BUT BY PRAYER AND FASTING
ليس هناك صوم أربعيني بدون انقطاع وصوم, فَأهداف الصوم الروحية الحقيقية ليست كما يتصور البعض أنَّه امتناع رمزي عن شيء ما وتغيير عادات غذائية معينة.. لكن لا بُد أنْ نلتفت إلى جهاد الصوم, ولكي نفهم جهاد الصوم ينبغي أنْ نفهم أولًا ما قدمته لنا الكنيسة من تعاليم حول الصوم ثم نسأل أنفسنا كيف نطبق هذا التعليم في حياتنا..
فالامتناع عن الأطعمة بالانقطاع ضروري وجوهري ولكن ليس هو كل الصوم وإلاَّ كان الأكل حرامًا, ولكن المغزى الحقيقي للصوم, أنَّه قبل كل شيء قد استعلن لنا تلك العلاقة الوثيقة بين حدثيْن, نجدهما في الكتاب المقدس أحدهما في بداية العهد القديم والآخر في بداية العهد الجديد, وكثير من الناس يصومون, ولكن المهم جدًا هنا هو أنْ ندرك ونعيش المحتوى المسيحي الفريد للصوم ومضمونه الروحي النسكي..
الحدث الأول كسر الصوم على يد آدم في الفردوس عندما أكل من الثمرة المحرمة, والحدث الثاني مع المسيح آدم الثاني الذي بدأ بالصوم, فآدم الأول جُرِّب وتعثَّر ووقع في التجربة وانهزم, لكن المسيح رب المجد آدم الثاني جُرِّب فانتصر وغلب لحسابنا, وكانت نتيجة فشل آدم الطرد من الفردوس والموت.. أمَّا ثمرة انتصار وغلبة المسيح فكانت إبادة الموت والعودة إلى الفردوس.. وهكذا يُستعلن لنا الصوم كضرورة حتمية وقصوى في أهميتها كأمر حاسم جدًا في جهادنا, وليس مجرد فرض أو عادة.. بل هو وثيق الصلة بصميم سر الحياة والموت نفسه [MYSTERY OF LIFE AND DEATH] وبصميم الهلاك والخلاص والدينونة.. وهو ما تقوله وتؤكده لنا ذكصولوجية الصوم [لأنَّك لا تشاء موت الخاطئ مثل ما يرجع ويحيا.. أسألك يا مخلصي فتدركني مراحمك لتخلصني من الشدائد المضادة لنفسي.. لا تحرق عدم معرفتي مثل سدوم ولا تهلكني مع عمورة لكن يا ربي اصنع معي مثل أهل نينوى الذين صاموا فغفرت لهم خطاياهم]..
وفي التعليم الأرثوذكسي ليست الخطية هي التعدي وكسر قاعدة تستوجب العقاب فحسب بل هي انقطاع عن الحياة التي أنعم بها علينا الله, هي عطب قد أصاب الحياة التي وهبها الله لنا ولهذا السبب فإنَّ قصة الخطية الأصلية الأولى قدمها لنا الكتاب المقدس كفعل الأكل لأنَّ الأكل وسيلة الحياة, إنَّه الذي يحفظنا أحياء ويبقينا على قيد الحياة لكن هنا يكمن السؤال الأساسي, ما معنى أنْ نكون أحياء؟ وماذا تعني لفظة حياة بالنسبة لنا؟ اليوم هذا المصطلح له معنى بيولوجي بالدرجة الأولى فالحياة على وجه الدقة تعتمد أساسًا على الطعام, وتعتمد عمومًا على الطعام الطبيعي وبأكثر شمولًا على العالم المادي, وبحسب الكتاب المقدس والتسليم المسيحي [التقليد] فإنَّ تلك الحياة بالخبز وحده تعني الموت لأنَّها حياة مائتة زائلة, لأنَّ الموت مبدأ يعمل فيها دائمًا, والله كما نعلم لم يخلق موتًا لأنَّه مانح ومعطي الحياة, فكيف تُصبح الحياة إذن زائلة مائتة؟ ولماذا الموت والموت وحده هو النهاية الحتمية والقانون المطلق لذاك الذي يوجد ولكل موجود! تجيب الكنيسة: لأنَّ الإنسان رفض الحياة كما قدمها ووهبها الله وكما أعطاه إياها ففضَّل حياة لا تعتمد على الله بل على "الخبز وحده", فالإنسان لم يعص الله فقط وعُوقِب, بل بسقوطه غيَّر صميم العلاقة بينه وبين العالم, لقد أعطاه الله العالم كطعام وكأنَّ العالم مقدمًا للإنسان من الله بمثابة "طعام" أيّ كوسيلة حياة ليكون القصد منها الشركة مع الله [COMMUNION WITH GOD] حيث الحياة هنا تبلغ غايتها بل عمق محتواها فيه [فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس]..
ومن ثَمِّ كان خلق الله للطعام وللعالم كوسائل للشركة معه فإذا ما قبلت من أجل الله منحت الحياة وأعطتها, لأنَّ الطعام في حد ذاته ليس فيه حياة, ولا يقدر أنْ يهب الحياة, الله فقط فيه الحياة وهو وحده عنده الحياة, يهبها لا في الطعام نفسه ولا في السعرات الحرارية لأنَّه هو مبدأ الحياة.. وبالجملة نكون عندما نأكل أو نحيا أو نعرف الله في شركة معه لأنَّ كلها شيء واحد, وهذا هو عمق مغزى تدبير الكنيسة في الصوم..
وكانت مأساة آدم أنَّه أكل من أجل نفسه هو, والأكثر من ذلك أنَّه أكل "معزل عن الله" منفصلًا عنه لكي يصبح مستقلًا عن الله [التأله الكاذب]، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وإذ قد فعل ذلك فلأنَّه اعتقد أنَّ الطعام يملك الحياة في ذاته, وأنَّه إذا ما تناول هذا الطعام يستطيع أنْ يصبح مثل الله أي تصير له حياة في ذاته, ولكي نَصِف الأمر ببساطة فآدم "آمن بالطعام", لقد آمن بالطعام مع العلم أنَّ الغرض الوحيد للاعتقاد والإيمان هو الله وحده.
إنَّ الغاية الوحيدة لإيماننا إنَّما تكمن في الاتكال والاعتماد على الله والله وحده الذي فيه شبعنا لأنَّ فيه غنَى وشبع وسرور وفي يمينه المجد كل الأيام, واليوم صار العالم والطعام ولقمة العيش هو إله الإنسان ومصدر حياته وأساسها, وصار الإنسان عبدًا لهما [أيّ العالم والطعام], ونقول أنَّنا نؤمن بعمل الله ولكن لابد أنْ نؤمن أنَّ الله حياتنا وطعامنا وملجأنا وناصرنا وشبعنا وغنانا وحياتنا الأبدية معًا.. وهذا ما تلفت عيون قلوبنا له البيعة في موسم الصوم الأربعيني عندما تضع لنا "إنجيل الاستعداد" اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره, وتأخذنا إلى الشبع الحقيقي لكلمة الله في "إنجيل أحد التجربة", وتُعرِّفنا أنَّ المسيح هو الينبوع الحي الذي كل مَنْ يشرب منه لا يعطش "إنجيل أحد السامرية", وأنَّ السيد هو سرّ الشفاء والخلق في أحد "المولود أعمى", وهو الذي يملك على حياتنا في "أحد الشعانين", وبالجملة هو سرّ غلبتنا وقيامتنا في أحد القيامة العظيم.
إنَّ كلمة آدم في العبرانية تعني (الإنسان) إنَّه اسمي واسمنا المشترك جميعًا, فلا يزال الإنسان هو آدم ولا يزال آدم عبد الطعام.. وقد يزعم أنَّه يؤمن بالله لكن الحقيقة أنَّ الله ليس حياته ولا طعامه ولا محتوى وجوده الذي يشمله بالتمام.. وقد يزعم أنَّه ينال حياته من الله, لكنَّه لا يعيش في الله ومن أجل الله, فقد تأسست كل علوم الحياة واختباراتها وصار وعينا يسير وفق نفس المبدأ [بالخبز وحده].. ينبغي أنْ نعرف أنَّنا نأكل لنظل أحياء لكنَّنا لا نحيا لكي نأكل, وعدم حياتنا في الله هي خطية كل الخطايا وهذا هو حكم الموت الذي يكمن في حياتنا.. فهل من دخول إلى الأحضان الأبوية مع الابن الشاطر في الأحد الثاني للصوم؟ وهل من لقاء مع المسيح عند بئر السامرية؟ وهل من استنارة وبصيرة روحية مع المولود أعمى في أحد التناصير؟
المسيح هو آدم الثاني الجديد الذي أتى لِيُصلح ما فسد في الأرض في حياة آدم الأول, أتى ليستعيد الإنسان إلى الحياة الحقيقية لهذا بدأ بالصوم "فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (مت 2:4). وتضع الكنيسة أمامنا المسيح من خلال منهج عبادتها فنقول أنَّه [اعتمد وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة وكان مع الوحوش لمَّا صام في البرية لكي نصنع مثله في زمن وحدتنا]..
والجوع هو تلك الحالة التي نتيقن خلالها من اتكالنا على شيء آخر عندما نحتاج وبشكل ضروري وأساسي إلى الطعام فنعرف أنَّ لا حياة لنا في أنفسنا وأنَّنا لا نملك حياة في ذواتنا, وأنَّه ذلك الحد الذي بعده قد نموت جوعًا ولا نستطيع أنْ نتجاوزه وأسأل: عَلاَمَ تعتمد حياتي وتتوقف؟ وحيث أنَّ السؤال ليس سؤالًا أكاديميًا نظريًا بل نحسه بكامل أجسادنا هنا يأتي وقت التجربة وزمنها.
لقد أتى الشيطان إلى آدم في الفردوس, وأتى إلى المسيح في البرية, أتى إلى اثنيْن جائعيْن وقال كُلا لأنَّ جوعكما دليل على اعتمادكما بالكامل على الطعام وعلى أنَّ حياتكما هي في الأكل والطعام فَصَدَّق آدم الأول وأكل.. ولكن المسيح الكلمة المتجسد رفض التجربة وقال: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل [بالله الكلمة].. فالحياة تصير بكل كلمة تخرج من فم الله.
لقد رفض المسيح ربنا أنْ يقبل تلك الأكذوبة الكونية التي نشرها الشيطان الكذاب في العالم جاعلًا من تلك الأكذوبة حقيقة بديهية, وتؤكد ذاتها ولا تحتمل الجدل بعد أنْ صارت أساس عالمنا وعلومنا وبذلك استعاد المسيح تلك العلاقة بين الأكل والحياة والله التي كسرها آدم والتي لا نزال نكسرها نحن كل يوم.
فَمَا هو الصوم بالنسبة لنا نحن المسيحيين؟ إنَّه دخولنا ومشاركتنا في اختبار المسيح نفسه الذي صام عنَّا, تلك الخبرة التي بها يحررنا من الاعتماد الكامل على الطعام والمادة والعالم, وقد صار محررنا ونحن بعد نعيش في هذا العالم الساقط, عالم آدم القديم باعتبارنا جزءًا منه لا نزال نعتمد على الطعام وصار موتنا الذي يجب أنْ نجتازه بفضل موت المسيح عبورًا إلى الحياة أيّ فصحًا, والأكل الذي نأكله والحياة التي يسندها هذا الأكل, يمكن أنْ تكون حياة في الله ومن أجل الله..
وهنا نقول, هل اللقمة للإنسان أم هل الإنسان للقمة؟ الإنسان الذي يعيش لِيَأكل كأنَّه سجين يعبد ذاته, ونحن شبعنا في المسيح طعام الأبدية ومصل عدم الموت, لقد صار جزءًا من طعامنا بالفعل [خبز الخلود] جسد ودم المسيح نفسه, وهكذا لن يكون لأتعاب الصوم أيَّة منفعة بدون التمتع بالتناول الذي نُعبِّر عنه بهذا القانون الذي نُردِّده في ختام القداسات أثناء الصوم ونقول:
[هذا هو جسد ودم الإله الوحيد هذان اللذان تناولنا منهما فلنشكره ولنسبح مع الطغمات والأبرار صارخين قائلين: يا مَنْ صام عنا أربعين يومًا وأربعين ليلة اقبل إليك الصوم واغفر لي آثامي بطلبات وشفاعات سيدتي القديسة مريم خلصنا.. ], وكل صوم يلزم أنْ ينتهي بالتناول إذ بذلك تكمل ذبيحتنا ويكمل بذلنا [صلوا من أجل التناول باستحقاق. اطلبوا عنَّا وعن كل المسيحيين] {القداس الإلهي}.
فالصوم وحده يُمكنه أنْ يُحقق هذا التحوُّل, ويمنحنا الدليل الوجودي على أنَّ الاعتماد على الأكل والمادة ليس هو الحياة, بل الكلمة والصلاة والنعمة والانسحاق والتقدم إلى السرائر.. , وإذ يقترن الصوم بالصلاة والنعمة, والعبادة والشركة, والتوبة والشهادة والخدمة يصبح صومًا روحيًا.
وإذا ما تعمقنا في فهم هذا كله يصير الصوم الوسيلة الوحيدة التي يستعيد بها الإنسان قامته الروحية الحقيقية, والأمر ليس نظريًا بل هو تحدى عملي لذلك الكذاب الكبير المحتال إبليس الذي استطاع بأنْ يقنعنا أنْ نعتمد على الخبز وحده, وراح يبني المعرفة البشرية كلها والعلم والوجود على تلك الأكذوبة المضيعة والمضللة, فالصوم هو هدم لتلك الأكذوبة وهو الدليل أيضًا على أنَّه أكذوبة.. ومن المفيد أنْ ندرك أنَّ المسيح خلصنا لمَّا كان صائمًا وواجه الشيطان [إنجيل الأحد الثاني من الصوم "أحد التجربة"], وأنَّه قال فيما بعد أنَّ الشيطان لا يُهزم إلاَّ بالصلاة والصوم.. لذلك تلتزم كنيستنا في عبادتها الليتورجية أثناء فترة الصوم الأربعيني, بصلاة أطول, وإماتة أشد, وتضحية لأبعد مدى وأكثر تجسيدًا.. وهذه هي أعجوبة الصوم التي تجعلنا أكثر اتحادًا وقربًا من الله..
فالصوم هو الجهاد الحقيقي والعراك ضد إبليس لأنَّه تحدى ذلك القانون الواحد الشامل الذي يجعله [رئيس هذا العالم]. وغلبتنا بالصوم والجوع والعطش هي نبع الطاقة الروحية لكي لا تبقى هذه الأكذوبة التي نعيشها منذ آدم إلى الآن!!
أين نحن الآن من مفهوم الصوم الأصيل؟ كم نحن بعيدون الآن عن مفهوم الصوم إذ نعتبره مجرد تغيير للأكل ومجرد شكليات, ما هو مسموح وما هو ممنوع, يا لها من ضحالة ومجرد تغيير طعام!! إنَّ الصوم لا يعني إلاَّ شيء واحد, أنْ نجوع لنبلغ ذلك الحد (حالة الإنسانية التي تعتمد تمامًا على الطعام.. ) لِنَكتشف في جوعنا أنَّ ذلك الاعتماد ليس هو الحقيقة كلها عن الإنسان وأنَّ الجوع نفسه إنَّما هو أولًا وقبل كل شيء حالة روحية نورانية نذوق فيها الطبيعة الجديدة التي تجلَّت على جبل طابور.. وأنَّ الصوم في جملته جوع من أجل الله ولله, لذلك نجد أُمنا البيعة الأرثوذكسية قد تزينت بأحلى ما عندها من طقوس وألحان وقراءات وممارسات روحية وكلها أطعمة روحية تُعِدَّها لأولادها العابدين الذين حرموا أنفسهم بإرادتهم من طعام الأرض البائد وأغلقوا حواسهم عن كل لذة ترابية وعكفوا ملازمين البيعة بنسك وتقوى لأنَّ العبادة الليتورجية تُحوِّل النسك والصوم إلى عبادة قلب ولذة روح وممارسة وخبرة عملية ومجال سلوكي بحياة الجميع.. فالامتناع عن الطعام غير كافٍ, إذ يجب أنْ يرافقه نظيره الإيجابي, والذي يتحدد وفقًا لبرنامج العبادة الكَنَسية, التي تكون أكثر وضوحًا فيها.
وفي الكنيسة الأولى كان الصوم دائمًا يعني الانقطاع الكامل, يعني حالة الجوع يعني دفع الجسد إلى أقصى ما يمكن من قمع وهنا نكتشف أنَّ الصوم كجهاد طبيعي لا معنى له بدون مغزاه الروحي, فالصوم كجهد جسدي لا معنى له البتة بدون الجهاد الروحي, وبدون تعزية أنفسنا بالحق الإلهي, وبدون اكتشاف اعتمادنا على عمل الله يصبح صومنا انتحارًا.
ولأنَّ المسيح نفسه قد جُرِّب أثناء الصوم لذا فما بقيت لنا فرصة واحدة بعد تجربته لِنَتجنب تلك التجربة فلا مفر منها, والصوم البدني وإنْ بدا ضروريًا فإنَّه يُصبح بلا معنى بل وأيضًا يصبح خطيرًا إذا انفصل عن الجهاد الروحي, وإذا انفصل عن الصلاة والتأمل في الإلهيات, وهو ما نصرخ من أجله في العبادة قائلين [تعالوا نصرخ نحوه ونبكي أمامه كما علَّمنا.. أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك في كل جيل وجيل.. اطرد الشياطين عنَّا لنكمل بسلام لأنَّه ليس لنا آخر سواك].
والصوم فن بل فن الفنون, أبدع فيه القديسون أيَّما إبداع, ويكون الأمر خطيرًا ولا طائل من وراءه إذا مارسنا هذا الفن بدون عناية وحذر, أعني بدون إرشاد أب الاعتراف والمرشدين الروحيين, والعبادة كلها أثناء الصوم الأربعيني هي تذكرة دائمة بالصعاب والجهاد والتجارب التي تنتظرنا, ولهذا السبب عينه نحتاج لاستعداد روحي للجهاد في الصوم, وهذا الاستعداد يشمل التضرع لله لِيُساعدنا وأنْ يجعل صومنا متمركزًا حوله.. [ربنا يسوع المسيح صام عنَّا حتى خلصنا *أبانا الذي في السموات* أنا أعرف أنَّك صالح ورؤوف اذكرني برحمتك إلى الأبد * اجعلنا مستحقين نعمتك أيها المخلص في هذه الأيام ونحن بلا خطية مع صوم نقي].
لذلك ينبغي علينا أنْ نصوم من أجل خاطر الله [FOR GOD'S SAKE], لِنُعيد اكتشاف جسدنا باعتباره هيكل حلوله الإلهي.. ونُوفِّر وقارًا للجسد والطعام, ولكل منظومة حياتنا, لأنَّنا آنية للسيد, وهياكل مقدسة له.
ولِنُمارس الصوم على صعيديْن: أولًا كصوم كلى, وثانيًا كصوم نسكي, فالصوم النسكي معناه اختزال الطعام حتى الكفاف وأقل من الكفاف حتى تُعاش حالة الجوع الثابت التي تُذكرنا بالله, ونبقى في جهاد ثابت حافظين فكرنا فيه.. وهذا الصوم يجعلنا أكثر خفة ويقظة ونشاطًا وبتولية وتركيزًا وتكريسًا ورقة وفرحًا ونقاوة, وعندئذٍ نتناول الطعام كَهِبة حقيقية من الله لِيَكون منظومة لحياتنا وسماتها كلها, فتتحول الطبيعة بالصلاة والصوم والتذكرة واليقظة والتركيز إلى قوة إيجابية [فالصوم والصلاة هما اللذان عَمِلَ بهما موسى حتى أخذ الناموس والوصايا وهما اللذان رفعا إيليا إلى السماء, وهما اللذان خلَّصا دانيال من الجب وهما اللذان عَمِلَ بهما الأنبياء والصديقون والشهداء]..
والصوم الكلي هو أنْ يتزامن صومنا مع العبادة والمطانيات metanoia والهجعات والسجود وقرع الصدر وأعمال التوبة والرحمة والمحبة والخدمات وفترات الانقطاع, فلا صوم من غير انقطاع, ولا صوم من غير ذبائح, ولا صوم من غير اقتداء بالمسيح الذي صام عنَّا.. [اتْبَعْنِي] {مت9:9}
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/lent/fasting.html
تقصير الرابط:
tak.la/7vs8qfp