ومن محبة الرب لنا، انه منحنا التوبة للمغفرة.
تظهر محبته هذه في قول الرسول إن الله (يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون) (1تي 2: 4). بل أن السيد الرب نفسه يقول في سفر حزقيال النبي، أنة لا يسر بموت الشرير، بل برجوعه عن طرقه فيحيا (حز 18: 23). لذلك منحنا الله التوبة للحياة (أع 11: 18).
حقًا من محبة الله أنه لم ينه حياتنا ونحن في خطايانا.
وإنما رأى وصبر، وأطال أناته علينا لكي نتوب وإنما (بغِنَى لطفه، وإمهاله وطول أناته). أنما يقتادنا إلى التوبة (رو 2: 4)... كان يمكن أن يمسك بشاول الطرسوسي. وهو يضطهد الكنيسة، ويلقي به في الجحيم.
بل أن ضلَّ أحد يذهب ويبحث عنه ليرجعه...
كما هو واضح في قصة الخروف الضال والدرهم المفقود. وبحث الرب عن الخطاة يتضح من قوله: (أنا واقف على الباب وأقرع. أن فتح أحد لي، أدخل وأتعش معه) (رؤ3: 20). بل أن الرب من محبته أرسل والأنبياء كسفراء عنه، وأعطاهم خدمة المصالحة، لكي ينادوا أن (اصطلحوا مع الله) (2كو5: 18- 20). بل أنه يمد يده طول النهار لشعب معاند ومقاوم (رو10: 21).
ومن محبته يدعو الناس، لكي يتوبوا فيغفر لهم ويقول (هلم نتحاجج -يقول الرب- إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج...) (أش1: 18).
ومن محبة الله أنه يفرح بالراجعين إليه.
لا يعاتبهم، بل يفرح بهم. كما قال في عودة الابن الضال (ينبغي أن نفرح ونُسَرّ. لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فَوُجِدَ) (لو15: 5). بل تفرح الملائكة أيضًا معه. وهكذا يقول الكتاب إنه (يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب) (لو15: 10).
والرب في قبوله للخطاة، يكون في محبته عميق المغفرة.
تغنَّى داود النبي بهذه المغفرة فقال (باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته، الذي يغفر جميع ذنوبك... الرب رحيم ورءوف، طويل الروح، وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا... لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن) (مز103).
ومن محبة الله، فإنه في مغفرته لخطايانا، يمحوها ولا يعود يذكرها.
وهكذا يقول في سفر ارميا النبي (لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيئتهم بعد) (أر31: 34).
ويقول في سفر حزقيال النبي عن الشرير التائب (كل معاصيه التي فعلها، لا تذكر عليه) (خر18: 22) (حز33: 16). ويقول بولس الرسول (إن الله -في المسيح- كان مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم) (2كو5: 19).
ويتغنَّى المرتل في المزمور بهذه المغفرة التي تمحي فيها الخطايا، فيقول (طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبى للإنسان الذي لا يحسب له الرب خطية) (مز32 : 1، 2). وقد اقتبس بولس الرسول هذا التطويب (رو4 : 7، 8).
بل أحس داود بعمق مغفرة الله في محبته فقال:
ما أعظم هذه المحبة التي تغسل الخاطئ من خطيته، فيبيض أكثر من الثلج...
بل أكثر من هذا كله، فإن الله -لكي يغفر خطايانا- حملها بدلًا منا.
وكما قال إشعياء النبي (كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا) (أش53: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال عنه يوحنا المعمدان (هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم) (يو1: 29)... وهكذا دفع ثمن خطايانا على الصليب. ومات عنا، لكي نحيا نحن بموته... وهكذا قال القديس بولس الرسول إن (الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا) (رو5: 8).
إذن المسيح -بالفداء- كان على الصليب ذبيحة حب.
إن عمل الكفارة والفداء، كان عملًا يدل على عمق محبة الله لنا (هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) (يو3: 16). وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول عن المحبة بيننا وبين الله (ليس أننا نحن أحببنا الله. بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا) (1يو4: 10). لهذا نقول:
قبل أن يصلب اليهود المسيح، صلبته محبته للبشر.
هو صعد على الصليب بإرادته، دفعته إلى ذلك محبته للبشر ورغبته في خلاصهم. لقد قال عن نفسه (أضع نفسي لآخذها ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها، وسلطان أن آخذها أيضًا) (يو10: 17، 18).
إذن عقيدة الفداء، التي هي أعظم عقائد المسيحية، كان أساسها الحب وسببها الحب، حب الله للناس...
الحب هو الذي سَمَّر المسيح على الصليب.
لقد تحدوه قائلين (لو كنت ابن الله، انزل من على الصليب، فنؤمن بك) (مت27: 40، 42). وكان يستطيع أن ينزل، ولكنه لم يفعل. لأن محبته هي التي كانت تسمره على الصليب، وليس المسامير... إنها المحبة التي أشار إليها بقوله:
"ليس حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13).
بل هو قد وضع نفسه عن المسيئين إليه، عن الخطاة الذين كسروا وصاياه. وهكذا يقول بولس الرسول (إنه بالجهد يموت أحد عن بار... ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا) (مات في الوقت المعين لأجل الفجار) (رو 5: 6، 7، 8).
ولكن لكي يموت، كان لا بُد أن يلبس جسدًا قابلًا للموت. وهكذا نقول:
الله محبة الله للبشر، هي سبب التجسد.
من أجلنا، ومن أجل خلاصنا (وأخذ ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان... وأطاع حتى الموت، موت الصليب) (في2: 7، 8).
من أجلنا، وبسبب محبته، قبل الآلام، وتعرض للإهانات، ليس عن ضعف، وإنما عن قوة حب، لكي يدفع ثمن خطايانا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/forgiving.html
تقصير الرابط:
tak.la/kafgkk3