س118: هل جميع المؤلَّفات القديمة حوَت قراءات مختلفة؟ وهل هناك قراءات مختلفة في العهد الجديد تؤثر على أي عقيدة إيمانية؟
ج: جميع المؤلَّفات القديمة التي لها أكثر من مخطوطة حوَت قراءات مختلفة، لأنه لا توجد مخطوطتان متطابقتان تمام التطابق، وتزداد القراءات المختلفة كلما زاد حجم المؤلَّف، وأيضًا كلما كثرت مخطوطاته التي نُسخِت عن المخطوطة الأم أي الأصل، فمثلًا الإلياذة التي حوَت 15600 كلمة، ولها أعداد قليلة من المخطوطات، حوَت 764 قراءة مختلفة، بينما كلمات العهد الجديد أضعاف الإلياذة عدة مرات، ومخطوطاته أضعاف الإلياذة مئات المرات، فإذا قيل أن العهد الجديد حوى 150000 قراءة مختلفة، فإن هذا الرقم لا يزعجنا على الإطلاق، ولا سيما بعد أن عرفنا أن القراءة المختلفة تحتسب بعدد ورودها في المخطوطات المختلفة، فإذا وُجد حرف زائد في كلمة أو محذوف منها في ثلاث مئة مخطوطة، فإن هذا الحرف يُحسب بثلثمائة قراءة مختلفة (راجع س 117).
ولا توجد أية عقيدة إيمانية تعتمد على آية واحدة، فطالما حذر الآباء من خطورة استخدام الآية الواحدة وبناء عقيدة إيمانية عليها، فعند بحث أي موضوع في الكتاب المقدَّس يجب تجميع كافة الآيات والمواقف المتعلقة بهذا الموضوع أو تَمُتْ له بصلة، والرجوع لأقوال الآباء وكيفية فهمهم لهذا الأمر، وبهذا ننتهي إلى رأي معتدل يتمشى مع نصوص الكتاب ككل، ومع روح الكتاب أيضًا، ويقول "القس الدكتور جون ستوت" John Stoot : " لقد تاب الفكر المسيحي الحقيقي عن محاولة دعم كل عقيدة أو مسألة أخلاقية باقتباس آية منفردة من هنا وهناك، بينما الله أعطانا إعلانًا متكاملًا، وبدلًا من هذه المحاولة، على الفكر المسيحي الحقيقي أن يشبع نفسه بالكتاب المقدَّس ككل... أن المقاربة المسيحية لمسائل أيامنا المعقدة هيَ بتطوير فكر مسيحي يفهم أساسيات الكتاب المقدَّس، ومشبَّع بالحق الكتابي الكامل"(868).
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "ويجب ألا يخطر على بالنا أن نصوص العهد الجديد مبنية على أسس مشكوك في صحتها بسبب العدد الكبير من أجيال المخطوطات، ففي الواقع، لا يحوم أدنى شك حول الجزء الأكبر من كلمات العهد الجديد. ولم يسترع انتباه ناقدي النصوص سوى جزء صغير جدًا نسبيًا من كلمات العهد الجديد، فكل مخطوطات العهد الجديد في واقع الأمر متطابقة ولا يوجد أدنى شك في سبعة أثمان العهد الجديد، ولو غضضنا الطرف عن الاختلافات عديمة القيمة. فإن 1/60 (نحو 1.67%) فقط من كلمات العهد الجديد يمكن أن تكون موضع تساؤل. وما لا يزيد عن كلمة واحدة من كل ألف كلمة (0.1%) يمكن أن يدور تساؤل جوهري حول النص الأصلي لها، إلاَّ أنه ما من عقيدة من عقائد المسيحية مبنية على نص غير محقَّق أو يحوم حوله أدنى شك"(869).
ويقول "فريدريك كينيون" مدير مكتبة المتحف البريطاني: "أننا نؤكد بكل يقين أنه لا توجد عقيدة مسيحية مبنية على قراءة موضع اختلاف... أن نصوص الكتاب المقدَّس أكيدة في مادتها، وهذا ينطبق بصورة خاصة على العهد الجديد، فإن عدد مخطوطات العهد الجديد المتوفرة لدينا والترجمات القديمة له والاقتباسات المأخوذة من كتابات الأقدمين كثيرة بالدرجة التي تؤكد لنا صحة النص، وأن القراءة الأصلية لكل جزء من هذه الأجزاء موضع الاختلاف، موجودة في هذه المراجع القديمة، وهو ما لم يحدث مع أي كتاب قديم في العالم. والعلماء مقتنعون أنهم يمتلكون بصورة النص الحقيقي... إذ تعد مخطوطات العهد الجديد بالمئات وحتى بالآلاف... ويمكن للمسيحي أن يمسك بالكتاب المقدَّس كله في يده ويقول بدون خوف أو تردد أنه يمسك بكلمة الله الحقيقية التي سُلِّمت عبر القرون من جيل إلى جيل بدون أن يُفقد شيء من قيمتها"(870).
ويقول "القس صموئيل مشرقي": "وقد تمت مقابلة التراجم القديمة عند أمم شتى من العرب والسريان والقبط والأرمن والأحباش وغيرهم، وما وُجِد بينها من اختلافات إنما كان في أمور عرضية لا دخل لها في معاني الكتاب، ولا تمس شيئًا من المواد الجوهرية في التراكيب، وإنما هيَ من جراء ما يلحق ببعض الألفاظ أو الجمل في الأحوال العارضة والوصلات الخارجية، وذلك كان يكون اللفظ في إحدى النُسخ مُعرَّفًا مثلًا، وفي الأخرى بلا تعريف، أو يرد الحديث في بعضها بلفظ الفعل، وفي غيرها بلفظ الاسم، أو يثبت لفظ العطف (حرف العطف) في الواحدة ويحذف في الأخرى، وسائر القوانين النحوية.."(871).
وأيضًا نورد هنا شهادة "بارت إيهرمان" وإن كان نصفها الأول إيجابي ونصفها الآخر سلبي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فيقول: "ولنكن واثقين أنه من بين مئات آلاف التغييرات النصية الموجودة في مخطوطاتنا فإن معظمها غير مُهم أو أساسي، ولا يُشكـل أهمية حقيقية لأي شيء سوى إثبات أن النُسَّاخ غير قادرين على التهجئة، أو الحفاظ على تركيزهم أفضل من أي شخص منا"(872). وهذا هو الجانب الحسن، أما الجانب الآخَر، فيقول فيه: "ولكن سيكون من الخطأ أن نقول أن التغييرات في النص ليست لها تأثيرات على النصوص أو على الاستنتاجات اللاهوتية التي يستنتجها منها المرء. ولكن كما رأينا في الواقع فإن العكس صحيح حيث يكون المعنى الحقيقي للنص في بعض الحالات على المحك اعتمادًا على حل المشكلة النصية، هل كان المسيح رجلًا غضوبًا؟ هل كان ذاهلًا في مواجهة الموت؟ هل أخبر أتباعه أنهم يستطيعون شرب السُّم دون أن يصيبهم أذى؟ هل ترك زانية دون عقاب موجهًا لها تنبيهًا بسيطًا؟ هل تعليم الثالوث موجود فعلًا في العهد الجديد؟ وهل يدعى المسيح بالابن الوحيد هناك؟ وهل يشير العهد الجديد إلى أن المسيح لا يعرف متى تأتي النهاية؟ وتستمر الأسئلة، وكل منها متصل بكيفية حل الصعوبات في المخطوطات كما وصلت لنا"(873).
ونحن نقول هل صورة السيد المسيح كمال الاتضاع صورة غير واضحة في العهد الجديد حتى يتساءل "بارت إيهرمان" عما إذا كان إنسانًا غضوبًا أم لا؟! ألا يكفي تجسده وإخلاءه لذاته وظهوره في صورة العبد المتألم..؟! ألا يكفي قوله للجموع: " تَعَالَوْا إِلَيَّ يَاجَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت 11 : 28، 29)، وكيف يتصوّر أن المسيح كان منذهلًا في مواجهة الموت..؟! فالسيد المسيح لم يفاجئ ولم يصـدم بالصليب، فهو الإله العالِم بكل شيء، وقد سبق وأخبر تلاميذه بأهوال الصليب (راجع مت 12 : 39، 40، 16 : 21، 17 : 22، 23، 20 : 18، 19، 28، 26 : 2، 24، 31، 62، مر 8 : 31، 9 : 9، 10 : 33، 34، لو 9 : 22، 13 : 32، 33، 17 : 25، 18 : 31 ـ 33).. إلخ.، وهكذا بقية التساؤلات مردود عليها بوضوح وقوة في الكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد، فمن المستحيل أن تتوقف على قراءة مختلفة هنا أو هناك.
_____
(868) أورده القس الدكتور رياض قسيس - لماذا لا نقرأ الكتاب الذي قرأه المسيح؟ ص 182، 183.
(869) دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 279، 280.
(870) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الكتاب المقدَّس هل هو كلمة الله؟ ص 79، 80.
(871) مصادر الكتاب المقدَّس ص 85.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/118.html
تقصير الرابط:
tak.la/7hggap8