ج: كرينثوس المعاصر للآباء الرسل والتقائه بيوحنا الحبيب: وُلِد "كيرينثوس" Cerinthus وعاش في الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، وكان يهوديًا درس الفلسفة في مدرسة "فيلون" الفيلسوف اليهودي السكندري، ثم اعتنق المسيحية من جانب وتأثر بالغنوسية من جانب آخر، وادعى أنه أوحي له في رؤيا ملائكية أن ينشئ ديانة جديدة، فحاول أن يمزج بين اليهودية والغنوسية والمسيحية، وعُرف بالمُكر والدهاء والذكاء. أخذ من اليهودية ضرورة الختان وحفظ السبت وشرائع الناموس، وأخذ من الغنوسية فكرة الانبثاقات (الأيونات). ذهب إلى أورشليم في عصر الآباء الرسل وأقام بعض الوقت، ثم انتقل إلى قيصرية فلسطين ومنها إلى أنطاكية ثم غلاطية، واستقر به المطاف في أفسس، وزعم كيرينثوس مع أتباعه أنهم قادرون على رد البشر إلى معرفة الإله العظيم. وقال "القديس الشهيد بوليكاربوس" تلميذ يوحنا الحبيب أن معلمه يوحنا الرسول دخل ذات مرة إلى الحمام العام وفوجئ بوجود كيرينثوس فيه، فأسرع بالخروج وهو يقول لأتباعه: "لنهرب لئلا يسقط علينا الحمام لأن كيرينثوس عدو الحق بداخله"، ويحكي "يوسابيوس القيصري" نفس القصة قائلًا: "أن إيرينيئوس... في الكتاب الثالث يذكر رواية تستحق أن تدوَّن هنا، فهو يقول، والحجة في ذلك بوليكاربوس، أن الرسول يوحنا دخل مرة حمامًا ليستحم، ولكنه إذ علم أن كيرينثوس كان داخل الحمام قفز فزعًا وخرج مسرعًا، لأنه لا يطيق البقاء معه تحت سقف واحد، ونصح مرافقيه للاقتداء به قائلًا: "لنهرب لئلا يسقط الحمام، لأن كيرينثوس عدو الحق موجود بداخله" (3: 28: 6) (107).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
ثانيًا: تعاليم كيرينثوس الفاسدة:
1- كان "كيرينثوس" غنوسيًا أكثر من كونه يهوديًا أو مسيحيًا، واعتقد بالثنائية وقال بإلهين، الأول هو الله الأعظم والأسمى، غير المعروف وغير المُدرَك، لم يخلق الكون لأنه منزَّه عن المادة، والثاني هو الإله الثانوي، الإله الخالق، واختلف كيرينثوس مع الغنوسيين في تحديد درجة ألوهية هذا الإله. يقول "القديس إيرينيئوس": "وكيرينثوس أيضًا، الذي تعلَّم بحكمة المصريين، علَّم بأن العالم لم يخلقه الإله الأول بل قوة معينة، بعيدة جدًا منه، وعلى مسافة من تلك الرئاسة، التي هيَ فوق الكون، وتجهل ذلك الذي هو فوق الكل" (ك 26 ف 1) (108). وقال "كيرينثوس" الإله الثانوي الذي خلق العالم، هو إله اليهود الذي أعطاهم الناموس والشرائع، ولم يكن معاديًا للإله الأعظم، بل استمد منه الصفات الشريفة والفضائل السامية، ولكن هذه الفضائل قد تدنست، حتى أن إله اليهود حرَّض أتباعه ليقتلوا يسوع المسيح المُرسل من الإله الأعظم، وأخذ اليهود "يسوع" وصلبوه بينما فارقه "المسيح" وطار للسماء. ونادى كيرينثوس بعبادة الإله الأعظم واحترامه، واحتقار إله اليهود.
2- انشق كيرينثوس وكوَّن طائفة أطلق عليها اسمه ونادى بالملكوت الألفي، فيقول "البابا ديونيسيوس": "ويقال أن كيرينثوس مؤسس الشيعة المسماه باسمه (الكيرنثيون) إذ أراد أن يعطي قوة لشيعته صدرها بأسماء. وكانت التعاليم التي نادى بها تلخَص فيما يلي: أن ملكوت المسيح سيكون مملكة أرضية" (يوسابيوس 3: 28: 4) (109).
3- أنكر كيرينثوس الميلاد المعجزي للسيد المسيح، كما أنكر ألوهية المسيح وتجسده، مدعيًا أن يسوع كان رجلًا يهوديًا قديسًا وكاملًا، حلَّ عليه "المسيح" في المعمودية وفارقه وقت الصلب. ويقول "القديس إيرينيئوس": "وهو (كيرينثوس) يعتبر أن يسوع لم يُولَد من عذراء بل على أنه ابن يوسف ومريم حسب الاتحاد العادي للتوالد البشري، بينما هو كان الأكثر برًا وفطنة وحكمة عن الناس الآخرين. وإضافة لذلك، فأنه بعد معموديته، نزل عليه المسيح على هيئة حمامة من الحاكم الأعلى، وأنه بعد ذلك بشَّر بالآب غير المعروف وأجرى معجزات، ولكن أخيرًا فارق المسيح، يسوع. وأنه بعد ذلك مات يسوع وقام ثانية، بينما ظل المسيح غير متألم إذ أنه كان كائنًا روحانيًا" (ك 1 ف 26: 1) (110). وبينما أراد كيرينثوس وأتباعه تقسيم شخصية يسوع المسيح إلى شخصيتين "يسوع" و"المسيح" جاء رد القديس يوحنا حاسمًا: "مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالابْنَ" (1 يو 2: 22)، بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ الله: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ الله" (1 يو 4: 2)، مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ الله" (1 يو 5: 5).
4- رفض كيرينثوس الأسفار المقدَّسة ولم يستخدم سوى إنجيل متى.
5- عاش كيرينثوس وأتباعه حياة الانحلال الخُلُقي، فقال "البابا ديونيسيوس": "ولأنه (كيرينثوس) هو نفسه كان منغمسًا في الملذات الجسدية، وشهوانيًا جدًا بطبيعته، توهَّم أن الملكوت سوف ينحصر في تلك الأمور التي أحبها، أي في شهوة البطن والشهوة الجنسية، أو بتعبير آخر في الأكل والشرب والتزوُّج، والولائم والذبائح وذبح الضحايا، وتحت ستارها ظن أنه يستطيع الانغماس في شهواته بباعث أفضل..." (3: 28: 5) (111).
6- ادعى كيرينثوس أن هناك أمورًا نقلتها له الملائكة مثل أسرار المُلك الألفي، فيقول "يوسابيوس القيصري" نقلًا عن "كايوس":" (2) ويقدم أمامنا كيرنثوس أيضًا - بواسطة الروئ التي يدعي أن رسولًا عظيمًا كتبها - أمورًا عجيبة يدعي زورًا أنها أُعلنت إليه بواسطة الملائكة. ثم يقول أنه بعد قيامة الأموات سوف يقوم ملكوت المسيح على الأرض، وأن الجسد المقيم في أورشليم سوف يخضع ثانية للرغبات والشهوات. وإن كان (كيرينثوس) عدوًا للأسفار الإلهيَّة فقد أكد - بقصد تضليل البشر - أنه ستكون هناك فترة ألف سنة لحفلات الزواج" (3: 28: 2) (112).
_____
(107) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص144.
(108) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص114.
(109) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص143.
(110) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص114.
(111) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص143 ، 144.
(112) المرجع السابق، ص143.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/649.html
تقصير الرابط:
tak.la/jbdzm58