ج: 1- جاء اسم راحاب من الرحب والسعة، وأختلف المفسرون في شخصيتها، فقالوا ربما كانت امرأة زانية من قبل وتابت، لكن سمعتها مازالت تلاحقها، ومازال أهل أريحا يدعونها براحاب الزانية باعتبار ما كانت عليه من قبل، وربما كانت راحاب نذيرة للآلهة الوثنية فكانت تمارس الزنا كطقس من طقوس العبادات النجسة، مثلها مثل كاهنات المعابد الوثنية، وقال البعض قد تحمل كلمة "زانية" أنها صاحبة فندق، ومن يطالع شريعة حمورابي يعرف أن السيدات هن اللاتي كن يمتلكن الفنادق، ونزلاء الفنادق من اللصوص والمجرمين، حتى أن الكاهنة لو باتت في هذا المكان لكانت تُحرق بالنار، وكانت صاحبة الفندق هي المسئولة عنه وعما يقع فيه، وحيث أن المكان ردئ ويحمل الفساد الخُلقي، فلذلك ربما دُعيت صاحبته بأنها زانية، وقد اختار الجاسوسان هذا البيت كفندق ليبيتا فيه لأنه هو المتاح لهما، وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "راحاب اسم عبري بمعنى " رحب أو سعة".. وتُوصف عادة " بالزانية " ولكن الكلمة العبرية المُترجمة " زانية " وصفًا لها، تعني امرأة تتعامل مع الرجال، ومن هنا يرى البعض أنها تعني امرأة صاحبة خان أو فندق... ويقولون أن عبارة " بيت امرأة زانية" (يش 2: 1) تعني في حقيقتها " خانًا " ولكن في الإشارة إلى راحاب في الرسالة إلى العبرانيين وفي رسالة يعقوب، توُصف بكلمة " بورنيه " اليونانية (Porne) التي تعني " زانية " بالتحديد، وفي هذا فصل الخطاب... ومع أننا نقبل وصفها " بالزانية " في ضوء ما جاء عنها في العهد الجديد، إلاَّ أن هذا لا ينفي احتمال أن بيتها كان " خانًا " فهذا يُفسر لنا لماذا اختار الجاسوسان بيتها ليقيما فيه، ربما لم يكن أفضل اختيار أن يقيما في بيت مُباح للجميع، ولكنه كان البيت المُتاح والملائم لأنه كان بجوار سور المدينة"(1).
2- هناك فرق شاسع بين فعل "اضطجع" وفعل "ضاجع" فمعنى "اضطجع" أي نام، بينما ضاجع تحمل معنى المعاشرة الجسدية، وجاء في مختار الصحاح "ضجع الرجل وَضَع جنبه بالأرض... و(اضطجع) مثله، و(إضجعه) غيره، و(ضجِيعُك) الذي (يُضاجعُك)"(2)(3).
إذًا قول الكتاب " واضطجعا هناك" (يش 12: 1) أي أنهما ناما على الأرض بمفردهما، وليس المقصود على الإطلاق أنهم زنيا مع راحاب، ولذلك قال الكتاب " وأما هما فقبل أن يضطجعا صعدت إليهما على السطح" (يش 2: 8) صعدت إلى السطح لا لتضجع معهما، إنما لتحذرهما، فقبل أن يستسلما للنوم صعدت تحذرهما من الخطر المحيط بهما، فلم يقضيا ليلتهما في بيتها، إنما هربا من المدينة إذ أنزلتهما من الكوة (يش 2: 15).
3- هناك أسباب مُقنعة دفعت الجاسوسين لاختيار بيت راحاب الزانية ليدخلاه:
أ - كان موقع البيت ملاصقًا لسور المدينة إن لم يكن فوقه، مما يسهل لهما طريق الهرب متى تعرضا للخطر، وهذا ما حدث بالفعل، إذ أنزلتهما راحاب من كوة بيتها فأسرعا بالإختباء في الجبل.
ب - ربما دخل الجاسوسان هذا البيت، وهما لا يعرفان شخصية ولا سلوك صاحبته، بل ربما أن راحاب نفسها هي التي دعتهما للدخول إلى بيتها، وحتى لو كان الجاسوسان يعلمان أن صاحبة البيت زانية، فقد دخلا عن قصد ليظن أهل أريحا أنهما مسافران يبحثان عن اللذة، دون أن يكون لهما دخل بالسياسة.
جـ- كان دخولهما لهذا البيت صائبًا، متوافقًا مع المشيئة الإلهية، ففي هذا البيت التقوا براحاب التي تشتاق للتوبة وإعلان إيمانها بإله إسرائيل، وهذا ما حدث إذ آمنت راحاب ونجت ليس فقط من الموت الجسدي، بل خلصت بالأكثر من الموت الروحي، وتبدَّلت حياتها وتقدَّست وصارت ضمن شعب الله، بل وتزوج منها سلمون الذي ربما يكون أحد الجاسوسين، وأنجب منها بوعز الذي تزوج براعوث الموآبية (را 4: 13)، ومن نسل راحاب الكنعانية وراعوث الموآبية جاء السيد المسيح بحسب الجسد (مت 1: 5).
وجاء في التفسير التطبيقي: "لماذا كان على الجاسوسين أن يتوقفا في بيت راحاب الزانية؟
1- كان مكانًا صالحًا لجمع المعلومات دون أن يتعرضا للمسائلة.
2- كان بيت راحاب في موقع مثالي للهرب السريع، لأنه كان مبنيًا على سور المدينة.
3- أرشد الله الجاسوسين إلى بيت راحاب لأنه عرف أن قلبها منفتح له"(4).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 2.
(2) راجع أيضًا المصباح المنير طبعة 1987م ص 135.
(3) مختار الصحاح طبعة 1926م ص 377.
(4) التفسير التطبيقي ص 426.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/915.html
تقصير الرابط:
tak.la/fv6smm8