قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوى من الضلالة الأولى، التي هي كرازة المسيح.
فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟
1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق...
ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو على القوة المعجزية التي له. فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل على التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19).
2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد...
كل الذين قاموا من قبل، أقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22). وابن الشونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36). وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأن قوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4).
3- وقد قام المسيح على الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي على باب القبر...
القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوى منها.
ودلت قيامته على أنه كان أقوى من كل العوائق. كانت قيامته انتصارًا على كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار على الموت وعلى الهاوية وعلى القبر وعلى الحجر الكبير وعلى الأختام وعلى الأكفان اللاصقة...
لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10).
إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته. ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلى المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضيء كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16).
كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره.
لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد. وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلى أن أتى ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت. وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا...
4- مظاهر قوته بعد القيامة:
هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس على الأرض، إلى جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب. وقوة دخوله إلى العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلى أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع...
وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخرى سبقت قيامته...
5- قوته ما بين الموت والقيامة:
تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلى أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10).
أما السيد المسيح فقد دل بقيامته على أنه كان أقوى من الموت، وعلى أن موته لم يكن ضعفًا منه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه...
6-لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا. ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من على الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع... إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء.
القيامة دلَّت على أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا...
فقوة القيامة أقوى رد على من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا على معجزة!!
بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية.
* لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا... لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد على رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا... بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره. والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان.
إن صمت المسيح في محاكمته، دليل على أنه مات بإرادته.
ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة.
لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا.
وكما قام في قوة. لا ننسى أنه مات في قوة...
لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق على الصليب...
وهو قد مات بالجسد... ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت.
استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم على رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم.
واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع على القبر.
لم يحد أن أحدًا -غير المسيح- هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون...
7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين.
كان دليلًا على جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب. وكان دليلًا على كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب.
لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم. وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28).
وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود. لأنها كانت تدل على بره. فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم. وكما كانت القيامة دليلًا على بره، كانت في نفس الوقت دليلًا على ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلى تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه.
إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم...
والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات. وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود على ذلك.." (أ ع 3: 13-15).
أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا على مسار عقائدهم وتعليمهم.
8-ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة. وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في حبس العامة.." (أ ع 5: 17، 18).
ولكن قوة القيامة، كانت أقوى من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم.
حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوى من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا على أنه مات بإرادته وليس مرغمًا...
وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد. وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة...
حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18).
9- كانت قيامته دليلًا على أنه أقوى من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوى من كل قوة البشر التي تقتل وتميت...
كان أقوى من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم. عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه على الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا... "وكشاة تساق إلى الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها".
قيامته دلت على أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا.
وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية. وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب.
هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت.
إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحى وكنت ميتًا. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18). هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24).
10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة. إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية...
فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة. أما المسيح فقد قام حيًا إلى أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه. وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20)..
11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة...
لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش... جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلى السماء.
ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا. وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده.." (في 3: 21).
12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها على الكنيسة والجميع...
استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون على المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة على الكرازة. وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يُطَاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19).
ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين:
13-(أ) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوى من الموت.
لقد انتصر على الموت. وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام. ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها. ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18).
(ب) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا.
وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد. وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة. بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23).
14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3). في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به. ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده. فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة، وهم في منتهى القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين.
وأصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية...
كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه. ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلى العالم بأسره في ثقة وفي يقين.
قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا...
15-فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية...
وكانت قوية في الدلالة على طبيعة المسيح ما هي... ومَن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا. وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود...
وكانت ردًا مفحمًا على الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/resurrection/strong.html
تقصير الرابط:
tak.la/ynk7w34