س162: كيف يختار الله في تجسده جدات زانيات فاسدات غلبت عليهم الخسة والنجاسة (مت 1: 3، 5، 6) مثل ثامار التي زنت مع حميها يهوذا الزاني (تك 38: 14 - 26)، وراحاب التي دعاها الكتاب "امرأة زانية" (يش 2: 1)، و"راحاب الزانية" (يش 6: 25، عب 11: 31، يع 2: 25)، وراعوث الموآبية (را 1: 4) وبثشبع امرأة أوريا الحثي التي زنت مع داود الملك الزاني (2 صم 11: 3، 4)؟ ولماذا لم يرد أسماء هؤلاء النسوة في إنجيل لوقا إلاَّ أنه تعفَّف عن ذكر أسمائهن؟
يقول "أحمد ديدات": " راقبوا كيف دسَّ النصارى أبناء الزنى في العهد القديم في سلسلة نسب عيسى في العهد الجديد وهو ربهم ومخلصهم... ستة زناة وذريتهم كان يجب أن يُرجموا كما حكم اللَّه.." (138).
ويقول "علاء أبو بكر": " س106: ما هيَ الحكمة التي ترونها في اختيار الرب نسلًا فاسدًا يقول أنها عائلته التي ينتمي إليها" (139) (راجع أيضًا جـ 2 س133 ص140).
ويقول "ع. م جمال الدين شرقاوي": " ثم هناك قضية أخلاقية في سلسلتي نسب يسوع... أنها ذكرت الزانيات والزواني في سلسلة نسب خلاصة الطهارة والإصطفاء الإلهي، فاللَّه سبحانه وتعالى أخبرنا وقوله الحق: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" (آل عمران 33). وآل عمران هم عمران وامرأته وذريته مريم وابنها عيسى. فكيف يتسنى الإصطفاء مع الزناة والزواني؟!!. وإليكم أربع نسوة زانيات ورد اسمهن في سلسلة النسب.."(140).
ويقول "نبيل نيقولا جورج": " قام يهوذا بالزنى بكنته (ثامار) أرملة ابنه، وهنا أتساءل: كيف يرضى النصارى أن يكون أحد أجداد المسيح زانيًا، والمسيح عندهم هو ابن اللَّه الوحيد كما يزعمون؟!!!. وماذا يقول (الكتاب المقدَّس) لمرتكبي هذا الأثم: " وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ كَنَّتِهِ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. قَـدْ فَعَلاَ فَاحِشَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا" (لا 20: 12). والشريعة تحرّم الزناة والعموني والمؤابي في الدخول إلى جماعة الرب... (تث 23: 3). أي أن فارص وذريته خارجين عن جماعة الرب مطرودين من رحمته، وذلك حسب ما يقوله الكتاب المقدَّس. فهل يمكن أن يكون المسيح (عليه السلام) هو من نطق بهذا الكلام وسرد نسبه للناس بهذه الصياغة؟!" (141).
وجاء في "موقع ابن مريم": " وأتساءل: كيف يكون هذا؟؟!!! كيف يؤمن النصارى بأن نسب إلههم حوى هذه النجاسة؟؟!!!.
ولم يتصوَّر القرَّاء حجم هذه الكارثة، فعليهم أن يعلموا أن الزنا هو أبشع الجرائم عند اليهود حتى أن كتابهم لم يجد وصفًا للكفر والمعصية أشد من الزنا لينعتهما به... فكيف ينسب النصارى إلههم إلى نسل زنا؟؟!!.
وما الفارق بينهم وبين اليهود الذين اتهموا المسيح بأنه ابن زنا عدة مرات حسب الأناجيل؟؟؟.
وجهت هذا السؤال من قبل إلى النصارى فصمتوا طويلًا قبل أن يجيب أحدهم على استحياء: إنه سعيد بأن إلهه جاء من نسل زنا ليحمل خطايا الزناة... !!!
وأمام هذا المنطق فقد كان من اللازم على المسيح - حسب تخيل النصارى - أن يصير عربيدًا وقاتلًا و... و... و... ما هذا المنطق؟؟!!! كيف يفكر هؤلاء؟؟!!! ".
(راجع أيضًا يوسف هريمة - ولادة المسيح وإشكالية التثاقف ص131 ، 132).
ج: 1ــ كثير من نقاط الاعتراض سبق الرد عليها، ودعنا يا صديقي نستعرض على وجه السرعة هؤلاء الجدات الأربع اللواتي تجلَّت فيهم الرحمة الإلهيَّة:
أ - ثامار: تعرضت لظلم حميها يهوذا الذي رفض أن يزوجها بابنه الثالث شيلة خوفًا عليه لئلا يموت مثل أخويه السابقين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. مع أن الابن الأول والثاني مات كل منهما بخطيئته، الأول "عير" كان شريرًا، والثاني "أونان" لأنه لم يشأ أن يقيم نسلًا لأخيه الميت "عير" (تك 38: 6 - 10)، فاحتالت ثامار على يهوذا إذ اتخذت شكل زانية، فسقط معها يهوذا دون أن يعرفها، ولم يكن قصد ثامار الزنا والفسق والبغاء، لأنها لم تفعل هذه الرذيلة إلاَّ مرة واحدة، بهدف إيجاد نسل لها، كما زنتا من قبل ابنتي نوح مع أبيهما، ولم يكن هذا بهدف الزنا واللذة، ولكن بقصد الحصول على نسل، ولهذا لم يكرّرا عملهما. ومن أجل الرغبة الجارفة للحصول على نسل عرضت ثامار حياتها للموت، فعندما سمع حماها أنها حامل طلب أن تخرج لتُحرَق، وعندما اكتشف الحقيقة اعترف بخطئه وقال لها: " أنتِ أبر مني".. وطبَّق الناقد حكم الشريعة على يهوذا وثامار (لا 20: 12) مع أنهما عاشا قبل عصر الشريعة بمئات السنين، ومن المعروف أن الشريعة عندما صدرت لم تُطبَق بأثر رجعي، وأيضًا لا يمكن أن نحكم على أحداث حدثت منذ نحو أربعة آلاف سنة، حيث لم تكن هناك شريعة مكتوبة، بمقاييس اليوم، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع (فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم جـ 5 س530).
ب - راحاب: دُعيت بالزانية، وهناك احتمال أن المقصود بهذا الوصف أنها صاحبة فندق، فمن يطلع على شريعة حمورابي يعرف أن السيدات هن اللواتي كن يملكن الفنادق، وكان نزلاء الفنادق غالبًا من اللصوص والمجرمين والزناة، حتى أن الكاهنة لو أمضت ليلتها في فندق فإن شريعة حمورابي تحكم عليها بالحرق، لأنه مكان فاسد، ومن هنا جاءت تسمية صاحبة الفندق بالزانية (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ4 ص2)، وحتى لو كانت راحاب امرأة زانية بالفعل، لكنها تابت وأعلنت إيمانها بإله إسرائيل وخاطرت بحياتها من أجل حماية الجاسوسين، ونالت النجاة بسبب إيمانها فاستحقت المديح من معلمنا بولس الرسول (عب 11: 31)، وأيضًا مدحها القديس يعقوب (يع 2: 25).. حقًا لو كان لأريحا قلب راحاب ما كانت سقطت المدينة ولا احترقت، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع (فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم جـ 8 س915، س918).
جـ- راعوث: امرأة فاضلة وسيرتها مشرّفة جدًا، ولا يعيبها أنها كانت موآبية لأنها لم تسقط في عبادة شعبها، بل آمنت بإله إسرائيل وتهوَّدت وصارت محبتها وعلاقتها وإلتصاقها بحماتها نعمي مضرب الأمثال على مدى الأجيال. أما قصة دخولها جماعة الرب بينما الشريعة تُحرّم ذلك (تث 23: 3)، وكيف ملك داود وهو من نسل امرأة موآبية؟ وكيف يتجسد اللَّه من نسل راحاب وراعوث؟ فقد سبق الإجابة على هذه التساؤلات (فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم جـ 8 س 1063).
د - بثشبع: وهناك تساؤلات عديدة بشأنها وشأن داود، إذ كيف يزني داود النبي والملك معها ولا يُرجَم بحسب حكم الشريعة (تث 22: 22)؟!، وكيف بعد هذا يدعو الكتاب داود بأنه الملك الطاهر (مز 18: 20)؟ وهل مادام زواج بثشبع بداود زواج غير شرعي، فإن هذا يعني أن السيد المسيح حفيد غير شرعي لداود؟ وكيف يخرج المسيح من أكثر المنابع قذارة؟.. إلخ... كل هذه التساؤلات تمت الإجابة عليها من قبل (فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم جـ 9 س1194).
2ــ قال الكتاب صراحة وبوضوح تام: " أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ... الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رو 3: 10 - 12). ولو كان هناك أُناس أبرار في كل الأجيال ليتناسل منهم السيد المسيح، ما كان هناك أساسًا أي داعٍ لتجسده... ألم يأتِ ليحمل خطايا البشرية جمعاء في كل زمان ومكان منذ آدم إلى آخر الدهور؟!!.. ألم يقل عنه يوحنا المعمدان: " هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو 1: 29)؟!!.. لقد جاء السيد المسيح ليحمل أرث الماضي بكل خطاياه وآثامه، وأيضًا أخطاء وخطايا الحاضر والمستقبل، وأظن أن هذه الحقيقة يدركها الجميع بإستثناء بعض النُقَّاد أحادي النظرة الذين ينتقدون لمجرد النقد، فلا يكفُّون عن تساؤلاتهم: كيف يتجسد اللَّه من أسلاف زناة خطاة فسقة مجرمين؟!!، ومهما قلنا لهم أن الجميع زاغوا وفسدوا، والذين لم يسقطوا في الزنا سقطوا في خطايا أخرى، فمن أين لنا بأسلاف أبرار؟!!، وهم لا يكفُّون عن ترديد نفس التساؤلات... وليحكم العقلاء!!!.. ولماذا لم يلتفت هؤلاء إلى أسلاف الأنبياء، ولاسيما أن السيد المسيح في نظرهم مجرد نبي؟!!، ولماذا لم يحتجوا على أسلاف محمد الذين هلكوا جميعًا وهم في الجاهلية؟؟!!
3ــ لم يؤلف القديس متى سلسلة أنساب السيد المسيح، إنما نقلها كما هيَ من السجلات التي استعان بها، فمثلًا اسم "ثامار" و"بثشبع" أخذهما من سلسلة الأنساب الواردة في سفر أخبار الأيام الأول، فعندما ذكر عزرا اسم "يهوذا" قال: " وَثَامَارُ كَنَّتُهُ وَلَدَتْ لَهُ فَارَصَ وَزَارَحَ" (1 أي 2: 4) وعندما ذكر أولاد داود قال: "... شِمْعَى وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ. أَرْبَعَةٌ مِنْ بَثْشُوعَ بِنْتِ عَمِّيئِيلَ" (1 أي 3: 5)، وبلاشك فإن الروح القدس هو الذي قاد الكاتب لإظهار هذه السلسلة بهذه الصورة، ولعلنا نلاحظ فيها الأمور الآتية:
أ - قصد الروح القدس تحطيم كبرياء وتشامخ اليهود الذين يتعالون على الأمم، ويتفاخرون بآبائهم، في الوقت الذي أراد فيه الروح القدس أن يظهر تواضع السيد المسيح الذي ارتضى أن يتجسد ويتأنس من أسلاف بهذه الصورة المذرية، بل قَبِل أمميات ليكن جدات له، ولا عجب فقد جاء من أجل اليهود والأمم.
ب - قصد الروح القدس أن يعلمنا أن اللَّه يختار الأدنياء والمزدرى وغير الموجود ليبطل بهم الموجود، وحتى لا يفتخر أحد أمامه، فمن أراد أن يفتخر فلا يفتخر بآبائه وأسلافه بل بالرب يفتخر.
جـ - جاء السيد المسيح ليشرّف البشرية ويسبغ عليها من كرامته، ولم يأتِ لينال شرفًا من هذه البشرية الفاسدة.
د - هذا هو حال البشرية الساقطة التي من أجلها تجسَّد ابن اللَّه لكيما يقدّسها ويتخذها عروسًا له، فدمه كفيل بتطهير أشر الخطاة من شرورهم وآثامهم.
هـ - قصد الروح القدس أن يعلمنا عظم التوبة التي تُحوّل الزناة إلى بتوليين، وداود الساقط إلى داود العظيم حتى أن السيد المسيح ينتسب له.
4ــ قد يتساءل البعض: لماذا لم يتخذ اللَّه جدات فاضلات مثل سارة ورفقة وحنة أم صموئيل عوضًا عن هؤلاء النسوة الأمميات الخاطئات؟.. والحقيقة أن من ينظر لسلسلة أنساب السيد المسيح بشيء من العمق يجد القديس متى قد ذكر سارة ورفقة بطريقة غير مباشرة، فعندما قال " إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ" (مت 1: 2).. فمن هيَ أم إسحق؟. أنها سارة، وأيضًا أم يعقوب رفقة. أما حنة أم صموئيل زوجة ألقانة فلم يذكرها لأن ألقانة كان لاويًا من سبط لاوي (1 أي 6: 16 - 28) ودُعي أفراميًا لأنه سكن في أرض أفرايم (1 صم 1: 1) بينما السيد المسيح من سبط يهوذا، فلم يكن ألقانة من أسلافه. وما أجمل قول "القديس جيروم": " لم يُذكَر في ميلاد المسيح ونسبه اسم قديسة، بل ذكر من شجبهن الكتاب، وهو يريد القول بأن من جاء من أجل الخطاة وُلِد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع" (142).
5- ما جاء في موقع ابن مريم جانبه الصواب، فمثلًا:
أ - قوله أن المسيحيين بقولهم بسلسلة الأنساب يشابهون اليهود الذين اتهموا المسيح بأنه ابن زنا، لا يتفق مع العقل ولا المنطق، لأننا نحن المسيحيون نؤمن بالإنجيل وبكل ما جاء فيه، بما فيها سلسلة الأنساب، فالإنجيل يذكر حقائق وليست ادعاءات باطلة. أما قول اليهود بأن المسيح ابن زنا فهو محض إفتراء وكذب. كما أن الأناجيل لم تذكر قط أن اليهود اتهموا المسيح بأنه ابن زنا، لأنهم كانوا يعلمون أنه ابن يوسف: " وَقَالُوا أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" (يو 6: 42).
ب - قوله بأن قبولنا أن المسيح جاء من نسل الزناة ليحمل خطاياهم، فبالتالي كان يلزم أن يكون المسيح عربيدًا وقاتلًا، فالقياس هنا خاطئ تمامًا، وشتان بين الطاهر القدوس الذي يحمل خطايا العالم، وبين أن يصير هذا الطاهر القدوس عربيدًا وقاتلًا، ففي عمله الأول تضحية وفداء وبذل وصليب يحمله وموت يجوز فيه، بينما في العمل الثاني خطية ورذيلة وضعف، فقبول المسيح أن يولد من أسلاف بعضهم فاسدين وبعضهم على درجة عالية من الطهر والنقاء والقداسة يعلمنا أن المسيح جاء من أجل الجميع، لأن الجميع يحتاجون للتبرير بدمه، ولا يُعد هذا مبررًا على الإطلاق إلى أن يكون خاطئًا عربيدًا وقاتلًا...
6ــ وضع هؤلاء الخطاة والخاطئات يُلقي الضوء على خطة الخلاص الإلهيَّة التي رفعت الإنسان من الحضيض لتسكنه في الملكوت، فيقول "القديس ساويرس الأنطاكي" بشأن هؤلاء النسوة الغريبات الخاطئات: " ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت، ودارت وتعثرت في الشهوات غير اللائقة، هيَ التي جاء المسيح لعلاجها، حتى أنها عندما هربت ضبطت، وعندما إندفعت في ثورتها أسرعت في الابتعاد أمسكها وأوقفها وآتى بها وقادها إلى الطريق" (143).
ويقول "القديس يوحنا ذهبي الفم": " لو كنا نؤرّخ لمجرد إنسان لكان من الطبيعي أن نستحي من ذكر هذه الأشياء، ولكن حينما نتكلم عن اللَّه المتجسد ينبغي على العكس أن نفتخر بها لأنها تُظهر عظم تحننه وقوته، بل أنه من أجل ذلك قد جاء ليس لكي يستعفي من زلاتنا بل لكي يرفعها ويُلاشيها. فكما أن أعجب ما في موته ليس فقط أنه مات بل أنه احتمل عار الصليب، لأنه على قدر العار الذي إحتمله من أجلنا تكون شدة محبته للبشر، هكذا أيضًا أعجب ما في ميلاده ليس فقد أنه أخذ جسدًا وصار إنسانًا بل أنه رضى بمثل هذا النسب ولم يستحِ من زلاتنا. وهكذا أعلن لنا من مسبقات ميلاده المبكر جدًا أنه لا يستحي من حمل كل الذي لنا" (عظة 3: 3 على إنجيل ق. متى) (144).
كما يقول "القديس يوحنا ذهبي الفم": " إن السيد المسيح لم يأتِ ليهرب من تعييراتنا، بل ليزيلها، أنه لا يخجل من أي نوع من نقاصنا. وكما أن أولئك الأجداد أخذنا نسوة زانيات، فكذلك ربنا وإلهنا خطب لذاته طبيعتنا التي زنت.
الكنيسة كثامار: تخلصت دفعة واحدة من أعمالها الشريرة ثم تبعته. وراعوث يشبه حالها أحوالنا: كانت قبيلتها غريبة عن إسرائيل، وقد هبطت إلى غاية الفقر، ومع ذلك لما أبصرها بوعز، لم يزدر بفقرها، ولا رفض دناءة جنسها، كذلك السيد المسيح لم يرفض كنيسته وقد كانت غريبة وفي فقر من الأعمال الصالحة... وكما أن راعوث لو لم تترك شعبها وبيتها لما ذاقت ذلك المجد، فكذلك الكنيسة التي قال لها النبي: "انسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك "..
بهذه الأمور أخجلهم ربنا، وحقَّق عندهم ألاَّ يتعظموا.
عندما سجل البشير أنساب المسيح أورد فيها أولئك النسوة الزانيات، لأنه لا يمكن لأحدنا أن يكون فاضلًا بفضيلة أجداده، أو شريرًا برذيلة أجداده. بل أقول أن الشخص الذي لم يكن من أجداد فاضلين وصار صالحًا، فذلك شرف فضله عظيم. فلا يفتخر ولا ينتفخ أحد بأجداده، إذ تفطَّن في أجداد سيدنا، ولينظر إلى أعماله الخاصة، وحتى فضائله لا يفتخر بها، لأنه بأمثال هذه المفاخر صار الفريسي دون العشار.." (موقع نادى الفكر العربي بشبكة الانترنت).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "وهناك خاصية أخرى تميز حياة هذه النسوة الأربع. ولدت ثامار وراعوث في ظروف تخرج عن القاعدة، وكانت حياة راحاب وبتشابع حياة النساء الخاطئات. كانت راحاب " زانية " تستقبل كل من يأتي إليها، وسُميت بتشابع باسم يدل على ماضيها: "كانت إمرأة أوريا". هذا ما تفعله نعمة اللَّه الذي يبقى أمينًا رغم ضعف البشر وخياناتهم.
لقد وجد يسوع، زهرة شعب إسرائيل، في لائحة أجداده، أُناسًا لم يكونوا يهودًا وآخرين خطاة. أنه يتضامن مع جميع البشر، هذا مع العلم أن المرأة تمثل الشعب والمدينة، وهكذا دخل في سلالة يسوع الكنعانيون بواسطة ثامار، والحثيون بواسطة بتشابع، والموآبيون بواسطة راعوث، وجميع الخطاة (وكلنا خطاة) في شخص راحاب الزانية... ماذا نستنتج من كل هذا؟. إن تاريخ يسوع لا ينفصل عن تاريخ شعبه ولا عن تاريخ سائر الشعوب" (145).
ويقول "الأب متى المسكين": " وهكذا عن قصد لم يغفل ق. متى هذه النقيصة في الأنسال فسجَّلها ليكشف عن النقائص التي عَبَرَ عليها ابن الإنسان في انحداره من المجد الأسنى لما أخلى ذاته ليأخذ من البشرية نسبًا ليدخل به إلى الصليب، لينقيه ويطهره إلى تمام التقديس!! وهكذا إذ عَلِمنا هذا يصبح عمل ق. متى في جميع هذه النقائص في نسب المسيح بلا حرج نوعًا من مسيرة الخلاص ومسيرة الارتقاء بالإنسان من الحضيض إلى سموات العلا!! إلى ميراث اللَّه مع الابن الوحيد" (146).
_____
(138) هل الكتاب المقدَّس كلام اللَّه؟ ص67.
(139) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص124.
(140) هاروني أم داودي ط 2006 ص119.
(141) الأناجيل الأربعة لماذا لا يُعوَل عليها ص147 ، 148.
(142) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص42.
(143) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص42.
(144) أورده الأب متى المسكين - الإنجيل بحسب القديس متى ص123، 124.
(145) دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى جـ 1 ص114 ، 115.
(146) الإنجيل بحسب القديس متى ص121.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/162.html
تقصير الرابط:
tak.la/rt4pnba