لا نفرض عليه مكانًا ولا وضعًا، بل هو يحدد.
أعطي حبه ليوحنا في جزيرة بطمس، وأعطاه للثلاثة فتية في أتون النار، ولدانيال في جب الأسود. هناك أشخاص يظنون أنهم لا ينالون محبة الله إلا في حياة الخلوة و التأمل. وهنا يدعونا الله إلي الحقول، وفيها يعطينا حبه.
جميل أن الله هو الذي يعطي هذا الحب، يسكبه فينا بالروح القدس (رو5:5).
فلنصل أن نوهب هذا الحب، ولنلح في هذه الطلبة...
"أعطني يا رب أن أحبك. أملأ قلبي من محبتك".
سليمان طلب هذه الحكمة، وهي أعظم من العظمة والمال، وأعطاه الله إياها (1مل3: 9-12).. وسقط سليمان (1مل11: 4). ولكن المحبة لا تسقط أبدًا (1كو13: 8). مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها (نش8: 7). فأعطِنا يا رب أن نحبك.
الحقل يرمز إلي ميادين الخدمة الروحية، أو يرمز إلي العالم كله الذي نعمل في كرازته (مت13: 38). والزارع هو الرب نفسه أو رسله وخدامه "أنا غرست، وأبولس سقى، ولكن الله كان ينمي" (1كو3: 6).
والسيد المسيح بعد أول إيمان أعده في السامرة، قال لتلاميذه "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول، إنها قد أبيضت للحصاد، والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية.. "أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه" (يو4: 35- 38).
"إذن عبارة تعال يا حبيبي نخرج إلي الحقل"، معناها تعال نعمل معًا في خدمة الناس، نتعب من أجل خلاص الناس...
تعال نخدم معًا، تعال لتعمل في شركة الروح القدس، وتشترك مع عمل النعمة، والإنسان لا يخدم وحده، لأن الرب قد قال "بدوني لا تقدرون إن تعملوا شيئًا" (يو15: 5). في كل مرة تخرج إلي الخدمة، ناد علي الرب قائلًا "تعال يا حبيبي نخرج إلي الحقول". أنا بدونك لا أستطيع شيئًا، سأتكلم ولكنك أنت الذي تضع الكلمة في فمي، وأنت الذي تعطي الكلمة قوة ومفعولًا. إن لم تذهب معي، لن أخرج وحدي إلي الحقل.
(أ) طريق التأمل: في الجلسة الهادئة مع الرب عند خمائل الطيب.
حيث يقول النشيد "حبيبي نزل إلي جنته، إلي خمائل الطيب" (6: 2)، هناك عند قدمي المسيح، مع مريم تسمع النفس وتتأمل، وتتمتع بالرب، في الهدوء، في السكون، في الوحدة، في حياة الصلاة، وحياة التأمل.
(ب) أما الطريق الآخر فهو الخدمة، الخروج إلي الحقول، والمبيت في القرى. وفي الخدمة سيأخذ الإنسان من الرب كما يأخذ من حياة التأمل، لأن النشيد يقول في الخروج إلي الحقول "هناك أعطيك حبي"...
الملائكة أيضًا علي نفس النوعين: فيهم الذي يقف أمام الله مسبحًا قائلًا "قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت" مثل جماعة السارافيم (أش 6). وفيهم الملائكة الحالة حول خائفيه وتنجيهم، الذين قال عنهم الرسول "أليس جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14).
فإن كان الملائكة يعملون في الخدمة، أفلا نعمل نحن، لكي تكون مشيئة الله كما في السماء كذلك علي الأرض؟!
تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، فإن كثيرين محتاجون إلي العمل الدائب الدائم، وكيف يسمعون بلا كارز؟! (رو10: 14).
تعال فإن المحبة تدفعنا أن نذهب إلي الحقول، وأن نبيت في القرى، لكي نفتقد أخوتنا.. "وَمْن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع4: 17).
تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، فإن الحصاد كثير والفعلة قليلون (مت9: 37).
تعال، لأنه لا يوجد عمل اسمي من العمل لأجل خلاص أنفس مات المسيح لأجلها، ولا يوجد عمل أشرف من العمل مع الله.
تعال نشترك مع الروح القدس في عمل الخلاص، تعال لنعمل مع الله: الله يعمل فينا، ويعمل بنا، ويعمل معنا، لنكون سفراء لله، خدامًا له نبني ملكوته، وننفذ مشيئته، ونرعى أولاده، ونقربهم إلي قلبه.. نجول نصنع خيرًا (أع 10: 38)، ونخلص علي كل حال قومًا (1كو9: 22).
تعال يا حبيبي، لنخرج إلى الحقول، وَلِنَبِت في القرى.
تعال يا حبيبي، لنذهب إلي أخوتك المنسيين والضائعين "والذين ليس لهم أحد يذكرهم. تعال نعمل عمل الملائكة الأرضيين والملائكة السمائيين "المرسلين للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص".
ليس عمل الملائكة قاصرًا علي التسبيح، فإن يوحنا المعمدان الذي كان يهيئ الطريق قدام المسيح دعي ملاكًا. ورعاة الكنائس السبع دعوا ملائكة (رؤ2، 3)...
الاهتمام بخدمة القرى:
تعال يا حبيبي نذهب إلي الحقول "ونبت في القرى".
إن الله يبدي هنا اهتمامًا خاصًا بالقرى، لا نذهب إليها فقط، بل نبيت فيها، لأنها أكثر احتياجًا، لنباشر عمل الرب هناك: هل أزهر الكرم، هل نوَّر الرمان...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/94sahd7