1
كيف تم فداء البشر؟؟
هل مات السيد المسيح وحده عنا وفدانا؟
أم نحن متنا معه وصُلبنا معه ودُفنا معه؟
وهل عملية الصلب كانت حُبًّا لا علاقة له بالعقوبة؟
الفرق بين كلمة نظرية وكلمة عقيدة؟
موضوع استرضاء الآب في قصة الفداء
لما كان هذا الموضوع في غاية الدقة، فسوف نتكلم عنه بكل وضوح. في نقاط عقيدية محددة، من أجل سلامة التعليم في الكنيسة. وسوف نعتمد في ذلك على الكتاب المقدس، وأقوال الآباء، والتقليد الكنسي، وطقوس الكنيسة، لخطورة هذا الموضوع بالنسبة إلى الإيمان المسيحي.
"كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12).
ويقول أيضًا "قد ملك الموت"، "بخطية الواحد قد ملك الموت" (رو 5: 14، 17). وكان لا بُد أن يموت الإنسان، لأن حكم الله منذ البدء كان واضحًا. وهو "موتًا تموت" (تك 2: 17) وكانت أمنا حواء تعرف هذا الحكم تمامًا قبل أن تخطئ (تك 3: 3).
إذن كان لا بُد أن يموت الإنسان.
* ويقول القديس أثناسيوس الرسولي عن ذلك في كتابه (تجسد الكلمة): إن لم يمت الإنسان لا يكون الله صادقًا... (ف 6).
* وعن حكم الموت يقول القديس غريغوريوس في القداس الإلهي (عن الإنسان) "أنا اختطفت لي قضية الموت". ويقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى رومية: "أجرة الخطية موت" (رو 6: 23).
* إذن فماذا يُفعل لإنقاذ الإنسان من الموت؟
وفي هذا يقول القديس أثناسيوس في الفصل التاسع من كتابه (تجسد الكلمة) "أخذ . الكلمة جسدًا قابلًا للموتوإذ اتحد الكلمة بالجسد أصبح نائبًا عن الكل". ويكرر عبارة "الموت نيابة عن الجميع".
ثم يقول "ومن غير الممكن أن يموت الكلمة، لأنه غير مائت بسبب أنه ابن الآب غير المائت. ولهذا أتخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت. حتى أنه حينما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع، يصبح جديرًا ليس فقط أن يموت نيابة عن الجميع، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به".
ويقول أيضًا "لذلك قدم للموت ذلك الجسد الذي أتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب.
وقال أيضًا عن (الكلمة) "كان لائقًا أن يقدم هيكله الخاص وأداتها لبشرية فدية عن حياة الجميع، موفيًا دين الجميع بموته".
هذا هو التعليم الآبائي السليم في موت الرب فداء عنا، ونيابة عن الجميع، لكي يوفى دين الجميع.
وفي هذا يقول السيد الرب في سفر إشعياء النبي "قد دست المعصرة وحدي. ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (أش 63: 3).
ويقول القديس بطرس الرسول عن السيد المسيح "ليس بأحد غيره الخلاص. لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع 4: 12).
لم يمت أحد عنا غير المسيح.
ولا نحن متنا عن أنفسنا، لأن البشرية عاجزة عن تخليص نفسها. وإذا مات البشر لا يكون هذا فداء، وإنما هو استحقاق. ولكنه لا يكفى. وهكذا يقول القديس غريغوريوس في قداسه (للرب) "لا ملاك ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبيًا، أئتمنته على خلاصنا. بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست، وشابهتنا في كل شيء، ما خلا الخطية وحدها. وصرت لنا وسيطًا لدى الآب... وصالحت الأرضيين مع السمائيين..".
ويقول أيضًا "أنت يا سيدي حّولت لي العقوبة خلاصًا"..
إن التركيز في الفداء هو على المسيح وحده.
أما عبارة "شركة آلامه" (في 3: 10). فمعناها أننا نشترك معه في آلام الخدمة والكرازة، في احتمال الضيقات والاضطهادات والإهانات، مثل الذي قاله القديس بولس الرسول "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين، متحيرين لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين.." (2 كو 4: 8، 9).
وأيضًا "في كل ش ئ نظهر أنفسنا كخدام لله: في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات في ضربات ""في أتعاب في أسهار في أصوام" "بمجد وهوان، بصيت حسن وصيت رديء"، "كمضلين ونحن صادقون. كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين وها نحن نحيا" "كحزانى ونحن دائمًا فرحون، كفقراء ونحن نغنى كثيرين، ك أن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شيء" (2 كو 6: 3-10).
في هذا وأمثاله (2كو 11) ندخل في شركة آلامه. أما الآلام الفادية فلا يمكن أن نشترك فيها، لأننا لا نشترك في الفداء، حاشا...
نحن لا نأخذ صفة المسيح كفادٍ، وننسبها لأنفسنا!!
وإذا كنا نشترك في آلام الفداء، فالسؤال هو: نفدي مَنْ؟!
5. وللأسف الشديد، في موضوع شركة الآلام الفادية:
ويقول في ذلك بالحرف الواحد:
إذن المسيح صُلب، ليس وحده. بل "نحن صلبنا معه".
فكيف نقول صُلب عنا؟
والمسيح لما مات لم يمت وحده، بل "نحن متنا معه"
فكيف نقول مات عنا؟
وقد سبق أن قلنا إننا تألمنا معه. فكيف نقول تألم عنا؟
وحجة صاحب هذا الفكر هي قوله: ذبيحة المسيح هي موت الخاطئ بالفعل!! المسيح أخذ جسدًا هو في حقيقته جسد الإنسان ككل، جسد جميع الخطاة... هو هو بعينه جسد كل خاطئ... حتى أن كل خاطئ يعتبر نفسه في المسيح أنه مات بالفعل "جسد بشريتنا أي " " جسد كل واحد من البشرهو مات بجسدنا بدمنا ولحمنا".
ونود هنا أن نناقش كل هذه العبارات:
والحقيقة اللاهوتية التي أريد أن أقولها لكي لا يلتبس الأمر على القارئ هي هذه: المسيح صُلب وتألم ومات بجسد بشرى، وليس بجسد كل البشرية، ولا بجسد كل الخطاة. بل بجسد واحد طاهر بلا عيب. ولذلك عندما سفك دمه عنا ليفدينا، كان - كما قال القديس بطرس الرسول: "عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى... بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح" (1 بط 1: 18).
* مستحيل أن يتحد المسيح بجسد كل الخطاة.
لأنه حسب قول الكتاب "لا شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال" (2 كو 6: 14، 15).
* ومستحيل أن جسد الخطاة يصعد على الصليب، متحدًا بالمسيح.
لأن التقدمة التي تقدم ذبيحة لله ينبغي أن تكون بلا عيب، فهذا هو تعليم الكتاب بعهديه القديم والجديد. بينما البشرية قد قيل عنها:
"الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز 14: 3، رو 3: 23). وقال القديس يوحنا الرسول "إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8).
فكيف تقدم على الصليب أجساد خاطئة ويتحد بها السيد المسيح الذي بلا خطية وحده، الذي لما تجسد قيل لأمه العذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 35)؟!
نقطة أخرى تضاف إلى ما سبق وهي:
فالذين تم فداؤهم، هم الذين آمنوا، والذين تابوا. وليس الكل على الرغم من أن ذبيحة المسيح تكفي لحمل خطايا العالم كله.
ولكن لا يستفيد منها إلا الذين آمنوا وتابوا، واعتمدوا أيضًا... فمن جهة الذين آمنوا، يقول الكتاب "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). ويقول أيضًا "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن، لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36). وأيضًا (يو 3: 18).
إذن الذين لا يؤمنون ليسوا من المفديين. وكذلك الذين لم يتوبوا حسب قول الرب "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3، 5). ومن جهة المعمودية "مَنْ آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16).
فكيف يقال في عملية الفداء، إن المسيح اتحد بجسد كل الخطاة، بينما بعضهم غير مفديين؟!! فهل من بين كل الخطاة، اتحد بجسد يهوذا الذي وصفه بأنه ابن الهلاك؟! وهل اتحد بأجساد حنان وقيافا، وبيلاطس ونيرون وديوقلديانوس. وكلهم تشملهم عبارة كل الخطاة.
8. هناك عبارة أخرى تحتاج إلى تحليل، وهي:
عجبًا أن يصّور الأمر كأنه "أمر خطير" أو "خطأ لاهوتي"! بينما الكتاب المقدس يستخدم التعبيرين، وكذلك القداس الإلهي، بل وقانون الإيمان أيضًا. فهل يُقال للناس أن الخطأ يشمل كل هذا؟!
يقول الكاتب: من الخطأ أن نقول صلب عنا، بل صُلب لأجلنا. ومن الخطأ أن نقول مات عنا، بل مات لأجلنا. ومن الخطأ أن يقال تألم عنا، بل تألم لأجلنا، وهكذا...
وواضح استخدامنا كلنا لهذه التعبيرات التي يصفها بالخطأ اللاهوتي: ففي قانون الإيمان:
نقول "وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي" وليس لأجلنا... فهل هناك خطأ يقع فيه كل المؤمنين في تلاوة قانون الإيمان؟!
وفي الإنجيل المقدس:
ورد في إنجيل لوقا قول الرب "هذه الكأس هي للعهد الجديد بدمى، الذي يُسْفَك " عنكم (لو 22: 19، 20). فيقول الكاتب "هنا الترجمة في العربية خاطئة" ويستشهد بما ورد في إنجيل متى (مت 26)، وفي إنجيل مرقس (مر 14) إنه "يسفك من أجل كثيرين".
* فماذا نقول إذن عن قول الرب في كلٍ من إنجيل متى وإنجيل مرقس "إن ابن الإنسان لم يأتِ لي خُدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28، مر 10: 45). هل يوجد أيضًا خطأ في ترجمة هذين الإنجيلين أيضًا كما ذكر عن إنجيل لوقا (لو 20: 19، 20).
وما الداعي إلى بلبلة الأذهان من جهة الأناجيل الثلاثة.
وفي القداس الإلهي:
وردت عبارة "هذا الذي أحب خاصته الذين في العالم، وأسلم ذاته عنا إلى الموت".. فهل يوجد خطأ أيضًا في القداس؟!
وأيضًا في القداس الإلهي "لأنه فيما هو راسم أن يسلم نفسه للموت عن حياة العالم، أخذ خبزًا..". فهل هذا أيضًا خطأ؟!
وأيضًا قول الرب "لأن هذا هو جسدي الذي يقسم عنكم وعن كثيرين، يعطى لمغفرة الخطايا". فهل هذا خطأ كذلك؟!
وأيضًا قوله "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك عنكم وعن كثيرين، يعطى لمغفرة الخطايا" أهذا أيضًا خطأ؟!
وأيضًا في القداس الإلهي في الاعتراف الأخير، نقول عن جسد الرب: "وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا". فهل كل ذلك خطأ علمًا بأنه ورد في كلٍ من القداسات الثلاثة الباسيلي والغريغوري والكيرلسي!!
القديس أثناسيوس استخدم عبارة "يموت نيابة عن الجميع"، "فدية عن حياة الجميع"، "نائبًا عن الكل" (تجسد الكلمة ف 9).
لماذا كل هذه الضجة حول عبارة (عنا)؟
يقول المؤلف "لأن كلمة (عنا) هنا خطيرة للغاية، إذ تجعل الموت واللعنة كاستحقاق شخصي. وهذا يلغى الفدية إلغاء".
كلا. ليست هناك خطورة. فالاستحقاق الشخصي هو لنا نحن. ولكن الفادي حمله عنا...
ويتابع "فهو لم يمت بعيدًا عنا، بل مات بجسدنا ودمنا ولحمنا. فنحن شركاء في هذا الجسد والدم..".
ويقول إن موت الفداء الذي ماته المسيح هو موتنا" "ذبيحة المسيح هي موت الخاطئ بالفعل". "هو لم يمت وحده على الصليب، فنحن كنا فيه على الصليب "مع المسيح صلبت"، "ولما دفن، دفنا معه"، "وقيامته هي قيامتنا".
* نلاحظ في عبارة (متنا معه) خلطًا بين الصليب والمعمودية.
وكذلك في عبارة "دفنا معه".
فنحن لم نمت مع المسيح على صليب الجلجثة. ولم ندفن معه في القبر الذي أعده يوسف الرامي! بل يقول الرسول "أم تجهلون أننا كل من اعتمد للمسيح، اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية" (رو 6: 3، 4). ويؤكد نفس المعنى في الرسالة إلى كولوسي (كو 2: 12) إذ يقول: "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه".
إذن نحن في المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه. ولسنا نموت معه على صليب الجلجثة، أو نقوم من القبر الذي دفن فيه...
ولهذا نجد أن الرسول يقول في نفس الإصحاح السادس من رسالته إلى روميه "متحدين معه بِشِبْه موته، نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 5). ويتابع الرسول فيقول "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه.." كل هذا عن المعمودية، وليس عن صليب الجلجثة. وعندما يقول بولس الرسول "مع المسيح صلبت" (غل 2: 20). لا يقصد أنه صلب معه على جبل الجلجثة. ففي ذلك الوقت لم يكن مؤمنا، بل كما قال عن نفسه "أنا الذي كنت قبلا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًّا. ولكنني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم الإيمان" (1 تى 1: 13).
فلا يجوز أن تؤخذ الآيات، وُتستخدم في غير موضعها..!
فبولس الرسول كان يتكلم وقتذاك عن أنه تبرر بالإيمان وليس بالناموس. ولذلك قال بعدها "المسيح يحيا في... إنما أحياه في الإيمان" (غل 2: 20).
وهنا أسأل سؤالًا حول الخلط بين الصليب والمعمودية:
إن كنا قد متنا مع المسيح على الصليب، إذ صلبنا معه... فما هو لزوم المعمودية إذن؟ هل هي إعادة للموت والصلب؟
وإن كنا قد متنا معه في المعمودية، وصُلب إنساننا العتيق في المعمودية، إذن لم نكن قد متنا قبلا على الصليب معه أو فيه... وإلا نكون قد متنا مرتين وصلبنا مرتين. ولهذا فإن الرسول مع عبارة (متنا معه) (رو 6) يستخدم عبارة (بشبه موته).
كذلك عبارة "من أجلك نُمات كل النهار" (رو 8: 36). وعبارة "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع" (2 كو 6: 10). وعبارة "نحن الأحياء نسّلم دائمًا للموت" (2 كو 6: 11). لا تعني مطلقًا الموت معه على الصليب. لأن عبارات: كل النهار، وكل حين، ودائمًا، لا تنطبق على موت الصليب... إنما تؤخذ كلها بالمعنى الروحي من جهة التعرض للألم بسبب الإيمان المسيحي، أو الإماتات في الجهاد الروحي، أو صلب الجسد مع الأهواء (غل 5: 24). ومثلها "إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم؟!" (كو 2: 20).
مرة أخرى: ما أخطر استخدام الآيات في غير موضعها!
10. تعليق على عبارة "مات بجسدنا، بدمنا، ولحمنا":
هوذا الكتاب يركز على دم المسيح وحده، فيقول:
(رو 5: 9) ونحن متبررون بدمه - (رو 3: 25) الإيمان بدمه.
(أف 1: 7) الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا.
(1 بط 1: 18) بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح.
(1 يو 1: 7) ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.
(أع 20: 28) كنيسة الله التي اقتناها بدمه.
أما عبارة "دمنا، ولحمنا، وجسدنا" فلا وجود لها. كما أنها تقلل من قيمة فدية المسيح، الذي مات وحده لأجلنا، وداس المعصرة وحده، ومع الشعوب لم يكن معه أحد (أش 63: 3).
كما أن البشرية -بعبارة دمنا ولحمنا- إنما ترتئي فوق ما ينبغي... (رو 12: 3).
نقطة أخرى نضيفها إلى المقال السابق وهي:
إنه سؤال لبلبلة الأذهان مثل مناقشة عبارة (عن) أو (لأجل)! فالأمر واضح جدًا وهو أن:
ذبيحة السيد المسيح كانت حبًا لنا، واستيفاء للعقوبة التي علينا، وهي حكم الموت. فجمعت الأمرين معًا...
ولكن كاتبًا يقول "الله بذل ابنه بدافع محبته للعالم، حتى لا يهلك العالم... لا يوجد هنا أقل شبهة في وجود عقوبة "! "لا يوجد أدنى إحساس بالعقوبة "! ثم يعود الكاتب فيقول عن السيد المسيح "لكن موته في جسدنا حسب لنا نحن أنه استيفاء عقوبة. فلما أكمل الموت أكمل حبه. فكان لنا نحن تكميل عقوبة. أما هو فبالموت أكمل حبه!!".
إذن هناك عقوبة، ولكن المسيح حملها عنا، بسبب حبه لنا. وإلا فما معنى عبارة (استيفاء عقوبة) وعبارة (تكميل عقوبة) من الذي استوفى العقوبة إلا السيد المسيح؟ ومن أكمل العقوبة إلا السيد المسيح؟ كل ذلك نيابة عنا. لأنه كما يقول الكتاب "كلنا كغنم ضللنا، مِلنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 6). وبسبب "إثم جميعنا" تألم السيد المسيح ومات ودُفن...
وإلا: لماذا مات؟ لولا العقوبة الموقعة علينا نحن؟!
ولكن الكاتب يقول "لو كان الموت هو عقوبة الخطية، وهو كذلك حقًا في العهد القديم: "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 20). لكان الابن قد تحمل عقوبة الموت من يد الآب عوضًا عنا لاستيفاء عدل الله. وهذا غريب عن روح العهد الجديد وغير جائز".
الله -كما يقول الكتاب-"هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8). "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17).
إن كان في العهد القديم "النفس التي تخطئ هي تموت"، فنفس الحكم هو في العهد الجديد أيضًا. نرى ذلك في قصة حنانيا وسفيرة (أع 5). ونرى ذلك في نهاية يهوذا "ابن الهلاك" (يو 17: 11). ونرى ذلك في ضربات سفر الرؤيا. ونراه في رسالة يوحنا الأولى " توجد خطية للموت. ليس لأجل هذا أقول أن يُطلب" (1 يو 5: 16).
أما تعبير "الابن قد تحمل عقوبة الموت من يد الآب عوضًا عنا لاستيفاء عدل الله"، فليس هو غريبًا عن روح العهد الجديد كما يقول الكاتب. بل هذا هو إيمان الكنيسة كلها، وإيمان آبائها وقديسيها.
ويستمر الكاتب في رأيه قائلًا "يستحيل أن يجمع الآب في قلبه نقمة العقوبة ليصبها في ابنه ليموت عنا وبدلًا منا"!!
فهل يتفق هذا الكلام مع قول الكتاب "والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 6). وهل يتفق مع قول الكتاب أيضًا "أما الرب فَسُرَّ أن يسحقه بالحزن" (أش 53: 10). وأنه "أحصي مع أثمة" (أش 53: 12)؟؟!!
منذ بدء البشرية، وقد أنذر الله آدم بعقوبة الموت هذه، فقال له عن الأكل من الشجرة "موتًا تموت" (تك 2: 17). وقد أكدت حواء معرفتها بهذه العقوبة في (تك 3: 3). والكاتب يعترف بأن عقوبة الخطية هي الموت في العهد القديم حسب (حز 18: 20).
والعهد الجديد أيضًا أكد أن عقوبة الخطية هي الموت.
إذ ورد في (رو 6: 23) و"أجرة الخطية هي موت".
وورد في (رو 5: 12). "وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع". وفي (أف 2: 1) "كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا" والسيد الرب في رسالته إلى كنيسة ثياتيرا في سفر الرؤيا يقول عن إيزابل الخاطئة "وأولادها أقتلهم بالموت" (رؤ 2: 23).
فإن كان الموت هو عقوبة الخطية، والسيد المسيح قدوس بلا خطية، إذن لماذا مات؟ لا جواب إلا أنه مات عنا، وتحمل عقوبة الخطية بدلًا منا. وهذا هو الفداء...
آلام المسيح عنا، هي سِرّ ألحاننا الحزينة في أسبوع البصخة المقدسة. هي سر الستائر السوداء التي تلتحف بها الكنيسة، وهي سر كل القراءات والنبوات التي نقرأها، وهي سر صومنا العميق في ذلك الأسبوع...
ونحن في كل ذلك، نتذكر تلك الكأس التي شربها الرب، وكنا نحن المستحقين أن نشربها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فنحن المستحقون للآلام وللصلب والموت وليس هو. ولكنه من فرط محبته لنا، تحمل كل ذلك نيابة عنا. حمل خطايانا وهو القدوس، وحمل عقوبتنا وهو البريء. وحجب الآب وجهه عنه، وكان المفروض أن يحجب وجهه عنا نحن..!
ولو كان الأمر مجرد حب، لا شبهة للعقوبة فيه (كما يقول الكاتب) نعم لو كان الأمر مجرد حب، لتحّول أسبوع الآلام في الكنيسة إلى أسبوع فرح، بألحان الفرح..!!
ولكن حب المسيح لنا، تجلى في تحمله العقوبة نيابة عنا.
حبه لنا لا ينفصل عن الشوك والمسامير والصليب...
وحبه لنا كان سبب تحمله العار والاستهزاء اللائق بنا، مستهينًا بالخزي (عب 12: 2).
هذا الذي نذكره في قداساتنا فنقول له: "احتملت ظلم الأشرار. بذلت ظهرك للسياط. وخديك أهملتهما للَّطم. لأجلى يا سيدي لم ترد وجهك عن خزي البصاق"..
هل ننسى كل هذا، ونقول إن الصلب كله مجرد حب؟!
وفي تمتعنا بالحب، ننسى عقوبتنا، وهذا المحب الذي حملها عنا!!
يقول الكاتب "وهذا هو السر الأساسي في تجسد ابن الله، إنه عمل حب بالدرجة الأولى، بعيدًا كل البعد عن إحساس ومفهوم العقوبة. فلا الآب عاقب ابنه، بل عن حب بذله. ولا الابن عاقب نفسه، بل أحبنا وأسلم ذاته من أجلنا. ولا نحن وقع علينا عقاب في الحقيقة، بل فزنا بالبراءة والمحبة والتبني"..
يا فرحتنا بهذه البراءة المزعومة، التي ننسى فيها كل خطايانا وآثامنا ونجاساتنا،
وننسى كل ما سببناه لفادينا من ألم وخزي!
كما أننا لم نفز مطلقًا بالبراءة، وإنما بعدم الحكم علينا.
فلولا أننا مدانون إلى أبعد الحدود، ولولا أننا أموات بالذنوب والخطايا (أف 2: 1).
ولولا أننا مستحقون للعقوبة... لولا ذلك كله، ما كان صلب المسيح وما كانت آلامه... هل لأن المسيح الفادي "وُضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 6). نكون نحن بلا إثم ونفوز بالبراءة؟! هل إلى هذا الحد ينسى الخطاة خطاياهم، التي حملها الفادي المحب عنهم،
ويقولون فزنا بالبراءة؟! أهو تركيز على الذات (ذاتنا التي خلصها الفادي بموته) مع !! نسيان للآلام التي تحملها المخلص، والثمن الذي دفعه غاليًا عنا؟
إن سر تجسد ابن الله، ليس بعيدًا عن إحساس ومفهوم العقوبة فلولا العقوبة علينا، ما كان التجسد. إن التجسد سببه الأساسي هو الفداء. والفداء سببه هو تخلصينا من عقوبتنا.
وهكذا في تبشير يوسف النجار بالحبل بالمسيح، قيل له "تدعو اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21). هو إذن وُلد ليكون مخلصًا، يخلص المؤمنين من عقوبة خطاياهم. ونفس هذا المعنى هو ما قاله الملاك في تبشيره للرعاة "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو 2: 10، 11).
إذن الخلاص هو سبب التجسد. والخلاص هو أن يخلصنا المسيح الرب من عقوبة خطايانا، من الموت الذي تملك علينا، الذي كنا ممسكين به من قبل خطايانا، كما نقول في القداس الإلهي...
فلولا عقوبة الموت، الذي ملك على الجميع بسبب الخطية (رو 5: 12، 14) لولا الفداء من هذا الموت، ما كان التجسد ولا الصلب. فكيف يُقال إذن إن التجسد بعيد كل البعد عن مفهوم العقوبة؟! إن هذا الكلام بعيد كل البعد عن تعليم الكتاب وعن تعليم الآباء...
نعود إلى مناقشة عبارة "لا الآب عاقب ابنه، بل عن حب بذله".. فنبحث معًا موضوعًا هامًا هو:
عبارة "الآب عاقب ابنه" عبارة مثيرة، لأن الابن لم يكن خاطئًا حتى يعاقبه الآب!! إنما الأصح هو أن الآب قبل أن يتحمل ابنه العقوبة الواقعة على البشرية. وهكذا أرسله كفارة لخطايانا (1 يو 4: 10). وعبارة "بذله عن حب"، لا نعبر عليها بسهولة ويسر. بل نتوقف عند عبارة "بذل" أي بذله للموت وللصلب، وبذله "ذبيحة إثم" (أش 53: 10). ليحصى بين أثمة (أش 53: 12). وبذله مجروحًا لأجل معاصينا، ومسحوقًا لأجل آثامنا "ونحن حسبناه مضروبًا من الله ومذلولا" (أش 53: 4، 5). "وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها" (أش 53: 6، 7).
هل كل هذا نمر عليه بسهولة ونقول "بذله عن حب"؟! نعم إن الآب أحبنا، وأرسل ابنه . كفارة عن خطاياناولكن ماذا يعنى كل هذا؟ ماذا وراء الألفاظ من المعاني.
يكفى أن نضع أمامنا الآيات الآتية التي تعبر بوضوح عن موقف الآب من الابن في موضوع الصليب:
(رو 8: 32) "الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين".
هذه العبارة تعطى شيئًا من المعنى لكلمة (بذله).
(أش 53: 10) "أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن". وليتنا نتأمل عبارة "يسحقه" هنا، ومعها عبارة "الحزن" يضاف إليهما "مسحوق لأجل معاصينا" (أش 53: 5).
(مر 15: 34) قول السيد المسيح على الصليب "إلهي إلهي، لماذا تركتني".
(مت 26: 42) قوله أيضًا في بستان جثسيماني "يا أبتاه، إن لم يمكن أن تعبر عنى هذه الكأس، إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك".
(يو 18: 11) وقوله قبل ذلك "الكأس التي أعطاني الآب، ألا أشربها؟".
كلها عبارات تحتاج إلى تأمل عميق، نفهم منه أن ترك الآب له، ليس هو ترك.
انفصال، حاشا، بل تركه للألم، ليشرب الكأس كلها بما فيها من ألم وعار. وسر الآب بهذا أن ثمن الخطية قد دُفع بالتمام جسدًا ونفسًا: ألم الجسد ومرارة النفس.
ننتقل إلى عبارة "ولا الابن عاقب نفسه، بل أحبنا وأسلم ذاته من أجلنا". وتعبير "الابن عاقب ذاته" غير مستساغ لاهوتيًا ولا روحيًا! لأنه يحمل معنى الانتحار! وبلا سبب. والأوفق أن نقول:
توضحها النبوءات عنها في (مز 22) الخاص بآلام المسيح، والذي أوله "إلهي إلهي لماذا تركتني". ومن تأملات البعض أن السيد المسيح عندما قال هذه العبارة على الصليب، كان من ضمن ما قصده أن يوجه الأنظار إلى ما ورد عنه في هذا المزمور.
ومن ذلك:
"ثقبوا يديّ ورجليّ، وأحصوا كل عظامي" و"يقتسمون ثيابي بينهم، وعلى قميصي يقترعون". ومن هذا المزمور أيضًا:
"كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، وينغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه. لينقذه لأنه سُر به".
كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أحشائي. يبست مثل شقفة قوتي، ولصق لساني بحنكي"، "أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء باشان اكتنفتني".
"كل هذه آلام، يضاف إليها الجلد والمسامير والشوك والاستهزاءات، والبصاق والتعيير. والنبوة عنه في المزمور "وفي عطشى يسقونني خلًا" (مز 69: 21) التي تحققت في (مت 27: 34). "أعطوه خلا ممزوجًا بمرارة ليشرب". ومن شدة تعبه قال على الصليب "أنا عطشان" (يو 19: 28).
هل كل ذلك وغيره، يمكن التعبير عنه في سهولة أو في تجاهل، بعبارة "بل أحبنا، وأسلم ذاته لأجلنا".. ما الذي تحمله عبارة "أسلم ذاته "؟ أسلم ذاته إلى ماذا؟ إلى الرداء الأرجواني، واللطم مع عبارة السلام لك يا ملك اليهود ""تنبأ من لطمك؟!" (لو 22: 64). أو قول النبوءة عنه "بذلت ظهري للضاربين، وخديّ للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق" (أش 50: 6). كل ذلك ننساه، ونتذكر فقط عبارة "أحبنا، وأسلم ذاته".. وماذا دفع من أجل ذلك الحب؟
هل بعد كل ذلك نقول إن كل ما حد ث كان بعيدًا كل البعد عن إحساس ومفهوم العقوبة؟! أما كنا نحن نستحق كل ما بذله المسيح لأجلنا؟ أم نفكر في ذاتنا فقط، ونقول "أحبنا" و"فزنا بالبراءة! ولا نفكر في ذلك المحب المصلوب، والعقوبة التي تحملها بدلًا منّا!!
نقطة أخرى تبدو بديهية، ولكننا مضطرون لعرضها وهي:
يقول الكاتب "العقاب لا ينشئ حبًا. ولكن الحب يلغى العقاب". وكأنه بهذا يرى أن كل العقوبات التي عاقب بها الله العالم في العهد القديم والعهد الجديد كانت خالية من الحب!!
بينما يقول الكتاب "الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله.." (عب 12: 6-8).
ثم يتعرض الكاتب إلى العقوبة التي تحملها المسيح بدلًا منا، فيقول: "فكيف نقول بعد ذلك أن المسيح بموته تحمل العقوبة عنا؟! الصحيح أنه بموته ألغى العقوبة. لأن موته كان بدافع الحب من الله، وليس عقابًا"!!
إن لم يكن المسيح قد تحمل العقوبة عنا، فما معنى الفداء إذن؟! وإن لم تكن هناك ! عقوبة على الإطلاق (بإلغاء العقوبة)!! إذن أين استيفاء العدل الإلهي؟وهل تألم المسيح ومات بلا سبب؟!
إن رفع العقوبة عنا، كان سببه أن المسيح احتملها بدلًا منا. وهذا هو تعليم الكنيسة طوال العصور وهو تعليم الكتاب.
وهذا يجرنا إلى نقطة عجيبة يثيرها الكاتب وهي:
سؤال عجيب يثيره قول الكاتب "فالمسيح مات بالجسد الذي هو جسدنا وخطيتنا عليه. فتم فينا نحن -وليس في المسيح- عدل الله"!
عبارة تدعو إلى الذهول، وتؤدى إلى هدم عقيدة الفداء كلها!!
إن كان قد تم فينا نحن عدل الله، فما الذي فعله المسيح إذن؟ ولماذا تجسد؟ ولماذا تألم ومات ودُفن؟ وما معنى لقبه (المخلص) الذي يخلص شعبه من خطاياهم، وما لزوم اسمه (يسوع)؟!
أما كونه (مات في جسدنا) فجسدنا خاطئ لا يصلح أن يقدم ذبيحة. إنما المسيح مات بجسد طاهر - كحمل بلا عيب (1 بط 1: 19). وإذ لم تكن له خطية، فقد مات عن خطية غيره... عن خطايا العالم كله.
إن أساس الفداء، هو أن الإنسان كان عاجزًا تمامًا عن تخليص نفسه، عاجزًا عن الوفاء بديونه أمام العدل الإلهي، كما قال السيد الرب عن المديون بخمسين والمديون بخمسمائة "وإذ لم يكن لهما ما يوفيان، سامحهما جميعًا" (لو7: 42). وكيف سامحهما؟ يقول الكتاب "الذي لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (كو 1: 14).
يريد البعض أن يقضي على عمل المسيح في الفداء، إما بإشراكنا نحن البشر في عمل الفداء، وأننا الذين أتممنا ما يطلبه عدل الله! أو بالتركيز على عمل الله الآب بأنه الفادي، وأن المسيح مجرد فدية قدمها الآب. أما الابن فأطاع حتى الموت موت الصليب (في 2: 8). وما أكثر الآيات على أن المسيح هو الذي افتدانا. وسنذكر هنا بضع آيات عن أنه هو . قدَّم نفسه وبذل نفسه ووضع نفسه
"أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها منى، بل أنا أضعها من ذاتي. لي سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 17، 18).
"يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1 تي 2: 6).
"سكب للموت نفسه". (أش 53: 12).
"الذي بذل نفسه لأجلنا ليفدينا من كل إثم" (تي 2: 12)
"الذي بذل نفسه لأجلنا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير". (غل 1: 4).
من جهة الدور الذي قام به السيد المسيح في فداء البشر نود أن نعرض بعض الآيات التي تدل على الحقيقة الآتية:
ذلك لأن الكاتب يقول "الآب هو الفادي، والابن هو الفدية. لذلك لم يأتِ لقب الفادي بالنسبة للمسيح في جميع أسفار العهد الجديد، وذلك عن وعي لاهوتي دقيق وملفت للنظر. لأن الآب هو صاحب المشورة الأزلية والتدبير في تقديم ابنه فدية" أه.
ومع أننا لا نريد حاليًا أن ندخل في العلاقة اللاهوتية بين الآب والابن في مثل هذه الأمور... ومع أن الكاتب نفسه يقول في نفس كتابه بعد صفحات قليلة "الفادي يناديكم:
أنظروا إلى جروحي، والخطية التي حُملت، واللعنة التي تقبلت..". وهو يقصد المسيح طبعًا...
إلا أنني أريد هنا أن أثبت أن السيد المسيح قد قام بفدائنا، بإرادته ومشيئته، وليس لمجرد الطاعة للآب "أطاع حتى الموت موت الصليب.." (في 2: 8). فهذه قيلت عن الناسوت، لأن اللاهوت لا يدركه الموت، والمسيح مات بالجسد... وعبارة (الطاعة) هنا تعني اتفاق المشيئة.
وذلك بقوله عن نفسه "أضع نفسي لآخذها... لي سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 17، 18).
وقال في نفس الإصحاح "أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11). وقال بعدها "أنا أضع نفسي عن الخراف" (يو 10: 15).
وقال أيضًا "هذا هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو 6: 51). إذن هو يبذل نفسه، وليس مجرد يبذل.
وهكذا نقول في القداس الإلهي "وفيما هو راسم أن يسّلم نفسه للموت عن حياة العالم".. أي أن ذلك في مشيئته وفي خطته أن يسّلم نفسه عن حياة العالم.
إنه يعرف تمامًا أنه لهذا أتى إلى العالم.
"الذي بذل نفسه لأجل خطايانا، لينقذنا من العالم الحاضر الشرير". قال بذل نفسه ولم يقل بُذل. (غل 1: 14).
"ابن الله الذي أحبني، وأسلم نفسه لأجلي" في (غل 2: 20).
"كما أحبنا المسيح أيضًا، وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة".. هو سّلم نفسه. في (أف 5: 2).
وفي (عب 9: 13، 14) "..الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب".
وفي (أف 5: 23-26) يقول الرسول عن الكنيسة وعلاقتها بالمسيح. "كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة".
وفي (يو 3: 16) يقول عن المسيح إنه "وضع نفسه لأجلنا".
يقول الرسول في (غل 3: 13) "المسيح افتدانا من لعنة الناموس" ولم يقل الآب هو الذي افتدانا.
وفي (أف 1: 7) يقول عن المسيح "الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران خطايانا بغنى نعمته".
وفي (رو 3: 24) "متبررين مجانًا بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح".
وفي (1 تى 2: 6) "الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع".
وفي (أف 2: 6) الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع".
المسيح إذن افتدانا، وبذل نفسه، وبررنا مجانًا بفدائه لنا، وبدمه نلنا غفران خطايانا. وهو قدم نفسه للموت.
بحيث إن من يقول إن المسيح ليس هو الفادي، بل مجرد فدية قدمها الآب، وهو قد قبل ذلك لأجل الطاعة!!.. الذي يقول هذا إنما ينقص من محبة المسيح لنا، ومن بذل ذاته لأجل غفران خطايانا.
وهذا أمر لا يمكن أن تقبله الكنيسة التي قال عنها الرسول "كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها" (أف 5: 25). بل هذا أمر لا يقبله أي فرد منا، يقول مع الرسول عن السيد المسيح "أحبني وأسلم نفسه لأجلى" (غل 2: 20).
إن المسيح المحب لم يكن مجرد منفذ لمشيئة الآب في الفداء، من أجل الطاعة. بل كانت مشيئته هي مشيئة الآب من جهة الفداء.
كلنا نؤمن أن الفداء هو أن نفسًا تفدى غيرها، بأن تحل محلها وتموت عنها، وتدفع الثمن بدلًا منها. ولكن يقوم رأى ويقول: هناك ثلاث نظريات في الفداء: نظرية التكفير بالإحلال، ونظرية استرضاء الله، ونظرية الفدية بدفع الثمن.
ويتحول الأمر في شرحه من العقيدة إلى نظريات يناقشها! كما لو كان الآباء لم يتركوا لنا عقيدة ثابتة في موضوع الفداء!!
ويتطور الأمر إلى الاعتراف بأن نفسًا تحل محل نفس كانت سائدة في العهد القديم. ولكن الأمر تغير في العهد الجديد، وأصبح الاتحاد يحل محل الإحلال!!
لماذا تنقل التخم القديمة بهذه السرعة؟! ولماذا مهاجمة الآباء الأول القديسين في ما قدموه من عقيدة؟! ولماذا تقديم معتقد جديد يضطرنا أن نحمى الناس منه؟! ألم يقل الكتاب:
"لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك" (أم 22: 28).
ولماذا كل هذه البلبلة، ومحاولة زحزحة ما تسلمته الكنيسة عن أجيال طويلة مضت، بتقاليد ثابتة؟!
المعروف أن الخطية كانت لها نتيجتان:
· إغضاب قلب الله بعصيانه والتمرد عليه، وإطاعة الشيطان أكثر منه. وكانت ذبيحة المحرقة تشير إلى إرضاء الله وإيفاء عدله.
· كان من نتائج الخطية أيضًا هلاك الإنسان والحكم عليه بالموت. وكانت ذبيحة الخطية تنوب عنه في الموت بدلًا منه.
وكانت المحرقة رمزًا إلى السيد المسيح في إرضاء الآب وتقديم طاعة مطلقة له. كما كانت ذبيحة الخطية رمزًا للسيد المسيح في موته نيابة عنا، وإيفاء العدل الإلهي الذي يقضى بموت الخاطئ.
هذا ما تعلمناه منذ القديم، ومازلنا نعّلم غيرنا به.
* كانت المحرقة هي أقدم الذبائح التي يتقرب بها الناس إلى الله. لذلك دُعيت قربانًا (تك 4: 5). ونقرأ -بعد رسو الفلك- أن أبانا نوح "بنى مذبحًا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضًا بسبب الإنسان" (تك 8: 20، 21).
ونلاحظ هنا أن ذبيحة المحرقة كانت سببًا في رضا الله ورفع غضبه. كما أنها كانت من حيوانات وطيور طاهرة.
واستمرت المحرقات هي ما قدمه الآباء قبل شريعة موسى.
* وفي الذبائح التي أمر الله بها موسى النبي في سفر اللاويين، كانت المحرقة هي الأولى في الترتيب. لأن إرضاء الله ينبغي أن يكون الأول. ودُعيت المحرقة قربانًا (لا 1: 2) لأن بها يتقربون إلى الله.
يقول الكتاب عن مقدمها "للرضا عنه أمام الرب" (لا 1: 3). ويُقال عن هذه المحرقة " إنهامحرقة وقود رائحة سرور للرب". ويتكرر هذا الوصف ثلاث مرات في كل أنواعها (لا 1: 9، 13، 17).
وكانت المحرقة كلها لنار العدل الإلهي، تظل تشتعل فيها النار حتى تحولها إلى رماد. دون أن يأكل منها أحد. لا الكاهن يأكل منها، ولا مقدمها ولا أصدقاؤه. كلها للنار. وفي هذا يقول سفر اللاويين في "شريعة المحرقة":
"هي المحرقة تكون على الموقدة فوق المذبح كل الليل حتى الصباح، ونار المذبح تتقد عليه... والنار على المذبح تتقد عليه. لا تطفأ. ويشعل عليها الكاهن حطبًا كل صباح... نار دائمة تتقد على المذبح، لا تطفأ" (لا 6: 8-13).
حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 10).
هي رمز لإرضاء الآب في عمل الفداء. كما كانت (تقدمة الدقيق) رمزًا لإرضائه الآب بحياته البارة في تجسده قبل الصلب (لا 2).
وهكذا قيل أيضًا عن تقدمة الدقيق إنها "وقود رائحة سرور للرب" (لا 2: 2، 9، 12). وأنها "قدس أقداس" (لا 2: 3، 10).
وكانت المحرقة وتقدمة الدقيق رمزًا للسيد المسيح، في تجسده، وفي قيامه بعمل الفداء. كل منهما كانت "رائحة سرور للرب".
وكل منهما لم تكن رمزًا لمغفرة خطايا الإنسان. فذلك كانت ترمز إليه ذبيحة الخطية، وذبيحة الإثم. كما كانت ذبيحة الفصح ترمز أيضًا لخلاص الإنسان من الهلاك.
وعبارة "رائحة سرور للرب" تذكر بنبوءة إشعياء عن صلب المسيح، إذ قيل فيها عن الآب "سُر أن يسحقه بالحزن" (أش 53: 10).
يبدأ بها المزمور الذي يقول "رضيت يا رب عن أرضك" (مز 85: 1). وفي الذبائح يقول "..من جميع نذورهم، وجميع نوافلهم التي يقربونها للرب محرقة، فللرضا عنكم.." (لا 22: 18، 19).
وفي حياة البتولية يقول الرسول "غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضى الرب" (1 كو 7: 32). وفي القداس والعبادة يقول "..تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة، مرضية " عند الله عبادتكم العقلية (رو 12: 1).
وعن رضى الرب يقول المزمور "يَرْضَى الرَّبُّ بِأَتْقِيَائِهِ" (مز 147: 11). ويقول الكتاب "إذا أرضت الرب طرق إنسان، جعل أعداءه أيضًا يسالمونه" (أم 16: 7).
ولإرضاء الرب نجد في الوصايا العشر أن الوصايا الأربع الأولى خاصة بالرب، قبل الوصايا الخاصة بالتعامل مع البشر. وكذلك في الصلاة الربية نطلب ما يخص الله أولًا، قبل أن نطلب ما يخصنا نحن.
ومن الأشياء الجميلة في إرضاء الله نجد أن المرتل يخاطب الملائكة في المزمور فيقول "باركوا الرب يا جميع جنوده وخدامه العاملين مرضاته (مز 103: 21).
بل ما أروع ما قيل في إرضاء الآب، هو قول السيد المسيح:
"والذي أرسلني هو معي. ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه" (يو 8: 29).
ولعل البعض يسأل: لماذا ذكرنا كل تلك الشواهد عن إرضاء الله. والجواب هو:
فيقول "نجد في نظرية الفداء كاسترضاء الله أن عملية الفداء تنتهي باسترضاء الابن للآب. وحينئذ ينتهي الحوار، وتنتهي الرواية المأسوية باسترداد الله لكرامته"!!
إنها ليست استرداد لكرامة، إنما هي استيفاء للعدل الإلهي.
ويقول "وفكرة استرضاء الله، وإن كانت مستمدة من العهد القديم، فـ"يهوه" -النار الآكلة- في العهد القديم، قد صار بميلاد ابن الله واستعلان بنوته، أبًا يسكب روحه -بدل اللعنة- على كل بشر. لذلك فصورة الله في هذه النظرية (وهو طالب من يسترضى عدله وكرامته) لا تتناسب الآن مع "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..".
ونحن نقول إنه لا يوجد خلاف بين العهد القديم والجديد...
لا يوجد خلاف بين يهوه، والآب!!
وعبارة "نار آكلة" موجودة في العهد الجديد، حيث يقول القديس بولس الرسول "إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29).
وإلهنا الذي يقول عنه إنه "أب يسكب روحه بدل اللعنة، هو الذي سمح أن يكون المسيح خطية ولعنة لأجلنا. كما يقول القديس بولس الرسول في (غل 3: 13). "المسيح : افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوبملعون كل من عّلق على خشبة". ويقول في (2 كو 5: 21). عن الله "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه"..
وإله العهد الجديد الذي قيل عنه "هكذا أحب الله العالم.." والذي "سكب روحه على كل بشر"، هو الذي سمح بأن يموت حنانيا وسفيرا، وأن يموتا للتو لأنهما كذبا على روح الله (أع 5: 3-9).
إن الله هو هو في العهد الجديد والعهد القديم، ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع 1: 17). ولا داعي مطلقًا للتهكم عليه بأنه "يطلب من يسترضى عدله وكرامته"!
أو قول الكاتب "إن الله الآب هنا هو الذي يطلب استرضاء الإنسان المظلوم المخذول المهان والمطرود، ساعيًا أن يرده إلى كرامته الأولى".. فإن هذه العبارة تجعلنا نسأل:
إن كان الإنسان مظلومًا، فمن الذي ظلمه؟!
الإنسان هو الذي ظلم نفسه بخطيئته، وفقد كرامته بكبريائه...
بقى سؤال في موضوع الفداء، وهو:
الثمن الذي دفعه السيد المسيح هو موته على الصليب.
ذلك لأن الكتاب يقول "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23). وهكذا سُفك دمه الطاهر الكريم لأجلنا.
وواضح أن الثمن قد دُفع إلى صاحب الحق، وهو العدل الإلهي.
فالعدل الإلهي هو الذي كان يطالب بموت الإنسان الخاطئ، الذي تعرض لحكم الله "موتًا تموت" (تك 2: 17). وأيضًا حسب قول الرب على فم حزقيال النبي "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 20).
فلما مات المسيح بدلًا منا، قدّم حياته للعدل الإلهي عوضًا عن حياة الإنسان، فاستوفى العدل الإلهي حقه...
ولكن الكاتب يقول "إن الدم الذي قدمه المسيح ثمنًا وفدية، لم يسّلمه لأحد غيرنا... فنحن نملك دم المسيح. نحن نشربه ولكن بلا ثمن... وهو كثمن لفديتنا أضيف لحسابنا". ويقول " إن المسيحأعطانا موته ليكون موتنا. وأعطانا دمه المسفوك ليكون دمنا... فهو لم يمت بعيدًا عنا، بل مات بجسدنا ودمنا ولحمنا. فنحن شركاء في هذا الجسد والدم، ولازلنا نشترك فيه" أه.
ونود هنا أن نناقش هذا الرأي:
نحن لسنا أصحاب حق، بل على العكس نحن مديونون، سواء منا المديون بالقليل أو المديون بالكثير. وقد قال السيد المسيح عن هذين النوعين "وإذ لم يكن لهما ما يوفيان، سامحهُما جميعًا" (لو 7: 42). بل نحن كما قال الرسول "كنا أمواتًا بالذنوب والخطايا" (أف 2: 1).
إن ثمن الفداء قدم للعدل الإلهي. أما سر الافخارستيا فليس ثمنًا نستحقه، وإنما هو هبة مجانية أعطيت لنا وليست ثمنًا.
وإن كان دم المسيح قد أصبح دمنا-كما يقول الكاتب-فهل نحن نشرب دمنا؟! وإن كان المسيح قد مات بلحمنا ودمنا -كما يقول- فهل نحن اشتركنا في دفع الثمن؟! أم الثمن دُفع لنا؟!
أمر غريب، لم يقل به أحد من الآباء!!
بعد هذا كله لعلنا نسأل: ما هي نقطة البدء في كل المشاكل اللاهوتية التي وقع فيها الكاتب؟
إنها فكرته عن خطية العمد.
إنه يقول: "لا توجد للخطيئة العمد التي تستحق الموت في ناموس العهد القديم كله أية ذبيحة تعويضية بأى حال. فكل الذبائح هي عن خطايا السهو فقط".
"جميع ذبائح الخطية التي نص عليها العهد القديم هي كما سبق ونبهنا مرارًا تصح فقط في حالة خطية السهو... أي بدون قصد. أما خطايا العمد التي عن قصد وبالإرادة، فلا ناموس موسى. ذبيحة لها على الإطلاق في كل وبمعنى آخر أوضح أنه يستحيل إحلال أو استبدال نفس بنفس في حالة الخطية العمد".
"فهنا يستحيل أن تحسب ذبيحة المسيح أنها عوض الخاطئ، أو عن الخاطئ، أو بدلًا من الخاطئ. لأن الخطية هي خطية عمد، والخاطئ يتحتم أن يموت موتًا، ولا يمكن أن تُقدم عنه ذبيحة من أي نوع!".
"إذن فما هي ذبيحة المسيح؟ ذبيحة المسيح هي م وت الخاطئ بالفعل!! المسيح أخذ جسدًا هو في حقيقته جسد الإنسان ككل، جسد جميع الخطاة... هو هو بعينه جسد كل خاطئ..".
وهذا الفكر جر إلى كل ما سبق أن ناقشناه في النقاط السابقة... فعلينا إذن أن نناقش فكرته عن خطية العمد.
فقد كانت مغفرة الخطية في العهد القديم مرتبطة بتقديم الذبيحة "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9:12).
فإن كانت لا توجد ذبيحة تُقدم عن خطايا العمد-بينما غالبية خطايا الناس هي خطايا عمد-فماذا يكون شعور الناس لو رأوا أن خطاياهم هي بدون مغفرة، وأنهم يعيشون ويموتون دون أن تُغفر لهم خطاياهم! ألا يتسبب هذا الفكر في يأس الناس وفي بلبلة أفكارهم؟!
وماذا يقولون عن الله وعن كل الآيات المتعلقة بمغفرته للخطايا؟ وماذا عن قول المزمور "طوبى للذي غُفر له إثمه، وسترت خطيته. طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية" (مز 32: 1، 2).
وماذا عما قاله الرب في سفر حزقيال النبي عن الشخص التائب "حياة يحيا. لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه" (حز 18: 21، 22). أو ما قاله الرب في سفر ارميا النبي "لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 34).
كيف يكون الصفح؟ وكيف تكون المغفرة. وليست هناك ذبائح ولا سفك دم؟!
نذكر مثالا واضحًا لذبائح عن خطايا العمد:
سواء التي يقدمها رئيس الكهنة عن نفسه وعن خطايا الشعب. ففي ذلك اليوم كان رئيس الكهنة يقدم ذبيحة خطية ثورًا "ويكفر عن نفسه وعن بيته" (لا 16: 11). ثم يقدم ذبيحة خطية أخرى "ويكفر عن القدس من نجاسات بني إسرائيل ومِن سيآتهم مع كل خطاياهم" (لا 16: 15، 16).
فهل كل تلك الخطايا والسيئات والنجاسات، التي لهرون وكل بيته وكل بني إسرائيل، لم تكن فيها خطايا عمد؟! أكانت كل تلك الذنوب كلها خطايا سهو.
مستحيل: من يصدق أن يوم الكفارة العظيم كان فقط عن خطايا السهو!!
عجبًا هي تلك الجرأة التي يقال بها "لا توجد للخطية العمد التي تستحق الموت في ناموس موسى كله أية ذبيحة تعويضية"؟!
هوذا نحميا في تصحيح الأوضاع بعد الرجوع من السبي، تكلم عن "ذبائح الخطية للتكفير عن إسرائيل" (نح 10: 33). والمعروف أنهم كانوا بعمد وقصد، قد تزوجوا بنساء غريبات مما جعل عزرا الكاهن يبكي وينتف شعر رأسه ويمزق ثيابه (عز 9: 3).
والقديس بولس الرسول يقول في رسالته إلى العبرانيين: "كل رئيس كهنة يُقام لأجل الناس في ما لله، لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا، يلتزم أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب، هكذا أيضًا لأجل نفسه" (عب 5: 1، 3). فهل رئيس الكهنة يُقام لكي يقدم قرابين وذبائح فقط عن خطايا السهو التي يرتكبها الشعب؟!
لاشك أن خطية الزنا مع بثشبع امرأة أوريا الحثي كانت خطية عمد. وكذلك محاولته تغطية هذه الخطية بالخداع، ثم العمل على مقتل أوريا، والزواج بامرأته (2 صم 11).
فهل مات داود النبي دون أن تُغفر خطاياه، إذ لا توجد أية ذبيحة عن الخطايا العمد، حسب رأى الكاتب؟
كلا، فإن داود النبي يسبح الرب على مغفرته ويقول:
"باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس... الذي يغفر جميع .." ذنوبك (مز 103: 1، 3). وكيف عرف داود بمغفرة جميع ذنوبه (العمد)؟ من قول ناثان النبي له "الرب أيضًا نقل عنك خطيئتك. لا تموت" (2 صم 12: 13).
40 - أخيرًا فلنعرف تمامًا ما معنى الفداء:
فموت الخاطئ هو عقوبة وليس فداء.
أما الفداء فهو أن يموت الفادي بدلًا منه أو عوضًا عنه. وقد فعل السيد المسيح هذا على الصليب من فرط محبته لنا. ولم يأخذ جسد الخطاة ويموت به -كما يقول الكاتب- إنما مات بجسده الطاهر الذي بلا خطية وحده.
ولكن الكاتب يسمى هذه العقيدة الكنسية الراسخة "نظرية التكفير بالإحلال". مجرد نظرية تحتاج منه إلى مناقشة، وليست كعقيدة يؤمن الكل بها!! ويرى أنها كانت تستخدم في العهد القديم، لخطايا السهو فقط!!
أما في العهد الجديد فلا يمكن تطبيقها، بل يجب أن يموت الخاطئ بالفعل!!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/salvation.html
تقصير الرابط:
tak.la/7nxnh6w