س116: ما هيَ القراءات المختلفة، وكيف يتم احتسابها، وما هيَ أعدادها؟ وما هيَ أسباب وقوع هذه القراءات المختلفة؟ وهل تُعد هذه القراءات المختلفة نوعًا من التحريف؟
جاء في "موقع الحقيقة" alhakekah أن "نينهام" مُفسّر إنجيل مرقس يقول: "ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين "ويستعين بما ذكره "شورر" من مخطوطات الأناجيل وأن بها 50000 اختلاف، وقال "كريسباخ" 150000، وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها: "إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تُغطي كله تقريبًا تُظهِر أكثر من مائة وخمسة ألف من الاختلافات بين النصوص". (من شبكة الأنترنت).
وقال "أحمد ديدات" تحت عنوان "خمسون ألف خطأ (؟)": "في مجلة "استيقظوا" لإصحابها "جماعة شهود يهوه" في عددها الصادر في 8 من سبتمبر 1957م، نجد هذا العنوان المُفزع : خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدَّس؟ (ص 21).. المقال يقول أن معظم هذه الأخطاء قد أُزيلت... إذا أُزيلت معظم هذه الأخطاء، فكم خطأ ما زال موجودًا من الخمسين ألف؟ خمسة آلاف، خمسمائة، خمسون؟ وحتى لو بقيت خمسون فهل تنسبون هذه الأخطاء إلى الله؟.. ففي المقال الذي طُبع في مجلتهم نقرأ : "خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدَّس؟.. "هناك ما يقارب خمسين ألف خطأ... وهيَ أخطاء قد تسللت في نص الكتاب المقدَّس... أنها خمسون ألف خطأ خطير (؟).. ولكن النص ككل ما زال صحيحًا (!) ليس لدينا الوقت ولا المساحة التي نناقش فيها عشرات الآلاف هذه من الأخطاء - الخطيرة أو البسيطة - التي حاول المصححون مراجعتها وتنميقه" (849).
وقال "السيد سلامة غنمي" : "يقول البروفيسور "دوملو" الأستاذ بجامعة كمبردج في موسوعته الشهيرة في تفسير الكتاب المقدَّس: "إن الناسخ في بعض الأحيان قد يضع في النص مالم يكن فيه ولكن ما يظنه أنه لا بد أن يتضمنه، فهو قد يثق بذاكرة متردّدة أو يجعل النص يتطابق مع وجهات نظر المدرسة التي ينتمي إليها، وفضلًا عن ذلك فإن الإضافات إلى النصوص والاقتباسات عن الآباء المسيحيين حوالي أربعة ألف نسخة من العهد الجديد باللغة اليونانية كانت معروفة وظلت باقية، ونتيجة لذلك كله فكان لا بد من اختلافات القراءات، وهذا الاختلاف جدير بالاعتبار" (ص 136 تفسير إنجيل متى - أ. د. جون فنتون)"(850).
كما قال "السيد سلامة غنمي": "يقول فريدريك جرانت في كتابه" الأناجيل أصلها ونموها".. أن أول نص مطبوع من العهد الجديد كان ذلك قام به (أرازموس) عام 1516م، وقبل هذا التاريخ كان يُحفظ النص في محفوظات (manuscripts) نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين. ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق الجلد أو القماش.
إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافًا كبيرًا ولا يمكننا الاعتقاد بأن أيًّا منها قد نجا من الخطأ، ومهما كان الناسخ حي الضمير فأنه قد أرتكب أخطاء. وهذه الأخطاء بقيت في كل النسخ التي نُقلت عن نسخته الأصلية. إن أغلب النسخ الموجودة في جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على أيدي المصححين الذين لم يكن عملهم دائمًا إعادة القراءة الصحيحة (ص 38 الغفران - إبراهيم خليل فيلبس)"(851).
أولًا:
القراءات
المختلفة، وطريقة احتسابها وأعدادها
ثانيًا : أسباب القراءات
المختلفة
1ــ أخطاء عفوية غير مقصودة:
أ - اختفاء علامات
الترقيم والفواصل
ب – الاختصارات
جـ - زلة العين
د -
سقوط حرف من الكلمة أو كلمة من العبارة، أو تكرار حرف أو تكرار
كلمة، أو تبديل حرف بحرف مشابه... إلخ.
2ــ أخطاء متعمدة ومقصودة
ثالثًا:
هل
تُعد هذه القراءات المختلفة نوعًا من التحريف؟
القراءة المختلفة في مخطوطة هيَ التي لا تتطابق مع مثيلاتها في جميع المخطوطات المتاحة بين أيدينا، فقد تحوي الكلمة حرفًا زائدًا، أو محذوفًا، أو بُدّل حرف بحرف آخر، وما ينطبق على هذا الحرف ينطبق أيضًا على الكلمة والعبارة والسطر.
أما طريقة احتساب القراءة المختلفة، فأنها تُحسَب بعدد المخطوطات التي جاءت فيها هذه الكلمة بطريقة مختلفة، حتى لو كان الخلاف في حرف واحد زائد أو ساقط أو تغيَّر بحرف شبيه، فمثلًا جاء في إنجيل متى : " وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ" (مت 1 : 7، 8)، بينما ورد اسم "آسا" في بعض المخطوطات "آساف"، فلو افترضنا أن عدد المخطوطات التي ورد فيها الاسم "آساف" مائتي مخطوطة، وبما أن الاسم ورد مرتين. إذًا عدد القراءات المختلفة = 2 × 200 = 400 قراءة مختلفة، والأربعمائة قراءة مختلفة هنا في حقيقتها ترجع إلى حرف واحد، وهو حرف "الفاء" بين "آسا" و "آساف"، ومن المفهوم أن كلا الاسمين هما إسمان لشخص واحد، ولذلك لا يزعجنا أبدًا عندما نسمع أن العهد الجديد حوى مائتين ألف قراءة مختلفة أو أكثر أو أقل... أما "أحمد ديدات" فقد نقل عن مجلة لشهود يهوة، ومن المعروف أن جماعة شهود يهوة جماعة غير مسيحية، فجعلت عنوانها: " 50,000 Errors in the Bible ? "، والحقيقة أننا نقبل القول أن هناك خمسين ألف قراءة مختلفة في العهد الجديد، ولكننا نرفض تمامًا القول بأية أخطـاء فيه. ويقول "بارت إيهرمان": "ماذا يمكننا أن نقول عن العدد الكلي للاختلافات المعروفة اليوم؟ يختلف الباحثون بشكل كبير في تقديراتهم، بعضهم يقول أن هناك 200 ألف اختلاف معروف، وبعضهم 300 ألف، وبعضهم يقول 400 ألف أو أكثر"(852).
من أسباب القراءات المختلفة أن بعض النُسَّاخ لم يكونوا على مستوى عالٍ من الكفاءة والدقة والثقافة، فكان كثير من النُسَّاخ مهرة مدربون على النسخ مراعين شروط المهنة بدقة وأمانة كاملة، ولكن كان بعض النسَّاخ من البسطاء الذين كانوا يفتقدون الدقة والمهارة، وأيضًا كان النسَّاخ يعطون أهمية أكبر لنُسخ العهد الجديد التي ستستخدم في الكنائس، أكثر من اهتمامهم بالنسخ التي كانت تُنسَخ من أجل الاستخدام الشخصي، وكما رأينا من قبل أن هناك أخطاء عفويَّة سقط فيها النسَّاخ بدون قصد، وهناك أخطاء متعمدة حتى وإن كانت تخفي خلفها هدفًا نبيلًا، مثل إصلاح ما يتوهمه الناسخ قد سبق تعديله على سبيل الخطأ، وبذلك يمكن ذكر أسباب القراءات المختلفة، فيما يلي:
وتشمل مثلًا أخطاء النظر بسبب:
مما كان يسبب لبثًا في بعض الأحيان، فيدمج الناسخ كلمتين معًا في كلمة واحدة، أو يفصل ويقسّم الكلمـة الواحــدة إلى كلمتين، ويقول "بارت إيهرمان": "إن زلات القلم العرضية دون شك كانت واسعة الانتشار كما رأينا، بسبب أن المخطوطات اليونانية كانت كلها مكتوبة بالخط المستمر، دون علامات ترقيم في معظم الأحيان، وأيضًا دون فراغات بين الكلمات"(853).
خلط بعض النُسَّاخ بين الاختصارات المتشابهة، والبعض اعتبر أن الاختصار كلمة تامة، ومن أمثلـة الخلط بين الاختصارات ما جاء في (رو 12 : 11) "عَابِدِينَ الرَّبَّ" فكلمة "الرَّبَّ Κυριωι واختصارها Κω ظنها البعض اختصار لكلمة "الوقت" Καιρο، وكأن بولس الرسول كان يحث أولاده على عبادة الوقت.
فتكرار الكلمة الواحدة بين سطرين، قد تنتقل العين في الكلمة الأولى للثانية ويسقط ما بينها، فمثلًا جاء في إنجيل لوقا: "مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ" فتزل العين بين "مَلاَئِكَةِ اللهِ" في الآية (8)، والآية (9)، وبذلك سقطت في بعض مخطوطات البردي الآية (9) لأن نهايتها "مَلاَئِكَةِ اللهِ" هــيَ نفس نهاية الآية (8). ويقول "بارت إيهرمان": "فإن الناسخ قد ينسخ السطر الأول من النص، وعندما يعود بعينه إلى الصفحة ويرى الكلمات نفسها على السطر الثاني يقوم بنسخ السطر التالي بدلًا من متابعة النسخ في السطر الأول ناسيًا الكلمات فيما بينهما، أو ربما الأسطر. أن هذا النوع من الأخطاء يُسمى أحيانًا بزلة العين الناجمة عن النهايات المتشابهة"(854).
وأيضًا من الأخطاء العفويَّة أخطاء السمع فعندما يُملى النص على شخص ناسخ أو أكثر قد يحدث لبث بين الحروف المتشابهة، فهذا يستخدم حرفًا والآخَر يستخدم الحرف المشابه له، وقد يحدث لبث أيضًا بين كلمتين متفقتين في النُطق ومختلفتان في المعنى، وقد يحدث كذلك لبث من عدم وضوح مخارج الحروف ممن يُملئ النص، أو عـدم الإصغاء الجيد من الناسخ، ويقول "بارت إيهرمان" أنه عندما يملئ شخص عـدة نُسَّاخ في وقت واحد: "فإذا كانت كلمتان تلفظان بشكل مشابه، فإن الناسخ الذي يقوم بالنسخ قد يقوم بشكل غير متعمد باستخدام كلمة خاطئة في نسخته، وخاصة إذا كانت تتماشى بشكل جيد (ولكنه خاطئ) مع النص"(855). ومثال على هذا ما جاء في سفر الرؤيا "أعتقنا" LUSANTI تُلفظ تمامًا ككلمة "غَسَّلَنَا" LOUSANTI، بزيادة حرف"O"، ولذلك جاء في بعض المخطوطات "غَسَّلَنَا" وفي بعضها "أعتقنا".
وأيضًا من الأخطاء العفوية أخطاء الذاكرة مثلما يستخدم الناسخ كلمة مرادفة دون أن يقصد ذلك، أو مثلما تطفو كلمة من الذاكرة فيكتبها الناسخ عوضًا عـن كلمـة أخرى، مثل "ملكوت السموات" بدلًا من "ملكوت الله" أو العكس.
وكذلك من الأخطاء العفويَّة أخطاء الاجتهاد، فقد يضيف الناسخ دون قصد عبارة في الهامش إلى متن النص. وأحيانًا تقود الأخطاء العفويَّة إلى تعبيرات غير منطقية، فمثلًا عبارة "تَشْهَدُ لِي" التي جاءت في إنجيل يوحنا: "فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي" (يو 5 : 39) وُجِدث في مخطوطة "وهيَ التي تخطئ ضدي"، ومثل آخَر في سفر الرؤيا: "وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ" (رؤ 4 : 3) جاء في بعض المخطوطات "وكهنة حول العرش يبدون كالزمرد".
فقد يضيف الناسخ كلمة للنص بهدف توضيح واستجلاء المعنى، وأحيانًا يصوب ما يحسبه أنه قد تم التعديل فيه من قبل، وربما كانت هذه التعديلات منطقية وتتمشى مع روح النص، لذلك يحتاج الكشف عنها إلى جهد أكبر، ويقول "بارت إيهرمان" أن التغييرات الناتجة عن الأسباب السابقة (العفويَّة) من السهل الوصول بها للنص الأصلي، "بينما تكون الأخطاء المتعمدة الأصعب في التحديد، بسبب أنها وبشكل خاص قد اُقترفت عن عمد فإن هذه الأخطاء تكون منطقية. وبما أنها منطقية فسيكون هناك نُقَّاد يناقشون أنها منطقية أكثر من غيرها أي أنها هيَ الأصل. إن هذا ليس جدالًا بين باحثين يظنون أن النص قد حُرّف وأولئك الذين يظنون أنه لم يُحرّف. أن الجميع يعرفون أن النص قد غُيَّر. أن السؤال الوحيد... أيهما يمثل الشكل الأول الذين يمكن قبوله من النص. وهنا يختلف العلماء"(856). ومما يجب التأكيد عليه أنه لا يوجد أي دليل يثبت أن الناسخ قام بالتغيير المتعمد بهدف التأثير على أي عقيدة إيمانية.
يجيب على هذا التساؤل "الدكتور جورج فرج" قائلًا: "سؤال: هل يمكن اعتبار اختلاف مخطوطات العهد الجديد تحريفًا للكتاب؟ كلاَّ بالطبع، لأن التحريف هو عملية تدخل مُتعمد في النص لتشويه النص الأصلي وتقديم رواية جديدة لنص ومحتوى جديد تمامًا بهدف أو غرض ما، وهذا أمر غير حادث بالمرة في أي نص للكتاب المقدَّس، فوجود اختلاف في حرف أو كلمة أو فقدان سطر، لا يؤثر في الرواية الأصلية في شيء، لأن الاختلاف هنا ناتج لحادث غير مقصود، وليس بهدف تقديم عقيدة مغايرة، فمثلًا لو افترضنا أن بعض مخطوطات إنجيل لوقا تحدثت عن ميلاد المسيح من عذراء والبعض الأخرى تحدثت عن ميلاد من علاقة زواج طبيعي، يمكن أن نُسمي ذلك بتحريف حدث في أحد المجموعتين من المخطوطات، ولكن أمر مثل هذا لا وجود له نهائيًا في الكتاب المقدَّس. فكل اختلافات المخطوطات هيَ اختلافات غير جوهرية ويمكن وصفها بأنها تافهة. ولا يوجد اختلاف بين المخطوطات يؤثر في مفهومنا لأي عقيدة مسيحية بأي شكل كان"(857).
كما يقول "د. جورج فرج" أيضًا: "ونحب أن نوضح أن تعبير "تحريف الكتاب المقدَّس" هو تعبير لا وجود له في البحث العلمي الخاص بالعلوم الكتابية، فيوجد علم النقد الكتابي والمُسمى بالنقد الأدنى والذي يخص دراسات المخطوطات والاختلافات الحادثة بينها، ويوجد النقد الأعلى والذي يهتم بدراسة تاريخ النص ومحتواه الأدبي. فيمكن أن تجد عالِم ما يحاول التشكيك في منطوق عبارة معينة في الكتاب أو فقرة محدَّدة عن مدى أصالتها... إلخ.، ولكن لا يوجد علماء كتابيون يتحدثون عن تحريف الكتاب ككل لأنه ببساطة تعبير ظهر في اللاهوت (الفكر) الإسلامي وأول من استخدم هذا التعبير بشكل موسع شخص يُدعى "علي بن حزم" الأندلسي من القرن العاشر.
كما أن كمية المخطوطات الموجودة للنص اليوناني وكذلك الترجمات القديمة المنتشرة في كل المسكونة يجعل القول بتحريف الكتاب المقدَّس مجرد هذيان"(858).
_____
(849) هل الكتاب المقدَّس كلام الله..؟ ص 20 ــــ 22.
(850) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 224.
(853) المرجع السابق ص 118.
(854) ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 120.
(855) المرجع السابق ص 121.
(856) ترجمة فادي مرعشلي - الاقتباس الخاطئ عن المسيح ص 123.
(857) المدخل إلى تفسير العهد الجديد ص 49.
(858) المرجع السابق ص 51، 52 .
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/116.html
تقصير الرابط:
tak.la/5dwakxz