St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

654- ما هيَ بدعة مونتانوس الذي ادَّعى أنه الباركليت؟ وما هيَ معتقدات المونتانية؟ وكيف سبت العقول وغزت القلوب؟ وهل اعتنق العلامة ترتليان فكر المونتانية؟

 

ج: أولًا: بدعة مونتانوس: عاش "مونتانوس" كإنسان وثني في فرجيا قرية "أردابو" Aradabau بفريجية، وقال القديس ديديموس الضرير عنه أنه كان كاهن للأوثان (الثالوث 30 - 41) واعتنق المسيحية، وكانت فريجيه مركزًا لعبادة الآلهة اليونانية "سيبيل" أم الآلهة الأسيوية وآلهة الخصب في منطقة فريجية، وتميَّزت هذه العبادة بالعنف، فالكهنة يخصون أنفسهم ويجرحون أنفسهم تقرُّبًا للآلهة، وكانوا يستحمون في دم الثور الذي يقدم ذبيحة لهذه الآلهة، وعندما آمن هؤلاء الوثنيون بالمسيحية حملوا معهم حماسهم الديني، كما أن المسيحية في منطقة آسيا الصغرى تميَّزت بالاهتمام بالأمور الخارقة مثل النبوات والمعجزات والاعتقاد بالمُلك الألفي، فعندما وُلدت هرطقة مونتانوس وجدت البيئة الخصبة لتنمو فيها، ولأن هرطقة مونتانوس خرجت من أرض فريجيا لذلك دُعيت "كاتا فريجيان" أي بحسب فريجية، أو "المانتونية" نسبة لمؤسسها "مونتانوس".

وفي نحو سنة 156م أعلن "مونتانوس" أنه هو "الباركليت"، المعزي روح الحق الذي وعد السيد المسيح بأن يرسله من الآب: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو 14: 26). وفضل المونتانيون إنجيل يوحنا لأنه أكثر الأناجيل حديثًا عن الروح القدس الباركليت، كما فضلوا سفر الرؤيا لأنه سفر نبوي والمونتانية تدور حول النبوة. ادَّعى "مونتانوس" أن دستور المسيح كان ناقصًا بسبب جهل الشعب حينئذ، فجاء مونتانوس مُرسلًا من الله ليكمل دستور المسيح، وقال البعض أن قول مونتانوس أنه الباركليت يُقصد به أن يقول أن الروح القدس كان يتكلم إليه وحده، فهو الوحيد الذي يعلن إرادة الله، لأنه قال عن نفسه بحسب ما ذكره "القديس أبيفانيوس" أنه "الآب": "فقد جئت لا ملاكًا ولا سفيرًا، بل الله الآب" أي أنه يريد أن يقول أنه مُرسل من الله الآب.

وظهر على الساحة بجوار مونتانوس نبيتان كاذبتان هما "بريسكلا" و"مكسيملا" اللتان تنبأتا عن قرب نهاية العالم، وأن السيد المسيح سيرجع سريعًا ويكون ملكوته في فريجية، وادَّعت "بريسكلا" أن السيد المسيح قد ظهر لها في شكل امرأة كما أخبرنا بهذا "القديس أبيفانيوس" أن بريسكلا قالت: "في هيئة امرأة جاء إليَّ المسيح في لُباس بهي، وغرس الحكمة فيَّ، وأعلن لي أن هذا المكان مقدَّس، وأن هنا سوف تنزل أورشليم من السماء" (119). وادَّعت بريسكلا ومكسيملا أن الروح القدس يلهمهما، وصدقهما الناس، ففاقت شعبيتهما شعبية مونتانوس الذي كانت تنتابه حالة هيجان نفسي أحيانًا، في وعظة معلنًا أنه هو مُطهّر الكنيسة من الشهوات، وهو الذي يقود شعب الكنيسة إلى ملء قامة المسيح. وقد كتب "يوسابيوس القيصري" تحت عنوان "الأنبياء الكذبة في فريجية": "أن عدو كنيسة الله... نشَّط ثانية في إثارة بدع غريبة ضد الكنيسة. لأن بعض الأشخاص زحفوا، كحيات سامة، إلى آسيا وفريجيه مفتخرين بأن مونتانوس هو البارقليط، وأن المرأتين اللتين تبعتاه، وهما بريسكلا ومكسيملا نبيتان لمونتانوس" (5: 14) (120).

وفي نحو سنة 160م حرم أساقفة آسيا مونتانوس وأتباعه، ودعوهم بكنيسة فريجية، وطردوهم من كنائس المدن فانتشروا في القرى، وفي مجمع القسطنطية سنة 381م اعتبرت الكنيسة أن المونتانيين مثلهم مثل الوثنيين، وكتب "القديس جيروم" رسالة إلى "مارسيلا" التي كانت منزعجة من مزاعم المونتانيين، ففنَّد آرائهم وردَّ عليها. وعندما تم الاعتراف بالمسيحية كديانة رسمية انطلقت معها أيضًا المونتانية، فبعض البسطاء أعجبوا بالمونتانية ولم يميزوا بينها وبين المسيحية، فنمت المونتانية وانتشرت في آسيا وأفريقيا وبعض دول أوربا، وانضم للحركة العلامة ترتليان، الذي أُعجب بمنهجها النُسكي، وأيضًا اعتنق فكر المونتانيين وشجع الحركة "فيكتور الأول" أسقف روما. وفي القرن السادس وبناءْ على أوامر الإمبراطور جستنيان ذهب "جون أوف" إلى قرية بيبوزا في فريجية، ودمَّر ضريح مونتانوس وزوجتيه بريكسلا ومكسيملا، وحتى القرن السادس كانت المونتانية قائمة، وظلت قائمة في بعض الأماكن النائية حتى القرن الثامن.

St-Takla.org Image: Montanus (2nd century), founder of Montanism and a self-proclaimed prophet. - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 20 June 2025. صورة في موقع الأنبا تكلا: مونتانوس (القرن الثاني)، مؤسس المونتانية وادعى النبوة. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 20 يونيو 2025 م.

St-Takla.org Image: Montanus (2nd century), founder of Montanism and a self-proclaimed prophet. - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 20 June 2025.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مونتانوس (القرن الثاني)، مؤسس المونتانية وادعى النبوة. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 20 يونيو 2025 م.

ويقول "يوسابيوس القيصري":

(7) كانت هناك قرية تُدعى أردابوا... وكان هناك شخص اسمه مونتانوس متنصر حديثًا، وبسبب تعطشه الذي لا يُحد للقيادة أعطى الخصم فرصة ضده، وأصبح خارج عقله. وإذ أصبح بغتة في حالة خبل وذهول صار يُهذي وينطق بأمور غريبة، ويتنبأ بحالة مغايرة لعادة الكنيسة السليمة المُسلَمة إليها التقليد منذ البداية.

(8) اشتد غضب بعض من سمعوا أقواله الزائفة وقتئذ، ووبخوه كشخص قد مسَّه خبل، وواقع تحت سلطان إبليس، ومدفوع بروح مُضل ومضلل للشعب، فمنعوه من الكلام، متذكرين نصيحة الرب نحو ضرورة التمييز والحذر من مجيء الأنبياء الكذبة...

(9)... وعلاوة على هذا حرك (الشيطان) امرأتين وملأهما روح الضلال حتى صارتا تتكلمان بشكل غريب وبلا روية ولا منطق كالشخص السابق ذكره (مونتانوس)... وقد علمهم الروح المتغطرس احتقار الكنيسة بأكملها الجامعة تحت السماء. لأن روح النبوة الكاذبة لم ينل منها أي إكرام ولا سمح له بدخولها" (5: 16: 7 - 9) (121).

وللأسف مات " مونتانوس " منتحرًا، ثم إنتحرت مكسيملا، كما مات سيمون الساحر منتحرًا، وهكذا، كانت نهاية مونتانوس ومكسيملا، فيقول " يوسابيوس القيصري ":" (1) ولكن الذي قيل هو أن مونتانوس ومكسيملا ماتا بنوع آخر من الموت. لأن الأخبار التي وصلتنا هيَ أنهما شنقا نفسيهما إذ إعتراهما روح جنون. وذلك ليس في وقت واحد بل في وقتين مختلفين ذكرتهما تلك الأخبار. وهكذا ماتا وختما حياتهما كالخائن يهوذا" (5: 16: 13) (122).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثانيًا: معتقدات المونتانية: من أهم معتقدات المونتانية، ما يلي:

1- جنح المونتانيون نحو التطرف اليميني، فقد تمسكوا بتعاليم الكنيسة بعكس الغنوسيين الذين تحللوا من هذه التعاليم، ولكن المونتانيين غالوا وتطرفوا، فأفرطوا في الأصوام والنُسك، وامتنعوا عن أكل اللحوم وشُرب الخمور، والبُعد عن الملذات الأرضية حتى الأمور البريئة مثل الانشغال بالعلوم والفنون والثقافة والفلسفة، بل أنهم حرَّموا شُرب عصائر الفاكهة باستثناء يومي السبت والأحد، ودعى مونتانوس أتباعه بأنهم أشخاص روحيون، أما بقية البشر، ولاسيما الخصوم، فهم طبيعيون أو جسديون. ونهى المونتانيون نسائهم عن التحلي بالحُلي والمصوغات الذهبية وأي زينة جسدية، وأمروا العذارى بارتداء البراقع حتى لا تظهر وجوههن، واعتبروا الزيجة الثانية في حالة موت الشريك هيَ نوع من الزنا.

2- دفع المونتانيون أتباعهم للسعي نحو إحراز إكليل الشهادة، وعابوا على من يدفع رشوة ليهرب من الاضطهاد أو الاستشهاد، وكانوا يفتخرون بعدد شهدائهم، في الوقت الذي لم تعترف الكنيسة بشهدائهم، بسبب إيمانهم المنحرف، ويقول "يوسابيوس القيصري": "عندما دُعي البعض من الكنيسة إلى الاستشهاد من أجل حق الإيمان، والتقوا بمن يدعون شهداء هرطقة فريجية، انفصلوا عنهم، وماتوا دون أن تكون لهم أية شركة معهم، لأنهم رفضوا الاعتراف بروح مونتانوس والنسوة..." (5: 16: 22) (123).

3- ادعى مونتانوس وبريسكلا ومكسيملا وأتباعهم أنهم يحوزون روح النبوة، فنادى مونتانوس بأن الوحي لم ينقطع، بل أنه مستمر بلا انقطاع، فطالما الكنيسة قائمة فالنبوة مستمرة، فإن الإعلانات الإلهية الفائقة لم تنتهي بموت الآباء الرسل، لأن الروح القدس ما زال يمنح إلهاماته للمؤمنين. وقالوا أنه في عهد موسى كانت النبوة في عصر الصبوة، وفي عهد المسيح كانت في عصر الشباب، أما في عهد مونتانوس فوصلت النبوة إلى مرحلة النضوج، وادَّعى مونتانوس أنه البارقليط الذي يتكلم للكنيسة. ومن نبوات مونتانوس الذي جرَّت الوبال على المسيحيين نبوته عن زوال الإمبراطورية الرومانية، وانتشار نبواته هذه وسط المسيحيين، فظهروا كخونة للإمبراطورية الرومانية التي وجدت الزريعة للتنكيل بهم، وبالطبع كذبت نبوته. وأيضًا تنبأ عن سرعة مجيء السيد المسيح الثاني وأنه سيؤسس مملكته في فريجية وسيكون لمونتانوس دور بارز في تلك المملكة ومكانة مرموقة في هذا الملكوت الألفي، وأيضًا كذبت نبوته، وبالمثل تنبأت مكسيملا عن نشوب حروب مدمرة ولم تحدث. وهكذا أتباع مونتانوس شرعوا يتنبَّأون بهذيان مثل معلمهم. وقال المونتانيون أن الهدف من نبواتهم ليس إعطاء تعاليم عقائدية جديدة، بل إعادة تنظيم الحياة الكنسية، واعتبروا أن أنبيائهم أعلى رتبة من الأساقفة.

4- اعترض "مونتانوس" على القيادة البشرية للكنيسة، وإعطاء الأسقف مكانة مميزة في الكنيسة، رافضًا الاعتراف بأهمية الرئاسات الكنسية، لأنه ركز على قيادة الروح القدس.

5- اعتقد المونتانيون أن الرسل والأنبياء والشهداء والمعترفين لهم السلطة على مغفرة الخطايا، كما اعتقدوا أن من يرتكب أحد الكبائر مثل عبادة الأوثان أو القتل أو الزنا، لا مغفرة له، وهو مرفوض من الكنيسة.

6- منح المونتانيون الكهنوت للمرأة بحجة أن المرأة التي تتمتع بمواهب يمكن أن تنال درجة القسيسية أو الأسقفية.

 

ثالثًا: المونتانية تُسبي العقول وتغزو القلوب: بالرغم من أفكار المونتانية المنحرفة، فإن المونتانية نجحت أن تُسبي عقول البسطاء وتغزو قلوبهم بسبب المنهج النُسكي الشديد الذي اتبعته هذه الجماعة، وأيضًا لشجاعة أتباع هذه الحركة وسعيهم نحو الاستشهاد، بل أن المونتانية نجحت في جذب قامات كبيرة، حتى أن "فيكتور الأول" أسقف روما اعتنق أفكار المونتانية وشجع الحركة، وأسقف آخر من سوريا صدَّق نبواتهم فقاد أعضاء كنيسته إلى الصحراء ليلتقوا بالمسيح، وضلوا الطريق وتعرضوا للموت لولا إنقاذ السلطات لهم. والأمر العجيب أن العلامة ترتليان بعد أن قاوم المونتانية سُبي بتعاليمها. ورغم أنه ظهر كذب نبوات المونتانيين، فإن هذا لم يقضي على الحركة، بل نمت وامتدت، وكانت كنيسة منظمة لها أساقفتها وقسوسها وشمامستها، وكانوا يتمسكون بتعاليم الكتاب المقدَّس، فالكثيرون سحرتهم المونتانية حتى أنهم لم يلتفتوا إلى انحرافاتها.

 

رابعًا: العلامة ترتليان (160 - 240م): وُلِد "سبتيموس ترتليانوس" Septimius Tertulionus نحو 160م من أسرة وثنية في قرطاجية في شمال أفريقيا، وكان والده يشغل منصب قائد فرقة رومانية، فنشأ ترتليان في جو وثني فاسد وشبَّ وعاش شبابه في انحلال خُلقي، وفي الثلاثين من عمره لمس حياة القداسة التي يعيشها المسيحيون وحياة العفة وشجاعتهم في مواجهة الموت عند الاستشهاد، مقابل حياة الفساد والخلاعة التي يعيشها، فقرَّر أن يغير مسار حياته، فآمن ومارس حياة الفضيلة والتعفف والنُسك وقال عن نفسه: "حقًا أنني أعرف أن ذات الجسد الذي مارستُ به الزنا، أبذل كل الجهد ليحفظ الآن العفة" (موقع الأنبا تكلا). عمل ترتليان في المحاماة وبرع فيها، وكان له معرفة واسعة بالتاريخ والفلسفة والشعر والأدب، ثم عمل أستاذًا للبلاغة، وكانت المسيحية قد ازدهرت في شمال أفريقيا وكذلك اللغة اللاتينية والكتابات المسيحية، بما فيها الكتابات العظيمة التي قدمها ترتليان، حتى صارت المنطقة مزدهرة أكثر من روما. وقد أرسى ترتليان علم المصطلحات اللاهوتية اللاتينية، كما أدخل الفكر القانوني في التعاليم اللاهوتية اللاتينية، فرأى المفاهيم الكنسية من خلال منظار قانوني، فصار العلامة ترتليان من الآباء المدافعين عن الإيمان المسيحي، بل أن دفاعه أحيانًا كان يتطوَّر إلى الهجوم. وصار ترتليان مؤسس الفكر اللاهوتي الغربي فدُعي أبو الفكر اللاهوتي اللاتيني، واتخذ ترتليان موقفًا عدائيًا ضد الفلسفة اليونانية، على خلاف معظم آباء مدرسة الإسكندرية في عصره، فكان يرى أن الفلاسفة هم الآباء الحقيقيون والأصليون للهراطقة (راجع جون لوريمر - تاريخ الكنيسة جـ 1 ص 35) وقال: "أية شركة بين الفيلسوف والمسيحي؟ بين تلميذ اليونان حليف الباطل وتلميذ السماء عدو الباطل وحليف الحق... ما علاقة أثينا بأورشليم؟ أي اتفاق بين الأكاديمية والكنيسة؟!"، وما أكثر كتابات ترتليان الدفاعية، فقد سجل كتابةً حوار بين شخص مسيحي وشخص يهودي استغرق هذا الحوار يومًا كاملًا، وكتب ضد الغنوسيين، وضد أتباع فالنتينوس، وضد ماركيون، وكتب إلى "سكابيولا" حاكم أفريقيا (211 - 213م)، الذي اضطهد المسيحيين وألقى بهم للوحوش، فحدثه عن ضرورة حرية العقيدة كحق من حقوق الإنسان، وكتب للوثنيين كتابين يدافع عن المسيحيين... إلخ. وشجع ترتليان الشهادة للمسيح حتى لو وصلت إلى حد الاستشهاد، فهو صاحب المقولة الشهيرة: "دماء الشهداء بذار الإيمان".

ولم يكن ترتليان موافقًا للمونتانيين في أفكارهم، ودافع عن سلطان الكنيسة ضد المونتانيين. ثم غيَّر رأيه خلال الفترة من 202 - 205م إذ أُعجب بمنهجهم النُسكي الشديد، وحياة العفة التي عاشوها، وإيمانهم بقيادة الروح القدس للكنيسة، واشتياقاتهم لرجوع المسيح الثاني في المُلك الألفي، واعتنق أفكارهم فمن يرتكب أحد الكبائر لا يُغفر له، والزواج الثاني في حكم الزنا، حتى أنه كتب خطابًا لزوجته يحذرها من الزواج الثاني بعد موته، وعلى الإنسان أن يسلك في طريق الصوم والتقشف، ويدرب نفسه على حُب الاستشهاد. وقيل عن ترتليان أنه "أحد الخوارج"، فقد خرج بعيدًا عن أسرته وعشيرته وتراثه الديني الوثني، ثم خرج بعيدًا عن الفلسفة اليونانية بالرغم من محبته للفلسفة، ثم خرج عن الكنيسة الأم واعتنق المونتانية. أيضًا اعتقد ترتليان أن أقنومي الكلمة والروح القدس أقل من أقنوم الآب، وخاضعان للآب، وقال عن الابن أنه جزء من الجوهر، وليس الجوهر الإلهي كله، ولم ينتبه إلى أن الآب هو كل الجوهر الإلهي مع صفة الأبوة، والابن هو كل الجوهر الإلهي مع صفة البنوة، والروح القدس هو كل الجوهر الإلهي مع صفة الانبثاق.

 

وهكذا يا صديقي قد رأينا في هذه الرحلة القصيرة كيف تنضح الهرطقات على بعضها البعض، وأن "عدو الخير" لا يكف عن زرع بذور البدع والهرطقات لهلاك النفوس، والكنيسة تقف بالمرصاد لكل بدعة وكل هرطقة، وهي تصلي: "حل تعاظم أهل البدع ونحن أحسبنا في وحدانية التقوى "... " الشكوك وفاعلوها أبطلهم ولتنقض إفتراقات فساد البدع "... لقد كان هدفًا أساسيًا من أهداف كتابة إنجيل يوحنا، مواجهة البدع والهرطقات سواء التي ظهرت قبل، أو أثناء، أو بعد كتابة هذا الإنجيل (راجع مدارس النقد - س635 - 5- إنجيل ضد الهرطقات؛ الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة - حل تعاظم أهل البدع).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(119) جون لوريمر - تاريخ الكنيسة جـ 1، ص12.

(120) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص229.

(121) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص231 ، 232.

(122) المرجع السابق، ص232.

(123) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص234.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/654.html

تقصير الرابط:
tak.la/a3nkxaa