St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   cyprian-treatises
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مقالات روحية: للقديس كبريانوس - القمص أنجيلوس المقاري

8- المقالة السابعة: الأعمال والصدقة

 

1- أيها الإخوة الأحباء، كثيرة وعظيمة هي النعم الإلهية التي عملها الله الآب والمسيح بفيض ورأفة جزيلة ودائمًا يعملها لأجل خلاصنا لأن الآب أرسل ابنه ليحفظنا وينعشنا، لكي يمكنه استردادنا والآن أراد الابن أن يُرسل ويُدعى ابن الإنسان لكي يجعلنا أبناء الله. إنه واضع ذاته لكيما يرفع الشعب الذي كان من قبل منطرحًا (منبطحًا). إنه جُرح لكيما يشفي جروحنا. إنه خدم لكيما يجتذب المخدومين إلى الحرية. إنه ذاق الموت لكيما يضمن الخلود للمائتين. هذه هي العطايا العظيمة والكثيرة للرحمة الإلهية. بل ما هو أكثر من هذا أية عناية وأية رأفة عظيمة تكون: أنه يمدنا بتدبير الخلاص لكي تؤخذ عناية أكثر فيضًا لأجل خلاص الإنسان الذي تم افتدائه! لأنه عندما جاء الرب وشفى الجروح التي كابدها آدم وشفى السموم القديمة للحية، وأعطاه عندما عافاه شريعة (جديدة) بألا يخطئ فيما بعد لئلا يصيبه شيء أكثر خطورة في خطيته. نحن كنا محدودين ومُغلق علينا داخل نطاق ضيق بوصفة البراءة. وعلّة infirmity الضعف البشري ما كان لها أي مصدر وتعجز عن عمل شيء ما لم يأتي الصلاح الإلهي للإنقاذ وبإظهار (إشارة إلى) أعمال البر والرحمة فتح طريق لخلاص مأمون لكيما نغسل بالصدقة أية نجاسات اقترفناها مؤخرًا.

 

2- يتحدث الروح القدس في الأسفار قائلًا "بالصدقة والإيمان تُغسل الخطايا" (انظر أم 16: 6). بالتأكيد ليس المقصود بها تلك الخطايا التي اقترفناها من قبل لأنها مُحيت بدم المسيح وتقديسه. كذلك أيضًا يقول "النار الملتهبة يطفئها الماء، وكذلك الصدقة تخمد الذنوب" (سيراخ 3: 30). هنا أيضًا يظهر ويتبرهن أنه كما بحميم ماء الخلاص تنطفئ نار جهنم، كذلك بالصدقة والأعمال الصالحة ينطفئ لهيب الخطية. وبسبب أن غفران الخطايا مُنح من قبل في المعمودية، فإن كد متواصل و(جهاد) مستمر -عاملًا على طريقة المعمودية- يمنح أيضًا غفرانات الله. هذا أيضًا يعلّمه الرب في الإنجيل. لأنه عندما لاحظ الفريسيون أن تلاميذه كانوا يأكلون بدون غسل أيديهم أجابهم قائلًا "أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضًا، بل أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقيًا لكم" (لو 11: 40-41)، أي أنه كان يعلّم ويظهر أن الذي ينبغي له أن يُغسل ليس الأيادي بل القلب وأن الذي ينبغي أن يُنزع ليس الدنس الخارجي أكثر من الداخلي، بل الذي يطهر ما هو داخل قد طهر أيضًا ما هو خارج وإذ قد ابتدأ الذهن في أن يكون نقيًا، يكون قد ابتدأ في أن يكون نظيفًا في الجسد والجلد. لكن علاوة على ذلك إذ ينصح ويوضح كيف يمكننا أن نكون أنقياء وأطهار، أضاف أنه يلزم إعطاء الصدقة. ينصح الله الرحوم بإظهار الرحمة، ولأنه يسعى إلى خلاص من افتداهم بثمن عظيم، يعلّم أن من تدنسوا بعد نعمة المعمودية يمكنهم أن يتطهروا من جديد (بأعمال الرحمة والصدقة).

 

St-Takla.org         Image: Ancient icon of the Ladder of Divine Ascent, the Heaven's Ladder صورة: أيقونة أثرية بعنوان سلم السماء، أو السلم إلى الله

St-Takla.org Image: Ancient icon of the Ladder of Divine Ascent, the Heaven's Ladder.

صورة: أيقونة أثرية بعنوان سلم السماء، أو السلم إلى الله.

3- لذلك أيها الإخوة الأحباء لنعترف بالهبة المخلَّصة للتسامح الإلهي بغسل خطايانا والتكفير عنها، ليتنا نحن الذين لا نستطيع أن نكون بدون جرح ما للضمير أن نعتني بالأدوية الروحية لجروحنا. ليت لا أحد يمتدح ذاته هكذا لقلبه الطاهر والنقي، الذي يتكل على طهارته فيظن أن لا لزوم له لوضع أدوية لجروحه، لأنه مكتوب "من سيفتخر أن له قلب نقي، أو من سيتباهى أنه طاهر من الخطايا؟" (انظر أم 20: 9)، وإذ يوضح أيضًا يوحنا هذا في رسالته فيقول "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 1: 8). لكن إن كان لا يمكن لأحد أن يكون بلا خطية، ومن يقول إنه بلا خطية يكون إما متكبر أو أحمق، كم يلزم، (بل) كم رحيمة هي الشفقة هي الشفقة الإلهية التي إذ تعلم أنه من المؤكد أن من شفقوا قبلًا لن يعدموا الجروح فيما بعد فأعطت أدوية خلاصية للعناية ولمداواة الجروح المستجدة.

 

4- أخيرًا أيها الإخوة الأحباء جدًا، لم يكفّ النصح الإلهي أبدًا ولم يصمت العهد القديم كما الجديد في حث شعب الله دائمًا وفي كل موضع على عمل الرحمة، ومن يتم إرشادهم على رجاء الملكوت السماوي يأمرهم الروح القدس في نبواته ونصحه على ممارسة الصدقة. يأمر ويوصي الرب بفم إشعياء "ناد بصوت عال. لا تمسك. ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم" (إش 58: 1) وعندما أمر أن يحمّلهم بخطاياهم وعندما عرض آثامهم بملء قوة غيظه وقال إنه لا يمكنهم التكفير عنها حتى لو التجأوا إلى الصلوات ولبس المسوح والرماد لا يمكنهم تسكين غضب الله، لكن الله أظهر في آخر الأمر أنه يمكن ترضيته بالصدقة فقط فأضاف قوله "أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عريانًا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعًا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هأنذا" (إش 58: 7-9).

 

5- إن أدوية استرضاء الله قد أُعطيت بكلمات الله ذاته: إرشادات إلهية علّمت أن الله يرتضي بالأعمال البارة، أن الخطايا تغُسل باستحقاقات الرحمة. ونقرأ في يشوع ابن سيراخ (ذُكرت خطأ سليمان) "أودع الصدقة في قلب الفقير وهي تخلصك من كل شر" (سيراخ 29: 12)، وأيضًا "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضًا يصرخ ولا يُستجاب" (أم 21: 13)، لأنه لن يمكنه أن يكون أهلًا لرحمة الله من هو ذاته لم يكن رحيمًا، ولن يقتني بصلواته أية طلبة من الحب الإلهي من لم يكن إنسانيًا (رحيمًا) تجاه طلبة الفقير. هذا الأمر يعلنه الروح القدس بالمثل في المزامير ويزكيه قائلًا "طوبى للذي ينظر إلى المسكين. في يوم الشر ينجيه الرب" (مز 41: 1). ولكون دانيال النبي منتبهًا لهذه الوصايا، عندما انزعج الملك نبوخذ نصر من حلمه، أعطاه دانيال علاج لتفادي الشرور بالحصول على المعونة الإلهية قائلًا "لذلك أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يُطال اطمئنانك" (دا 4: 27). ولما لم يُطعه الملك، عانى البلايا والأتعاب التي رآها والتي كان يمكنه الإفلات منها وتحاشيها لو كان افتدى خطاياه بإعطاء الصدقة.

يشهد الملاك روفائيل كذلك بالمثل ويحث على ممارسة الصدقة بسخاء وكرم فيقول "صالحة هي الصلاة مع الصوم والصدقة، لأن الصدقة تنجي من الموت وهي تطهر كل خطية" (طو 12: 8-9). إنه يُظهر أن صلواتنا وأصوامنا قليلة الفائدة ما لم نعضدها بالصدقة، ويُظهر أن التوسلات وحدها قادرة على نوال القليل ما لم نكملها بإضافة الأفعال والأعمال الصالحة إليها. إن الملاك يوضح ويكشف ويؤكد على أن توسلاتنا تصير فعّالة بإعطاء الصدقة، وأن الحياة تُفتدى من الأخطار بالصدقة، وأن النفوس تتحرر من الموت بالصدقة.

 

6- أيها الإخوة الأحباء جدًا نحن نقدم هكذا هذا الكلام لكي نزكي بشهادة الحق ما قاله الملاك روفائيل. في سفر أعمال الرسل يتأسس الإيمان ويُكتشف ببرهان الحقيقة المتممة والمكملة أن بالصدقة تتحرر النفوس ليس فقط من الموت الثاني بل أيضًا من الموت الأول. عندما مرضت ثم ماتت طابيثا التي أوقفت حياتها على الأعمال البارة والصدقة، اُستدعي بطرس الرسول لجسد بلا حياة. وعندما وصل بسرعة تتفق مع المحبة الرسولية وقفت حوله الأرامل يبكين ويتوسلن ويُرينه الأقمصة والملابس التي صنعتها لهن في حياتها وتوسلن لأجل المتوفية ليس بكلامهن بل بأعمالها. شعر بطرس الرسول أن ما طُلب بهذه الطريقة يمكن الحصول عليه وأن معونة المسيح لن تخيّب توسلات الأرامل. لذلك عندما جثا بطرس على ركبتيه صلى وكشفيع للأرامل والفقراء قدم الطلبات التي أُوكلت إليه إلى الرب ثم التفت إلى الجسد وقال "يا طابيثا قومي باسم المسيح" (انظر أع 9: 40)، ولا أيضًا قصّر في مساعدة بطرس في الحال من قال في إنجيله أنه مهما طلبتم شيء باسمي يُعطى لكم. لذلك بُطل الموت واُستعيدت الروح واندهش الجميع لعودة الجسد إلى نور هذا العالم من جديد.

كم قوية هي استحقاقات الرحمة، والأعمال الصالحة أفادت جدًا!

التي قدمت معونة للمعيشة للأرامل التي أحنى عليهن الدهر، استحقت أن تُستدعى ثانية إلى الحياة بتوسلات الأرامل.

 

7- لذلك في إنجيل الرب معلّم حياتنا ورب الخلاص الأبدي إذ أحيا جمع المؤمنين، قدم لهم عند إحيائهم ضمن أوامره الإلهية ووصاياه السماوية لم يكرر شرائع ووصفات أكثر سوى أن نستمر في إعطاء الصدقة وألا نعتمد على القنيات الأرضية بل بالأولى نكنز كنوزًا سماوية فيقول "بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة" (لو 12: 33)، وأيضًا "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا" (مت 6: 19-21). وعندما أراد أن يُظهر الإنسان الذي تكمل واكتمل بمراعاة الناموس "إن أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء" (مت 19: 21). كذلك في موضع آخر يقول إن تاجر النعمة السماوية ومبُتاع الخلاص الأبدي، بعد تخلصه من كل مقتنياته يلزمه أن يبتاع اللؤلؤة الثمينة التي هي الحياة الأبدية، الثمينة بدم المسيح إذ يقول "أيضًا يشبه ملكوت السماوات إنسانًا تاجرًا يطلب لآلئ حسنة. فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها" (مت 13: 45-46).

 

8- أخيرًا هو يدعوهم أيضًا أولاد إبراهيم الذين لاحظهم نشطاء في مساعدة وإنعاش الفقير. لأنه عندما قال زكا "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. قال له يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن إبراهيم" (لو 19: 8-9). لأنه إن كان إبراهيم آمن بالله فُحسب له برًا، بالتأكيد الذي يعطي الصدقة بحسب وصية الله يؤمن بالله، ومن يقتني صدق الإيمان يحفظ مخافة الله. علاوة على ذلك الذي يحفظ مخافة الله، يُراعي الله في إظهار الرحمة للفقير. لأنه هكذا يكّد (ويتعب) لأنه يؤمن بالله، لأنه يعرف أن تلك الأمور التي أنبأ بها كلام الله هي حقيقية وأن الكتاب المقدس لا يمكن أن يكذب، أن الأشجار غير المثمرة، أي الناس العقيمين، يُقطعون ويُطرحون في النار، وأن الرحماء يُدعون إلى الملكوت. وهو في موضع آخر يدعو المؤمنين المثمرين والمجتهدين، لكن للعقيمين وغير المثمرين ينكر الإيمان (الذي لهم) فيقول "فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق. وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم" (لو 16: 11-12).

 

9- لكن أنتم تخافون وتخشون لئلا لو ابتدأتم في العطاء بمنتهى السخاء، تنتهي ثروتكم بسبب سخائكم وربما تفتقرون. كونوا مطمئنين وغير منزعجين من جهة هذا الأمر. لا يمكن لمالكم أن ينتهي من حيث أنكم تنفقونه في خدمة المسيح، من حيث أن العمل السماوي يُحتفى به. إنني لا أعدكم متكلًا على سلطاني بل أعضده على الإيمان بالأسفار المقدسة وعلى سلطان الوعد الإلهي. يتكلم الروح القدس بفم سليمان فيقول "من يعطي الفقير لن يحتاج أبدًا، لكن من يحيد عنه عينيه سيكون في عوز عظيم" (انظر أم 28: 27)، مُظهرًا بهذا أن الرحيم ومن يعملون الخير لا يمكن لهم أبدًا أن يكونوا في عوز بل بالأحرى البخيل والعقيم سيتعازوا فيما بعد. كذلك بولس الرسول الطوباوي المملوء بنعمة إلهام الرب يقول"الذي يقدم بذارًا للزارع وخبزًا للآكل سيقدم ويكثر بذاركم وينمي غلات بركم. لكي تستغنوا في كل شيء" (انظر 2كو 9: 10-11)، وأيضًا "لأن افتعال هذه الخدمة ليس يسد أعواز القديسين فقط بل يزيد بشكر كثير لله" (2كو 9: 12). لأنه بينما فعل الشكر موجه إلى الله بصلاة الفقير لأجل صدقتنا والأعمال الصالحة، فإن ثروة من يعمل الخير تزداد بمجازاة الله (له). والرب في الإنجيل ينظر لقلوب مثل هؤلاء ويجحد غير الأمناء وغير المؤمنين بصوت نبوي يشهد قائلًا "فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس. فإن هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم" (مت 6: 31-33). إنه يقول أن كل هذه الأشياء تُزاد وتُعطى لمن يطلبون ملكوت الله وبرّه، لأن الرب يقول إنه عند مجيء يوم الدينونة سيتقدم لنوال الملكوت من تعبوا في كنيسته.

 

10- أنت تخشى لئلا يصادفك عجز في ثروتك لو ابتدأت تتصدق منها بسخاء وأنت لا تعلم أيها الإنسان التعيس أنه بينما وأنت تخشى لئلا تنقص ثروتك الشخصية، تخيب حياتك ذاتها وخلاصك، وبينما أنت قلق لئلا تتقلص مقتنياتك لا تنتبه إلى أنك أنت ذاتك الذي تحب المال أكثر من نفسك تتقلص، وبينما أنت تخشى لئلا لأجلك تفقد ثروتك، أنت ذاتك تهلك لأجل ثروتك. لذلك حسنًا يعلن الرسول قائلًا "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما. وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ و شهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي 6: 7-10).

 

11- هل تخشى لئلا يصادفك عجز في ثروتك لو ابتدأت تتصدق منها بسخاء؟ لأنه متى حدث أن الثروة قصّرت مع إنسان صدّيق بينما مكتوب "الرب لا يجيع نفس الصدّيق" (أم 10: 3). كانت الغربان هي التي تطعم إيليا النبي في البرية، ودانيال كانت تُعد له وجبة من السماء عندما أُلقي في جب الأسود بأمر من الملك، وأنت تخشى لئلا يعوزك الطعام بينما تفعل الصلاح وتستحق الخير من الرب، بينما هو ذاته في الإنجيل يشهد موبخًا أصحاب الأذهان المتشككة وقليلي الإيمان فيقول "انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟" (مت 6: 26). يطعم الله الطيور ويهيئ قوت يومي للعصافير ولتلك المخلوقات التي لا إحساس لها لا ينقصها طعام أو شراب أو رعاية إلهية. هل تظن أنه سينتقص شيء للمسيحي ولمن يخدم الله ولمن يتكرس للأعمال الصالحة ولمن هو عزيز على الرب؟

 

12- (ستظن أنه سينقص المسيحي شيء) لو تخيلت أن من يطعم المسيح، هو ذاته لا يطعمه المسيح، وأن الأرضيات ستعوز من تُغدق عليهم عطايا إلهية وسماوية. من أين هذا الفكر المتشكك، من أين هذا الخاطر النجس وغير الفاضل؟ ماذا يفعل القلب الجاحد في بيت الإيمان؟ لماذا يُدعى كمسيحي من هو لا يؤمن بالمسيح على الإطلاق؟ إن لقب فريسي يليق به بالأكثر. لأنه عندما كان الرب في الإنجيل يتحدث عن الصدقة ويحذر بإخلاص ولأجل خلاصنا ينبغي لنا أن نصنع أصدقاء بمال الظلم بأعمال صالحة حكيمة، يضيف الكتاب بعد هذا الكلمات التالية "وكان الفريسيون أيضًا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به" (لو 16: 14).

نحن نرى (الآن) في الكنيسة بعض الناس يشابهونهم، ممن أغلقوا آذانهم وأعموا قلوبهم فلم يقبلوا نورًا من التحذيرات الروحية والمخلَّصة، والذين لا ينبغي لنا أن نتعجب أنهم يزدرون بالخادم في أحاديثهم، بينما نرى أن الرب ذاته ازدرى به مثل هؤلاء.

 

13- لماذا تستحسن ذاتك بهذه الأفكار الحمقاء والفارغة كما لو كنت تمتنع عن عمل الصالحات بخوفك واهتمامك (همّك) لأجل المستقبل؟ لماذا تعلن بعض ظلال وأوهام لعذر باطل؟ اعترف ما هو الصدق (الحق) بكل السبل، وحيث أنك لا تستطيع أن تخدع العارفين، اظهر خفايا وأسرار ذهنك. إن ظلال العقم قد أحاطت ذهنك وبانسحاب نور الحق منه، أعمت قلبك الجسداني ظلمة الطمع الكثيفة والعميقة. أنت أسير وعبد لمالك... أنت مربوط بسلاسل وقيود الطمع، وأنت الذي قد حررك المسيح، قُيدت من جديد. أنت توفر المال والذي عند توفيره لن يخلصك. أنت تكدس الثروة التي تثقل كاهلك بوزنها (الثقيل) وأنت لا تتذكر ما أجاب به الله للغني الذي تباهى بسرور أحمق على فيض حصاده الوفير إذ قال له "يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منها. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟" (لو 12: 20). لماذا تكدس حمل burden ثروتك، إذ كلما صرت أغنى في نظر العالم، كلما صرت أفقر في نظر الله؟ قسّم عائداتك مع الله، شارك أرباحك مع المسيح. اجعل المسيح شريك في ممتلكاتك الأرضية لكيما يجعلك هو أيضًا وريث معه في ملكوته السماوي.

 

14- أنت ضال ومخدوع يا من تظن نفسك غني في هذا العالم. اسمع صوت ربك في سفر الرؤيا عندما يوبخ مثل هؤلاء الناس، إذ يقول "تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان. أشير عليك أن تشتري مني ذهبًا مصفى بالنار لكي تستغني وثيابًا بيضًا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك وكحّل عينيك بكحل لكي تبصر" (رؤ 3: 17-18).

لذلك يا من أنت غني وثري اشتري لنفسك ذهب مصفًّى بالنار من المسيح لكي تكون (أنت) ذهب نقي عندما تكون نجاساتك قد حُرقت كما لو بنار. إذا تطهرت بالصدقة والأعمال البارة. اشتري لذاتك ثياب بيض لكي ترتدي ثوب المسيح الأبيض أنت يا من قد تعريت بحسب آدم وكنت من قبل شنيع وقبيح.

ويا من أنتِ سيدة غنية وثرية كحلي عينيك ليس بكحل إبليس بل بكحل المسيح لكي يمكنك أن ترين الرب عندما تكوني جديرة بالله بالصفة والأعمال الحسنة.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

15- لكن أنت يا من على هذه الشاكلة لا يمكنك أن تعمل الأعمال الصالحة في الكنيسة لأن عينيك تخضبت بالسواد وتغطت بظلال الليل فلا ترى المحتاجين والفقراء.

هل يا من أنت غني وثري تظن أنك تحتفل بعيد الرب يا من لا تعتبر (تقدّر) التقدمة offering على الإطلاق، يا من تأتي إلى عيد الرب بدون ذبيحة، يا من تشارك في الذبيحة التي قدمها الفقير؟ هوذا في الإنجيل مذكور عن أرملة مهتمة بالوصايا السماوية فعملت الصلاح في وسط ضغوط ومشقات الفقر إذ ألقت في الخزانة فلسين كانا هما كل ما تملكهما، وعندما لاحظها الرب ورآها، اعتبر وقدّر قيمة عملها الصالح ليس كما لو عن معيشتها (حرفيًا من ميراثها) بل كما من القلب فأجاب قائلًا "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع. لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا في قرابين الله وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها" (لو 21: 3-4).

مباركة جدًا ومجيدة هذه المرأة التي استحقت حتى قبل يوم الدينونة أن يمتدحها صوت الديان. ليخزى الغني من عقمه ونكباته misfortunes. الأرملة التي هي أرملة فقيرة وجِدَت بتقدمة (أي قدمت تقدمه)، ومع أن كل ما يتصدق به الناس يُمنح للأرامل والأيتام، فالتي ينبغي أن تأخذ هي تُعطي، لكيما نعلم أية عقوبة تنتظر الغني، عندما بمقتضى هذا التعليم ينبغي أيضًا للفقير أن يعمل الخير (أي يتصدق!). ولكيما ندرك أن هذه الأعمال تُقدم لله، وأن كل من يفعلها يستحق الثناء من الله، يدعو المسيح هذا "قرابين الله" (لو 21: 3) ويشير إلى أن الأرملة وضعت فلسين ضمن قرابين الله، لكي يتضح أكثر وأكثر أن من يشفق على الفقير (ويتصدق عليه) يقرض الله.

 

16- أيها إخوة الأعزاء ليت هذه الحقيقة لا تمنع أو تسحب المسيحي عن الأعمال الصالحة والبارة، أن يظن أي شخص أنه يمكن التماس العذر له لأجل صالح أولاده، إذ في المساهمات الروحية ينبغي أن نعمل اعتبار للمسيح الذي قد صرح أنه ينالها (عبر الصدقة على الفقراء)، ولا نعتبر أننا نفضّل رفقائنا في العبودية (الفقراء والمحتاجين) على أولادنا، بل نفضّل الرب لأنه يعلّمنا ويحذرنا قائلًا "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37).

كذلك في سفر التثنية لأجل تقوية الإيمان ومحبة الله أشياء شبيهة كُتبت. إنه يقول"الذي قال عن أبيه وأمه لم أرهما وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك" (تث 33: 9). لأنه لو أننا نحب الله بكل قلبنا، ينبغي لنا ألا نفضّل والدين أو أولاد على الله. هذا أيضًا يوضحه يوحنا في رسالته أنه لا يوجد حب لله فيمن نراهم غير راغبين في عمل الخير للفقير، إذ يقول "من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يو 3: 17). لأنه لو بالتصدق على الفقير نجعل الله مدين لنا، وعندما من يعطي لأحد الأصاغر هو يعطي للمسيح، فلا يوجد مبرر لأي واحد أن يفضّل الأرضيات على السماويات ولا يضع البشريات فوق الإلهيات.

 

17- لذلك عندما نقرأ في سفر الملوك الأول عن الأرملة أنه بعد فراغ كل طعام لديها بسبب الجفاف والمجاعة إذ لم يعد يتبقى لها سوى ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز لتعمل كعكة تأكلها هي وأبنائها ثم تموت، جاء إيليا وسألها أن تصنع له كعكة وبعد ذلك تأكل ما تبقى هي وأولادها. لم تتردد المرأة في الطاعة ولا وضعت ذاتها وأولادها فوق إيليا النبي في المجاعة، بل بالأحرى عُمل هناك أمام الله ما يُسرّه فقدمت الأرملة بسرعة وعن ابتهاج ما طُلب منها ولم تعط جزء من الوفير لديها، بل أعطت الكل من القليل الذي لديها وأطعمت آخر قبل صغارها الجياع، وفي الفقر والجوع لا يؤخذ الطعام بعين الاعتبار قبل الرحمة، لكي بينما يُزدرى عمل ينقذ الحياة بحسب الجسد، تُحفظ روحانية النفس. لذلك يلعب إيليا دور المسيح ويظهر أن يعوض كل واحد على قدر رحمته فأجاب قائلًا "هكذا قال الرب إله إسرائيل أن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرًا على وجه الأرض" (1مل 17: 14). بحسب إيمان الأرملة في الوعد الإلهي تضاعف ما وُعدت به وتكدس كثيرًا وعلى قدر ازدياد ونمو أعمالها البارة واستحقاقات merits الرحمة هكذا امتلأ كوار الدقيق وكوز الزيت. لم تحرم الأم أولادها مما أعطته لإيليا بل بالأولى أنعمت على أبنائها ما فعلته بتقوى وكرم. لكنها لم تعرف المسيح بعد ولا سمعت أيضًا وصاياه. إنها لم تتصرف كمن افتداه المسيح بصليبه وآلامه فيجازي بالطعام والشراب مقابل دمه، لكي من هذا يتضح (لنا) كم يخطئ كثيرًا من يضع ذاته وأولاده فوق المسيح ويحفظ ثروته فلا يُشرك الفقير المعوز في ماله الوفير.

 

18- لكن يوجد أيضًا أولاد كثيرون في البيت وكثرتهم تمنعك من أن تعكف على عمل الصالحات. إنما بهذه الحقيقة ذاتها ينبغي لك بالأكثر أن تعمل أعمال صالحة، إذ أنك أب لأولاد كثيرين. يوجد كثيرون تتوسل للرب لأجلهم، يتحتم افتداء خطايا الكثيرين، يلزم تطهير ضمائر الكثيرين، مطلوب تحرير نفوس الكثيرين. كما أن في هذه الحياة الدنسة، كلما ازداد عدد أولادك كلما ازدادت نفقات معيشتهم وإعالتهم، كذلك أيضًا في الحياة الروحية السماوية كلما كثر عدد أولادك، كلما ينبغي أن تزداد بالأكثر نفقاتك في الأعمال الصالحة. لذلك قدم أيوب ذبائح عديدة لأجل أولاد، وعلى قدر عدد الأولاد في البيت بهذا القدر قدم أيضًا ذبائحه لله. وحيث أنه يوميًا لا يمكن أن يوجدوا بدون خطايا أمام الله، كانت تُقدم ذبائح يومية بها يمكن محو الخطايا. والكتاب يبرهن على هذا عندما يقول "كان أيوب رجل كامل وبار، له سبعة بنين وثلاث بنات، وهو طهّرهم بتقديم محرقات لله على عددهم كلهم ولأجل خطاياهم قدم عجل" [(انظر أي 1: 2-5) بحسب النص].

لذلك إن كنت تحب أولادك حقًا، لو تظهر لهم الحب الأبوي العذب والتام، ينبغي لك أن تعمل أعمال صالحة أكثر لكيما تمتدح (تزكي) أولادك لدى الله بأعمالك البارة.

 

19- لا تعتبره أب لأولادك من هو زائل وضعيف، بل أسعى للحصول على من هو أب أبدي وقوي لأولاد روحيين(22). خولّ له ثروتك التي تحفظها لورثتك. اجعله حارس (وصي) لأولادك، المشرف عليهم وحاميهم بكل عظمته الإلهية ضد كل الأضرار الدنيوية. عندما توكل لله أمر ثروتك، لا تستولي عليها الدولة ولا يهاجمها جامع الضرائب ولا أيضًا تقلبها أية وشاية قضائية. الميراث الذي يُحفظ تحت رعاية الله يوضع في أمان.

هذا هو (معنى) أن تحتاط لأجل ودائعك العزيزة، هذا هو أن تعمل حسابك لأجل ورثتك في المستقبل بالحب الأبوي بحسب إيمان الكتاب المقدس الذي يقول "كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقًا تُخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزًا. اليوم كله يتراءف ويقرض ونسله للبركة" (مز 37: 25-26). وأيضًا "الذي يحيا بلا لوم في البر سيترك خلفه أولاد مباركين" (انظر أم 20: 7).

لذلك أنت كأب تكون متعدي وخائن ما لم تتطلع بإخلاص لرفاهية أولادك (الروحية)، ما لم تعكف على خلاصهم بحب تقوي وحقيقي. لماذا تتلهف على الثروة الأرضية أكثر من السماوية؟ لماذا تفضل أن تستودع أولادك للشيطان بدلًا من المسيح؟ أنت تخطئ مرتين وترتكب جرم مضاعف لأنك لا تعدّ معونة الله الآب لأولادك ولأنك تعلّم أولادك أن يحبوا ميراثهم أكثر من الله.

 

20- كن أبًا لأولادك مثلما كان طوبيت. أعط وصايا نافعة وخلاصية لأولادك كما أعطى هو لابنه، أوصهم كما أوصى هو ابنه قائلًا "والآن يا أولادي، أوصيكم أن تخدموا الله بالحق، وأعمل أمامه ما يسرّه، وأوصي أولادك أن يعلموا البر والصدقة وأن يتفكروا في الله ويباركوا اسمه في كل فرصة" [(انظر طو 14: 10-12) بحسب النص]. وأيضًا "وأنت فليكن الله في قلبك جميع أيام حياتك واحذر أن ترضى بالخطيئة و تتعدى وصايا الرب إلهنا. تصدق من مالك ولا تحول وجهك عن فقير وحينئذ فوجه الرب لا يحول عنك. كن رحيمًا على قدر طاقتك. إن كان لك كثير فابذل كثيرًا وإن كان لك قليل فاجتهد أن تبذل القليل عن نفس طيبة. فإنك تدخر لك ثوابًا جميلًا إلى يوم الضرورة. لأن الصدقة تنجي من كل خطيئة ومن الموت ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة. إن الصدقة هي رجاء عظيم عند الله العلي لجميع صانعيها" (طو 4: 6-12).

 

21- أي نوع من الهدية gift -أيها الإخوة الأعزاء- تكون لمن يُحتفى بتقدمته أمام الله؟ في هدايا الوثنيين يبدو أمر عظيم ومجيد أن يحضر الأباطرة أو الحكام، والإعداد والنفقات من جانب المعطي هما أعظم لكيما يمكنهما أن يُسرّا الشخصيات العظيمة، فكم بالأولى أكثر شهرة وأعظم يكون مجد المعطي حين يكون الله والمسيح حاضرين يشاهدانه. كم بالأولى يكون الإعداد أفخم في هذه الحالة، وتُنفق مصاريف وفيرة عندما قوات المحفل السماوي تشاهد وكل الملائكة تجتمع، عندما ليس مركبة تجرها أربعة خيول أو مركز الحاكم هو الذي يسعى إليه المعطي، بل تُهدى له الحياة الأبدية، لا (مجرد) الحصول على إنعام باطل وزائل من الرعاع، بل يتم نوال المكافأة الأبدية بالملكوت السماوي.

 

22- ولكي الكسالى والمتبلدي العقل والذين لا يعملون شيء من جهة ثمار الخلاص بسبب طمعهم للمزيد يستحون أكثر، لكي احمرار خجلهم وخزيهم يضرب بالأكثر ضميرهم الدنئ، ليضع كل واحد (منهم) أمام عينيه: إبليس مع عبيده، أي مع أُناس الهلاك يستشري في الوسط، (و) شعب المسيح حاضرين معه ويدينون، مستدعيًا في نزال المقارنة بينما هو (إبليس) يقول: أنا لأولئك الذين ترون معي، لم أتلق ضربات ولا كابدت جلدات ولا حملت الصليب ولا سفكت دمي ولا افتديت عشيرتي بثمن الآلام والدم، أيضًا لم أعدهم بالملكوت السماوي ولا بعد استعادة الخلود استدعيتهم ثانية إلى الفردوس!

لكنهم أعدوا لي عطايا ثمينة وعظيمة وببذخ وبجهد شاق دبروها وبكل سبل السخاء إما برهن أو بيع مقتنياتهم في سبيل تدبير هذه العطية. وما لم يلي هذا ظهور مقتدر (يليق بي)، يُطرحون بتوبيخ واستهجان وأحيانًا يرجمهم العوام الهائجين إلى الموت.

(بالمقابل) أظهر أيها المسيح مقدمي عطايا كهذه من الذين لك، هؤلاء الأغنياء، هؤلاء الموسرين بثروة فائضة، سواء في الكنيسة حيث تترأس وترى أنهم يقدمون هبة من هذا النوع بعد رهن أو توزيع مقتنياتهم (على الفقراء)، نعم بعد نقلها إلى وضع أفضل، إلى كنوز سماوية!

في تلك المشاهد التي تخصني، وهي مشاهد (استعراضات) أرضية زائلة، لم يتم إطعام أو كساء أحد، ولم يتم إعالة أحد بطعام أو شراب. كل شيء (تم تقديمه لحسابي كان يتراوح دافعه) بين جنون من يستعرض عطاياه والرأي الخاطئ للمشاهد، يفنى (يهلك) بالغرور الأحمق والمسرف للملذات الباطلة.

يوجد بينكم أيها الفقراء، أنتم يا من تم إطعامكم وكسائكم، أنتم تعدون بحياة أبدية لمن يتعبون ويكدون لأجلكم، وبالجهد يكون شعبكم معادل لشعبي الذي هلك (في عطائه بسخاء)، مع أنه تم إكرامهم معكم بالأجر الإلهي والمكافآت السماوية.

 

23- بماذا تجيبوا عن كل هذا أيها الإخوة الأعزاء؟ بأية طريقة ندافع عن العقم الدنس وأذهان الأغنياء التي يغطيها نوع من ليل الظلال، بأي عذر نجليها نحن الذين أقل من عبيد إبليس (في العطاء له) لكي لا نجازي ولو بالقدر الضئيل لأجل ثمن آلامه ودمه؟ لقد أعطانا وصايا، لقد علّم لعبيده ما ينبغي أن يعملوه، واعدًا بمكافأة لمن يعطون صدقة ومهددًا عديم الثمر بالعقوبة. إنه قد أوضح حكمه وأنبأ بما ستكون عليه دينونته. أي عذر يمكن أن يوجد لمن يتوقف عن التصرف هكذا، أي مبرر لعدم الإثمار؟ ما لم يكن التصرف على هذا النحو، ما لم يفعل العبد ما تم الأمر به، سينفذ الرب ما هدد به. بل إنه يقول [31- «وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32- وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ. 33- فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34- ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 35- لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. 36- عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37- فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40- فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ.

 «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ. لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا: يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (مت 25: 31-46).]

أي إعلان أعظم (من هذا) كان يمكن للمسيح أن يصنعه لنا؟ بأي شيء أكثر كان يمكنه أن يستحثنا على أعمال البر والرحمة سوى بقوله أن كل ما يُقدم للفقير والمحتاج يُقدم له شخصيًا، وبقوله أن يستاء ما لم نقدم تقدمة للمحتاج والفقير؟ حتى أن من لا يتأثر في الكنيسة اعتبارًا منه لأخيه، ربما يتأثر بتأمله للمسيح، ومن لا يهتم برفيقه في العبودية في الضيق والاحتياج، ربما يهتم بالرب القائم في ذات الشخص الذي هو يزدري به.

24- وهكذا -أيها الإخوة الأعزاء جدًا- ليتنا نحن من لنا مخافة الله ومن أذهاننا بعد ازدرائها بالعالم ودوسها عليه تحولت إلى السماويات والإلهيات لنتأهل حسنًا للرب، نقدم طاعة بملء الإيمان بأذهان مخلصة وأعمال حسنة مستمرة. لنعطي المسيح الثياب الأرضية لكيما ننال الثوب السماوي، لنقدم الطعام والشراب المادي لكيما نأتي سويًا مع إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى الوليمة السماوية. ليتنا نزرع كمية وافرة جدًا حتى لا نحصد القليل. بينما توجد فرصة لنجتهد للأمان والخلاص الأبدي كما ينصح الرسول قائلًا "فإذ حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولاسيما لأهل الإيمان فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكلّ" (غلا 6: 9-10).

 

25- لننظر أيها الإخوة الأعزاء جدًا ماذا فعل جمع المؤمنين تحت قيادة الرسل عندما في بدء الكرازة ذاتها ازدهر الذهن بفضائل عظيمة، عندما كان إيمان المؤمنين حارًا وحمية الإيمان لا تزال حديثة. آنذاك باع المؤمنون بيوتهم وأملاكهم وبمنتهى البهجة والسخاء قدموا أثمانها للرسل لتقسيمها على الفقراء، ببيعهم وتوزيعهم إرثهم الأرضي نقلوا أملاكهم هناك حيث ينالوا ثمار قنية أبدية، هناك أعدوا لذواتهم بيوت حيث يبتدأوا فيها العيش إلى الأبد. هكذا كان سخائهم في الأعمال الصالحة آنذاك كما كانت وحدتهم في الحب مثلما نقرأ في سفر أعمال الرسل "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا" (أع 4: 32).

هذا هو بالحق (معنى) أن تصير ابنًا لله بولادة روحية، هذا هو (معنى) أن تقتدي باستقامة بالشريعة السماوية. لأن كل ما يخص الله، يكون مشاع لاستخدامنا ولا يُستثنى أحد من عطاياه ومعوناته حتى لا يمنع أحد من الجنس البشري كله من الاستمتاع المتساوي لصلاح الله وسخائه. لذلك ينير النهار بالتساوي للكل والشمس تشرق والمطر ينزل والرياح تهب ولمن ينامون يوجد نوم واحد وبهاء النجوم والقمر هو مشترك للكل. بهذا المثال للمساواة، من يملك شيء على الأرض ويشارك عوائده وأثماره ببر وعدل بسخاء اختياري هو مقتدي لله الآب.

 

26- ماذا سيكون -أيها الأحباء الأعزاء- ذلك المجد الذي للتصدق؟ كم سيكون فرح عظيم وكامل عندما يبتدأ الرب في عدّ شعبه ويوزع المكافآت لاستحقاقنا وأعمالنا، ليمنح السماويات عوض الأرضيات، الأبديات عوض الزمنيات، الأشياء العظيمة عوض الصغيرة، ليقدمنا للآب الذي له استعادنا بتقديس نفسه (يو 17: 19) ليسبغ علينا بالخلود الأبدي، الذي لأجله أعدّنا بدمه المحيي، ليردنا ثانية إلى الفردوس، ليفتح ملكوت السموات بالإيمان وصدق وعده! ليت هذه الأشياء تتشبث بشدة في أفكارنا. ليتنا نفهم هذه الأشياء بإيمان تام. ليتنا نعيش هذه الأمور بقلب كامل. ليت هذه الأشياء تُفتدى بأعمال سخية لا تتوقف.

أيها الإخوة الأعزاء عمل مجيد وإلهي هو عمل الصدقة، عزاء عظيم للمؤمنين، ضمان خلاصي لأمتنا، حصن للرجاء، حمى للإيمان، شفاء للخطية، شيء ما وضع في مقدور (متناول يد) الفاعل (لها)، شيء عظيم وسهل، إكليل سلام بدون خطر الاضطهاد، هبة عظيمة جدًا وحقيقية لله، ضرورية للضعيف، جليلة للقوي، وسيلة معينة بها يحمل المسيحي نعمة روحية، تجدر بالمسيح كديان وتجعل الله مدين للمتصدق.

لنسع بفرح وبسرعة لهذه السعفة لأعمال الخلاص. لنسع كلنا في سباق البر حيث يتطلع (إلينا) المسيح والله.

ليتنا نحن الذين قد ابتدأنا في أن نكون أعظم من هذه الحياة وهذا العالم ألا نتباطئ في مسيرتنا بشهوة لهذه الحياة وهذا العالم. لو جاء علينا يوم المجازاة أو الاضطهاد سريعًا وحالًا بينما نحن نرض في سباق الأعمال الصالحة هذا، لن يخفق الرب أبدًا في إعطائنا جزاء لاستحقاقنا. سيعطي لمن يفوزون في وقت السلام إكليل أبيض لأجل أعمالهم الصالحة، وسيعطي إكليل ثاني أرجواني -في الاضطهاد- لأجل آلامنا (التي نعانيها على أيدي المضطهدين).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(22) قد يكون الكلام هنا مستساغ أكثر لو كنا نعتبره موجه إلى أرملة...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/works-almsgiving.html

تقصير الرابط:
tak.la/yw4gyp7