والآن دعنا يا صديقي نأخذ بعض العينات من أصحاب هذه المذاهب وهم ماركيون، وفالنتينوس، وماني، وبولس الساموساطي.
ماركيون Markion:
وُلِد في مدينة سينوب على شاطئ البحر الأسود شمال تركيا نحو سنة 120 م.، وكان أبوه أسقفًا على المدينة، فتربى ماركيون داخل أسرة مسيحية، وكان شعلة من الذكاء، بالإضافة إلى محبته للزهد والتقشف وحياة التأمل. كما انه عمل في التجارة وكان له عدة سفن تعمل في مجال النقل فكون ثروة ضخمة، ولكن بسبب انحرافه عن الإيمان القويم اختلف معه أبوه الأسقف وحرمه من الاشتراك معه في الصلاة، فذهب إلى مدينة روما سنة 140 م.، وهناك زاول نشاطه، وتبرع بمبلغ كبير للكنيسة، ولكن عندما شك المؤمنون في صحة إيمانه طلبوا منه إقرارًا مكتوبًا بالإيمان، فاكتشفوا ضلاله وحرموه، وردوا له ما تبرع به من مال (نحو عشرة آلاف دولار) سنة 144 م.
تأثر ماركيون بالغنوسية بسبب تردده على مدرسة سردون الغنوسي السرياني في روما، ولكنه لم يكن غنوسيًا فلم يؤمن بالانبثاقات والأساطير والملء والبليروما (مسكن أو ملء اللاهوت) والايونات (الأشخاص السمائيون الخالدون) تلك الأمور التي يركز عليها الغنوسيون، وبينما نادى الغنوسيون بأن الخلاص ليس للكل بل لأصحاب المعرفة فقط نادى هو بأن الخلاص للكل، ولم يشغل ماركيون فكره بمشكلة الخير والشر والمادة، ولكن ما شغل فكره هو الفرق الشاسع من وجهة نظره بين إله يسوع المسيح، وإله العهد القديم، وبذلك ظهرت الثنائية في فكر ماركيون في الإله العظيم السامي الذي لا يعرفه أحد من العالم، لأنه لم يخلق العالم ولا صلة له بالعالم. إنما ظهر فجأة في كفر ناحوم في شكل المسيح، وإن عملية التجسد لم تتم بالولادة من بطن العذراء إنما تمت في وقت العماد. أما الإله الثاني فليس هو الإله الشرير لكنه الإله العادل القاسي سريع الغضب إله اليهود، وهو الذي أثار شعبه على المسيح فقتلوه، ولذلك رفض ماركيون أسفار العهد القديم، وأيضًا حذف معظم العهد الجديد مثل بشارتي مرقس ويوحنا، وكل ما يتصل بالعقائد اليهودية في إنجيل لوقا، وحذف أيضًا الرسائل الرعوية، وألف كتابًا دعاه "المتناقضات" أودع فيه كل اعتراضاته على العهد القديم، وقال إن تعاليمه الشخصية جديرة بالثقة أكثر من تعاليم الرسل أنفسهم، ولا خلاص خارج كنيسته (راجع موسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 250-251). (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وبعد حرم ماركيون استخدم إمكانياته العقلية والمالية في نشر تعاليمه وأفكاره، وبعد عشر سنوات انتشرت كنيسته في أنحاء العالم، وظلت قائمة حتى القرن الخامس الميلادي، ويُقال أنه ندم في أواخر حياته ولكنه مات قبل أن يعود إلى أحضان الكنيسة الأم.
وكان قد التقى ماركيون Marcion of Sinope أثناء حياته بالقديس بوليكاريوس تلميذ يوحنا الحبيب - فسأله: هل تعرفني؟ فأجابه بوليكاريوس: أعرف الابن الأكبر للشيطان، ونجح بوليكاريوس في رد الكثيرين من الذين أضلهم ماركيون، وقال الشهيد يوستين عن ماركيون أنه أقوى الهراطقة، ووضع يوستين مؤلفًا ضد معتقداته الخاطئة، وأيضًا ألف ترتليان خمسة كتب ضد ماركيون، وقال عنه القديس أثناسيوس الرسولي "ألم يقل ماركيون بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل إنساني، وانه لم يكن جسدًا حقيقيًا؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسدًا بشريًا بل له صورة إلهية، وإن ملامحه كانت فقط إنسانية، ولكنه لم يكن جسدًا بشريًا، بل غريبًا عن الطبيعة الإنسانية تمامًا؟ لقد اخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الإرادة. لقد انحدر هؤلاء إلى هذا الكفر" (1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/783gpw6