St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   11-Resalet-Filebby
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

فيلبي 1 - تفسير رسالة فيلبي

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي:
تفسير رسالة فيلبي: مقدمة رسالة فيلبي | فيلبي 1 | فيلبي 2 | فيلبي 3 | فيلبي 4

نص رسالة فيلبي: فيلبي 1 | فيلبي 2 | فيلبي 3 | فيلبي 4 | فيلبي كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آيات 2،1:  "بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أَسَاقِفَةٍ وَشَمَامِسَةٍ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ."

بولس: بعد إيمان بولس اختار اسمه اليوناني (أما شاول فهو اسمه العبري). وبولس يعني "الصغير"، وربما يكون هذا لتواضعه أنه اختار اسم الصغير (أف8:3)، أو إعلانًا عن حياته الجديدة في المسيح يسوع فلقد استخدم اسمًا جديدًا، وربما لأنه صار رسولًا للأمم فقد استخدم الاسم اليوناني. والرسول هنا لم يصرِّح بلقبه الرسمي كرسول للمسيح كما فعل في معظم رسائله، فأهل فيلبي أصدقاء له لا يَشُكون فيه ولا في رسوليته وهكذا فعل في رسالته لأهل تسالونيكي. وتيموثاوس: هو مساعد بولس في كرازته لأهل فيلبي، وتيموثاوس معروف عندهم، ولكن كاتب الرسالة هو بولس فقط، فهو يستخدم ضمير المفرد المتكلم بعد ذلك، أما تيموثاوس فهو يرسل سلامه فقط. ومن تواضع بولس أن يذكر اسم ابنه معهُ على قدم المساواة. عبدا: فالمسيح اشتراهما بدمه، والمسيح حين يشتري أحدًا فإنه يحرره ويطلقه حرًا، بل يعتبره ابنًا، ولذلك اختار حتى أقرباء المسيح بالجسد (يعقوب ويهوذا) لقب عبد للمسيح (يع1:1) + (يه1)، ولم يقولا إخوة يسوع بالجسد فهم يعلمون أن العبودية للمسيح تحرر، أمّا العبودية للشيطان ففيها مذلة وهوان. العبودية لله تحرر والدليل أن الله يترك الملايين تنكره وتهين اسمه. بينما العبودية لأي شهوة تذل.

جميع القديسين في المسيح: قديس أي أفرز نفسه عن كل ما للعالم وصار للرب يسوع عبدًا مستعدًا دائمًا لطاعة أوامر سيده، خصص تفكيره وكل طاقاته له طالبا السماويات زاهدا في الأرضيات. ونحن إذ نشعر بمحبة المسيح نستعبد أنفسنا له، لمحبته.

في المسيح: تعبير خاص ببولس الرسول يشير للاتحاد بالمسيح والثبات فيه (بالإيمان والمعمودية...). ونلاحظ أنه لا قداسة إلا في المسيح يسوع.

أساقفة: كان لقب أسقف يطلق على القسوس [وقيل عن الرسل "قسوس" (1بط 1:5) وهذه مترجمة "شيوخ"]. ولقب قسوس يُطلق على الأساقفة (أع17:20، 28).

شمامسة: مع القسوس يساعدون الأسقف.

نعمة وسلام: نعمة: "خاريس" وهي التحية اليونانية بمعنى: أرجو أن تحصل على نعمة غنية تناسب حاجتك، فالنعمة هي عطية حسنة مجانية. وسلام: هي التحية عند اليهود. والمعنى أن يحل السلام على السامع كعطية إلهية.

والنعمة في المسيحية هي إشارة لكل البركات التي حَلَّتْ علينا بسبب تجسد المسيح وفدائه. وأعظم البركات التي حصلنا عليها هو الروح القدس، ومن ثماره السلام. وبولس تعوَّد على استعمال هذه التحية ليشير أن المسيح للجميع (يهودًا ويونانيين أي أمم). وهذه التحية كانت تنطق باللغتين اليونانية والعبرية خاريس شالوم (شالوم عبرية).

وفي المسيح وحده ننال النعمة من الآب كهبة مجانية لخلاصنا والتي بها نقتني السلام كدليل للعمل الخلاصي فينا أي المصالحة.

من الله أبينا والرب يسوع: الآب والابن في مساواة جوهرية يمنحان النعمة والسلام. والآب هو العامل الأول لخلاصنا بمحبته، والابن الكلمة عامل في خلاصنا بتجسده. (الآب يريد والابن والروح القدس أقنومي التنفيذ) والله هو أبينا (يو 12:1) ونصلي له قائلين أبانا.

 

آية 3: "أَشْكُرُ إِلهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي إِيَّاكُمْ”.

إلهي: الرسول يبدأ كل رسائله بتقديم الشكر لله (وهذا منهج الكنيسة التي تبدأ كل صلواتها بصلاة الشكر). وهنا يشكر الله على ثبات إيمان ومحبة أهل فيلبي لله، وهذه المحبة قد ظهرت في عطاياهم وشعورهم باحتياجات الآخرين، وهو يشكر الله على نجاح خدمته في فيلبي وهذه هي ثمارها. وقوله إلهي هو شعور حلو، فبولس يشعر بعلاقة خاصة مع الله. هو يحسب أن الله إلهه هو، كما قال "الذي أحبني وأسلم ذاته لأجلي" (غل 20:2). وهذا كقول عروس النشيد "أنا لحبيبي وحبيبي لي". ومن أعطى نفسه لله يشعر وكأن الله أيضًا صار لهُ. ولاحظ قول بطرس (أع 6:3) " ولكن الذي لي فإياه أعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشي".

 

آيات 4-6: "دَائِمًا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّمًا الطَّلْبَةَ لأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ، لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي الإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى الآنَ. وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”.

في كل أدعيتي: بولس يصلي كل حين فهو الذي قال صلوا بلا انقطاع وهذا يعطي للنفس سلامًا وفرحًا. فإشراك الله في مشاكلي أفضل من تفكيري منفردًا في حلها. فتفكيري منفردًا يصيبني باليأس. أما تفكيري بروح الصلاة وإشراك الله مثلًا أقول: يا رب حل مشكلتي، أنا واثق أنك في محبتك لن تتركني، اللهم التفت إلى معونتي. وبهذا فقط نمتلئ من الرجاء وسلام الله الذي يفوق كل عقل وتنسكب التعزيات الإلهية خلال الصلاة أي صلتك بالله.

بفرح: هي رسالة الفرح، وهو فرِح وراضٍ عن حالتهم الإيمانية. هو فرح بالرغم من آلامه وسجنه، فالفرح الروحي لا يستطيع أحد أن ينزعه (يو16: 22).

مشاركتكم في الإنجيل: أي مساهمتهم في احتياجات الكرازة بالإنجيل سواء بالمال أو بالشهادة للإنجيل في حياتهم أو بكرازتهم بلا خوف. هي شركة متبادلة في عمل واحد لهدف واحد وهو تقدم الإنجيل. فكلمة شريك هنا باليونانية هي العصا التي تربط رقبتي ثورين يجران نورج. فأهل فيلبي ارتبطوا بالإنجيل وارتبطوا ببولس الذي بشرهم بالإنجيل وشاركوه قيوده إذ أرسلوا إليه من يخدمه، وشاركوه في المحاماة عن الإنجيل، وشاركوه في نفقات المعيشة.

من أول يوم إلى الآن: من يوم اهتدوا للمسيحية حتى وقت كتابة هذه الرسالة، أي حوالي عشر سنوات. ابتدأ فيكم عملًا صالحًا: بالإيمان والمعمودية أصبحوا خليقة جديدة، والله سيكمل معهم هذا العمل باحتمالهم للآلام ليشتركوا مع المسيح في صليبه ويتكملوا فيليقوا بحياة القيامة. والله ليس عنده تغيير أو ظل دوران، فإذا ابتدأ عملًا فهو سيكمله، والله إذًا سيكمل معهم طريق القداسة والأعمال الصالحة. ويوم خلق الله آدم فهو عمل عملًا صالحًا، فهو قد خلق آدم ليحيا في مجد، ولما فقد آدم المجد تجسد المسيح ليكمل العمل الذي بدأه.

وأن إلهنا إله جبار لن يترك أولاده بسهولة في يد إبليس، ولكن إن تركه أولاده بحريتهم مثل ديماس (2 تي 1: 10)، وتركوه بالرغم من محاولات الله إرجاعهم، حينئذ يهلكون وهذا يتضح من (في19،18:3).

يوم يسوع المسيح: يوم المجيء الثاني للمسيح الذي سيأتي فيه للدينونة. ولاحظ أنه يقول "يسوع المسيح" إذا أراد الإشارة إلى أنه ابن الإنسان الذي تجسد ومات وقام وسيأتي في مجده. ويقول "المسيح يسوع" (في 1:1)، إذا أراد الإشارة له كالأقنوم الثاني. أدعيتي: بالصلاة نستمد من الله نعمته الفعّالة، ولاحظ أن خادم بلا صلاة يدعو فيها الله، لن يحقق شيئًا في خدمته.

تأمل: ابتدأ.. يكمل: الله لا يبدأ عملًا بدون قصد، بل هو إن بدأ العمل لا بُد وسيكمله. والله دعانا، لذلك فهو سيكمل معنا. لو نظرنا لقوة العدو نيأس، ولكن إن نظرنا لعمل الرب نتشجع ونتعزى ونسير فوق المياه الهائجة (مت22:14-33). فبطرس حين نظر للمسيح سار فوق الماء الهائج، ولما نظر للريح الشديدة غرق.

وبولس الرسول يقول هذا لأنه يعلم أن المتهودين وغيرهم يشوشون على الإيمان الصحيح الذي غرسه بولس الرسول في فيلبي. ويقول بولس هنا أنه واثق من أن الله لن يتركهم إذ هو بدأ ودعاهم للإيمان وقبلهم، إذًا فالله سيكمل معهم ولن يتركهم ويصحح أخطاء المتهودين. ولذلك قال الرسول أنه يفرح بعمل هؤلاء المتهودين لأنهم ينشرون اسم المسيح، وهو واثق أن الله سيكمل معهم ويصحح ما سمعوه من هؤلاء.

 

آيات 8،7: "كَمَا يَحِقُّ لِي أَنْ أَفْتَكِرَ هذَا مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، لأَنِّي حَافِظُكُمْ فِي قَلْبِي، فِي وُثُقِي، وَفِي الْمُحَامَاةِ عَنِ الإِنْجِيلِ وَتَثْبِيتِهِ، أَنْتُمُ الَّذِينَ جَمِيعُكُمْ شُرَكَائِي فِي النِّعْمَةِ. فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَشْتَاقُ إِلَى جَمِيعِكُمْ فِي أَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”.

كما يحق لي أن أفتكر: يحق لي أن أفرح بكم، وأثق أن الله سيكمل معكم، هذا تعبير عن محبته لهم وثقته فيهم، وثقته في عمل الله معهم. حافظكم في قلبي هو يحملهم في قلبه، أي يذكرهم ويفكر فيهم ويصلي لأجلهم، ويفرح بأخبارهم المطمئنة، وينشغل وينزعج إذا سمع عن هراطقة يزعجونهم، ولم تشغله آلامه وقيوده واهتمامه بالكرازة في بيت قيصر عن أن يذكرهم ويصلي لأجلهم ويهتم بهم، هو أحب أهل فيلبي كنفسه.

وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته: الله يحفظ إنجيله، وبولس يحامي عنه (وهكذا نحن) بأن يعلن الإيمان الصحيح ويرد على كل الهراطقة ليثبِّت التعاليم والإيمان الصحيح : وتثبيته. وفي كل انشغاله هذا لم ينشغل عنهم فهم في قلبه ويذكرهم في صلواته.

شركائي في النعمة: المسيح مات وقام لأجلنا جميعًا، ونحن شركاء في كل ما تم الحصول عليه، وشركاء في حلول الروح القدس علينا جميعًا. حقًا ليس لأهل فيلبي نفس مواهب بولس، لكن الكل شريك في نعمة الخلاص بفداء المسيح وفي حلول الروح القدس عليه. لكن لكل واحد مواهبه بحسب العمل المطلوب منه.

في أحشاء يسوع: الأحشاء هي القلب والكبد. وقد عرفها القدماء أنها مركز العواطف والإحساس، وقوله أحشاء يسوع، أي أنه يحمل لهم محبة المسيح = أي محبة حقيقية وليست غاشة، محبة هي من ثمار الروح القدس، محبة فيها اشتياق لخلاصهم. ولأن المسيح يحيا في بولس صارت أعضاء وعواطف وفكر بولس هي أعضاء وعواطف وفكر يستعملهم المسيح فصارت أعضاء بولس آلات بر (رو6: 13)، وصارت محبة بولس لهم هي نفسها محبة المسيح لهم، ألم يقل الرسول إن له "فكر المسيح" (1كو16:2). وهكذا هنا نرى أن الرسول له نفس اشتياقات المسيح ومحبته نحو أهل فيلبي، وقوله في أحشاء يسوع أي أنها ليست عواطف بشرية.

وهذه المحبة التي يضعها المسيح في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5) + (غلا 5: 22) هي غير العواطف الطبيعية البشرية. فالعواطف البشرية لها عيوب:

يمكن أن نحب إنسان أكثر من إنسان آخر.

هذه المحبة البشرية قد تتحول إلى كراهية وكم من القضايا في المحاكم بين أخوة وأقارب.

بل يمكن أن تكون العواطف البشرية سببًا في التصادم مع الله لو سمح الله بأي تجربة لمن نحبه.

أما المحبة التي يضعها الله في القلب، فهي محبة لله أولًا وهذه المحبة تكون أكثر من محبتنا لأي إنسان، ومحبة لكل إنسان حتى أعدائنا وهذه المحبة تسبب فرحًا يملأ القلب.

 

آيات 9-11: "وَهذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ، حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ، مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ الْبِرِّ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ وَحَمْدِهِ.”.

حينما اختبر بولس هذه المحبة التي يعطيها الله طلب أن يملأ الله شعب فيلبي من هذه المحبة.

أن تزداد محبتكم.. في المعرفة: بولس الذي اختبر المحبة التي وضعها المسيح في قلبه يصلي لكل أهل فيلبي أن يمتلئوا من هذه المحبة. محبة بولس لهم ترجمها إلى صلوات من أجل أن تزداد محبتهم وتنمو، فيكون لهم خلاص لنفوسهم. فالمحبة هي تمام الناموس وتمام الإنجيل، وهي لله أولًا ولكل إنسان حتى الأعداء، هي علامة حلول روح الله القدوس فينا (غل 22:5) + (رو5:5) وبدون محبة لا خلاص إذ أننا سنكون فاقدين لصورة الله. وهناك ارتباط جوهري بين المحبة والمعرفة. فكلما زادت المحبة زادت المعرفة (أف16:3ـ19). وهذه مثل رجل غني له قصر عظيم، فأنت لن تدرك عظمة هذا القصر، ولا أفكار وخطط هذا الرجل العظيم ما لم تدخل إلى قصره، وهذا لن يحدث إلاّ لو دخلت في علاقة محبة مع هذا الرجل، حينئذ يدعوك إلى قصره فتعرف عنه أشياء عجيبة، هكذا إذا دخلنا في علاقة حب مع الله سيعطينا أن نعرف أمجاده بل أعماقه (1كو 9:2-12). وأيضًا كلما زادت معرفتنا بالله تزداد محبتنا له. وهذا يأتي بمعرفة كلمة الله في الإنجيل، وبالصلاة يكشف لنا الروح القدس عن من هو المسيح (يو14:16). وكلما اكتشفنا من هو المسيح نزداد حبًا له.. وهكذا كلما ازداد الحب ازدادت المعرفة، وهكذا إذ دخل إبراهيم في حالة حب مع الله قال الله: كيف أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله. وكلما ازدادت المعرفة ازداد الحب. لماذا؟ الإجابة: لحلاوة شخص الله فكلما نكتشف شخص الله وحلاوته نحبه بالأكثر وهذه حلقة لا تنتهي بل هذه هي الحياة الأبدية (يو 17: 3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). إذًا كلما ازداد الحب ازدادت المعرفة وكلما ازدادت المعرفة ازداد الفرح، وكلما ازدادت المعرفة وازداد الحب ازداد الإيمان والثقة في الله. فإذ عرفنا قوته وقدراته، وأنه لمحبته يوجه كل هذه القدرات لنا نزداد إيمانًا به. وهذه هي أول طريقة لزيادة الإيمان. والطريقة الثانية أشار إليها القديس بولس الرسول في (كو 7:2). "موطدين في الإيمان.. متفاضلين فيه بالشكر” فمن يحيا شاكرًا الله في ضيقاته يرى يد الله ويعرفه فيزداد إيمانه.

وفي كل فهم: المعرفة هي المعرفة المجردة. والفهم هو في تطبيق ما عرفناه فيصبح الإنجيل إنجيل معاش. فالفداء معرفة ولكن الفهم كيف أعيش هذا الكلام، وكيف أنفذ وصايا من أحبني وأقبل صليبه. وبهذا تزداد معرفة المسيح وبالتالي يزداد الحب له، وتبعًا لذلك يزداد الإيمان به، فلا نهتز ولا ننهار أمام  التجارب مهما كانت شديدة وعاتية، وهذا معنى مثل البيت المبني على الصخر الذي لا ينهار من العواصف والرياح والأنهار (مت 24:7-27). والمقصود أن من ينفذ التعاليم ولا تظل تعاليم المسيح مجرد تعاليم نظرية (معرفة) بالنسبة له بل تتحول إلى حياة، سيعرف المسيح وتزداد المحبة وبالتالي الإيمان، فلا يشك وقت التجربة. 

حتى تميزوا الأمور المتخالفة: من يمتلئ معرفة ومحبة سيميز الأمور المتخالفة وفي ترجمة أخرى " لكي تستحسنوا ما هو أفضل " فالمسيحية ليست ديانة الحرام والحلال بل اختيار الأحسن من الحسن. هي إنسان قد تذوق، ومن تذوق سيكون له القدرة على التمييز ليس بين ما هو باطل وما هو خير، بل ما هو الأحسن في الأمور المعروضة علينا. عمومًا زيادة المحبة تعطي استنارة فيكون للإنسان تمييز الأمور المختلفة. وهذا يحدث لمن له النظرة البسيطة "فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا" (مت22:6). والعين البسيطة هي التي تبحث فقط عن مجد الله، تطلب فقط أن تعرف الله وتعرف كل شيء عنه، فتعرفه، فتحبه، فتعطيه المجد. فيحل المسيح نور العالم في هذا الإنسان فيصبح نيرًا.

مُخِلصِينْ: معناها في اليونانية مُخْتَبَرين في نور الشمس الكامل وَوُجِدْتُمْ أنقياء بلا عثرة إلى يوم المسيح: أي حتى يأتي المسيح للدينونة. بلا عثرة: لا تعثروا أحدًا.  ثمر البر الذي بيسوع المسيح: بر القديسين لا يحصلوا عليه بالناموس ولا بالطبيعة ولكن بالثبات في المسيح والاتحاد به، لنصير كغصن في كرمة، والغصن لا يأتي بثمر إن لم يثبت في الكرمة (يو4:15). والثبات في المسيح يأتي بالإيمان والمعمودية وحياة التوبة والجهاد وذلك للامتلاء بالروح القدس الذي يثبتنا في المسيح فنثمر (2كو21:1). ونلاحظ أن البر هو المسيح، ولا بر سوى بحياة المسيح فينا (غل20:2) + (فى21:1) + (رو10:5). ولماذا لا يحيا المسيح فينا؟ ببساطة لأننا لم نقبل الصلب مع المسيح. "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ".

لمجد الله وحمده: الحياة في المسيح لها ثمرها الذي سيظهر في حياتنا وهذا سيؤدي إلى مجد الله حين يرى الناس أعمالنا الصالحة فيمجدوا أبانا الذي في السموات (مت 16:5).

 

آيات 12-14: "ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ، حَتَّى إِنَّ وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي الْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ الْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي الأَمَاكِنِ أَجْمَعَ. وَأَكْثَرُ الإِخْوَةِ، وَهُمْ وَاثِقُونَ فِي الرَّبِّ بِوُثُقِي، يَجْتَرِئُونَ أَكْثَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ بِلاَ خَوْفٍ.”.

تقدم الإنجيل: هي كلمة يونانية تعني مجموعة متقدمة للجيش تقوم بتقطيع خشب الأشجار في الغابات لتسهيل مرور الجيش، فبولس بخدمته يمهد الطريق لانتشار كلمة الله. أموري: أحوالي في فترة سجني، وهي حوالي سنتين، وما قبلها من غرق السفينة والمشاكل التي صادفها في رحلته، والآن يده مربوطة بيد حارس. آلت: كان الظن أن السجن سيكون عائقًا عن الكرازة ولكن حدث العكس. فالله  قادر أن يُخرج من الجافي حلاوة. ولاحظ أن الخدمة هي خدمة الله، وبولس وبطرس وغيرهم أدوات في يد الله. بل أن الاستشهاد كان سببًا في نمو الكنيسة الأولى  وثقي صارت ظاهرة: ظهرت براءتي من أي جريمة منسوبة إليَّ، وعلموا أن وثقه سببها محبته للمسيح الذي كان يبشر به وليس لذنب جناه، صاروا لا يرونه سجينًا عاديًا، ولم يخطئوا فهم قيوده، أي فهموا أنه ليس مجرمًا يستحق هذه القيود. دار الولاية: الكلمة تعني ثكنة العسكر، أو جنود الحرس الإمبراطوري أو البلاط الإمبراطوري، ومكانهم في مبنى ملحق بالقصر. وهنا يطمئن الرسول أهل فيلبي أن السلاسل لم تمنع الكرازة، بل هو نشر الكرازة عن طريق الجنود المربوطين معه بالسلاسل، إذ شرح لهم سبب سلاسله وهو محبته للمسيح، وبشرهم بالمسيح، أو هم سمعوا كلام بولس مع من يزورونه من أصدقائه فعرفوا المسيح، بل نشروا هذه الدعوة ليس في دار الولاية فقط بل في خارجها = في باقي الأماكن أجمع. بل أن أكثر الإخوة إذ رأوا شجاعة بولس تشجعوا وازدادت ثقتهم في الرب وكرزوا بلا خوف، واحتملوا الآلام في سبيل هذا. والمسيحية انتشرت في رومية عمومًا عن طريق مؤمنين عرفوا المسيح ثم جالوا يكرزون بالكلمة. الرسول هنا يرد على تساؤل وشَكْ قد يصيب أهل فيلبي أو غيرهم، وهو كيف أن هذا الرسول العظيم يسمح الله بسجنه مع أن تعاليمه صحيحة؟!  والرد أن الله قادر أن يُحوِّل كل الأمور لتعمل معًا للخير. فلا ننظر إلى المشاكل على أنها معوقات، بل إذا سمح بها الرب فهي ستعود بالخير. فالرسول بولس أخطأ في ذهابه إلى أورشليم بعد إنذارات الروح القدس له أنه سَيُقَيَّدْ. ولكنه من فرط غيرته ومحبته أصر على الذهاب فسُجِنَ. غير أنه لم يضيع وقته في الندم على ما فات بل امتد بنظره إلى قدام وبدأ يكرز وهو في السجن ولم يندم على الأربع سنين التي ضاعت في الأسر (سنتين في فلسطين وسنتين في حبس دار الولاية في رومية). ولكن الله يحوِّل الأمور للخير. فما كان ممكنًا لبولس أن يصل إلى قصر قيصر سوى بهذه الوسيلة أي سجنه.

واثقون في الرب بوثقي: لقد رأوا أن وثقي لم تكن عائقًا يمنعني من الفرح أو الكرازة فتشجعوا فبالأولى يكرزون وهم أحرار بلا قيود. علينا ألا نخاف إذا هبت رياح معاكسة، ولا أن نحكم بحسب الظاهر أن العمل سيتوقف، ومجد الله لن يظهر.

 

آيات 15-17: "أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ، وَأَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ مَسَرَّةٍ. فَهؤُلاَءِ عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقًا. وَأُولئِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ، عَالِمِينَ أَنِّي مَوْضُوعٌ لِحِمَايَةِ الإِنْجِيلِ.".

عن حسد وخصام = كان هؤلاء من المتهودين (يهود آمنوا بالمسيح لكنهم يرون أن الأممي عليه أن يلتزم بالناموس أولًا قبل أن يصبح مسيحيًا).

وهؤلاء المتهودين غاظهم إهمال بولس للطقوس الناموسية، ولم يهدأ بولس في الهجوم عليهم وعلى معتقداتهم، وظل يعمل على تصحيح تعاليمهم. والآن فبولس مسجون، وكان أن قام هؤلاء عن غيرة ومنافسة تحركهم دوافع غير نقية، ويُظهرون غيرة شديدة في كرازتهم لعلهم يبلغون صيتًا حسنًا وسمعة طيبة أفضل من بولس. هؤلاء يعملون لمنفعتهم الخاصة وتمجيد ذواتهم لا لأجل مجد المسيح. وهم يظنوا أن نجاحهم في الكرازة سيضعف مكانة بولس ويضيف إلى ضيقاته ضيقًا وهو في سجنه، وفي  توقفه عن الكرازة التي يعاني منها فعلًا. لذلك فهم لا أجر لهم.

تحزب = جاءت في اليونانية أنهم يعملون لمنفعتهم الخاصة، وتشير للتنافس.

عن مسرة = هؤلاء كانوا يكرزون برضا وسرور لمجد المسيح وحتى يجعلوا بولس مسرورًا. عن محبة = لله ولبولس. عالمين إني موضوع لحماية الإنجيل = موضوع أي مُعيّن لهذه الخدمة، هم علموا أن الله عينني لهذا، أي أن أدافع كجندي وأحامي عن الإنجيل من اليهود والمتهودين والوثنيين والشيطان، وذلك بأن أعلن الحق أمام هجوم الهراطقة على الإيمان الصحيح.

 

آيات 18-20: "فَمَاذَا؟ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقّ يُنَادَى بِالْمَسِيحِ، وَبِهذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضًا. لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطَلْبَتِكُمْ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ انْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذلِكَ الآنَ، يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ.".

سواء كان بعلة أم بحق = سواء كانت دوافعهم للكرازة عن تحزب ورغبة في تمجيد ذواتهم، أم بإخلاص ورغبة في مجد المسيح.

بهذا أنا أفرح = هم ظنوا أنني سأتضايق من كرازتهم وشهرتهم، إلا أنهم مخطئين، فأنا أفرح بأن الكرازة تنتشر. بل هو يفرح لوجوده في السجن الذي حرك كثيرين للكرازة مهما كانت دوافعهم. بولس فرح بانتشار اسم المسيح، وهو واثق أن الله استخدم القليل الذي لدى هؤلاء ليبدأ معهم، ثم إذا كان الله قد بدأ فهو سيكمل وسيصحح لهم معلوماتهم ويكمل إيمانهم، لذلك لا يجب أن ننزعج لوجود طوائف كثيرة بل نسعى أن نكمل نقائصهم.

يؤول لخلاص = الخلاص له عمل هنا على الأرض وحياة أبدية في السماء. ولكن ما هو سر فرح بولس الرسول من كرازة هؤلاء؟

1.كل ألم في حياة بولس لأجل المسيح سيؤول ذلك إلى رصيد له في السماء (لو13:21).

2.كلما ازدادت ضيقات بولس من هؤلاء المضايقين يرتمي بالأكثر في أحضان المسيح فتزداد تعزياته.

3.عمل بولس هو انتشار الإنجيل، والله أبقى حياته إلى هذه اللحظة لهذا السبب، فكلما انتشر الإنجيل فهو يفرح لأن هدف وجوده قد تحقق. ولو تحقق هدف وجوده يخلص في الحياة الأبدية. فمن يسمع هؤلاء المغرضين لن يعرف دوافعهم وأنهم يكرزون بالمسيح لإغاظة بولس، ولكن من يؤمن بكرازتهم يخلص. ويقول الرسول أنه بهذا تتحقق رسالتي التي يريدها الله مني. فالله يريد نشر الكرازة. وهؤلاء بسببي كرزوا ومن آمن بسببهم عرف المسيح وسيخلص. فبهذا هم حققوا هدف رسالتي التي سيكافأني الله عليه.

4. بهذا أفرح = بولس يفرح:

1. بسجنه.

2. بكرازة من يكرز بمحبة.

3. بكرازة من يكرز عن تحزب ويتسبب في زيادة آلامه.

فكل هذا سيؤول لمجد المسيح. وهذا الفرح وهذا الخلاص يكون لي بطلبتكم= صلواتكم عني + مؤازرة روح يسوع. والروح القدس من ثماره الفرح. وهو يحل علينا باستحقاقات عمل يسوع المسيح. ونلاحظ أن الخلاص لكل واحد يكون بـ:

أ‌. الإيمان بالكرازة.

ب‌. صلوات الشخص نفسه.

ت‌. عمل الروح القدس فيه.

  حسب انتظاري = كلمة انتظار تعني الانتظار باشتياق كبير لدرجة محاولة الوقوف على أطراف الأصابع ورفع الرأس، مثلما قال الرب يسوع (لو8:21). فبولس يسهر ويجاهد ويطلب شيئًا واحدًا ولا يطلب سواه، وهو انتظار مشفوع بالرجاء في ذلك الشيء. وما هو هذا الشيء الذي ينتظره بلا يأس بل بكل رجاء؟ أن يتعظم المسيح في جسده وأن يظل يكرز بالمسيح، فهو ليس مثل المتحزبين يطلب مجد نفسه بل مجد المسيح. يتعظم المسيح = المسيح لن يُزيد من عظمته أحد، لكن المعنى أن تظهر عظمة المسيح للناس في جسد بولس، كيف؟

بحياة أم بموت = هو يشتهي أن يتمجد اسم المسيح به سواء بحياته أو حتى باستشهاده. ومازال بولس بعد موته وحتى الآن يُكرز برسائله لمدة 2000 سنة، وفي كل مكان. هو اشتهى أن يظل يكرز كل حياته باسم المسيح وأن يشهد له حتى الموت أو الاستشهاد، فالاستشهاد يظهر مجد المسيح الذي يدفع الشهيد للاستشهاد ولا ينكر اسمه حبًا فيه. والله أعطى لبولس أن يشهد له في حياته وبعد استشهاده والاستشهاد كرازة، فحينما يرى غير المؤمن، أن المؤمنين تكون حياتهم رخيصة عندهم من أجل المسيح الذي آمنوا به وأحبوه سيتساءلون عمن هو المسيح هذا وربما آمنوا به. راجع (نش 8:5 + 9:5 + 10:5-16 + 1:6).

بطلبتكم = لاحظ هنا طلبة بولس عنهم وطلباتهم عنه، وهذه هي الشفاعة. وماذا يمنع أن تكون الشفاعة بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة؟!

 

آية 21: "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ".

لي الحياة هي المسيح = هذه مثل "المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). ومن يحيا فيه المسيح يستخدم المسيح أعضاءه كآلات بر وهذه لا تحصل إلا بصلب الذات "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ"، فكلما جاهد الإنسان في إماتة ذاته وعاش لمن مات لأجله، ولم يعش متمتعًا بملذات العالم، يمتلئ بالأكثر من حياة المسيح ويتحقق له المزيد من الشركة مع الرب (2كو4: 10، 11). وهذا معنى قول السيد "من وَجَدَ حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت 39:10). ولكن كثيرون بالنسبة لهم الحياة هي في الملذات الحسية والشهوات والمال... ومثل هؤلاء يرتعبون من الموت الذي يعتبرونه كمال الحزن، إذ أنه يفصلهم عن الملذات التي يفهمونها، ولا يرون في الموت سوى مظهره الخارجي مثل النتانة والقبور.

لي الحياة هي المسيح = الله خلق آدم ليحيا للأبد، وأخطأ ومات والله خلقه ليحيا للأبد، فهل يفشل قصد الله؟ قطعًا لا. وكان الحل في التجسد والصليب وموت المسيح وقيامته بحياة أبدية. وبالمعمودية نتحد بالمسيح فتموت حياتنا العتيقة وتكون لنا حياته الأبدية، على أن نستمر في حياة الإماتة. فحتى لو متنا بالجسد فنحن نظل أحياء بحياة المسيح الأبدية التي فينا. هذه شرحها بولس الرسول في (1كو15) فقال... نكون كبذرة دفنت في التراب، وبعد أشهر تخرج شجرة جميلة (هي الجسد الممجد). أما من يرتد لحياة الخطية رافضا حياة الإماتة فيكون هذا كسوسة تدخل في البذرة فلا تثمر.

والموت هو ربح = الموت هو كمال إماتة الذات. وبالتالي فالمزيد من الشركة مع المسيح يتحقق بموت الجسد. فالخطية هي التي تفصلني عن هذه الشركة التامة مع المسيح، وبعد الموت لا خطية. ولذلك صرخ بولس قائلًا "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 24:7). ولذلك فهو يعتبر الموت هنا ربحًا. لأن في الأبدية تتحقق الراحة والفرح والمجد وشركة القديسين وكمال الشركة مع المسيح. ولكن يستحيل أن يشتهي الموت بفرح إلاّ من تذوق العربون، عربون الفرح والشركة مع المسيح هنا على الأرض.

ولاحظ أن الرسول يعلن وجهة نظره في الموت، فهو من المحتمل أن يتعرض للموت بعد سجنه هذا ومحاكمته. وهذه الآية أوردها الرسول بعد الآية السابقة ليشرح أنه يريد أن يتمجد الله فيه سواء بحياته أم مماته، والمسيح يتمجد فيَّ لو كان هو حياتي، أحيا به وأشهد له في حياتي حتى آخر لحظة ، حياته سكنت فيَّ وتستخدم أعضائي كآلات بر ولأعمالي أمجد الله، والموت هو ربح فهو راحة وفرح. وإذا كان موتي باستشهاد على اسم المسيح فهو أيضًا فيه تمجيد لاسم المسيح، فماذا أختار لو خيروني... الحياة أم الموت؟!

 

آية 22: "وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي!"

هي لي ثمر عملي = تعبير يوناني معناه أن الأمر يستحق الاعتبار.

لاحظ أنه في آية 20 كان كل ما يطلبه الرسول أن يتعظم المسيح في جسده فهو يريد أن يقول إنه إن كانت الحياة المُعلنة فيَّ الآن بينما أعيش في الجسد كعربون للحياة بالمسيح في الأبدية، هي لي ثمر جهادي وبذل ذاتي.. أي هي خدمة لأولاد الله حتى يعرفوا الله، ويتمجد الله فيهم. وحياتي هي أعمال صالحة أمجد بها الله، وثمر متكاثر لحساب المسيح. فماذا أختار، الحياة التي يتمجد بها الله من هذا الثمر المتكاثر أم الموت والاستشهاد الذي يمجد الله؟ إن جهاد الرسول وأتعابه وصبره وكرازته باسم المسيح وانتشار ملكوت المسيح بواسطته هو ثمرة حياته (أو حياة المسيح فيه). إذًا كلما عاش كلما كان له ثمار، وكانت حياته وعمله يمجدان اسم المسيح. والموت هو ربح أكبر له فبه يستريح من أتعابه ويبدأ طريق الفرح والراحة والمجد... إذًا أيهما يختار؟! الحياة هي له تمتع بالمسيح وخدمة المسيح الذي يحبه، والموت هو الوصول للمسيح وأمجاده.

 

آيات 23-26: "فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا. وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ. فَإِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِهذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَمْكُثُ وَأَبْقَى مَعَ جَمِيعِكُمْ لأَجْلِ تَقَدُّمِكُمْ وَفَرَحِكُمْ فِي الإِيمَانِ، لِكَيْ يَزْدَادَ افْتِخَارُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ فِيَّ، بِوَاسِطَةِ حُضُورِي أَيْضًا عِنْدَكُمْ.".

محصور بين الاثنين = هو رأي أن كلا الطريقين صالح وله مميزاته، وهو لا يستطيع أن يختار أيهما. هل يختار حياته على الأرض التي بها يربح نفوسًا للمسيح أو حياته في الفردوس حيث الراحة.. وقوله محصور بين الاثنين إشارة لأن كلا الخيارين يتنازعان داخله. فكلا الطريقين صالح ومبارك أمامه. ولكنه فضَّلَ في النهاية ما يراه الله صالحًا. وطالما هو حي، إذًا فالله يريد منه الثمر المتكاثر في حياته. فبولس يعلم أن الله "خلقنا لأعمال صالحة سبق فأعدها لكي نسلك فيها” (اف 2: 10)، وحينما ننهي الأعمال التي يريدنا الله أن ننهيها ينقلنا إلى الراحة كما قال لدانيال (دا 13:12).

ألزم لأجلكم = الله الذي خلقني يعلم وحده متى أنهي الأعمال التي خلقني من أجلها. وبولس هنا يقول لأهل فيلبي.. طالما أنا حي، إذًا فالله يرى أن بقائي لازم لأجلكم، لأثمر فيكم، فهذا هو العمل الذي خلقني الله لأجله. بولس هنا يُسَلِّم أمره بالكامل لله ليختار له الله الصالح.

في سفر أعمال الرسل (أع 12: 2،1) نجد هيرودس يقتل يعقوب بالسيف. ثم في (أع 3:12-17) نجد هيرودس يريد قتل بطرس ولكن ملاكًا ينقذه... فلماذا لم يرسل الله ملاكًا لينقذ يعقوب؟‍ السبب ببساطة أن لسان حال يعقوب في سجنه كان يقول "لي اشتهاء أن انطلق”، وكان يعقوب قد أنهى أعماله التي خلقه الله ليعملها، فسمح الله لهيرودس أن يقتله، سيف هيرودس كان الأداة التي ينتقل بها يعقوب إلى فرح سيده، إلى حيث الراحة. وكان لسان حال بطرس في السجن يقول "لي اشتهاء أن انطلق”،، ولكن بطرس كان أمامه أعمال أخرى، إذًا لن يكون لهيرودس سلطان عليه لأنه لم يُعط هذا السلطان من فوق (يو11:19). إذًا فملاك يذهب لينقذ بطرس من يد هيرودس، ليكمل بطرس الأعمال التي خلقه الله لأجلها.

وبهذا المفهوم يقول بولس الرسول هنا إن الرب يرى أنه ما زال أمامي أعمالًا لأعملها. أنطلق = يقصد الموت أي الخروج من هذا الجسد. والكلمة اليونانية تعني “فك الخيمة” أو “حل ربط السفينة” استعدادًا للإقلاع أو إطلاق السجين بعد فترة سجنه. والجسد في نظر بولس خيمة والموت هو حل هذه الخيمة (2كو1:5). والموت هو إقلاع إلى الوطن السمائي. وهو انطلاق من سجن هذا الجسد الذي يحرمني من رؤية الله والقديسين وأمجاد السماء.

لأكون مع المسيح = إذًا وجوده في الجسد كأنه غربة عن الله، فالمسيح في كل مكان لكن بسبب الخطية الساكنة في أجسادنا (رو17:7، 18) فالجسد أصبح مُعوِّق عن رؤية المسيح. وبالموت تنتهي حالة الغربة ونرى المسيح إذ لا خطية حينئذ.

تقدمكم وفرحكم في الإيمان = إذًا وجوده في الجسد نافع في تقدمهم وفرحهم. وكلما زاد إيمانهم ونما يزداد فرحهم. خصوصًا حين يُطلق سراح بولس فسيختفي حزنهم = بواسطة حضوري عندكم. ولكن قوله أيضًا يعني أن افتخارهم وفرحهم ببولس مستمر حتى لو لم يُطلق سراحه، فكرازته وعمله ورسائله لهم مستمرة حتى وهو في السجن. هم خافوا من حبسه لئلا تتعطل الكرازة، ولكنهم رأوا الآن أن الكرازة لم تتعطل، فعليهم أن يفتخروا ويبتهجوا في المسيح يسوع. فيَّ = حقًا هم يفتخرون ببولس، لكن كل افتخار هو في المسيح يسوع الذي ننال منه كل الهبات الروحية، وهو الذي يعمل في بولس فكرز لهم، وكرز في السجن، وعمل في الملوك فأطلقوه، ويعمل في أهل فيلبي ليفرحوا. وفي آيات 26،25 نشعر أن بولس شعر بأنهم سوف يطلقون سراحه ولن يموت.

لِكَيْ يَزْدَادَ افْتِخَارُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ فِيَّ، بِوَاسِطَةِ حُضُورِي أَيْضًا عِنْدَكُمْ = هم كانوا يفتخرون بأن لهم رسول عظيم مثل بولس عرَّض نفسه لكل هذه الآلام ليعرفوا هم المسيح. وهذا طبيعي للمبتدئين روحيا أنهم يفتخرون بالناس. ولكنهم الآن إذ نضجوا روحيا صاروا يفتخرون بالمسيح يسوع الذي عمل ويعمل في بولس وسانده خلال فترة كرازته وأيَّده بمعجزات عجيبة. وأخرجه بل وكل ركاب السفينة - التي غرقت - أحياء. وعمل فيه فبشًر بيت قيصر. هم رأوا أعمال المسيح العجيبة في رسوله ويفتخروا بالمسيح الذي آمنوا به لقوته التي عملت في الرسول الذي يحبونه. وسيفتخروا بالمسيح بالأكثر حينما يُفرَج عن بولس ويرجع لهم ويعرفوا أنه لا قوة تقف أمام إرادة الله.

 

آية 27: "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ،"

والآن ماذا أطلب منكم.. أن تعيشوا كما يحق لإنجيل المسيح = أي بما يتفق مع وصايا الإنجيل. ونحن يجب أن نعيش بحسب الإنجيل داخليًا وخارجيًا أي ننفذ وصايا الإنجيل قلبيًا في الخفاء، وأيضًا أمام الناس.

إنجيل = لم يكن هناك أناجيل، ولكن المقصود التعاليم التي علمها لهم بولس الرسول. فبولس يريدهم أن يكونوا إنجيلًا معاشًا مقروءًا من جميع الناس (2كو2:3).

عيشوا = هي مشتقة من كلمة وطن أو مدينة. لذلك يمكن ترجمة الآية "لتكن وطنيتكم المسيحية كما يليق بالإنجيل، هو معنى يشير لتأدية المرء واجبه كمواطن. وكما قلنا في المقدمة أن شعب فيلبي يفتخر بكون فيلبي كولونية أي أن شعبها له مميزات شعب روما نفسها. وهنا بولس يرفع أنظارهم أنهم مواطنين سمائيين لهم امتيازات سماوية وعليهم واجبات أن يحيوا كما يحق لإنجيل المسيح. يريد الرسول أن يقول أنه لا يشرفكم أن تكونوا مواطنين رومان فهؤلاء وثنيون، ولكن الذي يشرفكم أنكم مواطنون سماويون. بسبب جنسيتهم الرومانية وأن لهم مميزات شعب روما، كانوا يلبسون ملابس أهل روما، ومعنى كلام الرسول هنا، عوضا عن لبس ملابس رومانية البسوا المسيح.

ونرى بولس الرسول هنا يهتم بوحدتهم = تثبتون في روح واحد.. بنفس واحدة = وتثبتون على هذا، لا يكونوا كإبليس الذي لم يثبت (يو44:8). وهذا يؤول لإعلاء الإيمان بالإنجيل ونشر الإيمان به. وهذا عمل الروح القدس، أن يوَحِّدنا في محبة بفكر واحد وقلب واحد، أماّ عدو الخير فعمله زرع الخصومات والشقاق. وما يهدم هذه الوحدة والشركة الواجب إظهارها للجميع، الكبرياء والتحزب والأنانية. والمطلوب التشبه بالمسيح الذي أخلى ذاته، وبالكنيسة الأولى التي كانت قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة (أع32:4).

عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ ... حَتَّى إِذَا جِئْتُ = قوله حتى هذا فيه إجابة على التساؤل كيف يثبتوا في المحبة؟ الإجابة عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح.

فقط = ما قلته لكم عن الموت والحياة، له وقته الذي سوف يختاره ويحدده المسيح، ولكن ما أطلبه منكم الآن، وما يجب أن تفعلوه طالما أنتم أحياء عيشوا كما يحق لإنجيل.. مجاهدين = ضد إبليس والخطية (أف12:6). وللحفاظ على "الإيمان المُسَلَّم مرة للقديسين" (يه3). وللثبات في الكنيسة الواحدة بدون شقاقات.

 

آية 28: "غَيْرَ مُخَوَّفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ، الأَمْرُ الَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاَكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاَصِ، وَذلِكَ مِنَ اللهِ".

لا تخافوا ممن يضطهدكم ويقاوم رسالتكم = غير مخوفين = والكلمة تُستخدم أصلًا للخيول الجافلة التي تعود مضطربة إذا وجدت ما يخيفها. ولماذا لا نخاف؟ النعمة الإلهية قادرة أن تحفظ أولاد الله، ويد الله القوية تحفظهم، وتدين من يضطهدهم وتهلكه. "من يمسكم يمس حدقة عينه” (زك8:2). أولم تنهزم الإمبراطورية الرومانية أمام المسيحية. وفي العصر الحالي ألم تسقط الشيوعية في الإتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية أمام المسيحية التي عادت وازدهرت. وهناك سؤال إذا كان الله يحفظ أولاده، فلماذا مات واستشهد الكثيرين بيد أعداء المسيح؟ الإجابة بسيطة وراجع شرح آيات 23-26 من هذا الإصحاح، ونضيف عليها ما قاله السيد المسيح لبيلاطس "لم يكن لك عليَّ سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق” (يو 11:19). والمعنى أن مَنْ استشهد، كان ذلك بسماح من الله، لأنه قد أنهى أعماله، وذهب للراحة في انتظار المجد. وعادة يشعر المضطهدين لشعب الله بقوة تعمل مع شعب الله (خر 12:1). ولكن من الذي يشعر بقوة الله التي تسانده في هذا الوقت أي وقت الاضطهاد؟ هو من قرر بإيمان أن يثبت. ولاحظ أن من اضطهد الكنيسة أولًا كانوا اليهود وجاء بعدهم الوثنيون.

الأمر الذي هو لهم بينّة للهلاك وأماّ لكم فللخلاص = النعمة الإلهية قادرة أن تحفظكم ثابتين إن قررتم أن تثبتوا. وهذا الثبات هو ما أسماه الرسول مجاهدين في آية 27. فالجهاد هو قرارنا بالثبات بالرغم من الآلام. والنعمة تساند من قرر الثبات. فالنعمة هي القوة التي يعطيها الله لمن قرر الثبات وهي التي تحفظنا ثابتين.

ومن يقرر الثبات سوف يختبر قوة الله التي ستسانده وتحفظه ثابتا. وإن ثبتم فسيكون هذا دليل وإعلان قوي عن أن الله حفظكم بل وسيحفظكم إلى النهاية. وهي نفسها التي ستُكَمِّل معكم حتى الخلاص النهائي. ويد الله القوية التي تحفظكم هي نفسها ستدين من يضطهدكم وتهلكه.

تكون لهم بينة للهلاك = وثباتكم أمامهم سيخيفهم، فثباتكم هذا بسبب عمل قوة الله فيكم. وهذه القوة هي نفسها التي ترعبهم (خر 12:1). وراجع أيضًا ما حدث ليلة الخروج من مصر والرعب الذي وقع على المصريين (خر14: 24 ، 25). بل في أثناء الضربات العشر ذهب رجال فرعون له قائلين في رعب "ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت" (خر9: 7).

 

آيات 30،29: "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ. إِذْ لَكُمُ الْجِهَادُ عَيْنُهُ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَالآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ.".

لأنه = عائدة على ما قبلها. والمعنى أنه لا بُد وأن نواجه آلام ونحن في هذه الحياة (2تى12:3). ولكن المسيحية غيَّرت النظرة إلى الألم فهو لم يعد عقابًا، إنما شركة حب مع المسيح المتألم، ثم هي شركة مجد معه. وهي اختبار عزاء حقيقي من الله للمتألمين. فربما يندر أن نختبر يد الله في أيام صحتنا وفرحنا، لكن يمكننا إذا عشنا حياة الشكر وسط الألم أن نعاين الله ونختبر تعزيات وأفراح لا يختبرها الإنسان العادي غير المتألم، لذلك يقول الرسول وُهب لكم.. أن تتألموا = حينما تزداد المحبة يتمنى المحب أن يتألم بدلًا من حبيبه (كشعور أم ترى ابنها متألمًا). ولقد أعطى لنا أن نشعر بهذه المشاعر، أن نتألم لأجل المسيح = بالنيابة عنه. نرى المسيح وهو على الصليب، أو وهو ما زال متألمًا للآن من أجل الخطاة والمستهترين ورافضي الإيمان والذين ما زالوا مستعبدين للشيطان.. ونقول في حب، نريد أن نحمل عنك يا حبيب بعضًا مما تحمله من ألم. والله وهب لنا هذا.. أن نشترك مع ابنه في آلامه كشركة حب مع ابنه.

 قصة تشرح المعنى:- ظلت العذراء أم النور تظهر لفترة لمجموعة فتيات وولد واحد في يوجوسلافيا في بداية ثمانينات القرن العشرين. وكانت تخبرهم عن محبة المسيح للعالم وكيف يتألم بسبب الخطايا التي تسبب آلام وهلاك البشر، وعن حزنه للدماء التي تسفك في الحروب. وكان هذا في وقت تعاني فيه يوجوسلافيا من فترة حروب دموية. فقالت لها واحدة من الفتيات - أريد أن أتألم مع يسوع ... فقالت لها العذراء سيكون لكي هذا ولمدة سنة وبعدها أسألك إن كنتي تريدين أن يستمر الألم أو أحمله عنك. وأصاب البنت ذات الـ17 عاما صداع عنيف نشأ عن تكون كيس مائي في المخ يستحيل الاقتراب منه جراحيا. وإكتفت بالمسكنات. وقال لها أهلها أطلبي من العذراء الشفاء فابتسمت وصمتت فهي عرفت أن هذا كان تنفيذا لطلبها. وفي نهاية السنة سألتها العذراء - هل أزيل المرض منك - ورفضت هذه البنت الصغيرة إذ تذوقت معنى شركة الحب والألم.

والله في محبته يعطي لشركاء الألم أن يكونوا شركاء مجد (رو17:8). وذلك في السماء، أماّ هنا على الأرض فيعطيهم تعزيات عجيبة كما أعطى للثلاثة الفتية. صار احتمال الألم بفرح وشكر خير وسيلة لإعلان محبتنا للرب. وصارت التعزيات التي يعطيها الله وسط الألم هي عربون المجد العتيد أن يُستعلن فينا. وبولس اختبر هذا الألم وهذه التعزيات، فهو قد سُجن عندهم في فيلبي ورأوه في وسط آلامه فَرِحًا متعزيًا، ورأوه مجاهدًا ضد الشيطان وتابعيه غير خائف منهم = إذ لكم الجهاد عينه الذي رأيتموه فيّ. والآن تسمعون فيّ = فهو الآن مسجون في روما. فبولس هنا يقدم نفسه نموذجًا لما قاله عن الآلام التي يقابلها أولاد الله. عمومًا فالعالم يكره المسيح ومن يتبع المسيح، وهذا ليس جديدًا، أو يدعو للاندهاش. وأهل فيلبي غالبًا تحملوا نوعًا من الاضطهاد والرسول يشجعهم على الاحتمال.

وهب لكم.. لا أن تؤمنوا فقط. فالإيمان بالمسيح هو هبة ونعمة من الله مجانية. فالإيمان هو الطريق الوحيد لغفران الخطية، وللحياة الأبدية (يو8:16، 9 +يو25:11، 26).

بل أيضًا أن تتألموا لأجله. فالآلام هي لكي نكف عن الخطايا (1بط1:4) وحينما يهلك الجسد تخلص الروح في يوم الرب (1كو5:5) وحينما يفنى إنساننا الخارج يتجدد الداخل يومًا فيومًا (2كو16:4) . والمسيح الذي هو الطريق (يو6:14). والذي سبقنا للسماء ليعد لنا مكانًا يعرف كيف يصل بنا للسماء، إن ثبتنا فيه. وهو يعرف أننا ورثنا الخطية والتمرد من آدم "بالخطية ولدتني أمي" + "الخطية الساكنة فيَّ" (رو20:7) فالصليب صار وسيلة للتجديد. فكيف لا نعتبر الألم هبة من الله. والألم هو طريقنا للسماء. وبنفس الفكر يقول القديس يعقوب "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع2:1). وبنفس الفكر يقول داود النبي في المزمور"جرِّبني يا رب وامتحني. صف كليتي وقلبي" (مز2:26). وفي ترجمة أخرى "أبلني يا رب واختبرني، نقي قلبي وكليتيَّ".

لماذا اعتبر الرسول الألم هِبَة؟

1. هو شركة حب مع الحبيب المتألم لا يفهمها إلا من يحب محبة حقيقية.

2.شركاء الألم شركاء المجد (رو8: 17).

3.الله يسمح بالألم لترويض الجسد فيكف عن الخطية فيكمل الإنسان، فالألم طريق الكمال [راجع تفسير الآية عب2: 10].

4. وفي أثناء الألم نختبر تعزيات الله الأب المحب الذي لا يريد هلاكنا فيسمح بالألم ولكنه كالطبيب المعالج يعطي المسكنات ليجري جراحة ينقذ بها حياة المريض [راجع تفسير الآية  إش18: 4].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات فيلبي: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/11-Resalet-Filebby/Tafseer-Resalat-Fileppy__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/q4gwhn4