← اللغة الإنجليزية: Denial of Peter - اللغة العبرية: חרטת פטרוס - اللغة اليونانية: Άρνηση του Πέτρου.
"إنكار بطرس" يشير إلى ثلاثة فصول في حادث نكران التلميذ بطرس لمعرفته بالمسيح، وذلك أثناء محاكمات السيد المسيح. وقد ذُكِرَت القصة في الأناجيل الأربعة في (مت 26: 69-71؛ مر 14: 66-69؛ لو 22: 56-59؛ يو 18: 16، 17). فربما سمع بطرس أن رئيس الكهنة سأل السيد المسيح عن تلاميذه(1)، فخشي أن يُقبض عليه أو يتعرض لضربات مثل سيده، لذلك أنكر أنه من تلاميذه. وأيضًا ألقى بنفسه في التجربة للمرة الثانية، إذ وقف بين الخدام يصطلي.. فقد سقط بطرس في سلسلة من الأخطاء والخطايا، كل خطية تدفع به إلى أخرى حتى بلغ إلى ما لم يكن يتوقع حدوثه قط. بدأ بطرس بثقته في نفسه أنه مستعد أن يموت مع معلمه، خلال هذا الاعتزاز البشري الصادر عن ذات معتدة بنفسها، اهتم بنفسه فانطلق يستدفئ بنارٍ في وسط صحبة الأشرار، ومع كل سقوط في الإنكار عن ضعف بشري يتلقفه إنكار أشد وأمرّ، بالرغم من تحذيرات السيد له. ومع الصياح الأول للديك، وهي العلامة التي قدمها له السيد، لم يرجع عما هو فيه. كان بطرس في حاجة إلى نظرة المسيح إليه لتبعث فيه روح التوبة المملوءة رجاءً(2).
وفي عرضنا للقصة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت نذكر بعض النقاط:
تنبَّأ السيد المسيح خلال العشاء الأخير عن إنكار بطرس له، وذلك قبل صياح الديك rooster ثلاث مرات (مت 26:33-35؛ مر 14: 29-31؛ لو 22: 33-34؛ يو 13: 36-38). كما أخبر تلاميذه جميعًا بأنهم سيشكون فيه تلك الليلة.
وقد تحقَّق الأمر في اليوم التالي، حينما تمت مواجهته بواسطة الجواري والخدم بمعرفته بيسوع، فأنكر ولعن، إلى أن سمع الديك فتذكر ما قاله له الرب، "وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا" (إنجيل متى 26: 75؛ إنجيل لوقا 22: 62).
إن غيرة بطرس وحماستهُ الزائدة وتسرّعه المُعتاد وضعه في موقف صعب جدًا.. فحينما أخبر السيد المسيح تلاميذه بأن الجميع سيشكّون فيه تلك الليلة، الوحيد الذي تحدَّث بثقة عمياء -وربما كبرياء في إنكار لضعف الطبيعة البشرية- هو بطرس قائلًا: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا". وحينما أكَّد السيد المسيح على الأمر، قال له "وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!"، وهنا توافق معه باقي التلاميذ في الرأي، إلا أن المتحدث الرئيسي كان هو بطرس.
وربما حماسته هي التي جعلته يتبع المسيح إلى دار رئيس الكهنة، في الوقت الذي اختفى فيه الجميع عدا يوحنا.
من المعروف أن الوحي في المسيحية يختلف عن مفهوم الوحي الإسلامي المُنْزَل "بالحرف والنص"، فالهدف هو إيصال الفكرة، ولكن الأسلوب يُتْرَك للكاتِب (كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى).. فقد نجد اختلافًا في الترتيب الزمني للأحداث، أو ذِكْر تفاصيل لم يذكرها كاتب آخر لنفس الحدث، أو نوعًا من الاختلاف في الأسلوب (لا يؤثر على المعنى).. وهكذا(3). لذا دخلت هذه القصة في موضوعات "النقد الكتابي" من تحليل أو هجوم على الاختلافات الظاهرية وخلافه.. وها هو عرض لتفاصيل القصة، ومحاولة تحليل النص لإيضاح وحدة الموضوع (والجدول به رقم أصحاح الإنجيل، مع رقم الآية والقائل في كل إنكار).
السفر/الإنكار | الإنكار الأول | الإنكار الثاني | الإنكار الثالث |
متى 26 | 69: جَارِيَةٌ | 71: أُخْرَى | 73: الْقِيَامُ |
مرقس 14 | 66: إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ | 69: الْجَارِيَةُ أَيْضًا | 70: الْحَاضِرُونَ |
لوقا 22 | 56: جَارِيَةٌ | 58: آخَرُ | 59: آخَرُ |
يوحنا 18 | 17: الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ | 25: (مجموعة) | 26: وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ |
وإليك تحليل الشخصيات في كل إنكار:
الإنكار الأول: يوجد اتفاق عام على شخص السَّائِل، فهي جارية بوابة (في حراسة الباب)، وجميع الخدم والجواري بالطبع يعملون في خدمة رئيس الكهنة ومَنْ معه.
الإنكار الثاني: يبدو أن الجارية الأولى قالت لجارية أخرى وأحد الحضور حول الأمر، فذهبوا جميعًا لمواجهة بطرس بالأمر، وفي حالة من الهرج كان الكل يتكلَّم، فاتهمتهُ نفس الجارية مرة أخرى، مما أثار الجارية التي معها فبدأت في اتهامه، ثم دخل الرجل ليؤمِّن على الاتهامات(4). وقد اتضح هذا من إنجيل يوحنا حينما قال أن السائِل كان مجموعة أشخاص "فَقَالُوا لَهُ".
الإنكار الثالث: انتشر خبر وجود التلميذ وسط الحضور، وهذا يقول لذاك، إلى أن رآه قريب ملخس (ملخس هو عبد رئيس الكهنة الذي قطع بطرس أذنه في بستان جثسيماني)، فقاد مجموعة من الموجودين في الاتهام الثالث (أو كان مجرد واحد منهم).
قد اهتممنا بعاليه بشخص المُدَّعي في كل إنكار حسب كل إنجيل، وذلك لأنه هو المحور الرئيسي للاختلافات. في حين أن البعض اعترض على أمور أخرى، مثل مكان الاتهام، ووقته، أو صيغة السؤال والجواب.. وها هو تحليل أي اختلافات في تلك النِّقاط:
1- مكان الإنكار الأول: هل من بعيد حينما دخل بطرس "إِلَى دَاخِل وَجَلَسَ بَيْنَ الْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ النِّهَايَةَ" (مت 26: 58؛ يو 18: 18)، "خَارِجًا فِي الدَّارِ" (مت 26: 69) - أم "فِي الدَّارِ أَسْفَلَ" (مر 14: 66) - أم "فِي وَسْطِ الدَّارِ" (لو 22: 55):
هنا نرى اتفاق متى ويوحنا بوجود بطرس مع الخدام، والجميع يتفق على كونه في الدار (مثل متى)، ولكن النقطة هل كان في الدار من أسفل أم من وسطه. وهنا يجب -كالعادة- النظر للكتاب المقدس كوحدة واحدة، وليس باقتطاع آية واحدة لإيصال معنى. فنرى في مواضِع عدة (في العهد الجديد خاصة) كيف كانت بعض المباني بها "عُلِّيَة" أي حجرة في دور مرتفع (مر 14: 15؛ لو 22: 12؛ لو 24: 33, 36؛ يو 20: 19, 26؛ أع 1: 13؛ 9: 37-40؛ 20: 7-10). وهنا نرى أن بطرس خارجًا "في الدار"، وهذا لا يتعارَض عن كونه في وسط الدار، أي في الساحة، وهذه الساحة تقع أسفل حجرة عُليا بالدار.
2- مكان الإنكار الثاني: هل في "الدِّهْلِيزِ" (مت 26: 71؛ مر 14: 68) - أم عند الباب في الداخل (يو 18: 16، 25):
وهنا لا تعارض كذلك حيث أن الدهليز هو المساحة من بوابة الدار إلى الدار نفسه.
3- وقت الإنكار الثالث: هل "بَعْدَ قَلِيل" (مت 26: 73؛ مر 14: 70)، أم بعد ساعة "وَلَمَّا مَضَى نَحْوُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ" (لو 22: 59):
في هذا لا تعارض أيضًا، حيث أن "نحو ساعة" قد تعني أقل من الساعة.. فلوقا هو الذي حاول تقييم الوقت بالضبط..
4- أما صيغ الأسئلة والردود عليها، فنرى كيف يذكر أحد الإنجيليين جملة الرد بالضبط، وآخر يوضح فقط النكران، وإن كان هناك اختلاف في صيغة السؤال فهذا راجع لحالة الهرج واجتماع الكثيرين حول بطرس في الاتهامات، والكل يلقي كلمة عليه..
ملاحظة عن معرفة يوحنا بتفاصيل أكثر من البقية: نرى أن يوحنا كان شاهد عيان، فهو وبطرس فقط تبعا المسيح وهرب الباقون. ولكن بطرس احْتُجِز عند الباب، إذ لم يكن معروفًا لخدام قيافا. ولكن يوحنا كان معروفًا فهو وأخيه يعقوب غالبًا كانوا أقارب لرئيس الكهنة أو من ضمن المتعاملين مع الدار في أعمال أخرى. وهذه المعرفة هي التي أهَّلَت يوحنا ليعرف اسم عبد رئيس الكهنة ملخس، بل تعرف على نسيب ملخس بين الخدام، وأهلته لدخول بيت قيافا دون حرج في هذا الموقف الخطير. وهو أيضًا عَرِف أن الجارية التي أنكر بطرس المسيح أمامها هي البوابة، بل هو توسَّط لبطرس لكي يدخل (يو 18: 16). وهذه القرابة (أو التعامل مع الدار) هي التفسير لكيف أنهم لم يعترِضُوا على دخوله. نرى هنا إمكانيات يوحنا في التعرف على أهل بيت رئيس الكهنة مما يشير لقرابته (أو لمعرفتهُ) لأهل البيت(6).
لما قال المسيح لتلاميذه كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة، قال بطرس "أنا لا أشك" وكان في هذا كبرياءً من بطرس، فهو قد شكَّ في كلام المسيح بكبرياء، بينما هو رأي من سابِق عشرته للسيد معرفته بكل شيء، وهنا تركه المسيح ليشفيه وليتأدَّب. وكان من المفروض أن يقول بطرس للسيد، أعنى حتى لا أشك، ولكنه أخطأ، فتركه السيد ليسقط فيعرف ضعفه ولا يعود يثق في ذاته. ونلاحظ أنه بعد هذه السقطة وبعد أن تأدب قال للسيد حين سأله "أتحبني" أجاب "أنت تعلم أني أحبك" فهو قد أصبح لا يثق في ذاته، وقارن هذا القول بأنه سيبذل نفسه عن السيد بينما سيده يقول له ستشكون فيَّ في هذه الليلة، فهل كان يتصور أن السيد لا يعلم. ونلاحظ أن المسيح كان يعلم مستقبل بطرس وأنه سيصنع معجزات ويؤمن على يديه ألوف، وهو سمح بسقوطه حتى لا يتكبر، كما سمح لبولس بشوكة في الجسد لئلا يرتفع. ونلاحظ أن المسيح لم يجعله يسقط بل هو رفع عنه العناية الإلهية التي تحفظه. وهذا يفسر كلام المسيح له "وأنا طلبت إلى الآب حتى لا يفنى إيمانك" فالمسيح هو الذي يعتني بنا أما بطرس ففي كبريائه الأول ظن أن قوته وسيفه هما اللذان يحميانه. وبطرس صار لنا مثالًا، لذلك قال له المسيح "وأنت متى رجعت فثبت إخوتك"(5).
إن المشاعر المُتضاربة لبطرس ومحاولة تحليل مدى قسوة الأحداث عليه، وإظهار ضعف طبيعته البشرية، كل هذا وضع القصة من ضمن الموضوعات المُفضلة لرسّامي العالم، وستجد نماذج من تلك الصور من زياراتنا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت لإيطاليا والفاتيكان ومتحف اللوفر بفرنسا وغيره (في قسم الجاليري "معرض الصور").
ولاحظ أننا يجب أن نضع قصة إنكار بطرس للمسيح بجانب قول الرب: "مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 10: 33). فبالرغم من إنكار بطرس للمسيح بالفعل، فإنه ندم وبكى بكاءً مرًّا وتاب على خطيته.. وقد سامَحهُ الرب صراحةً بعد القيامة.
انهار بطرس حينما نظر له الرب بعد إنكاره الثالث، وتذكَّر التحذير السابق، وذكرياته هو والجميع مع الرب يسوع، وكيف سقط من المستوى المرتفع الذي وضع نفسه فيه، وتحطمت ذاته وكبرياؤه أمام عينيه. وكان كافِيًا فقط أن يلتفت الرب له ليتذكَّر (لو 22: 61)، "فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا" (مت 26: 75؛ لو 22: 62). كان بُكاء توبة وندم وليس بكاء يأس وعدم نية للتغيير والتكفير عن الخطيئة مثل يهوذا.
كان الرب يسوع يعرف كيف تحطمت نفسية بطرس بسبب ما فعل، لذا أراد أن يرفعه لمستوى أعلى.. فحينما قام السيد المسيح من الأموات أرسل ملاكًا ليقول لهنَّ: "اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ" (إنجيل مرقس 16: 7). وهنا تخصيص لبطرس، لا لشيء سوى ليرفعه من ضيقه الذي وضع نفسه فيه. وبعدما "أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ" (إنجيل يوحنا 21: 1)، تحدَّث مع بطرس وسأله ثلاث مرات هل يحبه، ليشير إلى إصلاح نفسية بطرس المنكسرة، ورد اعتباره كتلميذ ورسول، ومسامحة الرب له بعد توبته (إنجيل يوحنا 21: 15-17).
كما نرى كيف أن الإنكار الثُلاثي تبعه سؤال المسيح الثلاثي له: "أتحبني؟"، كأن كل شهادة من بطرس بحبه للمسيح مرة أخرى تمسح نكرانه ولعنه له.
كان ندم بطرس الشديد وبكاءه بكاءً مُرًّا، وتوبتهُ العميقة هي التي برَّرَتهُ وجعلته من القديسين، بعكس يهوذا الذي أجرم في حق المسيح، ولكنه يأس وانتحر وهو في يأسه. كما أن إنكار بطرس كان ناتِجًا عن خوف طبيعي، أمّا يهوذا فقد خان دون مبرر وأخذ الثمن، وقام بوضع خطة القبض على يسوع بكل تفاصيلها. وحتى بالرغم من هذا إن كان يهوذا قد تاب توبةً حقيقةً وعاش حياة البِر كباقي التلاميذ لاحقًا، كان سيُحسَب من ضمن قديسي الكنيسة (القديس يهوذا الإسخريوطي، أو الشهيد يهوذا الإسخريوطي)، إلا أنه قطع على نفسه باب الرجاء وقَتَلَ نفسه.
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org
(م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.(1) The Gospel according to St. John: an introduction with commentary and notes on the Greek text, Charles Kingsley Barrett, S.P.C.K., 1965, p.87.
(2) تفسير يوحنا 18: محاكمة يسوع دينيًا ومدنيًا، سلسلة: من تفسير وتأملات الآباء الأولين: القمص تادرس يعقوب ملطي.
(3) راجع كتاب مفهوم الوحي والعصمة في الكتاب المقدس - أ. حلمي القمص يعقوب.
(4) مقال: محاكمة المسيح أمام رؤساء كهنة اليهود (من بحث: آلام المسيح والقيامة | دراسة في الأناجيل الأربعة يوم الجمعة من أحداث أسبوع الآلام - القس أنطونيوس فكري).
(5) المرجع السابق.
(6) المرجع السابق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dywb7cy