St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

21- منهج القديس يوحنا كاسيان وأفكاره

 

منهجه وأفكاره

 

مصادر فكره

يرى Quasten أن تعاليم كاسيان الروحية تعتمد على الكتاب المقدس بجانب ارتباطه بالفكر اللاهوتي السكندري، خاصة في تفسيره الروحي لنصوص الكتاب المقدس.

إنه هو الصوت الذي نقل ما في الشرق، خاصة ما في مصر، إلى الغرب[1]. اعتمد على القديس إكليمنضس السكندري وأوريجينوس في نظريته عن الأهواء أو الشهوات، واستوحى تعليمه عن نقاوة القلب من أوريجينوس وعن الخطايا الثمانية من القديس أوغريس. في كاسيان نجد مفاهيم "المعرفة الروحية" والصلاة التأملية مقتبسة من أوريجينوس وأوغريس إما مباشرة أو أخذ الكل من مصدر مشترك.

أيضًا كان كاسيان معجبًا بشخص القديس يوحنا ذهبي الفم ويدين له ببعض التعاليم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Saint Saint John Cassian, )Johannes Eremita Cassianus, Joannus Cassianus, or Joannes Massiliensis), John the Ascetic, or John Cassian the Roman 360-435. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا كاسيان، أو جون كاسيانوس، 360-435.

St-Takla.org Image: Saint Saint John Cassian, )Johannes Eremita Cassianus, Joannus Cassianus, or Joannes Massiliensis), John the Ascetic, or John Cassian the Roman 360-435.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا كاسيان، أو جون كاسيانوس، 360-435.

منهجه الروحي

الحاجة إلى النمو الروحي - الإنسان الداخلي - قدسية الحياة اليومية - الكتاب المقدس والصلاة النارية - الحرب الروحية - الخطايا الثمانية - النهم - الكبرياء - الحياة الفاضلة - حياة التأمل - الموت - الكمال الرهباني - الرهبنة حياة مسيحية مثلى - نظاما الشركة والتوحد - الحاجة إلى مرشد مختبر

 

الحاجة إلى النمو الروحي

جاءت كتابات القديس يوحنا كاسيان سواء في "المؤسسات لنظام الشركة" أو "المناظرات" تتفق مع كلمات الرسول بولس القائل: "صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك هو رأس المسيح" (أف16:4)، "إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غلا19:4). وقد جاءت الكلمة "يتصور morphosis" في اليونانية تحمل معنى النمو واجتياز مراحل الكمال التي لا تنتهي[2].

يرى كاسيان أنه يوجد نظام محكم ودرجات متمايزة، بها يرتفع المتضع إلى الأعالي. يتحقق هذا بالتقدم في فضائل الاتضاع مع المحبة والصلاة وجحد الذات إلخ[3]. هذا التقدم هو صراع لا ينقطع، إذ يليق بالمؤمن أن يصعد على الدوام على السلم المتجه نحو اللَّه[4].

الحياة الروحية في خبرة كاسيان هي تمتع بنعمة الله كبذار تلقى في القلب، تنمو خلال الجهاد الروحي السليم، فتصعد النفس خلال الاتضاع والطاعة من الخوف إلى كمال الحب الإلهي. وكما جاء في الفصل 43 من الكتاب الثاني للمؤسسات أن السلم الذي تصعد نفس المؤمن درجاته هي:

* مخافة الرب التي تولد الندامة.

* والندامة تفيض بجحد الأمور الزمنية والاستخفاف بها.

* وهذه تهب اتضاعًا.

* والاتضاع يلد إماتة عن الشهوات.

* وهذه تستأصل الأخطاء.

* بذلك تبزغ الفضائل كنبتة جديدة في الغصن.

* هذه الفضائل تهب نقاوة القلب.

* والنقاوة تكسب النفس كمال الحب الإلهي.

هذه الصور تتكرر بشكل أو بآخر في كتاباته لكي تبعث في المؤمن روح الجهاد المستمر بغنى نعمة الله حتى يبلغ الكمال الروحي.

وكما جاء في (المناظرة 6: 13-15) أن التقدم مستمر بلا انقطاع حيث يرتفع بنا السلم نحو الله، وأما التوقف فهو تقهقر ونكوص.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

الإنسان الداخلي

الإنسان الداخلي عند كاسيان: "هو ذاك الذي يكرس نفسه بالتمام للعمل الداخلي للجهاد ضد الأفكار[5]" الشريرة لينعم بالفكر السماوي.

 

قدسية الحياة اليومية

كشف لنا القديس يوحنا كاسيان في كتابه "المؤسسات لنظام الشركة" الكتاب الرابع، الفصل العشرين، عن نظرة المؤمن إلى حياته المقدسة. فالراهب -كما أوضحه هذا الفصل- لا يرى القدسية في الترنم بالمزامير أو ممارسة الصلوات والمطانيات والاصوام والخدمة فحسب، لكنه يتطلع إلى كل ما يدخل الدير كأمر مقدس، حتى بعض حبات من العدس الساقط سهوًا على الأرض، أو تقديم كوب ماء، أو غسل إناء، أو تنظيف قلايته.. إنه يمارس هذا العمل في حضرة الله. كل شيء في عينيه مقدس.

نظرة إيمانية رائعة تحول المؤمن إلى ملاك سماوي، يرى يد الله تبارك أكله وشربه ونومه وخدمته ودراسته وعمله اليومي. إنه إنسان الله الذي يتحرك كوكيل الله العامل باسمه ولحسابه، والمترقب مكافأته السماوية له.

 

الكتاب المقدس والصلاة النارية

يربط كاسيان بين الكتاب المقدس والصلاة النارية، كل منهما يسند الآخر بعمل الروح القدس. نلاحظ أن العملين: "المؤسسات" و"المناظرات" يضمان اقتباسات كثيرة من الكتاب المقدس. إن كان ملكوت الله هو الغاية النهائية للحياة الروحية، فإن قراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه يحققان ذلك. لقد كرس كاسيان المناظرتين 9، 10 والفصلين 2، 3 من "المؤسسات" للحديث عن الصلاة.

صلوات السواعي إلزامية، وعمل الراهب هو أن يحول تلاوة المزامير إلى صلوات شخصية تمس علاقته الخاصة بالله إلهه. وأيضًا في دراسة الكتاب المقدس لا يقف الراهب عند القراءة أو التلاوة، بل يحول النصوص إلى تأمل صادر عن أعماقه، فتصير كلمات الكتاب المقدس كأنها صادرة منه كصلاة شخصية[6].

في دراسة الكتاب يكتشف الراهب "ذاك الذي أعلن عن كلمته"وراء النص. هذا يقوده إلى حوار شخصي بينه وبين الله، فيتحول النص الكتابي إلى صلاة دائمة.

يتحدث كاسيان عن الصلاة النارية الواهبة استنارة سمائية، بالتطلع الدائم على الله وحده، نار الحب ونوره[7]!

 

الحرب الروحية

تحتل الحرب الروحية مركزًا هامًا في روحانية كاسيان[8]. فالصراع هو الوسيلة التي تمدنا بالكمال الروحي[9]، وشهادة على ثبات النفس[10]، تجعل حرية الإنسان كاملة[11].

الصراع ضد الشياطين الذي عبرت عنه سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم القديس أثناسيوس صار أمرًا رئيسيًا في كتابات كاسيان كجزء أساسي في تقليد حياة البرية. لكن ما يؤكده كاسيان أن الشياطين لن تقدر أن تهزم المؤمنين الحقيقيين[12]، فالنفس قادرة على التمتع بروح النصرة إن أرادت ذلك ورفضت الاستعباد له.

 

الخطايا الثمانية

يقدم لنا القديس يوحنا كاسيان ثمانية كتب تعالج الثمانية أفكار الشر، وقد جاءت في عمله "المؤسسات لنظام الشركة" ك8-12. جاء هذا العمل على نمط كتاب مار أوغريس البنطي: "أفكار الشر الثمانية"، الذي أخذه عن فكر آباء برية مصر[13]. في نهاية القرن الخامس تساءل جيناديوس من مرسيليا Gennadius of Marseilles إن كان أوغريس هو أول من قدم هذا التعليم[14]. أخذ كل من القديسين أوغريس وكاسيان بنظرية الخطايا الثمانية التي تحارب الإنسان نقلاً عن الفكر السكندري. فقد رأى أوريجينوس[15] في الأمم السبع التي حاربتها إسرائيل في كنعان تحت قيادة يشوع رمزًا للخطايا السبع بجانب مصر التي خرج منها الشعب[16].

صار لهذه النظرية أهميتها في التقليد النسكي الشرقي كما في الغربي. الاختلاف بين القائمتين في الشرق والغرب هو إنه في الغرب احتل فكر "الحسد" عوض "الكآبة" في الشرق، ربما لأن الحسد هو عامل رئيسي في كآبة النفس. وعوض "الضجر" في الشرق يستخدم "الكسل" في الغرب. أخيرًا في الغرب يضمون "المجد الباطل" إلى "الكبرياء" بكونهما خطية واحدة.[17]

 

النهم

يميز كاسيان بين النهم الذي يدفع الراهب ليأكل قبل المواعيد المحددة وذاك الذي يقوده ليأكل بلذة وشهوة[18]. ويؤكد أننا لا نستطيع أن نستهين بملذات الطعام المقدم لنا ما لم يجد الذهن فرحًا أعظم في التأمل في الإلهيات[19].

 

الكبرياء

هو أن ينكر الإنسان أن الله هو معينه[20].

 

الحياة الفاضلة

الفضيلة -عند كاسيان- هي تلك التي من خلالها نُعطي ملكوت قلبنا.. للمسيح[21]. الفضيلة الأولى هي نقاوة القلب ومن أجلها نطلب الوحدة ونلتزم بالخضوع للأصوام والسهر إلخ[22].

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

حياة التأمل

التأمل هو أن "يعتني الإنسان بملكوت الله خلال معرفة أمور الروح[23]. غاية التأمل في نظر كاسيان هو الاقتداء بالملائكة[24]، لكي ننعم برؤية الله، وتتحول بريتنا إلى فردوس، وننال عربون الأبدية.

 

الموت

بموت السيد المسيح تحولت نظرتنا إلى الموت من العقوبة بسبب الخطية إلى تمتع بالشركة مع السيد المسيح، شركة الحب الباذل. لهذا يرى كاسيان أن الراهب هو ذاك [الذي يضبط عواطف النفس وينسى الأضرار ويكره الكآبة ويحتقر الأحزان والخسائر كما لو كان في كل يوم على حافة الموت.][25]

الشعور بالوقوف على حافة الموت عند المؤمن لا يدخل به إلى نظرة تشاؤمية تحطم نفسه، بل تفتح بصيرته على أبواب السماء فتتهلل أعماقه وينسى كل ما يحل من أضرار وخسائر ويبغض روح الكآبة والقنوط ليشارك السمائيين فرحهم.

 

الكمال الرهباني

تُعتبر أُسس النظم الرهبانية التي وضعها القديس يوحنا كاسيان من أكمل النظم في أيامه[23]. وقد سبق لنا الحديث عنها أثناء عرضنا لكتاباته، سواء من الجانب الروحي أو الطقسي أو التنظيمي.

 

الرهبنة حياة مسيحية مثلى

 يتطلع القديس يوحنا كاسيان إلى الحياة الرهبانية بكونها ممارسة للحياة المسيحية، ترجع أصولها إلى العصر الرسولي[24]، وأن المجتمع الرسولي المبكر كان المثل الأعلى لهذه الحياة[25]، إذ يقول: [الأديرة هي امتداد للحياة الكنسية الأولى في أورشليم مجتمعة حول الرسل. المؤمنون الذين يحتفظون في داخلهم بغيرة الرسل يتركون المدن لكي يمارسوا الحياة الرسولية المثالية بعيدًا عن دنس العالم[26].]

لا يقدم الرهبان شيئًا جديدًا للمسيحية، إنما يجدون جذور حياتهم الرهبانية في تقليد العصر الرسولي، الذي من أساسياته جحد الرغبة في الامتلاك، مع صلب الإرادة خلال الطاعة، وتكريس الإنسان كل كيانه بالكامل لله بعفة الجسد ونقاوة القلب.

الراهب هو ذاك الذي يعيش على حافة الموت كل يوم[27]، مجاهدًا بجدية بالنعمة الإلهية، ومترقبًا أبديته بفرح.

 

نظاما الشركة والتوحد

خلال الخبرة التي عاشها القديس يوحنا كاسيان في أديرة مصر وبين آباء البرية، خاصة في طيبة حيث النظام الباخومي للشركة مع نظام التوحد، والإسقيط حيث نظام الجماعات مع نظام التوحد، يميز كاسيان بين نوعين من الحياة الرهبانية: حياة الشركة Cenobites وحياة التوحد Eremitic life لهما مميزاتهما، لكن الطريق الأخير أكثر كمالاً[28]، ولا يجوز لأحد أن يختاره. بل يتدرب على الإفراز والطاعة قبل أن يقود نفسه دون السقوط في خطر الأوهام[29].

يسلك السالكون في حياة الشركة تحت قيادة الجماعة الرسولية، متشبهين بهم. أما السالكون في حياة التوحد فيتشبهوا بالقديسين الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس ويتبعون تعاليم السكندريين، الذين يرون في النبي إيليا في العهد القديم والقديس يوحنا المعمدان في العهد الجديد مثالين لهم.

حياة الراهب هي تلاق بين الكلمة الإلهية الموحى بها بالروح القدس وخبرته اليومية التي تتحقق بقيادات ذات الروح. في كتاب المناظرات قدم كاسيان الحياة الروحية الرهبانية لا بطريقة نظامية رتيبة، لكنه قدم تساؤلات مع إجابات تعتمد على نصوص الكتاب المقدس وتقليد الآباء مع الخبرة الشخصية اليومية العملية. الروح القدس الذي أوحى بالكتاب المقدس هو نفسه سيد الحياة الداخلية، ولا يناقض نفسه.

الحياة الرهبانية تبدأ بالخروج بناء على دعوة من الله[30]. أما شريعة الخروج فهي دعوة إلى الزهد مع التبعية لله. فالرهبان هم قبل كل شيء أولئك الذين يجدون أنفسهم." فلكي يعلنوا عن رغبتهم في التحول إلى الله يلزمهم أن يبدأوا بجحد العالم[31]".

يصحب جحد العالم الخارجي المادي جحد للعادات الشريرة والرذائل أيضًا. حياة الراهب هي معركة روحية ضد أعمال الإنسان الجسداني وضد هجمات الشيطان وحيله، لكي يبلغ إلى الكمال الإنجيلي. التطهر من الرذائل يتحقق جنبا إلى جنب مع نوال الفضائل التي تهرب من أمامها الرذائل وتهب نموًا وانتعاشًا للطهارة. هذا يدفع الراهب إلى التأمل في الإلهيات والتمتع بنقاوة القلب والسلام والهدوء الداخلي.

هذه هي علامات الطريق الكامل في حياة الشركة والتي تهيئ الراهب لينطلق في رحلة طريق الوحدة، حيث ينعم بالصلاة الدائمة والدهش مع الفرح الذي لا يُنْطَق به. فالنفس تمتلئ بالثمار الروحية وتلتصق بالله خلال الصلاة الدائمة[32].

يرتبط الفرح الروحي بطهارة الروح إيجابيًا، ويحرر النفس من كل رباطات لكي تنطلق إلى العرس السماوي[33].

 

الحاجة إلى مرشد مختبر

تحدث القديس كاسيان في (الكتاب الرابع: الفصلين 9 و10) عن التزام الحديثين في الرهبنة ألا يعتمدوا علي تمييزهم الشخصي، ولا يخفون شيئاً من أفكارهم عن الشيخ المختبر الذي يتعهدهم. بهذا لا يقدر الشيطان أن يدمر الشخص الحديث اللهم إلا إذ أغواه بالكبرياء وإخفاء أفكاره. وأن تكون طاعة الرهبان الحديثين كاملة، حتى أنهم لا يستطيعوا مغادرة قلاليهم ولا الذهاب لقضاء احتياجاتهم الطبيعية بدون إذن. يطيعون بثقة ويقين وبلا تردد كما لو كان الأمر صادرًا من السماء.

جاء في بستان الرهبان[34]:

[قال أنبا قسيانوس:

إن أنبا موسى أوصانا بأن لا نكتم أفكارنا، بل نكشف لمشايخ روحانيين لهم معرفة وتمييز وليس لمن طال عمره وشاب شعره، لأن كثيرين قصدوا أهل كبر السن، وكشفوا لهم عن أفكارهم، وحيث أنه لم يكن عندهم معرفة فعوض العلاج طرحوهم في اليأس. هذا ما حدث لأخ من البارزين في الجهاد، إذ أنه لما تأذي بالزنى نتيجة كثرة القتال الواقع عليه، ذهب إلى أحد الشيوخ، وكشف له أفكاره، وكان الشيخ غير مختبر، فضجر منه، وقال: "أيها الشقي إذ تدنست حواسك بهذه الأفكار فعلي أي شيء تتكل؟" فلما سمع الأخ قوله، حزن جدًا ويئس من خلاصه، وترك قلايته، ومضى قاصدًا العالم. لكن حدث بتدبير من الله أن التقى به شيخ آخر، فلما رآه عابسًا مضطربًا سأله عن حاله قائلاً:"ماذا بك يا ولدي؟" فقال له الأخ: "يا أبي إني تأذيت بأفكار الزنا، فمضيت إلى الشيخ فلان، وكشفت له أمري، فبحسب جوابه ليس لي رجاء في الخلاص".

فلما سمع الشيخ قوله، أخذ يسكن من روعه ويشجعه وابتدأ يعيد إلى نفسه الرجاء في التوبة، قائلاً: "لا يهمك هذا الكلام. ولا تيأس نفسك من الخلاص، فها أنا بالرغم مما بلغته من هذا السن وهذه الشيبة كثيرًا ما أتأذى من هذه الأفكار، فلا تحزن من أن جهادنا في الأمر لم يبلغ مقدار ما يأتينا من رحمة الله ومعونته، لكن هب لي يومك هذا وأرجع إلى قلايتك". فأطاع الأخ كلام الشيخ ورجع إلى قلايته، أما الشيخ الذي رده إلى قلايته فأتى إلى ذلك الشيخ الذي قاده إلى اليأس ووقف خارجها وسأل الله بدموع كثيرة قائلاً:

"أنا أطلب إليك يا ربي وإلهي أن تصرف هذا القتال عن هذا الأخ، وتسلطه على الشيخ الذي قاده إلى اليأس، ليجرب في شيخوخته ويتعلم في كبر سنه ما لم يتعلمه في طول زمانه، ليشعر بآلام المجاهدين المقاتلين فيتألم لآلامهم، وبذلك يحصل على منفعة نفسه".

فلما أتم الشيخ صلاته، نظر إذ بجيش واقف قرب قلاية الشيخ وهو يصوب نحوه سهاما ويجرحه، وإذ بالشيخ يقوم لساعته سكرانًا، وخرج من قلايته، واندفع من قلايته يجول، فسلك الطريق التي سلكها الشاب الذي قطع منه رجاء التوبة مريدًا أن يعود إلى العالم، فلما علم الشيخ المختبر بما عزم عليه الشيخ الآخر استقبله وقال له: "إلى أين أنت ذاهب أيها الأب، وما سبب هذا الاضطراب الذي اضطرك للخروج من قلايتك؟" أما هو فتوهم أن الشيخ قد عرف بحاله، ومن الخجل لم يرد عليه جوابًا، فقال له ذاك: "أرجع إلى قلايتك، ومن الآن كن عارفًا بضعفك، واعلم بأنك إلى هذه الغاية لم تجرب بعد، إما لأن الشيطان كان غافلاً عنك، أو لاستهانته بك، لم يتجرد لقتالك، ولذلك نجوت، وها قد ظهر الآن أنك غير أهل لأن تُعد من المجاهدين، لأنك لم تقدر أن تصارع يوما واحدًا. فما أصابك كان نتيجة لتصرفك مع ذلك الشاب الذي أتاك، وقد أذاه عدونا كلنا، فبدلاً من أن تعينه وتشجعه، ألقيته في اليأس، ولم تفكر فيما قاله الكتاب: "خلصوا المسوقين إلى الموت، شجعوا صغيري النفوس".]

سبق لنا الحديث عن التزام الراهب بعمل اليدين لأجل بنيانه الروحي. جاء في بستان الرهبان:

[قال قاسيانوس الرومي[35]:

أنه أمر فظيع وقبيح بنا أن العلمانيين يتعبون ويعملون ويعولون أولادًا ونساء ويدفعون خراجا وضريبة ويحسنون إلى فقراء ومحتاجين حسب طاقتهم ويحملون إلى بيت الله باكورات وقرابين، أما نحن فلا نقتني من أتعابنا حتى ولا حاجتنا اللازمة لنا، بل نحبس أيدينا داخل ثيابنا، ونستجدي أتعاب غيرنا، ولا نصغي إلى الرسول القائل: "إن هاتين اليدين قد خدمتا حاجاتي وحاجات الذين هم معي"، وقوله: "إن الرب أعطى الطوبى للمعطي أكثر من الآخذ". وقوله أيضًا:"نحن نوصيكم يا إخوتنا باسم ربنا أن تتجنبوا كل أخ عديم النظام، لا يسلك حسب التقليد الذي سلمناه لكم، بل لنعطيكم أنفسنا مثالاً. لأني وقت أن كنت عندكم، قد أوصيتكم بهذا. أن من لا يشاء أن يعمل فلا يأكل، فقد سمعنا الآن أن فيكم قومًا يسيرون بعدم نظام ولا يمارسون عملاً. فنحن نوصي هؤلاء ونسألهم باسم يسوع المسيح أن يعملوا عملهم بسكون، ويأكلوا خبزهم".

قيل عن أنبا قاسينوس أنه أخذ مرة تليسا، ومضى إلى البيدر مع الحاصدين، وقال لصاحب البيدر: "أعطني قمحًا". فقال له: "لماذا لم تأت لتحصد، فكنت تستحق أن تأخذ؟" فقال له الشيخ: "هل إذا لم يحصد الإنسان لا بأخذ أجرة؟" فأجابه: "لا يأخذ". فما كان من الشيخ إلا أن انصرف، فقال له الإخوة الذين عاينوا ما حدث: "لماذا فعلت هكذا يا أبانا؟" فقال لهم: "سُنة وضعتها لنفسي وهي إن لم يعمل الإنسان ويتعب، فلن يأخذ أجرة من الله".

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:


[1] Quasten: Patrology, vol. 4, p. 522.

[2] Tomas Spidlik: The Spirituality of the Christian East, Michigan 1986, p. 68.

[3] Conference 10:7.

[4] Conference 6:13ff.

[5] Julien Lerory: Le cénobitisme chez Cassien, Revie d'Ascétique et de Mystique, Toulous, 4,3 (1967) 155.

[6] Conference 14:10.

[7] Conference 9:25.

[8] Owen Chadwick: John Cassian: A Study in Primitive Monasticism, Cambridge, 1940, p. 95ff.

[9] Conference 18:3.

[10] Conference 4:6-7.

[11] The Institutes 12:14.

[12] Conference 7:19ff.

[14] De Viris Illustribus 2.

[15] In Josh. Hom. 15:5.

[16] Conference 5:17-18.

[17] Cf. Tomas Spidlik: The Spirituality of the Christian East, Michigan 1986, p.248-9.

[18] Conference 5:11.

[19] Institutes 5:14.

[20] Institutes 12:9-11.

[21] Conference 1:13.

[22] Conf. 1:7.

[23] Conference 1:14.

[24] Conference 10:7.

[25] Instit. 5:41.

[23] J.C. Guy: Jean Cassien: Vie et doctrine spirituelle, Paris, 1961.

[24] Lossky: The Mystical Theology of the Eastern Church, London, 1957, p.236.

[25] Lossky: In the Image and Likeness of God, N.Y, 1967, p.196.

[26] Confer. 18:5.

[27] The Institutes 5:41.

[28] Institutes 5:36.

[29] Conference,19.

[30] Conferences, 3:3-5.

[31] Institutes 4:1.

[32] Conferences, 4:2.

[33] Conferences, 10:7.

[34] بستان الرهبان.

[35] بستان الرهبان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/methods.html

تقصير الرابط:
tak.la/rfz5s9w