فى هذه الأيام التي تتجدد فيها أمام عيوننا آلام الرب يسوع في أسبوع البصخة من كل عام، لابد أن نفكر فيمن جعل نفسه قريبا جدا منا في هذه الذبيحة العظيمة، والذي بها دعانا وفدانا على عود الصليب. فلا ندع أفكارنا تنشغل خلال هذه الأيام إلا بذكر آلامه المقدسة.
ما أعجب يا رب أن تقيم لعازر من القبر من بطن الهاوية في أول أيام أسبوع آلامك وكأنك تقدم صورة للنهاية قبل البداية وكأنك تمهد بسبت لعازر للسبت الكبير، سبت النور والفرح الذي ستقيم فيه أسرى الرجاء. ما أعجب أن تقيم الميت الذي أنتن في القبر أربعة أيام بينما أنت سائر في طريق الموت. أنك لست فقط قادر أن تقيم من الأموات بل أن تقوم أيضًا.
ما أعجب أن تبكى عند قبر حبيبك لعازر وأنت الذي تمسح كل الدموع. وما أعجب أن تقف أمام القبر وأنت سيد الحياة ورب القيامة. وما أعجب أن تصدر أمرك الإلهي إلى لعازر باسمه فيقوم ويداه ورجلاه مربوطة. ما أعجب أمرك: "حلوه ودعوه يمضى". وما أعجب الجموع التي آمنت بك عندما رأت مجدك وأنت تعطى الحياة للميت الذي شبع من الموت. وما أعجب الذين جمعوا مجمعا منذ ذلك اليوم ليتشاوروا على قتلك (يو 11: 47).
ما أعجب أنك أنت الكلمة التي سمعها لعازر الميت فقام من الأموات، إذ أنك تحيي من تشاء، وصوتك حينما يسمعه الذين عملوا الصالحات يخرجون به إلى قيامة الحياة، وكل من آمن بك ولو مات فسيحيا. ما أعجب أن تعطى الحياة الآن للعازر لأنك القيامة بذاتها وأنت حياتنا كلنا وقيامتنا كلنا.
ما أعجب أن تبدأ يا رب أحداث أسبوع آلامك بيوم الانتصار في دخولك أورشليم كملك وأنت آت لتكمل الخلاص الذي من أجله جئت إلى الأرض. وما أعجب دخولك أورشليم حيث المدينة المقدسة لتقدم ذبيحة عن الشعب، وما أعجب أن يهتف لك الشعب "مبارك الآتي باسم الرب" لأنك الذي سترحم كل خلقة يديك وستخلص جميع البشر الذين ضلوا وستسكب خمرا وزيتا على الذين وقعوا بين اللصوص. ما أعجب أن تخلصنا بنفسك فلا سفير ولا ملاك بل بنفسك.
ما أعجب أن تدخل مدينة أورشليم في يوم أحد الشعانين لتملك لا على المدينة بل على خشبة (مز 96: 10) لأنك من فوق هذه الخشبة سوف تملك على قلوب البشر وتأسرها جميعًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وما أعجب عرشك المفضل الأبدي هذا الذي من أجله ولدت ومن أجله احتملت الآلام كمذنب، فآية رحمة أعظم من هذه، تلك التي أحدرتك أنت خالق السموات من السماء وألبستك لباسا أرضيا، وجعلتك وأنت مساو للآب في أزليته وخلوده، مساويا لنا في الموت، وبينما أنت غذاؤنا تجوع وتعطش وتصير ضعيفا لتروينا وتشبعنا وتشفينا وتحيينا.
ما أعجب أن تأتى إلى أورشليم بعد أن أمضيت مساء السب في بيت عنيا وأقمت ميتا كان قد أنتن في القبر أربعة أيام، لذا استقبلتك الجموع كمسيا آت ليملك على كرسي داود وكمخلص آت من الأعالي. لقد انتشر نبأ إقامتك للعازر بين الجموع كلهيب يشعل القلوب التي طال انتظارها لمخلص، وعبثا حاول الفريسيون أن ينتهروا الجموع وباطلا سعوا لإسكاتهم لأنه "إن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق".
ما أعجب أن تعلن مملكتك من فوق منبر غاية في العجب!! فبينما يعلن الملوك سلطانهم من فوق المركبات والفرسان، أعلنت أنت ملكك بالحب والوداعة وتدبير الخلاص، لذا طلب منك الشعب لا خلاصًا فقط، بل خلاصًا مضاعفا. وما أعجب الهتاف والصيغة الرجائية التي توسلوا بها إليك مترجين بلجاجة أن تخلصهم.
ما أعجب قلبك الإلهي المملوء رحمة وحلاوة، فبينما أنت في موكب مجد ملوكيتك، إلا أنك نظرت إلى أورشليم وبكيت عليها، لأنك جئت لتفتقد وتصنع فداء شعبك، وبأحشاء رحمتك أتيت لتفتقدنا من المشرق من العلاء (لو 1: 68). فما أعجب افتقادك الإلهي للإنسان إذ سمعت الأنين وتذكرت الميثاق ونظرت المذلة وجئت لتخلصنا.
ما أعجب قولك على إسرائيل الذي لم يعرف افتقاده، بينما افتقدته أنت يا وحيد الجنس، فإذ بالكهنة يتأمرون على قتلك، فيا لفرحة الذين يقبلون افتقادك ويأخذونك كمخلص آت باسم الرب، تفتح لهم كنوز خيراتك السمائية وتفيض عليهم من بركاتك بما لا تسمعه نفوسهم، ويا لشقاوة من يعبر عليه هذا الافتقاد ولا يعلم ما هو لسلامه. إنك ملك متواضع وباك، لكنك قوى بسوط، وارتجت لك المدينة ومن ثم ملكت على الصليب.
ما أعجب أن تجوع أمام شجرة التين (مت 21: 18) فلولا أنك أخليت ذاتك وصرت مثلنا لما جعت. وما أعجب تلك الشجرة التي تذكرنا بخطية آدم الذي حاول أن يغطى عريه بورقة التين. وما أعجب أن تلعن الشجرة فتيبس في الحال ليكون لعنك لها لعنا للكتبة وللفريسيين الذين بلا ثمر، فبينما يتعين عليهم أن يقودوا الناس للخير، قادوا يهوذا للخيانة والشهود للزور والحراس إلى الكذب والرشوة، بل وقادوا الشعب كله للتآمر والضلال جاعلين بيت أبيك مغارة لصوص.
ما أعجب رفضك لكل شجرة مورقة بلا ثمر، وما أعجب رفضك للمبررات وللأعذار والرياء الذي هو من ورق التين، لأنك تريد ثمرا لا ورقا، الأمر الذي جعلك تلعن الشكليات كما لعنت التينة "هوذا بيتكم يترك لكم خرابا" فذبل الهيكل كما ذبلت التينة.
ما أعجب جوعك إلى الثمر قبل الصليب. إنك تجوع إلى خلاص كل أحد، تجوع ليتمتع العالم كله بغفرانك، فقد أطعمتنا جسدك وسقيتنا دمك ورويتنا بعرقك وحوطت علينا بسياجك وربطتنا بمساميرك لتحمى شجرتنا فنعطيك تينا ناضجا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/story.html
تقصير الرابط:
tak.la/gw67dqw