ما أجمل تلك العبارات التي وردت في المزمور. وهي: الرب يحفظك. الرب يحفظك من كل سوء. الرب يحفظ نفسك. الرب يحفظ دخولك وخروجك. إنها عبارات جميلة ومعزية. وتطمئن النفس بأنها في حمي الله الحافظ. وقد قيل في ذلك أيضا: يسقط عن يسارك ألوف, وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك.
إن عبارة الرب يحفظك هي العبارة التي يقولها كل أب لابنه, وكل أم لابنها. الرب يحفظ دخولك وخروجك. وهي عبارة أيضا يقولها كل مرشد روحي لتلاميذه أن يحفظهم الله من كل سوء. بل هي عبارة تقال لكل جندي خارج إلي الحرب: الرب يحفظ نفسك... بل هي أيضا دعاء يقوله الشعب لقائده حينما يذهب في مفاوضات لأجل البلد. فيقال له: الرب يحفظ دخولك وخروجك.
نعم إن كل إنسان يكون في حفظ الله, فلن تستطيع قوة في العالم أن تؤذيه. لأن حياته هي في يد الله الحافظ وليست في أيدي المعتدين. وكل خطر لابد أن يفقد خطورته إذا كانت مشيئة الله أن يحفظ.
والذي يؤمن بالحفظ الإلهي, لا يخاف أبدا, ولا يضطرب ولا يقلق. شاعرا أن حماية الله ستنقذه من كل ضيق, ومن كل الأعداء مهما كانت قوتهم. بل يقول كما قال داود النبي في المزمور: أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد, والتهبوا كنار في شوك... دفعت لأسقط والرب عضدني... فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب.
إن الحفظ الإلهي نابع من حنو الله, ومن رحمته, ومن رعايته لشعبه. فهو -تبارك اسمه- إن رآهم وقد أحاطت بهم المشاكل وأرهقتهم, حينئذ تتدخل رحمته لكي تنقذهم بحفظه الإلهي. وما أكثر الأوقات التي يرسل الله فيها ملائكته لتحفظ الملتجئين إليه. وكثيرا ما تدخل الحفظ الإلهي أثناء المجاعات, والأوبئة, وكوارث الطبيعة من زلازل وفيضانات وسيول... إننا لا ننسي حينما هجم وباء الكوليرا علي مصر وهي من أمراض البلاد الحارة وقد أودت بكثيرين... لا ننسي أنه في السنة التالية سمح أن تكون قارصة البرد, بحيث اختفي وباء الكوليرا. ولا ننسي إطلاقًا كيف حفظ الرب بلادنا من الزلزال ولم يدرك الخطورة.
ولا ننسي حفظ الله للأطفال, الذين قد يتعرضون لأخطار شديدة نتيجة لجهدهم وعدم حرصهم. لكن الله يحميهم... وقد حفظ الله موسي النبي في طفولته بطريقة معجزية أنقذته من الموت الذي كان يحكم به فرعون وقتذاك علي الأطفال... وحفظ الله للأطفال لا يعني فقط الصغار في السن. بل أيضا هو حافظ لكل ضعيف محتاج إلي حماية. أي كل من لا يقوي علي حماية نفسه, فيتدخل الله ويحميه ويحفظ له كيانه. وما أجمل ما قاله داود النبي في هذا الموضوع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إذ قال: نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا باسم الرب الذي صنع السماء والأرض. حقا ماذا يستطيع العصفور المسكين أمام فخ الصيادين؟! وإذ لا يستطيع شيئا لإنقاذ نفسه, حينئذ يدركه الله أيضا في حفظه, يحفظ كذلك من حروب الشياطين. إنه في رحمته لا يترك الشيطان يحاربنا بكل خبثه وضلاله, بل يضع له حدودا. وبغير هذه الحدود كان الشيطان يستطيع أن يملأ الدنيا شرًا. أما الحفظ الإلهي فقد قيده... وهكذا أيضا يحفظ الله الناس في حروب الخطيئة. إذ تتدخل نعمة الله الحافظة وتقف إلي جوار الإنسان كلما ضغطت عليه الخطايا في عنف. فيساعده الله لكي لا يسقط. هذا إذا استجاب الإنسان إلي عمل النعمة واشترك معها.
حفظ الله للبشر عموما يشمل حفظهم في البر والبحر والجو. فما أكثر ما تعرضت السفن لأمواج البحر العاتية التي تكاد تغرقها, ولكن الله الحافظ يدوس علي كبرياء البحر. وعند ارتفاع لُجَجُه هو يسكتها... كذلك حفظ الله للطائرات في الجو, وأحيانا تدركها أخطار من تقلب الجو ومن المطبَّات الخطيرة. ولولا حفظ الله لتعرضت كثيرا من الطائرات إلي الضياع... وهناك أخطار أيضا في البر, فما أكثر الأحداث الخطرة. ولكن الله يحفظ في غالبيتها.
أقول من جهة الحفظ الإلهي: إن الله يحفظنا كثيرًا حينما نطلب منه الحفظ, وأحيانا يحفظنا دون أن نطلب. لذلك حينما نشكر الله علي حفظه لنا, لا نشكر فقط علي ما نعرفه من حفظه. وإنما هناك أمور حفظنا الله فيها ونحن لا نعلم. ومنع المشاكل من الوصول إلينا دون أن نعرف.
والحفظ الإلهي يلزمه من جانبنا الإيمان والشكر. فأنت حينما تؤمن بحفظ الله تطمئن. وبإيمانك بالحفظ الإلهي, يدخل السلام إلي قلبك. وتقول لله مع داود النبي: إن سِرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا, لأنك أنت معي. أما الذي يكون إيمانه ضعيفًا, ويتعرض لذلك الخوف, فعليه أن يصلي لكي يمنحه الله هذا الإيمان. وبما يقويه أيضا أن يذكر ما يعرفه من قصص الحفظ الإلهي. إن الإيمان والصلاة تسبقان الحفظ, والشكر يكون نتيجة لهذا الحفظ. لأنه لا يليق بنا أبدا أن يحفظنا الله ونحن لا نشكر! علي أن حفظ الله لنا يزيدنا إيمانا بحفظه.
وعبارة يحفظ الرب دخولك وخروجك, لتكن في ذاكرتك وعلي فمك, في كل مرة تخرج فيها من بيتك أو ترجع إليه. وأيضا في كل مرة تدخل إلي مكان عملك أو تخرج منه. وكما حفظ الله دخولك إلي هذا العالم, فليحفظ خروجك منه. وليحفظ دخولك إلي العالم الآخر. وعليك أن تصلي وتقول: أنت يا رب الذي تحافظ علينا. فمن منا يستطيع أن يحفظ نفسه بل أنت يا رب الذي تحافظ علي نفسي من كل شر ومن كل سقطة, ومن كل تجربة. فليكن حفظ هذا مستمرا معنا كل حين. حتى إن لم نعمل علي حفظ أنفسنا تحفظها أنت. لأنك يا رب إن فتحت أعيننا لنري كل ما حفظتنا منه, ما كانت حياتنا كلها تكفي لشكرك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/js24rc2