على جبل التجلي، لم يكن السيد المسيح وحده، إنما كان معه موسى وإيليا اللذان ظهرا بمجد الو 9: 31).
وواضح هنا أن السيد لا يبخل على أبنائه بالمجد.
فقد قيل في الرسالة إلى رومية إن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم، ليكونوا مشابهين لصورة ابنه... وهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو 8: 29-30).
وقد قال الرب عن تلاميذه للآب: وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدًا، كما أننا نحن واحد" (يو 17: 22).
تلاحظ أن الثلاثة الذين كانوا على جبل التجلي في مجد: كل منهم صام أربعين يومًا.
ولعل ذلك يشير إلى أن التجلي يرتبط بالبعد عن المادة...
معروف أن السيد المسيح صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة (مت 4: 2).
وموسي صام الأربعين يومًا، حينما كان مع الله على الجبل أربعين نهارًا وأربعين ليلة، يتسلم منه الشريعة" (خر 24: 18).
وإيليا لما ظهر له ملاك الرب وقال له: قم وكل لأن المسافة كثيرة عليك، "فقام وأكل وشرب. وسار بقوة تلك الأكلة اربعين نهارًا وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب" (1 مل 19: 8).
![]() |
موسى وإيليا كانا رمزًا للبشرية كلها في تجليهما.
كما نلاحظ في مثال العشر عذارى الحكيمات والجاهلات (مت 25: 1-3)، أن الخمس العذارى الحكيمات كن رمزًا لكل البشر الحكماء في سيرتهم الفاضلة، كما كانت الخمس العذاري الجاهلات رمزًا لكل البشر الذين في جهل لا يستعدون لحياتهم الأبدية ولقاء الرب.
كذلك أعطانا الرب تجلي موسي وايليا معه، رمزًا للتجلي الذي سيمنحه الرب لكل البشر في الأبدية.
1 - ايليا يمثل البتوليين، وموسى يمثل المتزوجين. بل أن موسى تزوج أكثر من مرة، تزوج صفورة ابنة كاهن مديان (خر2: 19- 22). كما تزوج أيضًا امرأة كوشية (عد12: 1). كانت رمزًا لقبول الأمم.
وهذا كله رمز لأن التجلي سيكون من نصيب البتوليين والمتزوجين على السواء.
بنفس الوضع نجد حول صليب الرب: مريم العذراء البتول ويوحنا الرسول البتول. كما نجد مريم المجدلية ومريم زوجة كلوبا أم يوسي ويهوذا وسمعان (يو 19: 25).
2 - موسى كان يمثل الذين ماتوا. وإيليا يمثل الأحياء الذين لم يموتوا بعد. ولعل هذا يرمز في مجيء المسيح الثاني إلى الأموات الذين سيقومون، والأحياء الذين سيختطفون معه إلى السحاب كما قال القديس بولس في (1تس 4: 15-17).
"لأن الرب نفسه، بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا تكون في كل حين مع الرب".
الكل سيكونون مع الرب... الذين دفنِوُا في الأرض ويقوا تحت الأرض إلى يوم القيامة (يو 5: 19) والذين يصعدون إلى السماء كما صعد إيليا".
3 - إيليا يمثل الذين عاشوا حياة النسك في الجبال، كما كان هو على جبل الكرمل. وموسى يمثل الذين عاشوا في العالم في حياة اجتماعية مع أسرته.
4- أحدهما يمثل حياة الرهبان. والثاني يمثل الخدمة وقيادة الجماهير،
أحدهما في طقس مريم، والآخر في طقس مرثا، والقياس مع الفارق... وكل من هذين النوعين سيتجلى مع الرب.
5- البعض قال إن موسى بمثل الناموس، وإيليا يمثل الأنبياء.
ذلك لأن موسى سلم الناس الناموس أي الشريعة، بينما كان إيليا واحدًا من الأنبياء.
6- موسى يمثل الوداعة. وإيليا يمثل الغيرة النارية. أحدهما يمثل المغفرة، والثاني يمثل العقوبة...
قيل عن موسى النبي "كان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). هو موسي الذي تشفع في الشعب عندما أراد الرب أن يفتيهم قائلًا: "ارجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك" لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث ليقتلهم في البرية ويفنيهم عن وجه الأرض" (خر 32: 12). كما قال له أيضًا: "الآن أن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32).
أما إيليا فهو الرجل الناري الذي قال لكل من رئيسي الخمسين: "إن كنت أنا رجل الله، قلتنزل نار من السماء فتأكلك أنت والخمسين الذين لك" (2مل 1: 10، 12). كما أنه هو الذي أمر بذبح أنبياء البعل وأنبياء السواري (1 مل 18: 40). وهو الذي قال في غيرته "إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي (1 مل 17: 1). نعم، إيليا الذي في غيرته وبخ آخاب الملك قائلًا له "لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب، وبسيرك وراء البعليم (1 مل 18: 18).
نفهم من هذا أن الودعاء، والحازمين الأشداء، كلهم سيمنحهم الله التجلي في الأبدية، حسب نوعيهما...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكأن السيد المسيح يقول: سأضم الكل معي في التجلي.
مَن كان متزوجًا، ومن كان بتولًا، من عاش حياة التأمل، ومن عاش حياة الخدمة. من كان وديعًا هادئا، ومن كان حازمًا شديدًا. من عاش على الجبل، ومن عاش في المدينة. المهم أنهم يحيون حياة البر، كل النوعيات البارة صالحة للملكوت وسأتجلى فيه، على الرغم من اختلاف النوعية، البعض من أجل الله كان وديعاُ يشفع في المذنبين. والبعض الآخر من أجل الله كان حازمًا وشديداُ يطهر الأرض من الوثنية ويؤدب الخطاة لكي يتوبوا.
وعلى الرغم من أن موسى كان يمثل نوعًا من الأبرار، وإيليا كان يمثل نوعًا آخر، إلا أنهما اشتركا في بعض الصفات:
* فكل منهما كان نبيًّا لله. وكل منهما قدم ذبائح لله.
* كل منهما كان قديسًا ومحبًا لله وملكوته، وكان رجل الله.
* كل منهما كان رجل معجزات: موسي النبي شق البحر الأحمر (خر 14)، وانزل للشعب المن والسلوى من السماء (خر16)، وضرب الصخرة فتفجر منها الماء (خر17). وإيليا النبي أقام ابن أرملة صرفة صيدا من الموت، وبارك الدقيق والزيت في بيت هذه الأرملة فصار كافية لطول مدة المجاعة (1 مل17)، وهو الذي أنزل المطر بصلاته (1 مل 18)، وهو الذي أنزل نارًا من السماء فأكلت رئيسي الخمسين (2مل 1).
* وكل منهما كان شجاعًا في توبيخه لملك خاطئ. موسى النبي وبخ فرعون ملك مصر، وإيليا وبخ آخاب ملك إسرائيل (1 مل 18: 18-19) كما وبخه على قتل نابوت اليزرعيلي. وأنذره بقول الرب قائلًا: "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" وقال له "... قد بعت نفسك لعمل الشر في عين الرب (1مل 21: 19-20).
* وكل منهما كان سبب خلاص للشعب في أيامه، فموسى النبي خلص الشعب من عبودية فرعون، وإيليا النبي خلصهم من المجاعة، وساهم في تخليصهم من الوثنية.
* وكل منهما له خبرات روحية في حياة الجبال: فموسى النبي مكث مع الله أربعين يومًا على جبل حوريب. وإيليا كانت له خبرته الروحية على جبل الكرمل.
* أيضًا كل منهما مجده الله. فموسى النبي قال عنه الرب وهر يوبخ هارون ومريم لتقولهما عليه "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. واما عبدي موسى فليس هكذا. بل هو أمين في كل بيتي، فمًا إلى فم أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين..." (عد 12: 6- 8)... كما مجده بالآيات الكثيرة والمعجزات. بل أكثر من هذا قال له "أنا جعلتك إلهًا لفرعون. وهرون أخوك يكون نبيّك (خر7: 1).
وإيليا النبي أكرمه الرب أيضًا بالمعجزات، كما أكرمه بإصعاده حيًا إلى السماء في مركبة نارية (1 مل 2: 11).
* كل منهما تعرض للخوف. فموسي خاف في بدء حياته لما قتل الرجل المصري، فهرب من وجه فرعون (خر2: 14-15). وإيليا هرب من وجه ايزابل الملكة. وقال للرب في محاولة تبرير ذلك "قتلوا أنبياءك بحد السيف وبقيت وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1 مل 19: 14).
أود في هذه المناسبة أن أقول إن إيليا النبي ليس هو يوحنا المعمدان كما يقول المعتقدون بعودة التجسد Reincarnation.
فإيليا لم يمت وتخرج روحه من جسده، حتى تعود إلى التجسد في شخص يوحنا المعمدان، كذلك فإن المعمدان حينما سألوه قائلين إيليا أنت؟ قال: لست أنا (يو1: 21)، ويوحنا المعمدان كان شخصية معروفة جدًا في ذلك الوقت، لو أنه ظهر مع الرب على جبل التجلي لعرفه التلاميذ، وما كان بطرس يقول "نصنع ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسي واحدة، ولإيليا واحدة. بل كان بالحري يقول "وليوحنا واحدة".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/pamphlet-1-transfiguration/moses-elijah.html
تقصير الرابط:
tak.la/t58v2jf