St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-1
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الأول: عالم ما قبل الطوفان وتاريخ رؤساء الآباء الأولين - القمص أنجيلوس المقاري

1- مقدمة هذا المجلد

 

كون "إله إبراهيم وإسحق ويعقوب" هو أيضًا "إله وأبو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح"، وكون "الذين هم من الإيمان، أولئك هم بنو إبراهيم" (غلا 3: 7)، هذه هي من بين أكثر الحقائق الثمينة للاستعلان. وهي تُرينا ليس فقط أمانة إلهنا وعظم امتيازاتنا، بل أيضًا تُرينا الحكمة العجيبة لخطة الخلاص وتماسكها الشامل. لأنه ينبغي رؤية الكتاب المقدس ليس فقط في أسفاره متفردة، بل أيضًا في ارتباطها وفي وحدتها ككل.

العهد القديم لا يمكن فصله أو فصمه من العهد الجديد، وكل واحد منهما (لا) يُعتبر مستقلًا عن الآخر. بل ولا يمكن لأي جزء من العهد القديم أن ينفصل عن بقية الأسفار فيه. فالمعنى التام والجمال الباهر لكل سفر (وجزء) يظهر فقط في تناسق ووحدة الكل. لذلك هم جميعًا يشكلون معًا سلسلة واحدة لا تنكسر، سلسلة تصل من البداية إلى زمن مجيء ربنا يسوع المسيح، الذي لأجله تم إعداد كل التاريخ السابق، وإليه أشارت كل الرموز وفيه كل المواعيد هي نعم وآمين.

آنذاك ما قد تكلم به الله إلى إبراهيم صار حقيقة مباركة، لأن "الكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم، سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم. إذًا الذين هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن" (غلا 3: 8-9). كون هذا الهدف العظيم ينبغي أن يكون في خاطرنا على الدوام ونحمله عبر كل تقلبات الزمن ومراحل تطور المدنية، وذلك بدون الاحتياج للتغيير، بل فقط يكشف وفي النهاية يعلن اكتماله، يقدم في الواقع أقوى تثبيت لإيماننا.

St-Takla.org Image: A prophet (top) (within B initial), the artist presents his work to God (bottom left) and the Creation of the Word (Genesis 1) - from: Chronicle of the World: Weltchronik (manuscript), by Rudolf von Ems, between 1350 and 1375. صورة في موقع الأنبا تكلا: أحد الأنبياء (بأعلى، مع حرف بي)؛ الفنان يقدم عمله لله (أسفل يسار)؛ خلق العالم (التكوين 1) - من مخطوط كتاب تاريخ العالم (ويلتكرونيك)، رودلف فون إمس، في الفترة ما بين 1350-1375 م.

St-Takla.org Image: A prophet (top) (within B initial), the artist presents his work to God (bottom left) and the Creation of the Word (Genesis 1) - from: Chronicle of the World: Weltchronik (manuscript), by Rudolf von Ems, between 1350 and 1375.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أحد الأنبياء (بأعلى، مع حرف بي)؛ الفنان يقدم عمله لله (أسفل يسار)؛ خلق العالم (التكوين 1) - من مخطوط كتاب تاريخ العالم (ويلتكرونيك)، رودلف فون إمس، في الفترة ما بين 1350-1375 م.

إنها أيضًا تعزية ثمينة لقلوبنا، لأننا نرى كيف أن مقاصد الله بالرحمة لا تزال كما هي، وتسير نفس طريق الغربة الذي سلكه الآباء والذي عبره وجّه الله العهد بأمان، نبتهج إذ نعرف أن لا مقاومة الإنسان بل ولا حتى عدم الأمانة من جانب شعبه أمكنها أن تجهض مشورة الله الكريمة.

"هو أحبنا من البدء، ويحبنا إلى النهاية".

وهذا ما نتعلمه من وحدة الكتاب المقدس.

لكن يمكننا أن نخرج بحقيقة أخرى وأيضًا مهمة. يوجد ليس فقط انسجامًا بل أيضًا ارتباطًا وثيقًا بين مختلف أجزاء الكتاب المقدس. كل سفر يشرح الآخر، يتبنى تعليمه ويطوره. وهكذا وحدة الكتاب المقدس ليست مثل وحدة مبنى فخم مهما كانت عبقرية خطة بنائه أو اتساع نسبه وأطواله، بل هو بالأحرى باستخدام تشبيه كتابي، مثل النور الذي يشرق أكثر وأكثر إلى النهار الكامل.

نحن نلاحظ نموه في تقدمه المضطرد، كلما كان الناس أكثر قدرة على تحمل مزيد من إعلانات أوفى ومستعدين لقبولها. الناموس، الرموز، التاريخ، النبوات ووعود العهد القديم كلها تكشف باضطراد وتطور نفس الحقيقة إلى أن تتضح في النهاية في ملئها في العهد الجديد. مع أن الكل يشهد لنفس الشيء، لكن لا يمكننا أن نترك أحدها دون الوقوع في الخطر، بل ولن نفهم أي جزء من الكتاب المقدس ما لم نضعه في سياقه ونراه في ارتباطه وعلاقته ببقية الأجزاء.

وهكذا عندما نأتي في النهاية إلى خاتمة الكتاب المقدس، نرى كيف أن خبر الخلقة والدعوة الأولى لأبناء الله والذي تسجل في سفر التكوين له نظيره ومقابله التام: تحققه في سفر الرؤيا الذي يخبرنا بأمجاد الخلقة الثانية وتكميل كنيسة الله. وهناك قول مشهور للقديس أُغسطينوس مضمونه: "فقط في العهد الجديد ينكشف القديم، والعهد الجديد يكمن مختفيًا في العهد القديم"

ففي عمل ضخم يتكون من أسفار كثيرة كُتبت تحت ظروف مختلفة وبأقلام كتّاب متنوعين وعلى فترات غاية في البعد، لابد أن توجد "أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين" (2بط 3: 16)، لا يمكن لها يقينًا أن تفاجئنا وبالأخص عندما نتذكر أن قصد الله هو أن يرسل مزيدًا من النور كلما كان البشر قادرين على تحمله.

وبخلاف ذلك علينا أن نتوقع أنه مع قدراتنا ومعرفتنا المحدودتين، لن نكون قادرين على أن نفهم تمامًا طرق الله. لكن من الناحية الأخرى يمكننا أن نقول بأمان ودون أن يجانبنا الصواب، أنه كلما كانت دراستنا أكثر عمقًا وهدوءًا وتدقيقًا، كلما جلبت لنا مزيدًا من الأدلة والبراهين التي تثّبت وتشدد إيماننا ضد كل هجمات العدو.

لكن الهدف النهائي لقراءتنا ليس المعرفة بل تذوق النعمة واختبارها. لأنه لو نفهم الكتاب المقدس كما ينبغي، كله مليء بالمسيح والمقصود من كل أجزائه أن تشير إلى المسيح بكونه مخلصنا الوحيد. ليس فقط الناموس، والذي هو مؤدب (ناظر مدرسة) إلى المسيح، ليس فقط الرموز والتي هي ظلال للمسيح، بل ولا حتى النبوات والتي هي تتنبأ عن المسيح، إنما كل تاريخ العهد القديم ممتلئ بالمسيح.

فحتى في غياب أشخاص، يمكن للأحداث أن تكون رموزًا. وحتى لو أخفق أحد في رؤية إسحق أو يوسف كرمز شخصي للمسيح، لن يمكنه أن ينكر تقديم إسحق كذبيحة أو بيع يوسف وتهيئته لطعام ليقوت إخوته في المجاعة وبعدها، بكونها رموزًا لأحداث في تاريخ الرب يسوع.

وهكذا في الواقع كل حدث يشير إلى المسيح، فكما هو على السواء بداية ومركز ونهاية كل التاريخ، هو" هو أمس واليوم وإلى الأبد". شيء وحيد ينتج من هذا: فقط تلك القراءة أو الدراسة للأسفار يمكن أن تكون كافية أو مفيدة التي بها نتعلم أن نعرف المسيح وأنه هو "الطريق والحق والحياة" بالنسبة لنا. ولأجل هذا القصد ينبغي لنا أن نطلب على الدوام معونة وتعليم الروح القدس لنا.

يمكن أن تجد لها موضعًا هنا بعض ملاحظات قصيرة وقليلة تساعد في دراسة تاريخ رؤساء الآباء.

بصفة عامة يمكن ترتيب العهد القديم إلى "التوراة والأنبياء". ومن المحتمل أنه إشارة إلى هذا التقسيم أن التوراة يتكون من أسفار موسى الخمسة، وحيث أن رقم عشرة عدد يرمز إلى الكمال، لذا التوراة نصف كامل فقط، بدون الأنبياء والمواعيد. لكن يقينًا هذا التقسيم الخماسي للتوراة يتجاوب مع ترتيب سفر المزامير إلى خمس كتب كل واحد منها يختم ببركة على النحو التالي:

الكتاب الأول: (مزمور 1-41)؛ الثاني (مز 42-72)؛ الثالث (مز 73-89)؛ الرابع (مز 90-106)؛ الخامس (مز 107-150)، والمزمور الأخير يقف بمفرده بكونه البركة العظيمة النهائية.

التوراة أو أسفار موسى الخمسة، وكل واحد منها حمل اسم في الترجمة اليونانية تعبّر عن محتوياته أطلقها عليه مترجمو النسخة السبعينية: التكوين (منشأ الخليقة)، الخروج (العتق من مصر)، اللاويين، العدد، التثنية. أما اليهود في العبرية فكانوا يعطون اسم السفر من أول كلمة بارزة يبدأ بها.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

يتكون سفر التكوين من جزئين رئيسيين، وكل جزء منهما ينقسم إلى خمسة مقاطع. وكل مقطع يتميز بوضوح بكونه يبدأ كلمة "مواليد"، وهو على النحو التالي:

الجزء الأول: تاريخ العالم إلى الترتيب النهائي واستقرار مختلف الأمم.

مقدمة عامة: (تك 2: 1 - 3: 1)

1- مبادئ السموات والأرض حين خُلقت: (تك 2: 4 - 4: 26).

2- كتاب مواليد آدم: (تك 5: 1- 6: 8).

3- مواليد نوح: (تك 6: 9 - 9: 29).

4- مواليد بني نوح: (تك 10: 1 - 11: 9).

5- مواليد سام: (تك 11: 10-26).

 

الجزء الثاني: تاريخ رؤساء الآباء.

1- مواليد تارح والد إبراهيم: (تك 11: 27 - 25: 11).

2- مواليد إسماعيل: (تك 25: 12-18).

3- مواليد إسحق: (تك 25: 19 - 35: 29).

4- مواليد عيسو (تك 36).

5- مواليد يعقوب (تك 37).

 

St-Takla.org Image: The Bible History: Old Testament: Volume 1: The World Before the Flood and the History of the Patriarchs, by Alfred Edersheim, Book cover (with back cover) - Translated by Monk Father Angelos Al-Makary. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الأول: عالم ما قبل الطوفان وتاريخ رؤساء الآباء الأولين (مع الغلاف الخلفي) - ترجمة أبونا الراهب القمص أنجيلوس المقاري.

St-Takla.org Image: The Bible History: Old Testament: Volume 1: The World Before the Flood and the History of the Patriarchs, by Alfred Edersheim, Book cover (with back cover) - Translated by Monk Father Angelos Al-Makary.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الأول: عالم ما قبل الطوفان وتاريخ رؤساء الآباء الأولين (مع الغلاف الخلفي) - ترجمة أبونا الراهب القمص أنجيلوس المقاري.

هذان الجزءان يشكلان معًا عشرة مقاطع حيث عشرة رقم الكمال، وكل مقطع يتغير في طوله بحسب أهمية محتوياته، بقدر ما تركز على تاريخ ملكوت الله. لأن كلا هذان الجزءان أو بالأحرى الفترات التي تصفها لها مثل هذه السمة. في الأولى نرى على التتابع منزلة الإنسان الأصلية وعلاقته تجاه الله، ثم سقوطه وما ترتب عليه من احتياج للفداء، وبعد ذلك ما هيأه الله من رحمة تفضل بها.

قبول أو رفض عرض الرحمة يعني ضمنيًا فصل كل البشر إلى فئتين: بني شيث وبني قايين. وأيضًا الحكم على الأشرار بالطوفان وحفظ شعبه، هما رمز لكل الأوقات، بينما سلسلة المواليد والانقسام إلى أمم مختلفة، وفصل بني سام يتضمن اختيار أمة واحدة منها ينبغي أن ينشأ الخلاص لكل البشرية.

في الجزء الأول ينصب اهتمام التاريخ حول أحداث أكثر مما حول أشخاص. والعكس في الجزء الثاني حيث تاريخ العهد وشعب العهد يبدأ بدعوة إبراهيم ويستمر في إسحق وفي يعقوب ونسله. هنا الاهتمام متركزًا في الأشخاص أكثر من الأحداث، ونرى على التوالي وعود الله الثمينة عند الكشف عنها ومعاملات الله الكريمة عندما تساهم في تدريب رؤساء الآباء.

سفر التكوين ومعه الفترة الأولى من تاريخ العهد ينتهي ويختم عندما تتسع العائلة لتصير أمة.

أخيرًا من جهة الترتيب الخاص للمواليد المسجلة على مدى سفر التكوين، سنلاحظ أنه -إن جاز القول- الفروع الجانبية يتم على الدوام استئصالها قبل أن يمتد الفرع الرئيسي إلى الأمام. هكذا تاريخ قايين ونسله يسبق الذي لشيث ونسله، سلسلة أنساب يافث وحام يسبق الذي لسام، وتاريخ إسماعيل وعيسو يسبق الذي ليعقوب.

لأن مبدأ الاختيار والفرز للفصل والنعمة يشكل القاعدة والأساس من بدء كل تاريخ العهد. وهو يظهر في دعوة إبراهيم ويستمر عبر كل تاريخ رؤساء الآباء، ومع أن العائلة المقدسة تتسع وتشكل أمة، لكن الوعد يضيق أولًا وينحصر على بيت داود وأخيرًا في شخص واحد، شخص ابن داود الرب يسوع المسيح، الذي هو النبي والكاهن والملك والذي فيه يمكن أن ينفتح ملكوت السموات لكل المؤمنين، ومن شخصه تتدفق بركات الخلاص لكل البشر.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-1/volume-1.html

تقصير الرابط:
tak.la/7j9ps4t