إن الذي يؤمن بمحبة الله له، وسهره على راحته، وبحكمة الله وحسن تدبيره لحياته، وبأن الله صانع الخيرات، يعمل لأجله كل خير. هذا يمكنه أن يسلم حياته لله، يديرها كيفما يشاء.
بهذا الاقتناع يحيا باستمرار في طاعة الإُيمان.
إنه يسلم حياته وهو مطمئن وسعيد...
أما الذي لا يحيا في حياة التسليم، فإنه على عكس يعيش قلقًا على حياته ويظل يفكر: ماذا أكون؟ وكيف أكون؟ ومتى أكون؟ وهل ينبغي أن أغير ما أنا فيه؟ وبأية وسيلة؟ أم أظل كما أنا؟ ويتعبه التفكير، وغالبًا ما يفقد سلامه ويظل في سعي مستمر، ومناقشة الأمور مع نفسه، إلى غير نهاية. ولا يفكر مطلقًا أن يستريح، ويترك الأمر لله مثل رجل الإيمان.
الإنسان المؤمن عندما يسلم حياته، لا يشترط عليه شروطًا، ولا يطلب منه ضمانات، ولا يراقب الله في عمله معه.
إنه واثق بالله كل الثقة، في محبته، وفي حكمته، وفي قدرته. مؤمنًا أن الله يعرف ما هو الخير له أكثر مما يعرف هو. لذلك يسلم حياته في يدي الله، وينساها هناك. وهكذا نراه لا يحمل همًا.
ما دام هو مؤمنًا بعمل الله من أجله. لا يمكن أن يقلق ويهتم، ولا يمكن أن يتعب نفسه بالتفكير. فالمؤمن يحيا في راحة، أكثر من الذي يفكر لنفسه ويتعبه تفكيره...
كثيرون لا يقبلون التسليم لله، إلا إذا فشلت طرقهم البشرية!
منهجهم الأساسي هو الاعتماد على الذراع البشري كل الاعتماد: إما اعتدادًا بذهنهم وقدراتهم وحيلهم، أو لتعودهم هذا الأسلوب، أو لخطأ عقيدي عندهم، أو اقتناعًا بأن الله لا يلجأ إليه الإنسان إلا في حالة العجز والفشل الكاملين! حينئذ يأتون إلى الله، لأنهم جربوا حيلة وكل وسيلة وما وصلوا إلى غايتهم، ولأن فكرهم تعب وأنهك بلا فائدة. فلم يبق سوى الله!
ليس هذا هو الإيمان، إنما هذا هو الاضطرار إلى الله.
الإيمان هو أن تلجأ إليه في الصغائر، كما تلجأ إليه في الكبار.
قال السيد المسيح "بدوني لا تقدرون أن تعلموا شيئًا" (يو 15: 5). ذلك لأن كل طاقة لنا هي من عنده... حتى الفكر الصائب، وحتى مجرد الإرادة الطيبة، وحتى القدرة على العمل. وذكاؤنا هذا الذي نعتمد عليه، هو أيضًا من عنده. وما أصدق قول الرسول "لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ" (في 2: 13).
إن عملنا في الواقع، هو أن نشترك مع الله،في عمله لأجلنا.
وهذه هي شركتنا مع البيعة الإلهية، شركتنا مع الروح القدس: نشترك مع الله في العمل. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبلوس "نحن عاملان مع الله" (1كو3: 9).
وكل عمل لا يشترك الله معنا فيه، لا يكون عملًا مقدسًا، ولا عملًا مباركًا. وتسليمنا الإرادة لله، هو نوع من الشركة معه، نكون فيه كآلات طَيِّعَة بين يديه تعمل مشيئته. هو يسيرها كيفما يشاء. وهي تعمل بفكره وإرادته، أو بتسليم إرادتها لإرادته، كشركة الحواس مع المخ (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)..
إن أخطر ما يهدد الحياة الروحية، هو استقلال الإنسان عن الله.
وهذه هي الخطية الكبرى التي وقع فيها شاول الملك فرفضه الله (1صم 16). كان يعمل بفكره وبتدبيره، بعيدًا عن مشورة الله وعن شركته. ولا يرى أنه محتاج إلى أن يشترك الله معه في العمل. وكأنه يقول: ما دمت أستطيع أن أعمل هذا العمل، فسأعمله، بكل قوة، وبكل سرعة، وحتى بدون صلاة... لأن إرادتي وحدها هي التي سوف تعمله..! وبدون اعتماد على الله. وإن فشلت، ألجأ إليه! ما دام الله قد وهبني عقلًا وإرادة، فلماذا لا أستخدمهما؟!.. وكثيرون مثل شاول...
الله قد وهب البشرية العقل والإرادة. ولكن ليس لتستقل عنه!
وليس لكي تعتد بذاتها. فالكتاب يقول "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). ولنتذكر أن خطيئة الإنسان الأول، كانت محاولته الحصول على المعرفة بعيدًا عن الله (تك 3).
ومتى بدأ الإنسان يقول "أنا أعرف، وأنا أقدر، فما الحاجة في هذا الأمر إلى الله؟! "يكون حينئذ قد بعد عن الإيمان بالله بالأنا (الذات) الـEgo...
أما المؤمن فلا يكتفي بالاعتماد على الله، بل يسلمه كل شيء...
ويقول له: حياتي هي صنع يديك، وهي الآن بين يديك، افعل بها ما تشاء. حيثما تسيرني أسير، وكيفما تصيرني أصير. أنا ليست لي إرادة خاصة، فإرادتي الوحيدة هي أن أصنع إرادتك، وأن أتحد بإرادتك، فأريد ما تريده أنت، أنت يا صانع الخيرات...
لست أقول عن شيء إنني أعرف. فكل معرفة الإنسان هي جهالة عند الله (1كو 1: 20). المعرفة الحقيقية هي من عندك يا رب وحدك. أنت هو الحكمة (1كو 1: 24). أنت "المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم" (كو2: 3).
ولأنني أعترف أنني لا أعرف لذلك سلمت حياتي في يديك.
أنت تعرف الخير أكثر مما أعرفه. وأنت تعرف الخير لي أكثر مما أعرفه لنفسي. وأنا واثق بحكمتك وبحسن تدبيرك لحياتي. حتى إن شئت لي التجربة أو الضيقة، فأنا أقبلها باعتبار أنها خير خالص هو من يديك. ولولا ذلك ما كنت أنت المحب ترضاها لي. حقًا في حالات كثيرة، لا تعرف أين هو الخير!
إن حياة التسليم لا تعرف الشكوى ولا التذمر، بل تقبل كل شيء برضى وفرح...
ما دمت يا أخي تثق بحكمة الله في تدبيرك، فلماذا إذن أنت تشكو أو تتذمر أو تتضجر. إذا دخل التذمر إلى حياتك، فافحص نفسك جيدًا، لئلا يكون إيمانك قد ضعف وأنت لا تدرى.
الذي يحيا حياة الإيمان والتسليم، يحيا دائمًا في فرح وفي شكر.
إنه لا يشكو بل يشكر، الابتسامة لا تفارق شفتيه، والبشاشة لا تفارق وجهه، والفرح لا يفارق قلبه . إنه يؤمن بحكمة الله ومحبته. ويؤمن أن مشيئة الله دائمًا صالحة ومفيدة. وهو يخضع لمشيئة الله في فرح...
لا يخضع لمشيئة الله في تَغَصُّب واضطرار. وكأن قلبه يقول لله: "ماذا أفعل يا رب؟ أنت هو القوي وأنا الضعيف. وكل ما تعمله أنا أقبله. وأنا منتظر نهاية هذا الأمر..!!". لا شك أن هذا كلام إنسان متعب في داخله، يتكلم بكلام تذمر في أسلوب تسليم. وليس التسليم هكذا...
إذن ما معنى "لتكن مشيئتك" في حياة الإيمان وحياة التسليم؟
الإنسان المؤمن يقول يقول في رضى قلبي كامل: أنا يا رب خاضع لمشيئتك، لأني أحب مشيئتك من أعماقي، وأثق بك وبها. مشيئتك هذه أصلحت أفكاري، وأصلحت أحكامي على بعض الأمور، وعدلت مساري وطريقي... ما أجمل طرقك يا رب "ما أبعد أحكامك عن الفحص، وطرقك عن الاستقصاء" (رو11: 33). مشيئتك هذه هي أجمل أغنية في فمي، وأحلى الأخبار في أذني. فلتكن مشيئتك إذن، لأنه لا توجد مشيئة أخرى أيًا كانت أصلح منها. إلى جوارها أشعر بجهالة أية مشيئة تتعارض معها، سواء كانت لي أو لغيري...
ليست حياة التسليم، هي الخضوع لسياسة الأمر الواقع، دون اقتناع!
وليست هي الخضوع لسياسة الضغط الإلهي (!) الذي يفرض سلطانه عليك فرضًا! وأنت مضطر أن تخضع له سواء أردت أو لم تردد!!
لا يا أخوتي، ليس هذا هو معنى عبارة "لتكن مشيئتك ". فحياة التسليم تعلمنا أن نشعر بأن مشيئة الله هي الخير الكامل، وهي أصلح ما يصلح لنا، وهي سبب فرحتنا وبهجتنا، ولهذا كان داود النبي يتغنَّى بأحكام الله. ويقول للرب: أحكامك هي درسي. أحكامك هي لذتي. أنا أتأمل أحكامك وأدرسها (مز119) .
التسليم لله ينبغي أن يكون تسليمًا حقيقيًا، وليس حسب الظاهر.
البعض يظن أنه يسلم حياته لله، بينما يفرض على الله خططه!
كلما يتصرف الله في حياته، يحاول أن يستوقف الله، ويقول له: انتظر يا رب لأرى ما أنت فاعل بي. لا يصلح هذا الأمر. اعمل كذا وكذا لأستريح. وهكذا يود أن يشتغل عند الله وزير تخطيط. هو يخطط، والله ينفذ!!
كلا، ليس التسليم هكذا، إنما هو أن تترك الله يعمل حسبما يشاء، وترضى بما يعمل. ولا تقاوم خطط الله بتصرفاتك. لا تقاوم مشيئة بما تعمله حسب هواك...
الإنسان المؤمن يترك التدبير الله. ولا يقبل أن يدبر نفسه بنفسه.
ماذا كانت خطية أبينا آدم سوى أنه بدأ يدبر نفسه: كيف يصل إلى المعرفة؟ كيف يصير مثل الله؟ كيف يكون نفسه ويبنيها... وهكذا سقط.
وخطية الشيطان، هي أنه بدأ يدبر نفسه، ويبنيها ويكبرها حسب هواه!
"أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله... أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي" (أش 14: 13، 14). إنها خطط تشبه أحلام اليقظة، رسمها الشيطان لنفسه "فانحدر إلى أسافل الجب".
وبالمثل الذين بنوا برج بابل، جلسوا يخططون لبناء أنفسهم، ففشلوا.
قالوا "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه في السماء. ونصنع لأنفسنا اسمًا لئلا نتبدد على وجه الأرض" (تك11: 4). فكان تخطيطهم ضدهم. وما خشوه، هو الذي صاروا إليه "فبددهم الله على وجه كل الأرض" (تك11: 9).
أما الإنسان الروحي فلا يفعل هكذا، بلفي حياة التسليم يقول:
"إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا يتعب البناءون" (مز127: 1).
الله هو الذي يبنينا وليس نحن. إذن نسلمه أنفسنا ليبنيها.
وهكذا نعيش في راحة، مطمئنين إلى عمل الله فينا، وإلى نجاح عمله. نقف ونتأمل، فنرى عجائب من تدبيره. واثقين أنه يعمل الخير، مهما كان الذي يحدث أمامنا غريبًا، أو صعبًا، أو ضد ما كنا نرجوه.
ليس المهم أن نفهم ما يعمله الله. إنما المهم أننا بالإيمان والتسليم نتقبله.
والكتاب المقدس حافل بأمثلة التسليم في حياة رجال الإيمان:
1- أبونا إبراهيم مثلًا، كانت بداية قصته مع الله، هي قول الله له "أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك، إلى الأرض التي أريك" (تك12: 1).
وأبونا إبراهيم لم يسأل لماذا؟ ولا إلى أين؟ بل أطاع...
هذه هي حياة التسليم، التي لا تجادل ولا تناقش، بل تقبل وتطيع، بلا تردد. تدع فهمها جانبًا، وتركز على أمر الله.
2- وهكذا كان نوح في الفلك، وكان يونان في بطن الحوت، وكان موسى في البحر الأحمر... في حياة تسليم كامل.
إنها طاعة الإيمان. ما دام الله يريد هذا، فنحن لا نناقشه. وما هو عقلنا المحدود الضعيف، حتى يناقش الله غير المحدود، كلي الحكمة..؟! إن موسى في بدء إرساليته جادل الله في كيف يدخل إلى فرعون (خر3)، ولكنه لما نما في الإيمان والتسليم لم يجادل في دخوله البحر الأحمر...
3- القديسة العذراء مريم عاشت كمثال لحياة الطاعة والتسليم.
مع كل محبتها
للبتولية، قيل لها أن تخطب لرجل وتعيش معه في بيت واحد، فأطاعت. وأرسل لها
الله ملاكًا يقول لها إنها ستحبل وتلد، فقالت له "هوذا أنا أمة الرب. ليكن
لي كقولك" (لو1: 38).. ومع ولادتها لله الكلمة، ورؤيتها كل ما أحاط بهذا الميلاد من
معجزات، قيل لها أن تهرب به إلى مصر وتتغرب هناك، فقبلت كل ذلك في طاعة الإيمان
. وفي تسليم أيضًا رجعت من مصر، وقبلت أن
تسكن في الناصرة (متى2: 23)، التي قيل إنها لا يخرج منها شيء صالح (يو1: 46). وكان
شعارها في حياة التسليم هذه، عبارتها الخالدة "ليكن لي كقولك"
4-
ولعل الإيمان والتسليم
يظهران في حياة الرسل في طاعتهم التلقائية لقول الرب
"اتبعني"
أو "هلم ورائي"
هكذا قال الرب لمتى (لاوي). وهو في مكان الجباية (مر2: 14) فلم يناقش وإنما "ترك كل شيء وقام وتبعه" (لو5: 28). ولم يفكر مطلقًا في كل مسئولياته وعمله.
وبالمثل لما دعا الرب بطرس وأندراوس وباقي الرسل، يلخص القديس بطرس كل قصص هذه الدعوة بقوله للرب (تركنا كل شيء وتبعناك) (لو 28: 18).
إنها طاعة الإيمان التي تتبع الرب حيثما ذهب، بلا سؤال، بلا استفسار، بلا تفكير في المستقبل. وكما سنشرح أن كلًا منهم أطاع وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب 8: 11)
ونحن كثيرًا ما ندعي، فنحاول أولًا أن نطمئن على مستقبلنا.
لذلك نسأل الكثير من الأسئلة. ونحصل على ما نستطيعه من الضمانات وبكل هذا نخرج من الإيمان إلى العيان... إلى المستقبل الذي نراه بعيوننا ونطمئن إليه، وليس إلى المجهول الذي نراه، ونقبله بحياة التسليم والطاعة...
5- من أمثلة حياة الإيمان والتسليم والطاعة، أرميا النبي.
سار وراء الله بالإيمان، في طرق لم يفكر مطلقًا أن يسير فيها... وأخيرًا لخص خبرته في حياة التسليم في عبارة عميقة قال فيها (عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقة ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته) (أر 23: 10). ولماذا لا يهدي خطواته؟ لأن الله هو الذي يقود هذه الخطوات ويهديها...
هذه هي حياة التسليم، أن تسير وراء الله، وليس وراء فكرك
تسير ليس وراء هواك ورغباتك، وليس وراء مشيئة الناس أو مشورة الناس إنما وراء الله نفسه الذي يقود حياتك. يضعها في أي وضع وفي أي موضع، حسب أعماق حكمته. فاسأل نفسك هل الله هو الذي يقود حياتك؟ أم تقودها رغبة معينة، هي التي تحدد تصرفاتك ومسير خطواتك؟
6- من الأمثلة العجيبة في حياة التسليم: يوسف الصديق
أظهر له الله بالرؤى أنه سيصير سيدًا لأخوته، وسيجدون له جميعهم (تك 10: 37) فماذا كان تحقيق الوعد؟ أخذه إخوته وألقوه في بئر ليقتلوه. ثم باعوه كعبد. وسحبه المديانيون من البئر ليبيعوه للإسماعيليين (تك 28: 37). ثم بيع لفوطيفار ليخدم في بيته...
وفي كل هذا لم يحتج يوسف متذمرًا على الرب وعلى أحلامه...
بل سكت. وسلم في هدوء لما سمح به الرب، وسلك بكل أمانة وإخلاص وقبل الحياة كخادم... ولكنه رضى بالبلوى، والبلوى لم ترض به! فإذا بتهمة باطلة رديئة تلفق ضده، ويلقي به في السجن كفاعل أثم..!
ولم يحدث أن يوسف سأل الرب لماذا؟.. أو أين هي وعودك؟
سكت في مثل رائع لحياة التسليم وطاعة الإيمان. ولم يتذمر مطلقًا. وفي المرة الوحيدة التي خرج فيها قليلًا جدًا عن حياة التسليم، وقال لرئيس السقاة بعد أن فسر له حلمه (حينما يصير لك خير، تصنع إلى إحسانًا، وتذكرني لفرعون، وتخرجني من هذا البيت) (تك 14: 40).. لما فعل هذا، أجاب الوحي الإلهي على هذا الطلب بقوله (ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف، بل نسيه) (تك 23: 40)..
ولكن الله لم ينس يوسف، الذي بقى في السجن في حياة التسليم، حتى أخرجه الله منه بمجد عظيم...
كان (يرعَى الغنيمات القليلات في البرية). وأرسل له الله صموئيل النبي ومسحه ملكًا. ولكنه لم يسلمه من الملك شيئًا... وبقى يرعَى الغنيمات القليلات، دون أن يتذمر. ثم اختير خادمًا للملك شاول المرفوض من الله الذي بغته روح رديء من قبل الرب (1 صم 14: 16).. ولم يحتج داود.
لم يَقُل أنا الملك المُخْتَار من الله. فكيف أخدم هذا المرفوض؟!
بل في حياة التسليم تقبل الوضع. وكان يهدئ شاول الملك حينما تبغته الشياطين... وظل شاول يطارد داود ناقش الله، أو قال له أين مواعيدك؟ أين أستحق كل هذا؟!.. بل انتظر، في هدوء وفي تسليم، خلاص الرب. وقد كان...
8- ومن أمثلة حياة التسليم: تلاميذ الرب:
دعاهم الرب للخدمة كما قال لبطرس وأندراوس (هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس) (متى 19:4). ومرت ثلاث سنوات وهم يتبعونه، دون أن يخدموا. ولم يصيدوا أحدًا. ثم صُلِبَ الرب. وخافوا، وأغلقوا على أنفسهم في العلية لئلا يصيدهم اليهود... ومع كل ذلك لم يشكوا. وبقوا في حياة الإيمان والتسليم.
وأخيرًا بعد حلول الروح القدس، تمم الرب وعده. وفي يوم واحد تمكن بطرس بعظة واحدة من أن يصيد ثلاثة آلاف نفس... ولو أنه كان كل يوم يصيد نفسين، ما وصل إلى هذا الرقم كله، ولكن حياة التسليم تقول للرسول: "انتظر الرب. تقوّ، وليتشدد قلبك. وانتظر الرب" (مز 14:27).
نعم يا رب سأنتظر وعدك في صيد الناس. ولكن هل إلى ثلاث سنوات وأكثر؟ إنه لكذلك. ولكن (ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الله في سلطانة وحده) (أع 8:1).
إن حياة التسليم لا تناقش الرب في مدى الانتظار الطويل لمواعيده.
أنها لا تقول له لماذا يا رب تجعل بطرس ينتظر أكثر من ثلاث سنوات ليصير صيادًا للناس؟ ولماذا تترك إبراهيم ينتظر خمسة وعشرين عامًا حتى تحقق له وعدك في ميلاد إسحق؟ ولماذا تترك داود في مذلته من شاول عشرات السنوات، حتى تحقق له اختيارك له ملكًا..؟
إن حياة التسليم لا تشك، وتري في الانتظار حكمة إلهية.
فقد كان داود صبيًا حين اختياره. وكان الانتظار نافعًا له حتى يكبر وينضج، وحتى يزداد الناس حبًا له يومًا. كذلك كان الانتظار نافعًا لبطرس حتى تكتمل تلميذته للرب، وحتى يحين موعد حلول الروح القدس لينال به قوة هو وسائر الرسل. كذلك كان الانتظار نافعًا اسحق، ليصير ابنًا للموعد...
9- من أجمل الأمثلة في حياة التسليم: تقديم اسحق محرقة.
لقد صبر ابرآم خمسًا وعشرين سنة، حتى ولد له اسحق، ابنه المحبوب الذي أخذ المواعيد من أجله. وفرح به فرحًا لا يوصف. وكبر اسحق. وإذا بالرب يقول لأبينا إبراهيم "خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحق... وأصعده محرقة على أحد الجبال الذي أريك"(تك22: 2).. أي قلب يمكنه أن يحتمل هذا؟! وأي عقل يسمع هذا ولا يشك..؟!
ولكن أبانا إبراهيم في حياة التسليم، لم يناقش، ولم يتردد في التنفيذ. بل بكر صباحًا، وأخذ إسحق ليذبحه... ولم يحسب نفسه أحن من الله... ولم يشك في محبة الله ولا في حكمته... إ
ن الطاعة لا تكون في الأمور السهلة فقط، وإنما تظهر في قمة سموها في الأمور التي تبدو صعبة جدًا في التنفيذ.
حياة التسليم تظهر في الدخول من الباب الضيق والطريق الكرب.
ما دمت أنت يا رب موافقًا على هذا الباب الضيق، فإنه يكون أصلح الأبواب للدخول... ولا نناقشك بل نفرح بذلك، ونرى أنك تختبر به محبة أولادك، ونقاوة قلوبهم، وتعد به لهم أكاليل ملكوتك...
وبهذا الإيمان، استقبل الشهداء والمعترفون كل أنواع الآلام في فرح. وكل أولادك يا رب كانوا (يحسبونه كل فرح حينما يقعون في تجارب متنوعة) (يع 2:1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/nmxv3t2