St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

648- ما هيَ المبادئ والمعتقدات العامة للبدعة الغنوسية؟ وكيف واجه بولس الرسول ويوحنا الحبيب والآباء هذه المعتقدات الفاسدة؟

 

ج: أولًا: المبادئ والمعتقدات العامة للبدعة الغنوسية: بالرغم من تنوع وتشعب الغنوسية إلى أكثر من خمسة عشر فريقًا، إلاَّ أنه كان هناك مبادئ عامة مشتركة بين جميع الفرق، نذكر منها الاعتقادات الخاصة بـ:

1- الله: الله في نظر الغنوسيين هو الإله الأعظم الأسمى الأعلى غير المدرك وغير الموصوف، فهو روح محض مُطلّق، هو السكون المُطلّق، أسمى من أن يعرَّفه أي مخلوق، فهو منزَّه عن المادة، فمن المستحيل أن يتصل بها ولذلك فهو لم يخلق العالم، لأن العالم المادي المحسوس هو شر، فالعالم خُلِق بواسطة كائنات تُدعى "ديمورج" أدنى من الله. أما الله فهو إله الخير المُطلَّق.

2- الأيونات وخلقة الكون والإنسان: من هذا الإله الأعلى الأسمى الأعظم الغير المعروف الغير المولود صدرت عنه انبثاقات (أيونات) Aeons أو أراكنة، وهي كائنات وسيطة بين الله والكون، صدرت منه زوجًا زوجًا، ذكرًا وأنثى، ومن هذه الأيونات انبثقت أيونات أخرى، ومن الأيونات الأخرى انبثقت أيونات ثالثة أكثر بُعدًا عن الإله الأعظم فمعرفتها بطبيعة هذا الإله تقل كلما بعدت عن مركز اللاهوت، وأيضًا كلما بعدت هذه الأيونات عن المركز الإلهي كلما تضاءلت ألوهيتها. ومن هذه الأيونات جميعها تتكون من "البليروما" Pleroma، في "ملء الله" أو "ملء اللاهوت" أو "الملْ". وأكثر هذه الأيونات بُعدًا عن الله هو الذي تجرأ ولمس المادة وخلق منها الكون والإنسان، فهذا الإله الخالق "الديمورج" هو الأكثر جهلًا بطبيعة الإله العظيم. فقال أحد الغنوسيين: "أن العالم لم يُخلق بواسطة الله، بل بقوة منفصلة بالكلية عنه، وبعيدة كل البُعد عن سلطانه الذي يسيطر على الوجود، وفي حالة جهل تام عن الإله الأزلي المسيطر" (97). وهذا الإله الخالق الأكثر جهلًا بالإله الأعظم هو إله اليهود، الذي أعطاهم الشرائع، وهو الذي حرك أتباعه اليهود ليصلبوا المسيح. وقد صوَّر الغنوسيون هذا الإله الخالق إله اليهود على شكل أفعى أو أسد، عيناه جمرتان من النار، يحيط به الأراكنة من قوى الظلام، وقد خلق هذا الإله "الإنسان" من مادة الأرض الظلامية، وأخذ روحه من نور الأعالي المسروق وحبسها في قوقعة الجسد.

3- السيد المسيح: يمثل المسيح أحد الأيونات التي صدرت من الإله الأعظم الأسمى، فهو مجرد أيون وليس هو الإله الأعظم، و"المسيح" حلَّ على "يسوع" وقت العماد فصار يسوع المسيح، وعند الصلب فارقه وانطلق إلى عالم الآلهة، والسيد المسيح لم يتخذ جسدًا بشريًا ماديًا لأن المادة شر، إنما اتخذ جسدًا خياليًا شبحيًا ظاهريًا أثيريًا، حتى أنه عندما كان يسير على الأرض لم يكن يترك أثرًا لقدميه، وبذلك طعنوا في قضية التجسد والفداء وموت المسيح الكفاري. جاء في " وثيقة ملكي صادق " عن السيد المسيح أنه: "ليس مولودًا مع أنه وُلِد. لم يأكل مع أنه أكل، لم يشرب مع أنه قد شرب، ليس مختونًا مع أنه خُتن، ليس جسديًّا مع أنه جسدي. لم يُسلَّم للعذاب مع أنه عُذّب، لم يقم من بين الأموات مع أنه قام من بين الأموات" (98). وقال " باسيليدس " الغنوسي السكندري أن يسوع ألقى شبهه على سمعان القيرواني، فصلبوا سمعان بينما وقف يسوع يسخر منهم.

4- الإنسان: اعتقد الغنوسيون أن الإنسان كجسد وروح خاضع لثنائية الخير والشر، فالنفس البشرية هيَ شرارة إلهية أخطأت فسكنت في الجسد، ولا وسيلة للتحرر من سجن الجسد إلاَّ بالمعرفة. الروح تمثل جانب الخير وتنزع نحو أصلها السمائي، فيسعى الإنسان للتحرر من سجن الجسد سواء بالنسك والزهد والتقشف أحيانًا، أو بالانغماس في الشهوات، فالجسد هو شر وخطية وممارسة الخلاعة الجنسية تحصيل حاصل، فالغوص في الشهوات لا يضير الإنسان طالما أن الإنسان يحافظ على تداريبه العقلية التأملية، فسقط بعض الغنوسيين في الانفلات الجنسي، وأطلقوا العنان للشهوات الجسدية والنجاسة بلا ضابط ولا رابط، حتى أن "كاربوكراتس" رأى الكمال المسيحي في ممارسة الشهوات الجسدية وصنف الغنوسيين البشر إلى ثلاث فئات:

أ- الروحيون: وهم الغنوسيون الذين يرتبطون بالروح، وهؤلاء يخلصون.

ب - النفسيون: الذين يرتبطون بالنفس ويتمتعون بالحرية، فإن اتجهوا نحو الخلود ينجون، وإن اتجهوا نحو الفساد يهلكون، ومن هؤلاء النفسيين اليهود الذين يمكنهم أن يخلصوا بفعل الخير.

جـ - الماديون: الذين يرتبطون بالجسد والمادة، وهؤلاء يهلكون ويعودون للتراب الذي أُخذوا منه (راجع مدخل إلى الكتاب المقدَّس - دار الثقافة ص 38، وج. ويتلر - الهرطقة في المسيحية، ص 58).

St-Takla.org Image: Gnostic Symbol (Gnostic Symbol), Circle Cross صورة في موقع الأنبا تكلا: رمز الغنوسية: صليب في دائرة، الصليب الغنوصي

St-Takla.org Image: Gnostic Symbol (Gnostic Symbol), Circle Cross.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رمز الغنوسية: صليب في دائرة، الصليب الغنوصي.

5- المعرفة طريق الخلاص: أخذت الغنوسية من الأفلاطونية أهمية المعرفة العقلانية، فهناك معرفة للعامة، وهناك معرفة قاصرة على الخاصة، واعتبروا أن الجهل هو مصدر الخطية، وأن الخلاص يتم عن طريق المعرفة الخاصة واستنارة العقل والفهم، فقال أحد فلاسفتهم: "الناس يخلصون لا بواسطة ما هو تاريخي بل بواسطة ما هو خارق للطبيعة" (99). وقال "بريزنسيه" Pressense أن هدف الغنوسيين: "أن يعملوا دائمًا على أن يتفوق عنصر المعرفة على عنصر الحياة الأخلاقية" (100)، وأن خلاص الإنسان يتوقف على هروبه من العالم المادي المحسوس إلى عالم الروح عن طريق المعرفة.

واعتقد الغنوسيون أن المسيح أعطى أخصائه، النخبة المختارة من التلاميذ، تعاليم سريَّة لا يطلع عليها الآخرون. فالإنسان الغنوسي يتصوَّر أنه يحصل على الخلاص من الشر عن طريق التعمق في المعرفة، والمعرفة تأتي بالاجتهاد والإلهام الشخصي، حيث يتعرَّف الإنسان على أصله ومصدره وغاية حياته.

جاء في "إنجيل الحقيقة" الغنوسي: "أن العارف هو الذي تحقق أنه قد جاء من الأعلى، ولذا فأنه عندما يُدعى يسمع ويستجيب لداعيه... أنه الآن يعرف من أي آتى وإلى أين سوف يمضي فهو أشبه بالسكران الذي صحا من سكره وعاد إلى نفسه" (101). والذي يفوق من غفوته وسُكره يشرع في رحلة المعرفة، فلا يستمد هذه المعرفة من الآخرين ولا من الكتب، بل هيَ معرفة روحية باطنية تقود الإنسان للتعرُّف على حقيقة روحه، حتى تتحرَّر من سجن الجسد وتعود إلى ديارها الأولى. كما ينكر الغنوسيون الحصول على المعرفة عن طريق الإعلانات الإلهية السمائية التي يعلنها الروح القدس على فم الأنبياء، فهم لا يعترفون بالوحي الإلهي، إنما يرون أن الإنسان يحصل على المعرفة عن طريق التداريب العقلية التأملية. وأيضًا ينكر الغنوسيون نوال الخلاص عن طريق الإيمان بالمسيح الفادي الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، فالمعرفة في الغنوسية كطريق الخلاص تقابل الإيمان في تعليم الإنجيل. ويدعي الإنسان الغنوسي أنه وحده هو الذي يعرف أسرار الروح التي لا يُعبر عنها، فجاء في "إنجيل فيليب" أن من يمتلك معرفة الحق فيغدوا حرًّا، والحر لا يرتكب الخطيئة، لأن من يرتكب الخطيئة هو عبد للخطيئة... أن المعرفة تسمو بقلوب المؤمنين وتحرّرهم وتجعلهم فوق العالم، وهم لا يُستعبدون إلاَّ للحي" (102).

وعن المعرفة وأهميتها في الغنوسية المصرية يقول "جاك شامبليون": "بناءً على التاريخ المقدَّس لمصر فإن (توت) هو الذي كتب كل الكتب بأمر من الله... وتوت هذا هو العقل الإلهي المتجسد. هو الشخص الأوحد بين الكائنات الإلهية الذي استطاع أن يفهم جوهر الله... ولكن بعد أن حدثت الفوضى عندما انتظم العالم المادي الشرير، أشفق الله على الناس لأنهم كانوا يحيون بلا شرائع ويحتاجون إلى القوانين فأعطاهم الذكاء، حتى يتبعوا الطريق الذي يقودهم إلى حضنه" (عالم المصريين ص 64 - بحث على النت عن الغنوسية إعداد القس أباكير عبد المسيح). وللمزيد عن الخطوط العريضة والعوامل المشتركة بين الفرق الغنوسية العديدة يُرجى الرجوع إلى (مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 137، وأيضًا "جون لوريمر" - تاريخ الكنيسة جـ 1 ص103 - 112).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثانيًا: مواجهة بولس الرسول ويوحنا الحبيب والآباء لبدعة الغنوسية: ومن أمثلة ذلك ما يلي:

مواجهة بولس الرسول:

1- ادعى الغنوسيون أن الله الأعظم لم يخلق العالم، فأكد بولس الرسول أن: "الله خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (أف 3: 9)... " لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ" (1كو 8: 6).

2- ادعى الغنوسيون أن السيد المسيح ليس هو الله، إنما هو أحد الأيونات، فهو كائن وسيط بين الله والإنسان، فأكد بولس الرسول على ألوهية السيد المسيح: "لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ" (كو 1: 19)، " فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كو 2: 9)، " الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ" (كو 2: 3).

3- ادعى الغنوسيون أن السيد المسيح لم يخلق العالم، فأكد بولس الرسول أن الآب خلق بالابن كل شيء: "الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ" (عب 1: 2)، (1 كو 8: 6؛ كو 1: 16).

4- أنكر الغنوسيون التجسد الإلهي مدّعين أن السيد المسيح اتخذ جسدًا خياليًا شبحيًّا، فأكد بولس الرسول على حقيقة التجسد والفداء: "أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ..." (أف 2: 13 - 16)، "عَامِلًا الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ" (كو 1: 20)، " قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ" (كو 1: 21-22).

 

مواجهة يوحنا الحبيب:

1- أنكر الغنوسيون أن يسوع المسيح هو الإله الأسمى وهو الإله الخالق، فأكد يوحنا الحبيب على هذه الحقيقة: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو 1: 3).

2- ادعى الغنوسيون أن السيد المسيح اتخذ جسدًا خياليًا شبحيًا، فأكد يوحنا الحبيب على حقيقة الناسوت: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14)، وكلمة " صَارَ" أقوى جدًا من كلمة "اتخذفالتجسد الإلهي ليس عملية ارتداء ثوب على ثوب آخر، بل هو اتحاد بين الطبيعة الإلهيَّة والطبيعة البشرية، بدون اختلاط ولا امتزاج بين الطبائع، وبدون أن تتغير طبيعة إلى الطبيعة الأخرى، بل ظلت كل طبيعة تحتفظ بخصائصها. فقد أكد يوحنا الحبيب على حقيقة ناسوت المسيح، ففي رسالته قال: "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ الَّذِي سَمِعْنَاهُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ" (1 يو 1: 1) ووضع القديس يوحنا مقياس الاعتراف بالتجسد الإلهي، فقال: "بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ الله كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ الله. وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ الله. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ" (1 يو 4: 2-3). ومن تأكيدات يوحنا الإنجيلي على جسد المسيح الحقيقي ذكر أن يسوع تعب من السفر (يو 4: 6)، وانزعج بالروح وبكى (يو 11: 33، 35، 38)، واضطرب (يو12: 27)، وعطش (يو4: 7؛ 19: 28)، وعندما طُعن بالحربة جرى من جنبه دم وماء (يو 19: 34)، ومات على الصليب وأسلم الروح (يو 19: 30)، وبعد القيامة لمس توما آثار جراحاته (يو 20: 27). ولا ننسى أن الغنوسية نظرت للمادة على أنها شر، بينما قدَّست المسيحية المادة فاستخدمتها في الأسرار المقدَّسة، فتستخدم الماء في المعمودية، والزيت في سري الميرون ومسحة المرضى، والخبز وعصير الكرمة في الإفخارستيا.

3- ادعى الغنوسيون أن المعرفة الباطنية التأملية هيَ طريق الخلاص، فأكد يوحنا الحبيب أن الخلاص بدم المسيح: "هكَذَا أَحَبَّ الله الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 16).

4- أباح الغنوسيون الشهوات الجسدية، فأكد يوحنا الحبيب على حياة القداسة: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ" (1 يو 2: 15-16)،... إلخ.

 

مواجهة الآباء الأولين: ومن أمثلة هؤلاء الآباء الذين تصدوا للبدعة الغنوسية:

1- القديس إيرينيئوس:

أ - ردًا على قول الغنوسيين أن الإله الأعظم الأسمى إله مجهول لا يعرفه أحد من المخلوقات، قال "القديس إيرينيئوس": "هذا الآب هو خالق السماء والأرض، كما يعرف من كلماته... يتجاسرون أن يكرزوا بإله غير معروف ولكن يجب عليهم أن يسمعوا هذا ضد أنفسهم: كيف يكون هو غير معروف، وهم يعرفونه؟ لأن كل ما هو معروف، ولو من قليلين، لا يكون غير معروف" (ك 4 ف 6: 4) (103).

ب - ردًا على قول الغنوسيين بأن الإله الأعظم والأسمى لم يخلق الكون ولا الإنسان، إنما خلق العالم إله ثانوي هو إله اليهود، قال "القديس إيرينيئوس": "كل هؤلاء الرجال الذين يأتون بتعاليم غير تقوية، من جهة خالقنا وصانعنا الذي أيضًا خلق هذا العالم... هم يتخيلون أيضًا وجود آلهة كثيرة... ويتخيلون أنهم قد اكتشفوا إله آخر أعلى من الله، أو Pleroma (ملء) أخرى، أو تدبير آخر. ولذلك أيضًا فالنور الذي من الله لا ينير لهم، لأنهم أهانوا الله وأزدروا به، معتبرينه قليل الشأن... يحلمون بكائن لا وجود له فوق الله، لكي ما يعتبروا أنهم وجدوا الإله العظيم الذي لا يستطيع أي إنسان أن يدركه..." (ك 3 ف 24: 1-2) (104). وأيضًا يقول "القديس إيرينيئوس": "وفي كتابه ضد ماركيون يقول يوستينوس: لم أكن لأصدق الرب نفسه، لو أنه أعلن أي إله آخر سوى الذي هو جابلنا وخالقنا ومربينا، ولكن لأن الابن الوحيد جاء إلينا من الإله الواحد، الذي خلق هذا العالم وخلقنا نحن أيضًا... فإن إيماني به ثابت، ومحبتي للآب غير متزعزعة" (ك 4 ف 6: 2) (105). كذلك استشهد القديس إيرينيئوس بآيات عديدة من الكتاب المقدَّس تؤكد وحدانية الله، مثل:

† "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تث 6: 4).

† "عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (مز 124: 8).

"هكَذَا يَقُولُ الله الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا" (إش 42: 5).

"أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (لو 10: 21)... إلخ.، (راجع ك 4 ف 2: 1 - 6 - ضد الهرطقات جـ 1 ص 127 - 130).

جـ - ردًا على قول الغنوسيين أن المسيح يمثل أحد الانبثاقات (الأيونات)، رد عليهم القديس إيرينيئوس قائلًا أن مسيح الغنوسيين غير مسيح الإنجيل، الذي جاء لخلاص الإنسان، ومن أجل هذا اتخذ جسدًا بشريًا ماديًا، ولو لم يكن المسيح إلهًا حقًا وإنسانًا حقًا لاستحال خلاص البشرية، لأنه إن لم يكن إلهًا وإنسانًا، فلن يستطيع أن يصالح الله مع الإنسان (راجع ضد الهرطقات جـ 1 ك 1 ف 4 - 29 ص 106 - 120، وضد الهرطقات جـ 2 ك 3 ف 24 ص 117 - 119، ك 4 ق 4 ص 131 - 133).

2- القديس أكليمنضس السكندري:

أ - ردًا على قول الغنوسيين أن المسيح أحد الأيونات وليس هو الخالق، قال "القديس أكليمنضس السكندري": "أن اللوجوس هو العلة الأساسية لكل الوجود، فهو بلا بداية ولا نهاية، وهو الذي يعلن الله، وهو جماع كل كلمة وحق، وهو الكلمة الناطقة والقوة الخلاقة، وهو خالق الكون ومصدر النور والحياة، وهو أعظم معلم للجنس البشري. وأخيرًا جاء في الهيئة كإنسان ليجعلنا شركاء الطبيعة الإلهيَّة" (106).

ب - ردًا على قول الغنوسيين بأن الإنسان يَخلُص بالمعرفة وليس بالإيمان، قال "القديس أكليمنضس السكندري" قولته الشهيرة: "لا إيمان بغير معرفة، ولا معرفة بغير إيمان". كما قال: "إن لم تؤمن لن تفهم"، وأكد أن الإنسان المسيحي هو العارف ببواطن الأمور ولديه الحقيقة، ولذلك فهو الغنوسي الحقيقي. وقد نجحت مدرسة إسكندرية اللاهوتية تحت قيادة أكليمنضس وأوريجانوس في تقديم غنوسية مسيحية أرثوذكسية من خلال الكتب المقدَّسة وتعاليم الكنيسة.

3- آباء أخرون: أيضًا من الذين كتبوا ضد الغنوسية "العلامة ترتليان" في نهاية القرن الثاني في كتابه "إقامة الحجة على الهراطقة" حيث فرق بين العقيدة المسيحية القويمة والعقيدة الغنوسية التي ارتبطت بالفلسفة الوثنية. و"هيبوليتوس" أسقف روما في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي في موسوعته "دحض كل الهرطقات" فوصف معتقدات فرق الغنوسية التي وصلت إلى 33 فرقة. وبالرغم من أن "أوريجانوس" ناهض الغنوسية إلاَّ أنه تأثر ببعض أفكارها ففضل المؤمن العارف عن المؤمن الساذج، كما اعتقد أن الأرواح كانت موجودة قبل خلقة الأجساد. وفي النصف الثاني من القرن الثالث جمع "يوسابيوس القيصري" أقوال الآباء الذين سبقوه وتصدوا للغنوسية. وفي سنة 374م كتب "القديس أبيفانيوس" أسقف سلاميس كتابه "صندوق النطاسي" معتبرًا الغنوسيين أنهم من سلسلة الزواحف والأفاعي السامة التي تنفث سمها في الإيمان النقي القويم. وذكر نحو ثمانين هرطقة منها نحو عشرين قبل المسيحية ونحو ستين هرطقة مع المسيحية أو بعدها. أيضًا من الذين تصدوا للبدع الغنوسية "القديس مارإفرام السرياني" (306 - 373 م)، و"القديس أغسطينوس" (354 - 430 م)، و"يوحنا الدمشقي" (675 - 749 م)، (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 136).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(97) أورده وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - بشارة يوحنا جـ 1، ص24.

(98) أورده فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح، ص156 ، 157.

(99) موسوعة آباء الكنيسة جـ 1، ص242.

(100) المرجع السابق، ص242.

(101) فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح، ص163.

(102) المرجع السابق، ص168.

(103) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص138.

(104) المرجع السابق، ص117 - 119.

(105) المرجع السابق، ص37.

(106) أورده عادل فرج عبد المسيح - موسوعة آباء الكنيسة جـ 1، ص231.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/648.html

تقصير الرابط:
tak.la/t89skdt