St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

113- هل عدم تطابق المخطوطات يعني تحريف العهد الجديد وسقوط العصمة عنه؟ وهل يجب طرح الثقة في جميع المخطوطات، لأن أحد النسَّاخ أو القرَّاء وضع في مقدمة رسالة العبرانيين بالمخطوطة الفاتيكانية بين العمودين الأول والثاني، ملاحظة على تصحيح كلمة، وذم فيها سلفه الذي صحح هذه الكلمة؟

 

س113: هل عدم تطابق المخطوطات يعني تحريف العهد الجديد وسقوط العصمة عنه؟ وهل يجب طرح الثقة في جميع المخطوطات، لأن أحد النسَّاخ أو القرَّاء وضع في مقدمة رسالة العبرانيين بالمخطوطة الفاتيكانية بين العمودين الأول والثاني، ملاحظة على تصحيح كلمة، وذم فيها سلفه الذي صحح هذه الكلمة قائلًا له: "غبي وأحمق دع القراءة القديمة وشأنها لا تغيرها؟"

 فقد اختار "علي الريس" هذه الصفحة محط الحوار غلاف كتابه: "تحريف مخطوطات الكتاب المقدَّس" وظهر عليها عبارة الذم باللغة اليونانية:

"αμαθΣστατΣ και κακΣ, αφΣς τον παλαιον. Μη μεταποιΣι"

 وترجمها "علي الريس" إلى: "يا أحمق يا مخادع ألا تستطيع أن تترك القراءة القديمة على أصلها وألا تُحرِّفها". وقال "علي الريس": "إن العبث بالمخطوطات لم يتوقّف فقط عند التحريف أثناء النسخ ولكن أيضًا بعد النسخ فإليكم مثال صغير من العبث بالمخطوطة الفاتيكانية، فنجد أن أحدهم عبث بها فمحى من نصوصها ما شاء أن يمحو وأضاف نصًا من عندياته. وإليكم المثال العملي، ففي الصورة التالية عُبث بأيدٍ متأخرة لإنجيل متى 26 : 20 في صفحة 1257 من المخطوطة الفاتيكانية... وإليكم عبثًا آخَر في بداية سفر دانيال في صفحة 1207 من المخطوطة الفاتيكانية. وهذا عبث آخر في إنجيل لوقا 10 : 39، وهو موجود في الصفحة رقم 1325 من المخطوطة الفاتيكانية. إليك عبث آخر من ناسخ متأخر وهو يضيف إلى المخطوطة الفاتيكانية، ولكن يفضحه لون الحبر، فلون الحبر مختلف في السطر الثالث ونصف السطر الرابع... ولو توقفت عند هذا الحد ما حق لأحدٍ - إلاَّ متكبر أو متجبر عن قبول الحق - أن يقول أن الكتاب غير محرَّف"(818).

 كما يقول "علي الريس" أيضًا: "ألهذه الدرجة وصلت المهانة والاستخفاف بهذه المخطوطات حتى يعبث بها النسَّاخ إضافة وحذفًا دون رقيب؟ وإن كان هؤلاء النسَّاخ غير أمناء وأضافوا نصوصًا لتأييد فكر لاهوتي خاص بهم فكيف نثق في هذه المخطوطات"(819).

 ويقول "ريتشارد سيمون": "لن يكون هناك في هذا اليوم أي نسخة من العهد الجديد سواء كانت يونانية أو لاتينية أو سريانية أو عبرية يمكن أن تُدعى بصدق مخطوطة أصلية. لأنه ليس هناك واحدة بأية لغة كانت مكتوبة تكون معصومة تمامًا من الإضافات. ويجب أيضًا أن أعترف أن النسَّاخ اليونانيين تمتعوا بحرية كبيرة في كتابة نسخهم"(820).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: 1ـــ يتحدّث "علي الريس" مُصوّرًا الموقف على أنه موقف مأسوي وأننا أمام كارثة، فالكتاب المقدَّس من وجهة نظره محرَّف ولا ينكر ذلك إلاَّ الإنسان المتكبر أو المتجبّر عن قبول الحق، وكأننا لا نملك في الوجود كله غير مخطوطة واحدة وهيَ المخطوطة الفاتيكانية التي صارت بفضل جهوده غير آهلة للثقة، لأنه بما أن هناك بعض التصحيحات في بعض المواضع فيها فينبغي أن نطرح الثقة عنها، ونطوّح بها بعيدًا ونخلص إلى نتيجة خطيرة أن الكتاب المقدَّس الذي بين أيدينا هو كتاب محرَّف، والحقيقـة أن هذا كل ما يتمناه "علي الريس" أن يكون ذاك الكتاب الذي يخالف إيمانه في بعض المواضع، يجب أن يكون كتاب باطل مزور محرَّف لا يستحق الالتفات إليه... خاب ظنك أيها الناقد، لأن ما تتمناه وتسقطه على كتاباتك هو تخيل مريض لا يتفق مع الحق وبعيد كل البُعد عن المنهج العلمي... نحن لا ندَّعي أبدًا أن المخطوطات قد خلت من أية تصحيحات، ونحن نعلم أيضًا أن هناك اختلافات فيما بينها لا تمس أصول الإيمان أبدًا، فمثلًا من أصول الإيمان المسيحي أن السيد المسيح هو ابن الله المتجسّد من أجل خلاص البشرية، وقد تمم هذا الخلاص على أتم وجه إذ صُلب ومات وقام من الأموات، فدفـع الديْن عنا ورفع حكم الموت، وأقامنا معه، وصعد إلى السموات، ووهبنا روحه القدوس وأنه سيأتي ثانية في مجد عظيم مع ملائكته القديسين ليصطحب أولاده الأمناء إلى الملكوت، ويطرح الأشرار مع أبيهم إبليس في بحيرة النار والكبريت... هناك نعيش في نعيم دائم في الحضرة الإلهيَّة نسبحه ونمجده ونزيده علوًا بعيدًا عن أية أمور جسدية شهوانية... إلخ... فهل تجد أيها الناقد أية مخطوطة على وجه الأرض تُنكر هذه الحقائق الإيمانية..؟! هل صادفتك مخطوطة تخبـرك بأن المسيح ليس هو ابن الله..؟! هل التقيت بمخطوطة تخبرك بأن المسيح لم يُصلب، أو أنه صُلب ولم يقم من بين الأموات، ولم يظهر لخواصه..؟! هل سمعت عن مخطوطة تُنكر المجيء الثاني للرب يسوع ودينونته للعالم..؟! إلخ... إن إيماننا المسيحي القويم هو في منتهى البساطة لمن لديهم بساطة الأطفال... حقًا قال الرب يسوع : "أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ" (لو 10 : 21).

 جاء في "سلسلة الخليقة تجيب": " يتساءل Baice عما إذا كان الادعاء بكتاب معصوم ليس له معنى.

 وقد يكون كذلك لو أن أحد هؤلاء الأمرين صحيحًا:

 (1) لو أن عدد الأخطاء الظاهرة استمر ثابتًا عند رجوعنا للوراء مرورًا بجميع النسخ وصولًا إلى النسخ الأصلية.

 و (2) لو أن المؤمنين بعصمة النسخ الأصلية ادعوا اختلاف النص الأصلي عن أفضل المخطوطات المتاحة الآن.

 لكن كلاهما غير صحيح. في الواقع أظهرت الاكتشافات الحديثة للنصوص الكتابية أن الكتاب المقدَّس هو نفسه كما كان عندما كُتب. بينما تظل هناك بعض التناقضات القليلة نتيجة خطأ في الترجمة أو سوء فهم، وكل هذه معروفة لباحثي الكتاب المقدَّس ويسهل تفسيرها"(821).

 

St-Takla.org Image: Copy of St. Paul's letter to the Romans c. AD 180-200 Greek text on papyrus صورة في موقع الأنبا تكلا: جزء من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، 180-200 ميلادية - النص يوناني مكتوب على ورق بردي

St-Takla.org Image: Copy of St. Paul's letter to the Romans c. AD 180-200 Greek text on papyrus.

صورة في موقع الأنبا تكلا: جزء من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، 180-200 ميلادية - النص يوناني مكتوب على ورق بردي.

2ـــ على الباحث الحيادي أن يدرك جيدًا:

أ - أننا نملك عددًا ضخمًا من المخطوطات باللغة اليونانية التي كُتبت بها أسفار العهد الجديد، وهذا العدد يتجاوز الخمسة آلاف مخطوطة، بعضها حوى آيات، وبعضها حوى فصول، وبعضها حوى أسفار، وبعضها حوى العهد الجديد بالكامل.

ب - أننا نملك مخطوطات باللغات الأخرى مثل اللاتينية والسريانية والقبطية والأثيوبية... إلخ. تتجاوز العشرين ألف مخطوطة.

جـ - لدينا الآلاف من الآيات التي أقتبسها الآباء الأولون في كتاباتهم، حتى بلغت اقتباسات سبعة منهم في القرنين الثاني والثالث أكثر من ستة وثلاثين ألف اقتباس.

وأمام هذا الكم الضخم من النصوص، الذي شاءت العناية الإلهيَّة الحفاظ عليه والكشف عنه، من المستحيل أن نجد اختلافًا أو تصحيحًا معينًا في موضع معين عمَّ كل هذه الآلاف من المخطوطات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فمواضع الاختلاف أو التصحيح تختلف من مخطوطة إلى أخرى، فإذا وجدتَ تصحيحًا في مخطوطة في موضع معين، فإنك في المقابل ستجد مئات المخطوطات لم تمتد لها يد التصحيح في هذا الموضع... فإذا اقتنعنا بهذا، كما هو ثابت في الواقع، عندئذٍ عن طريق مقارنة المخطوطات نستطيع أن نصل للقراءة الصحيحة لكلمة معينة أو عبارة معينة، وما زالت الأيام تكشف لنا المزيد من المخطوطات القديمة التي تساعدنا على ضبط أي قراءة يوجد خلاف عليها، وهذا عين ما تفعله مدرسة النقد الأدنى، ويقول "بارت إيهرمان": "بالطبع فإن الناسخ قد يملك أكثر من نسخة من المخطوطة التي بين يديه، ويستطيع تصحيح الأخطاء في إحدى المخطوطات عن طريق القراءة الصحيحة للمخطوطة الأخرى، وهذا يُحسّن الوضع بشكل ملحوظ"(822). ولنا عودة لهذا الأمر عند مناقشة القراءات المتنوعة أو المختلفة.

 

3 - قول "علي الريس" عن المخطوطة الفاتيكانية: "فنجد أن أحدهم عبث بها فمحى من نصوصها ما شاء أن يمحو وأضاف أيضًا من عنديته" قول جانبه الصواب كثيرًا، لأنه يُصوّر الموقف وكأن أحد النساخ محا ما شاء من فقرات وأصحاحات، وناسخ آخر أضاف ما شاء من فقرات وأصحاحات، وناسخ ثالث غيَّر الحقائق الإيمانية، وهذا لم يحدث لا في المخطوطة الفاتيكانية ولا في أي مخطوطة أخرى على وجه البسيطة، بل أنه في الوقت الذي شكَّك "علي الريس" في المخطوطة الفاتيكانية، فقد أشاد بها الكثيـرون من البُحاث، فيقول "جوش مكدويل": "المخطوطة الفاتيكانية (325 - 350م): وهيَ توجد في مكتبة الفاتيكان، وتحوي الكتاب المقدَّس كله تقريبًا. وبعد مرور ما يقرب من مائة عام على النقد النصي، يعتبر الكثيرون أن المخطوطة الفاتيكانية إحدى أهم المخطوطات الموثوقة للعهد الجديد"(823).

والحقيقة أن محل الخلاف فيما جاء في رسالة العبرانيين مثلًا كان حول "كلمة" واحدة، فهمها النسَّاخ كلٍ بطريقته، وهذه الكلمة هيَ كلمة "حامل" في الآية التي ذكرها بولس الرسول عن السيد المسيح: "الَّذِي وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عب 1 : 3)، وبالرغم من أن كـل من "علي الريس"، و"بارت إيهرمان" كليهما يناقش هذا الخلاف، لكن بارت أيهرمان كان أدق كثيرًا في التعبير عن علي الريس، فقال: "ففي مقدمة الرسالة إلى العبرانيين هناك مقطع يقال لنا فيه - في معظم المخطوطات - أن "المسيح يحمل كل شيء بقدرة كلمته" باليونانية (PHERON) ولكن Codex Vaticanus فإن الناسخ الأصلي صنع اختلافًا بسيطًا بفعل يبدو مشابهًا في اليونانية (PHANERON) وبعد عدّة قرون قرأ ناسخ ثانٍ هذا المقطع في المخطوطة، وقرَّر أن يغيّر الكلمة غير المألوفة "يظهر" إلى الكلمة المألوفة "يحمل" ماحيًا الكلمة الأولى ومسجلًا الكلمة الثانية. ثم من جديد، وبعد بضعة قرون يقرأ ناسخ آخر النص، ويلاحظ التغيير الذي قام به سلفه، فيقوم بدوره بمحو كلمة "يحمل" وإعادة كتابة كلمة "يظهر". ثم أضاف ملاحظة نصية في الهامش تشير إلى ما يظنه في الناسخ السابق، وكانت الملاحظة تقول: "غبي ومخادع، دع الكتابة القديمة وشأنها لا تغيّرها!".

لدي نسخة من هذه الصفحة موضوعة في إطار ومُعلَّقة على جدار فوق مكتبي كتذكير دائم بالنسَّاخ وميلهم للتغيير وإعادة تغيير نصوصهم. من الواضح أنه تغيير في كلمة واحدة. فلماذا يعد مهمًا لهذه الدرجة؟ أنه مهم لأن الطريقة الوحيدة لفهم ما كان الكاتب يريد قوله هيَ معرفة ما كانت كلماته كلها أصلًا... فقول أن المسيح يكشف كل شيء بقوة كلمته مختلف تمامًا عن قول أنه يجمع الكون بواسطة كلمته"(824).. ونحن إن كنا نوافق بارت أيهرمان على أن الاختلاف بسيط يختص بكلمة واحدة، فنحن لا نستطيع أن نوافقه على قوله بأن النسَّاخ دائمًا وأبدًا يميلون للتغيير وإعادة تغيير نصوصهم، لأنه إن صح هذا الوصف على ناسخ من النسَّاخ فلا يمكن أن نعمّمه على جميع النسَّاخ الذي تميزوا بالأمانة والجد والسهر لإنتاج المخطوطات التي تغطي حاجة الكنائس والمؤمنين.

 

4ـ الاختلافات في المخطوطات لم يكتشفها النُقَّاد المعاصرين، بل كانت معروفة منذ القرون الأولى، وجرت محاولات هادئة لضبط هذه الاختلافات، فجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "وعندما حصلت المسيحية على الاعتراف الرسمي بها في عهد الإمبراطور قسطنطين، لم تعد هناك حاجة لإخفاء مخطوطات العهد الجديد، بل سرعان ما أصدر الإمبراطور نفسه أمرًا بعمل نسخ من الكتاب المقدَّس لكنائس القسطنطينية. والواضح أنه لم يمض وقت طويل حتى عملت مقارنة بين المخطوطات، واكتشفت الخلافات التي بينها، وبخاصة المخطوطات الموجودة في البلاد المختلفة. وفي غضون القرون الثلاث التالية، حدث تقارب بين المخطوطات، سواء كان ذلك عن قصد وبطريقة رسمية، أو من غير قصد وبطريقة غير رسمية، وازدادت المخطوطات المستنسخة خلال هذه الفترة تطابقًا لتكون على صورة واحدة. وقد أصبح ميسورًا الحفاظ على هذه الصورة لأن عملية نسخ المخطوطات أصبح يقوم بها - في الغالب - نسَّاخ متخصصون ومدربون.

 بالإضافة إلى ذلك كان هناك نوع من التنقيح مما نتج عنه - إلى حد ما - توافق بين العبارات ووصف الأحداث المتناظرة في الأناجيل، وكذلك تصويب الأخطاء النحوية، فأصبح النص سلسًا تسهل قراءته. 

 إن أكثر من تسعين في المائة من مخطوطات العهد الجديد الموجودة بين أيدينا الآن، ترجع إلى هذه الفترة أو بعدها، وعليه فإن نسبة مئوية صغيرة من المخطوطات هيَ التي احتفظت بصورة للنص ترجع إلى ما قبل النص الموحّد. ومع أن نسخ المخطوطات باليد يعني أنه لا يمكن أن توجد فعليًا مخطوطتان متطابقتان تمامًا، إلاَّ أن كل المخطوطات تقريبًا - بداية من القرن الثامن فصاعدًا - تمثل الصورة الموحَّدة. وقد استمرت هذه الصورة للنص إلى أن أحدث اختراع الطباعة ثورة في عالم الكتب"(825).

ويقول "بارت إيهرمان" أيضًا: "بدءًا من القرن الرابع الميلادي بدأت النسخ تُصنع من قِبل نسَّاخ محترفين، وقلل هذا بشكل طبيعي من عدد الأخطاء التي كانت تقترف من النص، وفي نهاية الأمر مع تحول العقود إلى قرون أصبحت مهمة نسخ الكتاب المقدَّس عن اليونانية مهمة الرهبان الذين كانوا يعملون في الأديرة، الذين كانوا يقضون أيامهم وهم ينسخون النصوص بحذر وباستمرار، واستمرت هذه العملية حتى القرون الوسطى، حتى اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر"(826).

 

5ـ الغالبية الساحقة من الاختلافات مست أمور عرضية هامشية، ولا يوجد أي اختلاف يؤثر على أقل عقيدة كتابية، لأن أي عقيدة لا تعتمد على مجرد آية واحدة، فقال بعض النُقَّاد أن عبارة "أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ"(يو 9 : 35) التي قالها السيد المسيح للمولود أعمى جاءت في بعض المخطوطات القديمة: "أتؤمن بابن الإنسان"، وانتهوا إلى نتيجة أن هذه الآية تم تحريفها لتدعيم فكرة ألوهية المسيح، وكأن عقيدة ألوهية المسيح تعتمد على هذه الآية لا غير، وهذا طبعًا نوع من الوهم، وتجني على الحقيقة، لأن عقيدة ألوهية المسيح قد حُفِرت بعمق في الأسفار المقدَّسة.

وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "ورغم وجود الاختلافات بين آلاف المخطوطات، إلاَّ أنها اختلافات تافهة جدًا إذا قيست بضخامة ما تحويه المخطوطة من كلمات، فقد كان النسَّاخ يراعون نقل هذه النصوص بعناية فائقة حتى ولو بدا لهم النص عسير الفهم أو غامض المعنى"(827).

 

6ــ شك "ريتشارد سيمون" في جميع المخطوطات، وقال أنه لا يوجد أي مخطوطة تعبر عن النسخة الأصلية، فأورد الناقد قول "ريتشارد سيمون" دون أن يذكر الزمن الذي عاش فيه، فقد وُلِد ريتشارد سيمون سنة 1638م وتوفي سنة 1712م، فلم يبصر ولم يعاصر الاكتشاف الخطير لمخطوطات البردي والتي تم اكتشافها في أواخر القرن التاسع عشر، ويرجع تاريخها للقرنين الأول والثاني، ولم يعاصر اكتشافات مخطوطات وادي قمران في الكهف السابع والتي ترجع للقرن الأول الميلادي، فلو عاش في العصر الحديث، لكان له بكل تأكيد رأي آخر مخالف عما ذكره، وليس معنى أن كل مخطوطة حملت بعض التصحيحات أو التعديلات (وهذا أمر متعارف عليه، سواء أجراها الناسخ نفسه أو ناسخ آخر قام بالمراجعة) يعني استحالة الوصول للنص الأصلي من مجمل المخطوطات المتاحة، وعددها جاوز الخمسة والعشرين ألفًا باللغة اليونانية ولغات أخرى، وبعضها قريب العهد جدًا بالأصول لا يفصله عنها سوى عشرات قليلة من السنوات.

ورغم أن "ريتشارد سيمون" أوضح أنه لا توجد أية مخطوطة تعبر عن الأصل بنسبة 100%، إلاَّ أنه أعرب عن ثقته في الكتاب المقدَّس من خلال الآباء الرسل والكنيسة، فقال: "على الرغم من أن الكتاب المقدَّس هو قاعدة أكيدة يستند عليها إيماننا، ومع ذلك فإن هذه القاعدة ليست ككل كافية بحد ذاتها. أنه من الضروري أن نعرض بجانب ذلك ما هيَ التعاليم الرسولية، ولا يمكننا أن نتعلمها إلاَّ من الكنيسة الرسولية التي حافظت على روح الكتاب المقدَّس الحقيقية"(828). ونشكر الله أن الإيمان المسلَّم من الكنيسة هو مطابق لما جاء في الأسفار المقدَّسة تطابقًا تامًا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (818) تحريف مخطوطات الكتاب المقدَّس ص 72 - 74.

(819) المرجع السابق ص 78.

 (820) أورده بارت أيهرمان - ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 134.

 (821) الكتاب المقدَّس - كيف نعرف أنه جدير بالثقة ص 45.

 (822) ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 77.

(823) برهان يتطلب قرارًا ص 83.

 (824) ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 76.

 (825) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 294.

(826) ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 97.

(827) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 295.

 (828) أورده بارت إيهرمان - ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 134.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/113.html

تقصير الرابط:
tak.la/bq5qf79