والآن يا صديقي إلى أدلة غلام وديدات على عدم موت المسيح وقيامته والرد عليها:
ج: ذكر كل من غلام وديدات أدلّة عديدة على عدم موت المسيح وقيامته نسوق منها هنا عشرين دليلًا، ونناقشها بهدوء وباختصار:
1ـ قال غلام أن السيد المسيح صرَّح في الإنجيل قائلًا: "إنني بعد استردادي الحياة سأسبقكم إلى جليل" (مت 26: 32) وأدّعى أن السيد المسيح بعد خروجه من القبر لم يصعد إلى السماء إنما ذهب إلى الجليل، وقال: "بعد استردادي الحياة" لأن اليهود اعتبروه أنه مات، وأيضًا لأن نجاته من موت الصليب يعتبر معجزة، وأن ما دوّنه كُتَّاب الأناجيل عن موت المسيح يعتبر خطأ مثل أخطائهم الكثيرة في تدوين الحوادث، أو قـد يكونـوا قصدوا نوعًا من الاستعارة (المسيح الناصري ص 21 ـ 23 ـ د/ فريـز صموئيل ـ قبـر المسيـح فـي كشمير ص 174، 175).
تعليق: أ ـ قال السيد المسيح: "ولكن بعد قيامي أسبِقُكُم إلى الجليل" (مت 26: 32) وهذه نبوة من نبوات السيد المسيح العتيدة عن قيامته من الأموات، فهو قال "قيامي"، ولم يقل "استردادي الحياة" والكلمة "قيامي" في أصلها اليوناني تعني بكل وضوح القيامة من الأموات.
ب ـ حتى لو أخذنا بمفهوم غلام "استردادي الحياة" فهي تعني استرداد شيء لم يكن في ملكيته، مثلما تقرض ساعتك لصديقك فهي لم تعد في ملكيتك ثم تستردها أي تمتلكها ثانية، أو مثلما تفقد شيئًا فلم يعد في ملكيتك ثم تسترده ثانية، فقبل أن يسترد السيد المسيح الحياة كان في حكم الموت، ثم أسترد الحياة في لحظة القيامة، وقال السيد المسيح: "أنا هو الرَّاعي الصَّالح، والراعي الصالح يبذِلُ نفسه عن الخِرَاف... لهذا يُحبُّني الآب، لأني أضَعُ نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحَدٌ يأخُذُها منّي بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضَعَها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 11، 17).
ج ـ إتهام غلام لكتَّاب الإنجيل بأنهم أخطأوا، هو إتهام بلا دليل واحد، فهو إتهام باطل ينافي العقل، فلو سرنا مع غلام إلى باب بيته، وافترضنا أن المسيح مات لكن التلاميذ نادوا بأنه حي لم يمت بسبب محبتهم له لكان هذا شيء يتمشّى مع المنطق، ولكن كون السيد المسيح حي ولم يمت وينادي التلاميذ بموته فهذا أمر لا يتمشّى مع المنطق.
د ـ لا يمكن أن يكون تصريح التلاميذ بموت المسيح أنه نوع من الاستعارة، فيكون قد أُغمى عليه فقط والتلاميذ قالوا أنه مات مجازًا، والأمر الصحيح هو العكس إذ أطلق السيد المسيح لفظة "النوم" على الموت، فقال عن ابنة يايرس أنها نائمة (مت 9: 24) وقال عن لعازر "لعازر حبيبُنا قد نام" (يو 11: 11) وقال الإنجيل عن أسطفانوس "وإذ قال هذا رَقَدَ" (أع 7: 60) ولكن لم يحدث قط أن أحدًا نام أو أغمى عليه فقالوا أنه مات وأسلَم الروح.
هـ ـ يُرجى الرجوع إلى الأدلة التي تثبت موت السيد المسيح وخطأ نظرية الإغماء.
2ـ تعليقًا على قول السيد المسيح: "الحق أقول لكم: أن من القيام ههُنا قومًا لا يذوقُون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته" (مت 16: 28) وقوله لبطرس عن يوحنا: "إن كُنت أشاء أن يَبْقَى حتى أجِئ، فماذا لك؟" (يو 21: 22) فقال غلام أن هذه أدلة دامغة على حياة المسيح المستمرة بفضل اللَّه ورحمته. إذًا هو لم يمت على الصليب لأن اللَّه أنقذه منه (يسوع الناصري ص 42 ـ د/ فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 176).
تعليق: أ ـ عندما قال السيد المسيح الآية الأولى كان يشير إلى حادثة التجلّي على الجبل والتي عاينها كل من بطرس ويعقوب ويوحنا ورأوا السيد المسيح في مجده، وأيضًا تشير إلى بداية ملكوت المسيح على الأرض بعد حلول الروح القدس وولادة الكنيسة وانتشار البشارة بالملكوت.
ب ـ عندما تكلّم السيد المسيح مع بطرس عن نهاية حياته بالصليب، فأشار بطرس على يوحنا وقال للسيد المسيح: "وهذا ما له؟" فرد عليه قائلًا: "إن كنت أشاء أن يبقى حتى أجيء فماذا لك؟ "يعني أنه لو كان يريد أن يبقى يوحنا حتى المجيء الثاني فإن هذا في استطاعته، ولكنه لم يفعل.
3ـ يرى غلام أنه من الظلم أن ننسب اللعنة للمسيح في حالة صلبه وموته، فقال: "إن النجاة من المـوت الصليبي كانت لا بد منها، وإذ ورد في الكتاب المقدَّس، ملعون كل من عُلِّق على خشبة الصليب، واللعنة كلمة تتضمن معنى من الظلم، فمن التعسّف البواح أن نصف بها أصفياء اللَّه من أمثال المسيح عيسى بن مريم" (المسيح الناصري في الهند ص 19 ـ 21 ـ د. فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 188).
تعليق: أـ في العهد القديم عندما كان يرتكب إنسان جرمًا شنيعًا يُقتَل ثم يعلقون جثته على الصليب حتى المساء، ومثل هذا الإنسان يكون ملعونًا من اللَّه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... وإذا تساءلنا عن سبب اللعنة؟ نجده هو سلوكه في الشر، أما تعليقه على الصليب فهو نتيجة حتمية لشره المستطير، فاللعنة واقعة على مثل هذا الإنسان أصلًا بسبب شره، وجاء تعليقه على الخشبة إعلان لهذه اللعنة التي لصقت به.
ب ـ لاحظ قول الكتاب: "ملعون كل من عُلِّق على خشبة" دون أن يشترط إذا كان المُعلّق مات أو أغمى عليه، فإذًا محاولة تبرئة غلام للسيد المسيح من اللعنة محاولة فاشلة.
ج ـ ما لا يفهمه غلام أن السيد المسيح قدوس بلا خطية ولكنه حامل خطايانا، وهو ليس ملعونًا لكنه حمل لعنتنا على الصليب.
د ـ لو لم يمت السيد المسيح ونجح في الهروب الكبير إلى كشمير... فكيف تحوَّل الصليب أداة اللعنة إلى أداة للبركة والفخار (راجع تمهيد الكتاب).
4ـ قال غلام وتبعه أحمد ديدات بأن السيد المسيح شبّه نفسه بيونان النبي، وبما أن يونان رغم أنه تعرّض للموت في بطن الحوت لكنه لم يمت، فهكذا المسيح تعرّض للموت لكنه لم يمت، فقال غلام: "وكما أن يونس بقى حيًّا في بطن الحوت، فهذا دليل على أن المسيح لم يمت على الصليب، لقد أشار المسيح بهذا المثل إلى أنه سيخرج من بطن الأرض إلى قومه فيجتمع بهم، ويُكرَم فيهم كما تكرَّم يونس في قومه، فإن ذلك البناء قد تحقق، لأن المسيح بعد أن خرج من بطن الأرض رحل إلى شعوبه الضالة الحالة بأودية كشمير" (المسيح الناصري في الهند ص 17، 18 ـ د / فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 180).
أما ديدات فأخذ يعيد ويزيد في هذا الموضوع ونقتطف بعض أقواله" ميت أم حي؟ ويثار سؤال هو: عندما ألقوا يونان من ظهر المركب أكان ميتًا أم حيًّا؟.. عندما أُلقيَ به إلى البحر العاصف؟ الإجابة نحصل عليها هي أنه ـ كـان حيًّا! وتهدأ العاصفة ربما بالصدفة، ويأتي حوت ويبتلع يونان. هل كان ميتًا أم حيًّا؟ ومرة ثانية نقول جميعًا: حي! وفي جوف الحوت يُسبّح ويصلّي للَّه طالبًا لنجدته. فهل يُسبّح ويصلّي الناس الموتى؟ كلاَّ! فهو إذًا كان حيًّا. وفي اليوم الثالث يلفظه الحوت على الشاطئ ـ ميتًا أم حيًّا؟ الإجابة هي "حي" مرة أخرى!
إنها معجزة المعجزات! يقول اليهود أنه كان حيًّا! ويقول المسيحيون أنه كان حيًّا! ويقول المسلمون، أنه كان حيًّا، ولنعجب بعض العجب أن عيسى عليه السلام أختار معجزة يونان (سيدنا يونس) كمعجزة وحيدة له، وهي معجزة يتفق عليها اليهود والمسيحيون والمسلمون...
ويسوع أيضًا يُفترض ويُعتقد أنه بعد محنة (صلبه) أن يكون قد مات، أو كان يجب أن يكون قد مات. ولو كان قد مات لما كان ثمة معجزة. ولكن لو أنه عاش كما كان بنفسه قد تنبأ بذلك وبرهن عليه وفقًا لما جاء بالكتب المقدَّسة فكانت هذه هي "الآية" أو المعجزة... فكيف كان يسوع في المقبرة ـ هل كان ميتًا أم حيًّا؟ إن أكثر من ألف مليون مسيحي تابعي كل الكنائس الأكليروسات يجيبون بحماس بقولهم "ميت"! أقول لهم فهل يكون بذلك "مَثَل" أم أنه "ليس مَثَل" يونان في لغتكم؟ كان يسوع قد قال أنه سيكون مثل يونان، وأتباعه المتحمّسون يقولون أنه "لا يماثل" يونان. من يكذب يسوع أم أتباع يسوع؟"(245).
تعليق: أ ـ القاعدة البيانية في التشبيه هو توافر وجه شبه واحد أو أكثر بين المشبّه والمُشبّه به، ومن المستحيل أن يكون هناك تطابق في جميع الأوجه وإلاَّ كان المُشبّه والمشبّه به نفس الشيء، ولو قلت لإنسان أنك أسد أو ثعلب أو حيَّة فليس معنى هذا أن هذا الإنسان تحوَّل إلى واحد من ذوات الأربع، ولكن المعنى أنه شابه الأسد في شجاعته أو الثعلب في دهائه، أو الحيَّة في حكمتها، أو الكلب في وفائه... إلخ.
ب ـ غلام وديدات يعلمان هذا جيدًا، ويعلمان أيضًا أن السيد المسيح لم يكن متطابقًا مع يونان في جميع الأوجه، فالسيد المسيح وُلِدَ ولادة معجزية ويونان وُلِدَ ولادة عادية، وأُلقيَ يونان للموت وهو في كامل قواه أما السيد المسيح فوضع في القبر بعد صلبه، ودخل يونان إلى جوف حوت حي أما السيد المسيح فوضع في جوف القبر... إلخ، فلا يوجد تماثل في كل شيء وعندما قال السيد المسيح: "كما رَفَع موسى الحيَّة في البريَّة هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، لكي لا يَهلِك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة "(يو 3: 14، 15) وكانت الحيَّة مصنوعة من نحاس، فهل معنى هذا أن جسد المسيح من نحاس؟!.. كلاَّ، فوجه الشبه الوحيد هنا هو النجاة من الموت.
ج ـ أوضح السيد المسيح وجه الشبه الأول بينه وبين يونان عندما قال: "جيلٌ شِرِّير فاسِقٌ يلتَمس آيَةً، ولا تُعْطَى له آية إلاَّ آيَة يونان النبي" (مت 16: 4) فكما كان يونان آية لأهل جيله عندما ظل في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ وخرج حيًّا والجميع كانوا يشيرون إليه قائلين: هوذا الرجل الذي أبتلعه الحوت ولم يمت، هكذا السيد المسيح قد سلَّم نفسه للموت الذي أراد أن يبتلعه، ولكن كيف يقدر الموت أن يبتلع رب الحياة؟! دخل السيد المسيح إلى الموت، وأمات الموت، وقام منتصرًا ظافرًا. لقد أشترك يونان النبي والسيد المسيح في اختفاء كل منهما عن العالم ثلاثة أيام، ولكن أحدهما كان حيًّا والآخَر كان ميتًا ثم قام حيًّا بالقيامة، وغني عن البيان أن يونان لو مات في بطـن الحـوت ما كان يستطيع أن يقوم ثانية. ويقول "وليم باركلي": "فيونان نفسه كان الآية، ويسوع نفسه هو الآية الوحيدة التي يقدمها اللَّه إلى ذلك الجيل، وكأنما يريد يسوع أن يقول لهم أنتم تطلبون آية. أنا آية اللَّه، لكنكم فشلتم في معرفتي والاعتراف بـي" (تفسيـر إنجيـل متى جـ 1 ص 45)(246)
د ـ أفصح السيد المسيح عن المشابهة الثانية بينه وبين يونان، فبعد أن قال إن كل منهما آية لجيله، صرَّح أن المشابهة الثانية هي في الوقت فقال: "لأنه كما كان يُونان في بَطن الحُوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قَلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" (مت 12: 40) والعبارة الأخيرة "في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" حذفها كل من غلام وأحمد ديدات لحاجة في نفس يعقوب، وليوهم كل منهما القارئ بأن قصد السيد المسيح هو المشابهة في أن كل منهما كان حيًّا ولم يتعرّض للموت، وهذا تحايل مرفوض لأن السيد المسيح قد حدَّد بالضبط ماذا يريد أن يقول، وحصر هنا وجه المشابهة بينهما في المدة التي قضاها يونان في جوف الحوت، أو السيد المسيح في جوف القبر فقط، ولو كان السيد المسيح يقصد الوقت والحالة لقال مثلًا: لأنه كما كان يونان في بطن الحوت حيًّا ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان حيًّا في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.
هـ ـ ناهيك عما ذكره ديدات من أمور تخالف الحقيقة مثل ادعائه بأن نينوى "مدينة عظيمة كان تعداد سكانها يبلغ مائة ألف نسمة" (ص 138) فمن أين آتى بهذا الرقم؟ كان تعداد سكان نينوى "أكثر من اثنتي عَشَرة ربوَةً من الناس" (يون 4: 11) أي أكثر من مائة وعشرين ألف نسمة. كما قال ديدات أن دعوة يونان لأهل نينوى بقصد "أن يتوبوا إلى اللَّه، وأن يرتدوا المسوح الخشنة ويجلسوا على الرماد. وذلك تحقيـرًا لأنفسهـم أمام خالقهـم ليتوب عليهـم وإلاَّ يدمِّرهـم" (ص 138) فمن أين جاء بهذه الدعوة؟! اقتصرت دعوة يونان على إبلاغ الخبر الأتي لأهل نينوى "بعد أربعين يومًا تنقَلِب نينوى" (يون 3: 4) وكل ما كان يطلبه اللَّه منهم هو ترك حياة الشر والفساد، أمَّا لبسهم للمسوح وصومهم فجاء تعبيرًا عن توبتهم، ولكن اللَّه لم يطلب منهم هذا لتحقير أنفسهم، فاللَّه الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله يرفض أن الإنسان يُحقّر نفسه حتى يرضى عنه وإلاَّ فأنه يدمّره... حقًا أن ديدات لم يختبر محبة وأبوّة اللَّه الحانية التي جعلته أن يتنازل من سماء مجده ويُعلَّق على صليب العار من أجل خلاصنا.
5ـ يدّعي ديدات أن السيد المسيح لم يكن راغبًا في الموت بدليل الآتي:
أ ـ أنه لجأ إلى البستان كموقع دفاعي، ووزّع تلاميذه ليدافعوا عنه.
ب ـ حزن واكتئب وصلّى لكيما ينجّيه اللَّه من الموت.
ج ـ لو أن اليهود نجحوا في قتله، فمعنى هذا أنه ليس هو المسيح الحقيقي بل هو مسيح دجال.
فيقول "أستاذ التكتيك: كان يسوع قد جعل من نفسه بذلك مُخطّطًا استراتيجيًا بارعًا، واثقًا من نفسه، لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط مع تلاميذه في تلك الحجرة بالطابق العلوي! وها هوذا يقود أتباعه بين أشجار الزيتون في منتصف الليل... ولستَ بحاجة إلى عبقرية عسكرية، لكي تدرك أن عيسى يوزّع قوّاته كأستاذ في التكتيك بطريقة تذكرنا بأي ضابط متخرّج في كلية "ساند هيرست" الحربية البريطانية. أنه يعيّن لثمانية من الأحد عشر حواريًا مكانهم في مدخل البستان وهو يقول لهم: "أجلسوا أنتم ههنا بينما أذهب أنا لأُصلّي هناك". والسؤال الذي يفرض نفسـه على أي مفكّر هو: لماذا ذهبوا جميعًا إلى ذلك البستان؟ ألكي يصلّوا؟ ألم يكونوا يستطيعون الصلاة في تلك الحجرة العلوية؟ ألم يكونوا يستطيعون الذهاب إلى هيكل سليمان، ولقد كان على مرمى حجر منهم؟ وذلك لو كانت الصلاة هي هدفهم؟ كلاَّ! لقد ذهبوا إلى البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنسبة لموضوع الدفاع عن أنفسهم!
ولاحظ أيضًا أن عيسى لم يأخذ الثمانية لكي يصلّوا معه. أنه يضعهم بطريقة استراتيجية في مدخل البستان! مدججين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح... إلى أين يأخذ بطرس ويوحنا وجيمس؟ ليتوغّل بهم في الحديقة! لكي يصلّي؟ كلاَّ. لقد وزّع ثمانية لدى مداخل البستان، والآن على أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلّحين بالسيفين أن يتربّصوا ويراقبوا وليقوموا بالحراسة! الصورة هكذا مفعمة بالحيوية...
يسوع يصلّي طلبًا للنجدة: يقول إنجيل متى: "وابتَدأ يَحْزَن ويَكْتَئب. فقال لهم: نفسي حزينة جدًا حتى الموت... ثم تقدَّم وخرَّ على وجهه (بالضبط كما يفعل المسلم عند الصلاة) وكان يُصلّي قائلًا يا أبتاه، إن أمكَن فلتَعبُر عنّـي هذه الكأس، ولكن ليس كما أُريد أنا بل كما تُريد أنت" (إنجيل متى 26: 37 ـ 39).. لماذا كل هذا العويل والتباكي؟ أيبكي لينجو بنفسه؟ إننا نغمط عيسى عليه السلام حقّه لو صدّقناه أنه كان يبكي كامرأة لينقذ جسده من عذاب بدني.
سيقولون كان يبكي من أجل شعبه وليس من أجل نفسه.
نقول لهم: اليهود؟ (كان يبكي من أجلهم؟) أنه لمنطق غريب. ذلك أنهم لو نجحوا في قتل أي مسيح لكان هذا (إمكان قتله) دليلًا على أنه دُعيَ دجّال لأن اللَّه العلي القدير لم يكن ليسمح أبدًا بقتل المسيح الحق كما ورد بسفر (التثنية 18: 20) ومن هنا (أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلًا) لصح إدعاء اليهود بأن عيسى بن مريم ليس هو المسيح الذي وُعِدوا به"(247).
تعليق: أ ـ ناقَض "أحمد ديدات" نفسه فبينما قال إن السيد المسيح "الممثل الشخصي (للَّه) قد كان حريصًا ألاَّ يموت. يتسلّح! يتباكى! يعرق! يجأر بالشكوى" (ص 38) قال بأن السيد المسيح كان يعلم أن يهوذا سيسلّمه، وطلب منه أن يفعل ذلك بسرعة، فتحت عنوان "وانكشف الخائن" يقول: "كَشَفت النظرات القلقة وأظهر السلوك المريب يهوذا للمسيح عليه السلام، ولم يكن بحاجة إلى الوحي الإلهي ليعرف الترتيبات الخاطئة بذهن يهوذا. وحول المائدة في الحجرة التي كانت بالطابق العلوي، حيث يسوع وتلاميذه يتناولون العشاء الأخير لاحق يسوع يهوذا بقول: (ما أنت تعمله فأعمله بسرعة أكثر) كما ورد بإنجيل يوحنا (يوحنا 13: 27) وشرع يهوذا يضع اللمسات الأخيرة في طعنته الغادرة في الظهر (ص 28)" فلو كان السيد المسيح حريصًا أن لا يموت فكيف يطلب من تلميذه الخائن أن يسرع بتسليمه للموت؟! ولماذا لم يساوم يهوذا حتى لا يُسلِّمه للموت؟
ب ـ قلنا مرارًا وتكرارًا أن السيد المسيح أنبأ بصلبه وموته وقيامته، وكان مصرًّا على ذلك حتى عندما أراد بطرس أن ينهاه عن هذا قال له: "اذهب عني يا شيطان! أنت مَعثَرَةٌ لي" (مت 16: 23) لقد ثبَّت وجهه تجاه أورشليم، وحتى في تجليه على الجبل مع موسى وإيليا كان يتحدّث معهما عن الصليب، وقد تجاهل ديدات عشرات النصوص الإنجيلية التي تحدِّثنا عن صلب المسيح وموته قبل أن يحدث هذا، ولذلك يقول الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس": "لا شك أنك تتفق معي يا سيد ديدات بأن عدد النصوص مُذهِل، وكلها تتحدَّث عن عِلم الرب يسوع المسيح بالصلب والقيامة بعد الموت..! ويأتيك السؤال المعهود: لماذا تجاهلت وطَمَست كل هذه النصوص؟.. ولقوة هذه النصوص اضطررت أنت يا سيد "ديدات" أن تتجاهلها وتطمسها لأنها تنهي قضيتك إلى الموت، وتغلق عليك كل نفق تريد أن تحفره لتصدير خرافاتك"(248).
ج ـ كان السيد المسيح يعلَم أن يهوذا سيُسلمه قبل الصليب بوقت طويل ولذلك قال لتلاميذه: "أليس إني أنا اختَرتُكُم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي لأن هذا كان مزمعًا أن يُسلمه وهو واحِدٌ من الاثني عشر" (يو 6: 70، 71) فلو كان السيد المسيح حريصًا أن لا يموت ألا كان يستبعد هذا اليهوذا من زمرة تلاميذه الأخصاء؟!
د ـ قال ديدات إن السيد المسيح ذهب مع تلاميذه إلى بستان جثسيماني لكيما يكون في وضع دفاعي أفضل، وتغافل أن يهوذا كان يعرف المكان جيدًا، لأن السيد المسيح كان قد أعتاد على الذهاب إلى هذا البستان مع تلاميذه: "وكان يهوذا مُسَلّمه يعرفُ الموضِعَ، لأن يسوع اجَتَمع هناك كثيرًا مع تلاميذه" (يو 18: 2). إن السيد المسيح لم يذهب ليصلّي في زحام هيكل سليمان لأن الموقف كان يحتاج للاختلاء، وهذا ليس بالأمر الجديد لدى مُخلّصنا الصالح: "وفي الصُّبح باكرًا جدًا قام وخَرجَ ومَضى إلى موضِع خلاءٍ، وكان يُصلّي هناك" (مر 1: 35، لو 4: 42) ولو أن السيد المسيح كان يُفكّر بفكر ديدات لكان يلجأ إلى الهيكل وسط أتباعه المخلصين الذين قدّرهم البعض بنحو ثمانية آلاف شخص.
هـ ـ لو كان السيد المسيح يبحث عن مكان دفاعي أفضل هل يذهب إلى بستان مفتوح؟!.. أليست العلية المغلقة أفضل من البستان المفتوح؟!.. لنضع الموقف الذي صوَّره ديدات أمام أي إنسان عاقل، ونقول له أن ديدات قال إن هناك اثنى عشر رجلًا معهم سيفان، وأرادوا عمل انقلاب ضد القيادات اليهودية، وأيضًا ضد القوات الرومانية التي تقدّر بالآلاف من الجنود المسلحين، ومن الطبيعي أن هذا الانقلاب باء بالفشل، والسلطات تبحث عن قائد الانقلاب... فقل لي: هل يتجه إلى بستان مفتوح مع رجاله لكيما يكون في موقف دفاعي أفضل، أم أنه يترك مكان الأحداث بأقصى سرعة ويخرج من كل المدينة متجهًا إلى إحدى الأماكن البعيدة حيث يجد الحماية من آلاف اليهود الذين يبغضون الحكم الروماني؟ أو يترك كل اليهودية ويذهب إلى نواحي صور وصيدا ويختفي هناك؟!! ولا سيما أن قوات الأمن كانت متمركزة في أورشليم في هذه الأيام على أعلى مستوى، فبالإضافة إلى الحامية الرومانية بقلعة أنطونيا والتي يبلغ عددها ستة آلاف مُقاتل، كان هناك الفِرَق المساعدة الخامسة والعاشرة والخامسة عشر والتي يبلغ تعدادهم نحو 35 ألف مقاتل تحت أمر بيلاطس البنطي، وهوذا بيلاطس مقيم في أورشليم لحفظ الأمن في هذه الأيام (راجع محاكمة المسيح ف. باول ترجمة إبراهيم سلامة ص 22، 23).
بل ويزيد ديدات الطينة بلّة في تصويره لموقف القبض على يسوع، فإذ برجاله نائمين "تم الإمساك بالحواريين في وضع غير ملائم، كما يقول الإنجيل أو بالأصح كانوا نائمين. وداس عليهم عدوهم بأحذية ثقيلة" (ص 44) فهل رجال أتخذوا موقعًا دفاعيًا ويتوقعون هجوم العدو بين لحظة وأخرى وينامون؟! مَن يتوقع الموت الوشيك وينام؟!
و ـ كان السيد المسيح عالِمًا بكل شيء، وعند اقتراب الجنود للقبض عليه هو الذي خرج إليهم وسألهم: مَن تطلبون؟ فقالوا يسوع الناصري، "فلمّا قال لهم: إني أنا هو رَجَعوا إلى الوراء وسَقَطوا على الأرض" (يو 18: 6) وكانت الفرصة مهيأة تمامًا للسيد المسيح للهرب، ولكنه لم يفعل بل ظل منتظرًا، حتى نهضوا وأعاد عليهم السؤال، وكان هو القوي في تسليم نفسه حيث اشترط عليهم لكي يذهب معهم أن يدعوا التلاميذ يمضون. ثم أن السيد المسيح الذي أبرأ أُذن ملخس التي ضربها بطرس بالسيف، ألم يكن من السهل عليه أن يبدد هؤلاء الجنود من أمامه؟!
ز ـ ناقض ديدات نفسه، ففي صفحة 32 يعترف بأن كل ما مع التلاميذ من سلاح هو مجرّد سيفين لا غير، وفي ص 34 يقول أن هذين السيفين كانا مع بطرس ويعقوب ويوحنا "والآن على أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربّصوا ويراقبوا ليقوموا بالحراسة"، وفي الوقت نفسه يقول أن الثمانية تلاميذ: "أنه يضعهم بطريقة إستراتيجية في مدخل البستان، مدججين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح" (ص 34) فمن أين أتى هؤلاء الثمانية رجال بالسلاح حتى يُدَجّجوا به؟!
ح ـ بينما يعترف الجميع بأن السيد المسيح هو ملك السلام الذي أنشدت الملائكة يوم مولده أنشودة السلام: "المجد للَّه في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة" (لو 2: 14) فإن ديدات يخالف الجميع ويصوّر السيد المسيح على أنه ذو طبع ناري يهوى سَفك الدماء، وفي ص 28 يقول: "الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم ـ أنا سوف أحكم فيهم ـ أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي "وعلاوة على تحريف النص السابق، فإن ديدات تجاهل أن ما ورد في الإنجيل (لو 19: 11 ـ 27) كان مجرّد مثل يحكيه السيد المسيح عن الملك الذي أحسن إلى شعبه ومنحهم هبات عديدة، وأما هذا الشعب العنيد فقد رفض أن يملك عليهم: "وإذ كانوا يَسْمَعون هذا عاد فقال مثلًا، لأنه كان قريبًا من أورشليم.." (لو 19: 11) ولكن ديدات لم يذكر إلاَّ العدد الأخير من المَثل مع التحريف في النص. عجبًا لإنسان يدعو ملك السلام بأنه أستاذ في فن التكتيك!.. عجبًا لإنسان يتّهم الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف بأنه قائد أناني يبذل رجاله ليحمي نفسه... عجبًا لإنسان يُصوّر السيد المسيح الذي شهد الكل بكماله وقداسته على أنه إنسان مراوغ وكاذب يُظهر بغير ما يضمر، فيُظهر لتلاميذه أنه ذاهب إلى البستان ليُصلّي وهو يضمر الهروب من الموت.
وأنكر ديدات بشدّة أن يكـون السيد المسيح أميـر السلام فقال: "كانوا (المسيحيون) مبرمجين لمدة تزيد عن ألفي عام، باعتبار أن يسوع في تصوُّرهم إنما هو الحَمل الوديع "أمير السلام" لا يمكن أن يؤذي ذبابة. وهم يتغاضون عن ذلك الجانب الآخَر من طبيعته التي كانت تطلب الدم والنار! ينسبون أوامره إلى أتباعه أن يحضروا أعداءه الذين لا يقرون حكمه، لكي يتم ذبحهم قُدّامه. كما جاء بإنجيل لوقا (19: 27)" ص 46، وتجاهل ديدات أن السيد المسيح لم يحمل سيفًا قط، ولم يؤذي أحدًا قط، وعندما تجرّأ بطرس وضرب عبد رئيس الكهنة نهاه السيد المسيح عن هذا، وطالبه بأن يرد سيفه إلى غمده، وقال لتلاميذه أنني سأرسلكم كحملان وسط ذئاب، ولكن منعهم أن يتذئبوا، وأوصى أتباعه بالتسامح إلى درجة الكمال، والجميع يعترفون به رئيسًا للسلام سواء المؤمنين به أو الذين ينكرون لاهوته. ثم يأتي ديدات بعد كل هذا ويتهمه بأن طبيعته تميل إلى الدم والنار؟!.. لقد قال السيد المسيح: "أحبوا أعداءَكُم. باركوا لأعنيكم. أحسنوا إلى مبغضِيكم، وصلّوا لأجل الذين يسِيئون إليكم ويطرُدُونَكم" (مت 5: 44) وهذا ما فعله وهو على الصليب في عز آلامه إذ قال: "يا أبتاه، اغفِر لهُم لأنهُم لا يعلَمون ماذا يفعَلون" (لو 23: 34) ولم نسمعه قط يقـول: "قاتلوا أعداءكم واقتلوهم".. فماذا تريد يا ديدات؟! أتريد أن تُلبس مسيحنا طاقية غيره، ولا إيه حكايتك بالضبط؟!!
ويوجّه الشماس الإكليريكي حديثه إلى ديدات قائلًا: "تكلّمت عن تخطيط السيد المسيح للقيام بانقلاب عسكري، وأغلب صفحات كتابك (مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء) ترتّب وتدبّر فيها لكي ما تصل بهذا الانقلاب اليسوعي إلى قلب القارئ، وكذلك نسيت أمرًا هامًا، وهو أن قيام السيد المسيح بهذا الانقلاب يخرجه عن دائرة أنبياء اللَّه... كيف يكون نبيًا من اللَّه ويقوم بانقلاب ضد الحكم؟ وهل رسالة الأنبياء الانقلاب؟ وكيف يصبح انقلابًا فاشلًا؟ لأن الانقلاب لو كان رسالته لما فشل فيه لأن اللَّه سيسنده ليتمم رسالته، ولو أن الانقلاب لـم يكـن رسالته ولكنه قام به، فمعنى ذلك أنه ترك رسالة اللَّه وشرع في تحقيق ميوله الخاصة، ومعنى ذلك أنه لم يقم برسالته السماوية، وكل ذلك ضد المفهوم الإسلامي واليهودي والمسيحي معًا ولكنك كتبته، هذا مع أنك نسيت وكتبت في ص 27 (ص 60 في الطبعة الإنجليزي العربي) وناقضت نفسك بأن هذا الانقلاب ما هو إلاَّ تهمة زائفة واستشهدت بكلام السيد المسيح القائل: {أعطُوا إذًا ما لقَيصر لقَيصر وما للَّه للَّه} (مت 22: 21) فكيف يكون من يُعلّم الناس وفاء الضرائب لقيصر أن ينشد الانقلاب ضد قيصر"(249).
ط ـ عندما قال ديدات لو أن اليهود نجحوا في قتل المسيح فهم بهذا يثبتون أنه مسيح دجال بدليل ما ورد في (تث 18: 20) ولم يورد ديدات النص... لماذا؟.. لأنه لا توجد أدنـى صلة بين النص وبين دعوى ديدات. انظر ما يقوله النص: "وأمَّا النبي الذي يُطغِي، فيتكلَّم باسمي كلامًا لم أوصِيهِ أن يتكلَّم به، أو الذي يتكلَّم بِاسم آلهة أخرى فيَمُوت ذلك النبي" (تث 18: 20) فهذا النص بعيدًا تمامًا عن السيد المسيح الذي لم يتكلَّم بِاسم اللَّه باطلًا، ولم يتكلَّم بِاسم آلهة أخرى، ولكن إذ هو اللَّه المتأنس فإنه تكلَّم بالحق، والعددين 21، 22 التاليين للنص السابق يُحدّدان كيف نعرف أن الكلام صادر من اللَّه؟ هو تحقُّق هذا الكلام، وهذا ما حدث بالنسبة للسيد المسيح له المجد، فقد تكلَّم عن صلبه وموته وقيامته وهذا ما حدث بالضبط.
ي ـ ثم يأتي السؤال: كيف يصلّي السيد المسيح في البستان ويبكي ويحزن؟.. وقد أجبنا على هذا السؤال بالتفصيل في الدرس التاسع: المعركة الرهيبة على الصليب.
ك ـ ناهيك عن أسلوب ديدات الجارح الذي يتكلّم به على سيد الكل الرب يسوع المسيح، فانظر أيها القارئ وأحكم:
ـ "لن يظل يسوع جالسًا كبطة قابعة" (ص 30).
ـ "لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط" (ص 32).
ـ "أنه كان يبكي كامرأة" (ص 36).
ـ "يمكن أن يزعم مَن يشاء أن عيسى عليه السلام كان أيأس الناس حظًا" (ص 52).
ـ "ولو كـان يسوع يابانيًا بدل أن يكون يهوديًا، لكان من المؤكد أن ينتحر بطريقة (الهاري كاري) بدلًا من أن يتحمّل زيغ وعدم إخلاص أتباعه" (ص 52، 54).
ـ "لكن هذا الرجل المسكين البائس اليائس، كان يبدو غير مُسبّب لأي خطر. أنه لم يكن يبدو مثل زيلوت المشاغب السياسي والإرهابي المعادي للنظام" (ص 60).
ـ "كانوا يريدون غلـق الحظيرة علـى الحصان بعد أن نجحوا في إدخاله إليها" (ص 92)
ـ وفي ص 110 تحت عنوان "الأرنب والسلحفاة" شبّه ديدات السيد المسيح بالسلحفاة وتلميذي عمواس بالأرانب".
ولا أظن أن إنسانًا مسلمًا واحدًا يقبل ألفاظ ديدات هذه، وتبجحه وتطاوله على السيد المسيح الذي يجلَّه القرآن ويعتبره نور وهدى وآية ورحمة للعالمين، وأنه القدوس الذي بلا خطية وحده الخالق والديان والشفيع... إلخ.
ويقول الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس": "هل انتهت الكلمات من قاموسك يا سيد ديدات؟ ألم تجد تعبيرًا أرقى وأشرف من هذا حتى تصف به الحالة التي تريد أن تعبّر عنها؟ صدقني أنني أستغرب كيف تؤمن بأن السيد المسيح هو كلمة اللَّه وروح منه، ومع ذلك تصفه بهذه الأوصاف دون وقار حتى لمُرسِله... كان يجب أن تعرف بأنك تتحدَّث عن نبي للَّه حسب إيمانك، ولكن أن تُطلِق لقب الحصان على السيد المسيح، فليس لك عذر... وماذا بعد هذا؟! فقد لقّبته بالبطة والحصان والسلحفاة، فإياك وأن تكذب وتقول بأنك تؤمن أن السيد المسيح هو نبي اللَّه، فللأنبياء الصادقين احترامهم وكرامتهم وتوقيرهم، لأننا إنما نحترم ونوقّر اللَّه فيهم... ألم تخجل وأنت تقول عن السيد المسيح بأنه بائس ويائس؟! ألم تخجل وأنت تضع وجه الشبه هذا بين السيد المسيح وبين هذا الذي تصفه بالمشاغب والإرهابي والمعادي للنظام؟ لقد فعلت ما أردته في كتابك هذا، ولم تترك المسيحيين ولا تلاميذ السيد المسيح ولا الإنجيل المقدَّس ولا السيد المسيح نفسه، حيث أنك أهنت الجميع"(250).
6ـ يدّعي كل من غلام أحمد وأحمد ديدات أن اللَّه استجاب لصلوات يسوع في البستان وخلَّصه من الموت، فقال غلام: "إن المسيح الناصري عندما تلقّى الخبر بإلقاء القبض عليه ظل يتضرّع في حضرة اللَّه ساجدًا باكيًا ومبتهلًا طوال الليل، وكان من اللازم أن يُستجاب ذلك التضرُّع والابتهال الذي أُتيح له وقت طويل، لأن سؤال المقرّبين... لا يُرد أبدًا... ويتبين من الإنجيل أن المسيح كان واثقًا من استجابة دعائه... إن المسيح كان متأكدًا من صميم فؤاده أن دُعاه لن يضيع أبدًا. لقد علَّم المسيح حواريه قائلًا: ادعوا اللَّه يستجيب لكم... لذلك فإن رفض دُعاء المسيح لنفسه أمر كان له تأثير قبيح في نفوس الحواريين... لأنهم رأوا بأعينهم أن دُعاء نبي مقدَّس مثل المسيح الذي ظل يدعو طوال الليل ذهب أدراج الرياح، الأمر الذي كـان يدفعهم نحو ابتلاء عظيم، ولذلك كان من مقتضى رحمة اللَّه أن يُستجاب دعاؤه بالتأكيد" (المسيح الناصري في الهند ص 34، 35 ـ د. فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير).
ويؤكد أحمد ديدات على نفس المعنى قائلًا: "هل أجاب اللَّه دعاء عيسى عليه السلام؟ كان قد تضرّع إلى الآب المُحبّ في السماء طالبًا للنجدة مع البكاء بالدموع {وإذا كان في جهَادٍ كان يُصَلّي بأشدَّ لجاجةٍ، وصار عَرَقُهُ كقطرات دم نازلَة على الأرض} (لو 22: 44).. مثل هذه الصلوات النابعة من القلب، ومثل هذه الصيحات المخضبة بالدماء، ومثل هذه اللوعة، ومثل ذلك الأسى، تكاد تنادي اللَّه فوق عرشه أن تحل عنايته.
ويستجيب اللَّه لدعاء يسوع: يؤكد القديس بولس، أن الدعاء لم يقع على آذان صماء {الذي في أيام جَسَدهِ، إذ قدَّم بصراخ شديد ودموع طلباتٍ وتضرُّعات للقادِر أن يُخلّصه من الموت، وسُمِع له من أجل تقواه} (العبرانيين 5: 7).
ماذا يعني قوله "وسُمِع له؟ أيعني أن اللَّه قد قبل دعاءه. إن اللَّه جلّت قدرته هو السميع دومًا. لقد سَمِع (أي أنه أستجاب) لدعوات يسوع كما سمع (واستجاب) لدعوات أبيه إبراهيم عليه السلام... وزكريا أيضًا ـعليه السلامـ دعا اللَّه في سن متقدّمة أن يهبه غلامًا، وسَمَع اللَّه دعاءه (استجاب له) ووُلِد له يوحنا المعمدان (سيدنا يحيى عليه السلام) والآن ها هوذا يسوع يجأر بالدعاء طلبًا للنجاة "وقد سَمع اللَّه" (أي استجاب لدعائه)"(251).
تعليق: أ ـ إن السيد المسيح تضرَّع للَّه أن يخلّصه من أهوال الصليب، لأنه لبس طبيعتنا البشرية التي لا تحب الألم ولا العار ولا الخيانة... إلخ، كما أن صلاته هذه تُعبِّر عن حقيقة الآلام النفسية الواقعة على الناسوت، لأنه شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، والسيد المسيح لم يسمح للاهوته أن يخفف الآلام عن ناسوته، فكل الآلام النفسية والجسدية كانت محسوسة لديه، ورغب لو أن هذه الكأس التي تجمَّعت فيها كل خطايا العالم المتشابكة تعبر عنه، إذ كيف يحمل القدوس الطاهر عقاب كل هذه الخطايا في جسده؟! ومع إن رغبته كانت الخلاص من الصليب بأهواله ولكن إرادته شاءت أن يحمل الصليب لأنه لأجل هذه الساعة قد جاء، ويصوَّر الدكتور القس إبراهيم سعيد موقف السيد المسيح في البستان قائلًا: "صراعًا نفسيًا اجتـازه المسيح فخرج منه ظافرًا. عندما رأى الصليب ماثلًا أمامه، أحست نفسه الإنسانية بقشعريرة، لكن روحه الإلهية ظلت مثبّتة وجهها شطر الصليب، فكان الفـادي بين عاملين: فهل يستسلم لهزّة نفسه الإنسانية ويقول: أيها الآب نجّني من هذه الساعة؟ كلاَّ. لأنه إنما لأجل هذه الساعة قد جاء. أم يغض عن إحساس النفس البشريـة ويصغي إلى إحياء روحه الإلهية فيقول: أيها الآب مجّد أسمك، وهذا ما فعله المسيح هنا وفيه كمال الظفر والفوز" (شرح بشارة يوحنا ص 538 ـ 539)(252).
ب ـ قال بولس الرسول: "الذي في أيام جسَدَهِ، إذ قدَّم بصُراخ شديد ودمُوع طَلِبَات وتضرُّعات للقادر أن يُخَلِّصه من الموت وسُمِع له من أجل تقوَاه. مع كونِهِ ابنًا تعلَّم الطاعة ممّا تألَّم به. وإذ كُمِّل صار لجميع الذين يُطِيعُونه، سبب خلاص أبدي" (عب 5: 7 – 9) والذي يتأمل في النص جيدًا يجد أن السيد المسيح لم يطلب أن لا يموت، إنما طلب الخلاص من الموت "للقادر أن يخلّصه من الموت".. وكيف يتم الخلاص من الموت بعد وقوعه؟ بلا شك بالقيامة، وهذا ما أكّده بولس الرسول بقوله: "وسُمِع له من أجل تقواه" فهو بهذا يقرُّ حقيقة القيامة.
ج ـ الدليل على أن السيد المسيح جاز في الموت هو حديث بولس الرسول عن آلامه "مما تألَّم به" وهو يقصد آلام الصليب التي جاز فيها، وأيضًا يقول بولس الرسول عن السيد المسيح "صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي".. فكيف؟ بموته على الصليب نيابة عن الجميع.
د ـ ماذا يقصد بولس الرسول من قوله عن السيد المسيح أنه "كُمّل"؟ يقصد أنه جـاز الآلام حتى نهايتها... إلى الموت "لأنه لاقَ بذاك الذي من أجلِهِ الكلُّ وبه الكلُّ، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يُكمِّل رئيس خلاصِهم بالآلام" (عب 2: 10).
هـ - أكّد بولس الرسول قصده هذا في نفس الرسالة فقال: "ولكن الذي وُضِع قليلًا عن الملائكة، يسوع، نراه مكلَّلًا بالمَجد والكرامة، من أجل ألَم الموت، لكي يذُوق بنعمة اللَّه الموت لأجل كل واحد" (عب 2: 9) "وإله السّلام الذي أقَام من الأموات راعِي الخِرَاف العظيم، ربَّنا يسوع، بدم العهد الأبديّ" (عب 13: 20) وتحدّث أيضًا عن قوة دم المسيح قائلًا: "فإذ لنا أيها الإخوَةُ ثِقة بالدُّخول إلى الأقدَاس بدم يسوع" (عب 10: 19).. "وإلى وسِيطِ العَهد الجديد، يسوع، وإلى دَم رَشٍّ يتكلَّمُ أفضَلَ من هابيل" (عب 12: 24) (راجع عب 2: 14، 9: 12، 10: 12) فهذه نصوص واضحة وردت في ذات الرسالة تحدّثنا عن موت المسيح وقيامته فلماذا يلجأ ديدات إلى الخيال ليضلل الناس؟!
و ـ هناك تفسيران آخران لـ "سُمِع له من أجل تقواه" أولهما: أن ناسوت السيد المسيح مُنح قوة ومقدرة لتحمُّل الآلام غير المحدودة، وحتى لا يُقضىَ عليه قبل أن يُقدَّم ذبيحة على عود الصليب.
يقول الدكتور القس غبريـال رزق اللَّه: "فقد ملك الحزن نفسه واشتدت وطأته عليه لدرجة معها كادت قواه البشرية تذوب أمامه، وكثيرًا ما يموت الناس من شدّة الحزن، ولذلك ذهب البعض إلى أن الموت المقصود به هو الموت الذي كان يتهدد جسد المسيح الضعيف المنهوك قواه ليستلب منه الحياة ويقضي عليه قبل أن يصل إلى الصليب. فيقولون أن هذا ما كان يخشاه المسيح أن يموت في البستان. فتوسّل للقادر أن يخلّصه من هذا الموت ليتمّ موت الصليب الذي لأجله جاء إتمامًا للقصد الأزلي"(253).
وثانيهما: أنه "سُمِع له من أجل تقواه" بمعنى أنه نفذت إرادة الآب التي أرادها الابن، فيقول الدكتور القس غبريـال رزق اللَّه: "هذه هي تقواه" المُشار إليها، في مبناها ومعناها ومظهرها وجوهرها. وهذه هي صلاة البار التي تقتدر كثيرًا في فعلها. فلا عجب إذا قيل: "وسُمِع له من أجل تقواه" ولكن كيف "يُسمَع له" ما دام قد شرب الكأس؟ لقد طلب بلجاجة أن تكون لا إرادته بل إرادة أبيه، فكانت تلك الإرادة كما طلب، إذ أعلن الآب إرادته أن يشرب ابنه الكأس التي أعطاها له. على مذبح المحرقة في البستان قدم يسوع إرادته الذاتية محرقة تحت نار غضب اللَّه المسكوب على رأسه من السماء... فصعد لهيب المحرقة إلى قلب الآب لهيب محبة اضطرمت فـي قلبـه نحو ابنه... فهل إزاء هذا الانتصار العجيب لا يُقال "سُمع له من أجل تقواه؟"(254).
7ـ ادَّعى غلام أن بيلاطس قد أخّر صلب السيد المسيح إلى يوم الجمعة، وإلى أواخر ساعات نهار الجمعة، وهو يعلم أن اليهود لن يمكنهم ترك المسيح على الصليب إلاَّ إلى غروب الشمس لأن ليلة السبت الكبير كانت تهدد بالظهور، ويقول غلام أن هذه الخطة كانت حيلة لإنقاذ المسيح من تحطيم عظامه (المسيح الناصري في الهند ص 32 ـ د. فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 185، 190).
تعليق: أ ـ اليهود هـم الذين قدّموا السيد المسيح إلى بيلاطس صباح يوم الجمعة، فبيلاطس لم يؤخِّر محاكمته يومًا واحدًا.
ب ـ حَكَم بيلاطس على السيد المسيح بالجلد، وهو يعلم أن هذه الجلدات قد تؤدي بحياة الإنسان إلى الموت.
ج ـ عندما أراد بيلاطس إطلاق السيد المسيح لأنه بريء، وضعه اليهود أمام محكّ صعب إذ قالوا له: "إن أطلَقت هذا فلسْتَ مُحبًّا لقيصر. كل مَن يجعَل نفسَهُ ملكًا يقاوم قيصر" (يو 19: 12).
د ـ تأخير صلب المسيح إلى الساعات الأخيرة من يوم الجمعة لا يعتبر وسيلة لإنقاذ عظامه من التحطيم. بل بالعكس فالتأخير في الصلب يعني أنه ما زال على قيد الحياة، وهذا يقودهم إلى كسر ساقيه ليسرعوا بموته.
8 ـ ادَّعى أحمد ديدات بأن السيد المسيح لم يُسمَّر على الصليب بالمسامير إنما رُبط فقط فيقول: "الإنجيل والبعد عن الحقيقة: على العكس من العقيدة السائدة، لم يُسمَّر يسوع على الصليب مثل رفيقيه، بل رُبِط إليه، وفي ضوء المعلومات المتاحة يجب أن نعتبر أن سلسلة "ارتياب توماس" (يقصد شك توما) اختلاقًا أثيمًا في الإنجيل، كتأثيمنا لامرأة متلبسة بالزنا"(255)، وفي صفحة 33 من النص الإنجليزي الأصلي يضع أحمد ديدات صورة للسيد المسيح وهو معلّق على الصليب، ويداه مربوطتان بسيور من الجلد ورجلاه حرتان الحركة، وقد قام برسم هذه الصورة الفنان "تشارلز بيكارد" واعتبر ديدات أن هذه الصورة هي دليل إثبات لما يقوله.
تعليق: يوجّه الشماس الإكليريكي ناجي ونيس حديثه إلى السيد ديدات قائلًا: "قُلت أن السيد المسيح لم يُصلَب بالمسامير بل رُبِط إلى الصليب بسيور الجلد! فمن أين أتيت بهذا الكلام؟ هل من الإنجيل المقدَّس؟ بالطبع لا! هل من التوراة؟ بالطبع لا!! هل من القرآن؟ بالطبع لا!!
فمن أين تأتي بهذه الأكاذيب؟ من خيالك؟ نعم هذه هي الإجابة التي لا ثان لها. والعجيب يا سيد "ديدات" أنك في ص 88 (182 في الطبعة العربي الإنجليزي) تقول أنك أتيت بأدلتك من كتابنا المقدَّس ومن مصادرنا وتتباهى مدعيًّا العلم والمعرفة...
أنت تكذب يا سيد "ديدات" على نفسك وعلى كل من يقرأ أو يسمع لك... وربما تقول لي تمهّل، ألم أورد لكم لوحة للفنان تشارلز بيكارد ص 33 وفيها السيد المسيح مصلوبًا بالسيور الجلدية وليس بالمسامير؟
أقول لك اخجـل يا سيد "ديدات"! اخجل، لأن اللوحات الفنية صادرة من خيال الفنان، وخيال الفنان مهما كان هذا الفنان لا يمثل المصدر للديانة المسيحية السماوية، ورغم إن هناك آلاف الصور الأخرى القديمة والتي تُصوّر السيد المسيح وقد سُمِّر على الصليب بالمسامير وليست الأربطة!
ومـع ذلك فنحن لا نستقي إيماننا منها بل من المصدر الإلهي أي الكتاب المقدَّس"(256).
كما يقول أيضًا: "من أين أتيت بهذه المعلومة؟ إياك وأن تقول من مصادرنا أو وثائقنا، فكل المؤرخين ومنهم المعاصر للسيد المسيح، وكل الكتب المقدَّسة في العهد القديم والجديد تقول أن السيد المسيح عُلّق على الصليب بالمسامير، فمن أين أتيت بالأربطة؟
ما زلت تؤلف يا سيد "ديدات"، والشيء الغريب أنك علّقت اللصين بالمسامير أما السيد المسيح بالأربطة..!!
عجبي!!! كيف ولماذا هذا التمايز بين السيد المسيح واللصين؟ لا إجابة! ما هو مرجعك ودليلك؟
أقول لك اخجل يا سيد ديدات من عدم مبالاتك هذه وعدم مسئوليتك... هناك نبوّة في العهد القديم تقول: "ثَقبُوا يديَّ ورجليَّ" (مز 22: 16) فالأربطة لا تثقب ولكن المسامير تفعلها، وكذلك عبارة (أراهم يديه ورجليه) (لو 24: 4) في العهد الجديد، تؤيد المسامير لا الأربطة، فالكتاب المقدَّس كله يشهد بأنه قد تم استخدام المسامير لا الأربطة... يا رجل كن مسئولًا!"(257).
9ـ ادَّعى كل من غلام أحمد وأحمد ديدات بأنه وقت الصلب حدثت رعود وظلمة وزلزلة فتفرّق المجتمعون، وأتى أتباع يسوع وأخذوه حيًّا، فيقول غلام أحمد: "إن صلب اليهود في ذلك العصر، لم يكن كمثل مشنقة اليوم، التي يستحيل منها النجاة غالبًا، لأن صلب اليهود لم يكن يحتوي على حبل للشنق... وكان من الممكن عندئذ أن يُنزَل المجرم من الصليب قبل أن تُحطّم العظام إذا أُريد العفو عنه بعد تسميره بيوم أو يومين، اكتفاء بما ذاق من العذاب... لكن اللَّه عز وجل أنقذ المسيح بفضله ورحمته من جميع ألوان التعذيب التي تقضي على الحياة قضاءً نهائيًا... أنه بقى على الصليب مجرد ساعتين... ولمَّا كانت الساعة السادسة هبّت عاصفة حالكة، غطّى الأرض سوادها، وظلت الأرض مظلمة لثلاث ساعات متوالية (مر 15: 33) وكانت تلك الساعة بعد نصف النهار وقبيل المغرب، فعند هذا الظلام الدامس، خاف اليهود أن تحين ليلة السبت، فيستحقوا الغرامة لنقض حرمة السبت، فلذلك سرعان ما أنزلوا المسيح واللص من على الصليب. على إن ظاهرة سماوية أخرى ظهرت أيضًا وهي أن بيلاطس لما كان متمكنًا من كرسي الحكم، أرسلت إليه زوجته قائلة: لا تتصدى لهذا الرجل البريء الصادق (أي تجنّب قتله) لأني تأذيت من أجله في المنام (مت 27: 19) فالملك الذي رأته زوجة بيلاطس في المنام، نتبين منه نحن وكل منصف أن اللَّه عز وجل لم يرد أن يقتل المسيح على الصليب، ولم يحدث منذ بدء الخليقة أن تُخطئ بشارة تبشر بنجاة أحد. كانت رؤيا زوجة بيلاطس مكيدة سماوية لنجاة المسيح، وكان من المستحيل أن تخطئ هذه المكيدة... لأن كل رجل صحيح الفطرة إذا اطلع على رؤيا زوجة بيلاطس، يتيقن بقلبه الصافي المطهَّر بأن تلك الرؤيا لم تكن تهدف في الواقع إلاَّ إلى وضع خطة لتخليص المسيح" (المسيح الناصري في الهند ص 25، 26)(258).
وقال أحمد ديدات "بونتيباس بيطلاس يتعجّب: تحكي لنا كتب الإنجيل في مختلف الصيغ، أنه بين الساعة السادسة والساعة التاسعة (12 ظهرًا حتى 3 بعد الظهر) كان هنالك رعد وكسوف شمس وزلزال! هكذا دون قصد؟ كلاّ. كان ذلك لتفريق الغوغاء بعد استمتاعهم بيوم عطلة رومانية. وكان ذلك لإطلاق يدي الرحمة المتمثلة في أتباعه المخلصين المسرين لاتجاهاتهم كي يهبوا لنجدته.
وذهب يوسف الذي كان من أريماتا في معية أحد جنود الرومان (قائد مئة) كان متعاطفًا مع يسوع، وكان قد قال: "حقًّا كان هذا الإنسان ابن اللَّه" كما ورد بإنجيل مرقس (15: 39) ذهبا إلى بيلاطس وطلب يوسف جسد يسوع "فتعجّب بيلاطس أنه مات كذا سريعًا، فدعا قائد المائة وسأله هل له زمان قد مات" (مرقس 15: 44) ماذا كان سبب تعجب بيلاطس؟ كان يعرف بحكم تجربته وخبرته إن أي رجل لا يمكن أن يموت على الصليب في غضون ثلاث ساعات ما لم تكن "الكوريفراجيوم" مُعدّة لذلك وهو ما لم يحدث في حالة يسوع...
نجد بيلاطس يتوقّع أن يكون عيسى حيًّا على الصليب (لم يمت بعد) كما ينبئونه فإن تعجُّبه أيضًا طبيعي. ولم يكن لديه سبب يجعله يتحقق من أن يسوع ميت أم حي. ولماذا يهتم لو كان يسوع حيًّا؟ ألم يجده بريئًا من التهم الموجّهة إليه من اليهود؟ ألم تحذّره زوجته من إلحاق أي أذى بهذا الرجل العادل؟ ألم يضطر إلى الاستسلام لضغط اليهود عليه؟ فلو كان يسوع حيًّا فما أجدره بحظ حسن! ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجثمان"(259).
تعليق: أـ يظهر التناقض الذي سَقَط فيه غلام من جهة المدة التي أمضاها السيد المسيح على الصليب، فتارة يقول: "إنه بقي على الصليب مجرد ساعتين"، وتارة يقول: "وظلت الظلمة لثلاث ساعات متواليات"، والحقيقة أن السيد المسيح أمضى على الصليب من الساعة الثانية عشر ظهرًا إلى ساعة الغروب نحو خمس ساعات.
ب ـ ما رأته زوجة بيلاطس كان حلمًا وليس رؤية، فأرسلت إلى زوجها تقول: "إيَّاك وذلك البَارَّ. لأني تألَّمت اليوم كثيرًا في حُلْم من أجله" (مت 27: 19)، وبالرغم من هذا التحذير فإن بيلاطس حَكَم بصلب المسيح خشية أن يفقد منصبه.
ج ـ الذي حدث من أمر الظلمة لم يكن كسوفًا للشمس، لأن القمر كان عندئذٍ بدرًا مما يستحيل معه حدوث الكسوف، ولكـن الذي حـدث هـو معجزة إظلام الشمس من الساعة السادسة وحتـى التاسعـة (مت 27: 45، مر 15: 33، لو 23: 44).
د ـ لم تحدث أية رعود وقت موت السيد المسيح، والزلزلة حدثت عقب موته: "فصَرَخ يسوع أيضًا بصوتٍ عظيم، وأسْلَمَ الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشَقَّ إلى اثنين، مـن فوق إلى أسفَل. والأرض تزلزَلَت، والصُّخور تشقَّقت" (مت 27: 50، مر 15: 38، لو 23: 45) ولكن "ديدات" أراد أن يصوّر هذا الاضطراب حتى يؤكد هروب الجميع وإسراع التلاميذ بإنزال المسيح وهو ما زال حيًّا، وتجاهل "ديدات" وجود قائد المئة وجنوده عقب الزلزلة: "وأمَّا قائد المِئَةِ والذين مَعَه يحرُسُون يسوع فلمَّا رأوا الزلزلة وما كان، خافُوا جدًا وقالوا: حقًا كان هذا ابن اللَّه" (مت 7: 54).
هـ ـ يوسف الرامي ذهب بمفرده إلى بيلاطس، ولم يذهب معه قائد المئة وطلب جسد يسوع، وحدث هذا في المساء: "ولمَّا كان المَسَاء" (مت 27: 57، مر 15: 42) وتعجّب بيلاطس من موت يسوع بهذه السرعة واستدعى قائد المئة وتحقَّق منه خبر الموت " فتعجَّب بيلاطس أنه مات هكذا سريعا،ً فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. ولمَّا عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف" (مر 15: 44، 45) لقد اختار السيد المسيح ساعة موته وسلَّم روحه في يد الآب في الساعة التي أرادها، فقد كملت قضية الخلاص.
و ـ لم يكن قائد المئة متعاطفًا قط مع يسوع، لأنه لو كان متعاطفًا معه لدافع عنه أثناء نظر القضية، ولو كان متعاطفًا معه ما كان يوافق قط على القيام بمهمة صلبه، ولكن الذي حدث أن الزلزلة هي التي قادت قائد المئة إلى الإيمان بالمصلوب ابن اللَّه الحي.
ز ـ يبدو أن "ديدات" مقتنعًا بموت السيد المسيح على الصليب ولكنه يراوغ، والدليل على هذا قوله: "ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجثمان" وهو يعلم تمامًا أن "الجثمان" لا تُطلق إلاَّ على الإنسان الميت وليس الحي.
10ـ ادَّعى "أحمد ديدات" أن اليهود تعجّلوا في إنزال السيد المسيح من على الصليب وهو ما زال حيًّا، فقال: "ووفقًا لما أورده كُتَّاب الإنجيل المختصون، فإن اليهود والرومان قد نجحوا في وضع يسوع على الصليب الساعة السادسة وهي تعني 12 ظهرًا، وعند الساعة التاسعة وهي تقابل الساعة 3 كان قد أسلم الروح؟ فيا لغرابة أولئك اليهود كما أنهم كانوا متسرعين في تعليق يسوع على الصليب، ها هم أولاء متسرعين في إنزاله عن الصليب. هل يمكن لك أن تتصوّر السبب؟ أنها طقوسهم الدينية المتعلقة بيوم السبت...
ولمسايرة الطقوس اليهودية (أو لأي سبب آخَر) وللتعجيل بالموت على الصليب، فإن الجلاد يستخدم آلة تُسمّى "كروري فراجيوم" وهي تشبه هراوة فظيعة تُقطع بها الرجلان فيموت المحكوم عليه بالإعدام (من جرّاء النزيف) في غضون ساعة. كانت تلك هي الطريقة السريعة من طريقتي الموت صلبًا"(260).
كما يدعي "ديدات" أيضًا أن الجنود أنزلوه من على الصليب دون أن يكسروا ساقية لأنهم "رأوه" أنه قد مات بينما هو لم يكن قد مات لأن اللَّه أراد إنقاذه فيقول: "أنهم لم يقطعوا ساقيه إنما كانت تحقيقًا لنبوة، وردت بالمزمور الرابع والثلاثين تقول "يَحْفظ جميع عِظَامِه. وأحِدٌ منها لا ينكسر" (المزامير 34: 20) ولو حُفِظت عظام الضحية من الأذى، فإنها تكون نافعة له فحسب لو ظل حيًّا! وبالنسبة لشخص مات فعلًا، فإن سلامة عظامه لا تفيده بشيء... بالنسبة لأشخاص أحياء على الصليب فإن تقطيع الرجلين يعني كل الفرق بين الموت والحياة. ولم يكن الرومان الوثنيون معنيين بكفالة تحقيق أي نبوة. فهم كما يقول القديس يوحنـا: "وأمَّـا يسوع فلمَّا جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مَات" (يوحنا 19: 33) "رأوه" كلمة بسيطة جدًا. ولكن لنا أن نسأل: ماذا رأوا؟ هل لنا أن نتخيل إن ما حدث كان تحقيقًا لقـول المسيح "ومُبصرون تُبصِرون ولا تنظُرون" (مت 13: 14) وعندما يقول يوحنا: الجنـود "رأوه" فإنـه يقصـد أنهم "قدَّروه" لأنه لم يكن لديهم جهاز "استيذوسكوب" حديث للتحقق من الوفاة ولا كان أحدهم قد لمس جسده أو قاس ضغط دمه أو نبضه لكي يخلُص إلى نتيجة أنه كان "قد مات فعلًا" أنني أرى في كلمة "رأوه" علامة أخرى من علامات مشيئة اللَّه في إنقاذه"(261).
ويكرر "ديدات" نفس المعنى قائلًا: "ما هو الخطأ الأول الذي وقع فيه اليهود في محاولاتهم التخلُّص من يسوع؟ كان الخطأ الأول أنهم سمحوا بإنزال يسوع عن الصليب دون كسر ساقيه تحت زعم أنه كان قد مات"(262).
تعليق: أـ لقد عُلِّق السيد المسيح على الصليب بعد أن أمضى الليل كله في محاكمات ظالمة، وجاز في السخرية والاستهزاء واللطم والضرب، وتحمّل الجلدات التي كانت كفيلة للقضاء على الإنسان، ولذلك لم يمكث وقتًا طويلًا على الصليب. إنما أسلم الروح بعد ثلاث ساعات، ولذلك لم تكن هناك أي حاجة إلى كسر عظامه.
ب ـ إعتاد الجنود الرومان عمليات الصلب، وهم بهذا خبراء في عملية موت المصلوب أيضًا، ولا سيما أن إفلات مصلوب من الموت يساوي صلبهم جميعًا عوضًا عنه.
ج ـ لماذا أخذ أحمد "ديدات" كلمة واحدة "رأوه" وفسرها كما يحلو له؟! مع العلم بأن كلمة "رأوه" في الأصل اليوناني تعني يرى ويبصر ويعلم ويعرف، ولا تحمل المعنى الذي رآه "ديدات" أنه "قدَّروه" فالموضوع عن معرفة وعلم وليس عن تقدير.
د ـ لماذا تجاهل "ديدات" نصوصًا عديدة تشهد بموت المسيح مثل: "فصَرَخَ يسوع أيضًا بصَوت عظيم، وأسلَم الروح" (مت 27: 50).. "فصرخ يسوع بصوتٍ عظيمٍ وأسلَم الروح" (مر 15: 37).. "ونادى يسوع بصوتٍ عظيم وقال: يا أبتاه، في يديك أستودع روحي. ولمَّـا قـال هـذا أسْلَمَ الروح" (لو 23: 46).
هـ ـ النص الذي أورده "ديدات": "مُبصِرين تُبْصِرون ولا تنظُرون" (مت 13: 14) لا يمت للجنود الرومان بصلة، ومَن يرجع إلى النص الكامل (مت 13: 13 ـ 17) يجد إشارة السيد المسيح إلى نبوة إشعياء على هؤلاء اليهود الذين يسمعون ولا يفهمون ويبصرون ولا ينظرون لغلاظة قلوبهم وثقل آذانهم لئلا يرجعوا إلى الرب فيشفيهم. كما يتحدَّث السيد المسيح عن الأنبياء الأبرار الذين اشتهوا أن يروا ما رآه اليهود ولم يروا، وأن يسمعوا أقوال المُخلّص هذه ولم يسمعوا... فما علاقة كل هذا بالجنود الرومان الأمميّين؟!
و ـ شهد "ديدات" بأن الجنود قطعوا سيقان اللصين ولم يقطعوا ساقي السيد المسيح، وقبل هذا قال: "لم يُسمّر يسوع إلى الصليب مثل رفيقيه" ص 68... كيف استساغ "ديدات" هذا التناقض العجيب؟!.. هل هو استخفاف بعقل القارئ إلى هذه الدرجة؟!.. المصلوب الذي سُمّرت يداه ورجلاه بالمسامير ونُزف دمه يحتاج إلى كسر ساقيه لكيما يموت، والمصلوب الذي ربط بسيور من جلد ورجلاه منطلقتان لا يحتاج إلى كسر ساقيه لكيما يموت؟!! كيف يكون هذا يا "ديدات"؟! ألاَّ تعود للحق وتعترف بأن السيد المسيح سُمّرت يداه ورجلاه؟! ومتى اعترفت بهذه الحقيقة بالإضافة إلى الحالة المنهكة التي عُلِّق بها السيد المسيح على الصليب عندئذٍ تدرك بسهولة لماذا مات السيد المسيح قبل اللصين اللذان صُلِبا وهما في كمال صحتهما وعافيتهما.
ز ـ هل يصدق "ديدات" كلام السيد المسيح؟! إن كان يصدّقه، فإن المسيح قال على الصليب للص اليمين: "إنك اليوم تكون معي في الفردوس" فلو مات اللص ولم يمت المسيح... فكيف وأين سيتم اللقاء بينهما؟!
ح ـ هل يتخيـل "ديدات" أن كل الذيـن ماتـوا قبـل اختـراع جهـاز "الأستيذوسكوب" مشكوك في موتهم؟! وهل ظلت البشرية تشك في موتاها حتى تم اختراع هذا الجهاز الذي يؤكد الوفاة؟! وما رأيك في الذين ماتوا وحُرّرت لهم شهادات وفاة ثم اتضح أنهم ما زالوا أحياءً لأن موتهم كان إكلينيكيًا فقط وليس موتًا كاملًا وقد تحدث عن مثل هؤلاء في ذات كتابه قائلًا: "ولكن ماذا عن مئات الناس الذين عادوا من بين الموتى؟ إننا نقرأ عنهم يوميًا على صفحات الصحف. أولئك الناس الذين حُرّرت شهادات طبية بوفاتهم بواسطة رجال لهم وظائف رسمية في مجال العمل بالصحة وعادوا بالصدفة إلى الحياة، لم يكونوا قد حضرتهم الوفاة في حقيقة الأمر بالمعنى المعروف للوفاة والبعث بعد الوفاة. إن أطباءنا قد أخطأوا وسوف يستمرون في ارتكاب الأخطاء"(263).
فإن كانت هـذه هي الحقيقـة يا "ديدات".. فما الداعي لحديثك عن جهاز "أستيذوسكوب "لإثبات الوفاة؟ أم أنك ترى أن أطباء اليوم ليس لديهم هذا الجهاز (السماعة الطبية)؟! يا سيد ديدات اسأل رجل الشارع عن علامات الموت؟ سيقول لك اتساع حدقة العين وعدم استجابتها للضوء، وتوقُّف التنفس تمامًا يدلان على أن الإنسان فقد الحياة، فهل بعد هذا تُشكّك في مقدرة الجنود الرومان الذين سبق وشهدتَ بكفائتهم قائلًا: "ولم يكن الرومان يخلطون أبدًا بين طريقتي الصلب، ولم يكن يختلط عليهم الأمر كما اختلط على الرسامين المسيحيين فيما بين الصلب السريع والبطيء" (ص 66) فهل تظن أن هؤلاء الأكفاء الذين لا يخلطون بين طرق الصلب البطيئة والسريعة يفوت عليهم التأكد من موت المصلوب؟!
11ـ ادَّعى غلام أحمد بأن يوسف الرامي كان صديقًا لبيلاطس البنطي الذي أشار عليه بأخذ جسد يسوع كجثة هامدة وفـي الحقيقة كان فقط مُغمى عليه فيقول: "كان رجل اسمه يوسف من أصدقاء بيلاطس... وكان من تلاميذ المسيح المختصين... وصل هناك في ذات الساعة، ويبدو لنا أنه جاء بإيماء بيلاطس نفسه، فسلم إليه المسيح بصفته (جثة هامدة).. تسلم المسيح المُغمى عليه باعتباره جثة ميتة" (المسيح الناصري ص 32)(264).
وادّعى "أحمد ديدات" أنه لو اكتشف أحد أن المسيح حي أثناء التكفين فأنه لن يصرّح بهذا خوفًا من اليهود فيقول: "وكان ثمة أتباع آخرون ـ مثل يوسف الأريماتي ومثل نيقوديموس ـ كانا وحدهما هما اللذان تداولا جثمان يسوع بالإضافة إلى مريم المجدلية وأخريات متفرجات. ونزولًا على مقتضيات الطقوس الدينية لدى اليهود، فإن عملية غسل الميت والمسح عليه وتكفينه يلزم أن تكون قد استغرقت أكثر من ساعتين. ولو كان هنالك أية آثار للحياة في أي عضو من أعضاء الجسد الملفوف فلم يكن أحد من المحيطين به من الحماقة بحيث يصيح في الجموع المتطفلة أنه حي. إنه حي. لقد كانوا يعرفون أن اليهود سيعاودون التأكد من أن روحه قد انتزعت من جسده"(265).
وادَّعى كل منهما بأن القبر كان عبارة عن حجرة بها منافذ للتهوية فيقول غلام أحمد: "وكان من المصادفات الحسنة التي أتاها فضل اللَّه ورحمته، إن القبر الذي وُضِع فيه المسيح لم يكن مثل قبور بلادنا، بل كان بصورة حجرة مهوَّاة ذات نافذة، وكان من عادة اليهود في تلك الأيام أنهم كانوا يتخذون القبور كغرفة واسعة وذات نافذة، وكان يعدُّون مثل هذه القبور قبل أن يموتوا، وكان الميت يوضع فيه عند انقضاء أجله، كما تشهد على ذلك الأناجيل شهادة صريحة" (لو 24: 2، 3) (المسيح الناصري ص 29)(266).
وقال "أحمـد ديدات": "ليس لنا بحال أن نفترض أن يسوع تم دفنه على عمق ستة أقدام، كان قبر يسوع ضخمًا كحجرة جيدة التهوية وليس قبرًا. ويعطي "جيم بيشوب" (وهو عالم من كبار علماء المسيحية) في كتابه "يوم مات المسيح" مواصفات قبر المسيح كما يلي: الاتساع خمسة أقدام. الارتفاع سبعة أقدام. العمق خمسة عشر قدمًا. مع نتوء أو نتوءات بالداخل. ومأوى بهذه المواصفات يسعد أي واحد من سكان الأحياء الشعبية للإقامة فيه كمسكن له"(267).
تعليق: أ ـ من أين جاء "غلام وديدات" بهذا التصوُّر المريض، فكل منهما يطرح الأمور بحسب هواه بدون أي سند إنجيلي، فالإنجيل أوضح أن يوسف الرامي هو الذي جاء إلى بيلاطس وتجاسر وطلب جسد يسوع: "جَاءَ يوسف الذي من الرَّامة مُشيرٌ شريفٌ، وكان هو أيضًا منتظرًا ملكوت اللَّه، فتجَاسَر ودَخَل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع" (مر 15: 43) فمن أين أتى غلام بأن بيلاطس هو الذي أرسل إليه ليأخذ جسد يسوع؟! ويقول أنه يبدو لنا... يا غلام قد يصح لك الاستنتاج في حالة عدم ورود نص واضح وصريح. أما كون أن يكون هناك نص واضح وتتخيل أمور مخالفة فهذا هو الخطأ بعينه.
ب ـ عندما يؤكد الإنجيل مرارًا وتكرارًا على موت المسيح. بل وتقوم المسيحية كل المسيحية على حقيقة موت المسيح وقيامته، ويأتي أرباب مدرسة النقد الأعلى وينكرون القيامة، ولذلك يدَّعون أن المسيح لم يمت أصلًا، ويردد البغبغانات ما يسمعون بدون فهم، فإن هؤلاء وأولئك يثبتون جهلهم وعدم إيمانهم ويحكمون على أنفسهم أنهم ليسوا أهلًا للملكوت.
ج ـ يبدو أن "ديدات" قد إعتاد تحريف النصوص، ولذلك فهو ينقل خطأ مواصفات القبر عن "جيم بيشوب ويقول" إن: "الارتفاع سبعة أقدام. العمق خمسة عشر قدمًا "وهو مطمئن البال بأن قارئه لن يدرك أن الارتفاع هو العمق، أما ما سجله "جيم بيشوب" فهو الآتي: "ولم يكن القبر ملسًا ناعمًا. كان قبرًا عاديًا غير مزين. لم تزل آثار المعاول الغشيمة تبدو على جدرانه الصخرية... كان امتداده (أي طوله) خمسة عشر قدمًا، وارتفاعه سبعة أقدام، واتساعه (عرضه) يقرب من خمسة"(268).
د ـ لو كان هناك شكًّا في موت المسيح... تُرى هل كان يوسف ونيقوديموس يضعان هذا الكم من الحنوط والأطياب على جسد يسوع: "مزيجَ مُرٍّ وعودٍ نحو مئة مَنًا. فأخذا جسد يسوع، ولفَّاه بأكفان مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفنوا" (يو 19: 39، 40)؟
هـ ـ لو كان هناك شكًّا في موت المسيح... تُرى هل يلفَّانه بالأكفان بالطريقة اليهودية ويضعون منديلًا على رأسه يعوق عملية التنفس؟! وهل خوفهم من اكتشاف اليهود أنه حي فيقتلونه يجعلهم يقومون هم بقتله؟!
و ـ لو كان هناك شكًا في موت المسيح... تُرى هل ينسحبون به بعيدًا لكيما يسعفونه أم أنهم يضعوه في قبر وقد قيدوا حركته بالأكفان؟! ولو اضطروا إلى وضعه في القبر خوفًا من اكتشاف أمره فهل يتركونه ولا يعودون للقبر ثانية أم يعودون له في ذات الليلة؟!
ز ـ لو كان هناك شكًا في موت المسيح... تُرى هل كانوا يغلقون القبر عليه بحجر ضخم كهذا يصل إلى 2 طن؟!
ح ـ يقول "ديدات" عن اليهود: "وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكَّنوا لأتباع يسوع غير المعروفين علنًا أن يقدّموا المساعدة لرجلهم الجريح بعدم غلق المقبرة غلقًا محكمًا" (ص 92) ويرد عليه الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس" قائلًا: "فالنقطة الحساسة والمهمة هنا بأنك تدَّعي بأنهما تقدّما إلى مساعدة يسوع، فكيف ذلك؟ فهل كانا يعلمان بأنه سوف ينزل حيًّا؟ ثم أنهما قد أتيا بعد إنزال يسوع من على الصليب، فكيف ذلك وهما لا يعلمان أن السيد المسيح مُغمى عليه كما تدّعي أنت؟ الشيء الطبيعي هنا لا أن تقول بأنهما قد حضرا لمساعدة السيد المسيح، بل أن تقول بأنهما قد حضرا لدفنه لأنهما لا يعلمان الغيب بأن السيد المسيح سوف يتم إنزاله عن الصليب حيًّا مع معرفتهما الوثيقة بأنه لا ينزل عن الصليب أي مصلوب إلاَّ بعد موته...
تأكد يا سيد "ديدات" بأنهم لو شعروا ولو للحظة بأن السيد المسيح لم يمت لصاحوا بأعلى صوتهم ولنادوا في كل الجموع بحياة يسوع لأنها ستكون معجزة عظيمة جدًا، فقد نزل المسيح من على الصليب حيًّا، بل إنها معجزة عظيمة في نظر الرومان وفي نظر رؤساء الكهنة الذين يعرفون الصليب جيدًا، لذلك تحدوه وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قائلين: ".. خلّص آخرين وأمَّا نفسُه فما يَقدِر أن يخلِّصها! إن كان هو مَلِكَ إسرائيل فليَنزل الآن عن الصليب فنؤمن به!" (مت 27: 41، 42).
إنك تعترف صراحة بأن يوسف الرامي ونيقوديموس قد قاما بدفن يسوع، وأنا أسألك يا سيد "ديدات": إلى أي عقل أنت تكتب؟ فكيف يعرفان الحياة في السيد المسيح ثم يقومان بدفنه؟ فهل في قاموسك يتم دفن الأحياء؟ لا أستغرب ذلك فمن يدفن الحق ومن يدفن ضميره ويكذب يُباح في عُرفه دفن الأحياء أيضًا، لأن شخص في حالة السيد المسيح كثير الجراح من العذابات التي لاقاها قبل الصليب، وجلد السياط الذي مزّق ظهره ثم بعد ذلك الصلب الرهيب، ثم يعاجلونه في آخِر المطاف برمح قاتل في قلبه وهذا ما اعترفت أنت به، بعد كل هذه الأهوال يأتي من تدّعي بأنهم قد هبّوا لنجدته فبدلًا من أن يضمدوا جراحه ويوقفوا نزيف الدم الجاري ويعملوا على العناية به وإطعامه، بدلًا من كل ذلك يقومون بتكفينه ودفنه في قبر، ثم يدحرجون حجرًا كبيرًا على باب القبر! أنه كلام غير معقول يا سيد "ديدات"، أنها ليست نجدة ولا مساعدة، أنه موت وجنون لأنه لو كان يسوع حيًّا كما تدعي "وهو غير ذلك"، فبهذه الطريقة سوف يموت لا محالة، فلماذا لم يأخذه يوسف الرامي وهو رجل غني إلى بيته ويعتني به خاصة وأنك تعترف في ص 41 (ص 88 في الطبعة العربي الإنجليزي) بأنه لم يقم بتكفين يسوع إلاَّ يوسف ونيقوديموس ومريم المجدلية كانت معهم وأخريات، وحسب كلامك هذا أنه ليس هناك رومان ولا يهود"(269).
كما يقول الأخ "ناجي ونيس" ما الذي يجعل رجلًا في حالة السيد المسيح من الجراح الكثيرة الناتجة عن ثقوب المسامير وجلد السياط وعن الحربة الغليظة النافذة إلى قلبه وعن الأشواك المغروسة في رأسه، وذلك خلاف الكدمات الهائلة الناتجة عن العذابات الأخرى، ما الذي جعل السيد المسيح يخرج من القبر في اليوم الثالث وجراحه لم تبرأ بعد؟ فإذا كان قد وُضِع في القبر حتى يُشفى من جراحه كما تقول أنت فواضح إذًا لا معقولية لما تقول لأن جراح بهذه المواصفات لا يمكن أن تبرأ من يوم وليلتين... بل أكثر من ذلك فأنت أدخلته في حالة إغماء كامل فيما أسميته بالموت الإكلينيكي الذي يشخّصه بعض الأطباء بطريقة خاطئة بأنه موت حقيقي وكامل، فالسيد المسيح إذًا كان في حالة غيبوبة تامة حسب زعمك الذي تقدّمه لنا بلا دليل... حسنًا فلقد أوقعت نفسك في مأزق يا سيد "ديدات"، لأن هذه المواصفات لأي فرد من البشر يُكفن ويرمى في مقبرة ويقفل بابها بحجر عظيم ويترك هذا الشخص يوم وليلتين دون أي عناية طبية فلا شك أن الموت سيكون نصيبه المطلق، ويكفي عملية فقدان الدم الغزير الذي فقده على الصليب خلاف التي قبل الصليب وبعد الموت في الكفن وفي القبر، فأنت رميت به في القبر وليس في غرفة الإنعاش! فكيف يمكن لشخص في حالة السيد المسيح هذه أن يخرج من القبر في اليوم الثالث لموته؟
لا توجد أي إجابات منطقية أو معقولة، ربما تقول لي أن اللَّه أنقذه، أقول لك فلماذا سمح بالصليب من البداية؟ لماذا سمح اللَّه بكل هذه العذابات الهائلة ولماذا سمح بدخوله القبر كأحد الموتى وهو على قيد الحياة؟"(270).
12ـ يدّعي "أحمد ديدات" أن اليهود ارتابوا في موت المسيح وأخطأوا لأنهم ذهبوا لبيلاطس في اليوم التالي فكان من المفروض تعيين الحراسة منذ اليوم الأول فيقول: "وارتاب اليهود. كان كل شيء يدعو للارتياب:
(أ) كان طريق الاقتراب في المقبرة سهلًا متاحًا.
(ب) مساعدة تلاميذه السريين.
(ج) زميلاه على الصليب لا يزالان أحياءً.
(د) لم تقطع ساقاه بينما قُطعت كل من رفيقيه على الصليب.
(هـ) التصريح السهل السريع الذي منحه بيلاطس للحصول على جثمان يسوع.
ولهذه الأسباب، ولأسباب أخرى كانت لليهود شكوكهم.
شعروا أنهم كانوا قد خُدعوا (وتساءلوا) هل ما يزال يسوع "على قيد الحياة"! وهرعوا إلى بيلاطس...
أخطاء اليهود: يقول القديس متى: "وفي الغد... اجتمع رؤساء الكهنة والفَرِّيسيُّون إلى بيلاطس قائلين: يا سيِّد، قد تذَكّرنا أن ذلك المُضِلّ قال... فَمُر بضبط القَبر إلى اليوم الثالث، لئلا... فتكون الضَّلالة الأخيرة أشَرَّ مـن الأولى" (مت 27: 62 ـ 64) وهكذا يتحدَّث اليهود عن "الأولى" و"الأخيرة" غير مدركين أنهم في تعجُّلهم العصبي كانوا قد وقعوا في غلطة أو سقطة أخرى. كانوا قد ذهبوا إلى بيلاطس في اليوم التالي فحسب... وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكَّنوا لأتباع يسوع غير المعروفين علنًا أن يقدِّموا المساعدة لرجلهم الجريح بعد غَلَق المقبرة غلقًا محكمًا. وأيضًا وفي نفس الوقت بتأجيلهم الذهاب إلى بيلاطس إلى اليوم "التالي" الذي كان وقتًا متأخرًا لدرجة أن..!"(271).
تعليق: أ ـ غريب هو قول "ديدات" بأن طريق الاقتراب إلى المقبرة كان سهلًا متاحًا، فجميع القبور في العالم كله يتوافر بها هذا الشرط... هل كان يريد "ديدات" أن يكون قبر المسيح داخل قصر بيلاطس أو قصر هيرودس ليضمن بأن الطريق إليه ليس سهلًا ولا متاحًا.
ب ـ إن كان "ديدات" يقصد بالتلاميذ السريّين الذين ساعدوا يسوع هما يوسف الرامي ونيقوديموس، فهذان لم يفعلا شيئًا أكثر من تكفينه، ولم يقل أحد أنهما أسعفاه أو قدَّما له ما يحتاج إليه من سوائل وغذاء على فرض أنه حي كما يزعم البعض.
ج ـ يتعجّب "ديدات" أن اللصين كانا ما زالا أحياءً ويخفي الأسباب التي أدت إلى ذلك... فهل اجتاز اللصان محاكمات ظالمة طوال الليل؟! هل تعرّضا للاستهزاء والسخرية والضرب واللطم؟! هل كُلّلا بالأشواك؟! هل جُلدا بالسياط الرومانية حتى تهرأ جسديهما؟! هل سقطا تحت ثقل الصليب؟! هل تحمّلا آلامًا نفسيه كالتي تحملها السيد المسيح؟! وإن كانت جميع الإجابات بالنفي فعلام التعجُّب؟! وعلام ارتياب اليهود في موت المسيح؟!!
د ـ عدم كسر ساقي المسيح. هل هذا دليل على موته أم دليل على حياته؟ كل إنسان عاقل يقول أنه دليل أكيد على موته، لأن الجنود الرومان الخبراء بالصلب لو شكُّوا في حياته لكسروا ساقيه.
هـ ـ عجبًا لإنسان يتعجّب من تصريح بيلاطس لدفن جسد إنسان قد مات، ويقول أنه كان تصريحًا سهلًا، والحقيقة أن بيلاطس لم يهب يوسف الجسد إلاَّ بعد أن سأل قائد المئة وتأكد من موت المسيح، وكونه يمنح تصريحًا بدفنه فهذا دليل ليس على حياة المسيح بل على موته.
و ـ يدّعي "ديدات" بأن اليهود ارتابوا وشكُّوا في موت المسيح، والحقيقة أن اليهود خشوا من سرقة جسده المائت، وهذا ما أوضحه الإنجيل تمامًا: "وفي الغَدِ الذي بعد الاسْتِعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفرِّيسيُّون إلى بيلاطس قائلين: يا سيِّدُ، قد تذَكّرنا أن ذلك المُضِلّ قال وهو حَيٌّ إني بعد ثلاثة أيام أقومُ. فمُر بضبط القبر إلى اليـوم الثالث، لئلا يأتي تلامِيذه ليلًا ويَسْرقُوه، ويقولوا للشعب: إنه قام من الأموات، فتكون الضَّلالة الأخيرةُ أشرَّ من الأولى" (مت 27: 62 ـ 64) فواضح جدًا من النصّ السبب الذي لأجله ذهب اليهود إلى بيلاطس... ليس شكًّا في عدم موته إنما كان خوفًا من سرقة التلاميذ للجسد، ولو كان اليهود قد شكّوا في عدم موته ما كانوا غادروا المكان الذي فيه القبر. إنما كانوا يراقبونه جيدًا لئلا يخرج منه أو يأتي أحد أتباعه ويساعده على الهرب... لم يكن تفكيرهم هذا على الإطلاق ولذلك اكتفوا بمطالبة بيلاطس بأن يأمر بضبط القبر فقط.
ز ـ لو كان "ديدات" يشكّ ويُشكّك القارئ أنه خلال الفترة من وضع جسد المسيح في القبر وحتى بدء الحراسة أنها فترة خالية من الممكن أن يكون المسيح قد تسلَّل خلالها من قبره بمساعدة أصدقائه، فإننا نقول له أن جنود الحراسة عندما بدأوا نوبتهم في الحراسة مساء السبت تأكدوا من وجود الجسد داخل القبر قبل أن يضعوا الأختام الرومانية على الحجر، وإلاَّ على أي شيء سيحرسون؟! وما هي حدود مسئوليتهم؟!
13ـ يدّعي أحمد "ديدات" بأن مريم المجدلية ذهبت للقبر فجر الأحد لا لتطيب جسد المسيح، بل لتقدِّم له الإسعافات والمعونة فيقول: "والسؤال هو: لماذا ذهبت هنالك؟ هل ذهبت هنالك كي تمسح عليه بالزيت كما يخبرنا القديس مرقس (16: 1).
والسؤال الثاني هو: هل جرى العُرف بين اليهود أن يمسحوا جسد المتوفي بالزيت في اليوم الثالث لوفاته؟
الإجابة هي: لا. إذًا لماذا أرادت المرأة اليهودية أن تدلّك جسد المسيح بعد 3 أيام من إعلان وفاته؟ ونحن نعلم أنه خلال 3 ساعات يغدو الجسم متصلبًا صلابة الأجساد الميتة. وفي غضون ثلاثة أيام يتحلل الجسم من الداخل، تنشطر وتتحلل خلايا الجسم، ولو حكَّ أي شخص مثل هذا الجسد يتفتت أجزاء صغيرة، فهل يكون لتدليك الجسم إذًا معنى؟ الإجابة هي: لا!
لكن هنالك معنى (ومعنى كبير ومفهوم) لو كانت مريم المجدلية تبحث عن شخص حي، وأنت أيها القارئ الكريم تدرك أنها كانت بالقرب من الشخصين الوحيدين اللذين قاما بالطقوس الأخيرة لجثمان يسوع وهما: يوسف الأريماتي ونيكوديموس، ولو كانت قد شاهدت أي دليل على وجود دبيب للحياة في أي عضو من أعضاء جسد يسوع لما كان معقولًا أن تصيح أنه حي! إنها تعود بعد ليلتين ويوم عندما كان سبت اليهود قد انقضى لكي تعتني بيسوع"(272).
تعليق: أـ من تناقضات "ديدات" الكثيرة أنه في ذات الصفحة قال مرة أن مريم المجدلية ذهبت إلى القبر بعد 3 أيام أي في اليوم الرابع، وقال مرة أخرى أنها ذهبت إلى القبر بعد ليلتين ويوم، فحينما يريد "ديدات" أن يطيل المدة لكيما يُظهِر أن الجسد قد تعفّن يجعل زيارة المجدلية للقبر في اليوم الرابع، وحينما يريد أن ينقص المدة لكيما تصل للمسيح معونة المجدلية يجعلها ليلتين ويوم، و"ديدات" يعرف الخلاف البيّن بين المدتين، ولا سيما أنه أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب الاختلاف الشكلي للمدة التي أمضاها يونان في جوف الحوت عن المدة التي أمضاها المسيح في جوف القبر كما سنرى بعد قليل.
ب ـ قال الإنجيل: "وبعدَمَا مَضَى السَّبت، اشتَرت مريَم المجدليَّة ومريَم أم يَعْقوب وسَالُومة، حنوطًا ليأتين ويدهَنَّه" (مر 16: 1) ومعروف أن الدهان غير المسح والتدليك، فدهان الميت بالحنوط أي وضع الحنوط على الأكفان، وليس معناها كشف الأكفان وتدليك الجسد كما تصوَّر "ديدات"، وكانت هذه عادة يهودية متبعة لم تخترعها مريم المجدلية، وما زال للآن في بلاد المشرق يزور أهل الميت القبر في اليوم الثالث.
ج ـ فـي مسح الملوك في العهد القديم كان النبي يصب الدهن على رأس الملك، والكتاب يدعو هذا مسحة: "فأخذ صموئيل قنِّينَة الدُّهن وصَبَّ على رأسه (رأس شاول) وقبَّله وقال: أليس لأن الرب مَسَحَك على ميراثِهِ رئيسًا" (1صم 10: 1) وتكرَّر نفس الموقف مـع داود: "فأخذ صموئيل قَرن الدُّهن ومَسَحَهُ وسَط إخوَتِهِ" (1صم 16: 13)، إذًا المريمات أخذن الأطياب ليسكبنها على جسد المسيح ولا عجب أن نقول ليطيبنّه.
د ـ يتصوَّر "ديدات" أن مريم المجدلية علمت عند تكفين المسيح أنه حي، وأخفَت الخبر حتى لا يعلم اليهود، وانتظرت ليلتين ويوم حتى تذهب للقبر لتعتني بيسوع، وهذا درب من الخيال الواهي، إذ كيف يتسنى لمريم أن تعرف أن المسيح حي وتكبت مشاعرها بهذه الطريقة؟! وكيف تصبر كل هذه المدة وهي تعلم أن كل دقيقة تمرّ تمثّل خطرًا على حياة سيدها؟! وكيف تصمت ولا تُخبِر التلاميذ، أم أنها تخشى أن التلاميذ يفشون السر لليهود؟! ولماذا لم تصطحب معها للقبر بطرس ويوحنا ليساعداها على زحزحة الحجر الضخم عن فم القبر؟!
و ـ لو كانت المجدلية تعلم أن يسوع حيًّا ولم يمت فلماذا حملت الحنوط والأطياب التي توضع على أجساد الموتى؟! وهل للجريح حاجة إلى هذه الحنوط والأطياب؟!
14ـ تصوَّر "ديدات" أن السيد المسيح خرج من القبر وتنكّر في زِيّ البستاني، ومنع مريم أن تلمسه بسبب جراحاته، وقال لها: "لم أصعد بعد" أي لم أمت حتى الآن، فيقـول "ديدات": "إن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف فيها الجسد من ضرورات (تحرير) جسم مادي. كانت المقبرة الخالية تشكّل قمة الإثارة التي لم تكن (مريم المجدلية) تتوقعها. ولذا فإن المرأة التي أصابتها الهستيريا (لدرجة أن القديس مرقس يقول أن يسوع كان عليه أن يُخرج منها سبعة شياطين 16: 9) تنهار وتبكي. وكان يرقبها من مكان مجاور ـ ليس من السماء ولكن من الأرض"..
مفارقة مضحكة: كان يسوع هناك! وكان يرقب مريم المجدلية. أنه يعرف مَن تكون، ويعرف لماذا هي موجودة بالمكان. يقترب خلفها ويجدها تبكي أو تصرخ ولذلك فإنه يسألها ".. يا امرأة لماذا تبكين... مَن تطلُبينَ؟" (يو 20: 15).. أنه يعرف أنها تبحث عنه، لكن خاب أملها (إلى حد الصدمة) بعدم عثورها عليها، ومن ثم كان نحيبها. لكنه أيضًا يعرف أنها لن تتعرّف عليه بسبب تنكُّره التام المتقن... يقول القديس يوحنا: "وهي إذا اعتقدت أنه البستاني قالت له.." والآن، لماذا تعتقد مريم أنه البستاني؟ هل العائدون من بين الموتى يلزم بالضرورة أن يُشبهوا عمال البساتين؟ كلاَّ! إذًا لماذا تعتقد أنه البستاني؟ الجواب هو أن يسوع كان متنكرًا كبستاني! ولماذا يتنكّر كبستاني؟ الجواب: لأنه خائف من اليهود! ولماذا يخاف من اليهود؟ لأنه لم يمت ولم يهزم الموت! ولو كان قد مات أو لو كان قد هزم الموت لما كان ثمة داع للخوف. ولم لا؟ لأن الجسم لا يموت مرتين! مَن القائل هذا؟ الكتاب المقدَّس يقول به. أين؟ في الرسالة إلـى العبرانيين (9: 27) يقـول: "وكما وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة"..
وإذ تظن مريم المجدلية يسوع في تنكره، تظنه البستاني، فإنها تقول: "يا سيِّد، إن كُنت أنت قد حَمَلْتُه فقُل لي أين وضعته.." (يو 20: 15) أنها لا تبحث عن جثة (لو كانت تبحث عن جثة لاستخدمت ضمير غير العاقل it في الإنجليزية ولكنها استخدمت ضمير العاقل Him) وهي إذًا تبحث عن إنسان حي. وهي تريد أن تعرف أين "أرقده" (ولعل يُرقِد شخصًا ليستريح لا يستخدم لغير الأحياء) وهي لم تقل له: "أين دفنته" (يو 20: 15).
تأخذه معها؟ أين؟ ماذا تفعل بميت (عندمـا تأخذه معها)؟ كانت تستطيع فقط أن "تدفن" الميت. مَن يَحفر القبر؟ إن حمل جثة قد يكون في مقدور امرأة أمريكية متحرّرة، لكنه ليس في مقدور يهودية مرفهة كي تحمل جسمًا ميتًا يزن ما لا يقل عن مائة وستين رطلًا. إن هذا الثقل بالإضافة إلى 100 رطل من المواد المصاحبة يصل ثقل 260 رطلًا، وحمل هذا الثقل شيء ودفنه شيء آخَر. إن محاولة يسوع مداورة هذه المرأة قد ذهب إلى حد بعيد.
ولم تكن المرأة قد استطاعت أن تكتشف التنكُّر بعـد، وكان يسوع في موقف يسمح له أن يضحك (لو شاء الضحك) لكنه لم يستطع أن يتمالك نفسـه أكثر من ذلك. يندفع قائلًا: "مريم" كلمة واحدة! لكنها كانت كافية... مكَّنت مريم من أن تتعرّف على "سيدها" ولكل امرءٍ طريقته في نداء الآخرين إليه... لكن عيسى يقول لها: "لا تلمسيني".
ولم لا؟ هل هي حزمة مكهربة؟ أو مُولّد كهربائي لو تلمسه تُصعَق؟ كلا! "لا تلمسيني" لأنها ستسبب له ألمًا. ورغم أنه كان يبدو على ما يُرام من كل الوجوه إلاَّ أنه كان قد خرج توًا من تعامل جسمي وروحي عنيف. وربما يكون نوعًا إلى حد يفوق احتماله لو سمح لها (أن تتعامل مع المناسبة بكل عنفها مما ينعكس على طريقتها معه)(273).
ويستطرد يسوع في كلامه ويقول: ".. لأني لم أصْعَد بعد إلى أبي" (يو 20: 17) ولم تكن المجدلية عمياء... كانت تسطيع أن ترى الرجل واقفًا أمامها. فماذا يعني بقوله: "لم أصعد بعد" ـ يصعد إلى أعلى ـ عندما كان واقفًا "على الأرض" أمامها بالضبط؟ أنه في الحقيقة يقول لها أنه لم يبعث من بين الموتى وبلغة اليهود، وباستخدام تعبير اليهود: "لم أمت حتى الآن "أنه يقول" أنني حي"(274).
تعليق: أ ـ يقول "ديدات" أن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف بها الجسد من ضرورات تحرير جسم مادي، والحقيقة أن المسيح لم يكن ملفوفًا بملاءة إنما كان ملفوفًا بأكفان بطريقة معينة كعادة اليهود التي تشبه عملية التحنيط، فهو ليس حُرّ الحركة على الإطلاق، ولعل ما قاله السيد المسيح عن لعازر يوضّح هذه الحقيقة: "فخَرَج المَيت ويدَاهُ ورجلاهُ مَرْبوطَاتٌ بأقمِطَةٍ، ووجهُهُ مَلفُوفٌ بمنديلٍ. فقال لهم يسوع: حلُّوه ودعوه يذهب" (يو 11: 44) وخرج السيد المسيح من هذه الأكفان بطريقة معجزية، وطبع صورته على قماش الكفن كما رأينا من قبل، فكانت الأكفان والمنديل بوضعها في القبر خير شاهد على قيامة السيد المسيح لكل من له عقل يستخدمه، وبعد أن قام المسيح نزل رئيس الملائكة الجليل ميخائيل ودحرج الحجر عن فم القبر ليعلن حقيقة القيامة "أخرستوس آنستي... أليسوس آنستي"، أما "أحمد ديدات" فقد عجز عن أن يذكر لنا مَن دحرج الحجر والحراس يقظين وكان الحجر "عظيمًا جدًا" (مر 16: 4) فلم يكن من السهل دحرجته.
ب ـ السيد المسيح سَبَق وأخرج من مريم المجدلية سبعة شياطين قبل موضوع الصليب بمدة طويلة، فهي لم تصب بهستيريا، ولم يخرج منها السيد المسيح الشياطين يوم القيامة... فلماذا هذه الطريقة الشيطانية في خلط الأمور بقصد تضليل القارئ؟!
ج ـ على "ديدات" أن يذكر لنا متى رأى يسوع المسيح من قبل متنكرًا؟ أنه لم يتنكّر قط لا في ثياب بستاني ولا في غيره إنما كان دائمًا في منتهى القوة... ألم يُعلّم تلاميذه أن لا يخافوا من الذين يقتلون الجسد (مت 10: 28)؟.. ألم يطرد التجّار من الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام (مت 21: 12، 13)؟.. ألم يتحدى الكتبة والفريسيين وبكّتهم على أفعالهم وصبَّ عليهم الويلات؟ (مت 23: 13 ـ 15).. ألم يقف كالصخر الذي لا يلين أمام بيلاطس أثناء المحاكمة؟.. لم يكن السيد المسيح متنكرًا في زي بستاني ولكن مريم المجدلية ظنته هكذا لأن الوقت كان مبكرًا، والمكان الذي فيه القبر عبارة عن بستان، فمن المستبعد أن يوجد في هذا المكان وفي ذلك الوقت غير البستاني، ولعل الدموع التي كانت تفيض في عينيها مثلت عائقًا في التأكد من شخصية السيد المسيح.
د ـ لو كان السيد المسيح لم يمت ونجح في الخروج من القبر بطريقة لم يذكرها "ديدات"، فهل يُعقَل أنه يظل واقفًا في مكمن الخطر منتظرًا المجدلية أو غيرها؟ أم أنه يفلت بحياته ويهرب بعيدًا بعيدًا؟ وهل مثل هذه الظروف وهو يهرب من الموت تسمح له بالتنكُّر والتمثيل الذي كان يقوده إلى الضحك؟! حقًا ما أعجب هذه التهيؤات الديداتية؟!
هـ ـ كالعادة يورد السيد "ديدات" النص الإنجيلي (عب 9: 27) مبتورًا، ويقول الأستاذ "ناجي ونيس": "أمّا الأمر الثاني فهو ليس بغريب عليك أن تأتي بأنصاف النصوص الإنجيلية، وكثيرًا ما تكون النصوص الإنجيلية التي تطمسها في نفس الأصحاح الذي تأخذ منه، أمَّا هنا فأكثر من ذلك لأنك طمست الجزء الثاني من النص الذي أخذت منه كلامك، يا للعار يا سيد "ديدات"! وإليك الآن النص الذي سيضايقك ويفحمك وسوف أبدأ بما كتبته أنت وانتهى بما سرقته "وكما وُضِعَ للناس أن يَموتوا مرَّةً ثم بعد ذلك الدَّينونة، هكذا المسيح أيضًا، بعدما قُدِّم مرة لكي يَحْمِل خطايا كثيرين، سيَظْهَر ثانيةً بلا خطيَّة للخلاص للذين ينتَظِرونه" (عب 9: 27، 28) فإن هذا النص كُتِب خصيصًا للسيد المسيح إلاَّ أنك أخذت الجزء الأول وتركت الجزء الثاني الذي يشرحه، ألاَّ تخجل الآن عندما تقرأ هذه الكلمات؟ فإنها توضّح أسلوبك الرخيص المفضوح، وتوضّح أيضًا إيماننا بأن السيد المسيح مات فعلًا ولن يموت مرة أخرى، فلترى لك يا سيد "ديدات" لعبة أخرى، فلقد حققت فشلًا ذريعًا وتناقضًا مدهشًا"(275).
و ـ وتتفلسف يا "ديدات" وتقول أن قول مريم المجدلية: "حملته" لا تعني أنه ميت بل أنه حي!!.. وعندما تقول له: "قُل لي أين وضَعْتَهُ وأنا آخُذُه" (يو 20: 15) فأنها لا تشير إلى إنسان ميت، ولو كانت تقصد إنسان حي لقالت "أرشدني إلى مكانه وأنا أذهب إليه"، وبلا شك بأن الجميع حتى الأطفال الصغار يعلمون أن ألفاظ "حملتـه" و"وضعته" لا يمكن أن نطلقها على إنسان حي قادر على الحركة. إنما تُطلق على طفل رضيع، أو إنسان مشلول غير قادر على الحركة، أو على إنسان ميت.
يا سيد "ديدات" لم تكن مريم تتكلَّم الإنجليزية حتى تقول أنها استخدمت الضمير him ولم تستخدم it إنما كانت تتحدّث الآرامية، والإنجيل كُتِب باللغة اليونانية، وفي اليونانية الفعل "وضع" يستخدم للعاقل وغير العاقل، ولهذا قال السيد المسيح عن نفسه: "أنا أضَعُ نفسي عن الخِراف... لأني أضَعُ نفسي لآخُذَها أيضًا... أضعها أنا من ذاتِي. لي سُلْطَان أن أضَعَهَا ولي سلطان أن آخُذَها أيضًا" (يو 10: 15 ـ 18) ونفس الفعل اُستخدم لغير العاقل فقال الإنجيل عن السراج: "لا يوقِدون سِراجًا ويضَعُونه تحت المكيال" (مت 5: 15) وقال رئيس المتكأ عن الخمر: "كل إنسان إنّمَا يَضَع الخَمْر الجَيِّدة أولًا" (يو 2: 10).
ويقول الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس": "أما استخدام Him بدلًا من It في الإنجليزية فأنت تعرف أن الإنجيل المقدَّس كُتب باليونانية، أما عن الترجمة الإنجليزية فأنت تعرف أننا نؤمن بأن السيد المسيح هو اللَّه الظاهر في الجسد، فهذا الجسد الذي أخذه اللاهوت ليتمم من خلاله فداء الإنسان لا يمكن أن يُستخدم معه أسلوب غير العاقل It بل العاقل Him خاصة وأن اللاهوت لم يفارق هذا الجسد أثناء انفصال الروح البشرية عنه، وكذلك معرفة الوحي بأن الروح البشرية سوف تعود في اليوم الثالث وتتحد بهذا الجسد وتعود للحياة، ولكل هذا استخدمت الترجمـة الإنجليزيـة الضميـر الصحيـح Him احترامًا للجسد المتحد اللاهوت به"(276).
ز ـ عندما قالت مريم: "قل لي أين وضعته وأنا آخذه" لم تفكّر في ثقل الجسد مع الأكفان والأطياب. أنها تتحدَّث حديث المشاعر الذي لا يدركه الجاحدون.
ح ـ بينما يدّعي "ديدات" أن السيد المسيح منع مريم المجدلية أن تلمسه لأن جراحاته لا تتحمّل اللمس، فإنه عاد وقال في الصفحة التالية أنه سار مسافة خمسة أميال "وفي نفس ذلك اليوم في الطريق إلى بلدة عمواس، يرافق يسوع اثنين من تلاميذه، ويتسامَر معهما لمسافة خمسة أميال دون أن يتعرّفا عليه" (ص 104) فأيهما أيسر أن يترك الإنسان المجروح إنسانًا يلمسه أم أن يسير مسافة خمسة أميال بأقدام قد اخترقتها المسامير؟! وخلال هذه المسافة لا يظهر عليه أي نوع من الإعياء أو الإنهاك إنما كان في منتهى النشاط والحيوية يساير تلاميذه ويحدّثهم وهما لم يلاحظا قط أي أثر للإعياء!!
وبينما يدّعي "ديدات" أن يدي السيد المسيح لم تُسمَّر بالمسامير وقال: "على العكس من العقيدة السائدة، لم يُسمَّر يسوع إلى الصليب مثل رفيقيه بل رُبِط إليه" (ص 68) فإنه يقول هنا أن السيد المسيح لم يكن يتحمّل لمسة مريم المجدلية، ومن المعروف أن السلام يكون باليد، فإن كانت يد المسيح خالية من الجروح فلماذا خشى لمسة وسلام مريم؟! أليس هذا ما فهمه المترجم "علي الجوهري" عندما دوّن ملاحظته في حاشية الكتاب قائلًا: "تصوَّر حالة شخص مجروح اليد مثلًا يصافحه شخص بحماس وهو لا يعرف أن يده مجروحة، أو كم هو مريض أو مجروح" (ص 102).
ولم يكن قصد السيد المسيح من عبارة "لا تلمسيني" درء خطر وألم اللمس عن جسده المجروح، لأنه قام بالجسد الممجد البعيد عن الألم، والدليل القاطع على هذا أنه سمح لها في المرة الأولى وكانت معها مريم الأخرى أن يلمساه: "وفيما هُما منطلِقَتان لتُخبِرا تلاميذه إذ يسوع لاقاهُما وقال: سلامٌ لكُما. فتقدَّمتا وأمسَكَتا بقدَمَيه وسجَدتا له" (يو 28: 9) وفي مساء نفس اليوم قال لتلاميذه: "ما بالُكُم مُضطَربينَ، ولماذا تخطُر أفكَار في قُلُوبِكم؟ اُنظروا يدَيَّ ورجلَيَّ: إني أنا هو! جسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لَحْمٌ وعِظَام كما تَرَون لي. وحين قال هذا أراهم يدَيْهِ ورجلَيه" (لو 24: 38 ـ 40) وفي الأحد التالي دعا توما للمسه (يو 20: 27).
أنه قال لمريم: "لا تلمسيني" ليرفع نظرها من المستوى الجسدي إلى المستوى الروحي لأنه "إن كُنَّا قد عَرَفنا المسيح حَسَب الجَسَدِ. لكن الآن لا نعرفُهُ بعد" (2كو 5: 16) وليس هناك مجالًا لهذه العواطف بينما تنتظرها خدمة أفضل وعاجلة وهي توصيل البشارة بالقيامة للتلاميذ الحزانى.
ويقول قداسة البابا شنوده الثالث: "إن مريم المجدلية استسلمت للشكوك التي كانت قد نشرها رؤساء الكهنة حول القيامة. كانوا قد ملأوا الدنيا إشاعات أن الجسد قد سُرق من القبر، بينما كان الحُرّاس نيامًا. وكان من الممكن أن هذه الشائعات لا تترك تأثيرها مطلقًا في نفس مريم، لولا أنها رأت الرسل أنفسهم لم يصدّقوا القيامة... فلمّا رأت المجدلية أن رسل المسيح لم يصدّقوها، ولم يصدقوا باقي النسوة، ولا تلميذي عمواس، بدأت تشك هي الأخرى... إنها فتاة صغيرة، ربما ظنت ما رأته عند القبر حلمًا أو خيالًا. أهي أقوى إيمانًا من الرسل؟! هذا غير معقول. وفكّرت ربما يكون البعض قد سرقوا الجسد ونقلوه من موضعه! ليس الرسل وإنما آخرون، ربما البستاني مثلًا قد أخذه لسبب ما.
وطبعًا كل هذه شكوك ضد الإيمان لأنها رأت بنفسها القبر الفارغ، ورأت المسيح ولمسته وسمعت صوته، وسمعت بشارة الملاك ثم الملاكين...
وكما أنكر بطرس المسيح أثناء محاكمته ثلاث مرات، هكذا مريم المجدلية أنكرت قيامة الرب ثلاث مرات، وورد هذا الإنكار الثلاثي في إصحاح واحد (يو 20: 12، 13، 15):
1ـ المرة الأولى: حينما ذهبـت إلى القديسيْن بطرس ويوحنا وقالت لهما "أخَذُوا سَيدي من القبر. ولست أعلم أين وضعوه" (يو 20: 13) وهذا الكلام معناه أن الـرب لم يَقُـم مـن الأموات، ما داموا قد أخذوا جسده ووضعوه في مكان ما.
2ـ والمرة الثانية: حينما كانت خارج القبر تبكي، وسألها الملاكان: "لماذا تَبكِين؟" فأجابت بنفس الكلام: "أنهم أخَذُوا سَيّدي، ولستُ أعلَم أين وضَعُوه" (يو 20: 13).
3ـ والمرة الثالثة: حينما ظهر لها السيد المسيح، وفي بكائها لم تبصره جيدًا وظنته البستاني، أو هو أخفى ذاته عنها، فقالت له: "يا سَيّدُ، إن كُنت أنت قد حَمَلْته. فقل لي أين وضَعْتَهُ وأنا آخُذُه" (يو 20: 15).
فلمَّا أظهر لها الرب ذاته، وتعرَّفت عليه، قالت له: "ربوني أي يا مُعلّم"، منعها الرب أن تلمسه، توبيخًا لها على إنكارها الثلاثي لقيامته. وأيضًا لا يجوز أن تلمسه بهذا الإيمـان: أنـه شخص عـادي مـات، وحملـوا جسده في مكان ما!..
فقال لها الرب: "لا تلمسيني" أي لا تقتربي إليَّ بهذا الاعتقاد وبهذا الشّك. بعد أن رأيتني قبلًا، وأمسكتِ قدمي، وسمعتِ صوتي، وكلَّفتكِ برسالة لتلاميذي، وبعد أن رأيتِ القبر، وسمعتِ شهادة الملائكة. لا تلمسيني في نكرانك، لأني لم أصعد بعد إلى أبي. أمَّا عبارة: "لأني لم أصعد بعد إلى أبي".. فإن القديس ساويرس الأنطاكي وكذلك القديس أُغسطينوس، لم يأخذاها بالمعنى الحرفي وإنما بالمعنى الرمزي، لأنها كانت قد لَمَسته من قبل ذلك، وقال القديسان في ذلك أن الرب يقصد من عبارته:
لا تلمسيني بهذا الإيمان، لأني لم أصعد بعد في ذهنك إلى مستوى أبـي في لاهوته، بل تظنين أن جسدي ما زال ميتًا يحمله الناس حيث شاءوا"(277).
ط ـ قال "ديدات": إن المقصود من عبارة "لم أصعد بعد إلى أبي" أي أنني لم أمت حتى الآن... فما هي علاقة الموت بالصعود ومريم تبحث عن السيد المسيح ليس كروح بل في صورته المنظورة؟!.. الموت هو النزول إلى جوف القبر تحت مستوى الأرض، أمّا الصعود فهو الارتفاع فوق مستوى الأرض، ولو كان قصد السيد المسيح أنني لم أمت بعد، لقال أنني لم أنزل إلى جوف القبر. لم أهبط تحت مستوى الأرض.
15ـ ادّعى "ديدات" بأن السيد المسيح كان متنكرًا فلم يعرفه تلميذي عمواس، وعاد إلى أورشليم متأخرًا عنهما لأنه كان يداوي جراحاته فيقول: "وفي نفس ذلك اليوم في الطريق إلى بلدة عمواس، يرافق يسوع اثنين من تلاميذه ويتسامر معهما لمسافة خمسة أميال دون أن يتعرَّفوا عليه! يا له من فن متقن!.. ومن طريقته في تناول وكسر الخبز (أي الطريقة التي بارك بها الخبز) "تفتحت عيونهم" فهل كانوا قد مشوا من أورشليم إلى عمواس مغمضي العيـون؟ كلاَّ! إننـا نعلم من حيث يخبروننا أنهما تعرَّفا عليه فحسب من هذه البادرة (طريقته في مباركة الخبز) ويستمر لوقا في قصته وأنه عندما تعرَّفوا عليه "اختفى عن أنظارهم" فهل لعب يسوع لعبة الحاوي الهندي بالحبل؟ ومن فضلك لا تأخذ الأمر مأخذ الهزل والدعابة! ماذا يعني أنه انصرف. يعني أنه توارى عن أنظارهم"(278).
كما قال أيضًا: "كانت المسألة مسألة الاختفاء من عمواس ومعاودة الظهور في أورشليم. مثل الرجل الخفي. مثل ساحر الحبل الهندي. أو كلعبة التنقُّل بين النجوم...
الأرنب والسلحفاة: ولكن لماذا استغرق عيسى عليه السلام وقتًا طويلًا جدًا لكي يصل إلى الحجرة العلوية. كان قد تلاشى قبل أن بدأ رفيقا الرحلة إلى عمواس رحلتهما إلى أورشليم. ومع ذلك لم يسبقهما يسوع. تأخر في المجيء وهذا يذكّرنا بحكاية الأرنب والسلحفاة. هل كان من الممكن أن يكون يداوي جراحه في الطريق؟"(279).
تعليق: أ ـ لم يكن السيد المسيح متنكرًا قط، ولم يكن حاويًا هنديًا يلعب بالحبل، ولا بالبيضة والحجر، فهذا الأسلوب المتردي لا يليق أبدًا أن يوجّهه "ديدات" لمن يعتبره نبيًا مُرسَلًا من اللَّه.
ب ـ الذي حدث أن هذين التلميذين وهما من السبعين رسولًا قد فقدا الأمل كل الأمل بعد موت يسوع المسيح، فقرَّرا العودة إلى بلدتيهما عمواس، وفيما هما سائران يجتران آلام الذكريات، ظهر لهما مُخلّصنا الصالح ولم يكشف لهما عن شخصيته، وهذا ما عبَّر عنه لوقا الإنجيلي بقوله: "وفيما هما يتكلَّمان ويتحَاوران، اقترب إليهما يسوع نفسُهُ وكان يمشي معهما. ولكن أُمسِكَت أعيُنهما عن معرفَتِهِ" (لو 24: 15، 16) وظل سائرًا معهما يشرح لهما الأمور المختصة بالمسيح من موسى وجميع الأنبياء (لو 24: 27) فوصل بهما إلى درجة الإيمان بالمسيح المُخلّص المتألم الذي يموت عن خطايا العالم ويقوم ويهزم الموت ويقيم الإنسان معه، وكل هذا من خلال العهد القديم، وعندما جلس معهما على المائدة سمح لهما أن يعرفاه، وهذا ما عبَّر عنه القديس لوقا قائلًا: "فانفتحت أعيُنهما وعَرَفاه ثم اختَفَى عنهما" (لو 24: 31).
ج ـ يقول الإنجيل عن السيد المسيح: "إنه اختفى عنهما" فبينما هو جالس معهما اختفى في لحظة، وهذا هو الإعجاز، وليس كما قال "ديدات" أنه انصرف عنهما أو توارى عنهما، وكأنه تركهما وسار حتى أخذ يتوارى عن الأنظار، وهذا الأسلوب لا يصح في مكان مغلق إنما يحتاج إلى مكان مفتوح لمسافات طويلة جدًا حتى يختفي من أمامهما... فلماذا يحاول "ديدات" أن يلغي جانب الإعجاز في حياة السيد المسيح مع أن القرآن الذي يؤمن به يعترف ويقر بمعجزات المسيح وعجائبه؟!
د ـ وكالعادة نجد "ديدات" يناقض نفسه، فبينما قال من قبل أن مريم تعرّفت عليه بمجرّد أن ناداها باسمها (ص 102) فأنه يقول هنا أن هذين التلميذين عجزا عن معرفته رغم أن سار معهما مسافة خمسة أميال، ويقول الشماس الإكليريكي "ناجي ونيس": "وأنا أقول لك يا له من تناقض فاضح! كلمة واحدة تكشف عن تنكّر السيد المسيح لمريم المجدلية، بينما اثنان من تلاميذه يتسامران معه لمسافة خمسة أميال ولا يكتشفان تنكُّره. من هو العاقل الذي تريده أن يصدقك يا سيد "ديدات"؟ أهو القارئ الكريم؟ حاشا له من هذا الجنون والوهم يا رجل، قُل كلام عاقل. ثم مَن هو الأقرب والألصق بالسيد المسيح هل هي مريم المجدلية أم التلاميذ الذين كانوا معه ليل نهار؟ فالأجدر أن يكتشف تلميذاه الاثنان تنكُّره أسرع من مريم المجدليـة خاصة وهما اثنان وهي واحدة، فاحتمال اكتشافهما للتنكُّر أكثر منها مضاعفًا، وبالأكثر فقد قابلته هي والظلام باق، أمَّا هؤلاء ففي وضح النهار، كما أنه سار مع التلميذين مسافة خمسة أميال وتكلَّم معهما كثيرًا لا كلمة واحدة، فواضح إذًا عدم معقولية خدعتك. وتعلّل أنت عدم معرفتهما للسيد المسيح بأنه كان متنكّرًا ولم تقل لنا متنكرًا في أي زي هذه المرة، فهل يا ترى في زي البستاني أيضًا؟ أم في زي آخَر؟ وهل كان وجهه مكشوفًا؟ وإذا كان في زي آخَر فمتى خلع زي البستاني ولبس الزي الآخَر؟ ومن أين يأتي بالزي الآخَر وهو رجل وصفته بأنه خائف من اليهود"(280).
16ـ ينكر ديدات مـوت السيد المسيح وقيامته بالجسد الممجَّد، ولذلك يرفض دخوله العلّية والأبواب مُغلّقة، ويحاول أن يجد لها تفسيرًا فيقول: "وإذ يدخل يسوع: وبينما كان يخبران (تلميذي عمواس) المستمعين المتشككين أنهما قد قابلا يسوع بجسمه الحي (كواحد يأكل الطعام معهما) يدخل يسوع. وتُقفَل الأبواب خوفًا من اليهود... ولم يستطع لوقا ولا يوحنا ممن سجّلوا وقت زيارة يسوع لتلك الحجرة العلوية أن يقولا أنه ببساطة تسرّب من ثقب المفتاح أو من شقوق الجدار. ولكن لماذا يضنان علينا بمثل هذه المعلومة الحيوية؟ السبب في ذلك أنه لم يحدث تسرُّب. ولكن تبقى المشكلة: كيف دخل بينما كانت الأبواب مغلّقة"(281).
تعليق: أ ـ قال "ديدات" إن يسوع دَخَل من أحد الأبواب وأُغلِقت الأبواب، ويصوَّر العليّة بأن لها عدّة أبواب، ودَخَل يسوع من أحد هذه الأبواب فيقول: "هل يمكن أن نتخيل حجم حجرة الضيوف هذه؟ بمخزن المؤن اللازم لها مع المطبخ وغير ذلك من كماليات... كانت كقصر صغير! وكان يسوع يألف هذا البيت... أن مسكني الخاص له أربعة مداخل، وربما كانت حجرة الضيوف لدى يوحنا كان لها باب رئيسي من ناحيتين... لكن يسوع لم يكن غريبًا على المنزل. كان كواحد من أهل منزل تلميذه الذي يحبه. ولم يكن بحاجة إلى أن يقرع الباب ويزعج أناسه. وكانت هناك أكثر من طريقة للدخول"(282).
وهنا يظهر واضحًا تخبُّط السيد "ديدات"، فبعد أن صـرّح بأن يسوع دخل من أحد الأبواب يعود ويقول: "ولكن تبقى المشكلة كيف دخل بينما كانت الأبواب مغلّقة" فما هو رأي "ديدات بالضبط"؟ هل كان هناك مشكلة في الدخول أم لم يكن هناك ثمة مشكلة؟ وهل يُعقل أن التلاميذ المرتعبين من اليهود بعد أن لجأوا إلى العلية يتركون الأبواب مفتوحة لمن يريد أن يدخل ويقبض عليهم؟!
ب ـ قال الإنجيل: "ولمَّا كانت عَشِيَّة ذلك اليوم، وهو أوَّل الأسبوع، وكانت الأبواب مُغلَّقة حيث كان التلاميذ مُجتَمِعين لسَبَب الخوف من اليهود، جاءَ يسوع ووقف في الوَسْط" (يو 20: 19) وديدات يقول أنه يستمد معلوماته من العهد الجديد... فلماذا نراه هنا وهناك يتنكّر لما جاء في العهد الجديد، وإن قَبِل حقيقة يرفض عشرة حقائق؟!
ج ـ الذي خـرج من القبر والقبر مغلقًا قادر على دخول العلية والأبواب مغلقة، والحقيقة أن الموضوع الرئيسي هو موت المسيح وقيامته، فلماذا يتفرّع ديدات في مواضيع عدّة إلاَّ بقصد التشويش على حقيقة موت المسيح وقيامته؟!
د ـ ويتخبّط "ديدات" فيظن أن المنزل ملكًا ليوحنا الحبيب، ولا يدرك أن المنزل ملكًا لأرسطوبولس والد مرقس الملقَّب بيوحنا، فعقب أن أخرج الملاك بطرس الرسول مـن سجن هيرودس "جاء هو منتَبِه إلى بيت مَريم أم يُوحنا المُلقَّب مرقس" (أع 12: 12)، "يوحَنا الذي يُدعىَ مرقس" (أع 15: 37).
17ـ يدّعي غلام أحمد أن بقاء آثار الصلب في جسد المسيح، وأكله الطعام دليل على عدم موته وقيامته فيقول: "وقد ورد في إنجيل مرقس أن المسيح رآه الناس متجهًا نحو الجليل حتى لقى حوارييه الأحد عشر وهم يأكلون، وأراهم يديه وقدميه الجريحتين وظنوا أنه ليس المسيح... ولو كان أسترد الحياة بعد موته، لما كان من الممكن أن تبقى آثار الصلب بجسمه السماوي الجلالي، وما كان بحاجـة إلى طعام" (المسيح الناصري ص 24، 27 ـ 29)(283).
وادّعى "أحمد ديدات" أن شك التلاميذ في القيامة، وأكل المسيح يدلان على عدم موته وقيامته فيقول: "تشكك غيـر معقـول: مضـى رفيقـا يسوع في الرحلة إلى عمواس مضيا إلى تلك الحجرة العلوية حيث كان الحواريون "وذَهَب هذان وأخبَرا الباقِينَ، فلم يصدّقوا ولا هذان" (مر 16: 13) ماذا دها أولئك الحواريين؟ لماذا يحاذرون أن يُصدِّقوا؟ ما مشكلتهم؟ المشكلة أنهم يُواجَهون بالدليل على أن يسوع حي! وأنه لم يبعث من موت (وهو إذًا في وجوده ليس ذا طبيعة روحية) ولكن الدليل على أنه هو هو نفس يسوع بجسمه الحي (الذي لم يمت) بلحمه وعظامه كأي منهم! يأكل الطعام متنكرًا. لكنه ليس ذا طبيعة روحية، ولا هو شبح من الأشباح (وذلك بالتحديد) وهو ما لم يصدقوه. ولو كانوا قد خُيّروا أن مريم المجدلية كانت قد شاهدت شبح يسوع، لكانوا قد صدّقوا. ولو كان رفيقا يسوع قد أخبرا أنهما شاهداه كشبح ليسوع لكانوا بالتأكيد قد صدّقوا ذلك... ولكن يسوع على قيد الحياة؟ يسوع ذو طبيعة بشريـة؟ كرجـل هرب من أربطة الموت؟ كان ذلك أثقل مما يمكـن أن يتحمله ضعيف إيمانهم"(284).
تعليق: أ ـ لم يَرد في الإنجيل قط أن أحدًا رأى السيد المسيح وهو يسير متجهًا نحو الجليل. إنما السيد المسيح كان يُظهِر ذاته للناس في أماكن مختلفة وأوقات متباينة.
ب ـ أبقى السيد المسيح علامات الجروح في جسده كعلامة حب متناهية للبشرية.
ج ـ لم يصدّق التلاميذ أخبار القيامة لأنهم لم يتصوَّروها بالرغم من أن السيد المسيح سبـق وأخبرهم بها، ولكن في خِضَم الأحداث وشدّة الأحزان نسوا كل شيء، وظنوا أن كل شيء قد انتهى وزال، فعاد بعضهم إلى بلدته، والآخرون اختفوا في العلية وشبح الصليب يطاردهم، وهم خائفين ومرتعبين لئلا يكون مصيرهم مثل مصير معلمهم. كما أن القيامة بالنسبة للتلاميذ كانت نوعًا من الهذيان (لو 24: 11).
د ـ لقد أكل السيد المسيح بعد القيامة ليس عن احتياج، ولكن لكيما يثبت للتلاميذ أنه قام بذات الجسد، ولكيما يؤكد حقيقة شخصه أنه هو الذي صُلِب ومات وقام، وأنه ليس روحًا كما ظنوه ولا هو شبحًا ولا خيالًا، ولهذا السبب أيضًا دعاهم إلى لمسه قائلًا: "جُسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لَحْمٌ وعِظَامٌ كما تَرَون لي" (لو 24: 39).
18ـ يدّعي "غلام أحمد" أن عدم ظهور السيد المسيح بعد قيامته لبيلاطس يؤكد عدم موته وقيامته فيقول: "أو لم يكن من واجب المسيح قبل صعوده إلى السماء أن يلقي مائتين وثلاثًا من اليهود وبيلاطس أيضًا" (المسيح الناصري ص 55)(285).
ويدّعي "أحمد ديدات" أن عدم ظهور السيد المسيح لليهود بعد قيامته دليل على عدم موته وقيامته فيقول: "من أدلة عدم صلب المسيح: 24ـ لم يُظهِر نفسه أبدًا لأعدائه (اليهود) لأنه كان قد هرب من الموت (على يديهم) بشق النفس وكان لا يزال حيًّا. 25ـ قام فحسب بجولات قصيرة (الأماكن التي تحرّك بعد الصلب معروفة بأنها في نطاق ضيق) لأنه لم يكن قد بُعث من بين الموتى كروح، لكنه كان لا يزال حيًّا"(286).
تعليق: أـ أظهر السيد المسيح نفسه للتلاميذ والمريمات وكثير من المؤمنين ليس مرّة واحدة ولكن مرات عديدة في أماكن كثيرة متباعدة، وليس في يوم واحد ولكن خلال أربعين يومًا، ولم يكن عدد الذين رأوه قليلًا فقد زاد عددهم عن خمسمائة شخصًا... ألا تكفي شهادة كل هؤلاء لحقيقة القيامة؟
ب ـ لم يظهر السيد المسيح لليهود وبيلاطس ليس خوفًا منهم لأنه هرب من الموت وما زال حيًّا، ولكن بسبب قساوة قلوبهم، فبالرغم أنهم سمعوا أقواله وعظاته بآذانهم ورأوا بأعينهم معجزاته، ولكن ظل موقفهم ثابتًا ضد المسيح فقد سدوا آذانهم وأغلقوا أعينهم وقسوا قلوبهم، فحتى لو ظهر لهم بعد قيامته فلن يؤمنوا، وحقًا سبق وقال السيد المسيح في مثل لعازر والغني: "إن كانوا لا يسْمَعُون من موسى والأنبيـاء، ولا إن قـام واحِـدٌ مـن الأمـوات يصدّقون" (لو 16: 31).
19ـ ادّعى "أحمد ديدات" أن التلاميذ الذين كتبوا الإنجيل لم يحضروا عملية الصلب، ولذلك لا يعتمد على شهادتهم فيقول: "قضية يتم الفصل فيها لدى أول جلسة: ويمكن أن أقول ـ بكل تواضع ـ إن مثل هذه الوثائق التي لا تثبُت لتمحيص تُنحىَ جانبًا في أية محكمة من أية دولة متحضرة خلال دقيقتين. وأكثر من ذلك فإن أحد الشهود المزعومين وهو القديس مرقس يخبرنا أنه في أحرج لحظات الموضوع (أيام صلب المسيح المزعوم) كان "كل تلاميذه قد خذلوه وهربوا"، كما جاء بإنجيل مرقس (14: 50) وسل صديقـك المسيحـي: هل "كل" تعني "كل"؟ ومهما تكن لغته سيقول لك نعم"(287).
تعليق: نعم كلمة "كل" تعني "كل" ونحن نعترف أن التلاميذ تركوا السيد المسيح وهربوا بل أن هذا كان بناءً على طلب السيد المسيح ذاته من الجنود: "فإن كُنتُم تطلبُونني فدَعوا هؤلاء يذهَبون" (يو 18: 8) ولكن بعد ما هربوا ساعة القبض عليه في بستان جثسيماني عادوا وتجمّعوا حول الصليب بدليل قول لوقا الإنجيلي: "وكان جميع معَارفِهِ، ونساءٌ كُنَّ قد تَبِعْنَه من الجليل، واقفين من بعيدٍ ينظرون ذلك" (لو 23: 49) ومن أخصّ معارفه بلا شك التلاميذ الإحدى عشر، ولو كلّف "ديدات" نفسه بقراءة بقيّة النص في إنجيل معلمنا مرقس الرسول، حيث استشهد بالآية الخمسين من الأصحاح الرابع، وفي الآية 66 يقول أن بطرس كان في دار رئيس الكهنة: "وبينما كان بُطرس في الدّار أسْفَل" (مر 14: 66) أمّا يوحنا الحبيب فذكر قصة دخول بطرس إلى دار الولاية فيقول: "وكان سِمعَانُ بُطرس والتلميذ الآخَر يتبَعان يسوع، وكان ذلك التلميذ معروفًا عِند رئيس الكهنة، فدَخَل مـع يسوع إلى دار رئيس الكهنة. وأمَّا بطرس فكان واقِفًا عند الباب خارجًا. فخرج التلميذ الآخَر الذي كان معروفًا عِند رئيس الكهنة، وكلَّم البوَّابة فأدخل بطرس" (يو 18: 15، 16).
20ـ ادّعى غلام أحمد أن السيد المسيح نزل من على الصليب وهو حي وذهب إلى بلاد الهند لافتقاد عشرة أسباط إسرائيل التي ذهبت إلى هناك وهي خراف بني إسرائيل الضالة فيقول: (ورد في القرآن عن المسيح) "وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين" أي أن المسيح سينال الشرف والوجاهة في هذه الدنيا وسيكون في الآخرة من أصحاب الحظوة لدى اللَّه عز وعلا. ومن الواضح أن المسيح لم ينل في مُلك هيرودس وبيلاطس أية كرامة أو شرف، بل أنه كان عُرضة لأشد التحقير... إن اللَّه عز وجل وهب المسيح الناصري الشرف والعز وأتاح له لقاء الخراف الضالة من عشر قبائل إسرائيلية حينما شرَّف المسيح أرض فنجاب بمجيئه بعد أن نجّاه اللَّه من أشقياء بني إسرائيل... إن المسيح نال في هذه البلاد شرفًا ووجاهة عظيمة، وقد أُكتشف أخيرًا قطعة نقدية من بين الآثار نُحت عليها اسم المسيح بلغة "بالي" وهذه القطعة ترجع إلى عصر المسيح نفسه، ويتبين من ذلك بالتأكيد أن المسيح كان يتمتع في هذه البلاد بعز ملكي، وهذه القطعة صدرت في الأغلب من قِبل ملك آمن بالمسيح... وكذلك من آيات القرآن: "ومطهرك من الذين كفروا" أي أنني لأبرئنك من تهم الأعداء وأطهّرك وأكشف عنك التهم التي رماك اليهود والنصارى بها... وقد شهد ملايين الناس بعيون جسمانية أن قبر المسيح موجود في سري نفر بكشمير... وقد تحقّق بالأحاديث الصحيحة الروايات أن النبي قال: {إن المسيح عاش مائة وخمسة وعشرين عامًا}" (المسيح الناصري في الهند ص 81)(288).
وقال "الميرزا غلام أحمد" أيضًا: "لماذا سافر المسيح إلى هذه البلاد البعيدة بعد نجاته من الصليب، وما الذي حداه إلى تجشم هذا السفر الطويل. لا يغربن عنكم أنه كان في غاية من الأهمية للمسيح من ناحية واجبات رسالته أن يسافر إلى فنجاب والبلاد المجاورة لها، لأن عشرة شعوب من بني إسرائيل التي سُميت في الإنجيل بخراف إسرائيل الضالة، كانت قد جاءت إلى هذه البلاد، الأمر الذي لا ينكره أحد من المؤرخين، ولذلك كان لا بد للمسيح الناصري من أن يسافر إلى هذه البلاد، ويبلغ هؤلاء الخراف الضالة رسالة اللَّه بعد أن يفتش عنهم ويجتمع بهم، ولو لم يفعل لظلت غاية رسالته عقيمة قاصرة، لأنه كان مُرسلًا من اللَّه تعالى إلى هؤلاء الخراف الضالة" (المسيح الناصري في الهند ص 105)(289).
تعليق: أ ـ السيد المسيح وُلِدَ وعاش وصُلِبَ ومات وقام في أرض فلسطين، ولم يترك بلاد فلسطين ويذهب إلى أي دولة أخرى غير مصر التي جاء إليها وهو طفل مع العائلة المقدَّسة، ولو ذهب السيد المسيح إلى بلاد الهند لأخبرنا الإنجيل بهذا.
ب ـ السيد المسيـح صُلِب ومات على الصليب وقُبر ثلاثة أيام وقام من الأموات، وما أكثر شهود الصليب وشهود القيامة.
ج ـ ليس من المعقول بعد أن أمضى السيد المسيح حياة حافلة بالأمجاد، أن يختتم هذه الحياة المجيدة بالهرب إلى الهند.
د ـ لو كان السيد المسيح نجا من الموت وهرب إلى الهند... تُرى هل يقدر تلميذ من تلاميذه أن يفتح فاه في وسط مدينة أورشليم ويبشّر بقيامة المسيح؟!! ولو تجرأ أحدهم وفعل ذلك... تُرى هل ينجو من رؤساء الكهنة؟!
هـ ـ ليس مفهوم الوجاهة في الدنيا هو أن يحظى بتكريم الناس، لأن كبار أئمة المسلمين فسّروا هذه الوجاهة في الدنيا بالنبوّة والمعجزات، فقال الجلالين أنه وجيه في الدنيا بسبب النبوّة، وقال الرازي أن السبب هو النبوّة، وأنه يُستجاب دعاؤه ويحيي الموتى ويبرئ الأكمّة والأبرص، وأنه مبرأ من كل العيوب التي وصفه بها اليهود.
وـ كثير من الأحاديث ذَكَرت أن السيد المسيح عاش على الأرض من ثلاثة وثلاثين إلى أربعين سنة، فقال الحسن البصري: "كان عُمر عيسى يوم رُفِعَ أربعًا وثلاثين سنة" وقال حمادة بن سلمه: "رُفِع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة"، وقال جرير والثوري عن الأعمى: "مكث عيسى في قومه أربعين عامًا"، وروى سفيان بن عينيه عن فاطمة: "قال لي رسول اللَّه أن عيسى بن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة"، وجاء في تفسير الجلالين أن المسيح رُفِع "وله ثلاث وثلاثون سنة" (راجع د. فريز صموئيل ـ قبر المسيح في كشمير ص 208 ـ 211).
زـ عندما سبى "تغلث فلاسر" أسباط بني إسرائيل سباهم إلى أشور وليس للهند "في أيام فَقْح مَلك إسرائيل، جاء تَغْلث فلاسِر مَلِك أشور وأخذ عيون وآبَلَ بيت معكةَ ويانوح وقادش وحَاصُور وجلعَاد والجَليل وكل أرض نفتالي، وسَبَاهُم إلى أشور" (2 مل 15: 29).
وأخيرًا لو تساءلنا عن عقيدة "أحمد ديدات" في موت المسيح وصلبه فإننا لن نجد له رأيًا محددًا. إنما أورد في كتاباته ثلاثة آراء متباينة وهي:
1ـ السيد المسيح صُلِب ولكنه لم يَمُت بل أُغمى عليه وعندما وُضِع في القبر عاد إلى وعيه وخرج من القبر، ودافع عن هذا الرأي في كتبه: حقيقة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء، ومَن دحرج الحجر، وآية يونان.
2ـ إن الذي صُلِب ومات هو شخص آخَر غير المسيح يشبهه، فيقول: "أما إنجيل برنابا فيؤيد النظرية التي تقول إن شخصًا آخَر قُتِل محله على الصليب، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين. فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصًا آخر يشبهه"(290).
3ـ إن صلب المسيح ليس حقيقة إنما اليهود توهموا هذا فيقول: "فَهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك فقد ظنوا أنهم فعلوا، ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، هي أنهم لم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوه في عقولهم أنهم فعلوه".
والذي يوضح رأي ديدات الغامض أنه قال: "لا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلّق بموضوع الصليب، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء"(291).
وعلّق الأستاذ "علي الجوهري" على رأي "ديدات" السابق قائلًا: "وهكذا ببراعة منقطعة النظير هرب الشيخ "أحمد ديدات" من الخوض في كيفية نهاية شأن المسيح مع قومه، أو بالأصح هرب من الخوض فيما يختلف فيه المسلمون في هذا الصدد، وأكتفى بإعلان أن عقيدته في هذه المسألة تعبّر عنها الآية 157 من سورة النساء دون أي تفاصيل. وخيرًا فعل. لقد كان يكافح ويفنّد عقائد المسيحيين ودعواهم في هذا الشأن. ولم يكن من الحكمة إطلاقًا أن يفتح جبهة ثانية بين المسلمين، وهي جبهة أشد وطيسًا" (أخطر المناظرات: هل مات المسيح على الصليب. مناظرة بين "أحمد ديدات"، "وفلويد كلارك" ترجمة علي الجوهري ص 175)(292) وهذا اعتراف ثمين يقدّمه على الجوهري في اختلاف المسلمين فيما بينهم في موضوع صلب المسيح وموته، ونحن ندعوهم بدلًا من اختلافاتهم العظيمة التي تهدد بمعركة حامية الوطيس أن يلجأوا إلى الإنجيل الصادق الأمين ويؤمنوا بحقيقة صلب المسيح وموته من أجل البشرية وقيامته ونصرته على الموت والشيطان والخطية.
_____
(245) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 134 ـ 144.
(246) أورده د. فريز صموئيل في كتابه موت المسيح حقيقة أم افتراء ص 166.
(247) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 32 ـ 36.
(248) حقيقة الإيمان المسيحي ص 152.
(249) حقيقة الإيمان المسيحي ص 280، 281.
(250) حقيقة الإيمان المسيحي ص 277، 278.
(251) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 74، 76.
(252) أورده د. فريز صموئيل في كتابه موت المسيح حقيقة أم افتراء ص 51.
(253) شرح الرسالة إلى العبرانيين ص 221.
(254) المرجع السابق ص 223.
(255) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 68.
(256) حقيقة الإيمان المسيحي ص 89، 90.
(257) حقيقة الإيمان المسيحي ص 225.
(258) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 192، 193.
(259) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 86، 88.
(260) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 70.
(261) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 76، 78.
(262) المرجع السابق ص 92.
(263) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 98.
(264) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 196.
(265) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 88.
(266) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 196.
(267) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 90.
(268) ساعة بساعة اليوم الذي صلب فيه المسيح ص 277.
(269) حقيقة الإيمان المسيحي ص 297، 298.
(270) حقيقة الإيمان المسيحي ص 305.
(271) صلب السيد المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 90، 92.
(272) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 94.
(273) وقال المترجم "علي الجوهري" في الحاشية: تصوَّر حالة شخص مجروح اليد مثلًا يصافحه شخص بحماس وهو لا يعرف أن يده مجروحة، أو كم هو مريض أو مجروح.
(274) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 96 ـ 102.
(275) حقيقة الإيمان المسيحي ص 169، 170.
(276) حقيقة الإيمان المسيحي ص 171.
(277) تأملات في القيامة ص 89 ـ91.
(278) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 104.
(279) المرجع السابق ص 110.
(280) حقيقة الإيمان المسيحي ص 166.
(281) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 109، 110.
(282) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 112.
(283) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 198.
(284) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 104 ـ 106.
(285) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 200.
(286) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 166.
(287) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 20، 21
(288) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 206 ـ 208.
(289) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 226.
(290) عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ ترجمة محمد مختار ص 138، 139.
(291) مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء ص 182 .
(292) أورده د. فريز صموئيل في كتابه قبر المسيح في كشمير ص 159.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/ghulam-deedat-illusions.html
تقصير الرابط:
tak.la/45z3smz