س 22: كيف مات السيد المسيح وهو الإله الذي لا يموت؟
ج: شهد الإنجيل لموت السيد المسيح شهادة واضحة لا لَبس فيها، فقال مُعلّمنا متى، وكذلك مرقس الإنجيلي: "فصَرَخ يسوع أيضًا بصوتٍ عَظيم وأسْلَم الرُّوح" (مت 27: 50، مر 15: 37) وقال لوقا البشير: "ونادَى يسوع بصوتٍ عَظيم وقال: يا أبتَاه، في يَدَيك أستَودِع روحي. ولمَّا قال هذا أسلم الروح" (لو 23: 46) وقال يوحنا الحبيب عن الجنود: "وأمَّا يسوع فلمَّا جاءوا إليه لم يَكْسِروا ساقَيْهِ لأنهم قد رأَوه قد مَات" (يو 19: 33)، وكلمة "رأوه" هنا في الأصل اليوناني تعني أنهم عرفوه وتأكدوا أنه قد مات، وبطرس الرسول يقول لليهود: "هذا أخذتموه مُسلَّمًا بمشورة اللَّه المَحْتُومَةِ وعلمـه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقَتَلتُمُوه" (أع 2: 23) "ورئيس الحياة قَتَلْتُمُوه" (أع 3: 15) ومُعلّمنا بولس الرسول تحدث عن موت المسيح عشرات المرات "ولكن اللَّه بيَّن محبَّته لنا، لأنه ونحن بعد خُطاةٌ مات المَسيح لأجْلِنا" (رو 5: 8).
وعندما يسمع غير المؤمنين قولنا بأن اللَّه مات على الصليب وفدانا من حكم الموت يقابلون هذا الأمر بالاستهزاء والسخرية، ويظنون أن المسيحيين على جانب كبير من التفاهة والغباء بل الكُفر والإلحاد. أنهم يتصوَّرون المسيحيين وكأنهم أناس مجانين لا يدرون ما يقولون، ولا يفكرون ولا يفهمون ولا يدركون، ويتساءلون: كيف يموت اللَّه؟! ومن الذي كان ينظّم الكون ويضبطه أثناء فترة موته؟.. وهكذا سيظل الصليب لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. بل أن الاستهزاء والسخرية الملازمان للصليب هما امتداد لاستهزاء وسخرية اليهود والرومان بالمسيح المصلوب، والحقيقة أنه لو فهم هؤلاء المستهزئون والساخرون حقيقة الصليب وأنه لا خلاص بدون دم الصليب لبكوا كثيرًا على جهالتهم التي تقودهم للهلاك الأبدي.
والآن دعنا يا صديقي نجاوب عن السؤال الذي يردده الكثيرون وهو: كيف يموت اللَّه؟
بادئ ذي بدء نقـول أن اللَّه لا يموت، لأن اللاهوت منزَّه عن الألم والموت، وأن اللاهوت لا يتغيَّر من حال إلى حال، فاللَّه حي بروحه القدوس، وهو واهب الحياة لكل كائن حي، واللَّه غير قابل للموت ولا يقوى عليه الموت، وهذا ما نعنيه في صلواتنا: "قدوس اللَّه قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت".
وعلى الصليب عُلّق اللَّه المتأنس. أي اللَّه المتحد بالإنسان، فالسيد المسيح هو إله كامل وإنسان كامل، ويقول العلامة مار ديونيسيوس ابن الصليبي: "نسأل النساطرة والخلقيدونيين ومن يقول بقولهم الآن من هو المُعلَّق على الصليب إله أم إنسان، فإن قالوا أنه إله. أجبناهم أنه يستحيل أن تُسمّر يـداه، أو الحربة تخرق جنبه، لأن طبعه فوق هذه الحوادث. وإن قالوا إنه إنسان ساذج (أي إنسان فقط). فنجيبهم أنه يستحيل على الإنسان أن يعمل هذه الباهرات فيُظلم الشمس ويشقق الصخور ويقيم الموتى. إذًا المُعلَّق على الخشبة إله متجسد وهو الفاعل كل هذه الأمور" (تفسير إنجيل متى ص 547)(152).
ويقول الشيخ أبو الفضل القرشي: "إن الاعتقاد بظهـور اللاهوت في المسيح، لا يستلزم الكُفر، وأنه لا إله إلاَّ اللَّه" (هامش الشيخ القرشي على تفسير الأمام البيضاوي جـ 2 ص 142)(153).
السيد المسيح = اللَّه المتأنس.
= اللَّه + الإنسان.
= اللاهوت + (الجسد البشري + النفس البشرية).
والذي حدث على الصليب هو افتراق النفس البشرية للسيد المسيح عن الجسد البشري، فالموت الذي جاز فيه السيد المسيح هو موت بحسب الجسد، ولذلك نصلّي في الساعة التاسعة: "يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة من أجلنا نحن الخطاة.." وبسبب الإتحاد الكامل بين الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية، فلا حرج أن نقول أن السيد المسيح أو أن اللَّه قد مات، فمثلًا رغم أن جسد الإنسان هو الذي يأكل ويشرب وينام ويموت فإننا لا ننسب هذه الأفعال إلى جسد الإنسان، إنما ننسبها للإنسان ككل، فنقول أن فلان أكل أو شرب أو نام أو مات، ولا نقول أن جسد فلان فعل هذا، ورغم أن روح الإنسان خالدة لا تموت فإن الإنسان عندما تفارقه روحه فنقول عنه أنه مات، ولا نقل أن جسد فلان قد مات، وبالمثل نقول أن السيد المسيح قد مات ونحن نعي تمامًا وندرك أن هذا الموت يخصّ الناسوت دون اللاهوت.
لقد انفصلت الروح البشرية عن الجسد البشري، ولكن اللاهوت لم يفارق أحدهما، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذا ما تردّده القسمة السريانية: "هكذا تألم كلمة اللَّه بالجسد، وذُبِح وانحنى بالصليب، وانفصلت نفسه عن جسده. إذ لاهوته لم ينفصل قط لا من نفسه ولا من جسده"، والدليل على أن اللاهوت لم يفارق الجسد أنه عندما وُضِع هذا الجسد في القبر لمدة ثلاثة أيام لم يتعرّض لفساد... لماذا؟ لأنه متحد باللاهوت، والروح البشرية المتحدة باللاهوت استطاعت أن تقتحم مملكة الشيطان وتُخلِّص كل النفوس التي ماتت على الرجاء وتنقلها من سجن الجحيم إلى الفردوس.
ويمكن تشبيه موت السيد المسيح على الصليب بقطعة من الورق وضعناها في إناء به زيت حتى تشرَّبت تمامًا. ثم شققنا الورقة إلى نصفين... تُرى هل فارق الزيت أحد الجزئين؟.. قطعًا لا، فالزيت يشير للاهوت، الورقة تشير للناسوت، وعندما شققنا الورقة فإن هذا إشارة لانشقاق الروح البشرية للسيد المسيح عن جسده المقدَّس، ولكن اللاهوت لم يفارق أي منهما.
عاد اللاهوت ووحَّد بين الروح البشرية للسيد المسيح والجسد البشري، وقام السيد المسيح منتصرًا ظافرًا على الموت والخطية والشيطان... يا لفرحة البشرية بالقيامة... لم يكن السيد المسيح يحتاج للموت ولا للقيامة لأنه هو القيامة "أنا هو القِيَامة والحَياة" (يو 11: 25) إنما مات عنا ليوفي حكم الموت، وقام وأقامنا معه "وأقامنا معه، وأجْلَسَنا مَعَه فـي السَّماويات في المسيح يسوع" (أف 2: 6).
ومن البدع التي تعرَّضنا لها من قبل بدعة أبوليناريوس الذي كان في البداية مستقيم الرأي يدافع عن الإيمان الأرثوذكسي ضد الأريوسية، ولأن الأريوسيين قالوا أن السيد المسيح كان له إمكانية فعل الخير أو الشر، وقال في نفسه إن المسئول عن أفعال الإنسان هي روحه البشرية العاقلة الواعية، ولكيما يُبرئ السيد المسيح من اتهامات الأريوسية قال أنه لم يأخذ روحًا بشرية لأن فيه الروح القدس معتمدًا على قـول الإنجيل: "والكلِمَةُ صَارَ جسدًا" (يو 1: 14) و"عظيم هو سِرُّ التَّقوى اللَّه ظَهَر في الجسد" (1تي 3: 16) فتصدّى له أعز أصدقائه وهو البابا أثناسيوس الرسولي، وقال له: إن السيد المسيح لم يخلّص من الإنسان إلاَّ بمقدار ما أخذ من الإنسان، فلو أخذ جسدًا بشريًّا فقط فهو خلّص الجسد البشري للإنسان دون روحه، وقال القديس غريغوريوس: إن اللَّه لم يشفي من الإنسان إلاَّ بمقدار ما أخذ من الإنسان، والسيد المسيح تحدّث عن روحه البشرية عندما قال "وأنا أضَعُ نفسي عن الخِراف... أضَعُ نفسي لآخُذَها أيضًا... لي سلطان أن أضَعَهَا ولي سلطانٌ أن آخُذها أيضًا" (يو 10: 15 ـ 18) وقال لتلاميذه: "نَفسي حَزينَةٌ جدًا حتى الموت" (مت 26: 38) وعلى الصليب "نكَّس رأسَهُ وأسْلَمَ الروح" (يو 19: 30) وانعقدت له عدة مجامع، وإذ أصرَّ على بدعته حكمت عليه الكنيسة بالحرم في مجمع القسطنطينية سنة 381م (راجع كتابنا أسئلة حول حتمية التثليث والتوحيد وحتمية التجسد ص 230 ـ 235).
_____
(152) أورده القمص إبراهيم جبره في كتابه قيامة المسيح أكاذيب وحقائق ص 29.
(153) أورده عوض سمعان ـ قيامة المسيح والأدلة على صدقها ص 9.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/jesus-death-how.html
تقصير الرابط:
tak.la/x6z8a8h