St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أسئلة حول الصليب - أ. حلمي القمص يعقوب

29- كيف انتصر السيد المسيح على الشيطان؟

 

س 21: كيف انتصر السيد المسيح على الشيطان؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: منذ لحظة القبض على السيد المسيح والشيطان قد ازدادت حيرته واضطرابه وشكَّه في شخصية السيد المسيح، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

الشيطان رأى مُخلّصنا الصالح ثابتًا أمام الجنود والخدام الذين جاءوا للقبض عليه، حتى أنهم سقطوا أمامه، ورآه يشفي أُذن ملخس، وسمعه يعترف جهرًا أمام رئيس الكهنة "فأجاب رئيس الكهنة وقال له: أستَحْلِفُكَ باللَّه الحَيّ أن تقوم لنا: هل أنت المسيح ابن اللَّه؟ قال له يسوع أنت قُلت. وأيضًا أقول لكم: من الآن تُبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوَّة، وآتيًا على سحاب السماء. فمزَّق رئيس الكهنة حينئذٍ ثيابَهُ قائلًا: قد جدَّف" (مت 26: 63 ـ 65) فقال الشيطان في نفسه: لا بد أنه بالحقيقة ابن اللَّه.

ثم رأى أحد الخدام يصفَعَهُ على وجهه المبارك، والجنود يعصبون عينيه ويضربونه ويستهزءون به قائلين تنبأ لنا مَن لَطَمَك؟ ويعرُّونه ويُلبِسونه ثوبًا قرمزيًا، ويكلّلونه بالأشواك ويستهزءون به قائلين: السلام يا ملك اليهود، ويبصقون عليه ويضربونه على رأسه، فيقول الشيطان في نفسه: هذا إنسان ضعيف مثله مثل شمشون بعد أن فقد قوته.

St-Takla.org Image: Christ brought before Pilate (Jesus tried before Pilate):Mark 15:2 - by Michael Mukacsy. bx14 صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحاكم أمام بيلاطس، محاكمة يسوع المسيح أمام البنطي: مرقس 15: 2 - رسم الفنان مايكل موكاسي

St-Takla.org Image: Christ brought before Pilate (Jesus tried before Pilate):Mark 15:2 - by Michael Mukacsy. bx14

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحاكم أمام بيلاطس، محاكمة يسوع المسيح أمام البنطي: مرقس 15: 2 - رسم الفنان مايكل موكاسي

2ـ رآه الشيطان واقفًا ثابتًا أمام بيلاطس البنطي الذي ازداد خوفًا منه لأنه سَمع قول اليهود أنه: "جعل نفسه ابن اللَّه"، "فلمَّا سَمِع بيلاطُس هذا القول ازداد خوفًا. فدَخَل أيضًا إلى دار الولاية وقال ليسوع: مَن أين أنت؟ وأمَّا يسوع فلم يُعطِهِ جوابًا. فقال له بيلاطس: أمَا تُكَلّمني؟ ألَسْت تَعلم أن لي سُلطانًا أن أصْلِبَك وسُلطانًا أنْ أطلِقَك. أجاب يسوع لم يكن لك عليَّ سلطانٌ البتَّة، لو لم تكُن قد أُعطِيتَ من فوق" (يو 19: 8 ـ 11).. عجبًا... الوالي يخشى الأسير المقيَّد... ورصد الشيطان جرأة المصلوب وهو ما عبَّر عنه بيلاطس فيما بعد في رسالته إلى "سينيكا" فيلسوف روما فيقول: "لم تستغرق المحاكمة وقتًا يُذكَر وكان الاتهام الموجَّه إلى يسوع هو إخلاله بالأمن وإعلان نفسه ملكًا لليهود... وعندما سألته عما إذا كان يعتبر نفسه ملك اليهود، قال لي: "أنت تقول".. كانت إجابات يسوع المقتضبة تفيد أنه يعلم أننا راغبون في إلصاق التهمة به، وكان يتكلّم في جرأة بالغة دون أدنى خوف أو اضطراب... ورغم أنه كان يرى نفسه محاطًا بأعداء قد أعدُّوا العدَّة لقتله، رغم هذا كان يقف جامدًا كالصخر لا يلين... وفي النهاية حكمتُ عليه بالموت، ولم يكن في استطاعتي أن أفعل غير هذا، فكل الطرق التي كانت أمامي كانت تؤدي إلى هذه النهاية"(144).

وتعجَّب الشيطان وتحيّر وتساءل: تُرى مَن يكون هذا الذي يخيف بيلاطس الوالي الروماني؟!

 

3ـ نظر الشيطان فرأى السيد المسيح حاملًا صليبه متجهًا إلى جبل الجلجثة، وإذ به يسقط به عدَّة مرات، وسياط الجنود الرومان تُلهب ظهره، ويعجز عن مواصلة السير، فيُسخّرون سمعان القيرواني ليحمل صليبه، فيعود الشكّاك إلى شكه متسائلًا: كيف يكون هذا ابن اللَّه ويقبل كل هذا الهوان؟!.. لا بد أنه إنسان وبعد قليل سأقبض على روحه وأنتهي منه إلى الأبد.

 

4 ـ ويصرخ الشيطان تارةً على فم اللص اليسار: "إن كنت أنت المسيح، فخلِّص نَفْسَك وإيانا" (لو 23: 39) وتارةً على فم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب قائلين: "خلّص آخرين وأمَّا نفسه فما يَقْدِر أن يُخلّصها! إن كان هو مَلِكَ إسرائيل فليَنزل الآن عن الصليب فنؤمِن به! قد اتّكل على اللَّه، فليُنقِذْه الآن إن أرَادَه! لأنه قال: أنا ابن اللَّه" (مت 27: 42، 43) ومرة ثالثة على فم الجنود: "والجُند أيضًا به استهزأوا به وهم يأتون ويُقدّمون له خلًا، قائلين: إن كنت أنت ملك اليهود فخلّص نفسَك" (لو 23: 36) وملك المجد يترك الشيطان معذَّبًا في شكوكه.

 

5ـ يسمع الشيطان وعد السيد المسيح للص اليمين "الحَقَّ أقُول لك: إنكَ اليوم تكون معي في الفردَوس" (لو 23: 42) فيرتعد ويقول: الفردوس المُغلَق منذ آلاف السنين... مَن يتجرأ ويفتحه اليوم؟! ألعلّه هو المُخلّص؟!

 

6ـ وإزاء الظلمة تزداد حيرة الشيطان وشكوكه وقلقه، وعندما رنّت في أذنيه كلما السيد المسيح: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مت 27: 46) يستريح قليلًا ويقول: حقًا لو كان هذا ابن اللَّه فكيف يتخلّى عنه الآب؟!.. قد يكون هو أعظم نبي جاء إلى الأرض ولكن أخيرًا تخلّى اللَّه عنه، لأنه مِلك لي أنا الذي مَلكتُ آدم وكل ذريته، فبقلب مستريح أستطيع أن أقبض على روحها وأودعها في سجن الجحيم مع روح أبيه آدم وكل الأنبياء. ثم سمعه يقول "أنا عَطشَان" (يو 19: 28) فتشجّع أكثر فأكثر قائلًا في نفسه: لقد أصابه التعب والإعياء ولم يعد قادرًا على احتمال سكرات الموت.

 

7ـ ووقف الشيطان الذي امتلك البشرية جمعاء على جبل الجلجثة مع جنوده ينتظرون لحظة موت المسيح، فإن أي إنسان كانت تأتي لحظة موته كان يظهر له الشيطان بمنظره البشع فيجف دمه، ويقبض عليه ويودع روحه في سجن الجحيم، وأخيرًا صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي" (لو 23: 46) وصرخ الشيطان قائلًا: هذه روح بشرية ملكي أنا، فكل البشر خاصتي، فكيف يسلّمها هذا المصلوب للآب؟! لعله يجهل الحقيقة؟! وتجرَّأ الشيطان وتشجَّع مُشدِّدًا نفسه وتقدَّم بمنظره البشع لكيما يقبض على روح السيد المسيح الإله المتأنس، وإذ بالسيد ولأول مرَّة يُعلن لاهوته بهذه الصورة للشيطان فيرتعب ويصرخ من هول الصدمة... آه... لقد سَقط الشيطان أخيرًا في قبضة المصلوب... إنه تعدي على العزة الإلهيَّة، فسقط في الدينونة للمرة الثانية، وكانت المرة الأولى حينما حرَّض اليهود والرومان على سفك دم بريء، فوقف الشيطان مُدانًا أمام العدل الإلهي مستوجبًا العقوبة... فماذا حدث؟ قَبض عليه ملك المجد وقيَّده أي جرَّده من سلطانه، وغزا مملكته وأطلق كل النفوس التي ماتت على الرجاء.

وبعد أن أسلم يسوع الروح وقد انتصر على الشيطان انشق حجاب الهيكل، وانقشعت الظلمة، ورقصت الأرض طربًا " فصرخ يسوع أيضًا وأسلم الروح. وإذ حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى الأسفل والأرض تزلزلت والصخور تشقَّقت" (مت 27: 50، 51) وكان حجاب الهيكل يفصل بين القدس وقدس الأقداس، ودُعيَ أيضًا: "حجاب السَّجف" (خر 35: 12) وهو عبارة عن ستارة سميكة في سُمك راحة اليد مصنوعة من قماش منسوج من اللون الأسمانجوني الذي يشير للسماء، والأرجوان الذي يشير للمُلك، والقرمز الذي يشير لدم الفداء، والبوص المبروم الذي يشير للطهارة، وكان مُطرَّز عليه صورة الكروبيم (خر 36: 35) وكان يتكون من 72 مربّعًا منسوجًا بطول ستين قدمًا وعرض ثلاثين قدمًا، وكان ثقيلًا جدًا وتكلفته غالية جدًا، ولا يدخل من خلاله إلاَّ رئيس الكهنة في يوم عيد الكفارة العظيم فقط حيث يُقدّم البخور، ثم ينضح بأصبعه من دم الثور الذي قُدّم كذبيحة خطية على وجه غطاء تابوت العهد وأمامه سبع مرات، وهكذا كان يفعل بدم تيس الخطيـة (لا 16: 13 ـ 15) (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 30).

أما الظلمة التي حدثت فقد ذكرها يوليوس الأفريقي (200 ـ 245م) مستشهدًا بأقوال اثنين من الوثنيين الذين عاصروا هذه الظلمة وهما:

فليجون - تاليوس

 

1ـ فليجون Phlegon: الذي قال " في زمن طيباريوس قيصر، والقمر في تمامه حدث كسوف تام للشمس من الساعة السادسة (12 ظ) إلى الساعة التاسعة (3 ب. ظ)" (Ante N. F. P 137).

تاليوس Thallus: الذي سجل في كتابه الثالث حدوث الظلمة دون أن يذكر السبب.

ويعلّق يوليوس الأفريقي قائلًا: "إن العبرانيين يحتفلون بعيد الفصح يوم 14 للقمر... وكسوف الشمس يحدث فقط عندما يأتي القمر تحت الشمس، وهذا لا يمكن أن يحدث إلاَّ في الفترة ما بين اليوم الأخير من الشهر القمري السابق واليوم الأول من الشهر القمري الجديد وليس في أي وقت آخَر"(145).

وأشار العلامة ترتليان لشهادة فليجون وتاليوس قائلًا: "إنه في نفس الساعة التي أسلم فيها المسيح روحه (الإنسانية وليس اللاهوت) على الصليب اختفى ضوء النهار والشمس في أوج إشراقها وأنتم أنفسكم (أيها الرومان) لديكم وصف لأعجوبة العالم"(Apology 21) (146)

أما ديوناسيوس الأريوباغي الذي كان عالمًا يونانيًا في علم الفلك، ففي وقت صلب السيد المسيح كان في مدينة "هيرابوليس" بمصر يرصد النجوم، وعندما رأى الظلمة تغطي الأرض، ولم يجد لها تفسيرًا قال: "إما أن إله الطبيعة يتألم أو أن العالم أوشك أن ينهدم" وعندما عاد إلى أثينا وسمع بشارة بولس الرسول بالمسيح المصلوب القائم آمن بالمسيحية (أع 17: 34).

كما جاء في تقرير بيلاطس البنطي والي اليهودية إلى الإمبراطور طيباريوس قيصر عن هذه الظلمة يقول: "وعندما صُلِب كانت هناك ظلمة على كل الأرض، واختفت الشمس تمامًا وبدت السماء مظلمة على الرغم من أن ذلك كان بالنهار، وظهرت النجوم وكان ضوئها معتمًا في آن واحد، وكما أعتقد فإن عظمتكم لا تجهلون ذلك، لأنه أضيئت مصابيح في العالم كله من الساعة السادسة... وبدا القمر مثل الدم ولم يضئ طوال الليل رغم أن البدر كان في تمامه. وناح أوريون Orion والنجوم أيضًا على اليهود للشر الذي فعلوه"(147).

وأشار إلى هذا التقرير العلامة ترتليان (145 ـ 220م) وأيضًا المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (264 ـ 340م)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ويُعلّق القديس أثناسيوس على شهادة الطبيعة قائلًا: "لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالحري في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة بأن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مجرَّد إنسان بل ابن اللَّه ومخلّص الجميع، فالشمس توارَت، والأرض تزلزلت، والجبال تشقَّقت، وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن السيد المسيح الذي على الصليب هو اللَّه، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها. وهكذا أظهر اللَّه الكلمة نفسه للبشر بأعماله" (تجسد الكلمة 19: 3)(148).

ويقول القديس أثناسيوس أيضًا: "بل وأكثر من ذلك، ماذا يقولون عن المعجزات الأخرى لألوهيته، فأي إنسان أظلمت الشمس وتزلزلت الأرض عند موته؟ فأي من البشر الذين يموتون كل يوم منذ القديم وإلى الآن حدثت عند موته عجيبة كهذه؟!" (تجسد الكلمة 49: 4)(149).

وبعد موت السيد المسيح طعن واحد من العسكر جنبه بالحربة فخرج منه دم وماء. ويقول القديس يعقوب السروجي: "خرج الدم من جنب المسيح دلالة على أنه حي وخرج الماء دلالة على أنه ميت، وهنا العجب لأنه أين رأيتم إنسانًا يجود بروحه وهو حي إلاَّ ربنا... إن المسيح كان حيًّا وميتًا في آن واحد لأنه مَن من الموتى نفخ عند موته في قرص الشمس فطفأ نوره؟ ومن منهم زعزع الأرض بصوت نزعه؟ ومن أقام الراقدين الذي شبعوا موتًا إلاَّ الذي صار واحدًا منهم. أو هو هذا لا غيره؟ ومن الذي ارتعب منه بوابو الهاوية حيث انقضَّت روحه كطائر ليزور الأنفس المعتقلة؟ ومن الذي ذابت أمامه أبواب الجحيم النحاسيَّة وتحطّمت متاريس الحديد؟ إلاَّ ابن البتول الذي لم يتسلّط عليه الموت بل مات مختارًا ليحل الموت بالموت"(150).

ويقول نيافة الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ: "السياط التي جُلِد بها السيد المسيح مصنوعة من سيور البقر وفي أطرافها عظم أو معدن، لذلك فقد مزَّقت الشرايين المحيطة بالقفص الصدري وأحدثت نزيفًا داخليًا. فلمَّا ضربه الجندي بالحربة كان الدم عندئذ يملأ القفص الصدري فسال الهيموجلوبين ثم البلازما ثم السوائل الخاصة بالأوديما. هذه التي عبَّر عنها ببساطة القديس يوحنا أنه بعدما طُعِن في جنبه بالحربة "خَرَج دَمٌ وماءٌ" (يو 19: 34) وقد رأى القديس يوحنا خواص الدم مفصولة لأن السيد المسيح كان قد أسلم الروح في الساعـة التاسعة، وعندما طعنه الجندي قُرب الغروب كان قد مضى حوالي ساعتين"(151).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(144) نقلها عن الإنجليزية جاد المنفلوطي ص 100، 101.

(145) القس عبد المسيح بسيط ـ هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص 51.

(146) المرجع السابق ص 51.

(147) القس عبد المسيح بسيط ـ هل صُلب المسيح حقًا وقام؟ ص 53.

(148) ترجمة د. جوزيف موريس فلتس ص 54، 55.

(149) ترجمة د. جوزيف موريس فلتس ص 146.

توضيح من الموقع: كان مكتوبًا: تجسد الكلمة 49: 24، ولكن المقصود هو تجسد الكلمة 49: 4، فتم التصليح.

(150) الشماس جرجس صموئيل عازر ـ إخفاء لاهوت السيد المسيح عن الشيطان ص 297.

(151) لماذا الصليب بالذات؟ ص 4، 5.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/jesus-winning.html

تقصير الرابط:
tak.la/2amfpn4