انطبع طقس الكنيسة في أسبوع الآلام بروح كتابية وبالتسبيح وروح الصلاة والتضرع والطلبات، وركزت الكنيسة باستمرار على تأكيد ألوهية المسيح المصلوب والاعتراف له "بالقوة والمجد والبركة والعزة". فلحن "أومونوجينيس" يؤكد بإلحاح متكرر أن هذا المصلوب الإلهي هو نفسه اللوغوس وحيد الآب والأزلي وغير المائت والواحد من الثالوث، التي هي جميعا ألقاب إلهية. ولا تمل قطع الساعة السادسة والتاسعة من تكرار عبارة "المسيح إلهنا" في حضرة أيقونة الصلبوت التي يقدم لها البخور من جميع الكهنة الحاضرين، اعترافًا بألوهية المصلوب الإلهي الغالب والذي يغلب. وأخيرا يأتي لحن "بك إثرونوس" في أخر يوم الجمعة الكبيرة ليخاطب المسيح المائت معترفا بلاهوته قائلا له "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور". ومن أشهر طرائق ألحان الكنيسة في أسبوع البصخة:
الذي قام رهبان أديرة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بجبل أدريبة غرب مدينة سوهاج بوضعه، وهو من الألحان الحزايني الهامة التي تقال كثيرا في أسبوع الآلام، والمطلع على كتب قراءات طقس البصخة يجد بصمات واضحة لرهبان أديرة الأنبا شنودة في وضع ترتيب تلك القراءات والصلوات، فقد أضافوا كثيرًا من عظات أبيهم الروحي الأنبا شنودة إلى تلك الصلوات مما يرجح أنهم أصحاب الفضل في وضعها وترتيبها. حتى أن أغلب ألحان أسبوع الآلام تميل بصفة عامة إلى اللحن الحزايني وهو الأدريبي. أما مدينة أدريبة فهي بحاجر سوهاج الغربي وتشتهر بدير الأنبا شنودة والأنبا بشاي (الدير الأبيض والدير الأحمر).
المتتبع لنغمات هذا اللحن يستنتج أن كثيرًا منها مقتبس من ألحان أخرى: "أووه ناي نيم" وهو الترحيم الخاص بالقداس الكيرلسي، ولحن "بيك لاؤس غار"، وأخيرًا يكمل باللحن الأدريبي. ويرجع أن هذا اللحن منسوب إلى قرية مصرية تسمى "الشامية" بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط.
المعروف باسم لحن أيوب، وهو لحن على نفس طريقة "غولغوثا" (الجلجثة بالعربانية والأكرانيون باليونانية) والذي يقال في يوم الجمعة العظيمة وتسميته بلحن أيوب لأن المرتلين كانوا يقرأوا سفر أيوب بالكامل بهذا اللحن الحزايني.
وتأتى ألحان الآلام لتعبر بحق عن اختبار وشركة آلام الرب وموته الخلاصيين، فمتى قيلت بفهم وبروح وبذهن، تكون قادرة أن تؤث في أعتى الخطاة والبعيدين، لأنها تمثل مشاعر روحانية رحلة الآلام المقدسة التي ألفها الروح القدس والتي نقدمها مع الكنيسة لنذبح لله ذبيحة التسبيح على المذبح السماوي مع الخوارس العلوية.. بل بالحري نقدم نفوسنا ذبائح من أجل خاطر ملكنا المصلوب لنتمثل بآلامه ولنكرم دمه بواسطة دمائنا، ولنصعد على الصليب فإن المسامير حلوة ولو أنها مؤلمة للغاية لأن الألم مع المسيح ومن أجله أفضل من الحياة الهينة مع الآخرين.
وسنشير هنا إلى بعض الألحان المعروفة من خضم كنوز ألحان هذا الأسبوع:
أمونوجنيس أي الابن الوحيد `O monogenyc وهو لحن يوناني الكلمات يتلى قبل التقديسات الثلاثة في صلاة الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة وترجمته العربية الدقيقة "أيها الوحيد الجنس وكلمة الله غير المائت، لقد رضيت من أجل خلاصنا أن تتجسد من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية، وتأنست بغير استحالة، وصلبت أيها المسيح الإله، وبالموت دست الموت، أنت أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والروح القدس خلصنا".
وتعتبر كلمات هذا اللحن بمثابة تلخيص واف لإيماننا في شخص المسيح كلمة الله والابن الوحيد المبذول عن حياة العالم، واعتراف دقيق التعبيرات قليل الكلمات، يشرح ويعلن كل أعمال الرب الخلاصية لأجلنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتأتى أهميته في روعة اللحن القبطي المصاحب له، مع كونه يتلى وقت صلب المسيح الخلاصي، أي في وقت الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة. فهو اعتراف الكنيسة العلني وشهادتها لقبول خلاص المسيح الذي أتمه من أجلنا، ووعى المؤمنين أن هذا الخلاص أثمر في النهاية في القضاء على الموت بموته على الصليب "بالموت دست الموت".
وأهم ما في هذا اللحن هو تلقيب المسيح بأنه "هو أحد الثالوث القدوس" مؤكدًا على أن الابن هو أحد الثالوث الأقدس، فهو شريك تمامًا في مجد الآب والروح القدس، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث والذي لكل أعماله، بما فيها آلامه وموته، فعاليتها الخلاصية لجنس البشر.
ويتفق هذا التعبير تمامًا مع تعليم القديس كيرلس الكبير عمود الدين والقديس ساويرس الأنطاكى (آباء الكنيسة الأرثوذكسية اللاخلقيدونية) وقد بذل الإمبراطور جوستينيان جهده لإدخال هذا اللحن في الكنيسة البيزنطية في عصره فصار يتلى ضمن صلوات القداس الإلهي في هذه الكنيسة حتى الآن.
وهذا اللحن الرائع يحوى في داخله قوة إيمانية كرازية مسكونية غير عادية، كونه اعترافًا وَحْدَويًا للإيمان الأرثوذكسي، يلتقي عنده كل المؤمنين الأرثوذكسيين في كل المسكونة بأسرها، يسبحون فيه المسيح الإله المصلوب عن جنس البشر، يسبحونه بصوت واحد وإيمان واحد وتعبيرات واحدة أيضًا.
لحن أجيوس هو اللحن الحزايني الذي يقال في ساعة الصلب في يوم الجمعة العظيمة، ويقول القديس الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين: {عند تكفين المسيح المصلوب تعجب نيقوديموس ويوسف الرامي كيف قدر الموت عليه، فللوقت سبحاه بالتسبيح المشهور قائلين:"قدوس الله. قدوس القوى. قدوس الحي الذي لا يموت" ثم سجدا وقال "الذي صلب عنا ارحمنا"}. وأول من أدخل هذه التسبحة في العبادة المسيحية هو القديس أغناطيوس الأنطاكي أحد الآباء الرسوليين.
ويقال في الساعة الثالثة من ليلة الخميس وكذا في باكر بعد الابركسيس `Pra[ic، ويقال هذا المزمور بلحنه المعروف بالشامي وهو عن يهوذا الخائن ونصه هكذا "كلامه ألين من الدهن وهو نصال" (مز 54: 21) ["أَنْعَمُ مِنَ الزُّبْدَةِ فَمُهُ، وَقَلْبُهُ قِتَالٌ" (مز 55: 21)] ففي هذا اللحن نتذكر تسليم الرب وخيانة التلميذ صاحب القبلة الغاشة.
لحن فاي إيتاف إنف والذي فيه تنطلق أصوات المرتلين مسبحة المسيح المصلوب الذي قدم جسده محرقة ورائحة بخور زكية من أجل خلاصنا، وفي هذا اللحن الذي يعد من أروع ألحان الكنيسة، نناجى الذي أصعد ذاته بإرادته وسلطانه ومشيئته وحده على عود الصليب ليقدم نفسه ذبيحة مقبولة من أجل خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة. ويأتي هذا اللحن مع تقديم البخور والعبادة بخشوع وفخر للمسيح المعبود، والذي صنع بذبيحة نفسه عمل الخلاص العجيب.
لحن بيك إثرونوس pek`;ronoc وهو اللحن الذي تختم به الكنيسة قراءاتها في المزامير يوم الجمعة العظيمة، وكلماته كالأتي: "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز 44: 9، 11) وهو مزمور أناجيل الساعة الثانية عشرة من الجمعة العظيمة التي تسرد حادثة "دفن المسيح"، وكذلك يقال في الساعة الحادية عشرة من يوم الأربعاء. وقد عبر هذا التعليق العميق في إيجازه عن موضوع وقيمة هذا اللحن: فبآية واحدة ترد الكنيسة على الصالبين. فهي تعلن شهاداتها في هذا الصلب الذي ظنوه موتا. فهي ترى أن المسيح وهو الإله الجالس على عرشه يدين لا إلى "الدهر" فقط بل إلى "دهر الدهور" كما تقول الكلمة الأخيرة من اللحن "شا إينيه". هذه الكلمة "شا إينيه = إلى دهر الدهور" تستغرق وحدها نصف وقت اللحن كله، تعبيرا عن اللانهائية والامتداد لقضاء حكم المسيح المصلوب إلى نهاية كل الدهور.
إن نغمة هذا اللحن هي من نغمات كنيسة أورشليم الأولى، وهي من الأنغام التي احتفظت بها الكنيسة القبطية كما هي مع بعض الإضافة لنغمة الليتروجيا القبطية من اللحن الشامي. وفي أغلب الظن اكتمل هذا اللحن منذ بداية القرن الأول الميلادي أيام القديس يعقوب الرسول.
والكنيسة بهذا اللحن تختم ألحانها في هذا اليوم العظيم لتعبر عن مشاعرها وأحاسيسها، بل وإيمانها الراسخ تجاه عريسها المصلوب، الذي قال داود فيه أن الابن إله وأنه دائم إلى الأبد، أنه ملك الدهور وأن ملكه لا نهاية له.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/hymns.html
تقصير الرابط:
tak.la/bgww754