St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   righteousness
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث

2- الفضيلة، ما هي؟ كيف تكون؟ وما مصادرها؟

محتويات

الباب الأول: ما هي الفضيلة؟ وما تعريفها؟ وما نوعياتها وروحياتها

 

تعريفات

ما هي الفضيلة؟ وما معني عبارة "إنسان فاضل"؟

+ ربما عبارة "إنسان فاضل "تعني أنه إنسان خير، يحب الخير ويعمله. ويحب البر.

+ والفضيلة قد تعني النقاوة، أو السير في طريق الله.

+ وقد تعني قوة في النفس، تمكنها من انتصار على كل نوازع الشر وإغراءاته. وتمارس الحياة البارة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* وربما تعني الفضيلة الارتفاع فوق مستوى الذات.

* بحيث يخرج الإنسان عن دائرة ذاته، ويعيش لغيره.

يخرج من الاهتمام بنفسه، أو التركيز على نفسه، للاهتمام بالآخرين... من محبته لنفسه إلى محبته لله والناس.

نقول هذا الآن الخطية كثيرًا ما تكون انحصارًا حول الذات. إنسان يريد أن يرفع ذاته، يمتع ذاته، يشبع رغبات ذاته.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* الفضيلة أيضًا هي ارتفاع فوق مستوى اللذة:

* لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية، أو لذة نفسية. فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس، وتصبح لونًا من إشباع الذات، وبطريقة خاطئة.

فالذي يحب المال أو المقتنيات، إنما يجد لذة في المال وفي المقتنيات. وكذلك مَن يحب الزينة، ومن يحب الطعام. ومن يحب المناصب أو الشهرة، إنما يجد لذة في كل هذا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ومَن يحب الجسد يجد لذته في الجسد، ومن يحب الانتقام لنفسه، يجد لذة في ذلك.

الخطية إذن هي سعي وراء اللذة. والفضيلة هي ارتفاع فوق مستوى اللذة، إلى أن تجد إشباعًا لها في السعادة الروحية.

والسعادة غير اللذة، والفرح غير اللذة.

اللَّذّة غالبًا مرتبطة بالحس، بالسجد والمادة، أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح... ولذلك الفضيلة إذن تكون ارتفاعًا فوق مستوى المادة أيضًا...

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مصادر الفضيلة

1- أول مصدر هو الحكمة والإفراز والمعرفة:

وهكذا عَلَّمنا أبونا القديس الأنبا أنطونيوس.

والعلماء والفلاسفة يركزون على كلمة (المعرفة). والمقصود بها المعرفة الحقيقية. وهي المعرفة التي تميز بين الخير والشر، ويسميها البعض Gnosticism (الغنوسية). وهكذا يقول الكتاب:

"الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا14:2).

وهكذا نرى في مثل العذارى الحكيمات والجاهلات (مت25)، أن الحكيمات كن يرمزن إلى حياة البر، بعكس الجاهلات.

لأن الحكيم الحقيقي بالضرورة يسلك في حياة الفضيلة. بينما لأبد أن نصف الخاطئ بأنه جاهل، مهما كان من العلماء!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنه جاهل بطبيعة الأشياء، جاهل بطبيعة الخير والشر، جاهل بمصيره الأبدي، جاهل بما تجلبه الخطية من نتائج.

جاهل لا يعرف خيره من شره، ولا نفعه من ضره!

ولا نقصد المعنى السطحي من كلمة (جاهل)، التي تعني أنه لم يتعلم في مدارس أو على أساتذة... إنما هو جاهل من جهة الحكمة الإلهية، وجاهل من جهة المعرفة الحقيقية... ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى نوعية وإلى إرشاد...

وقد قال السيد المسيح عن الذين صلبوه، إنهم "لا يدرون ماذا يفعلون" (لو34:23). وهكذا وصفهم بالجهل... وقال الرسول عنهم... "لأنهم لو عرفوا، لما صلبوا رب المجد" (1كو7:2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حتى الإلحاد، يصفه الكتاب بالجهل، فيقول:

قال الجاهل في قلبه ليس إله (مز1:14).

حتى لو كان هذا الإنسان من فلاسفة عصره. إنه جاهل!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الحكمة تدعو الإنسان إلى السر في الطريق السوي...

فتاة مثلًا تحب شابًا من غير دينها، محبة تؤدي إلى (الزواج) منه... فيأتي مرشد ليقول لها: أنت تسيرين في طريق مسدود، لا تعرفين إلى أين ينتهي بك... إنك تضيعين نفسك، وعائلتك، وأخواتك البنات، وربما الأولاد أيضًا!! المسألة تحتاج إلى معرفة بنوع الحياة، وبالنتائج...

وكلما يتعمق الإنسان في الحكمة، على هذا القدر يتعمق في فهم الأمور. ويعرف ما ينبغي أن يكون.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

غير أن مصادر الفضيلة، ليست هي مجرد الحكمة والمعرفة. قد يعرف الإنسان الخير ولا يسلك فيه! هنا نتعرض للمصدر الثاني من الفضيلة، وهو:

2- قوة الإرادة والعزيمة:

قد لا يستطيع إنسان أن يسلك في طريق الفضيلة، لأنه مغلوب من نفسه، لأنه ضعيف الإرادة. وكما يقول الكتاب: "لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده، إياه أفعل" (رو19:7).

ولهذا فإن كثيرين -لكي يحيوا في الفضيلة- يسلكون في تداريب روحية لتقوية إرادتهم.

إن الضعف يسبب الوقوع في الخطية.

والوقوع في الخطية يؤدي إلى مزيد من الضعف.

كل منهما يكون سببًا ونتيجة للآخر...

ولذلك نقول عن الإنسان الفاضل، إنه إنسان قوي... قوي في الروح، وفي الفكر، وفي العزيمة، وفي التنفيذ، وفي التدريب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إنه قوي في الانتصار على الحروب الخارجية، وفي الانتصار على النزعات الداخلية.

الذي تستعبده عادة رديئة، هو إنسان ضعيف.

والذي لا يستطيع التحكم في لسانه، ولا التحكم في أعصابه. ولا التحكم في فكره، هو إنسان ضعيف. وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيلة... حتى إن تاب عن الخطية، يعود إليها مرة أخرى.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3- من مصادر الفضيلة أيضًا: المبادئ والقيم:

الإنسان الروحي المتمسك بالمبادئ والقيم يحيا حياة الفضيلة. لأن القيم التي يؤمن بها تحصنه، فلا يستطيع أن يخطئ، مهما حورب بالخطية. يقول لك: لا أستطيع أن أفعل هذا الشيء، ولو كان السيف على رقبتي. لا أستطيع أن أكسر مبادئي.

أما الإنسان الخاطئ، فلا قيم عنده.

أي أن الفضائل لا قيمة حقيقية لها في نظره، حتى يحافظ عليها!! إنه يكذب لأن الصدق لا قيمة له في نظره. ويزني لأن العفة لا قيمة لها في نظره. ويخون لأن الأمانة لا قيمة لها في نظره... وهكذا مع باقي الفضائل.

وبسبب ضياع القيم، يقع في الاستهتار واللامبالاة...

لا الوقت له قيمة، ولا المواعيد لها قيمة، ولا الواجبات لها قيمة، ولا النظام العام، ولا القانون، ولا التقاليد... ولا شيء على الإطلاق...!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4- من مصادر الفضيلة أيضًا مخافة الله:

الإنسان الذي توجد مخافة الله في قلبه، ولا يخطئ... ولهذا قال الكتاب "بدء الحكمة مخافة الرب" (أم10:9). ونجد في هذه الآية الحكمة والمخافة معًا...

الإنسان الروحي، يخاف أن يكسر وصايا الله. ويخاف اليوم الذي يقف فيه أمام الديان العادل (عب31:10). ويخاف العقوبة: بل يخاف أن يفقد طهارته وأن يفقد الصورة الإلهية. ويخاف أيضًا على سمعته. ويخاف أن يكون عثرة لغيره.

St-Takla.org Image: Woman in piety, pious, praying, by Nabil Sokkar. صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة في حالة تقوى وورع،: البر - رسم الفنان نبيل سكر.

St-Takla.org Image: Woman in piety, pious, praying, by Nabil Sokkar.

صورة في موقع الأنبا تكلا: امرأة في حالة تقوى وورع،: البر - رسم الفنان نبيل سكر.

وبالمخافة، يسلك في طريق الفضيلة وبممارسة الفضيلة وحبها. وهكذا يسلك فيها حبًا لا خوفًا.

غير أن البعض من الذين لا يفهمون الترتيب الطبيعي للفضائل، يبعدون عن المخافة بفهم خاطئ للآية التي تقول:

"لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" (1يو 18:4).

فَمَن من الناس قد وصل إلى هذا المحبة الكاملة لله، التي تطرح الخوف إلى الخارج؟! علينا أن نبدأ بالمخافة أولًا. والكتاب يقول "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط17:1). (ويقول أيضًا تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (في12:2).

ولنثق أن هذه المخافة هي التي ستوصلنا إلى المحبة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5- مصدر أخر للفضيلة هو الموهبة الإلهية.

فالفضيلة على نوعين، نوع يولد الإنسان به، بطبع هادئ طيب: ونوع يجاهد الإنسان لكي يصل إليه.

أما عن النوع الذي يولد الإنسان به، فهو كمثال يوحنا المعمدان، الذي قيل عنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو15:1). ومثال أرميا النبي الذي قال له الله "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خلقت من الرحم قدستك. جعلتك نبينًا للشعوب" (أر5:1). وكما يوق المثل العامي "مالك متربي؟ قال من عند ربي"...

ومن الذين جاهدوا حتى يصلوا إلى الفضيلة، القديس موسى الأسود الذي يجاهد...، ينال بلا شك أجرًا سماويًا عن جهاده. وانتصاره. وهؤلاء وضعهم السيد الرب في سفر الرؤيا تحي عنوان "من يغلب" (رؤ3:2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حتى الذي يولد بالفضيلة، يحتاج أيضًا إلى جهاد، لكي يغلب...

لأن عدو الخير لا يشاء أن يتركه في راحة. بل يحاربه محاولًا أن يفقده فضائله. فالذي ولد بفضيلة، يلزمه أن يثبت فيها، ويصمد أمام حروب العدو وكما قال الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا "تمسك بما عندك، لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ11:3)...

وأيضًا يجاهد حتى يصل إلى الكمال في فضيلته.

إنه جاهد للنمو. وجهاد يدخل به من الباب الضيق حسب وصية الرب (مت13:7).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6- من مصادر الفضيلة، النعمة:

نعمة الله التي تساعد الإنسان وتقوية، لكي يسلك ويثبت في طريق الله. كما قال بولس الرسول "بنعمة الله أنا ما أنا. وبنعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15). ولأهمية هذه النعمة، فإن الكنيسة المقدسة تطلبها لنا في كل اجتماع قائلة "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله وشركة الروح القدس، تكون مع جميعكم آمين" (2كو14:13).

على أننا يجب أن نتجاوب مع عمل النعمة. ونشترك مع الروح القدس في العمل.

ذلك لأن نعمة الله العاملة معنا، لا تهبنا الفضيلة إلا باشتراكنا معها، وقبولنا لها. ولذلك يقول الرسول "النعمة العاملة معي". وليست العاملة وحدها.

الروح القدس يعمل فينا، ونحن نعمل معه. نشترك معه في العمل.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7- قال بعض الآباء:

الفضيلة بطبيعتها مغروسة في النفس:

وهكذا تكون الخطية مجرد مقاومة لهذا الغرس الإلهي...

ولهذا تجد ضمير أي إنسان أيا كان، من أي دين من الأديان، بوذي، براهمي، كنفوشيوسي... من أي دين، تجد الفضيلة مغروسة فيه... إنها الشريعة الطبيعية غير المكتوبة، التي وضعها الله فينا. توضح لنا الخير، وتدفعنا إليه، وتبكتنا إن لم نسلك في طريق الفضيلة...

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لذلك نجد أن الذي يخطئ، يشعر بالخجل والخزف والارتباك...

هذا هو الذي يحدث للطفل، حينما يخطف شيئًا ليس له، أو حينما يرتكب خطأ لا توافق عليه القيم المغروسة فيه بالفطرة... وهذا ما يحدث للكبار أيضًا. لهذا يحبون أن يرتكبوا الخطية في الخفاء، في الظلمة، دون أن يلاحظهم أحد... لأنهم يقاومون شيئًا مغروسًا في أعماقهم، وذلك قيل عنهم:

"أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3).

بقى أن أحدثك عن نوعية الفضائل: السلبية والإيجابية، الداخلية والخارجية، وكذلك تكامل الفضائل وأمور أخرى.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تحدثنا عن تعريف الفضيلة، وعن مصادرها ونضيف هنا: فنقول عنها إنها:

شركة الروح القدس

الروح القدس يسكن فينا (1كو16:3). وهو يعمل فينا. وفي نفس الوقت يعمل بنا. ولذلك لا بُد أن نشترك معه في العمل. ولا يمكن أن نأخذ من عمل الروح فينا موقفًا سلبيًا.

لذلك فالفضيلة هي شركة مع الروح القدس.

هي نتيجة لقوة عمل الله. الذي يقابله تجاوب من إرادة الإنسان. لأنه إن كان الإنسان لا يريد، فلا يمكن أن تتم الفضيلة. وهكذا وبخ الرب مرة شعب أورشليم، وقال لهم "كم مرة أردت... ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا "ً (مت23: 38، 37).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Hope, tempera on panel, from 1469 until 1472, by Piero del Pollaiolo (Piero Benci 1443–1496), 168 × 90.5 cm (66.1 × 35.6 in) - One of the paintings of the Seven Virtues - 2nd floor room 09 - Uffizi Gallery (Galleria degli Uffizi), Florence (Firenze), Italy. It was established in 1581. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 1, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: فضيلة الرجاء (الأمل)، زخرفة تمبرا على لوح، في الفترة ما بين 1469-1472 م.، رسم الفنان بيرو ديل بولايولو (بييرو بينتشي 1443-1496)، مقاس 168×90.5 سم. - إحدى صور الفضائل السبعة - صور متحف معرض أوفيتزي (متحف أوفيزي)، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. وقد أنشئ عام 1581 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 أكتوبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Hope, tempera on panel, from 1469 until 1472, by Piero del Pollaiolo (Piero Benci 1443–1496), 168 × 90.5 cm (66.1 × 35.6 in) - One of the paintings of the Seven Virtues - 2nd floor room 09 - Uffizi Gallery (Galleria degli Uffizi), Florence (Firenze), Italy. It was established in 1581. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 1, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فضيلة الرجاء (الأمل)، زخرفة تمبرا على لوح، في الفترة ما بين 1469-1472 م.، رسم الفنان بيرو ديل بولايولو (بييرو بينتشي 1443-1496)، مقاس 168×90.5 سم. - إحدى صور الفضائل السبعة - صور متحف معرض أوفيتزي (متحف أوفيزي)، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. وقد أنشئ عام 1581 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 أكتوبر 2014 م.

محبة الخير

الفضيلة ليست مجرد عمل الخير، إنما هي بالأكثر محبة الخير.

لأن بعض الناس قد يعملون الخير خوفًا من العقوبة، أو من أجل السمعة وتجنبًا لكلام الناس. أو يعلمون الخير حبًا في المديح، أو رغبة في نوال مكافأة، أو مجاراة لجو معين... ولكن ليس في كل ذلك فضيلة...

إنما الفضيلة هي حب الخير، حتى إن لم تفعله لسبب خارج عن إرادتك. ولذلك نقول في أوشية القرابين، ضمن من نطلب لهم بركة العطاء "والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم".

ولكن إن مجدت إمكانية لعمل الخير، لأبد أن تعمله.

وهكذا تجتمع نية القلب، مع الإرادة مع العمل. لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين. والعمل هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة.

الفضيلة لا تقف عن حد، إنما هي سعي نحو الكمال.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سعي نحو الكمال

فالذي يعمل الفضيلة يود أن ينمو فيها. ويستمر في النمو حتى يصل إلى الكمال الممكن له كإنسان، أعني الكمال النسبي. ولذلك كما قال الرب في العظة على الجبل "فكونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5).

والسعي إلى الكمال، قد يحتاج إلى التدرج.

والآباء الروحيون كثيرًا ما يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج. لأن الطفرات السريعة كثيرًا ما تؤدي إلى المجد الباطل والافتخار، وأحيانًا تكون لها نتائج عكسية. لكن الآباء الروحيين يحبون أن يثبت أولادهم جدًا في كل خطوة يخطونها، حتى إذا ما صارت طبيعية عندهم، يتدرجون منها إلى خطوة أخرى، ولا يصبحون في خطر من نكسة ترجعهم إلى الوراء.

أما إذا أرادت النعمة أن ترفع الإنسان مرة واحدة إلى فوق، فهذه هبة إلهية غير عادية.

وتأتي هذه الفضيلة بالممارسة في الحياة. وإنما يتحدث الكتاب عن السلوك فيقول "لا دينونة على الذين هم في المسيح، الساكن ليس حسب الجسد، إنما حسب الروح" (رو1:8). وأيضًا" من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2)...

إذن الفضيلة هي سلوك بالروح.

قد يبدأ بالحب. وقد يبدأ بالمخافة، ويتحول إلى الحب. ولكنه في كلتا الحالتين. حب لله، وحب للخير، وحب للغير، يظهر في سلوك الإنسان وفي حياته العملية.

والحياة في الفضيلة هي حياة جهاد:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حياة جهاد

لأنه كما أن النعمة تحب أن ترفعك إلى فوق، كذلك قوي الشر لا تريد أن تتركك في راحة، إنما تحاول أن تجذبك إلى أسفل. وكما قال الرسول إن "إبليس خصمكم كأسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 9، 8).

من هنا كانت الفضيلة صراعًا ضد الخطية.

ولذلك قال القديس بولس الرسول "البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية..." (أف6: 10-12).

وبمناسبة هذا الصراع، يمكن أن نقسم الفضيلة إلى نوعين:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نوعان من الفضيلة

وذلك من الناحية السلبية، ومن الناحية الإيجابية:

فمن الناحية السلبية مقاومة الخطية ورفضها، ومن الناحية الإيجابية السلوك الطيب في عمل الخير، فليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطية، إنما أيضًا حياة البر.

لا يكفي فقط إنك لا تكره إنسانًا، إنما يجب أن تحب الكل.

لا يكفي أنك لا تقول كلمة شريرة، إنما يجب أن تقول كلامًا للبنيان ينفع الآخرين. ليست الفضيلة هي إنك لا تضر الناس، بل هي بالأكثر أن تخدمهم وتعينهم وتتعب لأجلهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يعرف البض الفضيلة بأنها وضع متوسط بين رذيلتين:

فالشجاعة مثلًا هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور.

والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين القسوة والتدليل.

والتدبير الحكيم في مالك هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذير.

ويمكننا أن نضرب أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الفضيلة لها مستويات في حياة الإنسان:

 

مستويات

مستويات في الحس، والفكر، والقلب، والعمل...

المستوى الجسدي للفضيلة، والمستوى النفسي، والمستوى الروحي.

وعلى الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوى، ويحترس من السقوط في غيره. فمثلًا الحواس هي أبواب الفكر. فما تراه وتسمعه وتلمسه، قد يجلب لك أفكارًا. فلكي تحفظ فكرك احفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس، لا تجعل الخطأ يتطور بك إلى فكرك. فإن وصل إلى الفكر أطرده بسرعة.

وإن وصل الخطأ إلى الفكر، لا تجعله يتحول إلى مشاعر في قلبك. وإن تحول إلى مشاعر لا تجعله يتطور إلى الفكر والعمل؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض. وربما يصير البعض منها سببًا ونتيجة...

فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. وخطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما يدفعان إلى العمل. والعمل يسبب خطورة للحواس، وكذلك الحواس تقود إلى العمل. وإنها دائرة أية نقطة تدور فيها، توصل إلى باقي النقاط.

وكما في الشر، كذلك في الخير. تتعاون المستويات معًا.

وكما تحدثنا عن هذه النوعيات، نتحدث عن نوعيات أخرى وهي:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من الداخل والخارج

في الداخل، في القلب والروح والفكر. وفي الخارج في الجسد والممارسة.

الحب مثلًا فضيلة في القلب. ولكن لا بُد أن يتحول إلى عمل محبة من الخارج. وفي ذلك يقول القديس يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو18:3)... وهنا تظهر المحبة التي فيها عطاء وبذل وتضحية.

فضيلتك التي في فكرك، لا يشعر بها أحد. فيجب أن تعبر عنها بعملك.

محبتك لابنك التي في داخل قلبك، تعبر عنها بالعطايا، والاهتمام، بالحنو...

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وهنا نتذكر عبارة جميلة في نشيد الأناشيد وهي:

"اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعِدَك" (نش6:8).

كخاتم فلي قلبك بالمشاعر الداخلية. كخاتم على ساعدك بالعمل. يدك تمتد وتعمل وتساعد... كخاتم على قلبك بالإيمان، وعلى ساعدك بالإعمال.

بطرس الرسول جعل الرب خاتمًا على قلبه، حينما قال "لو أنكرك الجميع فأنا لا أنكرك"، "أنا مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت" (لو23:22). ولكنه مع ذلك لم يجعل الرب خاتمًا على ساعده، حينما أنكره ثلاث مرات، وحينما سب ولعن وقال لا أعرف هذا الرجل" (مت26: 70-75).

ولذلك بعد القيامة، سأله الرب ثلاث مرات "أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" (يو21: 15-17)... إن كنت تحبني، لا يكفي بالقلب، بل بالعمل "ارع خرافي، ارع غنمي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والله نفسه عبر مشاعر القلب بالعمل.

فقيل "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3)... أحب العالم "هذا من جهة القلب... "وبذل ابنه الوحيد" هذا من جهة العمل.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والله يُعَبِّر عن محبته لنا برعايته وعنايته وحفظه لنا.

ومن هنا كان الحب فضيلة القلب. والفداء هو العمل والتعبير.

إذن لا نكتفي بأن نقول محبة الله في قلوبنا، إنما ينبغي أن نعبر عن هذه المحبة، وأن نبذل لأجله، ونتألم لأجله... ولا نكتفي بإيمان بغير أعمال، لأن الإيمان بغير أعمال ميت (يع2: 20، 17).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خشوع القلب من الداخل، نعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج.

وهكذا نجد في الصلاة: الوقوف والركوع والسجود، ورفع الأيدي والنظر إلى فوق وثبات النظر بلا تشتت، والجسد بلا حركة، والفكر بلا طياشة... ولا تقل في كل ذلك "الله إله قلوب! ويكفي أن قلبي مع الله"!! مثال ذلك مَن يصلي على المائدة وهو جالس!!

وفي كل ذلك نذكر قول المرتل في المزمور "أما أنا فبكثرة رجمتك أدخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5).

نعبر عن المخافة والخشوع بالسجود. وما أجمل قول الرسول:

"مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6).

لا يكفي إذن التمجيد بالروح، إنما بالجسد أيضًا. والمشاعر الداخلية تحتاج إلى التعبير الخارجي. فيشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل ومن الخارج أيضًا. ما يجري في عروقك من مشاعر، يكون له ثمر من الخارج.

"ومن ثمارهم تعرفونهم" (مت20:7).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حياة الشجرة في داخلها، تعبر عن وجودها من الخارج، بالخضرة، بالزهر، وبالثمر. "وكل شجرة لا تصنع ثمرًا، تقطع وتلقي في النار" (مت10:3).

نريد إذن الفضيلة المثمرة.

بالعمل الطيب، بالكلمة الطيبة، والسلوك الحسن، بالقدوة، بالنور الذي يضيء للآخرين، بالمحبة العملية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نقطة أخرى أقولها وهي تكامل الفضائل:

تكامل الفضائل

الفضائل تتكامل معًا، ولا تتعارض. وإن سلكت في فضيلة ما، فلابد ستقودك إلى فضائل أخرى كثيرة. وإن فقدت إحدى الفضائل، فما أسهل أن يجرك هذا السقوط إلى فقد فضائل أخرى عديدة... إنها سلسلة مترابطة. إن انفك عقد أحدها، انفرط الباقي...

فاحترس من الاهتمام بفضيلة واحدة، تفقد معها باقي الفضائل.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وهنا سهل أن نتكلم عن خطورة الفضيلة الواحدة.

محبتك لابنك مثلًا، ينبغي ألا تنفصل عن تربيتك لابنك.

وينبغي أن لا تنفصل عن الحكمة في هذه التربية. والحكمة ترتبط أيضًا بالمعرفة.

واهتمامك بجسد ابنك وصحته، لا يمنعك من الاهتمام بعقله، وبتثقيفه. وأيضًا يجب أن تهتم بروحيات ابنك وبأبديته...

وهكذا في باقي الفضائل...

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كَونِي أُحِب الناس، هذا حسن. ولكن ليست محبتهم معناها مجاملتهم في كل شيء، ولو على حساب الحق. ولكن أحب الله، وأحب الناس في نفس الوقت. وليس الحب معناه العطف الجسدي أو المادي فقط إنما معناه أولًا الحب الروحي.

الراعي يحب رعيته. ولكن ليس معني هذا أنه يعطف عليها عطفًا، يجعلها تستمر في الخطأ ولا تخاف.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

محبة الله يجب أن ترتبط أيضًا بمخافته، أي بمهابته.

كيف نتكامل إذن في الفضائل؟ وكيف نصل إلى الوحدة التي ترتبط بها كل الفضائل؟ هذا ما أود أن أحدثكم عنه في الصفحات التالية.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/righteousness/virtue.html

تقصير الرابط:
tak.la/6ar8a2d