St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

82- هل خَلَت الكتب اليهودية من أي ذكر ليسوع التاريخ، وهل شهادة يوسيفوس لشخصية يسوع المسيح التاريخية شهادة مزيَّفة، لأنها دُسّت بأيدي مسيحية؟ وهل هناك أي مؤرخين آخرين ذكروا يسوع المسيح كشخصية تاريخية؟

 

س82 : هل خلت الكتب اليهودية من أي ذكر ليسوع التاريخ، وهل شهادة يوسيفوس لشخصية يسوع المسيح التاريخية شهادة مزيَّفة، لأنها دُسّت بأيدي مسيحية؟ وهل هناك أي مؤرخين آخرين ذكروا يسوع المسيح كشخصية تاريخية؟

 يقول "الدكتور أحمد شلبي": "والحديث عن عيسى بن مريم عند اليهود موجز للغاية، فأنه لا يوجد في تاريخ اليهود الديني ولا في كتبهم أي ذكر لعيسى بن مريم، ولا لدعوته ولا لأحداث القبض عليه وصلبه، فالذي يقرأ كتب اليهود لا يجد لعيسى ذكرًا، وهذا هو الذي حدا ببعض الغربيين إلى اعتبار عيسى شخصية خرافية"(589).

 يقول "الدكتور علي عبد الواحد وافي": " أن مظاهر الشك والريبة التي أحاطت بأسفار المسيحيين ومؤلفيها قد حملت بعض الباحثين من الفرنجة إلى الشك في شخصية المسيح نفسه. بل لقد أنكر بعضهم وجوده إنكارًا تامًا، وزعموا أنه شخصية أسطورية نسجت حولها هذه العقائد والعبادات والشرائع. ومن أهم ما يستدل به أصحاب هذا الرأي أن يوسف المؤرخ اليهودي الشهير... لم يشر في تاريخه إلى ظهور شخص في عصره اسمه المسيح، مع أنه كان معاصرًا للأحداث الأولى للمسيحية. ولكن المتأخرين من النصارى دسُّوا في كتابه جملة عن المسيح ثبتت في بعض نسخ هذا الكتاب وبدت حاملة في مظهرها دليل إقحامها كأنها الرقعة الجديدة في الثوب الخلق. ولا أدل على ذلك من أن العلاّمة ابن حزم وهو من رجال القرن الخامس الهجري (383-457 هـ) قد ذكر في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" أن يوسف لم يذكر في كتابه شيئًا صريحًا عن المسيح، وفي ذلك يقول: "قرأت في تاريخ مهم جمعه رجل هاروني كان قديمًا فيهم ومن كبارهم وأئمتهم قد أدرك المسيح واسمه يوسف بن هارون. وقد ذكر ملوكهم وحروبهم إلى أن وصل إلى قتل يحيى بن زكريا عليه السلام، فذكره أجمل الذكر، وعظَّم شأنه، وأنه قُتل ظلمًا لقوله الحق. وذكر أمر المعمودية ذكرًا حسنًا ولم ينكرها ولا أبطلها. ثم قال في ذكره لذلك الملك هردوس بن هردوس: وقتل هذا الملك من حكماء بني إسرائيل وخيارهم وعلمائهم جماعة. ولم يذكر من شأن المسيح ابن مريم أكثر من هذا" (الجزء الثاني ص 82، 83)، وهذا يدل على أن كتاب يوسف المؤرخ اليهودي كان إلى عهد ابن حزم خاليًا من إشارة صريحة إلى المسيح" (590)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Jesus Christ Pantocrator - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع الضابط الكل، البانطوكراتور - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

St-Takla.org Image: Jesus Christ Pantocrator - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع الضابط الكل، البانطوكراتور - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

 ج : لم تخلو كتب اليهود من ذكر السيد المسيح، فالتلمود وهو من أهم الكتب اليهودية تكلم عنه، وحاول "كلاوزنر" Klausner جمع النصوص التلمودية التي جاء فيها ذكر يسوع المسيح، ومن أهم هذه النصوص نص يرجع تاريخه ما بين 70 - 200م جاء فيه: " عُلّق يسوع في ليلة عيد الفصح، ولكن قبل تنفيذه الحكم ولمدة أربعين يومًا سار المنادي معلنًا: أنه سوف يُرجَم لأنه مارس السحر وضلّل إسرائيل. وأي شخص يمكنه أن يدلي بشيء في مصلحته فليتقدم للدفاع عنه. ولكن إذ لم يكن هناك من يمكن أن يبرئه فهذا يؤدي به إلى أن يُعلّق في ليلة الفصح" (591). (راجع أيضًا الدكتور القس حنا جرجس الخضري - تاريخ الفكر المسيحي جـ1 ص 148).

 ويقول "الأب بولس إلياس اليسوعي": "ذكر التلمود أن الإسرائيليين أقرُّوا عجائب يسوع الناصري، لكنهم نسبوها تارة إلى الشيطان وطورًا إلى "يهوه" إله إسرائيل الذي استخدم المسيح اسمه (فصل 12 : 1-27)" (592).

 أما "فلافيوس يوسيفوس" Flavius Josephus (37 - 100م)، وهو المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي، واسمه اليهودي يوسيفوس بن متاتياس، واسمه الروماني "فلافيوس"، وهو من نسل كهنوتي وعمل بالسياسة، وقد أسره فسباسيان سنة 67م، وصار ضمن حاشية الإمبراطور، فكان مواليًا للرومان، لذلك لم يشجع الحركـات المسيانية مثل جماعة الغيورين، وعمل مترجمًا خلال ثورة اليهود، ثم اقتيد إلى روما حيث ألَّف كتابه "حروب اليهود" في نهاية السبعينات، وكتابه "آثار اليهود" (العاديات) وهو مؤلّف ضخم أنهاه نحو سنة 93م، وذكر اسم "يسوع" في كتاباته ثلاث مرات، فكتب في كتابه العاديات (العاديات 18 : 63 - 64) أن بيلاطس حكم على يسوع بالصليب، على إثر وشاية اليهود الأوائل به، كما كتب في (العاديات 18 : 3 : 3) عن إيمان المسيحيين بقيامة السيد المسيح ومعجزاته، وفي (العاديات 20 : 9 : 1) كتب أن يعقوب أخي يسوع الذي يُدعى المسيح قد استشهد (راجع يسوع التاريخي - محاضرات ومقالات نسقها وقدم لها الأب أيوب شهوان ص 440).

 وقال "يوسيفوس" في كتابه "آثار اليهود": " كان في ذلك الوقت رجل حكيم أسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجلًا، لأنه كان يصنع العجائب وكان معلمًا لمَن كانوا يتقبلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من اليهود والأمم على حد سواء... وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حيًا مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عـن هذه الأشياء، وعن آلاف الأشياء العجيبة المختصة به. وجماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، ما زالوا موجودين حتى هذا اليوم" (593).

 وقد أحضر رئيس الكهنة حنان الصغير يعقوب أخي الرب وقدمه للمحاكمة أمام مجمع السنهدريم، فيقول "الدكتور القس حنـا جرجس الخضــري": " ونفس المـؤرخ (يوسيفوس) يتكلم عن حادثة أخرى ويذكر فيها اسم يسوع فيقول: لقد دعا حنانيا السنهدريم للانعقاد وقدم له يعقوب أخا يسوع الذي يُقال له المسيح مع آخرين، ولقد اتهموهم بكسر الناموس فحُكم عليهم بالرجم ونُفذ هذا الحكم في عيد الفصح في سنة 62 ب.م ". وسفر أعمال الرسل يشير إلى هذه الحادثة بالقول: "فِي ذلِكَ الْوَقْتِ مَدَّ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيئَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْكَنِيسَةِ، فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ" (أع 12 : 1، 2)" (594).

  وطعن البعض في شهادة يوسيفوس، وقالوا أنها شهادة دخيلة وُضِعت بأيـدي مسيحية، والدليل على هذا أن يوسيفوس كتب بتوسع فذكر تاريخ اليهود منذ بدء الخليقة حتى سنة 66م في 20 مجلد، وكرَّس صفحات كثيرة لأحداث وأشخاص تقل أهميتهم جدًا عن شخصية يسوع... فلماذا لم يُسهب في الحديث عن يسوع؟

 والحقيقة أن المسيحيين هم أُناس شرفاء صادقين مع الله ومع أنفسهم، ضحوا بكل شيء من أجل إيمانهم، فهم ليسوا في حاجة أن يدسُّوا قولًا على كتابات يوسيفوس، كما تغافل هؤلاء النُقَّاد أن اعتراف يوسيفوس بيسوع على أنه المسيح يعني ببساطة اعترافه بمسيانيته، بينما كان يوسيفوس ضد هذه الجماعات المسيانية ودعاها "جماعة اللصوص" وذلك بسبب تعاطفه وتعاونه مع الرومان، فقد كان يوسيفوس سياسيًا محنكًا، بل أنه عمل مستشارًا للإمبراطور الروماني فيما يختص بالشئون اليهودية، ولذلك أبغض يوسيفوس هذه الحركات المسيانية التي تقاوم الرومان، ورأى أن السبب في خراب أورشليم سنة 70م هم هؤلاء اللصوص والقراصنة، وقد تجنب الحديث عن يسوع وتلاميذه حتى لا تتهمه القوات الرومانية بأنه واحد منهم.

 ويقــول "الدكتور القس حنا جرجس الخضري": "إذًا فقد كان صمت يوسيفوس (أو شبه الصمت) ما هو إلاَّ صمتًا سياسيًا دبلوماسيًا لأنه لم يرد أن يسيء إلى علاقته بالسلطات الحاكمة الرومانية التي منحته امتيازات كثيرة، ولا إلى علاقاته مع اليهود أبناء شعبه. وفي الوقت نفسه لا يريد أن يعرض أتباع يسوع لبطش الرومان... لهذه الأسباب يعتقد الكثيرون بأن يوسيفوس فضل أن يسدل ستارًا على شخصية يسوع"(595).

 ويرد الأديب الكبير "عباس محمود العقاد" على المشككين في شهادة يوسيفوس وادعائهم بأنها دُسَّتْ بأيدي مسيحية، فيقول: "فقد ذكر هورن أن هذه العبارة موجودة في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة التي حفظتها مكتبة الفاتيكان في الترجمة العبرية، وأن العبارة نفسها موجودة في النسخة العربية التي تحفظها الطائفة المارونية بلبنان، وأن كتَّاب القرن الرابع والقرن الخامس من السريان والإغريق والمصريين قد أطلعوا عليها واستشهدوا بها، وأن يوسيفوس قد أشار في موضع آخر إلى جيمس (يعقوب) أسقف أورشليـم حيث قال: "أن حنانيا عقد السنهدرين اليهودي وأحضر أمامه جيمس أخا عيسى (يسوع) المُسمى المسيح.." وقال هورن: "ولو أن أوسبياس Eusabius أول من استشهد بالعبارة المتقدمة كان قد أثبتها مختلقًا لها، لما عدم ناقدًا يكشف دسيسته من المطلعين على كتاب يوسيفوس وهو كتاب له مكانة موقرة بين الرومان من قديم الزمن، وبفضل هذه المكانة كسب يوسيفوس شرف الوطنية (الجنسية) الرومانية، بل كان من الراجح جدًا أن يتصدى اليهود لمن يدرّس تلك العبارة في تاريخهم الأشهر فيفضحوه تفنيدًا له وتفنيدًا للديانة التي يدعيها". وختم هورن ردوده بتوجيه عبارة يوسيفوس إلى معنى لا يستلزم أن يكون المؤرخ اليهودي مؤمنًا بالمسيحية أو برسالة المسيح المنتظر، ولعله سماه "المسيح" رواية عن أتباعه الذين كانوا يدعونه مسيحًا ويعرفونه بشهرته الغالبة"(596).

 ويقول "الأب بولس لويس اليسوعي": "وقد أثبت النقد العلمي صحة هذه الشهادة التي تناقلتها المخطوطات العبرية واليونانية والتي أوردها أوسابيوس (القيصري) المؤرخ المسيحي الشهير في أوائل القرن الرابع في كتابه المعروف "إثبات الإنجيل" (قسم 3 فصل 5). (راجع : مشرق، 1911 الإنجيل الشريف للأب رباط اليسوعي، و "مين" الآباء اليونان 22 / 222)" (597).

 

 ولم يكن يوسيفوس هو المؤرخ الوحيد الذي ذكر اسم يسوع، ولكن كان هناك مؤرخون آخرون ذكروا اسم يسوع كشخصية تاريخية حقيقية، ومن هؤلاء المؤرخين:

كرنيليوس تاسيتوس - بليني الصغير - سيوتونيوس - ديوناسيوس الأريوباغي - لوسيان الساموساطي - ثالوس - مارابار سيرابيون - كلسوس

 

كرنيليوس تاسيتوس Tasitus (55 - 120م): وهو مؤرخ روماني كان معروفًا باستقامة أخلاقه، كتب "الحوليات" الذي يغطي الأحداث من موت أغسطس قيصر سنة 14م إلى موت نيرون سنة 68م، و "التواريخ" الذي يغطي الأحداث من موت نيرون سنة 68م إلى موت دوميتيان سنة 96م، وجاء في كتاب "الحوليات": "أن كل العون الذي يمكن أن يجئ من الإنسان، وكل الهبات التي يستطيع أن يمنحها أمير، وكل الكفارات التي يمكن أن تُقدم إلى الآلهة، لا يمكن أن تعفي نيرون من جريمة إحراق روما. ولكي يُسكت نيرون الأقاويل اتهم الذين يُدعون "مسيحيين" مـن قِبل عامة الناس ظلمًا بأنهـم أحرقوا روما، وأنزل بهم أقسى العقوبات حيث كانت الأغلبية تكره المسيحيين، أما المسيح - مصدر هذا الاسم - فقد قُتل في عهد الوالي بيلاطس البنطي حاكم اليهودية في أثناء سلطنة طيباريوس. ولكن هذه البدعة الشريرة التي أمكن السيطرة عليها بعض الوقت عادت وانتشرت من جديد، لا في اليهودية فقط حيث نشأ هذا الشــر ولكــن في مدينة روما أيضًا"(598).

 ومن الملاحظات على شهادة تاسيتوس هذه:

أ - أخطأ تاسيتوس مثل معظم الكتَّاب الوثنيين في هجاء كلمة "المسيح" فقال Christus

ب - ذكر تاسيتوس اسم المسيحيين وما قاسوه من عذابات ظلمًا لاتهامهم ظلمًا بحرق روما الذي قام به نيرون.

جـ - ذكر تاسيتوس أن المسيح قُتل في عهد بيلاطس والي اليهودية.

د - ذكر تاسيتوس انتشار المسيحية خارج اليهودية ووصولها إلى روما.

ويورد "الدكتور القس حنا جرجس الخضري" شهادة تاسيتوس ويعلق عليها قائلًا: "أن المسيحيين لُقبوا بهذا الاسم بسبب نسبتهم إلى المسيح الذي في عهد طيباريوس، حكم عليه بالموت بيلاطس البنطي، ومع أن هذه الخرافة الشنيعة قُضي عليها في وقتها، بالقضاء على الذي بدأ بها، إلاَّ أنها انتشرت من جديد ليس فقط في اليهودية مهد هذا الشر بل في روما نفسها، ليس فقط لأنهم أحرقوا روما بل لأنهم أعداء الجنس البشري" (انظر كتاب بورنكام Bornkamm G. ص 34، 35). إن أسلوب هذه الشهادة يُبعد عنها كل الشبهات بأنها دخيلة على التاريخ أو عمل يد مسيحية لأنها تلقي جريمة حرق روما على المسيحيين، وهيَ التهمة التي اتهم بها نيرون المسيحيين، كمـا أن المؤرخ يصفهـم بأعـداء البشرية.."(599) (راجع الأب بولس إلياس اليسوعي - يسوع المسيح شخصيته - تعاليمه ص 13).

 ويقول "عباس محمود العقاد" أن المؤرخ الروماني تاسيتس قد أشار إلى اسم المسيح في سياق الكلام عن حريق روما حيث قال: " أن الإمبراطور نيرون أقلقه إتهام الناس إياه بإحراق المدينة فألقى التهمة على طائفة العامة الذين يُسمون بالمسيحيين ويُنسَبون إلى المسيح الذي حكم عليه بونتياس بيلاطس بالموت في عهد القيصر طيباريوس"(600).

2ــ بليني الصغير Pliny (62 - 114م): وكان حاكمًا لبيثينية بآسيا الصغرى وأرسل سنة 112م لتراجان الإمبراطور الروماني يخبره بمعاملته للمسيحيين، فيقــول له: " أن هذا المذهب انتشر في كل مدينة وفي كل قرية، فقد هُجرت هياكل آلهتنا مع مذابحها، ولهذا فقد ألقيتُ الشماسات في السجون لتعذيبهن، وكان رد الفعل هو صلواتهن الحارة. وعادة يجتمع المسيحيون قبيل الفجر في يوم محدَّد لإكرام المسيح إلههم بالترانيم" (601)، كما أخبره أنه يُرغم المسيحيين على السجود لتمثال الإمبراطور (تراجان) وأيضًا يرغمهم على لعن المسيح، كما أوضح للإمبراطور: "أنهم أكدوا أن ذنبهم أو خطأهم الوحيد هو أنه كانت لهم عادة أن يجتمعوا في يوم معين قبل بزوغ النهار ويرنّموا ترنيمة للمسيح، كما لو كان إلهًا، ويتعهدوا عهد الشرف إلاَّ يرتكبوا شرًا أو كذبًا أو سرقة أو زنا، وألاَّ يشهدوا بالزور وألاَّ ينكروا الأمانة متى طُلب منهم أن يؤدوها"(602).

واستفسر بليني من الإمبراطور عما إذا كان يستمر في سياسته هذه، أم أنه يكتفي بقتل أشخاص معينين؟ فرد الإمبراطور على بليني قائلًا: " لا ينبغي السعي في إثر هؤلاء الناس، ولكن إذا ما أدينوا وثبتت فعلتهم يجب معاقبتهم، إلاَّ إذا أنكر الشخص مسيحيته وقدم الدليل على ذلك (بعبادة آلهتنا)، ففي هذه الحالة يعفى عنه على أساس توبته حتى لو كان موضع شبهات من قبل" (603).

سيوتونيوس Suetonius : عاش ما بين (70 ـ 150م) وكان صديقًا لبليني الصغير، وهو أحد رجال البلاط الإمبراطوري في أيام هادريان (117 - 138م)، وصار هو مؤرخ القصر الإمبراطوري فكتب عن القياصرة من يوليوس إلى دومتيـان، ويقول عنه "جوش مكدويل": " وفي إحدى مؤلفاته يقول سيوتونيوس: لقد فرض نيرون العقوبات على المسيحيين، وهم جماعة من الناس يتبعون بدعة شريرة جديدة... ويعتقد سيوتونيوس - الذي لم يكن محبًا للمسيحية - أن يسوع صُلب في أوائل الثلاثينات من عمره وأن المسيحيين قد وُجِدوا في المدينة الملكية (روما) قبل مرور عشرين عامًا من ذلك الوقت، وهو يحكي عن معاناتهم وموتهم بسبب عقيدتهم في أن يسوع المسيح قد عاش ومـات وقـام من الأموات حقًا"(604). وفي كلامه عن نيرون (فصل 16) اعتبر المسيحيين أناسًا استسلموا لخرافة جديدة (راجع يسوع التاريخي - محاضرات ومقالات نسقها وقدم لها الأب أيوب شهوان ص 390).

ويقول "عباس محمود العقاد": " وكذلك لم يذكر سوتينيوس خبرًا مباشرًا عن السيد المسيح ولكنه قال في تاريخه لقيصر كلوديس: "أنه نُفي من رومة جماعة اليهود الذين كانوا على الدوام يثيرون المتاعب بتحريض كريستس، وكتبها هكذا باللاتينية Chrestus لأن الاسم ألتبس عليه بين كرستس بمعنى الطيب وكريستس بمعنى المسيح. وأيًا كان مستند هذا المؤرخ فلا يستفاد من روايته إلاَّ أن العاصمة الرومانية كان فيها أناس يُعرفون بِاسم المسيحيين عند منتصف القرن الثاني للميلاد، وأنه كان يحسب أن الزعيم كرستس كان يحرّض أتباعه بنفسه في ذلك التاريخ" (605).

ديوناسيوس الأريوباغي Dionysius the Areopagite : كان ديونسيوس قاضيًا في محكمة أثينا العليا (أريوس باغوس)، ودرس في مصر علوم الفلك والهندسة والقانون والطب، فكانت هذه تعد شروطًا لتولي منصب القاضي، حتى يكون ملمًا بعلوم عصره، وعندما رُفع السيد المسيح على الصليب وحدث كسوف كلي للشمس، فسَّر ديوناسيوس هذه الظلمة بأحد الاحتمالات الآتية:

أ - أن العالم أوشك على النهاية.

ب - أن يكوم ما تعلمه من قواعد الفلك غير صحيحة.

جـ - أن إله الكون يتألم.

وعندما ذهب بولس الرسول إلى أثينا وتحدث في أريوس باغـوس آمن ديوناسيوس (أع 17 : 34)، وصار أسقفًا لأثينا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كما أنه تتلمذ على يد يوحنا اللاهوتي وأقام في أسقفيته نحو خمسين سنة، ونال إكليل الشهادة وله من العمر 102 سنة، بسبب كثرة الذين آمنوا على يديه، في عصر الإمبراطور دومتيانوس (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 475).

لوسيان الساموساطي Lucian (125 - 190م): وُلِد في ساموساطا وعمل محاميًا في أنطاكية وكاتبًا، وكان يتجول في بلاد اليونان وروما حيث يحاضر، وهاجم المسيحية، ووصف المسيحيين بأنهم: " بلهاء وأنهم يزدرون بالأشياء الدنيوية ويرون أنها ملك مشترك بينهم جميعًا" (606).

ويقول "جوش مكدويل": " لوسيان الساموساطي هو كاتب يوناني عاش في القرن الثاني الميلادي، وحوت أعماله السخرية والنقد للمسيحية:

إن المسيحيين كما تعلم يعبدون إلى هذا اليوم رجلًا ذا شخصية متميزة، وقد استحدث الطقوس الجديدة التي يمارسونها، وصُلب لهذا السبب... انظر كيف أن هؤلاء المضلين يعتقدون أنهم خالدون مدى الدهر، وهو ما يفسر احتقارهم للموت وبذل الذات طواعية وهو أمر شائع بينهم، وهم أيضًا يتأثرون بمشرّعهم الأصلي الذي قال لهم أنهم جميعًا أخوة من اللحظة التي يتحوَّلون فيها وينكرون كل آلهة اليونان ويعبدون الحكيم المصلوب ويعيشون طبقًا لشرائعه، وهم يؤمنون بهذه كلها، وهذا يؤدي بهم إلى احتقار كل متعلقات الدنيا على حد سواء واعتبارها متاعًا مشتركًا للجميع"(607).

ثالوس Thallus: وهو مؤرخ روماني كتب سنة 52م عن تاريخ أمم شرق البحر المتوسط منذ حرب طروادة وحتى نحو سنة 52 م.، وبالرغم من أنه كتبه قد فقدت إلاَّ أن العديد من المؤرخين قد اقتبسوا منه، ومنهم يوليوس أفريكانوس، الذي يقول عنه "جوش مكدويل": " يوليوس أفريكانوس الذي استشهد بأقوال ثالوس حوالي عام 122م في حوار حول الظلمة التي تبعت صلب المسيح: لقد خيمت ظلمة رهيبة على العالم كله، وتشقَّقت الصخور بفعل الزلزال، وتهدمت الكثير من مناطق اليهودية وغيرها. ويطلق ثالوس في الجزء الثالث من تاريخه عن هذه الظلمة: كسوف الشمس وهو قول لا أرى له مبررًا"(608).

St-Takla.org Image: Some busts of famous men, of them at the very bottom right: bust of Pythagoras of Samos (570-495 BC), the ancient Ionian Greek philosopher and the eponymous founder of Pythagoreanism - Capitoline Museums (Musei Capitolini), Rome, Italy. It is located in Piazza del Campidoglio, on top of the Capitoline Hill. It was established in 1734. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض تماثيل نصفية لرجال مشاهير، من ضمنهم (أقصى أسفل اليمين): تمثال نصفي للفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس من ساموس (570-495 BC)، مؤسسة الحركة الفيثاغورية - صور متاحف كابيتوليني، روما، إيطاليا. وهو مجموعة متاحف في متحف واحد، موجود في أعلى تل كاپيتوليني، وأنشئ عام 1734 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

St-Takla.org Image: Some busts of famous men, of them at the very bottom right: bust of Pythagoras of Samos (570-495 BC), the ancient Ionian Greek philosopher and the eponymous founder of Pythagoreanism - Capitoline Museums (Musei Capitolini), Rome, Italy. It is located in Piazza del Campidoglio, on top of the Capitoline Hill. It was established in 1734. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض تماثيل نصفية لرجال مشاهير، من ضمنهم (أقصى أسفل اليمين): تمثال نصفي للفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس من ساموس (570-495 BC)، مؤسسة الحركة الفيثاغورية - صور متاحف كابيتوليني، روما، إيطاليا. وهو مجموعة متاحف في متحف واحد، موجود في أعلى تل كاپيتوليني، وأنشئ عام 1734 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

كما يقول "جوش مكدويل": " فقد ذكر ثالوس الظلمة وفسَّرها أنها كسـوف للشمس، فأختلف معه يوليوس الأفريقي قائلًا: "يفسر ثالوس هذه الظلمة بحدوث كسوف للشمس"، وهذا التفسير غير معقول من وجهة نظري لأن الكسوف لا يمكن أن يحــدث وقت اكتمال القمر، وكان ذلك الوقت هو وقت عيد الفصح عند اكتمال القمر عندما مات المسيح"(609).

7ــ مارابار - سيرابيون: كتب مارابار - سيرابيون السرياني الفيلسوف الرواقي سنة 70 م. رسالة وهو في السجن لابنه يشجعه على السعي في إثر الحكمة، وقارن بين قتل يسوع وقتل كل من سقراط وفيثاغورس قائلًا: " أية فائدة جناها الأثينيون من قتل سقراط؟ لقد أتى عليهم بالجوع والوباء جزاءً لجرمهم. وأية فائدة جناها أهل ساموس مـن إحـراق فيثاغورس؟ لقد غطت الرمال أرضهم في لحظة. وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لقد تلاشت مملكتهم عقب ذلك. لقد انتقم الله بعدل لهؤلاء الرجال الثلاثة الحكماء: فقد مات الأثينيون جوعًا، وغطى البحر سكان ساموس، وطُرِد اليهود من بلادهم حيث عاشوا في الشتات. ولكن سقراط لم يمت إلى الأبد ولكنه عاش في تعليم أفلاطون ولم يمت فيثاغورس إلى الأبد، فقد عاش في تمثال هيرا. ولم يمت الملك الحكيم إلى الأبد، ولكنه عاش في التعاليم التي أعطاها"(610).

8ــ كلسوس: فيلسوف أبيقوري وُلِد سنة 140م، وكان يناصب المسيحية العداء، وتهكم على السيد المسيح معتبرًا إياه ساحرًا ودجالًا ومخادعًا، واقتبس أكثر من ثمانين اقتباسًا من العهد الجديد حيث أشار ليوسف النجار، والمجوس، والهروب إلـى مصر، ومذبحة أطفال بيت لحم، ومعمودية المسيح من يوحنا، وطعن في حقيقة القيامة، وشكّك في الإنجيل، ووافق على بقاء المسيحيين بشرط أن ينسجموا مع أديان روما حتى لا تنشق الإمبراطورية فقال: " فليرجع المسيحيون إلى طرقهم القديمة، ويكفوا عـن إتباع هذه السخافة، التي اخترعت حديثًا، وهي عبادة اليهودي الذي صُلب حديثًا في ظروف مشينة، ليرجعوا إلى العبادة القديمة، عبادة الآلهة الكثيرة إلى عادات آبائهم، فالمسيحية بدعة خطرة حديثة، وإن لم توقف صارت نكبة على الإمبراطورية الرومانية"(611).

وفي كتابه "البحث الحقيقي" سخر من السيد المسيح قائلًا: " أن أحد أتباع المسيح أنكره وآخر خانه. وفي النهاية حُكم عليه بالموت صلبًا، فاحتمله لأجل خير البشرية" (612) كما تهكم على المسيح في قوله: " يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" ورد عليه العلامة أوريجانوس في كتابه "الرد على كلسوس".

ونختتم إجابة هذا السؤال بقول "جوش مكدويل": " يؤكد إدوين ياموتشي أستاذ التاريخ بجامعة ميامي أن لدينا من الوثائق التاريخية ليسوع ما يفوق الوثائق التي تشير إلى أي مؤسس ديني آخر (مثل زرادشت أو بوذا). ومن المصادر غير الكتابية التي تشهد للمسيح ينتهي ياموتشي إلى ما يلي: ولو لم يكن لدينا كتابات العهد الجديد المسيحية، لاستطعنا أن نستنبط الحقائق التالية من الكتابات غير المسيحية مثل كتابات يوسيفوس والتلمود وتاسيتوس وبليني الصغير:

(1) أن يسوع كان معلمًا يهوديًا.

(2) آمن الكثيرون من الناس أنه قام بأعمال الشفاء والسحر.

(3) أن رؤساء اليهود قد رفضوه.

(4) أنه صُلب في ظل ولاية بيلاطس البنطي وحكم طيباريوس.

(5) رغـم موت العار الذي اجتازه، إلاَّ أن أتباعه الذين كانوا يؤمنون أنه لا يزال حيًا، انتشروا إلى ما وراء فلسطين حتى أصبح هناك الكثير منهم في روما بحلول عام 64م.

(6) أن مختلف ألوان البشر من المدن والقرى - رجالًا ونساءً، عبيدًا وأحرارًا - قد عبدوه كإله بحلول القرن الثاني الميلادي (Yamauchi JUF, 221 , 222).

إن قوة وعمق حياة يسوع كشخصية تاريخية كان لها تأثير كبير على التاريخ... أنه الشخصية التي لها الحضور الأقوى في تاريخ الثقافة الغربية على مدى ما يقرب من عشرين قرنًا... أن أثر المسيح على حركة التاريخ ليس لها نظير... تقطع البراهين بأن يسوع قد عاش حقًا بيننا وصنع أعمالًا عظيمة حتى أن المصادر غير المسيحية والمعادية لا تقصر عن إثبات ذلك. وقد ضل السبيل المتشككون في حقيقة يسوع التاريخية"(613).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(589) مقارنة الأديان 2ـــ المسيحية ص 87.

(590) الأسفار المقدَّسة في الأديان السابقة للإسلام ص 104، 105 .

(591) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 99.

(592) يسوع المسيح شخصيته - تعاليمه ص 12.

(593) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 156.

 (594) تاريخ الفكر المسيحي جـ1 ص 149.

(595) المرجع السابق جـ 1 ص 153.

(596) حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث ص 98، 99.

(597) يسوع المسيح شخصيته - تعاليمه ص 12، 13 .

(598) أورده جوش مكدويل - برهان جديد يتطلب قرارًا ص 152.

 (599) تاريخ الفكر المسيحي جـ 1 ص 153، 154.

(600) حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث ص 99، 100.

(601) تاريخ الفكر المسيحي جـ 1 ص 154.

(602) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 153.

(603) المرجع السابق ص 99.

(604) المرجع السابق ص 153 .

 (605) حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث ص 100.

(606) وال ديورانت - قصة الحضارة جـ 11 ص 279.

 (607) برهان جديد يتطلب قرارًا ص 99.

(608) المرجع السابق ص 98.

(609) المرجع السابق ص 153.

(610) المرجع السابق ص 99، 100 وأيضًا 154.

(611) أورده رأفت شوقي - دراسات كتابية في المدخل إلى العهد الجديد ص 373.

(612) أورده أشرف جبره - الرد على مشكلات الكتاب المقدَّس التاريخية والقانونية ص 425.

 (613) برهان يتطلب قرارًا ص 164.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/82.html

تقصير الرابط:
tak.la/24nmtvc