St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   cyprian-treatises
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مقالات روحية: للقديس كبريانوس - القمص أنجيلوس المقاري

7- المقالة السادسة: الغيرة والحسد

 

1- أن تغير من الخير الذي تراه وتحسد من هم أفضل منك، فهذا أيها الإخوة الأحباء، أمر يبدو تافهًا وخطأ بسيط في عيون البعض، وعندما نظنه أمر زهيد وطفيف لا نخافه وعندما لا نخافه نستهين به، وعندما نستهين به لا يسهل تحاشيه فيصير مصدر خفي للهلاك والذي عندما لا يُدرك لكي يمكن للفطن أن يتحاشاه، تُبتلى به سرًا العقول الطائشة. لكن الرب أمرنا أيضًا أن نكون ساهرين باهتمام حذر لئلا خصمنا الساهر والكامن دائمًا في الانتظار لو زحف إلى داخل القلب يشعل لهب عظيم من الشرار ويصنع أشياء ضخمة جدًا من القليلة، وهكذا بينما يتملق المتراخي وغير الحذر بهواء أكثر اعتدال ونسيم لطيف، بعد إثارة الزوابع والعواصف يدبر ما يؤول إلى ضياع الإيمان ودمار الخلاص والحياة. لذلك يلزمنا أيها الإخوة الأحباء أن نأخذ حذرنا ونسعى بكل قوتنا لكي بسهر واجتهاد تام نصد العدو الذي يثور ويوجه سهامه ضد كل جزء من أجزاء الجسد يمكن أن نُضرب أو نُجرح منه، كما يحذرنا بطرس الرسول في رسالته ويعلّمنا قائلًا "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط 5: 8).

 

2- إنه يحيط بنا فردًا، فردًا وكمثل عدو يحاصر خصومه يستطلع الأسوار ويحاول أن يكتشف أيًا من أعضاءه أقل ثباتًا وأقل جدارة بالثقة والذين عن طريقهم يمكنه أن ينفذ إلى الداخل. إنه يقدم للعيون أشكال مغرية وملذات سهلة لكي يلاشي العفة بالنظر. إنه يجرب الآذان بالموسيقى العذبة ويوهن نشاطه. إنه يثير اللسان بالإهانات والتعييرات، ويحرض اليد بضربات موجعة حتى تنتهي به إلى قتل شرس. لكي يجعل من الإنسان غاش (مختلس) يقدم له المكسب الحرام، ليأسر النفس بالمال يقدم أرباح مؤذية، ويعد بالكرامات الأرضية ليلاشي السماوية، ويعرض المزيف لينزع الحقيقي، وعندما لا يمكنه المخادعة سرًا يهدد علانية وبوقاحة ويلوح بالخوف من اضطهاد هائج ليغلب عبيد الله، ودائمًا في حالة عداء معهم، ماكر في سلامه وعنيف في اضطهاده.

 

St-Takla.org Image: The temptation of Satan to Christ on the mountain - from "Illustrations of the Life of Christ", "From Christ in Art"; & "The Gospel Life of Jesus", artwork by Alexandre Bida, publisher: Edward Eggleston, New York: Fords, Howard, & Hulbert, 1874. صورة في موقع الأنبا تكلا: تجربة الشيطان للمسيح - التجربة على الجبل - من كتب "حياة المسيح المصورة"، "من المسيح في الفن"، و"الحياة الإنجيلية ليسوع"، للفنان أليكساندر بيدا، إصدار إدوارد إجيلستون، نيويورك: فوردز، هاورد وهيلبيرت، 1874 م.

St-Takla.org Image: The temptation of Satan to Christ on the mountain - from "Illustrations of the Life of Christ", "From Christ in Art"; & "The Gospel Life of Jesus", artwork by Alexandre Bida, publisher: Edward Eggleston, New York: Fords, Howard, & Hulbert, 1874.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تجربة الشيطان للمسيح - التجربة على الجبل - من كتب "حياة المسيح المصورة"، "من المسيح في الفن"، و"الحياة الإنجيلية ليسوع"، للفنان أليكساندر بيدا، إصدار إدوارد إجيلستون، نيويورك: فوردز، هاورد وهيلبيرت، 1874 م.

3- لذلك أيها الإخوة الأحباء على الذهن أن يقف جاهزًا ومتسلحًا ضد كل المؤامرات المخادعة أو التهديدات العلنية لإبليس ودائمًا مستعد للصد كاستعداد العدو الدائم للهجوم. وحيث أن سهامه التي تسرقنا سرًا هي كثيرة جدًا وإلقائه لها هو بطريقة أكثر خفاء وغدرًا وإلى درجة أننا لا نلحظ هذا، فهذا الهجوم هو الأكثر فعالية وله حظ أوفر في إصابتنا، فليتنا أيضًا نكون متنبهين لفهمها وصدها.

من بين هذه السهام التي للعدو الغيرة والحسد. لو كان لإنسان أن ينظر بإمعان لهذا، سيكتشف أن لا شيء ينبغي تحاشيه بالأكثر بالنسبة للمسيحي... لا شيء مطلوب له مزيد من الاحتراس حتى لا نقع فيه أكثر من الحسد والخبث، فلدى تعرقل الإنسان في الفخاخ العمياء للعدو المخادع عندئذ يتحول إلى بغضة أخ له بدافع من الحسد، فيتعمد أن يهلك بذات سيفه. ولكي يمكننا أن نحصر هذا الموضوع بالتمام وندركه بوضوح أكثر، لنرجع إلى مصدره وأصله. لنرى من أين تبتدئ الغيرة: متى وكيف؟ لأنه سيسهل جدًا تحاشي مثل هذا الشر الضار جدًا لو عرفنا منشأه وجسامته.

 

4- لأجل هذا السبب (الحسد) كان إبليس في بدء العالم ذاته كان أول من هلك وأهلك آخرين. (مع أنه كان) مدعومًا بعظمته الملائكية ومقبول وعزيز لدى الله، عندما رأى الإنسان مخلوقًا على صورة الله سقط في الغيرة بحسد حقود، غير مسقطًا آخر غيره بغريزة الغيرة قبل أن ينطرح هو ذاته فيها وأُسر بها قبل أن يأسر بها أحد وتحطم بها قبل أن يحطم بها غيره، عندما بدافع من الغيرة جرد الإنسان من نعمة الخلود التي أُعطيت له، هو نفسه فقد ما كان عليه من قبل.

أيها الإخوة الأحباء الحسد له مثل هذه الطبيعة فبه سقط ملاك، به أمكن لهذا الكائن العظيم والسامي أن يتم تطويقه وينهزم، وبه خُدع الذي يخدع. لذلك يتفشى الحسد بشدة على الأرض عندما من هو على وشك أن يهلك من الغيرة يطيع سيد الهلاك، عندما من يصير غيورًا يقتدي بإبليس كما هو مكتوب "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم" (حكمة سليمان 2: 24)، كذلك الذين هم في صفه يقتدون به.

 

5- من ثمّ ابتدأت أخيرًا البغضة والكراهية للأخوية الجديدة، من ثم القتل الكريه للأقارب، عندما غار قايين من هابيل البار، عندما الشرير اضطهد الصالح بدافع من الغيرة والحسد. هكذا كانت قوية شراسة المنافسة لإكمال الجريمة حتى إن لا الحب الأخوي ولا هول الجريمة ولا مخافة الله ولا عقوبة الخطية قد تم وضعها في الاعتبار. لقد اُضطهد ظلمًا من كان الأول في إظهار البرّ، من لم يعرف كيف يبغض عانى البغضة. قُتل بطريقة أثيمة من لم يقاوم بينما هو يموت. كانت الغيرة هي سبب عداء عيسو لأخيه يعقوب، لأنه بسبب أن يعقوب نال بركة أبيه، أضطرم عيسو بنيران الحسد حتى أبغض أخيه واضطهده. أما يوسف الذي باعه إخوته فإن سبب بيعهم إياه نابع من الغيرة. بعد أن انطلق ببساطة كأخ ليفتقد سلامة إخوته، فإن الفلاح (والسيادة عليهم) الذي ظهر في أحلامه ولّد الحسد في أذهانهم الحقودة.

أي شيء آخر سوى دافع الغيرة هو الذي كذلك أثار شاول الملك ليبغض داود، وليرغب في قتل ذلك الرجل الرحيم والطيب القلب والصبور ذو الوداعة الرقيقة باضطهادات متكررة كثيرة؟ لأنه -عندما قُتل جليات العدو العظيم بمعونة إلهية خرج الشعب وأبدى إعجابه واستحسانه لداود- التهب شاول بدافع من الحسد بنيران البغضة واضطهده. ولكي لا نجعل حديثنا مطولًا بعدّ أسماء أفراد، لننظر في هلاك الشعب الذي هلك مرة وإلى الأبد. ألم يهلك اليهود لأجل هذا السبب إذ أنهم فضّلوا الحسد على الإيمان بالمسيح؟ إذ ازدروا بالأعمال العظيمة التي فعلها، خدعتهم الغيرة العمياء ولم يكونوا قادرين على فتح عيون قلوبهم لكي يتعرفوا على أعماله الإلهية.

 

6- إذ ننظر أيها الإخوة المحبوبون هذه الأمور لنقوي بشجاعة ويقظة قلوبنا التي تكرست لله ضد شر عظيم مُهلك. لنستفيد من موت الآخرين لأجل خلاصنا ولتهب (لتمنح) عقوبة غير المتبصرين صحة للحريصين (الحذرين). لكن لا يوجد أي أساس لأن يظن أي شخص أن شرًا كهذا يُحتوى في شكل (نمط) واحد أو يكون محدود في حدود وجيزة وداخل نطاق ضيق. إن الهلاك المتنوع والخصيب للغيرة ينتشر على نطاق واسع. إنها أصل كل الشرور، منبع الكوارث، مشتل الخطايا، جوهر التعديات. منها تنشأ البغضة، الكراهية تنبع منها. تلهب الغيرة الطمع، عندما لا يقنع الإنسان بما لديه لدى رؤيته آخر أغنى منه. تحض الغيرة على الطموح (أو حب الرفعة والشهرة) عندما يرى الإنسان غيره أكثر رفعة ومجدًا. عندما تعمي الغيرة حواسنا وتكتسح مخادع العقل، يُحتقر الخوف من الله ويُهمل تعليم المسيح ولا يعمل الإنسان حساب ليوم الدينونة. تنتفخ الكبرياء، تتأجج الوحشية، يراوغ الجحود (عدم الوفاء)، يتهيج عدم الصبر، يشتعل الشقاق، يلتهب الغضب ولا يمكن أيضًا لمن صار خاضعًا لقوة غريبة أن يحكم أو يضبط ذاته. من ثمّ ينكسر رباط سلام الرب، من ثمّ تُنتهك المحبة الأخوية، من هنا يتم خيانة الحق وتنكسر الوحدة ويوجد تورط في الهرطقات والانشقاقات، عندما يُزدري بالكهنة ويُغار من الأساقفة، عندما يشتكي أحدهم أنه لم يُرسم (كاهن أو أسقف) أو يستنكف عن احتمال من تم وضعه رئيسًا عليه. من هنا يقاوم ويتمرد الإنسان المتكبر بدافع من الغيرة، ويضل بدافع من الحسد والحقد ويغير ويعادي ليس إنسان بل المركز الذي ناله الآخر.

 

7- في الواقع إن الدودة القارضة للنفس هي على هذا النمط. أي وباء (طاعون) لأفكار الإنسان، كم هو عفن (صدأ) عظيم للقلب أن يغير الإنسان إما من فضيلة أو سعادة آخر، أي أن تكره فيه استحقاقاته أو الأنعام الإلهية عليه، (وبهذا) تحيل خيرات الآخرين إلى شر (لك)، فتتعذب بفلاح ونجاح الشهيرين وتجعل من مجد الآخر سبب عقوبة لك، ويكون الإنسان جلاّد لقلبه ويعذب أفكاره ومشاعره ويضرب المخادع السرية للقلب بمخالب الحقد! لا يمكن لأي طعام أن يبهج هؤلاء الناس ولا الشراب أن يسرّهم. دائمًا يوجد تأوه وأنين ووجع وحيث أن الغيرة لا يدركها أبدًا الغيور فإن قلبه مُحاصر بها الليل والنهار ويتعذب بلا توقف. الشرور الأخرى لها نهاية وأية خطية تُقترف تنتهي بتنفيذها. يتوقف جرم الزاني بعد اقترافه لفعل الشهوة، وجرم القاتل يهدأ عندما يقترف القتل وبامتلاك الأشياء المسلوبة يتوقف جشع اللص، واكتمال الخداع يلّطف من حالة (ومزاج) المخادع. أما الغيرة فلا نهاية لها، فهي شر مستمر في البقاء وخطية بلا نهاية، وطالما أن من هو محسود يحقق نجاحات أعظم، إلى هذا الحد (الأعظم) يلتهب الحسود بلهيب أكثر من نيران الغيرة.

 

8- من هنا (نرى) النظرة المهددة (في العينين)، المظهر الوحشي، شحوب لون الوجه، ارتعاش الشفاه، صرير الأسنان، كلمات مجنونة، إهانات بلا ضابط، يد متأهبة لعنف القتل، وحتى لو كانت اليد في ذلك الوقت بلا سيف لكنها متسلحة ببغضة ذهن هائج. ولذلك يقول الروح القدس في المزامير "لا تغر من الذي ينجح في طريقه" (مز 37: 7)، وأيضًا "الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه. الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت" (مز 37: 12-13). إن بولس الطوباوي يشير إلى هذا عندما يقول "سُم الأصلال تحت شفاههم وفمهم مملوء لعنة ومرارة، أرجلهم سريعة إلى سفك الدم. في طرقهم اغتصاب وسحق، وطريق السلام لم يعرفوه، ليس خوف الله قدام عيونهم" (رو 2: 13-18).

 

9- الشر يكون أخف وأقل خطورة عندما تكون أطراف الجسد قد جرحها سيف. يسهل الشفاء حيث الجرح ظاهر، وعندما يُستخدم العلاج يسترد ما هو مرئي صحته بسرعة. جروح الغيرة هي جروح خفية ومستورة وهي أيضًا لا تقبل علاج شافي، تلك التي أخفت ذاتها بألم مُبهم داخل أماكن الاختباء في الضمير. (يا) من هو غيور وحقود بينكم، لاحظ كيف أنت ماكر ومؤذي ومعادي لمن تكرهه. أنت عدو ليس لرخاء (لسعادة) آخر سوى ذاتك. أيًا كان من تضطهده بدافع من الغيرة، سيمكنه أن يفلت منك ويتحاشاك، أما أنت فلا يمكنك الإفلات من ذاتك، حيثما تكون يكون خصمك معك، العدو دائمًا في قلبك، الهلاك مُغلق عليه بالداخل، أنت مقيد ومربوط بسلسلة قيود لا مفر منها. أنت أسير الغيرة التي هي سيدتك وليس من عزاء يأتي لإراحتك. إنه شر مستمر أن تضطهد من هو (مواهبه) تنتمي لنعمة الله. إنها بلية بلا علاج أن تكره من هو سعيد.

 

10- ولذلك -أيها الإخوة الأحباء- إذ انتبه (أو وضع في اعتباره) الرب هذا الخطر فلئلا يسقط أحد في شباك الموت بدافع من الغيرة، قال عندما سأله التلاميذ من كان العظيم بينهم "من سيكون الأصغر بينكم، هذا سيكون الأعظم" (انظر لو 9: 48). إنه برده هذا قطع كل غيرة، واستأصل كل سبب وأساس لها. غير مسموح لأحد أن يكون غيورًا ولا إمكانية هناك بيننا لنزاع لأجل التعظيم. نحن ننمو (روحيًا) من التواضع إلى أعلى الإنجازات ومنه تعلّمنا كيف نكون محل رضى (الله).

أخيرًا عندما يرشدنا وينصحنا أيضًا بولس الرسول كيف أننا نحن الذين استنرنا بنور المسيح وأفلتنا من ظلمة أعمال الليل لكي نسير في أعمال وأفعال النور، يكتب قائلًا "قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد" (رو 13: 12-13). لو تراجع الظلام عن قلبك، لو تبدد الليل منه، لو بهاء النهار أضاء حواسك، لو ابتدأت تكون إنسان نور، نفذّ الأعمال التي للمسيح لأن المسيح هو النور وهو النهار.

 

11- لماذا تندفع في ظلمة الغيرة؟ لماذا تورط ذاتك في سُحب الحسد؟ لماذا تطفئ كل نور السلام والحب بعمى الحقد؟ لماذا تعود إلى إبليس الذي قد جحدته؟ لماذا صرت مثل قايين؟ لأن كون أنه مربوط بجريمة قتل نفس من صار حاسدًا لأخيه ويبغضه، فهذا يعلنه يوحنا الرسول في رسالته قائلًا "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" (1يو 3: 15). وأيضًا "من قال إنه في النور وهو يبغض أخاه، فهو إلى الآن في الظلمة. من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة. وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأنه الظلمة قد أعمت عينيه" (1يو 2: 9-11). إنه يقول: الذي يبغض أخاه يسلك في الظلام ولا يعلم أين يمضي لأنه يمضي إلى جهنم على غير دراية وبجهل وعمى يورط ذاته في العقوبة إذ قد انسحب من نور المسيح الذي يحذر قائلًا "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12).

لكنه يتبع المسيح من يثبت في وصاياه، من يسير في طريق تعاليمه، من يتبع خطواته وطرقه، من يقتدي بما علّم به المسيح وفعله، بحسب ما يحثنا وينصحنا أيضًا بطرس الرسول قائلًا "المسيح تألم أيضًا لأجلنا تاركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته" (1بط 2: 21).

 

12- ينبغي لنا أن نتذكر بأي اسم دعا السيد المسيح شعبه، بأي لقب سمى قطيعه. إنه يدعوهم خراف لكي تعادل براءة المسيحي براءة الخراف. إنه يدعوهم حملان لكيما بساطة ذهنهم تقتدي بالطبيعة البسيطة للحملان. لماذا يكمن الذئب تحت ثياب الخراف؟ لماذا الذي كذبًا يدعو نفسه مسيحي يشين قطيع المسيح؟ أي شيء آخر يمكن أن يكون التظاهر باسم المسيح وعدم السير في طريقه سوى مراوغة الاسم الإلهي، سوى التخلي عن طريق الخلاص؟ إذ أنه هو ذاته علّم وقال أن الذي قد حفظ وصاياه يأتي إلى الحياة (الأبدية) وأنه حكيم من سمع وعمل بكلامه، وأنه يُدعى أعظم معلم في ملكوت السموات من هكذا علّم وعمل. لذلك سيفيد الكارز جدًا الذي أحسن في كرازته لو أن ما نطق به فمه نفذّه في أعماله. لكن ما الذي حث عليه الرب تلاميذه بالأكثر، أيًا من بين نصائحه الخلاصية ووصاياه السماوية يلزم حفظها وتنفيذها أكثر من أنه بنفس الحب الذي به أحب هو ذاته تلاميذه، ينبغي لنا نحن أيضًا أن نحب بعضنا البعض؟ علاوة على ذلك كيف يحفظ سلام أو محبة الرب من بسبب تدخل الغيرة لا يمكنه أن يكون مسالم أو محب؟

 

13- كذلك أيضًا بولس الرسول عندما كان يعرض استحقاقات السلام والحب، وعندما كان يؤكد بشدة أن لا الصدقات ولا الآلام ذاتها التي للمعترف أو الشهيد يمكن أن تفيده ما لم يحفظ المتطلبات requirements سليمة بلا انتهاك، أضاف قائلًا "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد" (1كو 13: 4)، أي (هو) يعلّم ويبيّن أنه يمكنه أن يحفظ المحبة من هو متأني ومترفق وخالي من الغيرة والحسد.

كذلك في موضع آخر عندما كان ينصح أن الذي صار بالفعل ممتلئ بالروح القدس وابنًا لله بالميلاد السماوي ينبغي أن لا يتبع شيء سوى الروحيات والإلهيات، أرسى هذا فقال "وأنا أيها الإخوة لم استطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح. سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضًا لا تستطيعون. لأنكم بعد جسديون فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر" (1كو 3: 1-3).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

14- أيها الإخوة الأعزاء يلزم سحق الرذائل والخطايا الجسدانية ويتحتم أن ندوس بحمية روحية على الداء المزعج الذي للجسد الترابي لئلا عندما نرجع مرة ثانية إلى مخالطة الإنسان العتيق نصير معرقلين في شباك مميتة كما يحذر الرسول بطريقة مفيدة وحكيمة فيقول "فإذًا أيها الإخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد. لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون. لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو 8: 12-14). لو نحن أولاد الله، لو ابتدأنا بالفعل في أن نكون هياكله، لو بعد نوال الروح القدس نحيا بقداسة وروحانية، لو نحن رفعنا عيوننا من الأرض نحو السماء، لو رفعنا قلوبنا المملوءة بالمسيح والله إلى الإلهيات والسماويات، ليتنا لا نفعل شيء غير جدير بالمسيح والله كما ينهضنا ويستحثنا الرسول قائلًا "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كو 3: 1-4). لذلك ليتنا نحن الذين في المعمودية مُتنا ودُفنا من جهة الخطايا الجسدانية carnal التي للإنسان العتيق، نحن الذين قمنا مع المسيح في الولادة الثانية السماوية أن نعتبر ونفعل أيضًا الأشياء التي للمسيح كما يعلّم نفس الرسول أيضًا وينصح قائلًا "الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو 15: 47-49). علاوة على ذلك لا يمكننا أن نحمل الصور السماوية ما لم نُظهر -في الحالة التي ابتدأنا أن نكون عليها الآن- شبه المسيح.

 

15- لأن هذا يكون بتغيركم عما كنتم عليه وابتدائكم في أن تكونوا لما لم تكونوا عليه (من قبل) لكي يتلألأ فيكم الميلاد الإلهي، لكيما تتجاوب التلمذة الإلهية لله الآب، لكي إكرامًا وامتداحًا للحي يلمع الله في الإنسان كما يخص وينصح هو ذاته وكما يعد لمن يكرمونه بجائزة في المقابل فيقول "إني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون" (1صم 2: 30).

إن الرب يشكلّنا ويجهزنا لهذا التمجيد وابن الله يبث (فينا) شبه الله الآب فيقول في إنجيله "سمعتم إنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار و الظالمين" (مت 5: 43-45).

لو كان (أمر) يُفرح ويمجد البشر أن يكون لهم أولاد يشابهونهم ويبهجهم أن يكون نسلهم له نفس ملامح الأب، فكم تعظم فرحة الله الآب عندما من ولد هكذا روحيًا يعلن وعن طريقه يُمتدح الصلاح الإلهي. أي سعف (نخيل - علامة الانتصار) للبر يكون، أي إكليل لك أن لا يقول الله عنك "ربيت بنين ونشّأتهم، أما هم فعصوا عليّ" (إش 1: 2). ليت المسيح يمتدحكم بالأولى ويدعوكم إلى الجعالة قائلًا "تعالوا يا مباركي أبي رثوا المُلك المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34).

 

16- ينبغي أيها الإخوة أن يتقوى الذهن بالتأملات. ينبغي أن يتثبت ضد كل سهام إبليس بتداريب من هذا النوع. لتكن القراءة الروحية في متناول اليد ولتكن أفكار الرب في الحواس وليت الصلاة لا تتوقف على الإطلاق ولنثابر على أعمال الخلاص، ولنكن كلنا منشغلين بأعمال روحية لكي كلما يقترب العدو وكلما حاول التقدم نحونا، يجد القلب مغلق ومتسلح ضده. لأن نوال المسيحي للإكليل ليس فقط في زمن الاضطهاد بل فترة السلام أيضًا لها إكليل والتي فيها نتكلل كمنتصرين في حروب كثيرة متنوعة فيها أخضعنا وصرعنا إبليس خصمنا. أن تتغلب على الشهوة فهذا هو سعفة(21) العفة. أن تكن قاومت السخط (الغضب) والإهانة فهذا هو إكليل الصبر. انتصارك على الطمع هو في ازدرائك بالمال. امتداح الإيمان هو في الصبر على بلايا العالم بالإيمان في المستقبل. ومن لا يفتخر بالغنى يحصل على مجد الأتضاع. ومن هو يميل إلى رحمة مصادقة الفقير يجني مجازاة الكنز السماوي. ومن لا يعرف الغيرة وبعدم تردد وعطف يحب إخوته، يُكرم بمكافأة الحب والسلام. نحن نجري يوميًا في مسابقة الفضائل هذه ونصل لهذا السعف وأكاليل البرّ بدون توقف.

 

17- لكي يمكنك أنت أيضًا -يا من تمتلكك الغيرة والحسد- أن تدرك هذه الأكاليل، تخلى عن كل الحقد الذي أمسك فيك سابقًا وقوّم ذاتك لطريق الحياة الأبدية بخطوات الخلاص. انزع من قلبك الأشواك لكيما تغنيك بذار الرب بثمر خصيب، لكيما المحصول الروحي ينبثق بحصاد وفير جدًا. أخرج سم المرارة، اطرد ميكروب الانشقاقات (الخلافات)، لتدع الذهن -الذي أصابته غيرة الحية- يتطهر. لتدع كل المرارة التي استقرت في الداخل تلين بحلاوة المسيح. من سر الصليب تنال طعام وشراب، دع الخشبة التي أفادت في ماره (انظر خر 15: 22-25) تفيدك حقًا لتلطف القلب الذي تم تليينه، ولن تكد وتتعب لنوال علاج لزيادة الصحة. اشف ذاتك من المصدر الذي منه جُرحت. أحبب من أبغضتهم سابقًا. قدم التقدير والاحترام لمن حسدتهم بتحقيرات ظالمة (في السابق). اقتدي بالصالحين لو أمكنك أن تتبعهم، ابتهج معهم يقينًا وهنأ الأفاضل. اجعل ذاتك شريكًا لهم في حب متحد. اجعل ذاتك عضو في شركة المحبة وفي رابطة الأخوية. ديونك ستُغفر لك عندما أنت ذاتك ستغفر، وذبائحك ستُقبل عندما تأتي إلى الله كصانع سلام. سيوجه الله أفكارك وأعمالك عندما تتأمل في الأشياء التي هي إلهية وبارة كما هو مكتوب "ليتأمل قلب الإنسان الأشياء المستقيمة لكي يوجه الله خطواته" (انظر أم 16: 1).

 

18- علاوة على ذلك لك أشياء كثيرة لتتمعن فيها. تأمل الفردوس حيث لا يعود قايين الذي من باب الغيرة قتل أخيه. تأمل في ملكوت السموات الذي يقبل الرب فيه من لهم قلب وفكر واحد فقط. تأمل في حقيقة أن صانعي السلام فقط هم الذين يمكنهم أن يُدعوا أبناء لله، الذين باتحادهم بالميلاد الإلهي والناموس يتطابقون على شبه الله الآب والمسيح. تأمل أننا نركض في مشوار (مسيرة) حياتنا تحت أبصار عيني الله الذي هو ذاته يتطلع ويدين وأننا آنذاك أخيرًا يمكننا أن نصل إلى نقطة النجاح في رؤيته لو أبهجناه هنا بينما هو يلاحظ الآن أعمالنا، لو أظهرنا ذواتنا جديرين بنعمته وغفرانه، لو نحن الذين علينا أن نرضيه إلى الأبد، أرضيناه أولًا في هذا العالم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(21) سعف النخل هو رمز النصرة حسبما جاء في (رؤ 7: 9).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/jealousy-envy.html

تقصير الرابط:
tak.la/rgy7ktd