محبة الله لنا، محبة مملوءة عاطفة.
لعل من أعمق مظاهرها، تلك العبارة المؤثرة التي قيلت في معجزة إقامة لعازر من الموت، اعني قول البشير (بكي يسوع) (يو11: 35). أنها كلمة تدل على عمق المشاعر، عمق الحنان، عمق القلب.
وتَكَرَّر نفس التعبير بالنسبة إلى أورشليم التي كان ينتظرها الخراب بعد سنوات. وقد قيل في ذلك (وفما هو يقترب من المدينة بكى عليها) وقال (ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك: ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرًا على حجر) (لو19: 41-44).
ومثل عبارة "بكى" في إظهار محبة الرب لأولاده، كذلك عبارة "تحنن".
ومن أجمل مواقفها قول الإنجيل (ولما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين منطرحين، كغنم لا راعي لها) (مت9: 36). لذلك قال لتلاميذه من أجلهم (اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده)...
ويكرر معلمنا متى البشير هذه العبارة في شفاء المرضي، ويقول عن الرب إنه (تحنن عليهم وشفي مرضاهم) (مت14: 14). إذن كانت معجزات الشفاء ناتجة عن حنان قلب وحب. وهكذا يقول أيضًا في شفاء الأعميين (فتحنن يسوع ولمس أعينهما. فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه) (مت20: 34). وفي أقامه ابن أرملة نايين - وكانت أمه تبكي، وهو وحيد أمه (فلما رآها الرب تحنن عليها، وقال لها لا تبكي) وأقام الشاب (ودفعه إلى أمه) (لو7: 12-15).
حاولوا يا أخوتي أن تتبعوا كلمة "تحنن" في معاملات الرب. بل في العهد القديم وردت كثيرًا عبارة (الرب حنان ورحيم) (مز111: 4) (مز145: 8)... وكما يقول عنه نحميا انه (إله غفور، حنان ورحيم، طويل الروح) (نح9: 17). ويقول عن مغفرته للشعب وعدم إفنائهم على الرغم من صلابة رقابهم (ولكن لأجل مراحمك الكثيرة لم تفنهم ولم تتركهم، لأنك إله حنان ورحيم) (نح9: 31).
من محبة الله لنا أيضًا أنه ينادينا بأسمائنا.
فيقول (أعرف خاصتي، وخاصتي تعرفني) (خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، ويقول أيضًا أن (الخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها) (يو10).
جميل أن الله يعرف الكل منا باسمه، ويناديه باسمه ويقول لتلاميذه (أفرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات) (لو10: 20).
وجميل أيضًا أننا نرى في الكتاب سفرًا أسمه سفر العدد، فيه يحصي الله أولاده ويكتبهم بأسمائهم. كذلك في سفر أخبار الأيام نره يكتب الأسباط وتفرعاتها بالأسماء (1 أي 1-9)... ليس أحد غائبًا أمامه. وإن غاب أحد يبحث عنه حتى يجده، ويحمله على منكبيه فرحًا (لو15: 5).
ومن محبة الله لنا، أنه جعلنا واحدًا معه.
فيقول (اثبتوا فيَّ وأنا فيكم) (يو15: 4) كما يثبت الغصن في الكرمة. ويقول للآب (أنت أيها الآب في، وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا) (يو17: 21). ويقول أيضًا (أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ) (يو23: 17).
ومن محبته أنه اعتبرنا كشخصه.
فلما اضطهد شاول الطرسوسي الكنيسة، قال له الرب (لماذا تضطهدني؟) (أع9: 4). وعن الفقراء قال (مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الصغار، فبي قد فعلتم) (مت25: 40) لذلك قال عنهم (كنت جوعانًا فأطعمتموني) (مت25: 35)، وقال (مَن يقبلكم يقبلني) (مت10: 40).
ومن محبة الله أيضًا الدالة العجيبة بينه وبين أولاده.
ومن أمثلتها أنه قبل أن يحرق سادوم (قال الرب هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله؟) وأخبره بما سيفعله، وقبل أن يدخل إبراهيم معه في حوار، حتى أن يقول له (حاشه لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تميت البار مع الأثيم... أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا) (تك 18: 17، 25).
ونفس الوضع مع موسى، إذ قال له بعد أن عبد الشعب العجل الذهبي (الآن أتركني ليحمي غضبي عليهم فأفنيهم) ولم يتركه موسى، بل حاوره في الأمر، وقال له ارجع يا رب عن حمو غضبك واندم على الشر) وقبل شفاعته (خر32: 9-14).
وإلي جوار هذه الدالة، دفاعه أيضًا عنهم.
فقد دافع عن يوحنا المعمدان فقال: (ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة؟! هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيت الملوك... أنبياء؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي... الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان...) (مت11: 8-11).
ودافع عن موسى النبي لما تَقَوَّل عليه هرون ومريم بعد زواجه من امرأة كوشية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فوبخهما الرب قائلًا (إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له. في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فمًا لفم وعيانًا أتكلم معه، لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟!) (عد12: 6-8). وضرب الرب مريم بالبرص، فحجزت خارج المحلة سبعة أيام...
ودافع عن إبراهيم، لما أخذ أبيمالك الملك زوجته.
فظهر له في حلم وقال له (ها أنت ميت بسبب المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل... فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا) (تك20: 3، 7).
ودافع عن أيوب الصديق ضد أصحابه الثلاثة.
فقال لأليفاز التيماني (قد احتمي غضب عليك وعلى كِلَا صاحبيك، لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب. والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش. واذهبوا إلى عبدي أيوب، واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم. وعبدي أيوب يصلي من أجلكم -لأني أرفع وجهه- لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم. لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب...) (أي42: 7، 8).
بل دافع الرب عن أيوب لما اشتكى عليه الشيطان.
وقال له (هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟ لأنة ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم، يتقي الله، ويحيد عن الشر، وإلى الآن هو متمسك بكماله...) (أي 2: 3).
وأمثله دِفَاع الرب عن أولاده كثيرة جدًا...
دافع عن الشعب في مصر ضد فرعون. ودافع عنهم في أيام القضاء، ودافع عن دانيال والثلاثة فيتيه في سنوات السبي. ودافع عن تلاميذه ضد كل اتهامات الكتبة والفريسيين، وقال لبولس (لا تخف لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك) (أع 18: 9، 10). ودافع عن الكنيسة في كل زمان، ووعد بأن أبواب الجحيم لن تقوَى عليها (مت 16: 18).
والأعجب من هذا كله دفاع الرب عن الخطاة.
دافع عن المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها في بيت سمعان الفريسي. ووبخ الفريسي الذي أدانها. واراه أن تلك الخاطئة كانت أبر منه، لأنها أحبت كثيرًا (لو 7: 36-47) بينما كانت تلك المسكينة صامتة لا تملك الدفاع عن نفسها.
دافع أيضًا عن المرأة التي ضُبِطَت في ذات الفِعْل.
وقال للقساة الذين قدموها لحكم الموت (من كان منكم بلا خطية، فليرمها أولًا بحجر) (أي 8: 7). ولما أراح المرأة من الذين أدانوها، إذ أنصرف الجميع، قال للمرأة (ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا)...
كذلك المرأة التي سكبت عليه الطيب في الأسبوع الأخير:
لما تَذَمَّر عليها البعض وقالوا (لماذا هذا الإتلاف؟! لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير ويعطي للفقراء!) فدافع الرب عن هذه المرأة وقال (لماذا تزعجون المرأة؟! فإنها قد عملت بي عملًا حسنًا. فأن الفقراء معكم في كل حين... فأنها سكبت هذا الطيب على جسدي... لأجل تكفيني) (مت 26: 6- 12). ولم يدافع عن المرأة فقط، وإنما طوبها أيضًا بقوله (الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل. في كل العالم، يخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها)... حقًا إن الرب في محبته يرفع وجوه المساكين...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/sympathetic.html
تقصير الرابط:
tak.la/n8r76kw